بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 أبريل 2010

نبذ من "اعلام الموقعين"/5

فصل القياسيون يجمعون بين ما فرق الله ويفرقون بين ما جمع
وجمعتم بين ما فرق الله بينه من الأعضاء الطاهرة والأعضاء النجسة فنجستم الماء الذي يلاقي هذه وهذه عند رفع الحدث وفرقتم بين ما جمع الله بينه من الوضوء والتيمم فقلتم يصح أحدهما بلا نية دون الآخر وجمعتم بين ما فرق الله بينهما من الشعور والأعضاء فنجستم كليهما بالموت وفرقتم بين ما جمع الله بينهما من سباع البهائم فنجستم منها الكلب والخنزير دون سائرها وجمعتم بين ما فرق الله بينه وهو الناسي والعامد والمخطء والذاكر والعالم والجاهل فإنه سبحانه فرق بينهم في الإثم فجمعتم بينهم في الحكم في كثير من المواضع كمن صلى بالنجاسة ناسيا أو عامدا وكمن فعل المحلوف عليه ناسيا أو عامدا وكمن تطيب في إحرامه أو قلم ظفره أو حلق شعره ناسيا أو عامدا فسويتم بينهما وفرقتم بين ما جمع الله بينه من الجاهل والناسي فأوجبتم القضاء على من أكل في رمضان جاهلا ببقاء النهار دون الناسي وفي غير ذلك من المسائل وفرقتم بين ما جمع الله بينه من عقود الإجارات كاستئجار الرجل لطحن الحب بنصف كر من دقيق واستئجاره لطحنه بنصف كر منه فصححتم الأول دون الثاني مع استوائهما من جميع الوجوه وفرقتم بأن العمل في الأول في العوض الذي استأجره به ليس مستحقا عليه وفي الثاني العمل مستحق عليه فيكون مستحقا له وعليه وهذا فرق صوري لا تأثير

له ولا تتعلق بوجوده مفسدة قط لا جهالة ولا ربا ولا غرر ولا تنازع ولا هي مما يمنع صحة العقد بوجه وأي غرر أو مفسدة أو مضرة للمتعاقدين في أن يدفع إليه غزله ينسجه ثوبا بربعه وزيتونه يعصره زيتا بربعه وحبه يطحنه بربعه وأمثال ذلك مما هو مصلحة محضة للمتعاقدين لا تتم مصلحتهما في كثير من المواضع إلا به فإنه ليس كل واحد يملك عوضا يستأجر به من يعمل له ذلك والأجير محتاج إلى جزء من ذلك والمستأجر محتاج إلى العمل وقد تراضيا بذلك ولم يأت من الله ورسوله نص يمنعه ولا قياس صحيح ولا قول صاحب ولا مصلحة معتبرة ولا مرسلة ففرقتم بين ما جمع الله بينه وجمعتم بين ما فرق الله بينه فقلتم لو اشترى عنبا ليعصره خمرا أو سلاحا ليقتل به مسلما ونحو ذلك إن البيع صحيح وهو كما لو اشتراه ليقتل به عدو الله ويجاهد به في سبيله أو اشترى عنبا ليأكله كلاهما سواء في الصحة وجمعتم بين ما فرق الله بينه فقلتم لو استأجر دارا ليتخذها كنيسة يعبد فيها الصليب والنار جاز له كما لو استأجرها ليسكنها ثم ناقضتم أعظم مناقضة فقلتم لو استأجرها ليتخذها مسجدا لم تصح الإجارة وفرقتم بين ما جمع الله بينه فقلتم لو استأجر أجيرا بطعامه وكسوته لم يجز والله سبحانه لم يفرق بين ذلك وبين استئجاره بطعام مسمى وثياب معينة وقد كان الصحابة يؤجر أحدهم نفسه في السفر والغزو بطعام بطنه ومركوبه وهم أفقه الأمة وفرقتم بين ما جمع الله بينه من عقدين متساويين من كل وجه وقد صرح المتعاقدان فيهما بالتراضي وعلم الله سبحانه تراضيهما والحاضرون فقلتم هذا عقد باطل لا يفيد الملك ولا الحل حتى يصرحا بلفظ بعت واشتريت ولا يكفيهما أن يقول كل واحد منهما أنا راض بهذا كل الرضى ولا قد رضيت بهذا عوضا عن هذا مع كون هذا اللفظ أدل على الرضى الذي جعله الله سبحانه شرطا للحل من لفظه بعت واشتريت فإنه لفظ صريح فيه وبعت واشتريت إنما يدل عليه باللزوم وكذلك عقد النكاح وليس ذلك

من العبادات التي تعبدنا الشارع فيها بألفاظ لا يقوم غيرها مقامها كالأذان وقراءة الفاتحة في الصلاة وألفاظ التشهد وتكبيرة الإحرام وغيرها بل هذه العقود تقع من البر والفاجر والمسلم والكافر ولم يتعبدنا الشارع فيها بألفاظ معينة فلا فرق أصلا بين لفظ الإنكاح والتزويج وبين كل لفظ يدل على معناهما
وأفسد من ذلك اشتراط العربية مع وقوع النكاح من العرب والعجم والترك والبربر ومن لا يعرف كلمة عربية والعجب أنكم اشترطتم تلفظه لفظ لا يدري ما معناه البتة وإنما هو عنده بمنزلة صوت في الهواء فارغ لا معنى تحته فعقدتم العقد به وأبطلتموه بتلفظه باللفظ الذي يعرفه ويفهم معناه ويميز بين معناه وغيره وهذا من أبطل القياس ولا يقتضي القياس إلا ضد هذا فجمعتم بين ما فرق الله بينه وفرقتم بين ما جمع الله بينه
وبإزاء هذا القياس قياس من يجوز قراءة القرآن بالفارسية ويجوز انعقاد الصلاة بكل لفظ يدل على التعظيم كسبحان الله وجل الله والله العظيم ونحوه عربيا كان أو فارسيا ويجوز إبدال لفظ التشهد بما يقوم مقامه وكل هذا من جنايات الآراء والأقيسة والصواب اتباع ألفاظ العبادات والوقوف معها وأما العقود والمعاملات فإنما يتبع مقاصدها والمراد منها بأي لفظ كان إذا لم يشرع الله ورسوله لنا التعبد بألفاظ معينة لا نتعداها
وجمعتم بين ما فرق الله بينه من إيجاب النفقة والسكنى للمبتوتة وجعلتموها كالزوجة وفرقتم بين ما جمع الله ورسوله بينه من ملازمة الرجعية المعتدة والمتوفي عنها زوجها منزلهما حيث يقول تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وحيث أمر النبي ص - المتوفي عنها أن تمكث

في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله وجمعتم بين ما فرق الله بينهما من بول الطفل والطفلة الرضيعين فقلتم يغسلان وفرقتم بين ما جمعت السنة بينه من وجوب غسل قليل البول وكثيره وفرقتم بين ما جمع الله ورسوله بينهما من ترتيب أعضاء الوضوء وترتيب أركان الصلاة فأوجبتم الثاني دون الأول ولا فرق بينهما لا في المعنى ولا في النقل والنبي ص - هو المبين عن الله سبحانه أمره ونهيه ولم يتوضأ قط إلا مرتبا ولا مرة واحدة في عمره كما لم يصل إلا مرتبا ومعلوم أن العبادة المنكوسة ليست كالمستقيمة ويكفي هذا الوضوء اسمه وهو أنه وضوء منكس فكيف يكون عبادة وجمعتم بين ما فرق الله بينه من إزالة النجاسة ورفع الحدث فسويتم بينهما في صحة كل منهما بغير نية وفرقتم بين ما جمع الله بينهما من الوضوء والتيمم فاشترطتم النية لأحدهما دون الآخر وتفريقكم بأن الماء يطهر بطبعه فاستغنى عن النية بخلاف التراب فإنه لا يصير مطهرا إلا بالنية فرق صحيح بالنسبة إلى إزالة النجاسة فإنه مزيل لها بطبعه وأما رفع الحدث فإنه ليس رافعا له بطبعه إذ الحدث ليس جسما محسوسا يرفعه الماء بطبعه بخلاف النجاسة وإنما يرفعه بالنية فإذا لم تقارنه النية بقي على حاله فهذا هو القياس المحض
وجمعتم بين ما فرق الله بينه فسويتم بين بدن أطيب المخلوقات وهو ولي الله المؤمن وبين بدن أخبث المخلوقات وهو عدوه الكافر فنجستم كليهما بالموت ثم فرقتم بين ما جمع الله بينه فقلتم لو غسل المسلم ثم وقع في ماء لم ينجسه ولو غسل الكافر ثم وقع في ماء نجسه ثم ناقضتم في الفرق بأن المسلم إنما غسل ليصلي عليه فطهر بالغسل لاستحالة الصلاة عليه وهو نجس بخلاف الكافر وهذا الفرق ينقض ما أصلتموه من أن النجاسة بالموت

نجاسة عينية فلا تزول بالغسل لأن سببها قائم وهو الموت وزوال الحكم مع بقاء سببه ممتنع فأي القياسين هو المعتد به في هذه المسألة
وفرقتم بين ما جمعت السنة والقياس بينهما فقلتم لو طلعت عليه الشمس وقد صلى من الصبح ركعة بطلت صلاته ولو غربت عليه الشمس وقد صلى من العصر ركعة صحت صلاته والسنة الصحيحة الصريحة قد سوت بينهما وتفريقكم بأنه في الصبح خرج من وقت كامل إلى غير وقت كامل ففسدت صلاته وفي العصر خرج من وقت كامل إلى وقت كامل وهو وقت صلاة فافترقا ولو لم يكن في هذا القياس إلا مخالفته لصريح السنة لكفى في بطلانه فكيف وهو قياس فاسد في نفسه فإن الوقت الذي خرج إليه في الموضعين ليس وقت الصلاة الأولى فهو ناقص بالنسبة إليها ولا ينفع كماله بالنسبة إلى الصلاة التي هو فيها
فإن قيل لكنه خرج إلى وقت نهي في الصبح وهو وقت طلوع الشمس ولم يخرج إلى وقت نهي في المغرب
قيل هذا فرق فاسد لأنه ليس بوقت نهي عن هذه الصلاة التي هو فيها بل هو وقت أمر بإتمامها بنص صاحب الشرع حيث يقول فليتم صلاته وإن كان وقت نهي بالنسبة إلى التطوع فظهر أن الميزان الصحيح مع السنة الصحيحة وبالله التوفيق
وجمعتم بين ما فرق الله بينه فقلتم المختلعة البائنة التي قد ملكت نفسها يلحقها الطلاق فسويتم بينها وبين الرجعية في ذلك وقد فرق الله بينهما بأن جعل هذه مفتدية لنفسها مالكة لها كالأجنبية وتلك زوجها أحق بها ثم فرقتم بين ما جمع الله بينه فأوقعتم عليها مرسل الطلاق دون معلقه وصريحه دون كنايته ومن المعلوم أن من ملكه الله أحد الطلاقين ملكه الآخر ومن لم يملكه هذا لم يملكه هذا

