بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 نوفمبر 2010

قراءة الصورة الفوتوغرافية

قراءة الصورة الفوتوغرافية

خطوات نحو الضوء

الصورة الفوتوغرافية ليست مجرد إطار يجمع بين زواياه مجموعة من الأشياء الجميلة أو المرعبة التي لا هدف لها ، فعالم التصوير الفوتوغرافي فن له أسسه وعلم له قواعده ، وهو وإن كان أحد المجالات التي يتناولها العديد من الناس كهواية ، لكنه مجال له استخداماته الجادة والهادفة في كثير من المجالات كالتعليم و الإعلام والطب وغيرها ، وفي كل واحد من هذه المجالات له أساليبه وطرقه المناسبة للمواقف والاحتياجات المتنوعة 0

واستخدام الصورة الفوتوغرافية كوسيلة لإيصال رسالة ذات هدف محدد يوجب اللجوء إلى بعض الأسس التي تحدثت عنها المؤلفات المتخصصة ، فالصورة قد تكون جاهزة متداولة بين الأيدي إما كسلعة تباع في الأسواق أو منتجة من قبل مؤسسة متخصصة لحساب جهات معينة كالمؤسسات التربوية أو الإعلامية ، وبالتالي فإن هذا يعني أن هذه الصور لابد وأن تتوفر فيها بعض الشروط والمواصفات التي تتيح لمستخدميها الفرصة الكافية لتحقيق أهدافهم ، وهذا لا يتم عشوائيا بل يجعل المستخدمين أيا كانوا في موقف المتبع لقواعد الاستخدام وأساليب العرض المناسبة للموقف مكانا وحدثا ومشاهدين 0

والحديث عن الصور الفوتوغرافية من هذا الجانب يعني أننا بصدد مهارة يفتقدها كثير من المستخدمين لها ، وهي مهارة تسمى " قراءة الصور الفوتوغرافية " ، وسنتحدث عنها بتفصيل موجز ، مع نموذج تطبيقي يمكن الاستفادة منه في النماذج الأخرى أيا كانت ، وهذا يعتمد على مدى استيعاب القارئ لحدود هذه المهارة ، وجهده في التدرب على هذه المهارة وممارستها في كل لحظة يستخدم فيها الصور كمصدر معلومات له وللطرف الذي يريد إبلاغه بالرسالة التربوية أو الإعلامية 0

محاولات الإنسان عبر التاريخ

منذ أن بدأ الإنسان وبإمكاناته البسيطة وتبعا لظروف حياته البدائية التعبير عن مكنوناته ورغباته الملحة في تعريف الآخرين بمنتجاته العقلية أو اليدوية ، نجح وإلى حد كبير في تحقيق ما يصبو إليه حيث استطاع إيصال رسائله المتنوعة إلى بقية أفراد المجتمع الإنساني عبر التاريخ بواسطة رسومات الكهوف المنتشرة في معظم أنحاء العالم ، وعن طريق المنتجات اليدوية كالأواني الفخارية المتمثلة في الأدوات المنزلية التي كان يستخدمها في حياته اليومية ، أو المعدات الحرفية ، والآلات الزراعية ، أو أنواع الأسلحة المختلفة التي كان لها دور بارز في حياته خلال مراحل التاريخ المتلاحقة 0

تغير المفاهيم عبر العصور

وخلال كل المراحل التاريخية الإنسانية كانت الصورة بأشكالها المتعددة ( مجسمة أو مسطحة ) تقوم بدورها البارز في إثبات الحقائق التي أراد الإنسان إظهارها لغيره ، المعاصرين له ، أو اللاحقين به ، وقد كان مفهوم " الصورة " مرتبطا بإمكانات كل عصر ، ولكنه ثبت على نحو معين خلال المرحلة التاريخية التي نعايشها اليوم ، إذ دخلت الصورة في إطار معين وأصبح لها مفهومها المناسب للتطورات المتنامية في عصرنا الحاضر عصر التقنيات المتفجرة في كل لحظة ، فهي اليوم تعني أشكالا متعددة منها المسطح ذو البعدين ، ومنها ثلاثي الأبعاد ، ومنها المجسم بأنواع مختلفة ، ومنها اليدوي ومنا الإليكتروني الذي يتم تحضيره وإعداده بواسطة الكمبيوتر 0

قفزات نوعية في عالم الصورة

ومنذ أن التقطت أول صورة فوتوغرافية خلال القرن الثامن عشر الميلادي وحتى اليوم ، برزت نماذج عديدة لمفهوم " الصورة " ، وهاهي اليوم وقد وصلت إلى درجة بالغة التقدم ، مقارنة بما كانت عليه خلال القرون الماضية ، فالصورة اليوم ومنذ القفزة النوعية لها خرجت من نطاق الجهد اليدوي البحت وهو ما يعرف بــ (الرسم ) وأضيف هذا القادم الجديد إلى عالم التصوير فكانت ( الصورة الضوئية ) التي يعتبر الضوء عنصر أساس لها 0

ومنذ بداية التحول التاريخي الحديث في عالم التقنيات دخلت الصورة عصرا جديدا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ، حيث ارتبطت بعالم التقنيات المتقدمة فأًصبحت تغوص في عالم الأرقام ، سواء كانت ثابتة أم متحركة 0

ولم تعد الصورة الضوئية تقف مستجدية على أعتاب الغرف السوداء لإظهارها ، أو يقف من يحتاج إليها في الشمس سويعات حتى يتمكن المصور من التقاط صورة - كانت وما تزال - تسمى "شمسية " وذلك لأهمية ضوء الشمس كمصدر وحيد آنذاك لعملية التصوير الجيدة 0

أصبحت لدينا اليوم وفي متناول معظم الراغبين كاميرات رقمية ذات حساسية عالية للتصوير ، وهي لا تحتاج لعملية إظهار ودخول الغرف المظلمة لتجهيزها ، بل إن أنواعا حديثة من الكاميرات تستطيع التقاط الصور باستعمال الأشعة تحت الحمراء ، وهذا على مستوى الأفراد العاديين لا على مستوى المؤسسات الرسمية والخاصة فحسب0

ولأننا لا نتحدث عن التصوير بأساليب أخرى ذات مميزات خاصة فإننا أغفلنا عن قصد التصوير بالأشعة تحت الحمراء أو التصوير بالأشعة السينية ، أو غيرها من عمليات التصوير المتخصصة التي ليست في متناول عامة الجمهور0

الصورة بدون تعليق

عندما تتحدث الصورة الضوئية عن نفسها فإن لها أساليب عديدة ، فهي تستطيع التعبير عن مكوناتها بدون تدخل من البشر ، عندما يتفرس الناظر إليها باحثا عن تلك المكونات وما وراءها ، وسنقف خلال هذه المقالة على تفصيلات موجزة قدر الإمكان عن هذا الجانب الهام في مجال الصورة الفوتوغرافية ، وهو ما يسمى بمهارة قراءة الصورة 0

مهارة يغفل عنها الكثيرون

عندما ينظر المرء في صورة ما فإنه سيواجه بمحتوياتها ، وإذا ما بحث عن هذه المحتويات فقد يجد نفسه أمام مجموعة من العناصر لا عنصر واحد ، وربما تتكون الصورة من عنصر واحد وربما تحتوي عناصر عديدة لا حصر لها

لعلك أيها القارئ سألت نفسك ذات يوم وأنت تنظر في صورة أو مجموعة صور ، عن أهمية تعدد العناصر في هذه الصورة أو تلك ، وربما تأففت من كثرتها في الصورة الواحدة وأحسست بعدم الجدوى من ذلك التجميع غير المنطقي لتلك العناصر ، في حين أنك تشعر بضرورة وجود عناصر أنت مقتنع بوجودها لعلاقتها بالموضوع الذي نشرت معه الصورة 0

نحو فهم واضح

هذا التحليل البسيط لمحتويات الصورة هو ما يسمى بـ ( قراءة الصورة الفوتوغرافية ) ، و من الضروري التوسع في عملية التعريف شيئا ما كي نتمكن من الحديث عن الأوجه الأخرى في هذه المهارة ، التي يفتقدها كثير من ذوي الصلة بهذا المجال ومن يستخدم الصورة في مهنته ، وبالذات المعلمون والإعلاميون وغيرهم ، رغم ضرورتها الملحة وأهميتها القصوى بالنسبة لهم في أداء أعمالهم والدور الذي تقوم به في مساعدتهم على الوصول إلى درجة متقدمة من النجاح في أداء مهماتهم0

قراءة الصورة

قراءة الصورة الفوتوغرافية يمكن أن تعرف من خلال الإطار الآتي حيث أنها : محاولة التعرف على محتويات الصورة الأساسية والثانوية ، والتعرف على العلاقات التي تربط بين هذه العناصر بمستوياتها المختلفة ، وما يمكن استنتاجه من أبعاد لهذه الصورة 0

مهارة لا غنى عنها

قراءة الصورة الفوتوغرافية كما تعرفنا إليها هي إحدى المهارات التي يحتاج إليها بعض الأفراد المنتمين إلى مهن مختلفة كالصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء ، و العاملين في المجال التعليمي ، و المحاضرين الذين تحتم عليهم مواقف العمل الاتصال بالجمهور لتوصيل رسائل ذات سمات محددة يراد من ورائها تحقيق أهداف بعينها، و من الضروري لهم استخدام الصور لتأكيد ما يريدونه من هذه الرسائل 0

لغة العيون

تقوم الصورة بدور يحسب له حسابه ، وهي بهذا الدور تعين المستخدم على سهولة توصيل رسالته إلى المستقبلين ، فالمراسل الصحفي الذي يعايش معارك ضارية أو عمليات التهجير والتطهير العرقي كما حصل في بلاد البلقان (البوسنة وما جاورها ) فمهما كانت بلاغته اللغوية فقد لا يتمكن من إعطاء وصف دقيق عن الأوضاع في تلك المنطقة 0

ولكن إذا كانت لديه المهارة الكافية في التقاط الصور الفوتوغرافية وتتوفر لديه المهارة أيضا في فهم العناصر التي يجب عليه تضمينها في صوره ، فهو مراسل ناجح إلى حد كبير ، فالصورة قد تغني عن مقال 0

وإن فقد بعض أو كل تلك المهارات وكان مجرد ملتقط عشوائي لصور عشوائية ، فقد تذهب جهوده في مهب الريح ، ولذلك فقد أصبح لزاما عليه استيعاب هذا المهارة ومحاولة السيطرة عليها ليكون متميزا في عمله يشار له بالبنان 0

من نافلة القول أن نصف هذا العصر بأنه عصر الصورة المصاحبة للكلمة ، وأحيان الصورة المنفردة التي تتحدث عن نفسها من خلال عناصرها الواضحة ودون أي تعليق كما هو معروف عن بعض المطبوعات كمجلة " لايف " الأمريكية ومجلة " الجغرافيا الوطنية " ، وللأسف فإن الصحافة العربية لا تعطي الصورة المعبرة مجالا كافيا كغيرها من الصحف الغربية ، ولعل هذا من قلة المتخصصين في هذا المجال أو ضعف مستوى الوعي لدى المتعاطين لهذه الوسيلة الهامة 0

مكونات الصورة

قد يكون في الصورة الواحدة عناصر متعددة ، أو قد لا تحمل بين جوانبها سوى عنصر واحد ، وهذا بالطبع مرتبط بعوامل عديدة كمزاجية المصور ومستوى إدراكه لما يريد من الصورة أو الموضوع التي من أجله التقطت الصورة 0

وقد تكون الصورة التي لا تحوي إلا عنصرا واحدا تتوفر فيها الجوانب الفنية الأخرى المتعلقة بعملية التصوير كزاوية الالتقاط ، وحجم اللقطة ، وزمن التعريض ، ونوعية وكمية الإضاءة ، تكون ذات تأثير قوي وبصمات بارزة فيكون لها من القوة في إيصال الرسالة المنوطة بها مالا يتوفر في مجموعة متعددة من الصور التي افتقدت العوامل التي تؤهلها للنجاح المطلوب في نقل الرسائل أو المعلومات0

مستويات العناصر

إذا كانت الصورة الفوتوغرافية ذات عنصر واحد فهذا يؤدي إلى تكوين وعي مباشر للهدف من الصورة ، أما إذا أجبر المصور ، أو كان من الضروري تعدد العناصر فهذا يجعل من اللازم التفصيل في معرفة هذه العناصر ومستوياتها ، وكيفية ترتيبها حسب الأهمية، ومن الأفضل تحديد عدد العناصر في الصورة قدر الإمكان كي لا يتشتت نظر القارئ ، وبالذات صغار السن أو منخفضي الوعي ، وكلما قلت العناصر كانت الصورة أفضل 0

وعدد العناصر قلة أو كثرة يرتبط بالموضوع الذي تدور حوله الصورة ، ومدى أهمية وجود أو عدم تلك العناصر ، وقد لا توجد قاعدة واحدة يمكن السير على منوالها، وهذا يعود إلى مدى تمكن المصور أو المراسل من مهارة قراءة الصورة الفوتوغرافية ، ودرجة وعيه بالموضوع الذي يعمل من أجله ، ودرجة تحديده للهدف أو الأهداف التي يريد تحقيقها من هذه الصور0

العلاقة بين العناصر

أثناء قراءة الصورة الفوتوغرافية لا بد من التعرف على العلاقات بين هذه العناصر فهذا يساعد وبكل تأكيد على توسيع دائرة الفهم لمحتوياتها ، و يقوم بدور هام في معرفة الكيفية التي يمكن بها الاستفادة من هذه الصورة ، وبأفضل مستوى 0

قد تكون العلاقة بين العنصر الأساس في الصورة وبين غيره من المستوى نفسه ضعيفة أو غير ضرورية ، من الأفضل على المستخدم إذن البحث عن صورة أخرى ، أو محاولة التخلص من العناصر غير الضرورية حتى لا يشوش على القارئ ويضيع الهدف من استخدامها ، وقد تكون العلاقة قوية وواضحة لا تحتاج إلى بذل كبير جهد في التعرف عليها ، وبهذا يسهل على المستخدم تحقيق أهدافه بسرعة وبدون جهد 0

فمعرفة العلاقة بين عناصر الصورة ضرورة يوجبها الموقف والموضوع وأهمية كل عنصر ، مما يجعل المصور أو المستخدم في مساحة واسعة من الاختيار أو الالتقاط وفق الأسس الخاصة بالتصوير وبناء على المفاهيم الخاصة بمهارة قراءة الصورة الفوتوغرافية0

أبعاد الصورة الفوتوغرافية

كما أن للصورة الفوتوغرافية عناصر ومكونات ، فإن لها أبعادا متعددة ، ومن البدهي القول أن لكل صورة طبيعتها ومكوناتها وأبعادها ، وهي وإن تشابهت في الإطار العام بين كل الصور ، إلا أن لكل صورة ما يناسبها ، وقد تتحد مجموعة من الصور في الأبعاد إذا كان موضوعها واحد ، وقد تختلف في نوعية الأبعاد باختلاف الموضوع 0

والمقصود من الأبعاد : ما يستشف من معان من خلال محتويات الصورة ، أو هو الطابع العام للصورة ، وهذا مرتبط بموضوع الصورة الذي من أجله التقطت0

فقد تكون الصورة ذات بعد إنساني كالصور المبثوثة والمنشورة عبر وسائل الإعلام عن قضية البلقان ( كوسوفا ) ، أو قضية فلسطين وغيرها من القضايا التي يغلب عليها الجانب الإنساني 0

لكن قد توجد أبعاد أخرى مصاحبة كالبعد السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي وغيرها ، وتكاد لا تخلو صورة ما من بعد واحد على الأقل ، ولو حاولنا بذل جهد بسيط فقد نعثر على كم هائل من الأبعاد لأي صورة مهما كانت محدودية عناصرها 0

ومختصر القول أن الأبعاد المتوقع وجودها في أي صورة قد تكون : دينية ، إنسانية ، تاريخية ، سياسية ، اقتصادية ، علمية ، فنية أو جمالية وغيرها0

ومن المهم جدا على مستخدم الصورة الفوتوغرافية التعرف على هذه الأبعاد ومحاولة إبراز الأهم منها أو اختيار الصور التي تظهر فيها الأبعاد التي يريدها هو من وراء استخدامه لها ، أو يجعل ذلك في اعتباره عند التقاطه لأي صورة حتى يصل لتحقيق أهدافه بسهولة0

من نتائج قراءة الصور الفوتوغرافية

من أهم النتائج التي يمكن تحقيقها بعد ممارسة مهارة قراءة الصورة الفوتوغرافية أن القراءة الجيدة تساعد على الاختيار الجيد ، وهذا بدوره يؤدي إلى الاستخدام الأمثل للصورة في موقعها زمانا ومكانا وتأثيرا ، أما إذا لم تجد هذه المهارة طريقها إلى المستخدم للصورة فإن النتيجة العكسية هي المحتملة بالطبع ، وهذا لا يروق لمن يريد التميز في عمله والوصول إلى مستويات راقية في مجال عمله أيا كان هذا العمل

ما معنى الكاريكاتير؟؟؟؟

ما معنى الكاريكاتير؟؟؟؟

هو فن يعتمد على رسوم تبالغ في تحريف الملامح الطبيعية، أوخصائصومميزات شخص أو حيوان أو جسم ما . وغالباً ما يكون التحريف في الملامحالرئيسيةللشخص، أو يتم الاستعاضة عن الملامح بأشكال الحيوانات، والطيور، أو عقدمقارنةبأفعال الحيوانات.
والكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية "كاريكير"( Caricare)،التي تعني " يبالغ، أويحمَّل مالا يطيق " (Overload)،والتيكانموسيني (M0sini) أول من استخدمها، سنة 1646. وفي القرن السابع عشر، كان جيانلورينزوبرنيني Gian Lorenzo Bernini))،وهو مثّال ورسامكاركاتيري ماهر، أول منقدمها إلىالمجتمع الفرنسي، حين ذهب إلى فرنسا، عام 1665.

