بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

الهجرة النبوية الشريفة..../2

الهجرة النبوية المباركة المدينة وانتم
الهجرة النبوية المباركة المدينة وانتم

اجتمع المشركون في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها ليتشاوروا فيما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه.

غدوا في اليوم الذي تواعدوا له وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ نجدي كبير عليه كساء غليظ مربع وقيل كساء من صوف فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفاً على بابها
قالوا: من الشيخ
قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يدعمكم منه رأياً ونصحاً
قالوا: أجل فأدخل
فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش
فقال بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم وإننا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأياً
فتشاوروا
ثمّ قال قائل منهم: احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثمّ تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم.

قال إبليس: لا والله ما هذا لكم برأي والله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعونه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا إلى غيره
ثمّ قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه.

قال إبليس لعنه الله (الشيخ النجدي) والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن هديته وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثمّ يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثمّ يفعل بكم ما أراد
فقال أبو جهل بن هشام: والله إن لي فيه لرأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد
قالوا: وما هو يا أبا الحكم؟
قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً نسيباً وسيطاً ثمّ تعطي كل فتى منهم سيفاً صارماً ثمّ يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعاً فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً فرضوا من بالعقل فعقلناه لهم ،
يقول الشيخ النجدي(ابليس): القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي ولا رأي غيره
فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه
فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر ففعل،
ثم خرج صلى الله عليه وسلم وهم على بابه ومعه حفنة تراب فجعل يذرها على رؤوسهم وهو يقرأ :
﴿يـس والقرءانِ الحكيمِ إنّكَ لمنَ المرسلينَ على صِراطٍ مستقيمٍ تنـزيلَ العزيزِ الرحيمِ لِتُنْذِرَ قومًا ما أُنذِرَ ءاباؤهُمْ فهُمْ غافلونَ لقدْ حَقَّ القولُ على أكثرِهِمْ فهُمْ لا يؤمنونَ إنَّا جعَلْنَا في أعناقهم أَغْلالاً فهيَ إِلى الأَذْقانِ فهُمْ مُقمَحونَ وجعَلْنَا مِنْ بينِ أَيدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فأَغْشَيْناهُمْ فهُمْ لا يُبْصِرونَ﴾

حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه تراباً ثمّ انصرف إلى حيث أراد أن يذهب
فأتاهم ءات ممن لم يكن معهم
فقال: وما تنتظرون ها هنا
قالوا: محمداً
قال: قد خيبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد ثمّ ما ترك منكم رجلاً إلاّ وقد وضع على رأسه تراباً وانطلق لحاجته أفما ترونها بكم ، فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراباً ، ثمّ جعلوا يطلعون فيرون علياً على الفراش مستجياً ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائماً عليه بردة فلم يزالوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي على الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان قد حدثنا، فكان مما أنزل الله من القرءان في ذلك: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.


الهجرة النبوية المباركة المدينة وانتم

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم
فقال: يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك
فقال: إني لأرجو ذلك فانتظره أبو بكر ثمّ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ذات يوم ظهراً فناداه
فقال: اخرج من عندك
فقال: يا رسول الله إنما هنا ابنتاي
قال: شعرت أنه قد أذن لي في الخروج
فقال: يا رسول الله الصحبة
فقال: الصحبة
قال: يا رسول الله عندي ناقتان قد أعددتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما فركبا فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور فتواريا فيه

الهجرة النبوية المباركة المدينة وانتم

وكان عامر بن فهيرة غلاماً لعبدة بن الطفيل وهو أخو عائشة لأمها وكانت لأبي بكر منحة (أي غنم) فكان يروح بها ويغدو عليها ويصبح فيدلج إليهم ثمّ يسرح فلا يفطن له أحد من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة وكان من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق أن دخلا غار ثور وفي ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت حتى سترت النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعاً تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلاَّ حمامتين وحشيتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه
فقالوا له:مالك
فقال: رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد درأ عنه.