وجمعتم بين ما فرق الله بينه فمنعتم من أكل الضب وقد أكل على مائدة رسول الله ص - وهو ينظر وقيل له أحرام هو فقال لا فقستموه على الأحناش والفيران وفرقتم بين ما جمعت السنة بينه من لحوم الخيل التي أكلها الصحابة على عهد رسول الله ص - مع لحوم الأبل وأذن الله تعالى فيها فجمع الله تعالى ورسوله بينهما في الحل وفرق الله ورسوله بين الضب والحنش في التحريم
وجمعتم بين ما فرقت السنة بينه من لحوم الإبل وغيرها حيث قال توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم فقلتم لا نتوضأ من هذا ولا من هذا وفرقتم بين ما جمعت الشريعة بينه فقلتم في القيء إن كان ملء الفم فهو حدث وإن كان دون ذلك فليس بحدث لا يعرف في الشريعة شيء يكون كثيره حدثا دون قليله وأما النوم فليس بحدث وإنما هو مظنته فاعتبروا ما يكون مظنة وهو الكثير وفرقتم بين ما جمع الله بينه فقلتم لو فتح على الإمام في قراءته لم تبطل صلاته ولكن تكره لإن فتحه قراءة منه والقراءة خلف الإمام مكروهة ثم قلتم فلو فتح على قارىء غير إمامه بطلت صلاته لأن فتحه عليه مخاطبة له فأبطلت الصلاة ففرقتم بين متماثلين لأن الفتح إن كان مخاطبة في حق غير الإمام فهو مخاطبة في حق الإمام وإن لم يكن مخاطبة في حق الإمام فليس بمخاطبة في حق غيره ثم ناقضتم من وجه آخر أعظم مناقضة فقلتم لما نوى الفتح على غير الإمام خرج عن كونه قارئا إلى كونه مخاطبا بالنية ولو نوى الربا الصريح والتحليل الصريح وإسقاط الزكاة بالتمليك الذي اتخذه حيلة لم يكن مرابيا ولا مسقطا للزكاة ولا محللا بهذه النية
فيا لله العجب كيف أثرت نية الفتح والإحسان على القارىء وأخرجته عن كونه قارئا إلى كونه مخاطبا ولم تؤثر نية الربا والتحليل مع إساءته بهما وقصده

نفس ما حرمه الله فتجعله مرابيا محللا وهل هذا إلا خروج عن محض القياس وجمع بين ما فرق الشارع بينهما وتفريق بين ما جمع بينهما
وقلتم لو اقتدى المسافر بالمقيم بعد خروج الوقت لا يصح اقتداؤه ولو اقتدى المقيم بالمسافر بعد خروج الوقت صح اقتداؤه
وهذا تفريق بين متماثلين ولو ذهب ذاهب إلى عكسه لكان من جنس قولكم سواء ولأمكنه تعليله بنحو ما عللتم به
ووجهتم الفرق بأن من شرط صحة اقتداء المسافر بالمقيم أن ينتقل فرضه إلى فرض إمامه وبخروج الوقت استقر الفرض عليه استقرارا لا يتغير بتغير حاله فبقي فرضه ركعتين فلو جوزنا له اقتداءه بالمقيم بعد خروج الوقت جوزنا اقتداء من فرضه ركعتان بمن فرضه أربع وهذا لا يصح كمصلي الفجر إذا اقتدى بمصلي الظهر وليس كذلك المقيم إذا اقتدى بالمسافر بعد خروج الوقت إذ ليس من شرط صحة اقتداء المقيم بالمسافر أن ينتقل فرضه إلى فرض إمامه بدليل أنه لو اقتدى به في الوقت لم ينتقل فرضه إلى فرض إمامه بخلاف المسافر فإنه لو اقتدى بالمقيم في الوقت انتقل فرضه إلى فرض إمامه
ثم ناقضتم وقلتم إذا كان الإمام مسافرا وخلفه مسافرون ومقيمون فاستخلف الإمام مقيما فإن فرض الإمام لا ينتقل إلى فرض إمامه وهو فرض المقيمين مع أن الفرق في الأصل مدخول وذلك أن الصلاتين سواء في الاسم والحكم والوضع والوجوب وإن اختلفتا في كون الإمام مصليا فإذا صلى الإمام أربعا وجب على المأموم أن يصلي بصلاته كما لو كان في الوقت وخرج الوقت لا أثر له في ذلك فإن الذي فرضه الله عليه في الوقت هو بعينه فرضه بعد الوقت ولا سيما إذا كان نائما أو ناسيا فإن وقت اليقظة والذكر هو الوقت الذي شرع الله له الصلاة فيه وعذر السفر قائم

وارتباط صلاته بصلاة الإمام حاصل فما الذي فرق بين الصورتين مع اتحاد السبب الجامع وقيام الحكمة المجوزة للقصر والمرجحة لمصلحة الاقتداء عند الانفراد وفرقتم بين ما جمعت الشريعة بينهما وهو الحيض والنفاس فجعلتم أقل الحيض محدودا إما بثلاثة أيام أو بيوم وليلة أو بيوم ولم تحدوا أقل النفاس وكلاهما دم خارج من الفرج يمنع أشياء ويوجب أشياء وليسا اسمين شرعيين لم يعرفا إلا بالشريعة بل هما اسمان لغويان رد الشارع أمته فيهما إلى ما يتعارفه النساء حيضا ونفاسا قليلا كان أو كثيرا وقد ذكرتم هذا بعينه في النفاس فما الذي فرق بينه وبين الحيض ولم يأت عن الله ولا عن رسوله ولا عن الصحابة تحديد أقل الحيض بحد أبدا ولا في القياس ما يقتضيه
والعجب أنكم قلتم المرجع فيه إلى الوجود حيث لم يحده الشارع ثم ناقضتم فقلتم حد أقله يوم وليلة
وأما أصحاب الثلاث فإنما اعتمدوا على حديث توهموه صحيحا وهو غير صحيح باتفاق أهل الحديث فهم أعذر من وجه قال المفرقون بل فرقنا بينهما بالقياس الصحيح فإن للنفاس علما ظاهرا يدل على خروجه من الرحم وهو تقدم الولد عليه فاستوى قليله وكثيره لوجود علمه الدال عليه وليس مع الحيض علم يدل على خروجه من الرحم فإذا امتد زمنه صار امتداده علما ودليلا على أنه حيض معتاد وإذا لم يمتد لم يكن معنا ما يدل عليه أنه حيض فصار كدم الرعاف
ثم ناقضوا في هذا الفرق نفسه أبين مناقضة فقال أصحاب الثلاث لو امتد يومين ونصف يوم دائما لم يكن حيضا حتى يمتد ثلاثة أيام
وقال أصحاب اليوم لو امتد من غدوة إلى العصر دائما لم يكن حيضا حتى يمتد إلى غروب الشمس فخرجوا بالقياس عن محض القياس

وقلتم إذا صلى جالسا ثم تشهد في حال القيام سهوا فلا سجود عليه وإن قرأ في حال التشهد فعليه السجود وهذا فرق بين متساويين من كل وجه وقلتم إذا افتتح الصلاة في المسجد فظن أنه قد سبقه الحدث فانصرف ليتوضأ ثم علم أنه لم يسبقه الحدث وهو في المسجد جاز له المضي على صلاته وكذلك لو ظن أنه قد أتم صلاته ثم علم أنه لم يتم ثم قلتم لو ظن أن على ثوبه نجاسة أو أنه لم يكن متوضئا فانصرف ليتوضأ أو يغسل ثوبه ثم علم أنه كان متوضئا أو طاهر الثوب لم يجز له البناء على صلاته ففرقتم بين ما لا فرق بينهما وتركتم محض القياس وفرقتم بأنه لما ظن سبق الحدث فقد انصرف من صلاته انصراف استئناف لا انصراف رفض فإنه لو تحقق ما ظنه جاز له المضي فلم يصر قاصدا للخروج من الصلاة فلم يمتنع البناء وكذلك لو ظن أنه قد أتم صلاته فلم ينصرف انصراف رفض وإذا لم يكن يقصد الرفض لم تصر الصلاة مرفوضة كما لو سلم ساهيا وليس كذلك إذا ظن أنه لم يتوضأ أو أن على ثوبه نجاسة لأنه انصرف منها انصراف رفض ونوى الرفض مقارنا لانصرافه فبطلت كما لو سلم عامدا وهذا الفرق غير مجد شيئا بل هو فرق بين ما جمعت الشريعة بينهما فإنه في الموضعين انصرف انصرافا مأذونا فيه أو مأمورا به وهو معذور في الموضعين بل هذا الفرق حقيق باقتضائه ضد ما ذكرتم فإنه إذا ظن أنه لم يتوضأ فانصرافه مأمور به وهو عاص لله بتركه بخلاف ما إذا ظن أنه قد أتم صلاته فإن انصرافه مباح مأذون له فيه فكيف تصح الصلاة مع هذا الانصراف وتبطل بالانصراف المأمور به ثم إنه أيضا في انصرافه حينما ظن أنه قد أتم صلاته ينصرف انصراف ترك حقيقة لأنه يظن أنه قد فرغ منها فتركها ترك من قد أكملها وما ظن أنه محدث فإنما تركها ترك قاصد لتكملتها فهي أولى بالصحة
وقلتم لو قال لله علي أن أصلي ركعتين وقال آخر وأنا لله علي أصلي ركعتين لم يجز لأحدهما أن يأتم بصلاته لأنهما فرضان بسببين وهو

نذر كل واحد منهما ولا يؤدى فرض خلف فرض آخر ثم ناقضتم فقلتم لو قال الآخر وأنا لله علي أن أصلي الركعتين التين أوجبت على نفسك جاز لأحدهما أن يأتم بالآخر لأنه أوجب على نفسه عين ما أوجبه الآخر على نفسه فصارتا كالظهر الواحدة وهذا ليس يجدي شيئا فإن سبب الوجوب مختلف كما في الصورة الأولى سواء وهو نذر كل واحد منهما على نفسه وليس الواجب على أحدهما هو عين الواجب على الآخر بل هو مثله ولهذا لا يتأدى أحد الواجبين بأداء الآخر ولا فرق بين المسألتين في ذلك البتة فإن كل واحد منهما يجب عليه ركعتان نظير ما وجب على الآخر بنذره فالسبب مماثل والواجب مماثل والتعدد في الجانبين سواء فالتفريق بينهما تفريق بين متماثيلن وخروج عن محض القياس
وفرقتم بين ما جمع النص والميزان بينهما فقلتم إذا ظفر بركاز فعليه فيه الخمس ثم يجوز له صرفه إلى أولاده وإلى نفسه إذا احتاج إليه وإذا وجب عليه عشر الخارج من الأرض لم يكن له صرفه إلى ولده ولا إلى نفسه وكلاهما واجب عليه إخراجه لحق الله وشكر النعمة بما أنعم عليه من المال ولكن لما كان الركاز مالا مجموعا لم يكن نماؤه وكماله بفعله فالمأونة فيه أيسر كان الواجب فيه أكثر ولما كان الزرع فيه من المؤنة والكلفة والعمل أكثر مما في الركاز كان الواجب فيه نصفه وهو العشر فإذا اشتدت المؤنة بالسقى بالكلفة حط الواجب إلى نصفه وهو نصف العشر فإن اشتدت المؤنة في المال غيره بالتجارة والبيع والشراء كل وقت وحفظه وكراء مخزنه ونقله خفت إلى شطره وهو ربع العشر فهذا من كمال حكمة الشارع في اعتبار كثرة الواجب وقلته فكيف يجوز له أن يعطي الواجب الأكثر الذي هو مؤنة وتعبا وكلفة لأولاده ويمسكه لنفسه وقد أضعفه عليه الشارع أكثر من كل واجب في الزكاة ومخرج الجميع وإيجابه واحد نصا واعتبارا فالتفريق بينهما تفريق بين ما جمعت الشريعة بينهما حيث قال النبي ص - في الركاز الخمس وفي الرقة ربع العشر