كيف ظهر هذا الفن؟؟؟؟

يعتبر قدماء المصريين هم أول من تنبه إلى هذا الفن الذي يحقق مآربهم في السخرية والتعريض بالحاكم وكل ذي سلطة مستبدة، فكان الفرعوني يستخدم الحيوانات والرموز البسيطة للتعبير عن رأيه الحقيقي في أصحاب العروش، ففي إحدى الأوستراكا (الشقفات) القديمة نرى تصويرًا كروكيًّا لصراع بين القطط والفئران، ويدور ملك الفئران على عجلة حربية تقودها كلبتان ويهجم على حصن تحرسه القطط، ولم يكن هذا بالطبع من فراغ، فلا بد لموقف هام أو أحداث جمَّة وقعت رأى فيها الفنان أن الأعداء أو غيرهم من الصغار الشأن قد تجرءوا وحاربوا من هم أقوى منهم، بل من هم أكثر منهم منعة وحجم. وكان الرسام المصري القديم يُظهر عيوب مجتمعه أملاً في إصلاحها، فعلى إحدى هذه الشقفات نرى رسمًا لفرس النهر وقد جلس فوق شجرة عالية بينما يحاول النسر الصعود إليها بسلم. ونرى إلى أي مدى توصل المصري القديم إلى نقد النظام الحاكم بشكل مبسط مستتر ولكنه فعَّال من خلال صورة كروكية لثعلب يرعى قطعانًا من الماعز ويقود الذئب الإوز.
وفي اليونان في ذلك العهد القديم نرى أيضًا بذور ذلك الفن من خلال رجل يُدعى بوستن ذكره أرسطو وأرستوفانيس بوصفه شخصًا يرسم رسومات ساخرة للناس وقيل إنه قُتل وهو يعذَّب بسبب تلك السخرية. هذا عن جذور ذلك الفن في العصور القديمة، أما في العصر الحديث في أوائل القرن السابع عشر فقد انتشر هذا الفن في هولندا، وفي أوائل القرن الثامن عشر ذاع في إنجلترا وخاصة على يد جورج توتسهند، حيث استخدمه في التحريض السياسي ثم خلفه في هذا المجال وليم هوجارت الذي عبر برسوماته الساخرة عن حقبة من التاريخ الإنجليزي، وكانت أعماله سببًا في ظهور مدرسة لفن الكاريكاتير على أيدي فنانين عظام أمثال توماس رولاندسون وجيمس جيلراي، وكانت رسوماتهم الكاريكاتيرية سلاحًا في وجه خصومهم السياسيين، وكانت رسوماتهم مطبوعة باللونين الأبيض والأسود، ثم يلونونها بأيديهم ويوزعونها على المكتبات، حيث كانت أعمالهم تؤدي دورًا سياسيًّا بارزًا في هذه الآونة. وفي إيطاليا:ظهر ينبال كاراتشي كفنان كاريكاتيري ومن قبله جيروم بوش الذي رسم الجحيم بتفصيلات مضحكة، ويُعَدُّ أحد المبشرين بالسريالية، ويُعِدُّ الكثير من المؤرخين ليونارد دي دافنشي أبًا لفن الكاريكاتير في إيطاليا. وفي فرنسا:في القرن التاسع عشر شهد هذا الفن تطورًا كبيرًا على يد مجموعة من الفنانين أهمهم هو شارل نيليبون الذي أصدر مجلة كاريكاتيرية، ثم جريدة يومية باسم الشيفاردي 1830م، ثم أظهر أثر هذه المطبوعات التي كانت معارضة للحكومة بشكل هزلي الفنان أندريه دومييه الذي تميزت أعماله الكاريكاتيرية بعمق اللمسة وحيويتها، وقد سجن في عهد الملك لوي فيليب بسبب رسوماته الساخرة من الطبقة الأرستقراطية والملك نفسه. ويعتبر دومييه أول من استخدم الصورة الكاريكاتيرية كشكل إعلاني مستقل، وظهر هذا الفن البسيط في الاتحاد السوفييتي على يد بنيه ستروب ولورسي إيفيموف اللذين لعبت رسوماتهما الكاريكاتيرية دورًا تحريضيًّا سياسيًّا في ثورة أكتوبر والحرب العالمية الثانية. وفي أمريكا: شهد هذا الفن طفرة تطور من خلال الكتب الفكاهية والرسوم الساخرة المطبوعة في العديد من المجلات والجرائد، ومع بداية القرن العشرين كان الأشهر في هذا المجال هو الألماني جورج كابروت. أما في العالم العربي: وإذا كان الفراعنة هم أول من برع في تصميم فن الرسم الكاريكاتيري واستخدامه وسيلة لنقد الحاكم، فإن أولاد العرب تأخر ظهورهم في مجال هذا الفن في العصر الحديث، وكان تأثرهم بالعالم الأوروبي. وكان أول من رسم وكتب تعليقات كاريكاتيرية هو الصحفي يعقوب صنوع، وأصدر جريدة هزيلة تسمى "أبو نضارة". ثم توالى ظهور رسامي وفناني الكاريكاتير منذ ذلك الحين وأسسوا فنًّا عربيًّا قائمًا على بنية ثقافية واجتماعية عربية وأبدعوا في مجالهم. وظهرت رسوم كاريكاتيرية في عهد الاحتلال الإنجليزي لمصر بيد الفنان رضا أو كما يطلقون عليه العم الكبير، ثم جاء بعده الفنان عبد السميع؛ ليصدر كراسة كاريكاتيرية باللونين الأبيض والأسود تدعو إلى التحرر الوطني. وفي نفس ذلك الوقت عاش في القاهرة الرسام الألماني الكبير سانتيز ورفقي التركي وصاروخان الأرمني، وهؤلاء سادت أعمالهم نبرة السخرية من الأوضاع الاجتماعية، ومن رحم هؤلاء خرج صلاح جاهين وجورج البهجوري وناجي العلي وبهجت عثمان وكان هؤلاء هم الدفعة التي غيرت وجه الكاريكاتير العربي في أوائل الخمسينيات، فقد نجحوا في ابتكار شخصيات عبروا من خلال حركاتها وسكناتها عن همومهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، وجعلوها دعوة للتغير والتحرر من السيطرة المستبدة للحكام. وتزامن مع فناني الكاريكاتير المصريين فنانون في كل أرجاء الوطن العربي، فكان في العراق الكاريكاتيري اللامع غازي الذي ابتكر شخصية البغدادي الذكي الذي يسخر من الأوضاع المقلوبة بسبب الحكام، ويسخر من الاستعمار، وفي سوريا ظهرت زمرة من فناني الكاريكاتير على رأسهم عبد اللطيف ماديني وسمير كحالة وعلي فرزات. وتكتمل الدائرة الكاريكاتيرية في الوطن العربي بمحمد الزواوي في ليبيا وخليل الأشقر في لبنان، وكلهم كانت أعمالهم دعوة صريحة ضد طغيان الاستعمار. وبهذا نرى أن فن الكاريكاتير منذ نشأته على اختلاف منشئه تجمَّع في طرق تعبير محددة، وهي إما أن يكون بالتشكيل فقط أو بالتعليق مع التشكيل، ومن خلال تاريخ هذا الفن ظهرت عدة مدارس كلاسيكية يتبلور خلالها مفهوم ومضمون فن الكاريكاتير. - المدرسة الأوروبية الشرقية:


وهي تعتمد بالرسم فقط، حيث تقدم الرسوم الفكرة من خلال اهتمام بالغ بتفصيلات الرسم ذاته حيث لا وجود لتعليق.
2 - المدرسة الأوروبية الغربية:
الرسم تخطيطي بسيط، ولا بد فيها من وجود تعليق على شكل نكتة أو حوار ضاحك، ومن خلاله علاقة الحوار بالتشكيل الرسمي تظهر المفارقة والفكرة المراد توصيلها. 3 - المدرسة الأمريكية: تمتاز هذه المدرسة بالجمع بين المدرستين السابقتين، حيث إن اهتمامها منصب على إعطاء الرسم مضامين ودلالات تتضح أكثر بالحوار. ومن هذا العرض لنشأة هذا الفن الساخر يجب أن ندلف إلى التعريف بأنواع هذا الفن. أنواع الكاريكاتير

إن الصورة الكاريكاتيرية هي رسالة من الفنان إلى المتلقي من خلال سياق مشترك قائم على بنية الواقع الذي يعيشونه معًا، ومن هذا المنطلق فإن الفكرة الكاريكاتيرية تنقسم إلى أنواع منها: 1)الكاريكاتير الاجتماعي:

الذي يبرز من خلال قضايا وتناقضات الواقع الاجتماعي، وهذا النوع سخريته لاذعة وتهكمه شديد وتأثيره محدود.
2) الكاريكاتير السياسي (وهو الأكثر شيوعًا):

ومهمته تحريضية بحتة لنقد الواقع السياسي المحلي أو العالمي। والكاريكاتير المحلي يصلح أن يكون به تعليق، أما العالمي فيفضل أن يكون مفهومًا ومعبرًا بالرسم فقط، فالحوار قديكون غير ذي جدوى بسبب الترجمة التي قد تؤدي إلى أن يفقد الحوار معناه المستمد من أرضية ثقافية معينة.
3)الكاريكاتير الرياضي :

وهو نوع صحفي، ويعتبر فرعًا من الكاريكاتير الاجتماعي، ومن خلال هذه الأنواع تظهر وظيفة الكاريكاتير كفن تحريضي دعائي قائم على وجود مرسل ومستقبل للرسم، ومن ثَمَّ قيام فاعليات إنسانية بسبب الفكرة التي يطرحها الرسم. وهكذا نرى أن الكاريكاتير يلعب دورًا أساسيًّا في الدفاع عن حقوق الإنسان، فبهذه الخطوط البسيطة ينتقل المعنى والمضمون، ومن ثَمَّ يؤدي إلى حركة فاعلة تقدمية بشأن الحدث الكاريكاتيري الهزلي الساخر، وهذه الحرمة تفتح أفقًا جديدة للمستقبل والواقع إما بمحاولة التغيير أو محاولة الصنع الجديد للواقع على أسس اجتماعية وإنسانية جديدة، وهذا الفن البسيط القوي التأثير يتمتع بروح استقتها منه العديد من الفنون الأخرى استقت هذه الروح الكاريكاتيرية الساخرة؛ لتُظهر عيوب المجتمع الشائنة في صورة ساخرة ممتعة تدعونا إلى التغيير.

مفهوم الكاريكاتور

مفهوم الكاريكاتور
1- الكاريكاتور فن السخرية التي تدخل السرور إلى القلب بشكل بالغ دون استئذان مع إضافة البسمة الظاهرة لتضحك من الواقع المحبط.
2-فالكاريكاتور هو فن (اللا) الصريحة المتخفية تارة والساذجة طوراً إلا أنه من نزق صدامي هزلي ساخر يقض مضاجع الحكام ويأخذ بيد المظلومين ناشداً لسان حال الحق والحقيقة في آن معاً.

تعريف الكاريكاتور في اللغة:
هناك معلومات متفاوتة حول نشأة هذا الفن وتسميته وتعريفه فالبعض ينسبه إلى إيطاليا أو بريطانيا أو فرنسا أو هولندا حتى أن التسمية (كاريكاتور) يشوبها اضطراب في تفسير معناها من الناحية اللغوية فمن يقول أصلها لاتيني "كاريكار" Caricare أي حمل ما لا يطاق في حين يقابلها في الفرنسية المصطلح Caricature الذي اعتمدته الأكاديمية الفرنسية 1762 ويذهب البعض من اشتقاق التسمية من عائلة أنيبال كاراكشي الهولندية لبراعته في الرسوم الهزلية.
لذلك يؤلف هذا الفن بأنه عبارة عن رسم تصويري يراعى فيه التهويل بإبراز السمات الفاقعة الشاذة لإحداث أثر ضاحك.
الكاريكاتور في الإصطلاح :
تذكر أحدث موسوعة عربية أن الكاريكاتور في الاصطلاح هو من يشير إلى صورة رسم يبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية لشخص ما أو ظاهرة معينة حيث يتعمد الرسام إضفاء السخرية على موضوعاته سواء الخاصة أو العامة.
وأصبح يحتل منذ منتصف القرن الثامن عشر مكاناً بارزاً في الصحافة الغربية والشرقية وهو قيمة مجالسية في حد ذاته نراه يعرض التناقض بين ما هو قائم وبين ما هو مأمول.
فالرسم الكاريكاتوري يدين بالشيء الكثير لما في التراث الإنساني من مواد ومظاهر هزلية ساخرة يتمثلها من خلال الفن التشكيلي الحديث.