وسمع المسلمون بالمدينة خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرّة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على بناء مرتفع من أبنيتهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن
قال بأعلى صوته: يا معشر العرب هذا الذي تنتظرون فثار المسلمون فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرّة.

ولبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وكان مربداً للتمر (الموضع الذي يجعل فيه التمر) لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله تعالى المنزل ثمّ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً
فقالا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثمّ بناه مسجداً فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل اللبِن مع أصحابه المهاجرين والأنصار.

قال تعالى :(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا)

ولمَّا وصلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ المنوَّرةِ استقبَلَهُ المؤمنونَ بالفرَح، استبشَرَ الناسُ بقدومِ رسولِ الله، وسمَّى الرسولُ يثربَ المدينةَ المنوَّرةَ، وءاخى بينَ أهلِها أي الأنصارِ والمهاجرينَ، وبنى مسجدَهُ، وصارَ المسلمونَ عَلَى قَلْبِ رجلٍ واحدٍ لا يُفرِّقُ بينَهُم طمَعُ الدنيا ولا يُباعِدُ بينَهُم حَسَدٌ ولا ضَغينةٌ، مَثَلُهم كمَثَلِ البُنيانِ المرصوصِ يشدُّ بعضهُ بعضًا، ومثلُهم في توادِهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسَدِ الواحدِ إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالسّهَرِ والحُمَّى.

الهجرة النبوية المباركة المدينة وانتم
إن الهجرة المباركة كانت درساً في الصبر والتوكل على الله تعالى ولم تكن طلبا للراحة ولاهرباً من العدو ولاتهرباً من الدعوة وأعبائها بل كانت بأمر من الله تعالى في وقت أشد ماتكون البشرية في ذلك الزمن إلى الهدي المحمدي فلقد أرسل الله خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية وهي أحوج ما تكون إلى رسالته، وأشدَّ ما تكون ضرورة إلى دينه، بعد أن صار الكثير من الناس في ظلمات الشرك والجهل والكفر، فأرسل الله عبده محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعاً،
قال الله تعالى: قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ فَأمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِىّ ٱلأمّيّ ٱلَّذِى يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَٰتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
فوجدهم يعبدون آلهة شتى، منهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار والشمس والقمر والملائكةوالجن، ويلجؤون إليهم في كشف الشدائد والكربات، ويرغبون إليهم في جلب النفع والخيرات، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ووجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الناس يتحاكمون إلى الكهان والسحرة والعرافين، ويغشون الفواحش والمحرمات، ويسيئون الجوار، ويقطعون الأرحام، ويكسبون الأموال لا يبالون بالحلال و بالحرام، الربا والبيع عندهم سواء، والغصب والميراث قرناء، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الناس إلى
شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، بكل ما تضمنته هذه الشهادة من معنى، بإفراد الله وحده بالعبادة وعدم الإشراك بالله شىء وبينَ لهم أن الله المعبود بحق لايوصف بصفات البشر فهو الخالق وما سواه مخلوق وهو الموصوف بالصفات التى تليق به فهو الأول قبل كل شىء والله الموجود قبل الكل بلا مكان ولازمان ولاجهة ولايحتاج إلى شىء بل الكل محتاج إليه
قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً
وإفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع،
قال تعالى: وَمَا ءاتَٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ
جاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى العفاف والطهر والخلق الكريم والإستقامة وصلة الأرحام وحسن الجوار والكف عن المظالم والمحارم، ويدعوهم إلى التحاكم إلى الكتاب العزيز، لا إلى الكهان وأمر الجاهلية، وكسب المال من وجوه الحلال، وإنفاقه في الطرق المشروعة والمباحة، وجعل الناس كلهم أمام شريعة الله سواء، يتفاضلون بالتقوى،
قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَٰناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ

وقال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى هذا المعنى العظيم، وقام بهذا الواجب الكبير، دعا إلى دين قويم يرقى به الإنسان إلى أعلى المنازل، ويسعد به في الآخرة سعادةً أبدية في النعيم المقيم، فاستجاب له القلة المؤمنة المستضعفة في مكة، فأذاقهم المشركون أنواع العذاب، كالحرق بالناروإنزال أشد ألوان العذاب، واشتد الكرب في مكة، وضيّق الخناق على المسلمين المستضعفين، وائتمر المشركون بمكة أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورصده المشركون عند بابه ليضربوه ضربة رجل واحد، فخرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو صدر سورة " يس"،وذرَّ على رؤوسهم التراب، وأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يروه، وأخذهم النعاس ولجأ هو وصاحبه أبو بكر الصديق في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأ الطلب، وفتشت قريش في كل وجه، وتتبعوا الأثر حتى وقفوا على الغار،
فقال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا،
فقالصلى الله عليه وسلم : "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!"
أي ان الله تعالى مطلع علينا لاتخفى عليه خافية ثم يمَّما نحو المدينة، فكانت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نصراً للإسلام والمسلمين، حيث أبطل الله مكر المشركين وكيدهم في تقديرهم القضاء على الإسلام بمكة، وظنهم القدرة على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
إن حادثة هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم تمد المسلمين بالعبر والعظات والدروس والتوجيهات، وقد شاء الله تعالى أن تكون بأسباب مألوفة للبشر، يتزود فيها للسفر، ويركب الناقة، ويستأجر الدليل، ولو شاء الله لحمله على البراق، ولكن لتقتدي به أمته بالصبر والتحمل لمشقاة الدنيا والعمل الدؤب للأخرة التى هي العقبى، فينصر المسلم دينه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن حال المسلمين في العالم حريَ بالاستفادة من معاني الهجرة النبوية المباركة، بفهم أمر الدين والفصل بين الدين الحق وأهله وبين المتاجرين المتطرفين المنفرين عن الدين بأساليب وفتاوى ليس لها في الدين من أصل بل تخالف الدين، في ذكرى الهجرة المباركة علينا أن نعلم أن الدين الإسلامي دين علم وعمل وثقافة ومعرفة ودعوةللحق مؤيدة بالبراهين العقلية والنقلية المنورة للقلوب فلن يصلح حال المسلمين في هذا العصر إلا بالأمور التي صلح بها السلف الصالح من العلم والمعرفة الصحيحة لدين الله والتحذير من المضللين أصحاب الفتاوى السيئة التى جلبت الويلات للمسلمين، وبالخلق الكريم، والصدق مع الله، والتوكل عليه، والصبر على المكاره، وإحسان العبادة، على وفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة،

قال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"
إن علينا أن نعتبر بمعاني الهجرة ونأخذ منها الدروس والعظات؛ ففي الهجرة مفارقة للوطن والأهل والديار والأموال، وفي هذا ثبات المؤمن على عقيدة الحق، وصبر وعزم وتضحية جعل الله فيها الثواب الجزيل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :"إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
نسأل الله تعالى أن تكون هذه السنة الهجرية بركة وخيرأ يعم البلاد والعباد وكل عام وأنتم بخير
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، الصلاة والسلام عليك سيدي يا علم الهدى الصلاة والسلام عليك سيدي يا رسول الله سيدي يا حبيب الله ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا أدركنا يا محمد أدركنا يا أبا القاسم يا رسول الله أدركنا بإذن الله .