وقلتم لو أودع من لا يعرفه مالا فغاب عنه سنين ثم عرفه فلا زكاة عليه لأنه لا يقدر على ارتجاعه منه فهو كما لو دفنه بمغارة فنسيه ثم ناقضتم فقلتم لو أودعه من يعرفه فنسيه سنين ثم عرفه فعليه زكاة تلك السنين الماضية كلها والمال خارج عن قبضته وتصرفه وهو غير قادر على ارتجاعه في الصورتين ولا فرق بينهما وقد صرحتم في مسألة المغارة أنه لو دفنه في موضع منها ثم نسيه فلا زكاة عليه إذا عرفه بعد ذلك ولا فرق في هذا بين المغارة وبين المودع بوجه ثم ناقضتم من وجه آخر وقلتم لو دفنه في داره وخفي عليه موضعه سنين ثم عرفه وجبت عليه الزكاة لما مضى
وقلتم لو وجبت عليه أربع شياه فأخرج ثنتين سمينتين تساوى الأربع جاز فطرد قياسكم هذا أنه لو وجب عليه عشر أقفزة بر فأخرج خمسة من بر مرتفع يساوي قيمة العشرة التي هي عليه جاز وطرده لو وجب عليه خمسة أبعرة فأخرج بعيرا يساوي قيمة الخمسة أنه يجوز ولو وجب عليه صاع في الفطرة فأخرج ربع صاع يساوي الصاع الذي لو أخرجه لتأدى به الواجب أنه يجوز فإن طردتم هذا القياس فلا يخفي ما فيه من تغيير المقادير الشرعية والعدول عنها ولزمكم طرده في أن من وجب عليه عتق رقبة فأعتق عشر رقبة تساوي قيمة رقبة غيرها جاز ومن نذر الصدقة بمائة شاة فتصدق بعشرين تساوي قيمة المائة جاز ثم ناقضتم فقلتم لو وجب عليه أضحيتان فذبح واحدا سمينا يساوي وسطين لم يجز ثم فرقتم بأن قلتم المقصود في الأضحية الذبح وإراقة الدم وإراقة دم واحد لا تقوم مقام إراقة دمين والمقصود في الزكاة سد خلة الفقير وهو يحصل بالأجود الأقل كما يحصل بالأكثر إذا كان دونه وهذا فرق إن صح لكم في الأضحية لم يصح لكم فيما ذكرناه من الصور فكيف ولا يصح في الأضحية فإن المقصود في الزكاة أمور عديدة منها سد خلة الفقير ومنها إقامة عبودية الله

بفعل نفس ما أمر به ومنها شكر نعمته عليه في المال ومنها إحراز المال وحفظه بإخراج هذا المقدار منه ومنها المواساة بهذا المقدار لما علم الله فيه من مصلحة رب المال ومصلحة الآخذ ومنها التعبد بالوقوف عند حدود الله وأن لا ينقص منها ولا يغير وهذه المقاصد إن لم تكن أعظم من مقصود إراقة الدم في الأضحية فليست بدونه فكيف يجوز إلغاؤها واعتبار مجرد إراقة الدم لهم إن هذا الفرق ينعكس عليكم من وجه آخر وهو أن مقصود الشارع من إراقة دم الهدي والأضحية التقرب إلى الله سبحانه بأجل ما يقدر عليه من ذلك النوع وأعلاه وأغلاه ثمنا وأنفسه عند أهله فإنه لن يناله سبحانه لحومها ولا دماؤها وإنما يناله تقوى العبد منه ومحبته له وإيثاره بالتقرب إليه بأحب شيء إلى العبد وآثره عنده وأنفسه لديه كما يتقرب المحب إلى محبوبه بأنفس ما يقدر عليه وأفضله عنده
ولهذا فطر الله العباد على من تقرب إلى محبوبه بأفضل هدية يقدر عليها وأجلها وأعلاها كان أحظى لديه وأحب إليه ممن تقرب إليه بألف واحد ردىء من ذلك النوع
وقد نبه سبحانه على هذا بقوله يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد وقال تعالى ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه وقال ويطعمون الطعام على حبه وسئل النبي ص - عن أفضل الرقاب فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ونذر عمر أن ينحر نجيبة فأعطى بها نجيبتين فسأل النبي ص - أن يأخذهما بها وينحرهما فقال لا بل انحرها إياها فاعتبر في الأضحية عين المنذور دون

ما يقوم مقامه وإن كان أكثر منه فلأن يعتبر في الزكاة نفس الواجب دون ما يقوم مقامه ولو كان أكثر منه أولى وأحرى
وطرد قياسكم أنه لو وجب عليه أربع شياه جياد فأخرج عشرا من أردأ الشياه وأهزلها وقيمتهن قيمة الأربع أو وجب عليه أربع حقاق جياد فأخرج عشرين ابن لبون من أردأ الإبل وأهزلها أنه يجوز فإن منعتم ذلك نقضتم القياس وإن طردتموه تيممتم الخبيث منه تنفقون وسلطتم رب المال على إخراج رديئه ومعايبه عن جيده والمرجع في التقويم إلى اجتهاده وفي هذا من مخالفة الكتاب والميزان ما فيه
وفرقتم بين ما جمع الشارع بينه وجمعتم بين ما فرق بينه أما الأول فقلتم يصح صوم رمضان بنية من النهار قبل الزوال ولا يصح صوم الظهار وكفارة الوطء في رمضان وكفارة القتل إلا بنية من الليل وفرقتم بينهما بأن صوم رمضان لما كان معينا بالشرع أجزء بنية من النهار بخلاف صوم الكفارة وبنيتم على ذلك أنه لو قال لله علي صوم يوم فصامه بنية قبل الزوال لم يجزئه ولو قال لله علي أن أصوم غدا فصامه بنية قبل الزوال جاز وهذا تفريق بين ما جمع الشارع بينه من صوم الفرض وأخبر أنه لا صيام لمن لم يبيته من الليل وهذا في صوم الفرض وأما النفل فصح عنه أنه كان ينشئه بنية من النهار فسويتم بينهما في إجزائهما بنية من النهار وقد فرق الشارع بينهما وفرقتم بين بعض الصوم المفروض وبعض في اعتبار النية من الليل وقد سوى الشارع بينهما
والفرق بالتعين وعدمه عديم التأثير فإنه وإن تعين لم يصر عبادة إلا بالنية ولهذا لو أمسك عن الأكل والشرب من غير نية لم يكن صائما فإذا لم تقارن النية جميع أجزاء اليوم فقد خرج بعضه عن أن يكون عبادة فلم يؤد ما أمر به وتعيينه لا يزيد وجوبه إلا تأكيدا واقتضاء

فلو قيل إن المعين أولى بوجوب النية من الليل من غير المعين لكان أصح في القياس والقياس الصحيح هو الذي جاءت به السنة من الفرق بين الفرض والنفل فلا يصح الفرض إلا بنية من الليل والنفل يصح بنية من النهار لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الفرض كما يجوز أن يصلي النفل قاعدا وراكبا على دابته إلى القبلة وغيرها وفي ذلك تكثير النفل وتيسير الدخول فيه والرجل لما كان مخيرا بين الدخول فيه وعدمه ويخير بين الخروج منه وإتمامه خير بين التبييت والنية من النهار فهذا محض القياس وموجب السنة ولله الحمد
وفرقتم بين ما جمع الله بينهما من جماع الصائم والمعتكف فقلتم لو جامع في الصوم ناسيا لم يفسد صومه ولو جامع المعتكف ناسيا فسد اعتكافه وفرقتم بينهما بأن الجماع من محظورات الاعتكاف ولهذا لا يباح ليلا ولا نهارا وليس من محظورات الصوم لأنه يباح ليلا وهذا فرق فاسد جدا لأن الليل ليس محلا للصوم فلم يحرم فيه الجماع وهو محل للاعتكاف فحرم فيه الجماع فنهار الصائم كليل المعتكف في ذلك ولا فرق بينهما والجماع محظور في الوقتين ووزان ليل الصائم اليوم الذي يخرج فيه المعتكف من اعتكافه فهذا هو القياس المحض والجمع بين ما جمع الله بينه والتفريق بين ما فرق الله بينه وبالله التوفيق
وقلتم لو دخل عرفة في طلب بعير له أو حاجة ولم ينو الوقوف أجزأه عن الوقوف ولو دار حول البيت في طلب شيء سقط منه ولم ينو الطواف لم يجزئه وهذا خروج عن محض القياس وفرقتم تفريقا فاسدا فقلتم المقصود الحضور بعرفة في هذا الوقت وقد حصل بخلاف الطواف فإن المقصود العبادة ولا تحصل إلا بالنية فيقال والمقصود بعرفة العبادة أيضا فكلاهما ركن مأمور به ولم ينو

المكلف امتثال الأمر لا في هذا ولا في هذا فما الذي صحح هذا وأبطل هذا ولما تنبه بعض القياسيين لفساد هذا الفرق عدل إلى فرق آخر فقال الوقوف ركن يقع في نفس الإحرام فنية الحج مشتملة عليه فلا يفتقر إلى تجديد نية كأجزاء الصلاة من الركوع والسجود ينسحب عليها نية الصلاة وأما الطواف فيقع خارج العبادة فلا تشمل عليه نية الإحرام فافتقر إلى النية ونحن نقول لأصحاب هذا الفرق ردونا إلى الأول فإنه أقل فسادا وتناقضا من هذا فإن الطواف والوقوف كلاهما جزء من أجزاء العبادة فكيف نضمنت جزءا من أجزاء العبادة لهذا الركن دون هذا وأيضا فإن طواف المعتمر يقع في الإحرام وأيضا فطواف الزيارة يقع في بقية الإحرام فإنه إنما حل من إحرامه قبله تحللاأول ناقصا والتحلل الكامل موقوف على الطواف
وفرقتم بين ما جمعت السنة والقياس بينهما فقلتم إذا أحرم الصبي ثم بلغ فجدد إحرامه قبل أن يقف بعرفة أجزأه عن حجة الإسلام وإذا أحرم العبد ثم عتق فجدد إحرامه لم يجزئه عن حجة الإسلام والسنة قد سوت بينهما وكذا القياس فإن إحرامهما قبل البلوغ والعتق صحيح وهو سبب للثواب وقد صارا من أهل وجوب الحج قبل الوقوف بعرفة فأجزأهما عن حجة الإسلام كما لو لم يوجد منهما إحرام قبل ذلك فإن غاية ما وجد منهما من الإحرام أن يكون وجوده كعدمه فوجود الإحرام السابق على العتق لم يضره شيئا بحيث يكون عدمه أنفع له من وجوده وتفريقكم بأن إحرام الصبي إحرام تخلق وعادة وبالبلوغ انعدم ذلك فصح منه الإحرام عن حجة الإسلام وأما العبد فإحرامه إحرام عبادة لأنه مكلف فصح إحرامه موجبا فلا يتأتى له الخروج منه حتى يأتي بموجبه