الأحد، 21 نوفمبر 2010

في تحرير مفهوم النسب والاصطفاء في القرآن والسنة


في تحرير مفهوم (النسب) و (الاصطفاء) في القرآن والسنة
لابد للدارس للقرآن والسنة وما كُتب حولهما في التراث من وقفة مبصرة تتناول بالبحث والتأمل المفاهيم والمصطلحات لسبر حقيقة معانيها في الكتاب والسنة ، ولعرض ما آلت إليه هذه المفاهيم والمصطلحات في واقع الأمة نسبةً إلى تلك المعاني الأصيلة .
إن هذه العملية المزدوجة في فهم حقيقة المفاهيم القرآنية ، ثم استعراض مسيرة هذه المفاهيم في واقع الأمة في جيلها الأول وما تلى ذلك من أجيال تُعتبر خطوة ضرورية لفهم القرآن والسنة من جهة ، ولامتلاك المقياس لنقد التراث وضبط عملية الانتقاء والاختيار المنهجي من تفاعل أجيال الأمة مع الأصول ، فلا نهملُ مشاركتهم الناضجة لتنزيل المفاهيم القرآنية على واقعهم ، ولا نحملُ على الشريعة والكتاب المعصوم أفهامهم البشرية والملابسات التاريخية التي عانوا منها .
وسنحاول في هذه الوقفة القصيرة تحرير مفهوم الاصطفاء والاختيار في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونتابع مسيرة هذا المفهوم في الأمة وما آلت إليه أوضاعهما .
فالقرآن الكريم يقرر بوضوح أن الله سبحانه اصطفى من البشر أنبياء ورسلاً كانوا موضع تزكية وتكريم وتشريف من الله تعالى فضلا منه ومنحة من كرمه ولطفه ، ليكون هؤلاء الأنبياء منارات هدى ودليل اقتداء للبشرية ، يقيمون بسلوكهم وأعمالهم الحجة على الناس ، ويُبرزون أطرافا من الكمال الإنساني تستلهمه البشرية في سيرها لعمارة الكون وإقامة الحياة الطيبة في الأرض .
وتكمن المشكلة في الحقيقة في ما آلت إليه معاني الاصطفاء والاختيار عند أتباع الأنبياء والرسل إلى درجةٍ تحتاج إلى وقفة تدبّرٍ وتأمّل . فقد فُهم الاصطفاء والاختيار وما يرتبط به من تكريم وتشريف على أنه ميزاتٌ يدَّعيها الأتباع وضمانات يتيهون بها على الناس . وآل مفهوم النسب وما يرتبط به من معاني التشريف والتفضيل على المستوى الاجتماعي والسياسي والديني إلى مفهوم الاصطفاء العنصري الذي ساد ثقافات الجاهلية منذ وثنيات اليونان والرومان إلى عصبيات وعنصريات القرن العشرين ! ..
ويعجب المرء حين يُطالع كتب التاريخ والسنة النبوية من كثرة ما يلهج به المؤرخون من ذكر الأنساب والاحتفال بها ، ولا يجد لذلك تفسيرا شافيا منسجما مع التقرير القرآني والهدي النبوي عن حقيقة قيمة الأنساب في ميزان الله تعالى .
وكثيرا ما يتردد في كتب التاريخ والسنة النبوية مصطلحات من مثل "النسب الشريف" و "الأصلاب الطاهرة" ، وأوصاف التميز والرفعة والمجد والسؤدد لبعض بيوتات العرب وبطونهم وفروع قبائلهم . ويقف المرء على ذكر لفضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنه كان عالما بالأنساب . وتكاد كتب التاريخ والسيرة تُجمع على البدء بذكر أصول العرب وقبائلهم وشجرة أنسابهم وعلاقة القرابة بينهم ، دون بيانٍ لمعنى هذا ووظيفته في فهم التاريخ أو تفسيره أو علاقة هذا الاحتفال والاهتمام بحقيقة مفهوم النسب في القرآن والسنة .
فإذا تابع المرء مسيرة مفهوم النسب وانعكاساته على مسيرة تاريخ المسلمين وما أنتجوه من تراث ، كان على يقين من أنه لابد من تحرير هذا المفهوم وضبطه على ضوء كليات القرآن الكريم والسنة النبوية ، ليمكن بعدها الاستفادة من التراث وفهمه على حقيقته والاختيار منه بعد امتلاك أداة الفهم وأداة التنقية من رواسب الجاهلية وتعسف العنصريات المصادمة للفطرة ومنطق العدل الإلهي والحق الذي قامت عليه السماوات والأرض .
ويأبى منطق الشريعة ومنطق الفطرة والحق والعدل أن يكون معنى مفهوم الاصطفاء والاختيار وجود ميزاتٍ متوارثة وضمانات أزلية تستثني أصنافا من الخلق من تبعات التكليف ومسؤوليات أداء الأمانة . فالقرآن الكريم يقرر أن الإنسان مكلفٌ حاملٌ للأمانة ، مسؤولٌ عما أعطي من إمكانيات ، محاسبٌ على اختياره وعمله ، مستحقٌ للكرامة والتشريف إن أدى الأمانة وعمل بمقتضى التكليف ، ومستحقٌ للعقوبة والنكال إن أهمل التكليف وخان الأمانة . ويكاد يكون من الإطالة الاستدلال بآحاد النصوص والأدلة على مثل تلك الكلية الدينية المستقرأة من روح القرآن وروح مقاصده في إصلاح الخلق ، والمبثوثة في مجمل آياته الكريمة .
وانطلاقا من هذه الكلية الشرعية ، نستلهم معنى الاصطفاء والاختيار الإلهي بشكل لا يتعارض مع معاني القرآن وكلياته . فالأنبياء والرسل والصالحون من عباد الله استحقوا الثناء والتكريم والتشريف بما حملوه من أمانة التكليف وأداء حقوق ما أعطاهم الله من مواهب واستعدادات . فالتشريف لاحقٌ ومبنيٌ على القيام بحقوق التكليف ، ويزيد مقام التشريف كلما صعبت المهمة وتطلبت التضحية والبذل والتجرد لله والخضوع له .
أما التشريف المنقطع عن معنى القيام بواجبات التكليف فهو المفهوم الجاهلي الذي ابتُليت به الخليقة منذ قال إبليس {أنا خير منه} (الأعراف:12). مع إصراره على العصيان بقوله {لم أكن لأسجد} .
والمطلع على آيات القرآن الكريم التي ذكرت الأنبياء والرسل بالتنويه وبيان الفضل والمزية يجد ذلك كله مقرونا بعبارة واضحة عن استجابة الأنبياء للأمر وقيامهم بالواجب وبذلهم وتضحيتهم وإنابتهم وإخلاصهم وكبت دواعي الخلود إلى الدنيا في بشريتهم .
والسنة النبوية طافحةٌ كذلك بمعنى المسؤولية الفردية ونبذ دعاوى الفضل والشرف القائم على النسب والقبيلة والعشيرة : "يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا" ، "
1 من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ، "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"2 .
فإذا انضبط معنى الاصطفاء والاختيار بالربط بين التكليف والتشريف ، كان من الواجب إمعان النظر في دلالة اهتمام علماء الأمة من السلف بالأنساب وذكرها والتأكيد عليها . ونبدأ بتقرير ما قدمناه من أن الاهتمام بالأنساب عند سلف الأمة لم يكن لمعنى من معاني الاصطفاء والتمييز العنصري الجاهلي ، وإنما كان له وجه آخر يليق بمكانتهم في فهم القرآن وفهم توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم .
ولعل من أنسب المداخل لفهم هذه القضية ما عبر عنه العلامة ابن خلدون بمفهوم المَنَعة ، والتي تعني - في الإطار الاجتماعي والسياسي - الحماية والأمن والقدرة على دفع الأذى وتأمين النصرة والعون . فما أرسل الله من نبي إلا في منعةٍ من قومه ، تحقيقا لقدر الله في نشر الدعوة وتبليغ الرسالة .
وإذا كانت المنعة في البيئة القبلية تتحقق من خلال التناصر بالأنساب وعصبية القرابة ، كان من الطبيعي لمن هيأه الله لموقع القيادة أن يكون مُلِمّاً فاهما واعياً لمتطلبات الحماية والمنعة في البيئة التي يعيش فيها ، مطلعاً على القوانين الناظمة لقيام المنعة وعدم اختلالها وتعرضها للخطر . فلقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم في مكة متمتعاً بحماية بني هاشم وعلى رأسهم عمه أبو طالب ، وكان بنو هاشم يشعرون بواجب حماية واحدٍ منهم ولو خالفهم في الدين ، وخرجوا إلى شعب أبي طالب أعوام الحصار ، لأن المعاناة مهما بلغت أهون عليهم من الوصم بالهوان وتضييع حق واحدٍ منهم يحملهم العرف على نصرته وحمايته .
وفي ظل الوظيفة الاجتماعية والسياسية لمفهوم النسب في البيئة العربية يصبح حديث الأئمة عن الأنساب مفهوماً متوجهاً ، فلا يستطيع قيادة أمةٍ هذه أعرافها من لا يحسن هذه اللغة ومن لا يعرف مداخل ومستتبعات هذا المفهوم في حياة أفرادها وجماعاتها .
وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حدثت نقلة نوعية في طبيعة علاقات الحماية والنصرة والمنعة ، وأصبح المؤمنون في المدينة بعضهم أولياء بعض بغضّ النظر عن أنسابهم وقراباتهم ، وانتقلت الوظيفة الاجتماعية لمفهوم النسب إلى مستوىً آخر من التكافل والتناصر وتوزيع الثروة والعون على تقلبات الزمان . فالإرث ، والدية على العاقلة ، والقسامة والولاء .. هي مفاهيم وأحكام تمثل الوظيفة الاجتماعية لمفهوم النسب في إطار المجتمع المسلم في القرون الأولى . وكل تلك التطبيقات والتفريعات على مفهوم النسب هي مسؤوليات وواجباتٌ اجتماعية تستند على قاعدة الغنم بالغرم ، ومبدأ التكافل والتعاون على الخير .
أما ميزات الفضل والشرف والقداسة المستندة إلى مجرد دعوى النسب، فقد كانت في تاريخ الأمة - ولا تزال - مبرراتِ تسلّطٍ على عقول العوام واستمالة قلوب الرعاع ، استكثارا للأتباع والمؤيدين والمريدين. ولابد من طرح كل ما يتصل بهذا المعنى الجاهلي لمفهوم النسب جملةً وتفصيلا، والرجوع إلى الوظيفة الاجتماعية والسياسية للنسب ، نستلهمهما من خلال القراءة الواعية للسياق الاجتماعي والسياسي الذي استعمل فيهما هذا المصطلح .
وفي عالم اليوم ، تتنوع طبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية لكل بلد تنوعاً هائلا يصعب على الحصر . ويُعتبر مفهوم النسب والعلاقات القبلية أحد مفاتيح الفهم لحقيقة ما يجري في بعض البلاد ، بينما لا يعني ذلك الأمر شيئا بالنسبة إلى بلاد أخرى .
ونحن إذا أردنا أن نرتفع إلى مقام الاستفادة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ينبغي له من مقام الرسالة الخاتمة الشاملة العامة ، فلا بد من التأسّي بمقاصد فعله وأصحابه وسلف أمته في طلب المنعة والحماية وإمكان الاستمرار في الدعوة والبيان . وكان من الضروري إعادة صياغة مفهوم النسب في كتب التاريخ والسيرة ، وتخليصه من ظلاله الجاهلية وانعكاساته التي عانت منها الأمة طويلا ، ليكون مفهوم النسب دليل أسوةٍ لتشكيل الوعي بمفهوم المنعة ومتطلباتها عند تغير الظروف الاجتماعية والسياسية ، وتغير القاعدة المادية لتأمين المنعة والحماية والتناصر والتكافل في الأمة .
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا .
2 رواه الترمذي في كتاب المناقب .

تقنيات قراءة الصورة الاشهارية


كيف يمكننا اليوم في ظل عالم المتغيرات،عالم الحياة الرقمية والتسوق الإلكتروني،الذي تغذيه خطابات العولمة،والتكنولوجيات الجديدة،من أن نتوقف ونقرأ صورة،أونفهمها ونتأولها،وهي تحاصرنا في كل مكان، مخاطبة غرائزنا قبل عقولنا،تغرينا فنغتر،لتسلب إرادتنا لنقتنع بشراء منتوجاتها؟
إنها حضارة الصورة تعود من بعيد،لتزحزح حضارة الكتابة شيئا فشيئا،فقد آن الأوان لنكون وعيا بصريا،وثقافة بالصورة،قصد الإنخراط في حضارتها وفهم لغتها المتكثرة،لأن الشريك/الآخر (الإقتصادي،والتجاري،والثقافي…) لن يمهلنا لنلتقط أنفاسنا حتى يغرقنا
في عالم من الصور والبصريات الإفتراضية،لهذا لابد من أن نستعد من الآن،إن على مستوى قراءة الصور وتحليلها،وإن على مستوى تأويلها وتداولها،فالصورة نحيا بها وتحيا بنا،ما فقهناها قراءة وتأولا.
لهذا جاء بحثنا في سيميائيات الصورة،باحثا عن معناها ورهاناتها المعرفية والدلالية،وكيف تلقيها داخل مجتمع الصورة،واضعين لها آليات قرائية تمكننا من فهم طبيعتها،وتحدبد أنواعها،وتحليل مكوناتها،وتسنين لغتها،خاصة وأن خطاب الصورة تمارس علين إغراءاتها وخطابها الإقناعي لتسويق منتوجاتها،دون نسيان أفقها القابل لتأويل المفتوح ،لهذا يقول ريجيس دوبري،المتخصص في الصورة إن الصورة علامة تمثل
خاصية كونها قابلة لتأويل،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها وإليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها فقراءة الصورة وتأولها من البنيات المؤسسة لثقافة الصورة في العالم والوطن العربي على وجه الخصوص.
أولا - من السيميائيات البصرية إلى سيميائيات الصورة :
إن السيميائيات كما تنبأ إليها دوسوسور(1)،وشعبها تشارلس بيرس(2)،قد اشتغلت على مجالات عدة ليصعب حصرها،إلا أنها لم تعمق البحث ف بعضها،كما هو الحال مع الصورة،وهذا راجع إما لقصور الإجراءات التحليلية لدى الباحث،وإما لعدم إكتمال جهازه المفاهيمي والمصطلحي لمثل هذه المقاربات.
وهذا مما حذا ببعض الباحثين في الشأن السيميائي من أن يوسعوا البحث في مجال البصريات،قصد الإجابة على أسئلتها المهمة : كيف نتواصل بصريا ؟،وكيف نقرأ رسالة بصرية ؟،وكيف نكوّن ثقافة بصرية ؟،وكل هذه الأسئلة،وأسئلة أخرى تصدى لها رولان بارث بالإجابة في بحثه عن عناصر السيميولوجيا(3) التي طبق بعضا منها على الصورة باستعادته للطروحات والمقولات اللسانية لدسوسور(اللسان/الكلام،الدال/المدلول،الإعتباطية الضورية…)،وما جاء به يالمسلاف في سيميائيته حول مصطلحي(التعيين/التضمين أوالإيحاء)(4)،وما جاء به بيرس في مفهومه للإيقون بتفريعاته اللامتناهية،ليبحث بارث عن بلاغة للصورة،وكيف يأتي المعنى إليها ؟،وأين ينتهي؟،,إذا كان ينتهي فماذا يوجد وراءه؟(5).
إلا أن هذا الإنتقال من السيميائيات العامة إلى سيميائيات الصورة،لم يكن بهذه السهولة،
فكيف نقارب ماهو لساني بما هو بصري/إيقوني؟
علما بأن اللغة الطبيعية تختلف من حيث خصائصها وتوظيفاتها عن اللغة البصرية،وهذا ما أدى بالسيميائيين إلى أن يجدوا حلا لهذا الإشكال الجوهري والدقيق لمشروعية دراسة سيميائيات الصورة.
إذ نجد كيستيان ميتز أحد أكبر المشتغلين على سيميائيات السينما،يقول في إحدى مقالاته: إن اللغات البصرية تقيم مع باقي اللغات علاقات نسقية متعددة ومعقدة،ولا أهمية لإقامة تعارض ما بين الخطابين اللغوي والبصري،كقطبين كبيرين يحظى كل واحد منهما بالتجانس والتماسك في غياب أي رابط بينهما(6)،وهذا نابع من خصوصيا كل خطاب، وكل رسالة(7):
- فالرسالة اللسانية تظل حبيسة قواعد النحو والتداول،أي خطية،خلاف الرسالة البصرية التي لا تخضع لقواعد تركيبية صارمة،إضافة إلى أن عناصرها تدرك بشكل متزامن.
- الرسالة اللسانية تقبل التفكيك إلى عناصر يقوم المتلقي بإعادة تركيبها ليحصل المعنى،
في حين الرسالة البصرية تركيبية لا تقبل التقطيع إلى عناصر صغرى مستقلة لأنها ترابطية تختزن في بنائها دلالات لا تتجزء.
- الرسالة اللسانية تقوم على الخاصية الإعتباطية،أما الرسالة البصرية فهي قائمة على المماثلة والمشابهة.
وقد فصّل في هذه النقاط رومان غوبارن ليجد أن التعايش بين الصورة واللغة تعايش ضارب بجذوره في عمق التاريخ(8)،فمنذ ظهور الكتاب صار الإرتباط بين الصورة والنص عاديا،لأنه ليس هناك في الحقيقة أي معنى أن نكون (ضد) اللغة،أومعها،,لا(مع) الصورة أو ضدها،إن محاولاتنا تصدر عن قناعة بأن سيميولوجيا الصورة ستشتغل جنبا إلى جنب مع سيميولوجيا الموضوعات اللسانية وأحيانا تتقاطع معها…(9) كما يرى ك.ميتز.
ثانيا - أينما نولي وجوهنا فثمة صورة…تنـ(ـتـ)ظرنا :
أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة،فهي رفيقنا ومرافقنا،فأينما نولي وجهنا وجوهنا فهناك صورة تنظر إلينا في الجرائد أو المجلات،أوتنتظرنا في المكتب أو المنزل،أوفي الشوارع والطرقات،أوتطالعنا في اتلفزيزن إو عبر هواتفنا الجوالة،فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا،ولكن لابد من معرفة حياتها وموتها(بتعبير دوبري)،وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدادتها،فلكل شئ بدء ومنتهى،والصورة دائما في خلق جديد :
2-1- الصورة بين الخفاء والتجلي :
الناظر لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية كثيرة،وهذا لتعدد وسائل الإتصال البصري على وجه الخصوص،فمن سيميائيات الرسوم المتحركة، إلى سيميائيات السينما،إلى سيميائيات الفيدو…،كل هذه اللغات البصرية التي نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحدادت عن أصل بدئها ونشأتها،فلابد علينا من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعنها التي تعمل بين الخفاء والتجلي،والغياب والحضور:
1-1- حدود الصورة :
الصورة في أصلها اللاتيني مشتقة من كلمة(imago)،المقصود منها كل تمثيل مصور مرتبط بالموضوع الممثل عن طريق التشابه المنظوري(10)،فأصلها الإشتقاقي يحيل على فكرة النسخ والمشابهة والتمثيل،وهي إما أن تكون ثنائية الأبعاد مثل الرسم والتصوير، أوثلاثية الأبعاد مثل النقوش البارزة والتماثيل.
كما أنها في أصولها الإغريقية واللاتينية ترادف أيضا كلمة إيقون والتي يراد منها أيضا المشابهة والمماثلة،وعليها بنى بيرس سرح نظريته السيميائية،ليعتمدها اتجاهه كمصطلح مركزي لمقاربة الصورة(11).
فالذاكرة المصطلحية للصورة ومرجعيتا التاريخية والمعرفية ترجعانها إلى مصطلحي المشابهة والمماثلة،وكذلك إلى مصطلحات تجاورها وتقاربها منها(12):
* مصطلح الشبح (fantôme)،وهو مفهوم يطلق على الصنم باعتباره شبحا للأموات.
* مصطلح النظرة(le regard)، وهي عند الإغريق أن تحيا يعني أن تنظر،وأن تموت يعني أن ينعدم فيك النظر،فتتقلص بذلك الصورة عند الميت،لتضعف القدرة التواصلية مع الآخرين.
* مصطلح السيمولاكر(simulacrum)،وهو عند اللاتنيين الخيال أوتلك الصورة التي نصنعها للميت حتى نمنحه حياة جديدة.
* مصطلح النزعة الإيقونية(iconoclature)،وهي نزعت أتت من الشرق كتعبير عن العقيدة المسيحية الشرقية،وإعادة حياة قديس ما من خلال تخليد هذه الإيقونة.
* مصطلح التمثيل/التمثل(représentation)،وهو مفهوم مركزي للصورة حيث نعطي لكل ما نراه صورة حتى نتمثله على وجه لائق،وهنا يدخل مفهوم الرمز ككاشف لحقيقة الصورة التي تتكلمه منذ البدء والتاريخ.
فالصورة في عرف الحكماء وغيرهم تطلق على معان منها كيفية تحصل العقل الذي يعتبر آلة ومرآة لمشاهدة الصورة،وهي الشبح والمثال الشبيه بالمتخيل في المرآة،ومنها ما يتميز به الشئ مطلقا سواء كان في الخارج،ويسمى صورة خارجية،اوفي الذهن ويسمى صورة ذهنية…(13).
أما التعريف الإصطلاحي للصورة في المعاجم السيميائية المتحصصة فهي تعتبر
السيميائيات البصرية كوحدة متمظهرة قابلة للتحلي،وهي عبارة عن رسالة متكونة من علامات إيقونية،لهذا فسيميولوجيا الصورة تجعل من نظرية التواصل مرجعها…(14).
لتتطور الصورة بتطور الإتصال والإعلام والتيكنولوجيات الرقمية،لتصبح صورا ذات أنواع وأصناف عديدة،فقد قام بول ألماسي بوضع خطاطة تصنيفية للصور،فجاءت في صنفين(15):
* الصنف الأول: يدخل تحته
- الصور السينمائية : التي تندرج تحتها كل من (السينما،التلفزيون،الفيديو…)
* الصنف الثاني : وتندرج تحته ما يعرف بالصور الثابتة،والتي تنقسم إلى قسمين :
1- الصور الجمالية.
2- الصور النفعية : ويدخل تحتها كل من :
1- الصور الوثائقية.
2- الصور الإشهارية.
3- الصور الإخبارية.
2- الصور بين التعيين والتضمين(الإيحاء) :
ترتكز هذه النقطة على مبدأين لسانيين وسيميائيين مهمين يعتمدهما كل مشتغل على سيميائيات الصورة،وبهما تنتقل الصورة من عالم التحقيق إلى عالم التخييل المنفتح على كل تأويل.
لهذا نجد بأن رولان بارث استثمرهما في قراءته للصورة(16) بعدما طوعهما لجهازه المفاهيمي والمصطلحي،آخذا مصطلحي التعيين والتضمين كقطبين ووظيفتين مهمتين في سيميائية يالمسلاف (17)،فإذا كانت الوظيفية التعيينية تطرح سؤال ماذا تقول الصورة؟والتي ستجيب عنها القراءة الوصفية،فإن الوظيفة التضمينية أو الإيحائية ستطرح
سؤالا إجرائيا وتأويليا،وهو كيف قالت/تقول الصورة ما قالته/تقوله؟(18) وهذا ما ستجيب عليه القراءة التأويلية،باحثة في بنياتها التكوينية والتشكيلية،طارحين عدة أسئلة أخرى منها :
- ما هو أول شئ يجلب الإنتباه للصورة؟
- ما هو التأثير الذي توقعه علينا؟
- ما هي العلاقة الموجودة بين الصورة والنص(في حالة وجوده)؟
- كيف تنتظم عناصر الصورة،وما هي مكوناتها؟
- ما تأويلنا للألوان الموجودة في الصورة ؟
كل هذه الأسئلة وكثير منها دعانا لوضع قراءة منهجية متأملة ومتأولة لها.
ثالثا - إقرأني فإني هذه الصورة :(من نظرة القارئ إلى منظور التأويل)
إن القاعدة الذهبية لقراءة الصورة هي أن نتقبلها ونستقبلها دون أحكام مسبقة،وهذه الأحكام المسبقة تأتي إما من مرجعياتنا الدينية،أوالتاريخية،أوالثقافية،أوالإيديولوجية،أوالجمالية(19) التي تعتمد على قانون المنهيات والأمريات(أنظر ولا انظر،إفعل ولا تفعل،قل ولا تقل..)،إلا أنه لا بد من الإعتراف بالمبدأ الذي تطرحه علينا قراءة الصورة،وهو تعدد
التأويلات،أوجمعية التأويل،لأن الصورة كما يقول ج.دوبري علامة تمثل خاصية كونها قابلة للتأويل(20)،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها إليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها،فبقدر ما هناك قراءات للصورة هنالك قراء لها،والمعرفة المكوِّنة للصورة في هذا المجال ليست دائما هي الحجة التي تسمح بتجزيئها،ففي هذه الجمعية يكمن غناء الصورة،فالصورة تتكلم في صمتها مع كل واحد منا؟،قائلة بصوتها إقرأني فإني هذه الصورة ؟
3-1- من قراءة النص إلى قراءة الصورة :
لابد علينا قبل أن نأتي على آليات قراءة الصورة بأنواعها،معرفة كيفية انتقالنا من قراءة النصوص إلى قراءة الصور،واضعين في عين الاعتبار الخصوصيات المائزة بين لغة تحليل النصوص،ولغة تحليل الصور،لذا سنعمل على إظهار الفوارق المنهجية والمعرفية بين القراءتين(21):
1- التعريف بالعمل :
أ- طبيعة العمل :
* النص : * الصورة
- الجنس(رواية،قصة،مسرح…) - صورة فنية،صورة إشهارية
صورة وثائقية،رسم،لوحة…
ب- السياق
جزء من النص أو كله - تحليل الدعامة أوالسند (ملصق،
إعلان،لافتة،مجلة صحفية…)
ج- الموضوع المعالج :
موضوع مركزي صورة مجسمة أو تجريدية،
موضع النص داخل العمل طبيعة صامة،صورة شخصية
- تحليل العنوان وعلاقته إما بالنص أو بالصورة.
2- التحليل :
أ- المبادئ الخارجية :
1- البناء :
- تصميم النص - خطية النظر(بناء مقطعي،محوري)
- البنية الخطية،الدائرية. – ملاحظة الخطوط(خطوط هندسية،
- حل العقد أوتأجيلها. أومنحنية..)أي التي توجد في خطوط
- التسلسلات. الزوايا.
- التصميم الأول،التصميم الثاني
- المنظور،العمق،الخطوط الهاربة.