الهجرة النبوية الشريفة

السيرة النبوية

الهجرة من مكة إلى المدينة
أصبح كفار مكة في غيظ شديد، بعدما صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنصار في يثرب، وهم أهل حرب يجيدون القتال، وسوف ينصرون
الإسلام، فشعر كفار مكة أن الأمر سيخرج من أيديهم، فانقضوا على المسلمين بالتعذيب والأذى، والتف المسلمون حول نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم يطلبون منه الإذن في ترك مكة كلها، ويهاجرون بدينهم، حتى يستطيعوا أن يعبدوا الله تعالى وهم آمنون، فأذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة. فبدأ المسلمون يتسللون سرًّا إلى المدينة، تاركين ديارهم وأموالهم من أجل دينهم.
وجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الهجرة، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتظر لعل الله يجعل له صاحبًا، ففهم أبو بكر أنه سيظفر بالهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتظر مسرورًا، وأخذ يُعِدُّ للرحلة المباركة، فجهزَّ ناقتين ليركبهما هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
المؤامرة:
اجتمع زعماء مكة في دار الندوة -ذلك البيت الكبير الواسع الذي كان
لقصي بن كلاب- وعلى وجوههم الغضب؛ للتشاور في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد شعروا أنه يعد نفسه للهجرة إلى المدينة، وإذا تم له ذلك فسوف تصبح المدينة مركزًا كبيرًا يتجمع فيه المسلمون من كل مكان حول النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يشكلون خطرًا على تجارة أهل مكة عندما تمر بالمدينة في طريقها إلى الشام ذهابًا وإيابًا، وبدأ النقاش، فقال بعضهم: نُخرج محمدًا من بلادنا فنستريح منه، وقال آخرون: نحبسه حتى يموت.
وقال أبو جهل: نأخذ من كل قبيلة شابًّا قويًّا، ونعطي كلا منهم سيفًا صارمًا قاطعًا، لينقضوا على محمد، ويضربوه ضربة قاتلة، وهكذا لا يستطيع عبد مناف -قوم محمد- محاربة القبائل كلها، فيقتنعون بأخذ ما يريدون من مال تعويضًا عن قتل محمد، وكان الشيطان اللعين يجلس بينهم في صورة شيخ نجدي وهم لا يعرفونه، فلما سمع ذلك الرأي قال في حماس: القول ما قال الرجل، وهذا الرأي لا رأى غيره، فاتفقوا جميعًا عليه.
وسجل القرآن الكريم ما دار في اجتماع المشركين ذلك، فقال تعالى: {إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} _[الأنفال: 30] وتدخلت عناية الله؛ فجاء جبريل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره ألا يبيت هذه الليلة في فراشه وأن يستعد للهجرة، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في حَرِّ الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يأتينا في مثل هذه الساعة، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: فداءً له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (أخرج مَنْ عندك) فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: (فإني قد أذن لي في الخروج) فقال أبو بكر: الصحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم).
أحداث الهجرة:
كان الله -سبحانه- قادرًا على أن يرسل ملكًا من السماء يحمل رسوله إلى المدينة كما أسرى به ليلا من مكة إلى المسجد الأقصى وعرج به السماء، ولكن جعل الهجرة فرصة كبيرة لنتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروسًا عظيمة في كيفية التفكير والتخطيط والأخذ بالأسباب التي توصل إلى النجاح.
ولنبدأ بأول هذه الدروس، فكيف يخرج النبي صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبو بكر -رضي الله عنه- من بين هؤلاء الكفار دون أن يلحقوا بهما؟ فلو خرجا من مكة سالمين فإن المسافة طويلة بين مكة والمدينة وسوف يخرج وراءهما الكفار ويدركونهما، لابد إذن من الاختباء في مكان ما؛ حتى ييأس الكفار من البحث عنهما، ومن هنا وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم خطة محكمة لتتم الهجرة بسلام.
فأمام بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف مجموعة من شباب قريش في الليل، ينتظرون حتى يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، فينقضوا عليه
ويقتلوه، وكان هؤلاء الكفار يتطلعون بين الحين والحين إلى فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطمئنوا على وجوده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
عليَّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالنوم في فراشه، وأن يتغطى ببردته، وطمأنه بأن المشركين لن يؤذوه بإذن الله.