فرق فاسد فإن الصبي مثاب على إحرامه بالنص وإحرامه إحرام عبادة وإن كانت لا تسقط الفرض كإحرام العبد سواء
وفرقتم بين ما حمع القياس الصحيح بينه فقلتم لو قال أحجوا فلانا حجة فله أن يأ النفقة ويأكل بها ويشرب ولا يحج ولو قال أحجوه عني لم يكن له أن يأخذ النفقة إلا بشرط الحج وفرقتم بأن في المسألة الأولى أخرج كلامه مخرج الإيصاء بالنفقة له وكأنه أشار عليه بالحج ولا حق للموصي في الحج الذي يأتي به فصححنا الوصية بالمال ولم نلزم الموصى له بما لا حق للموصى فيه وأما في المسألة الثانية فإنما قصد أن يعود نفعه إليه بثواب النفقة في الحج فإن لم يحصل له غرضه لم تنفذ الوصية ولهذا الفرق نفسه هو المبطل للفرق بين المسألتين فإنه بتعين الحج قطع ما توهمتموه من دفع المال إليه بفعل ما يريد وإنما قصد إعانته على طاعة الله ليكون شريكا له في الثواب ذاك بالبدن وهذا بالمال ولهذا عين الحج مصرفا للوصية لا يجوز إلغاء ذلك وتمكينه من المال يصرفه في ملاذه وشهواته هذا من أفسد القياس وهو كما لو قال أعطوا فلانا ألفا ليبني مسجدا أو سقاية أو قنطرة لم يجز أن يأخذ الألف ولا يفعل ما أوصى به كذلك الحج سواء
وفرقتم بين ما جمع محض القياس بينهما فقلتم إذا اشترى عبدا ثم قال له أنت حر أمس عتق عليه ولو تزوجها ثم قال أنت طالق أمس لم تطلق وفرقتم بأن العبد لما كان حرا أمس اقتضى تحريم شرائه واسترقاته اليوم وأما الطلاق فكونها مطلقة أمس لا يقتضي تحريم نكاحها اليوم وهذا فرق صورى لا تأثير له البتة فإن الحكم إن جاز تقديمه على سببه وقع العتق والطلاق في الصورتين وإن امتنع تقديمه في الموضعين على سببه لم يقع واحد منهما فما بال أحدهما وقع دون الآخر

فإن قيل نحن لم نفرق بينهما في الإنشاء وإنما فرقنا بينهما في الإقرار والأخبار فإذا أقر بأن العبد حر بالأمس فقد بطل أن يكون عبدا اليوم فعتق باعترافه وإذا أقر بأنها طالق أمس لم يلزم بطلان النكاح اليوم لجواز أن يكون المطلق الأول قد طلقها أمس قبل الدخول فتزوج هو بها اليوم
قلنا إذا كانت المسألة على هذا الوجه فلا بد أن يقول أنت طالق أمس من غير أو ينوي ذلك فينفعه حيث يدين فأما إذا أطلق فلا فرق بين العتق والطلاق
فإن قيل يمكن أن يطلقها بالأمس ثم يتزوجها اليوم
قيل هذا يمكن في الطلاق الذي لم يستوف إذا كان مقصوده الأخبار فأما إذا قال أنت طالق أمس ثلاثا ولم يقل من زوج كان قبلي ولا نواه فلا فرق أصلا بين ذلك وبين قوله للعبد أنت حر أمس هذا التفصيل هو محض القياس وبالله التوفيق
وجمعتم بين ما فرقتما السنة بينهما فقلتم يجب على البائن الإحداد كما يجب على المتوفي عنهما والإحداد لم يكن ذلك لأجل العدة وإنما كان من أجل موت الزوج والنبي ص - نفى وأثبت وخص الإحداد بالمتوفي عنها زوجها وقد فارقت المبتوتة في وصف العدة وقدرها وسببها وفإن سببها الموت وإن لم يكن الزوج دخل بها وسبب عدة البائن الفراق وإن كان الزوج حيا ثم فرقتم بين ما جمعت السنة بينهما فقلتم إن كانت الزوجة ذمية أو غير بالغة فلا إحداد عليها والسنة تقضي التسوية كما يقضيه القياس
وفرقتم بين ما جمع القياس المحض بينهما فقلتم لو ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يحل أكله ولو ذبح الحلال صيدا حرميا فليس بميتة وأكله حلال وفرقتم بأن المانع في ذبح المحرم فيه فهو كذبح المجوسى والوثنى فالذابح غير أهل وفي المسألة الثانية الذابح أهل والمذبوح محل للذبح إذا

كان حلال وإنما منع منه حرمة المكان ألا ترى أنه لو خرج من الحرم حل ذبحه وهذا من أفسد فرق وهو باقتضاء عكس الحكم أولى فإن المانع في الصيد الحرمي في نفس المذبوح فهو كذبح مالا يؤكل والمانع في ذبح المحرم في الفاعل فهو كذبح الغاصب
وقلتم لو أرسل كلبه على صيد في الحل فطرده حتى أدخله الحرم فأصابه لم يضمنه ولو أرسل سهمه على صيد في الحل فأطارته الريح حتى قتل صيدا في الحرم ضمنه وكلاهما تولد القتل فيه عن فعله وفرقتم بأن الرمي حصل بمباشرته وقوته التي أمدت السهم فهو محض فعله بخلاف مسألة الكلب فإن الصيد فيه يضاف إلى فعل الكلب وهذا الفرق لا يصح فإن أرسال السهم والكلب كلاهما من فعله فالذي تولد منهما تولد عن فعله وجريان السهم وعدو الكلب كلاهما هو السبب فيه وكون الكلب له اختيار والسهم لا اختيار له فرق لا تأثير له إذا كان اختيار الكلب بسبب إرسال صاحبه له
وقلتم لو رهن أرضا مزروعة أو شجرا مثمرا دخل الزرع والثمر في الرهن ولو باعهما لم يدخل الزرع والثمر في البيع وفرقتم بينهما بأن الرهن متصل بغيره واتصال الرهن بغيره يمنع صحة الإشاعة فلو لم يدخل فيه الزرع والثمرة لبطل بخلاف المبيع فإن اتصاله بغيره لا يبطله إذ الإشاعة لا تنافيه وهذا قياس في غاية الضعف لأن الاتصال هنا إتصال مجاورة لا إشاعة فهو كرهن زيت في ظروفه وقماش في أعداله ونحمه
وقلتم لو أكره على هبة جارية لرجل فوهبها له ملكها فأعتقها الموهوب له نفذ عتقه ولو باعها لم يصح بيعه وهذا خروج عن محض القياس وتفريقكم بأن هذا عتق صدر عن إكراه والإكراه لا يمنع صحة العتق وذاك بيع صدر عن إكراه والإكراه يمنع صحة البيع لا يصح لأنه إنما أكره على التمليك ولم يكن للمكره غرض في الإعتاق والتمليك لم يصح والعتق لم يكره عليه فلا ينفذ

كالبيع سواء هذا مع أنكم تركتم القياس في مسألة الإكراه على البيع والعتق فصححتم العتق دون البيع وفرقتم بأن العتق لا يدخله خيار فصح مع الإكراه كالطلاق والبيع يدخله الخيار فلم يصح مع الإكراه وهذا فرق لا تأثير له وهو فاسد في نفسه فإن الإقرار والشهادة والإسلام لا يدخله خيار ولا تصح مع الإكراه وإنما امتنعت عقود المكره من النفوذ لعدم الرضا الذي هو مصحح العقد وهو أمر تستوي فيه عقوده كلها معاوضتها وتبرعاتها وعتقه وطلاقه وخلعه وإقراره وهذا هو محض القياس والميزان فإن المكره محمول على ما أكره عليه غير مختار له فأقواله كأقوال النائم والناسي فاعتبار بعضها وإلغاء بعضها خروج عن محض القياس وبالله التوفيق
وقلتم لو وقع في الغدير العظيم الذي إذا تحرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر قطرة دم أو خمر أو بول آدمي نجسه كله وإذا وقع في آبار الفلوات والأمصار العر والروث والأخباث لا تنجسها ما لم يأخذ وجه ربع الماء أو ثلثه وقيل أن لا يخلو دلو عن شيء منه ومعلوم أن ذلك الماء أقرب إلى الطيب والطهارة حسا وشرعا من هذا ومن العجب أنكم نجستم الأدهان والألبان والخل والمائعات بأسرها بالقطرة من البول والدم وعفوتم عما دون ربع الثوب من النجاسة المخففة وعما دون قدر الكف من المغلظة وقستم العفو عن ربع الثوب على وجوب مسح ربع الرأس ووجوب حلق ربعه في الإحرام وأين مسح الرأس من غسل النجاسة ولم تقيسوا الماء والمائع على الثوب مع عدم ظهور أثر النجاسة فيهما البتة وظهور عينها ورائحتها في الثوب ولا سيما عند محمد حيث يعفو عن قدر ذراع في ذراع وعن أبي يوسف عن قدر شبر في شبر وبكل حال فالعفو عما هو دون ذلك بكثير مما لا نسبة له إليه في الماء والمائع الذي لا يظهر أثر النجاسة فيه بوجه بل يحيلها ويذهب عينها وأثرها أولى وأحرى وجمعهم بين ما فرق الشرع بينهما فقسم المنى الذى هو أصل الآدميين

على البول والعذرة وفرقتم بين ما جمع الشرع والحس بينهما ففرقتم بين بعض الأشربة المسكرة وغيرها مع استوائها في الإسكار فجعلتم بعضها نجسا كالبول وبعضها طاهرا طيبا كاللبن والماء وقلتم لو وقع في البئر نجاسة تنجس ماؤها وطينها فإن نزح منها دلو فترشرش على حيطانها تنجست حيطانها وكلما نزح منها شيء نبع مكانه شيء فصادف ماء نجسا وطينا نجسا فإذا وجب نزح أربعين دلوا مثلا فنزح تسعة وثلاثون كان المنزوح والباقي كله نجسا والحيطان التي أصابها الماء والطين الذي في قرار البئر حتى إذا نزح الدلو الأربعون قشقش النجاسة كلها فطهر الطين والماء وحيطان البئر وطهر نفسه فما رؤى أكرم من هذا الدلو ولا أعقل ولا أخير
فصل
وقالت الحنابلة والشافعية لو تزوجها على أن يحج بها لم تصح التسمية ووجب مهر المثل وقاسوا هذه التسمية على ما إذا تزوجها على شيء لا يدري ما هو ثم قالت الشافعية لو تزوج الكتابية على أن يعلمها القرآن جاز وقاسوه على جواز إسماعها إياه فقاسوا أبعد قياس وتركوا محض القياس فإنهم صرحوا بأنه لو استأجرها ليحملها إلى الحج جاز ونزلت الإجارة على العرف فكيف صح أن يكون مورد العقد الإجارة ولا يصح أن يكون صداقا ثم ناقضتم أبين مناقضة فقلتم لو تزوجها على أن يرد عبدها الآبق من مكان كذا وكذا صح مع أنه يقدر على رده وقد يعجز عنه فالغرر الذي في هذا الأمر أعظم من الغرر في حملها إلى الحج بكثير وقلتم لو تزوجها على أن يعلمها القرآن أو بعضه صح وقد تقبل التعليم ولا تقبله وقد يطاوعها لسانها وقد يأبى عليها وقلتم لو تزوجها على مهر المثل صحت التسمية مع اختلافه لامتناع من يساويها من كل وجه أو لقربه وإن اتفق من يساويها في النسب فنادر جدا من يساويها