2- الإطار :
- من يتكلم؟(الكاتب،السارد،الشخصيات) - التصاميم(العام،القريب،الكبير…)
- ملاحظة وجهات النظر. – زاوية النظر(مائلة،مائلة مضادة)
- تقابل الخطاب/الحكاية - الإضاءة
- موقع السارد(صيغ التبئير) - الإهتزازات/الإرتجاجات
- الصيغ الثلاث للإقتباس…
3- التقنية :
أ- الإجراءات التعبيرية :
- وقع الأسلوب
- بلاغة النص - بلاغة الصورة
ب- الآليات :
- الحقول المعجمية. – إختيار التقنية: مائية،زيتية،ترابية..
- السجلات(مستويات اللغة). – الإجراءات الخطية،تشميع،تنقيط…
- استعمال النحو والتركيب(طول الجمل، - الألوان الحارة،الألوان الباردة…
الصيغ،المقولات النحوية). – النبرة،صبغ الوجه،تنويع/تنميق
-الصور،الإيقاع،الرنين اللون.

4- إستقبال/تلقي العمل :
- من طرف النقد
- من طرف الجمهور العريض
* وهذا كله لتبقى للأجيال القادمة،فإما أن تقاوم الزمن فتشتهر،وإما أن تزول.
الملاحظ وجود تقاربات بين قراءة الصورة وقراءة النص،إلا فيما يخص طبيعة كل منهما،وخصوصياتهما البنيوية.
3- 2- بين آليات القراءة وفتوحات التأويل :
سننطلق من الصعوبة التي طالعنا بها دوبري وهو يحاول وضع قراءة للصورة،كونها منفلة وهاربة على الدوام،لذا يصعب علينا إيجاد أدوات لقراءة الصورة ووضع آليات لها(22)،إلا أننا سنحاول ضبط إنفلاتها وإرجاع ما هرب منها،بإتباع قاعدة تحتكم إليها قراءة الصورة،وهي الإنفتاح والمرونة في تقبل قراءات الآخرين،فليس الفنان من يحتكم على مفاتيح الصورة/اللوحة بل أنا القارئ من أملك مفاتح مغالق هذه الصورة،فهي دائما تحتاج إلى مؤول يكلمها.
لتبقى التأويلات مستمرة مع استمرار الصورة،ولربما هذا هو السر الذي جعل كل حضارة لها طريقتها الخاصة في قراءة الصورة،بما هي لغة،فإذا كانت لغة فإنها تستطيع أن تكون كلام مجموعة معينة(23)،فيمكننا الآن أن ننتقل من محاذير قراءة الصورة،
والأحكام المسبقة التي قمعتها لزمن إلى إيصاء القارئ بكيفية الولوج إليها قراءة:
- عليه قبل كل شئ أن يسترشد بفطرته.
- الإعتماد على التلقائية،فهي أحسن معلم هنا.
- معرفة الوقع الذي أحدتثه فيه،ومقدار المشاعر التي نقتها إليه.
- اللحظات الأولى لتلقي الصورة،هي لحظات مهمة لفهم تعقيداتها،وما ستكشفه لنا من معاني.
بعد هذا طله يمكننا وضع شبكة تحليلية لقراءة الصورة،منشرطة بتلك النقلة التي رأيناها من قراءة النص إلى قراءة الصورة،مستفيدين من خصوصياتها التي لا يقولها النص،ومن المبدأين اللذا يحركانها وهما مبدأ التجميع ومبدأ التدرج(24) في قرأتها:
1- آليات قراءة الصورة :
يجب معالجة الصورة لإغناء رؤيتها(25)،فقبل أي تحليل لابد أن نميز بين مختلف أنماط الصورة،وهي من يحدد اختياراتنا لأهم عناصر التحليل،ومن يحفزنا للبحث فيما تحدثه من تأثيرات في القارئ- المشاهد الذي سيطرح عليها بدوره عدة أسئلة،كونها تخفي إحتمالات قرائية،باعتبارها كتاب مفتوح بتعبير أ.إيكو تعطينا حرية التأويل(26)،مركزة على ثلاث مراحل للقراءة :
1- طبيعة الصورة
2- تحليل مكونات الصورة.
3- المنظور التأويلي/تأويل الصورة.
إلا أن المرحلة الثالثة من قراءة الصورة،ستستقل بنفسها كونها قراءة تأويلية،تجاوز القراءة الوصفية(المرحلتين السابقتين).
1-1- طبيعة الصورة :
في هذه القراءة الوصفية التي تحاول الإجابة عن سؤال (ماذا تقول الصورة ؟)،فلسنا بحاجة إلى معرفة أخرى سوى ماهو مرتبط بمجال إدراكنا للصورة(27)،فالصورة تستند من أجل إنتاج معانيها إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الإيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة(وجوه،أجسام،حيوانات،أشياء من الطبيعة…)،وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى يطلق عليها التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية،أي تلك العلامات التشكيلية(الأشكال،الخطوط،الألوان،التركيب…)(28)،لهذا وجب علينا معرفة النمط الذي تنتمي إليه الصورة،وفي أي صنف تنخرط،هل هي تنتمي للصور السنمائية
(السينما،التلفزيون،الفيديو…)،أو إلى الصور الجمالية،أو إلى الصور النفعية(الصور الإشهارية،الإخبارية،الوثائقية…)،وبهذا تتحدد طبيعة الصورة.
1-2- مكونات الصورة :
2-1- التنظيم المجمل للصورة :
يكون استقبال الصورة في المرحلة الأولى مجملا،فالعين تمسح الصورة،ولكن تتبثها على نفس الإطار(29)،ليس بالكيفية الخطية التي نتلقى/نقرأ بها النص،لكن هذه القراءة المجملة ما تلبث لتصبح في مرحلة ثانية قراءة خطية،لأن تركيز بصرنا على الصورة سوف لن يمدنا دفعة واحدة بكل الرسالات والدلالات الممكنة،لذا يقتضي أن تقوم العين بمجموعة من الحركات العمودية والأفقية والدائرية(30)،محددة بذلك مسار الصورة
2-2- المنظور :
يميز أهل الإختصاص بين معنيين للمنظورية،معنى واسع يراد به العلم الذي يمكن في تمثيل الموضوعات والأشياء على سطح ما بالكيفية نفسها التي نراها بالبصر،أخدا بعين الاعتبار عنصر المسافة(31)،ومعنى ضيق عرف منذ بداية عصر النهضة،بأنه العلم الذي يكمن في تمثيل عدة موضوعات مع تمثيل الجزء المكاني أيضا،الذي توجد فيه هذه الموضوعات بحيث تبدو هذه الأخيرة مشتتة في مستويات المكان،كما يبدوا المكان للعين التي تتموقع في موضع واحد(32)،ليصبح هناك عدة منظورات،منظور جوي،منظور معكوس،منظور خطي(33).
2-3- الإطار :
نسمي إطارا كل تقرير للتناسب أوالإنسجام بين الموضوع المقدم وإطار الصورة،حيث يأتي في أنواع مختلفة منها(34):
- الإطار العام أوالمجمل،والذي يعانق مجمل الحقل المرئي.
- الإطار العرضي،والذي يقدم الديكور،بحيث نستطيع فصل الشخصيات أوالموضوعات.
- الرؤية من القدم حتى ملئ الإطار،وهي التي تقدم الشخص كاملا أوالموضوع الموجود
في الإطار.
- الإطار المتوسط،وهو يقدم صورة نصفية.
- الإطار الكبير،وهو الذي يركز على الوجه أوالموضوع.
- الإطار الأكبر،نجده يركز على تفصيل الموضوعات الموجودة.
2-4- زاوية النظر :
زوايا النظر تتواصل بربطنا بين العين والموضوع المنظور له/فيه(35)،فالقارئ- المشاهد ليس بالضرورة أن يركز على نفس زاوية النظر التي نركز عليها في الموضوع،ولا نفس الموقع الذي يتخذه المصور أوالفنان في حالة تصويره أورسمه،لهذا علينا أن نطرح سؤال من أي زاوية ننظر للموصوع ؟
فنجد أن الصورة الفوتوغرافية مثلا هي من وضع الفوتوغرافي الذي يختار موقعه ضمن عملية التصوير،ليحدد إطار الموضوع الذي سيلتقطه بضبط الإنارة وكميتها(36)،أما الصورة الإشهارية فالتركيز يكون على زاوية النظر الوجهية(37) التي تقابلنا وجها لوجه وكأنها تخاطبنا.
2-5- الإضاءة والألوان :
5-1- الإضاءة :
هي من العناصر التي تثير الإنتباه في الصورة،فالهالة الضوئية تعمل على تقريب أوتبعيد الموضوع أوالشخصية،كما تمنحهما قيمة.
بحيث أن التيباين(contrast) يأخذ نجاعته الدرامية سواء كنا أمام صورة فنية أوصورة إشهارية(38)،فلابد علينا أن نأخذ بعين الإعتبار المعنى المقدم من طرف الإضاءة ونحن نقرأ الصورة،فلإذا كانت الإضاءة على الجانب الأيسر فالمنتوج المقدم يعد منتوجا مستقبليا أما إذا كانت الإضاءة مركزة على الجانب الأيمن فالمنتوج مرتبط بالماضي أي بالأصول والتقاليد،وكذلك المعرفة بالفعل.
لذا وجدنا عدة أنماط للإضاءة منها :
- الإضاءة الآتية من الأمام،أوإضاءة ثلاث أرباع الصورة،وهي تضيئ أحجام أوخطوط معينة مركزة عليها قصد إعطائها قيمة.
- الإضاءة الآتية من العمق،بحيث يكون الموضوع أوالشخصية أمام الناظر إليها.
- الإضاءة المعاكسة للنهار(contre-jour)،بحيث تتموقع الإضاءة وراء الشخصية تارة تاركة بعض أجزائها للظل،وهذا غالبا ما نجده في المنتوجات الإشهارية الخاصة بالتجميل والزينة وعروض الأزياء.
5-2- إختيار الألوان :
تعتبر الألوان شأن ثقافي،وهذا يعني أن لتربة المحلية الأثر الوازن في حمل المعاني والدلالات للألوان،فلا يمكن مقاربة لون إلا من وجهة نظر المجتمع والحضارة التي نشأ فيها،إن على صعيد التأويل الجمعي الذي يؤطره،وإن على صعيد المتخيل الإجتماعي والرمزي اللذين يمتح منهما(39).
لهذا وجب علينا إختيار ألوان الصورة،بتفعيل مبدأين مهمين لإخيار الألوان هما مبدأ هارمنية الألوان،ومبدأ تباينية اللوان(40)،فهارمنية الألوان هي التي تعمل على تدرجه لتوليد لون من لون آخر،أما تبانية الألوان هي من تخطط وتنظم إدراكنا لعناصر الصورة(41)،فنجد بأن هناك :
- الألوان الفاتحة والألوان الغامقة.
- الألوان الحارة(أحمر،برتقالي،أصفر…)،الألوان الباردة(أخضر،أزرق،بنفسجي…).
- دون أن ننسى اللونين الأبيض والأسود باعتبارهما قيمتين أكثر من لونين.
2- تأويل الصورة :
إن الصورة موجودة لأننا نقرأها(42)،فبعد هذه القراءة الوصفية لصورة- النص على
التعيين بتحديد طبيعتها ومكوناتها(المنظور،زاوية النظر،الإضاءة،إختيار الألوان…)، سيتخذ القارئ من هذه القراء الجماعية التي تواضعت عليها الجماعة المفسرة عونا تأويليا يعضد به قراءته الفردية لنص الصورة،الذي سيتقاطع فيه المستوى التعييني بالمستوى التضميني،ليشكلا قطبا الوظيفة السيميائية،ويحققا شكل مضمون الصورة،لأن التأويل الصورة مثل كل تأويل،يحتاج إلى بناء السياقات المفترضة من خلال ما يعطى بشكل مباشر،ولا يمكن لهذا التاويل أن يتم دون استعادة المعاني الأولية للعناصر المكونة للصورة،وضبط العلاقات التي تنسج بينها ضمن نص الصورة(43)،لنخلص إلى أن كل القراءات التي تناولت الأعمال الفنية والصور هي عبارة عن تأويلات يستحيل معها تطابق الصورة مع المرجع(44)،فالصورة في العود والبدء دائما في خلق قرائي وتأويلي جديد.
*خاتمة منهجية :
بعد هذه الرحلة البحثية في إرتحالات قراءة الصورة،التي حاولنا من خلالها فهم الصورة وتفهيمها،بتحديدنا لسيميائيات الصورة كمنهج لقراءتها على إختلاف أصنافها،على الرغم من صعوبة ضبط قراءة منهجية جامعة للصورة،أووضع شبكة تحليلية تستجيب لكل مقتضياتها،وهذا لتعقيد مكوناتها،وذاتية تأويلاتها،إذ لم تنشرط بمرتكزات معرفية،وثقافية متينة.
فقراءتنا للصورة لا تعد القراءة الوحيدة والشاملة،فلكل قارئ أن يضع شبكة منهجية لقراءتها،متكئا على كفاءته التأويلية،وقدرته الإنجازية لفهم علاماتها التشكيلية والبصرية عامة،فقراءة الصورة ترتكز أساسا على المعرفة والثقافة واللذة،لهذا نحن نحيا بها وهي تحيا بنا،مكونين بذلك مجتمع الصورة الذي سيقدرنا على مخاطبة المجتمعات الأخرى التي حولت الصورة من لغة عبرة وبيان إلى لغة قهر وسلطان،فالصورة لغة فالنتفاهم بها معها.
* هــوامــــش البـحــث :
1- Cours de linguistique génerale,ed.ENAG Ferdinand,De Sausur1994.p.33.
2- C.S.Peirce,Ecrits sur le signe,ed.seuil,paris,1978,p.147.
3- aventure sémiologique,ed. Seuil,paris,1985,‘Roland Barthes,l
p.17-85
4- L.Hjelmlew,prolégomènes à une théorie du langage,ed.madison,
1966,p.66.
5- رولان بارث،بلاغة الصورة،فيقراءةجديدةللبلاغةالقديمة،ترجمة،عمرأوكان، إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،ص 91-94.
6- C.Metz,au delà de l analogie,l image,in communication,n°15, 1970,p.01
7- محمد العماري،الصورة واللغة ا(مقاربةسيميوطيقية،مجلةفكرونقد،السنةالثانية, العدد 13،نوفمبر 1998،دار لنشر المغربية،الدار البيضاء،ص 137.
8- André Helbo, le champ sémiotique,ed.complexe,paris,1979,p.G21.G22.
9- C.Metz ,au delà l analogie, l image, p.p 3-4
10- René La Borderie ,les images dans la société et l éducation,
ed.casterman,paris, 1972,p.p.1314.
11- Werner Burzlaff ,la lettre et l image ,les relations iconiques chez peirce ,in signe/texte/image,ed.césura Lyon,1990,p.127.
12- سعاد عالمي،مفهوم الصورة عند ريجيس دوبري،إفريقيا الشرق،سنة 2004،المغرب, ص30-32.
13- بطرس البستاني،موسوعة دائرة المعارف،دائرة المعارف،مج11،(د.ت)،بيروت،ص61.
14- A.J.Greimas, J.Courtés, sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, ed.Hachette, paris, 1979, p.1815- Marie Claude vettraino Soulard ,lire une image ,ed.Arland
colin ,paris, 1993,p.20.
16- رولان بارث،بلاغة الصورة،في قراءة جديدة للبلاغة القديمة،ترجمة،عمر أوكان،
17- إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،ص 94