واستجاب عليٌّ -رضي الله عنه- بكل شجاعة وحماس، ونفذ ما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم به، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك تضليل المشركين، فإذا نظروا إليه من الباب ووجدوه في فراشه، ظنوا أنه صلى الله عليه وسلم ما زال نائمًا، وقد كانت عند الرسول صلى الله عليه وسلم أمانات كثيرة تركها المشركون عنده، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يردها إلى أصحابها، فأمر عليًّا أن ينتظر في مكة لأداء هذه المهمة، رغم أنهم أخرجوا المسلمين من ديارهم، وآذوهم، ونهبوا أموالهم ولكن المسلم يجب أن
يكون أمينًا.
وكان أبو جهل يقول لأصحابه متهكمًا برسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدًا يزعم أنكم إن تابعتموه أصبحتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فدخلتم الجنة، وإن لم تفعلوا ذبحكم ثم بعثتم من بعد موتكم فتدخلون النار تحرقون فيها.
ونام علي -رضي الله عنه- في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الباب، وخرج وفي قبضته حفنة من التراب فنثرها على رءوس المشركين، وهو يقرأ سورة يس إلى قوله تعالى: {وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} _[يس: 9] وإذا برجل يمر عليهم فرأى التراب على رءوسهم، فقال لهم: خيبكم الله، قد خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابًا، أفما ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه التراب.
فنظروا من الباب، فوجدوا رجلا نائمًا في مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وعليه غطاؤه، فقالوا: هذا محمد في فراشه، وعليه بردة، ثم اقتحموا دار النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدوا عليًّا في فراشه، فخرجوا يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل مكان، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هذه الفترة قد وصل إلى بيت صاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- وعزما على الذهاب إلى غار ثور ليختبئا فيه.
وحمل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كل ماله، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب صغير في نهاية المنزل حتى لا يراهما أحد، وانطلقا حتى وصلا الغار، وهناك وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل أبوبكر
أولا؛ ليطمئن على خلوِّ الغار من الحيَّات والعقارب، ثم سدَّ ما فيه من فتحات حتى لا يخرج منها شيء، وبعد ذلك دخل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وها هي ذي أسماء بنت أبي بكر يدخل عليها جدها أبو قحافة بعد أن علم بخروج ولده أبي بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رجلا كبيرًا قد عَمِىَ، يسألها عما تركه أبو بكر في بيته ويقول: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبتِ! إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، وأخذت أحجارًا فوضعتها في المكان الذي كان أبوها يضع ماله فيه، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده وقالت: يا أبت، ضع يدك على هذا، فوضع يده عليه فقال: لا بأس ، فإن كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم.
أما كفار مكة فإنهم حيارى، يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه ويضربون كفًّا بكف من الحيرة والعجب، فالصحراء على اتساعها مكشوفة أمامهم، ولكن لا أثر فيها لأحد ولا خيال لإنسان، فتتبعوا آثار الأقدام، فقادتهم إلى غار ثور، فوقفوا أمام الغار، وليس بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه سوى أمتار قليلة، حتى إن أبا بكر رأى أرجلهم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما)
[متفق عليه].
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد انصرف القوم، ولم يفكر أحدهم أن ينظر في الغار، وسجل القرآن هذا، فقال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة: 40].
ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ثلاثة أيام، وكان
عبدالله بن أبي بكر يذهب إليهما بأخبار الكفار ليلا، وأخته أسماء تحمل لهما الطعام، أما عامر بن فهيرة راعي غنم أبي بكر فقد كان يسير بالأغنام فوق آثار أقدام عبدالله وأسماء حتى لا يترك أثرًا يوصل إلى الغار، وبعد انتهاء الأيام
الثلاثة، خف طلب المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فخرجا من الغار، والتقيا بعبد الله بن أريقط، وقد اتفقا معه على أن يكون دليلهما في هذه الرحلة مقابل أجر.