في الصفات والأحوال التي يقل المهر بسببها ويكثر فالجهالة التي في حجه بها دون هذا بكثير وقلتم لو تزوجها على عبد مطلق صح ولها الوسط ومعلوم أن في الوسط من التفاوت ما فيه وقلتم لو تزوجها على أن يشتري لها عبد زيد صحت التسمية مع أنه غرر ظاهر إذ تسليم المهر موقوف على أمر غير مقدور له وهو رضى زيد ببيعه ففيه من الخطر ما في رد عبدها الآبق وكلاهما أعظم خطرا من الحج بها وقلتم لو تزوجها على أن يرعى غنمها مدة صح وليس جهالة حملانها إلى الحج بأعظم من جهالة أوقات الرعي ومكانه على أن هذه المسألة بعيدة من أصول أحمد ونصوصه ولا تعرف منصوصة عنه بل نصوصه على خلافها قال في رواية منها فيمن تزوج على عبد من عبيده جاز وإن كانوا عشرة عبيد يعطى من أوسطهم فإن تشاحا أقرع بينهما قلت وتستقيم القرعة في هذا قال نعم وقلتم لو خالعها على كفالة ولدها عشر سنين صح وإن لم يذكر قدر الطعام والإدام والكسوة فياللعجب أين جهالة هذا من جهالة حملانها إلى الحج
فصل
وقالت الشافعية له أن يجبر ابنته البالغة المفتية العالمة بدين الله التي تفتي في الحلال والحرام على نكاحها بمن هي أكره الناس له وأشد الناس عنه نفرة بغير رضاها حتى لو عينت كفوا شابا جميلا دينا تحبه وعين كفوا شيخا مشوها دميما كان العبرة بتعيينه دونها فتركوا محض القياس والمصلحة ومقصود النكاح من الود والرحمة وحسن المعاشرة وقالوا لو أراد أن يبيع لها حبلا أو عود أراك من مالها لم يصح إلا برضاها وله أن يرقها مدة العمر عند من هي أكره شيء فيه بغير رضاها قالوا وكما خرجتم عن محض القياس خرجتم عن صريح

السنة فإن رسول الله ص - خير جارية بكرا زوجها أبوها وهي كارهة وخير أخرى ثيبا ومن العجب أنكم قلتم لو تصرف في حبل من مالها على غير وجه الحظ لها كان مردودا حتى إذا تصرف في بعضها على خلاف حظها كان لازما ثم قلتم هو أخبر بحظها منها وهذا يرده الحس فإنها أعلم بميلها ونفرتها وحظها ممن تحب أن تعاشره وتكره عشرته وتعلقتم بما رواه مسلم من حديث ابن عباس يرفعه الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها وهو حجة عليكم وتركتم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة يرفعه لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن وفيهما أيضا من حديث عائشة قالت قلت يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن قال نعم قلت فإن البكر تستأذن فتستحي قال إذنها صماتها فنهى أن تنكح بدون استئذانها وأمر بذلك وأخبر أنه هو شرعه وحكمه فاتفق على ذلك أمره ونهيه وخبره وهو محض القياس والميزان
فصل
وقالت الحنابلة والشافعية والحنفية لا يصح بيع المقاثي والمباطخ والباذنجان إلا لقطة ولم يجعلوا المعدوم تبعا للموجود مع شدة الحاجة إلى ذلك وجعلوا المعدوم منزلا منزلة الموجود في منافع الإجارة للحاجة إلى ذلك وهذا مثله من وجه لأنه يستخلف كما تستخلف المنافع وما يقدر من عروض الخطر له فهو مشترك بينه وبين المنافع وقد جوزوا بيع الثمرة إذا بدا الصلاح في واحدة منها ومعلوم أن بقية الأجزاء معدومة فجاز بيعها تبعا للموجود فإن فرقوا بأن هذه أجزاء متصلة وتلك أعيان منفصلة فهو فرق فاسد من وجهين أحدهما أن هذا لا تأثير له البتة الثاني أن الثمرة التي بدا صلاحها ما يخرج أثمارا متعددة

كالتوت والتين فهو كالبطيخ والباذنجان من كل وجه فالتفريق خروج عن القياس والمصلحة وإلزام بما لا يقدر عليه إلا بأعظم كلفة ومشقة وفيه مفسدة عظيمة يردها القياس فإن اللقطة لا ضابطا لها فإنه يكون في المقثأة الكبار والصغار وبين ذلك فالمشتري يريد استقصاءها والبائع يمنعه من أخذ الصغار فيقع بينهما من التنازع والاختلاف والتشاحن ما لا تأتي به شريعة فأين هذه المفسدة العظيمة التي هي منشأ النزاع التي من تأمل مقاصد الشريعة علم قصد الشارع لإبطالها وإعدامها إلى المفسدة اليسيرة التي في جعل ما لم يوجد تبعا لما وجد لما فيه من المصلحة وقد اعتبرها الشارع ولم يأت عنه حرف واحد أنه نهى عن بيع المعدوم وإنما نهى عن بيع الغرر والغرر شيء وهذا شيء ولا يسمى هذا البيع غررا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا
فصل
وقالت الحنفية والمالكية والشافعية إذا شرطت الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها أو دارها أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى فهو شرط باطل فتركوا محض القياس بل قياس الأولى فإنهم قالوا لو شرطت في المهر تأجيلا أو غير نقد البلد أو زيادة على مهر المثل لزم الوفاء بالشرط فأين المقصود لها في الشرط الأول إلى المقصود الذي في هذا الشرط وأين فواته إلى فواته وكذلك من قال منهم لو شرط أن تكون جميلة شابة سوية فبانت عجوزا شمطاء قبيحة المنظر أنه لا فسخ لأحدهما بفوات شرطه حتى إذا فات درهم واحد من الصداق فلها الفسخ بفواته قبل الدخول فإن استوفى المعقود عليه ودخل بها وقضى وطره منها ثم فات الصداق جميعه ولم تظفر منه بحبة واحدة فلا فسخ لها وقسم الشرط الذي دخلت عليه على شرط أن لا يؤويها ولا ينفق

عليها ولا يطأها أو لا ينفق على أولاده منها ونحو ذلك مما هو من أفسد القياس الذي فرقت الشريعة بين ما هو أحق بالوفاء منه وبين ما لا يجوز الوفاء به وجمعتم بين ما فرق القياس والشرع بينهما وألحقتم أحدهما بالآخر وقد جعل النبي ص - الوفاء بشروط النكاح التي يستحل بها الزوج فرج امرأته أولى من الوفاء بسائر الشروط على الإطلاق فجعلتموها أنتم دون سائر الشروط وأحقها بعدم الوفاء
هل يصح شرط الواقف مطلقا
وجعلتم الوفاء بشرط الواقف المخالف لمقصود الشارع كترك النكاح وكشرط الصلاة في المكان الذي شرط فيه الصلاة وإن كان وحده وإلى جانبه المسجد الأعظم وجماعة المسلمين وقد ألغى الشارع هذا الشرط في النذر الذي هو قربه محضة وطاعة فلا تتعين عنده بقعة عينها الناذر للصلاة إلا المساجد الثلاثة وقد شرط الناذر في نذره تعينه فألغاه الشارع لفضيلة غيره عليه أو مساواته له فكيف يكون شرط الواقف الذي غيره أفضل منه وأحب إلى الله ورسوله لازما يجب الوفاء به وتعيين الصلاة في مكان معين لم يرغب الشارع فيه ليس بقربة وما ليس بقربة لا يجب الوفاء به في النذر ولا يصح اشتراطه في الوقف
فإن قلتم الواقف لم يخرج ماله إلا على وجه معين فلزم اتباع ما عليه في الوقف من ذلك الوجه والنادر قصد القربة والقرب متساوية في المساجد غير الثلاثة فتعين بعضها لغو
قيل هذا الفرق بعينه يوجب عليكم إلغاء ما لا قربة فيه من شروط الواقفين واعتبار ما فيه قربة فإن الواقف إنما مقصوده بالوقف التقرب إلى الله فتقربه بوقفه كتقربه بنذره فإن العاقل لا يبذل ماله إلا لما فيه مصلحة عاجلة أو آجلة والمرء في حياته قد يبذل ماله في أغراضه مباحة كانت أو غيرها وقد يبذله فيما يقربه إلى الله وأما بعد مماته فإنما يبذله فيما يظن أنه يقرب إلى الله ولو قيل

له إن هذا المصرف لا يقرب إلى الله تعالى أو إن غيره أفضل وأحب إلى الله منه وأعظم أجرا لبادر إليه ولا ريب أن العاقل إذا قيل له إذا بذلت مالك في مقابلة هذا الشرط حصل لك أجر واحد وإن تركته حصل لك أجران فإنه يختار ما فيه الأجر الزائد فكيف إذا قيل له إن هذا لاأجر فيه البتة فكيف إذا قيل أنه مخالف لمقصود الشارع مضاد له يكرهه الله ورسوله وهذا كشرط العزوبية مثلا وترك النكاح فإنه شرط لترك واجب أو سنة أفضل من صلاة النافلة وصومها أو سنة دون الصلاة والصوم فكيف يلزم الوفاء بشرط ترك الواجبات والسنن اتباع لشرط الواقف وترك شرط الله ورسوله الذى قضاؤه أحق وشرطه أوثق
يوضحه أنه لو شرط فى وقفه أن يكون على الأغنياء دون الفقراء كان شرطا باطلا عند جمهور الفقهاء قال أبو المعالى الجوينى هو إمام الحرمين رضى الله عنه ومعظم أصحابنا قطعوا بالبطلان هذا هو مع أن وصف الغنى وصف مباح ونعمة من الله وصاحبه إذا كان شاكرا فهو أفضل من الفقير مع صبره عند طائفة كثيرة من الفقهاء والصوفية فكيف يلغى هذا الشرط ويصح شرط الترهب في الأسلام الذى أبطله النبيى
صلى الله عليه وسلم بقوله لا رهبانية في الإسلام
يوضحه أن من شرط التعزب فإنما قصد أن تركه أفضل وأحب إلى الله فقصد أن يتعبد الموقف عليه بتركه وهذا هو الذى تبرأ النبي
صلى الله عليه وسلم منه بعينه فقال من رغب عن سنتى فليس منى وكان قصد أولئك الصحابة هو قصده هؤلاء الواقفين بعينه سواء فإنهم تصدوا ترفية أنفسهم على العبادة