مفهوم الصورة الفنية/1

(البحث في طبيعة الصورة لا يمكن أن يستمر إلا إلى حد معين، وإلا وجدنا أنفسنا قد وصلنا إلى حافة الجنون)نعيم اليافي، مقدمة لدراسة الصورة الفنية، ص 47أولاً: مدخل:"يكاد يكون هناك إجماع على صعوبة إيجاد تعريف شامل للصورة، ولعل هذه الصعوبة كامنة في كثير من المصطلحات الأدبية" (1)"فالوصول لمعنى الصورة ليس باليسير الهين، ولا السهل اللين، ومن قال ذلك، فقد احتجبت عنه أسرار اللغة وجمالها المكنون المستسر، وروحها المتجددة النامية، وليس لها – كما عند المناطقة – حدود جامعة، ولا قيود مانعة" (2)ولا بد لنا من الوقوف على الأسباب التي أدت إلى خفاء ذلك المصطلح المراوغ، ومنها:*"الصورة أمر متعلق بالأدب وجماليات اللغة، والتطور الحادث في كليهما – وفي الفنون عموماً – لا يلغي القديم، بل يتعايش معه، ويسير بجانبه" (3)*"لأن للصورة دلالات مختلفة، وترابطات متشابكة وطبيعة مرنة تتأبى التحديد الواحد المنظر"(4)*"ارتباط مفهوم الصورة بالإبداع الشعري، وقد فشلت المساعي التي تحاول تقنينه، أو تحديده دوماً؛ لخضوعه لطبيعة متغيرة تنتمي للفريدة والذاتية وحدود الطاقة الإبداعية المعبر عنها بالموهبة" (5)*كثير من الباحثين نقل عن المناهج الغربية نظرتها للصورة في عبارات فضفاضة غير منطقية، وحاول تطبيق تلك النظرة قسراً على النصوص العربية، وليستنطق النص ما لم يقله، وما لا يحتمله0وليس المقصود من ذلك تثبيط الهمم، بل استنهاضها لتغوص وراء استكناه خبايا هذا المصطلح المحبب المراوغ الذي أصبح – كما يقول فريدمان – "يعني كل شيء لكل الناس" (6)ثانياً: الصورة في اللغة والقرآن الكريم:وعندما نطالع معاجم اللغة باحثين عن معنى(الصورة)، فإننا نجد: "المُصَوِّر: من أسماء الله تعالى، وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها، وكثرتها00 وتصورت الشيء: توهمت صورته، فتصور لي، قال ابن الأثير: الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته" (7)وقريب من ذلك ما جاء عند الفيومي، والفيروزابادي، والمأخوذ من معاني الصورة في معاجم اللغة، أنها تعني الشكل، والنوع، والصفة، والحقيقة0يقول الراغب الأصفهاني: "الصورة ما ينتقش به الأعيان، ويتميز بها غيرها، وذلك ضربان:أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان كصورة الإنسان والفرس، والحمار بالمعاينة.والثاني: معقول يدركه الخاصة دون العامة، كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل، والروية، والمعاني التي خص بها شيء بشيء" (8)ويقول علي صبح: "فمادة الصورة بمعنى الشكل، فصورة الشجرة شكلها، وصورة المعنى لفظه، وصورة الفكرة صياغتها00"(9)فإذا ما انتقلنا لنرى مدلول الصورة في القرآن الكريم، فإننا نلتقي بمادة (صور) في القرآن ست مرات: مرتين بصيغة الفعل الماضي، الأول: (صوركم) في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)قال الزمخشري:"(فأحسن صوركم)‏ وقرئ‏:‏ بكسر الصاد والمعنى واحد‏0 قيل‏:‏ لم يَخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان‏.‏ وقيل‏:‏ لم يخلقهم منكوسين كالبهائم"0(10)فصورة الآدميين صورة حسنة، والفعل هنا يشير إلى الشكل والهيئة والصفة0ويطالعنا اللفظ أيضاً بصورة الماضي (صورناكم) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (لأعراف:11) قال أبو السعود: "خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور، ثم صورناه أبدع تصوير، وأحسن تقويم سار إليكم جميعاً" (11)فالتصوير هنا بمعنى التشكيل، وأنه مرحلة تالية بعد الخلق0ومرة بصيغة اسم الفاعل (المصور) كما في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر4) "أي الذي إذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار" (12)ومرة بصيغة الفعل المضارع (يصوركم) في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6) قال ابن كثير: "يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى وحسن وقبيح وشقي وسعيد) (13)وفي هذا دليل على أن الإيجاد يكون على صفة وشكل يريده الله كيفما يشاء وبلا سبب0ومرة بصورة الجمع (صوركم) في آية سورة "غافر" السابقة، ومرة بصيغة المفرد (صورة) في قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:8) "أي: شكَّلك، وقال مجاهد: أي في شبه أب، أو أم، أو خال، أو عم" (14)والمأخوذ من الآيات السابقة، ومن كلام أئمة التفسير أن الصورة تعني الخلق، والإيجاد، التشكيل، والتركيب، وإلى هذا أشار أحد الباحثين بقوله: "لفظة (الصورة) تشير إلى فعل التصوير، وإلى فعل التركيب، وهما لا يقوم أحدهما دون الآخر بحيث يمكن القول: إن التصوير تركيب، وإن التركيب ذو عناصر ينحلُّ إليها، وأن هذه العناصر ذات علاقة فاعلة ومتفاعلة تثمر في النهاية نشاطاً تصويرياً ما 00 فمدلول الصورة هو نشاط عناصر التركيب00"(15)وإذا كان حديثنا السابق انصب حول مادة (صور) في الذكر الحكيم، فمن الواجب أن نشير إلى أن "التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن؛ فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس،والمشهد المتطور، وعن النموذج الإنساني، والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها، فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية00" (16)ثالثاً: الصورة في النقد القديم:قد يعن للبعض تساؤل: ما الذي نستفيده من البحث عن جذور لمصطلح (الصورة) في النقد العربي القديم؟فإذا كان الشائع عند بعض الباحثين أن النقد العربي القديم لم يسهم في هذا المجال إلا بالقليل غير المفيد، وأن (الصورة) ومناهج دراستها قد تعرفنا عليهما من اطلاعنا على جهود الغرب، وليس للعرب ونقدهم في ذلك فضل0(17)فإن هذه أحكام أُلقيت على علاتها، "فمع إيماننا التام بأن النقاد المحدثين قطعوا شوطاً كبيراً في تعريف الصورة، وتحديد مدلولاتها، ومعالجة قضاياها، فإننا لا يمكن أن نغفل جهود القدماء؛ لأننا عندها نكون كالطائر الذي يرغب أن يطير بجناح واحد، ولن يتحقق له ذلك" (18)والتصوير ليس أمراً جديدا، أو مبتكراً في الشعر، "وليست الصورة شيئاً جديداً، فإن الشعر قائم على الصورة - منذ أن وجد حتى اليوم – ولكن استخدام الصورة يختلف بين شاعر وآخر، كما أن الشعر الحديث يختلف عن الشعر القديم في استخدامه للصورة" (19) ويحق لنا أن نتساءل: هل أدرك هؤلاء النقاد أنهم عندما ينفون معرفة نقدنا القديم للصورة أنهم بذلك يسددون سهماً مريشاً إلى صدر التراث؟ وكيف يستقيم كلامهم مع قول أحد كبار الباحثين: "على أن ما بذلته من جهد في هذا السبيل – يقصد دراسة الصورة في النقد القديم – جعلني أقتنع اقتناعاً عميقاً بأن قضية الصورة في الموروث النقدي العربي مشكلة جوهرية تحتاج لا إلى دراسة واحدة فحسب، بل إلى العديد من الدراسات الدقيقة المتخصصة" (20)وكذلك كيف يستقيم كلامهم مع قول باحث كبير آخر: "وبذلك نجد أن دراسة الصورة قد ترسخت في هذا التراث مبحثاً متكاملاً صدر عن الفكر العربي في تمثل الشعر نشاطاً اجتماعياً، وصناعة ماهرة، وحلل عناصر الشعر، ووازن بينه وبين التصوير، ثم حلل بناء الصورة بالإشارة إلى مادتها وما يقع في هذه المادة من نقش وتزيين، وأشار إلى مصادرها في الذهن، وجسد تأثيرها في المتلقي" (21)ونحن إذا ذهبنا نستقصي ما جاء في كتب النقد القديم عن الصورة، فإن المقام سيطول، ولكننا سنكتفي بعرض آراء بعض النقاد القدامى الذين كانت لهم جهود بارزة في هذا الشأن، وسوف نلاحظ أن الجذور العربية لدراسة الصورة متوافرة وليست مفقودة، وإن اختلفت درجة الاهتمام – عند هؤلاء النقاد - بين إشارات ولمحات بسيطة وعابرة حيناً، وبين إدراك ووعي عميق لطبيعة الصورة وأثرها في النص الأدبي مع اهتمام بالنواحي الفنية والجمالية فيها حينا آخر0الجاحظ (ت 255هـ)أشار أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى الصورة من خلال نظرته التقويمية للشعر, والإشارة إلى الخصائص التي تتوافر فيه، فعندما بلغه أن أبا عمرو الشيباني استحسن بيتين من الشعر لمعناهما مع سور عبارتهما، فعلق برأيه أن: "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي, وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء, وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" (22)ففي هذا النص - الذي يعد من أقدم النصوص في هذا المجال - تحدث الجاحظ عن التصوير, وقد توصل إلى أهمية جانب التجسيم وأثره في إغناء الفكر بصور حسية قابلة للحركة والنمو, تعطي الشعر قيمة فنية وجمالية لا يمكن للمتلقي الاستغناء عنها, فحينما يكون الشعر جنساً من التصوير يعني هذا "قدرته على إثارة صور بصرية في ذهن المتلقي, وهي فكرة تعد المدخل الأول أو المقدمة الأولى للعلاقة بين التصوير والتقديم الحسي للمعنى"(23)فالجاحظ يرى أن المعاني نابعة من التجارب الإنسانية، وهذه يشترك فيها العربي والعجمي، ومن نشأ بالبادية أو الحضر، أي أن المعاني راجعة إلى جهد صاحبها وخبراته وتجاربه وتحصيله، وإنما المعتبر عند الجاحظ – من خلال النص السابق -:*أولاً: "إقامة الوزن، وإقامة الوزن تعني موسيقى الألفاظ التي يوقعها تجانس الكلم0*ثانياً: تخير اللفظ،الذي يشير إلى وعي الشاعر بصناعته، فيجعل وعيه اللغوي ميزاناً يختار بإحدى كفتيه الألفاظ المناسبة التي تعدل كفة معانيه وأحاسيسه0*ثالثاً: سهولة المخرج، أي الخلوص من التعقيد المعنوي واللفظي، فهو نص يتدفق في يسر0*رابعاً: كثرة الماء، وهو مصطلح يدور كثيراً في الكتب النقدية والبلاغية القديمة، فإذا توفر في النص جعل القارئ يتلقاه بقبول حسن تاركاً تأثيره في الوجدان0*خامساً:صحة الطبع، الذي يومئ إلى صدق المبدع مع نفسه، ومع إبداعه، فلا يفتعل المواقف،ولا يصطنع التعبيرات0*سادساً: جودة السبك، لجعل العمل الأدبي وحدة متكاملة تصاغ في خلق عضوي متحد، ومتصف بالجودة التي ترتفع به عن الرداءة والارتجال، وتتمثل في الدقة والمهارة"(24)وقد أفاد البلاغيون والنقاد العرب الذين جاءوا من بعد الجاحظ من فكرته في جانب التصوير، "وحاولوا أن يصبوا اهتماماتهم على الصفات الحسية في التصوير الأدبي وأثره في إدراك المعنى وتمثله, وإن اختلفت آراؤهم وتفاوتت في درجاتها"(25)قدامة بن جعفر (ت 337هـ)لقد تحدث قدامة في أكثر من موضع عن الشعر مبيناً حده، وتعريفه، ومحللاً أركانه لفظاً ومعنى، ومشيراً إلى طبيعته مادة وشكلاً0يقول قدامة: "ومما يوجب تقدمته وتوسيده – قبل ما أريد أن أتكلم فيه- أن المعاني كلها معرضة للشاعر،وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر من غير أن يُحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، وإذا كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها: مثل الخشب للنجارة،والفضة للصياغة، وعلى الشاعر – إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة، والرفث والنزاهة، والبزخ والقناعة، والمدح، وغير ذلك من المعاني الحميدة، أو الذميمة – أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة" (26)وهنا نجد أن قدامة بن جعفر يتقدم عن التصوير الجاحظي – وإنكان قد تأثر به - خطوة جديدة؛ فلقد كان كلامه أدخل في باب التصوير من رأي الجاحظ فيه؛ فقد جعل للشعر مادة، وهي المعاني، وصورة،وهي الصياغة اللفظية، والتجويد في الصناعة، "فلقد تناول قدامة مقومات الصورة في الشعر، ولم يكتف في هذا التناول بصحة اللفظ والتركيب، وسلامة الوزن، واتساق القافية مما يُعد أموراً جوهرية لبناء هيكل الشعر، بل وقف عند مسائل عرضية تُعد مظهر اقتدار الشاعر على الابتكار والإبداع" (27)فالصورة – طبقاً لتحديد قدامة – " الوسيلة، أو السبيل لتشكيل المادة وصوغها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الصناعات، وهي – أيضاً – نقل حرفي للمادة الموضوعة، المعنى يحسنها ويظهرها حلية تؤكد براعة الصانع000"(28)كما أن الشكل الذي أراده قدامة بن جعفر وعاءً لنظريته في نقد الشعر "لا ينفي فكرة المضمون في حد ذاتها، إذ لا قيمة للشكل مفرغاً من محتواه الفني، وقدامة نفسه قد أكد تأكيداً واضحاً خطر المعاني وقيمتها وعموميتها بالنسبة للشاعر،فكل ما في الحياة معان شعرية يعرض إليها الشاعر في شعره ما دام قادراً على إخراجها وتصويرها"(29)وقد أوضح قدامة – في موضع آخر – أن معيار الجمال، ومقياس الجودة يرجع للشكل أكثر من المعنى، ويفصل الأشياء التي تعتمد عليها الصورة والمكونة لجزئياتها، فيقول: "وأحسن البلاغة الترصيع، والسجع، واتساق البناء، واعتدال الوزن، واشتقاق لفظ من لفظ، وعكس ما نظم من بناء، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وإيرادها موفورة بالتمام000"(30)ويعلق أحد الباحثين على آراء قدامة بقوله: "نستطيع أن نقرر أصالة قدامة بن جعفر في إدارته لمصطلح الصورة متحدثاً عن معاني الشعر وألفاظه" (31)عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)وعندما نتوقف عند الإمام عبد القاهر الجرجاني، نجد أن منهجه في دراسة الصورة منهج متميز عما سبقه من العلماء العرب، وعلى الرغم من إفادته الكبيرة من جهودهم، فقد أفاض في حديثة عن الصورة في كتابيه: (أسرار البلاغة - ودلائل الإعجاز) فمن إشارته إليها قوله: "ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان في صورة مستجدة تزيد قدره نبلاً, وتوجب له بعد الفضل فضلاً" (32)فنحن هنا أمام حس نقدي مرهف بلغ بالنقد – وهو من علماء القرن الخامس الهجري – ما بلغه النقاد في القرن الخامس عشر الهجري، وذلك لسعة أفقه، ودقة عباراته، وتناوله الشامل للنص الأدبي الذي أمامه0 وقد ذكر عبد القاهر النص السابق وهو يتحدث عن الاستعارة المقيدة مبيناً أن فضيلتها أنها توضح المعنى في صورة مستجدة0ثم نراه في نص آخر يربط الصورة بدوافع نفسية إضافة إلى الخصائص الذوقية والحسية حيث تجتمع هذه الخصائص جميعاً عبر وشائج وصلات حية لتعطي الصورة شكلاً ورونقاً وعمقاً مؤثراً، "فالتمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو أُبرزتْ هي باختصار في معرضه, ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته كساها أبهة وكسبها منقبة, ورفع من أقدارها وشب من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس ودعا القلوب إليها واستثار لها أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً, وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفاً" (33)فعبد القاهر الجرجاني لم يهمل الأثر النفسي وأهميته في تكوين وتشكيل الصورة فاتسم تحليله العميق للخلق والإبداع الشعريين على الذوق الفني المرهف وما تثيره مفردات البيان العربي أو ضروبه الفنية من استجابة في نفس متلقيها, فبدا