تحرك الركب بسلام، وأبو بكر لا يكف عن الالتفات والدوران حول النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن، ولا يلتفت حوله فهو واثق من نصر الله -تعالى- له، ولا يخشى أحدًا، وبينما أبو بكر يلتفت خلفه إذا بفارس يقبل نحوهما من بعيد، كان الفارس هو سراقة بن مالك وقد دفعه إلى ذلك أن قريشًا لما يئست من العثور على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه، جعلوا مائة ناقة جائزة لمن يرده إليهم حيًّا أو ميتًا.
فانطلق سراقة بن مالك بفرسه وسلاحه في الصحراء طمعًا في الجائزة، فغاصت أقدام فرسه في الرمال مرتين حين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل سراقة مسرعًا عن الفرس، حتى نزعت أقدامها من الرمال، فأيقن سراقة أن الله تعالى يحرس رسوله صلى الله عليه وسلم، ولن يستطيع إنسان مهما فعل أن ينال منه، فطلب من رسول الله أن يعفو عنه، وعرض عليه الزاد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لنا، ولكن عمِّ عنا الخبر) فوعده سراقة ألا يخبر
أحدًا، وعاد إلى مكة، وهكذا خرج سراقة يريد قتلهما وعاد وهو يحرسهما ويبعد الناس عنهما، فسار النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى المدينة تحرسهما عناية الله.
وأثناء رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى المدينة مرَّا بمنازل خزاعة ودخلا خيمة أم معبد الخزاعية، وكانت سيدة كريمة، تطعم وتسقي من مرَّ بها، فسألاها: عما إذا كان عندها شيء من طعام؟ فأخبرتهما أنها لا تملك شيئًا في ذلك الوقت، فقد كانت السنة شديدة القحط، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في جانب الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟
فأخبرته أنها شاة منعها المرض عن الخروج إلى المراعي مع بقية الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، فقال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم إن رأيت بها حلبًا فاحلبها.
فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى الله ودعا، وطلب إناء فحلب فيه حتى علته الرغوة، فسقاها فشربت حتى شبعت، وسقى رفيقيه أبا بكر وعبد الله بن أريقط حتى شبعا، ثم شرب، وحلب فيه ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه صلى الله عليه وسلم وانصرف.
الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء:
علم أهل المدينة بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، فكانوا يخرجون كل يوم بعد صلاة الصبح إلى مشارف المدينة، وعيونهم تتطلع إلى الطريق، وتشتاق لمقدم الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، ولا يعودون إلى بيوتهم إلا إذا اشتد حر الظهيرة، ولم يجدوا ظلا يقفون فيه.
وفي يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول انتظر أهل يثرب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعادتهم، حتى اشتد الحر عليهم، فانصرفوا لبيوتهم، وبعد قليل أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فأبصرهما رجل يهودي كان يقف على نخلة، فصاح بأعلى صوته: يا بني قيلة، هذا صاحبكم قد جاء، فأسرع المسلمون لاستقبال نبيهم وصاحبه أبي بكر الذي كان يُظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه من حر الشمس.
وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم في قُبَاء، في بيت سعد بن خيثمة يستقبل الوافدين عليه، أقبل عليُّ بن أبي طالب من مكة بعد أن ظل فيها ثلاثة أيام بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليرد الأمانات إلى أهلها، وقد ظل الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء أربعة أيام يستقبل أهل المدينة، وعندما أقبل يوم الجمعة ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء متوجهًا للمدينة بعد أن أسس مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في الإسلام، وقال الله -عز وجل- عنه: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} _[التوبة: 108].
وكانت الهجرة حدثًا فاصلا بين عهدين، فقد أعز الله المسلمين بعد أن كانوا مضطهدين، وصارت لهم دار آمنة يقيمون فيها، ومسجد يصلون فيه، ويؤدون فيه شعائرهم، ويتشاورون في أمورهم، لهذا كله اتفق الصحابة على جعل الهجرة بداية للتاريخ الإسلامي، فقد تحول المسلمون من الضعف والحصار والاضطهاد إلى القوة والانتشار ورد العدوان.
بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"