وترك النكاح الذي يشغلهم تقربا إلى الله بتركه فقال النبي ص - فيهم ما قال وأخبر أنه من رغب عن سنته فليس منه وهذا في غاية الظهور فكيف يحل الإلزام بترك شيء قد أخبر به النبي ص - أن من رغب عنه فليس منه هذا مما لا تحتمله الشريعة بوجه
شروط الواقفين تعرض على كتاب الله
فالصواب الذي لا تسوغ الشريعة غيره عرض شرط الواقفين على كتاب الله سبحانه وعلى شرطه فما وافق كتابه وشرطه فهو صحيح وما خالفه كان شرطا باطلا مردودا ولو كان مائة شرط وليس ذلك بأعظم من رد حكم الحاكم إذا خالف حكم الله ورسوله ومن ورد فتوى المفتي وقد نص الله سبحانه على رد وصية الجانف في وصيته والآثم فيها مع أن الوصية تصح في غير قربة وهي أوسع من الوقف وقد صرح صاحب الشرع برد كل عمل ليس عليه أمره فهذا الشرط مردود بنص رسول الله ص - فلا يحل لأحد أن يقبله ويعتبره ويصححه
ثم كيف يوجبون الوفاء بالشروط التي إنما أخرج الواقف ماله لمن قام بها وإن لم تكن قربى ولا للواقفين فيها غرض صحيح وإنما غرضهم ما يقربهم إلى الله بها ولا يوجبون الوفاء بالشروط التى انما بذلت المرأة بضعها للزواج بشرط وفائه ولها فيها أصح غرض ومقصود وهي أحق من كل شرط يجب الوفاء به بنص رسول الله ص - وهل هذا إلا خروج عن محض القياس والسنة
معنى قولهم شرط الواقف كنص الشارع
ثم من العجب العجاب قول من يقول إن شروط الواقف كنصوص الشارع ونحن نبرأ إلى الله من هذا القول ونعتذر مما جاء به قائله ولا نعدل بنصوص الشارع غيرها أبدا وإن أحسن الظن بقائل هذا القول حمل كلامه على أنها كنصوص الشارع في الدلالة وتخصيص عامها بخاصها وحمل مطلقها على مقيدها واعتبار مفهومها كما يعتبر منطوقها وأما أن تكون

كنصوصه في وجوب الاتباع وتأثيم من أخل بشيء منها فلا يظن ذلك بمن له نسبة ما إلى العلم فإذا كان حكم الحاكم ليس كنص الشارع بل يرد ما خالف حكم الله ورسوله من ذلك فشرط الواقف إذا كان كذلك كان أولى بالرد والإبطال فقد ظهر تناقضهم في شروط الواقفين وشروط الزوجات وخروجهم فيها عن موجب القياس الصحيح والسنة وبالله التوفيق
يوضح ذلك أن النبي ص - كان إذا قسم يعطي الآهل حظين والعزب حظا وقال ثلاثة حق الله عونهم ذكر منهم الناكح يريد العفاف ومصححوا هذا الشرط عكسوا مقصوده فقالوا نعطيه ما دام عزبا فإذا تزوج لم يستحق شيئا ولا يحل لنا أن نعينه لأنه ترك القيام بشرط الواقف وإن كان قد فعل ما هو أحب إلى الله ورسوله فالوفاء بشرط الواقف المتضمن لترك الواجب أو السنة المقدمة على فضل الصوم أو الصلاة لا يحل مخالفته ومن خالفه كان عاصيا آثما حتى إذا خالف الأحب إلى الله ورسوله والأرضى له كان بارا مثابا قائما بالواجب عليه
يوضح بطلان هذا الشرط وأمثاله من الشروط المخالفة لشرع الله ورسوله أنكم قلتم كل شرط يخالف مقصود العقد فهو باطل حتى أبطلتم بذلك شرط دار الزوجة أو بلدها وأبطلتم اشتراط البائع الانتفاع بالمبيع مدة معلومة وأبطلتم اشتراط الخيار فوق ثلاثة وأبطلتم اشتراط نفع البائع في المبيع ونحو ذلك من الشروط التي صححها النص والآثار عن الصحابة والقياس كما صحح عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان اشتراط المرأة دارها أو بلدها أو أن لا يتزوج عليها ودلت السنة على أن الوفاء به أحق من الوفاء بكل شرط وكما صححت السنة اشتراط انتفاع البائع بالمبيع مدة معلومة فأبطلتم ذلك وقلتم يخالف مقتضى العقد وصححتم الشروط المخالفة بمقتضى عقد الوقف لعقد الوقف إذ هو عقد قربة مقتضاة التقرب إلى الله تعالى ولا ريب أن شرط ما يخالف القربة يناقضه مناقضة صريحة فإذا شرط عليه

الصلاة في مكان لا يصلى فيه إلا هو وحده أو واحد بعد واحد أو اثنان فعدوله عن الصلاة في المسجد الأعظم الذي يجتمع فيه جماعة المسلمين مع قدمه وكثرة جماعته فيتعداه إلى مكان أقل جماعة وأنقص فضيلة وأقل أجرا اتباعا لشرط الواقف المخالف لمقتضى عقد الوقف خروج عن محض القياس وبالله التوفيق
يوضحه أن المسلمين مجمعون على أن العبادة في المسجد من الذكر والصلاة وقراءة القرآن أفضل منها عند القبور فإذا منعتم فعلها في بيوت الله سبحانه وأوجبتم على الموقوف عليه فعلها بين المقابر إن أراد أن يتناول الوقف وإلا كان تناوله حراما كنتم قد ألزمتموه بترك الأحب إلى الله الأنفع للعبد والعدول إلى الأنقص المفضول أو النهي عنه مع مخالفته لقصد الشارع تفصيلا وقصد الواقف إجمالا فإنه إنما يقصد الأرضى لله والأحب إليه ولما كان في ظنه أن هذا إرضاء لله اشترطه فنحن نظرنا إلى مقصوده ومقصود الشارع وأنتم نظرتم إلى مجرد لفظه سواء وافق رضا الله ورسوله ومقصوده في نفسه أو لا ثم لا يمكنكم طرد ذلك أبدا فإنه لو شرط أن يصلي وحده حتى لا يخالط الناس بل يتوفر على الخلوة والذكر أو شرط أن لا يشتغل بالعلم والفقه ليتوفر على قراءة القرآن وصلاة الليل وصيام النهار أو شرط على الفقهاء ألا يجاهدوا في سبيل الله ولا يصوموا تطوعا ولا يصلوا النوافل وأمثال ذلك فهل يمكنكم تصحيح هذه الشروط فإن أبطلتموها فعقد النكاح أفضل من بعضها أو مساو له في أصل القربة وفعل الصلاة في المسجد الأعظم العتيق الأكثر جماعة أفضل وذكر الله وقراءة القرآن في المسجد أفضل منه بين القبور فكيف تلزمون بهذه الشروط المفضولة وتبطلون ذلك فما هو الفرق بين ما يصح من الشروط وما لا يصح ثم لو شرط المبيت في المكان الموقوف ولم يشترط التعزب فأبحتم له التزوج فطالبته الزوجة بحقها من المبيت وطالبتموه بشرط الواقف منه فكيف تقسمونه بينهما أم ماذا تقدمون ما أوجبه الله ورسوله من المبيت والقسم للزوجة مع ما فيه من مصلحة الزوجين

وصيانة المرأة وحفظها وحصول الإواء المطلوب من النكاح أم ما شرطه الواقف وتجعلون شرطه أحق والوفاء به ألزم أم تمنعونه من النكاح والشارع والوقف لم يمنعاه منه فالحق أن مبيته عند أهله إن كان أحب إلى الله ورسوله جاز له بل استحب ترك شرط الواقف لأجله ولم يمنعه فعل ما يحبه الله ورسوله من تناول الوقف بل ترك ما أوجبه سببا لاستحقاق الوقف فلا نص ولا قياس ولا مصلحة للواقف ولا للموقوف عليه ولا مرضاة لله ورسوله
والمقصود بيان بعض ما في الرأي والقياس من التناقض والاختلاف الذي هو من عند غير الله لأن ما كان من عنده فإنه يصدق بعضه بعضا ولا يخالف بعضه بعضا وبالله التوفيق
فصل الاختلاف في حكم اللطمة والضربة
وقالت الحنفية والشافعية والمالكية ومتأخروا أصحاب أحمد أنه لا قصاص في اللطمة والضربة وإنما فيه التعزير وحكى بعض المتأخرين في ذلك الإجماع وخرجوا عن محض القياس وموجب النصوص وإجماع الصحابة فإن ضمان النفوس والأموال مبناه على العدل كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال وإن عاقبتم قعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فأمر بالمماثلة في العقوبة والقصاص فيجب اعتبارها بحسب الإمكان والأمثل هو المأمور به فهذا الملطوم المضروب قد اعتدي عليه فالواجب أن يفعل بالمعتدي كما فعل به فإن لم يمكن كان الواجب ما هو الأقرب والأمثل وسقط ما عجز عنه العبد من المساواة من كل وجه ولا ريب أن لطمة بلطمة وضربة بضربة في محلهما بالآلة التي لطمه بها أو بمثلها أقرب إلى المماثلة المأمور بها حسا وشرعا من تعزيره بها بغير جنس اعتدائه وقدره وصفته

وهذا هو هدي رسول الله ص - وخلفائه الراشدين محض القياس وهو منصوص الإمام أحمد ومن خلفه في ذلك من أصحابه فقد خرج عن نص مذهبه وأصوله كما خرج عن محض القياس والميزان قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في كتابه المترجم له باب في القصاص من اللطمة والضربة حدثني إسماعيل ابن سعيد قال سألت أحمد بن حنبل عن القصاص من اللطمة والضربة فقال عليه القود من اللطمة والضربة وبه قال أبو ابن داود وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وقال إبراهيم الجوزجاني وبه أقول لما حدثنا شبابة بن سوار ثنا شعبة عن يحيى بن الحصين قال سمعت طارق بن شهاب يقول لطم أبو بكر رجلا يوما لطمة فقال له اقتص فعفا الرجل حدثنا شبابة أنبأ شعبة عن مخارق قال سمعت طارقا يقول لطم ابن أخ لخالد بن الوليد رجلا من مراد فأقاده خالد منه حدثنا أبو بهر حدثنا أبو بكر بن عياش قال سمعت الأعمش عن كميل بن زياد قال لطمني عثمان ثم أقادني فعفوت حدثني ابن الأصفهاني حدثنا عبد السلام بن حرب عن ناجية عن عمه يزيد بن عربي قال رأيت عليا كرم الله وجهه في الجنة أقاد من لطمة وحدثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عبد الله ابن إسماعيل بن زياد ابن أخي عمرو بن دينار أن ابن الزبير أقاد من لطمة ثنا يزيد بن هارون أنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال خطبنا عمر فقال إني لم أبعث عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكن إنما بعثتهم ليبلغوكم دينكم وسنة نبيكم ويقسم فيكم فيئكم فمن فعل به غير ذلك فليرفعه إلى فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه منه فقام إليه عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته لتقصنه منه فقال عمر أنا لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله ص - يقص من نفسه ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن ابن حرملة قال تلاحا رجلان فقال أحدهما ألم أخنقك حتى سلحت فقال بلى ولكن

لم يكن لي عليك شهود فشهدوا على ما قال ثم رفعه إلى عمر بن عبد العزيز فأرسل في ذلك إلى سعيد بن المسيب فقال يخنقه كما خنقه حتى يحدث أو يفتدي منه فافتدى منه بأربعين بعيرا فقال ابن كثير أحسبه ذكره عن عثمان ثنا الحسين بن محمد ثنا ابن أبي ذئب عن المطلب بن السائب أن رجلين من بني ليث اقتتلا فضرب أحدهما الآخر فكسر أنفه فانكسر عظم كف الضارب فأقاد أبو بكر من أنف المضروب ولم يقد من يد الضارب فقال سعيد بن المسيب كان لهذا أيضا القود من كفه قضى عثمان أن كل مقتتلين اقتتلا ضمنا ما بينهما فأقيد منه فدخل المسجد وهو يقول يا عباد الله كسر ابن المسيب يدي قال الجوزجاني فهذا رسول الله ص - وجلت أصحابه فإلى من يركن بعدهم أو كيف يجوز خلافهم
قلت وفي السنن لأبي داود والنسائي من حديث أبي سعيد الخدري قال بينما رسول الله ص - يقسم قسما أقبل رجل فأكب عليه فطعنه رسول الله ص - بعرجون كان معه فجرح وجهه فقال له رسول الله ص - تعال فاستقد فقال بل عفوت يا رسول الله وفي سنن النسائي وأبي داود وابن ماجة عن عائشة
رضي الله عنها أن النبي ص - بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحاه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي ص - فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي ص - لكم حذا وكذا فلم يرضوا فقال النبي ص - لكم كذا وكذا فرضوا فقال النبي ص - إني خاطب العشية على الناس ومخربهم برضاكم فقالوا نعم فخطب رسول الله ص - فقال إن هؤلاء أتوني يريدون القصاص فعرضت عليهم كذا وكذا فقال النبي ص - فرضوا أرضيتم فقالوا لا فهم المهاجرون بهم