البيان العربي عند قائماً على الذوق والتذوق0ويبلغ الجرجاني ذروة إبداعه الفني والنقدي في دراسته للصورة حينما ينظر إليها نظرة متكاملة لا تقوم على اللفظ وحده أو المعنى وحده بل إنهما عنصران مكملان لبعضهما، "واعلم أن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا، فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان، وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة ذاك، وليست العبارة عن ذلك بالصورة شيئاً نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ: وإنما الشعر صناعة، وضرب من التصوير" (34)ويرى أحد الباحثين أن مفهوم مصطلح الصورة عند الجرجاني قد استقر على ثلاثة أركان:*"الأول: تناول الصورة والتصوير في خضم البحث البلاغي0*الثاني: هضم معاني الصورة لغةً واصطلاحاً من شتى مصادرها الأصلية وربطها بالنظرية الأدبية العربية التي ترى أن القول صناعة في عملية خلقها وفي غايتها0*الثالث: يتلمس مصادر الصورة الأدبية ووسيلة خلقها ومعيار تقويمها في الواقع بأبعاده الموروثة ومقوماته الحيوية"(35)فدراسة الصورة عند عبد القاهر هي دراسة متميزة ونظرته نظرة تغاير المفاهيم التي سبقت دراساته مما يحفزنا إلى اعتداده الناقد الأول الذي بسط القول في الصورة مفهوماً واصطلاحاً0كما تناول عبد القاهر الجرجاني الصورة في باب (السرقات) حيث يتصدى "للقوم ويصف رأيهم بالخطأ المحض؛ لأنهم اعتبروا الصورتين المختلفتين لمعنى واحد يعدان شيئاً واحداً، ولا تفاوت بينهما؛ لأن المعنى في الصورة الأولى هو نفسه في الصورة الثانية إنما الاختلاف في هيئة النظم، وتركيب الصورة، وهذا لا يفيد شيئاً 000 وقد غلطوا فأفحشوا؛ لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين مثل صورة الآخر البتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة منه لفظة في معناها، ولا يعرض لنظمه ولا تأليفه" (36)فعبد القاهر "يؤكد على قيمة التعبير بالصورة من خلال تحويل المعنى المجرد إلى صور وأشكال تُرى بالعين، وفي قوله هذا إظهار للجانب البصري للصورة،وتركيز على فكرة تجسيم المعنوي" (37)وليس أدل على إحاطة عبد القاهر بالصورة، وحسن معالجته قضاياها من أن يخصص الباحث (كمال أبو ديب) أطروحته للدكتوراة في جامعة أكسفورد، فيجعلها لدراسة الصورة الشعرية عند عبد القاهر الجرجاني"(38)ويبين أحد النقاد مدى الحس النقدي المرهف الذي وصل إليه عبد القاهر على المستويين التنظيري والعملي معاً، فيقول: "قد يرتفع هذا الحس إلى مراقي الوعي النظري الذي يسعى إلى الكشف عن هذه الأدوات التعبيرية عن قانون عام ينظمها، لقد تحققت هذه الصحوة عند عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز0 لقد أدرك هذا البلاغي الفذ أن الشعرية، أو البلاغة تتحقق بفضل التصوير الذي يعترض المعنى، هذا التصوير أو "وجوه الدلالة على الغرض" هو مجموع الأدوات التصويرية البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة وكناية، وهذا ما يختصره الجرجاني في عبارته التي يتحدث فيها عن القدماء وفهمهم للصورة "إنهم لا يعنون بحسن العبارة مجرد اللفظ، ولكن صورة وصفة وخصوصية تحدث في المعنى" إن هذا الموضوع عينه الذي يحدده المعاصرون تحت تسمية (صورة)"(39)ويقول الناقد نفسه: "لقد أنجز عبد القاهر الجرجاني قفزة نوعية في مجال التنظير للصورة الشعرية"(40)ونستطيع من خلال نصوص عبد القاهر التي عرضنا لها، ومن خلال تعليقات النقاد عليها أن نوجز أثره في النقاط التالية:"أنه أعطى للفظ حقه، كما أعطى للمعنى حقه0 الصورة الأدبية عنده تتشكل في الذهن أولاً، ثم تبرز إلى الخارج بعد انتظامها0 يكون لها معنى مقصود، وغرض يهدف إليه الشاعر0 أساس الجمال عنده يرجع إلى النظم والصياغة والتصوير0 كلمة في النظم أو الصورة لا بد أن تأخذ مكانها بين أخواتها، ويرتبط معناها بمعاني الكلم فيها على أساس التوخي لمعاني النحو0 تحققت الوحدة الفنية والترابط الوثيق بين أجزاء النظم والصورة والتلاؤم بين عناصرها0 الخيال رافد من روافد الصورة المتعددة، وإن وقع في الصورة زادها جمالاً"(41)فعبد القاهر بلغ قمة الخروج على المألوف والسطحي في معالجة قضايا الصورة،؛ فلقد اعتبرها عنصراً حيوياً من عناصر التكوين النفسي للتجربة الشعرية، "فلقد استطاع عبد القاهر أن يجمع في نظريته النقدية بين الاتجاهات الرئيسية في تعريف الصورة الشعرية، وأن يمزج بينها بشكل رائع ملغياً – بفكره التحليلي الثاقب – ما يبدو من تناقض ظاهري0 كما تجلت في مذهبه الشعري الصورة الشعرية مجازاً وانطباعاً حسياً ورمزاً بما في أشكال التعبير المختلفة موازية لما تمر به النفس من حالات، وما يتدرج الفكر فيه من مستويات"(42)حازم القرطاجني (ت 684هـ)يعرف حازم الشعر بقوله: "الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه إليها"(43) ويذكر حازم القرطاجني الصورة في مجال الحديث عن التخييل الشعري، فيقول: "والتخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها انفعالاً من غير رؤية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض"(44)فالشعر عند حازم إثارة المخيلة لانفعالات المتلقي، يقصد المبدع منها دفع المتلقي إلى اتخاذ موقف خاص، بمعنى أن صور الشعر ومخيلاته تثير كوامن النفس وصورها المختزنة عند المتلقي، ومن هنا فالصورة – عند حازم – "لم تعد تشير إلى مجرد الشكل أو الصياغة فحسب، ولم تعد تحوم حول التقديم الحسي، وإنما أصبحت محددة في دلالة سيكولوجية خاصة تتصل اتصالاً وثيقاً بكل ما له صلة بالتعبير الحسي في الشعر"(45)والمأخوذ من كلام الناقد الكبير أن الصورة قد تطور مفهومها عند حازم القرطاجني فلم تعد مقصورة على الشكل فحسب، بل شملت كل ما يؤثر في المتلقي بتغيير مواقفه القديمة، أو باتخاذ مواقف جديدة بعد أن تفاعلة صور النص مع مخيلة المتلقي، كما ربط الناقد نفسه بين الجانب الفني لمصطلح الصورة، وبين الجانب النفسي0كما يحرص حازم – عند تكوين الصور – أن يربط بين دلالة اللفظ ودلالة المعنى، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ، فيقول: "إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم" (46)فهو يرى تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي، أو العرف العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية اللغوية0ويبين حازم أن التصوير قرين المحاكاة، والمحاكاة عنده قسمان:أ – محاكاة الشيء نفسه0ب – محاكاة الشيء في غيره0فالقسم الأول يشير إلى مجرد النقل المباشر عن العالم المرئي، بينما القسم الثاني يشير إلى الأنواع البلاغية للصورة كالتشبيه والاستعارة0 يقول حازم: "والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله نفسه؛ لأن التخييل تابع للحس، وكل ما أدركته بغير الحس فإنما يُرام تخييله بما يكون دليلاً على حاله من هيئات الأحوال المطيقة به واللازمة له حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويُشاهد، فيكون تخييل الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره والأحوال اللازمة له حال وجوده، والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده0 وكل ما لم يحدد من الأمور المحسوسة بشيء من هذه الأشياء، ولا خُصص بمحاكاة حال من هذه الأحوال، بل اقتصر على إفهامه بالسم الدال عليه، فليس يجب أن يُعتقد في ذلك الإفهام أنه تخييل شعري أصلاً؛ لأن الكلام كله كان يكون تخييلاً بهذا الاعتبار" (47)ويحرص حازم على التناسق داخل الصورة، ومراعاة التناسب بين عناصرها ومكوناتها، ويفرق في ذلك بين الصور المرئية، والمسموعة وغيرها: "ويجب في محاكاة أجزاء الشيء أن ترتب في الكلام على حسب ما وجدت عليه في الشيء لأن المحاكاة بالمسموعات تجري من السمع مجرى المحاكاة من المتلونات من البصر، وقد اعتادت النفوس أن تصور لها تماثيل الأشباح المحسوسة ونحوها على ما عليه ترتيبها، فلا يوضع النحر في صورة الحيوان إلا تالياً للعنق، وكذلك سائر الأعضاء، فالنفس تنكر لذلك المحاكاة القولية إذا لم يوال بين أجزاء الصور على مثل ما وقع فيها كما تنكر المحاكاة المصنوعة باليد إذا كانت كذلك" (48)ونستطيع أن نوجز في نقاط أبرز ما توصل إليه حازم في مجال التصوير، ومنه:"وضع حازم الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان ضمن مبحث المعاني، فإذا أراد الشاعر أن يولد الصور فليس أمامه سوى الألفاظ، والألفاظ عاجزة عن التأثير ما لم تكن في مدار الأوصاف0يميز حازم بين الصورة التي تصنعها المحاكاة التامة في الوصف والتصور الذي يعني حصول صورة الشيء بالعقل وإدراك ماهيته0الفضل في إبداع الصورة راجع إلى تجربة الشاعر النفسية وبيئته النفسية0التصوير يتم من خلال ثلاث قوى: الأولى: هي القوة الحافظة حيث تكون صورة الأشياء مرتبة فيها على حد ما وقعت عليه في الوجود، والثانية: قوة مائزة، وهي التي يميز بها الإنسان ما يلائم الموضع والنظم والأسلوب، أما القوة الأخيرة: فهي القوة الصانعة التي تتولى العمل في ضم بعض أجزاء الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية إلى بعض"(49)----- المراجع -----------------(1) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، دار قباء للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى 2000م، ص 91(2) علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة د0ت، ص5(3) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، ص 91(4) بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، بيروت الطبعة الأولى 1994م، ص 19(5) بشرى موسى صالح، المرجع السابق، ص 19(6) نقلاً عن: عبد القادر الرباعي، الصورة الفنية في النقد الشعري، دراسة في النظرية والتطبيق، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1984م، ص 105(7) ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، د0ت، ج4، ص 2523(8) الراغب الأصفهاني، الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، د0ت، مادة (صور)(9) الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 3(10) الزمخشري، الكشاف الجزء4، ص176(11) أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الجزء 2، ص325(12) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، بيروت، 1401هـ، الجزء الرابع، ص45(13) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الأول، ص 46(14) ابن كثير، المرجع السابق، ج4، ص 482(15) أحمد يوسف علي، مفهوم الشعر عند العباسيين، رسالة دكتوراة مخطوطة، كلية الآداب - جامعة الزقازيق، 1984م، ص 400(16) سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، دار المعارف، القاهرة، الطبعة العاشرة، د0ت، ص34(17) (انظر في ذلك:*نصرت عبد الرحمن، الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، مكتبة الأقصى، عمان، الطبعة الثانية 1982م، ص 12*كمال أبو ديب، جدلية الخفاء والتجلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 1984، ص 19*أحمد بسام ساعي، الصورة بين البلاغة والنقد، دار المنارة، عمان، الطبعة الأولى، 1984م ص 21(18) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، ص92، 93(19) إحسان عباس، فن الشعر، دار الثقافة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1955م، ص 230(20) جابر أحمد عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1974م، ص 9(21) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1987م، ص 549(22) الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ج3، ص 13 (23) جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ص 316(24) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص 26، 27 بتصرف(25) عبد الإله الصائغ، الصورة الفنية معياراً نقدياً، دار القائدي، ليبيا، د0ت، ص 170(26) قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د0ت، ص 65، 66(27) بدوي طبانة، قدامة بن جعفر والنقد الأدبي، الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة 1969م، ص 342(28) بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ص 22(29) أحمد عامر، من قضايا التراث العربي النقد والناقد، منشأة المعارف، الإسكندرية، د0ت، ص 133(30) قدامة بن جعفر، جواهر لألفاظ، ص 3، نقلاً عن: علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 29(31) حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص 33(32) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق هـ0 ريتر، مكتبة المتنبي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979م، ص 41(33) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص 101(34) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، الطبعة الثالثة، 1992م، ص 508(35) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص42(36) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 487(37) عبير عليوة إبراهيم، الصورة الفنية في شعر حسان بن ثابت، رسالة ماجستير مخطوطة بكلية الآداب جامعة الزقازيق، 1990م ص 66(38) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى 1992، ص 65 (39) الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1990م، ص 293(40) الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، ص 54(41) علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 79، وما بعدها بتصرف(42) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، ص 88(43) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس 1966م، ص 21(44) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 89(45) جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ص 361(46) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 18(47) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 111(48) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 104

مادة الانتاج الكتابي

الموضوع :أصبحت الرياضيات عماد كل فروع العلم الحديثة ।لذلك يحرص بعض الأولياء على دفع طلبة العلم من أبنائهم الى اختيار هذا المسلك

حرر فقرة من خمسة عشر سطرا تبرز مدى وجاهة هذا التوجه على حساب فروع المعرفة الأخرى

الموضوع المقترح/ "المحور الثاني

الموضوع : أقيم معرض لأحد الرسامين في معهدكم فزرته.وبينما كنت تتجول عبر أروقته لفتت لوحة من لوحاته الفنية انتباهك.
فوقفت تتأمل عناصر تكوينها تستجلى معالم الجمال فيها.
اسرد ما شاهدت محللا عناصر تشكيلها ومبينا أبعادها.

الأحد، 14 نوفمبر 2010

مصافحة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين.اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله ومن والاه الى يوم الدين.
يطيب لي أيها الاخوة أن أرفع اليكم كل مشاعر الحب والوئام والاحترام. خصوصا وأن هذه الأزمان هي أزمان حب وفرحة وابتهاج بأخلص معاني التوحيد.انه يوم قادم. يوم الحج الأكبر............"يوم عيد الأضحى" جعله الله مباركا على تونس رئيسا و حكومة وشعبا وعلى سائر بلاد المسلمين.
واذا يحق لنا كمسلمين موحدين تونسيين نرفع راية التوحيد بما شرع الله لنا ولسائر المسلمين ونذود عن وطننا العزيز الذي أحببناه حبا تعلمنا منه أنه على كل واحد منا حسب اختصاصه وقدرته وكفاءته و ومقدرته ومجال عمله أن يسهم في نهضة بلاده ويقوم بواجبه على أحسن ما يرام.من أجل العزة والمنعة.والعلم والقوة والازدهار والتحضر والأمن الاجتماعي والسلم الأهلي .كل ذلك نعم من الرحمن جلا وعلا لايعلم منزلتها و أهميتها الا من فقدها...................
ازاء "ثقافة كونية" تقتحم عليك بيتك وتقدم نماذج أخرى للفهم وللعقائد ولأصول التربية ولتأسيسس القيم..ولذلك كنت - دائما وأبدا- أقول:"علينا أن نستمع للشباب كثيرا لأنهم عماد المستقبل :الشباب الذين ينتظرهم كثير من الرهانات.....رهانت العلم.رهانات الفضيلة.رهانات وتحديات جسام في أن يتنبهوا الى أخطار قد تحدق بهم. من قبيل مثلا:التطرف أو الميوعة أو النهج على سير من فسدت عقيدتهم......................
لقد راهنت بلادنا على منظومة استراتيجية تقدم فيها الشباب كطاقة مستقبلية للاستفادة منها ولجعلها ذخرا صالحا نافعا في المستقبل.ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا .فذاك جلي.ولكن ما ينتظرنا كثير في عالم شديد التغير علما وتكنولوجيا وقيما وحتى عقائد................
يجد الشاب نفسه أمام هذا الزخم تتجاذبه كثير من الأفكار و قد يقع ضحية هذه الجهة أوتلك لأنه قد يغرر به وربما يصادف في نفسه هوى أوفراغا نفسيا أو عاطفيا أو غضبا أوأي سبب آخر.وقد يكونمحقا ولكن كل ذلك لايبرر الافساد في الأرض أو هدم المكتسبا ت أو نكران الجميل.............
هذا فضاء آخر نفتحه ان شاء الله...ركن آخر هو ركن "فضاء حوار الأديان "لشباببنا ولكل الشباب في العالم.ننصح فيه الشباب ونوجهه توجيها صحيحا ونستمع فيه الى هواجسهم والى اقتراحاتهم.........................
دمنم بخير
ودامت تونس -بلدي العزيز- بخير


السبت، 13 نوفمبر 2010

"وشهد شاهد من أهلها"/6

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع

عرفنا في الفصل الأول من هذا الكتاب دور اليهودي عبد الله بن سبأ في صنع التشيع وهذه حقيقة يتغافل عنها الشيعة جميعاً من عوامهم وخواصهم.

لقد فكرت كثيراً في هذا الموضوع وعلى مدى سنوات طوال، فاكتشفت كما اكتشف غيري أن هناك رجالاً لهم دور خطير في إدخال عقائد باطلة وأفكار فاسدة إلى التشيع.

إن مكوثي هذه المدة الطويلة في حوزة النجف العلمية التي هي أم الحوزات، واطلاعي على أمهات المصادر جعلني أقف على حقائق خطيرة يجهلها أو يتجاهلها الكثيرون، واكتشفت شخصيات مريبة كان لها دور كبير في انحراف المنهج الشيعي إلى ما هو عليه اليوم، فما فعله أهل الكوفة بأهل البيت عليهم السلام وخيانتهم لهم كما تقدم بيانه يدلك على أن الذين فعلوا ذلك بـهم كانوا من المتسترين بالتشيع والموالاة لأهل البيت.

ولنأخذ نماذج من هؤلاء المتسترين بالتشيع:

هشام بن الحكم:

وهشام هذا حديثه في الصحاح الثمانية وغيرها.

إن هشام تسبب في سجن الإمام الكاظم ومن ثم قتله، ففي رجال الكشي (أن هشام بن الحكم ضال مضل شرك في دم أبي الحسن u 229).

(قال هشام لأبي الحسن u: أوصني، قال أوصيك أن تتقي الله في دمي) (رجال الكشي 226).

وقد طلب منه أبو الحسن u أن يمسك عن الكلام، فأمسك شهراً ثم عاد فقال له أبو الحسن: (يا هشام أيسرك أن تشرك في دم امرئ مسلم؟

قال: لا.

قال: وكيف تشرك في دمي؟ فإن سكت وإلا فهو الذبح.

فما سكت حتى كان من أمره ما كان u) (رجال الكشي 231).

أيمكن لرجل مخلص لأهل البيت أن يشرك في قتل هذا الإمام u؟.

اقرأ معي هذه النصوص:

عن محمد بن الفرج الرخجي قال: كتبت إلى أبي الحسن u أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم -الجواليقي- في الصورة.

فكتب: دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان ليس القول ما قال الهشامان (أصول الكافي 1/105، بحار الأنوار 3/288، الفصول المهمة 51).

لقد زعم هشام بن الحكم أن الله جسم، وزعم هشام بن سالم أن الله صورة.

وعن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين قالا: دخلنا على أبي الحسن الرضا u، فحكينا له ما روي أن محمداً رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء الثلاثين سنة، رجلاه في خضره، وقلنا:

(إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد..الخ) (أصول الكافي 1/101)، (بحار الأنوار 4/40).

فهل يعقل أن الله تعالى في هيئة شاب في ثلاثين سنة، وأنه أجوف إلى السرة؟؟.

إن هذا الكلام يوافق بالضبط قول اليهود في توراتـهم أن الله عبارة عن إنسان كبير الحجم وهذا منصوص عليه في سفر التكوين من توراة اليهود.

فهذه آثار يهودية أدخلت إلى التشيع على يد هشام بن الحكم المتسبب والمشترك في مقتل الإمام الكاظم u، ويد هشام بن سالم وشيطان الطاق والميثمي علي بن إسماعيل صاحب كتاب الإمامة.

ولو نظرنا في كتبنا المعتبرة كالصحاح الثمانية وغيرها لوجدنا أحاديث هؤلاء في قائمة الصدارة.

زرارة بن أعين:

قال الشيخ الطوسي: (إن زرارة من أسرة نصرانية، وإن جده (سنسن وقيل سبسن) كان راهباً نصرانياً، وكان أبوه عبداً رومياً لرجل من بني شيبان) (الفهرست 104)، وزرارة هو الذي قال: (سألت أبا عبد الله عن التشهد .. إلى أن قال: فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً)(1) (رجال الكشي 142).

وقال زرارة أيضاً: (والله لو حدثت بكل ما سمعته من أبي عبد الله لانتفخت ذكور الرجال على الخشب)(2) (رجال الكشي 123).

عن ابن مسكان قال: سمعت زرارة يقول:

(رحم الله أبا جعفر، وأما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة.

فقلت له: وما حمل زرارة على هذا؟

قال: حمله على هذا أن أبا عبد الله أخرج مخازيه) (الكشي 131).

ولهذا قال أبو عبد الله فيه: (لعن الله زرارة) (133).

وقال أبو عبد الله u أيضاً: اللهم لو لم تكن جهنم إلا سكرجة(3) لوسعها آل أعين بن سنسن (133).

وقال أبو عبد الله: لعن الله بريداً، لعن الله زرارة (134).

وقال أيضاً: لا يموت زرارة إلا تائهاً عليه لعنة الله (134)، وقال أبو عبد الله أيضاً: هذا زرارة بن أعين، هذا والله من الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز
]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً[ [الفرقان:23] (رجال الكشي 136).

وقال: إن قوماً يعارون الإيمان عارية، ثم يسلبونه، فيقال لهم يوم القيامة المعارون، أما إن زرارة بن أعين لمنهم (141) وقال أيضاً: إن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته.

فقيل له: زرارة؟ متعجباً، قال نعم زرارة شر من اليهود والنصارى ومن قال إن الله ثالث ثلاثة. إن الله قد نكس زرارة، وقال: إن زرارة قد شك في إمامتي فاستوهبته من ربي(1)(138).

قلت: فإذا كان زرارة من أسرة نصرانية وكان قد شك في إمامة أبي عبد الله، وهو الذي قال بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله وقال عنه لا يفلح أبداً فما الذي نتوقع أن يقدمه لدين الإسلام؟؟.

إن صحاحنا طافحة بأحاديث زرارة، وهو في مركز الصدارة بين الرواة، وهو الذي كذب على أهل البيت وأدخل في الإسلام بدعاً ما أدخل مثلها أحد كما قال أبو عبد الله، ومن راجع صحاحنا وجد مصداق هذا الكلام، ومثله بريد حتى إن أبا عبد الله u لعنهما.

أبو بصير ليث بن البختري.

أبو بصير هذا تجرأ على أبي الحسن موسى الكاظم u عندما سئل u عن رجل تزوج امرأة لها زوج ولم يعلم.

قال أبو الحسن u: (ترجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم) .. فضرب أبو بصير المرادي على صدره يحكها وقال: أظن صاحبنا ما تكامل علمه (رجال الكشي 154).

أي أنه يتهم الكاظم u بقلة العلم!!.

ومرة تذاكر ابن أبي اليعفور وأبو بصير في أمر الدنيا، فقال أبو بصير:

أما إن صاحبكم لو ظفر بـها لاستأثر بـها، فأغفى -أبو بصير- فجاء كلب يريد أن يشغر(1) عليه، فقام حماد بن عثمان ليطرده، فقال له ابن أبي يعفور: دعه، فجاءه حتى شغر في أذنيه (رجال الكشي 154).

أي أنه يتهم أبا عبد الله بالركون إلى الدنيا وحب الاستئثار بـها فعاقبه الله تعالى بأن أرسل كلباً فبال بأذنيه جزاء له على ما قال في أبي عبد الله.

وعن حماد الناب قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله u ليطلب الإذن، فلم يؤذن له فقال: لو كان معنا طبق لأذن، قال فجاء كلب فشغر في وجه أبي بصير، فقال -أبو بصير- أف أف ما هذا(2)؟.

فقال له جليسه: هذا كلب شغر في وجهك (رجال الكشي 155).

أي أنه يتهم أبا عبد الله u بحب الثريد والطعام اللذيذ بحيث لا يأذن لأحد بالدخول عليه إلا إذا كان معه طبق طعام، لكن الله تعالى عاقبه أيضاً فأرسل كلباً فبال في وجهه عقاباً له على ما قال في أبي عبد الله u.

ولم يكن أبو بصير موثوقاً في أخلاقه، ولهذا قال شاهداً على نفسه بذلك: كنت أقرئ امرأة كنت أعلمها القرآن، فمازحتها بشيء!!

قال: فقدمت على أبي جعفر u -أي تشتكيه- قال: فقال لي أبو جعفر: يا أبا بصير أي شيء قلت للمرأة؟

قال: قلت بيدي هكذا وغطى وجهه!!

قال: فقال أبو جعفر: لا تعودن عليها (رجال الكشي 154).

أي أن أبا بصير مد يده ليلمس شيئاً من جسدها بغرض المداعبة (!!) والممازحة، مع أنه كان يقرئها القرآن!!.

وكان أبو بصير مخلطاً:

فعن محمّد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن عن أبي بصير فقال:

أبو بصير كان يكنى أبا محمّد وكان مولى لبني أسد وكان مكفوفاً.

فسألته هل يتهم بالغلو؟ فقال: أما الغلو فلا، لم يكن يتهم ولكن كان مخلطاً. (رجال الكشي 154).

قلت: أحاديثه في الصحاح كثيرة جداً وفيها عجب عجاب، فإذا كان مخلطاً فماذا أدخل في الدين من تخليط؟

إن أحاديثه فيها عجب عجاب أليست هي من تخليطه؟؟

علماء طبرستان:

لقد ظهر في طبرستان جماعة تظاهروا بالعلم، وهم ممن اندسوا في التشيع لغرض الفساد والإفساد. من المعلوم أن الإنسان تشهد عليه آثاره، فإن كانت آثاره حسنة فهذا دليل حسن سلوكه وخلقه واعتقاده وسلامة سريرته، والعكس بالعكس فإن الآثار السيئة تدل على سوء من خلفها سواء في سلوكه أو خلقه أو اعتقاده وتدل على فساد سريرته.

إن بعض علماء طبرستان تركوا مخلفات تثير الشكوك حول شخصياتـهم، ولنأخذ ثلاثة من أشهر من خرج من طبرستان:

1- الميرزا حسين بن تقي النوري الطبرسي مؤلف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) جمع فيه أكثر من ألفي رواية من كتب الشيعة ليثبت بـها تحريف القرآن الكريم. وجمع أقوال الفقهاء والمجتهدين، وكتابه وصمة عار في جبين كل شيعي.

إن اليهود والنصارى يقولون بأن القرآن محرف، فما الفرق بين كلام الطبرسي وبين كلام اليهود والنصارى؟ وهل هناك مسلم صادق في إسلامه يشهد على الكتاب الذي أنزله الله تعالى وتكفل بحفظه، يشهد عليه بالتحريف والتزوير والتبديل؟؟.

2- أحمد بن علي بن أبي طالب(1) الطبرسي صاحب كتاب (الاحتجاج).

أورد في كتابه روايات مصرحة بتحريف القرآن، وأورد أيضاً روايات زعم فيها أن العلاقة بين أمير المؤمنين والصحابة كانت سيئة جداً، وهذه الروايات هي التي تتسبب في تمزيق وحدة المسلمين، وكل من يقرأ هذا الكتاب يجد أن مؤلفه لم يكن سليم النية.

3- فضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان في تفسير القرآن، ذاك التفسير الذي شحنه بالمغالطات والتأويل المتكلف والتفسير الجاف المخالف لأبسط قواعد التفسير.

إن منطقة طبرستان والمناطق المجاورة لها مليئة باليهود الخزر، وهؤلاء الطبرسيون هم من يهود الخزر المتسترين بالإسلام، فمؤلفاتـهم من أكبر الكتب الطاعنة بدين الإسلام بحيث لو قارنا بين (فصل الخطاب) وبين مؤلفات المستشرقين الطاعنة بدين الإسلام لرأينا (فصل الخطاب) أشد طعناً بالإسلام من مؤلفات أولئك المستشرقين.

وهكذا مؤلفات الآخرين.

توفي أحد السادة المدرسين في الحوزة النجفية، فغسلت جثمانه مبتغياً بذلك وجه الله، وساعدني في غسله بعض أولاده، فاكتشفت أثناء الغسل أن الفقيه الراحل غير مختون!! ولا أستطيع الآن أن أذكر اسم هذا (الفقيد) لأن أولاده يعرفون من الذي غسل أباهم فإذا ذكرته عرفوني وعرفوا بالتالي أني مؤلف هذا الكتاب واكتشف أمري ويحصل ما لا يحمد عقباه.

وهناك بعض السادة في الحوزة لي عليهم ملاحظات تثير الشكوك حولهم والريب، وأنا والحمد لله دائب البحث والتحري للتأكد من حقيقتهم.