فأمرهم رسول الله ص - أن يكفوا عنهم فكفوا عنهم ثم دعاهم فزادهم فقال أرضيتم فقالوا نعم فقال إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم فقالوا نعم فخطب النبي ص - فقال أرضيتم قالوا نعم وهذا صريح في القود في الشجة ولهذا صولحوا من القود مرة بعد مرة حتى رضوا ولو كان الواجب الأرش فقط لقال لهم النبي ص - حين طلب القود إنه لا حق لكم فيه وإنما حقكم في الأرش
فهذه سنة رسول الله ص - وهذا إجماع الصحابة وهذا ظاهر القرآن وهذا محض القياس فعارض المانعون هذا كله بشيء واحد وقالوا اللطمة والضربة لا يمكن فيهما المماثلة والقصاص لا يكون إلا مع المماثلة ونظر الصحابة أكمل وأصح وأتبع للقياس كما هو أتبع للكتاب والسنة فإن المماثلة من كل وجه متعذرة فلم يبق إلا أحد أمرين قصاص قريب إلى المماثلة أو تعزير بعيد منها والأول أولى لأن التعزير لا يعتبر فيه جنس الجناية ولا قدرها بل قد يعزر بالصوت والعصا وقد يكون لطمة أو ضربة بيده فأين حرارة السوط ويبسه إلى اليد وقد يزيد وينقص وفي العقوبة بجنس ما فعله تحر للمماثلة بحسب الإمكان وهذا أقرب إلى العدل الذي أمر الله به وأنزل به الكتاب والميزان فإنه قصاصا بمثل ذلك العضو في مثل المحل الذي ضرب فيه بقدره وقد يساويه أو يزيد قليلا أو ينقص قليلا وذلك عفو لا يدخل تحت التكليف كما لا يدخل تحت التكليف المساواة في الكيل والوزن من كل وجه كما قال تعالى وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها فأمر بالعدل المقدور وعفا عن غير المقدور منه وأما التعزير فإنه لا يسمى قصاصا فإن لفظ القصاص يدل على المماثلة ومنه قص الأثر إذا أتبعه وقص الحديث إذا أتى به على وجهه والمقاصة سقوط أحد الدينين بمثله جنسا وصفة وإنما

هو تقويم للجناية فهو قيمة لغير المثلى والعدول إليه كالعدول إلى قيمة المتلف وهو ضرب له بغير تلك الآلة في غير ذلك المحل وهو إما زائد وإما ناقص ولا يكون مماثلا ولا قريبا من المثل فالأول أقرب إلى القياس والثاني تقويم للجناية بغير جنسها كبدل المتلف والنزاع أيضا فيه واقع إذا لم يوجد مثله من كل وجه كالحيوان والعقار والآنية والثياب وكثير من المعدودات والمزروعات فأكثر القياسيين من اتباع الأئمة الأربعة قالوا الواجب في بدل ذلك عند الإتلاف القيمة قالوا لأن المثل في الجنس يتعذر ثم طرد أصحاب الرأي قياسهم فقالوا وهذا هو الواجب في الصيد في الحرم والإحرام إنما تجب قيمته لا مثله كما لو كان مملوكا ثم طردوا هذا القياس في القرض فقالوا لا يجوز قرض ذلك لأن موجب القرض رد المثل وهذا لا مثل له ومنه من خرج عن موجب هذا القياس في الصيد لدلالة القرآن والسنة وآثار الصحابة على أنه يضمن بمثله من النعم وهو مثل المقيد بحسب الإمكان وإن لم يكن مثلا من كل وجه وهذا قول الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد وهم يجوزون قرض الحيوان أيضا كما دلت عليه السنة الصحيحة فإنه قد ثبت عنه ص - في الصحيح أنه استسلف بكرا وقضى جملا رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء ثم اختلفوا بعد ذلك في موجب قرض الحيوان هل يجب رد القيمة أو المثل على قولين وهما في مذهب أحمد وغيره والذي دلت عليه سنة رسول الله ص - الصحيحة الصريحة أنه يجب رد المثل وهذا هو المنصوص عن أحمد ثم اختلفوا في الغصب والإتلاف على ثلاثة أقوال وهي في مذهب أحمد أحدها يضمن الجميع بالمثل بحسب الإمكان والثاني يضمن الجميع بالقيمة والثالث أن الحيوان يضمن بالمثل وما عداه كالجواهر ونحوها بالقيمة
واختلفوا في الجدار يهدم هل يضمن بقيمته أو يعاد مثله على قولين وهما للشافعي والصحيح ما دلت عليه النصوص وهو مقتضى القياس الصحيح

وما عداه فمناقض للنص والقياس لأن الجميع يضمن بالمثل تقريبا وقد نص الله سبحانه على ضمان الصيد بمثله من النعم ومعلوم أن المماثلة بين بعير وبعير أعظم من المماثلة بين النعامة والبعير وبين شاة وشاة أعظم منها بين طير وشاة وقد رد النبي ص - بدل البعير الذي أقرضه مثله دون قيمته ورد عوض القصعة التي كسرتها بعض أزواجه قصعتها نظيرها وقال إناء بإناء وطعام بطعام فسوى بينهما في الضمان وهذا عين العدل ومحض القياس وتأويل القرآن
وقد نص الإمام أحمد على هذا في مسائل إسحاق بن منصور قال إسحاق قلت لأحمد قال سفيان ما انكسر شيئا صحيحا فقيمته صحيحا فقال أحمد إن كان يوجد مثله فمثله وإن كان لا يوجد مثله فعليه قيمته ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد فقال سألت أحمد عن الرجل يكسر قصعة الرجل أو عصاه أو يشق ثوبا لرجل قال عليه المثل في العصا والقصعة والثوب فقلت أرأيت إن كان الشق قليلا فقال صاحب الثوب مخير في ذلك قليلا كان أو كثيرا
وقال في رواية إسحاق بن منصور منكسر شيئا صحيحا فإن كان يوجد مثله فمثله وإن كان لا يوجد مثله فعليه قيمته فإذا كسر الذهب فإنه يصلحه إن كان خلخالا وإن كان دينارا أعطى دينارا آخر مكانه قال إسحاق كما قال وقال في رواية موسى بن سعيد وعليه المثل في العصا والقصعة إذا كسر في الثوب ولا أقول في العبد والبهائم والحيوان وصاحب الثوب مخير إن شاء شق الثوب وإن شاء أخذ مثله واحتج في رواية ابنه عبد الله بحديث أنس فقال حميد عن أنس أن رسول الله ص - كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فأخذ النبي ص - الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيها الطعام

ويقول غارت أمكم كلوا فأكلوا وحبس الرسول حتى جاءت قصعة التي هو في بيتها فدفع القصعة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته والحديث في صحيح البخاري وعند الترمذي فيه فقال النبي ص - طعام بطعام وإناء بإناء وقال حديث صحيح وعند أبي داود والنسائي فيه قالت عائشة فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال إناء مثل إناء وطعام مثل طعام وهذا هو مذهبه الصحيح عنه عند ابن أبي موسى قال في إرشاده ومن استهلك لآدمي ما لا يكال ولا يوزن فعليه مثله إن وجد وقيل عليه قيمته وهو اختيار المحققين من أصحابه وقضى عثمان وابن مسعود على من استهلك لرجل فصلانا بفصلان مثلها وبالمثل قضى شريح والعنبري وقال به قتادة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وهو الحق وليس مع من أوجب القيمة نص ولا إجماع ولا قياس وليس معهم أكثر ولا أكبر من قوله ص - من أعتق شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد قالوا أوجب النبي ص - في إتلاف نصيب الشريك القيمة لا المثل فقسنا على هذا كل حيوان ثم عديناه إلى كل غير مثلي قالوا ولأن القيمة أضبط وأحصر بخلاف المثل قال الآخرون أما الحديث الصحيح فعلى الرأس والعين وسمعا له وطاعة ولكن فيما دل عليه وإلا فما لم يدل عليه ولا أريد به فلا ينبغي أن يحمل عليه وهذا التضمين الذي يضمنه ليس من باب تضمين المتلفات بل هو من باب تملك مال الغير بقيمته فإن نصيب الشريك يملكه المعتق ثم يعتق عليه فلا بد من تقدير دخوله في ملكه ليعتق عليه ولا خلاف بين القائلين بالسراية في ذلك وأن الولاء له وإن تنازعوا هل يسري عقيب عتقه أو لا يعتق حتى يؤدي القيمة أو يكون موقوفا فإذا أدى تبين أنه عتق من حين العتق وهي في مذهب الشافعي والمشهور في مذهبه ومذهب أحمد القول

الأول وفي مذهب مالك القول الثاني وعلى هذا الخلاف يبتنى ما لو أعتق الشريك نصيبه بعد عتق الأول فعلى القول الأول لا يعتق وعلى القول الثاني يعتق عليه ويكون الولاء بينهما ويبتنى على ذلك أيضا إذا قال أحد الشريكين إذا أعتقت نصيبك فنصيبي حر فعلى القول الأول لا يصح هذا التعليق ويعتق نصيبه من مال المعتق وعلى القول الثاني يصح التعليق ويعتق على المعلق والمقصود أن التضمين ههنا كتضمين الشفيع الثمن إذا أخذ بالشفعة فإنه ليس من باب ضمان الإتلاف ولكن من باب التقويم للدخول في الملك لكن الشفيع أدخل الشارع الشقص في ملكه بالثمن باختياره والشريك المعتق أدخل الشقص في ملكه بالقيمة بغير اختياره فكلاهما تمليك هذا بالثمن وهذا بالقيمة فهذا شيء وضمان المتلف شيء قالوا وأيضا فلو سلم أنه ضمان إتلاف لم يدل على أن العبد الكامل إذا أتلف يضمن بالقيمة والفرق بينهما أن الشريكين إذا كان بينهما ما لا يقسم كالعبد والحيوان والجوهرة ونحو ذلك فحق كل واحد منهما في نصف القيمة فإذا اتفقا على المهايأة جاز وإن تنازعا وتشاجرا بيعت العين وقسم بينهما ثمنها على قدر ملكيهما كما يقسم المثلي فحقهما في المثلي في عينه وفي المتقوم عند التشاجر والتنازع في قيمته فلولا أن حقه في القيمة لما أجيب إلى البيع إذا طلبه وإذا ثبت ذلك فإذا أتلف له نصف عبد فلو ضمناه بمثله لفات حقه من نصف القيمة الواجب له شرعا عند طلب البيع والشريك إنما حقه في نصف القيمة وهما لو تقاسماه تقاسماه بالقيمة فإذا أتلف أحدهما نصيب شريكه ضمنه بالقيمة وعكسه المثلي لو تقاسماه تقاسماه بالمثل فإذا أتلف أحدهما نصيب شريكه ضمنه بالمثل فهذا هو القياس والميزان الصحيح طردا وعكسا الموافق للنصوص وآثار الصحابة ومن خالفه فلا بد له من أحد أمرين إما مخالفة السنة الصحيحة وآثار الصحابة إن طرد قياسه وإما التناقض البين إن لم يطرده

فصل حكومة داود وسليمان
وعلى هذا الأصل تبتنى الحكومة المذكورة في كتاب الله
تعالى التي حكم فيها النبيان الكريمان داود وسليمان صلى الله عليهما وسلم إذ حكما في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم والحرث هو البستان وقد روي أنه كان بستان عنب وهو المسمى بالكرم والنفش رعي الغنم ليلا فحكم داود بقيمة المتلف فاعتبر الغنم فوجدها بقدر القيمة فدفعها إلى أصحاب الحرث إما لأنه لم يكن لهم دراهم أو تعذر بيعها ورضوا بدفعها ورضي أولئك بأخذها بدلا عن القيمة وأما سليمان فقضى بالضمان على أصحاب الغنم وأن يضمنوا ذلك بالمثل بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان ولم يضيع عليهم مغله من الإتلاف إلى حين العود بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم وقد اعتبر النمائين فوجدهما سواء وهذا هو العلم الذي خصه الله به وأثنى عليه بإدراكه
وقد تنازع علماء المسلمين في مثل هذه القضية على أربعة أقوال أحدها موافقة الحكم السليماني في ضمان النفش وفي المثل وهو الحق وهو أحد القولين في مذهب أحمد ووجه للشافعية والمالكية والمشهور عندهم خلافه والقول الثاني موافقته في ضمان النفش دون التضمين بالمثل وهذا هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد والثالث موافقته في التضمين بالمثل دون النفش كما إذا رعاها صاحبها باختياره دون ما إذا تفلتت ولم يشعر بها وهو قول داود ومن وافقه والقول الرابع أن النفش لا يوجب الضمان بحال وما وجب من ضمان الراعي بغير النفش فإنه يضمن بالقيمة لا بالمثل وهذا مذهب أبي حنيفة
وما حكم به نبي الله سليمان هو الأقرب إلى العدل والقياس وقد حكم رسول الله ص - أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي

بالليل ضمان على أهلها فصح بحكمه ضمان النفش وصح بالنصوص السابقة والقياس الصحيح وجوب الضمان بالمثل وصح بنص الكتاب الثناء على سليمان بتفهيم هذا الحكم فصح أنه الصواب وبالله التوفيق
ما يفعل بالجاني على النفس
ومن ذلك المماثلة في القصاص في الجنايات الثلاث على النفوس والأموال والأعراض فهذه ثلاث مسائل الأولى هل يفعل بالجاني كما يفعل بالمجني عليه فإن كان الفعل محرما لحق الله كاللواط وتجريعه الخمر لم يفعل به كما فعل اتفاقا وإن كان غير ذلك كتحريقه بالنار وإلقائه في الماء ورض رأسه بالحجر ومنعه من الطعام والشراب حتى يموت فمالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايات عنه يفعلون به كما فعل ولا فرق بين الجرح المزهق وغيره وأبو حنيفة وأحمد في رواية عنه يقولان لا يقتل إلا بالسيف في العنق خاصة وأحمد في رواية ثالثة يقول إن كان الجرح مزهقا فعل به كما فعل وإلا قتل بالسيف وفي رواية رابعة يقول إن كان مزهقا أو موجبا للقود بنفسه لو انفرد فعل به كما فعل وإن كان غير ذلك قتل بالسيف والكتاب والميزان مع القول الأول وبه جاءت السنة فإن النبي ص - رض رأس اليهودي بين حجرين كما فعل بالجارية وليس هذا قتلا لنقضه العهد لأن ناقض العهد إنما يقتل بالسيف في العنق وفي أثر مرفوع من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه وحديث لا قود إلا بالسيف قال الإمام أحمد ليس إسناده مجيد والثابت عن الصحابة أنه يفعل به كما فعل فقد اتفق على ذلك الكاتب والسنة والقياس وآثار الصحابة واسم القصاص يقتضيه لأنه يستلزم المماثلة
ما يفعل بالجاني على المال
المسألة الثانية إتلاف المال فإن كان مما له حرمة كالحيوان والعبيد فليس له أن يتلف ماله كما أتلف ماله وإن لم تكن له حرمة كالثوب يشقه والإناء يكسره فالمشهور أنه ليس له أن يتلف عليه نظير ما أتلفه بل له القيمة أو المثل

كما تقدم والقياس يقتضي أن له أن يفعل بنظير ما أتلفه عليه كما فعله الجاني به فيشق ثوبه كما شق ثوبه ويكسر عصاه كما كسر عصاه إذا كانا متساويين وهذا من العدل وليس مع من منعه نص ولا قياس ولا إجماع فإن هذا ليس بحرام لحق الله وليست حرمة المال أعظم من حرمة النفوس والأطراف وإذا مكنه الشارع أن يتلف طرفه بطرفه فتمكينه من إتلاف ماله في مقابلة ماله هو أولى وأحرى وإن حكمة القصاص من التشفي ودرك الغيظ لا تحصل إلا بذلك ولأنه قد يكون له غرض في أذاه وإتلاف ثيابه ويعطيه قيمتها ولا يشق ذلك عليه لكثرة ماله فيشفي نفسه منه بذلك ويبقى المجني عليه بغبنه وغيظه فكيف يقع إعطاؤه القيمة من شفاء غيظه ودرك ثأره وبرد قلبه وإذاقة الجاني من الأذى ما ذاق هو فحكمة هذه الشريعة الكاملة الباهرة وقياسها معا يأبى ذلك وقوله فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به يقتضي جواز ذلك وقد صرح الفقهاء بجواز إحراق زروع الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا وهذا عين المسألة وقد أقر الله سبحانه الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خزيهم وهذا يدل على أنه سبحانه يحب خزي الجاني الظالم ويشرعه وإذا جاز تحريق متاع الغال بكونه تعدي على المسلمين في خيانتهم في شيء من الغنيمة فلإن يحرقوا ماله إذا حرق مال المسلم المعصوم أولى وأحرى وإذا شرعت العقوبة المالية في حق الله الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى ولأن الله سبحانه شرع القصاص زجرا للنفوس عن العدوان وكان من الممكن أن يوجب الدية استدراكا لظلامة المجني عليه بالمال ولكن ما شرعه أكمل وأصلح للعباد وأشفى لغيظ المجني عليه وأحفظ للنفوس والأطراف وإلا فمن كان في نفسه من الآخر من قتله أو قطع طرفه قتله أو قطع طرفه وأعطى ديته والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك وهذا بعينه موجود في العدوان على المال

فإن قيل فهذا ينجبر بأن يعطيه نظير ما أتلفه عليه
قيل إذا رضي المجني عليه بذلك فهو كما لو رضي بدية طرفه فهذا هو محض القياس وبه قال الأحمدان أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية قال في رواية موسى بن سعيد وصاحب الشيء يخير إن شاء شق الثوب وإن شاء أخذ مثله
ما يفعل بالجاني على العرض
المسألة الثالثة الجناية على العرض فإن كان حراما في نفسه كالكذب عليه وقذفه وسب والدين فليس له أن يفعل به كما فعل به اتفاقا وإن سبه في نفسه أو سخر به أو هزء به أو بال عليه أو بصق عليه أو دعى عليه فله أن يفعل به نظير ما فعل به متحريا للعدل وكذلك إذا كسعه أو صفعه فله أن يستوفي منه نظير ما فعل به سواء وهذا أقرب إلى الكتاب والميزان وآثار الصحابة من التعزير المخالف للجناية جنسا ونوعا وقدرا وصفة وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة على ذلك فلا عبرة بخلاف من خالفها ففي صحيح البخاري أن نساء النبي ص - أرسلن زينب بنت جحش إلى رسول الله ص - تكلمه في شأن عائشة فأتته فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك العدل في بنت ابن أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها حتى إن رسول الله ص - لينظر إلى عائشة هل تتكلم فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها قالت فنظر النبي ص - إلى عائشة وقال إنها بنت أبي بكر وفي الصحيحين هذه القصة قالت عائشة فأرسل أزواج النبي ص - زينب بنت جحش زوج النبي ص - وهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله ص - فذكرت الحديث وقالت ثم وقعت في فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله ص - وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله ص - لا يكره أن أنتصر

فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أثخنت عليها قالت فقال رسول الله ص - وتبسم إنها ابنة أبي بكر وفي لفظ فيهما لم أنشبها أن أثخنتها غلبة وقد حكى الله سبحانه عن يوسف الصديق أنه قال لإخوته أنتم شر ماكانا والله أعلم بما تصفون لما قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ذلك للمصلحة التي اقتضت كتمان الحال ومن تأمل الأحاديث رأى ذلك فيها كثيرا جدا وبالله التوفيق
فصل الفصل بين الفريقين يحتاج إلى النظر الدقيق
قالوا وهذا غيض من فيض وقطرة من بحر من تناقض القياسيين الآرائيين وقولهم بالقياس وتركهم لما هو نظيره من كل وجه أولى منه وخروجهم في القياس عن موجب القياس كما أوجب لهم مخالفة السنن والآثار كما تقدم الإشارة إلى بعض ذلك فليوجدنا القياسيون حديثا واحدا صحيحا صريحا غير منسوخ قد خالفناه لرأي أو قياس أو تقليد رجل ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا فإن كانت مخالفة القياسي دينا فقد أريناهم مخالفته صريحا ثم نحن أسعد الناس بمخالفته منهم لأنا إنما خالفناه للنصوص وإن كان حقا فماذا بعد الحق إلا الضلال
فانظر إلى هذين البحرين اللذين قد تلاطمت أمواجهما والحزبين اللذين قد ارتفع في معترك الحرب عجاجهما فجر كل منها جيشا من الحجج لا تقوم له الجبال وتتضاءل له شجاعة الأبطال وأتى كل واحد منهما من الكتاب والسنة والآثار بما خضعت له الرقاب وذلت له الصعاب وانقاد له علم كل عالم ونفذ حكمه كل حاكم وكان نهاية كل قدم الفاضل النحرير الراسخ في العلم أن يفهم عنهما

ما قالها ويحيط علما بما أصلاه وفصلاه فليعرف الناظر في هذا المقام قدره ولا يتعدى طوره وليعلم أن وراء سويقته بحارا طامية وفوق مرتبته في العلم مراتب فوق السهى عالية فإن وثق من نفسه أنه من فرسان هذا الميدان وجملة هؤلاء الأقران فليجلس مجلس الحكم بين الفريقين ويحكم بما يرضي الله ورسوله بين هذين الحزبين فإن الدين كله لله وإن الحكم إلا لله ولا ينفع في هذا المقام قاعدة المذهب كيت وكيت وقطع به جمهور من الأصحاب وتحصل بنا في المسألة كذا وكذا وجها وصحح هذا القول خمسة عشر وصحح الآخر سبعة وإن علا نسب علمه قال نص عليه فانقطع النزاع ولز ذلك النص في قرن الإجماع والله المستعان وعليه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"