ولنر لوناً آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع، فقد عبثت هذه العناصر بكتبنا المعتبرة ومراجعنا المهمة، ولنأخذ نماذج يطلع القارئ من خلالها على حجم هذا العبث ومداه.

إن كتاب الكافي هو أعظم المصادر الشيعية على الإطلاق، فهو موثق من قبل الإمام الثاني عشر المعصوم الذي لا يخطئ ولا يغلط، إذ لما ألف الكليني كتاب الكافي عرضه على الإمام الثاني عشر في سردابه في سامراء، فقال الإمام الثاني عشر سلام الله عليه (الكافي كاف لشيعتنا) (انظر مقدمة الكافي 25).

قال السيد المحقق عباس القمي: (الكافي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للإمامية مثله)، قال المولى محمّد أمين الاسترابادي في محكي فوائده: (سمعنا من مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه) (الكنى والألقاب 3/98).

ولكن اقرأ معي هذه الأقوال:

قال الخوانساري: (اختلفوا في كتاب الروضة الذي يضم مجموعة من الأبواب هل هو أحد كتب الكافي الذي هو من تأليف الكليني أو مزيد عليه فيما بعد؟) (روضات الجنات 6/118).

قال الشيخ الثقة السيد حسين بن السيد حيدر الكركي العاملي المتوفى (1076هـ): (إن كتاب الكافي خمسون كتاباً بالأسانيد التي فيه لكل حديث متصل بالأئمة عليهم السلام) (روضات الجنات 6/114).

بينما يقول السيد أبو جعفر الطوسي المتوفى (460هـ).

(إن كتاب الكافي مشتمل على ثلاثين كتاباً) (الفهرست 161).

يتبين لنا من الأقوال المتقدمة أن ما زيد على الكافي ما بين القرن الخامس والقرن الحادي عشر، عشرون كتاباً وكل كتاب يضم الكثير من الأبواب، أي أن نسبة ما زيد في كتاب الكافي طيلة هذه المدة يبلغ 40% عدا تبديل الروايات وتغيير ألفاظها وحذف فقرات وإضافة أخرى فمن الذي زاد في الكافي عشرين كتاباً؟ .. أيمكن أن يكون إنساناً نزيهاً؟؟

وهل هو شخص واحد أم أشخاص كثيرون تتابعوا طيلة هذه القرون على الزيادة والتغيير والتبديل والعبث به؟؟!!

ونسأل: أما زال الكافي موثقاً من قبل المعصوم الذي لا يخطئ ولا يغلط؟؟!!

ولنأخذ كتاباً آخر يأتي بالمرتبة الثانية بعد الكافي وهو أيضاً أحد الصحاح الأربعة الأولى، إنه كتاب (تـهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي مؤسس حوزة النجف، فإن فقهاءنا وعلماءنا يذكرون على أنه الآن (13590) حديثاً، بينما يذكر الطوسي نفسه مؤلف الكتاب -كما في عدة الأصول- أن تـهذيب الأحكام هذا أكثر من (5000) حديث، أي لا يزيد في كل الأحوال عن (6000) حديث، فمن الذي زاد في الكتاب هذا الكم الهائل من الأحاديث الذي جاوز عدده العدد الأصلي لأحاديث الكتاب؟ مع ملاحظة البلايا التي رويت في الكافي وتـهذيب الأحكام وغيرهما، فلا شك أنـها إضافات لأيد خفية تسترت بالإسلام، والإسلام منها بريء، فهذا حال أعظم كتابين فما بالك لو تابعنا حال المصادر الأخرى ماذا نجد؟؟ ولهذا قال السيد هاشم معروف الحسني:

(وضع قصاص الشيعة مع ما وضعه أعداء الأئمة عدداً كثيراً من هذا النوع للأئمة الهداة) وقال أيضاً:

(وبعد التتبع في الأحاديث المنتشرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة الهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم) (الموضوعات 165، 253) وقد اعتذر بذلك الشيخ الطوسي في مقدمة التهذيب فقال: (ذاكرني بعض الأصدقاء بأحاديث أصحابنا وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا) ورغم حرص الطوسي على صيانة كتابه إلا أنه تعرض للتحريف كما رأيت.

في زيارتي للهند التقيت السيد دلدار علي فأهداني نسخة من كتابه (أساس الأصول) جاء في (ص51): (إن الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده) وهذا الذي دفع الجم الغفير إلى ترك مذهب الشيعة.

ولننظر في القول بتحريف القرآن، فإن أول كتاب نص على التحريف هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت90 هـ) فإنه أورد روايتين فقط، وهو أول كتاب ظهر للشيعة، ولا يوجد فيه غير هاتين الروايتين.

ولكن إن رجعنا إلى كتبنا المعتبرة والتي كتبت بعد كتاب سليم بن قيس بدهور فإن ما وصل إلينا منها طافح بروايات التحريف، حتى تسنى للنوري الطبرسي جمع أكثر من ألفي رواية في كتابه (فصل الخطاب).

فمن الذي وضع هذه الروايات؟ وبخاصة إذا رجعنا إلى ما ذكرناه آنفاً في بيان ما أضيف إلى الكتب وبالذات الصحاح تبين أن هذه الروايات وضعت في الأزمان المتأخرة عن كتاب سليم بن قيس وقد يكون في القرن السادس أو السابع، حتى أن الصدوق المتوفى (381هـ) قال: (إن من نسب للشيعة مثل هذا القول -أي التحريف- فهو كاذب) لأنه لم يسمع بمثل هذه الروايات، ولو كانت موجودة فعلاً لعلم بـها أو لسمع.

وكذلك الطوسي أنكر نسبة هذا الأمر إلى الشيعة كما في تفسير (التبيان في تفسير القرآن) ط. النجف (1383هـ) وأما كتاب سليم بن قيس فهو مكذوب على سليم بن قيس وضعه أبان بن أبي عياش ثم نسبه إلى سليم.

وأبان هذا قال عنه ابن المطهر الحلي والأردبيلي: (ضعيف جداً وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه) انظر (رجال الحلي ص206)، (جامع الرواة للأردبيلي 1/9).

ولما قامت الدولة الصفوية صار هناك مجال كبير لوضع الروايات وإلصاقها بالإمام الصادق وبغيره من الأئمة سلام الله عليهم. بعد هذا الموجز السريع تبين لنا أن مصنفات علمائنا لا يوثق بـها، ولا يعتمد عليها، إذ لم يعتن بـها، ولهذا عبثت بـها أيدي العدى، فكان من أمرها ما قد عرفت.

والآن نريد أن نعرج على لون آخر من آثار العناصر الأجنبية في التشيع.

إنـها قضية الإمام الثاني عشر وهي قضية خطيرة جداً.

لقد تناول الأخ الفاضل السيد أحمد الكاتب هذا الموضوع فبين أن الإمام الثاني عشر لا حقيقة له، ولا وجود لشخصه، وقد كفانا الفاضل المذكور مهمة البحث في هذا الموضوع، ولكني أقول: كيف يكون له وجود وقد نصت كتبنا المعتبرة على أن الحسن العسكري -الإمام الحادي عشر- توفي ولم يكن له ولد، وقد نظروا في نسائه وجواريه عند موته فلم يجدوا واحدة منهن حاملاً أو ذات ولد. راجع لذلك كتاب (الغيبة للطوسي 74)، (الإرشاد للمفيد 345)، (أعلام الورى للفضل الطبرسي 380) (المقالات والفرق للأشعري للقمي 102).

وقد حقق الأخ الفاضل السيد أحمد الكاتب في مسألة نواب الإمام الثاني عشر، فأثبت أنـهم قوم من الدجلة ادعوا النيابة من أجل الاستحواذ على ما يراد من أموال الخمس وما يلقى في المرقد أو عند السرداب من تبرعات.

ولنر ما يصنعه الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم أو المنتظر عند خروجه:

1- يضع السيف في العرب:

(روى المجلسي أن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قتلهم) (بحار الأنوار 52/318).

وروى أيضاً: (ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح) (بحارا لأنوار 52/349).

وروى أيضاً: (اتق العرب فإن لهم خبر سوء، أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد) (بحار الأنوار 52/333).

قلت: فإذا كان كثير من الشيعة هم من أصل عربي؛ أيشهر القائم السيف عليهم ويذبحهم؟؟

لا .. لا.. إن وراء هذه النصوص رجالاً لعبوا دوراً خطيراً في بث هذه السموم. لا تستغربن ما دام كسرى قد خلص من النار إذ روى المجلسي عن أمير المؤمنين: (إن الله قد خلصه -أي كسرى- من النار وإن النار محرمة عليه) (البحار 41/4).

هل يعقل إن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يقول إن الله قد خلص كسرى من النار، وإن النار محرمة عليه؟؟

2- يهدم المسجد الحرام، والمسجد النبوي.

روى المجلسي: (أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه والمسجد النبوي إلى أساسه) (بحار الأنوار 52/338)، (الغيبة للطوسي 282).

وبين المجلسي: (أن أول ما يبدأ به -القائم- يخرج هذين -يعني أبا بكر وعمر- رطبين غضين ويذريهما في الريح ويكسر المسجد) (البحار 52/386).

إن من المتعارف عليه، بل المسلم به عند جميع فقهائنا وعلمائنا أن الكعبة ليس لها أهمية، وأن كربلاء خير منها وأفضل، فكربلاء حسب النصوص التي أوردها فقهاؤنا هي أفضل بقاع الأرض، وهي أرض الله المختارة المقدسة المباركة، وهي حرم الله ورسوله وقبلة الإسلام وفي تربتها الشفاء، ولا تدانيها أرض أو بقعة أخرى حتى الكعبة.

وكان أستاذنا السيد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء يتمثل دائماً بـهذا البيت:

لكربلا بانَ علوُّ الرتبة

ومن حديث كربلا والكعبة

وقال آخر:

هي الطفوف فطف سبعاً بمغناها فما لمكة معنى مثل معناها

أرض ولكنها السبع الشداد لها دانت وطأطأ أعلاها لأدناها

ولنا أن نسأل: لماذا يكسر القائم المسجد ويهدمه ويرجعه إلى أساسه؟

والجواب: لأن من سيبقى من المسلمين لا يتجاوزون عشر عددهم كما بين الطوسي:

(لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة أعشار الناس) (الغيبة 146).

بسبب إعمال القائم سيفه عموماً وفي المسلمين خصوصاً.

3- يقيم حكم آل داود:

وعقد الكليني بابا في أن الأئمة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود، ولا يسألون البينة ثم روى عن أبي عبد الله قال: (إذا قام قائم آل محمّد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة) (الأصول من الكافي 1/397).

وروى المجلسي: (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد) (البحار 52/354)، (غيبة النعماني 154).

وقال أبو عبد الله u: (لكأني انظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد) (البحار 52/135)، (الغيبة 176).

ونختم هذه الفقرة بـهذه الرواية المروعة، فقد روى المجلسي عن أبي عبد الله u: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس .. حتى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمّد لرحم) (البحار 52/353)، (الغيبة 135).

واستوضحت السيد الصدر عن هذه الرواية فقال: (إن القتل الحاصل بالناس أكثره مختص بالمسلمين) ثم أهدى لي نسخة من كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) حيث كان قد بين ذلك في كتابه المذكور، وعلى النسخة الإهداء بخط يده.

ولا بد لنا من التعليق على هذه الروايات فنقول:

لماذا يعمل القائم سيفه في العرب؟ ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله عربياً؟

ألم يكن أمير المؤمنين وذريته الأطهار من العرب؟

بل القائم الذي يعمل سيفه في العرب كما يقولون أليس هو نفسه من ذرية أمير المؤمنين؟ وبالتالي أليس هو عربياً؟!

أليس في العرب الملايين ممن يؤمن بالقائم وبخروجه؟

فلماذا يخصص العرب بالقتل والذبح؟ وكيف يقال: لا يخرج مع القائم منهم واحد؟

وكيف يمكن أن يهدم المسجد الحرام والمسجد النبوي؟ مع أن المسجد الحرام هو قبلة المسلمين كما نص عليه القرآن وبين أنه أول بيت وجد على وجه الأرض، وكان رسول الله صلوات الله عليه قد صلى فيه، وصلى فيه أيضاً أمير المؤمنين والأئمة من بعده وخصوصاً الإمام الصادق الذي مكث فيه مدة طويلة.

لقد كان ظننا أن القائم سيعيد المسجد الحرام بعد هدمه إلى ما كان عليه زمن النبي صلى الله عليه وآله وقبل التوسعة، ولكن تبين لي فيما بعد أن المراد من قوله (يرجعه إلى أساسه) أي يهدمه ويسويه بالأرض، لأن قبلة الصلاة ستتحول إلى الكوفة.

روى الفيض الكاشاني: (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحد من فضل، مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم .. ولا تذهب الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه) (الوافي 1/215).

إذن نقل الحجر الأسود من مكة إلى الكوفة وجعل الكوفة مصلى بيت آدم ونوح وإدريس وإبراهيم دليل على اتخاذ الكوفة قبلة للصلاة بعد هدم المسجد الحرام، إذ بعد هذا لا معنى لإرجاعه إلى ما كان عليه قبل التوسعة ولا تبقى له فائدة، فلا بد له من الإزالة والهدم -حسبما ورد في الروايات- وتكون القبلة والحجر الأسود في الكوفة، وقد علمنا فيما سبق أن الكعبة ليست بذات أهيمة عند فقهائنا، فلا بد إذن من هدمها.

ونعود لنسأل مرة أخرى: ما هو الأمر الجديد الذي يقوم به القائم؟

وما هو الكتاب الجديد والقضاء الجديد؟

إن كان الأمر الذي يقوم به من صلب حكم آل محمّد فليس هو إذن بجديد.

وإن كان الكتاب من الكتب التي استأثر بـها أمير المؤمنين حسبما تدعيه الروايات الواردة في كتبنا فليس هو بكتاب جديد.

وإن كان القضاء في أقضية محمّد وآله، والكتاب من غير كتبهم والقضاء من غير أقضيتهم فهو فعلا أمر جديد وقضاء جديد وكيف لا يكون جديدا والقائم سيحكم بحكم آل داود كما مر؟

أنه أمر من حكم آل داود، وكتاب من كتبهم، وقضاء من قضاء شريعتهم. ولهذا كان جديدا، ولذلك ورد في الرواية: (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد) كما مر بيانه.

بقي أن تعلم أن ما يصنعه القائم حسبما جاء في الرواية المروعة، فإنه سيثخن في القتل بحيث يتمنى الناس ألا يروه لكثرة ما يقتل من الناس وبصورة بشعة لا رحمة فيها ولاشفقة، حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمّد لرحم!!.

وبدورنا نسأل: بمن سيفتك القائم؟ ودماء من هذه التي سيجريها بـهذه الصورة البشعة؟!.

إنـها دماء المسلمين كما نصت عليه الروايات، وكما بين السيد الصدر.

إذن ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين لا رحمة لهم، ولهم الحق إن قالوا أنه ليس من آل محمّد نعم لأن آل محمّد يرحمون ويشفقون على المسلمين، أما القائم فإنه لا يرحم ولا يشفق، فليس هو إذن من آل محمد، ثم أليس هو -أي القائم- سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً؟

فأين العدل إذن إذا كان سيقتل تسعة أعشار الناس وخاصة المسلمين؟ وهذا لم يفعله في تاريخ البشرية أحد، ولا حتى الشيوعيون الذين كانوا حريصين على تطبيق نظريتهم على حساب الناس. فتأمل!!

لقد أسلفنا أن القائم لا حقيقة له، وأنه غير موجود، ولكنه إذا قام فسيحكم بحكم آل داود وسيقضي على العرب والمسلمين ويقتلهم قتلا لا رحمة فيه ولا شفقة، ويهدم المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، ويأخذ الحجر الأسود، ويأتي بأمر جديد وكتاب جديد، ويقضي بقضاء جديد، فمن هو هذا القائم؟ وما المقصود به؟

إن الحقيقة التي توصلت إليها بعد دراسة استغرقت سنوات طوالاً ومراجعة لأمهات المصادر هي أن القائم كناية عن قيام دولة إسرائيل أو هو المسيح الدجال، لأن الحسن العسكري ليس له ولد كما أسلفنا وأثبتنا، ولهذا روى عن أبي عبد الله u -وهو بريء من ذلك-: (ما لمن خالفنا في دولتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا) (البحار 52/376).

ولماذا حكم آل داود؟ أليس هذا إشارة إلى الأصول اليهودية لهذه الدعوة؟

وقيام دولة إسرائيل لابد أن يسودها حكم آل داود، ودولة إسرائيل إذا قامت، فإن من مخططاتـها القضاء على العرب خصوصاً المسلمين والمسلمين عموماً كما هو مقرر في بروتوكولاتـهم، تقضي عليهم قضاء مبرماً وتقتلهم قتلاً لا رحمة فيه ولا شفقة.

وحلم دولة إسرائيل هو هدم قبلة المسلمين وتسويتها بالأرض، ثم هدم المسجد النبوي والعودة إلى يثرب التي أخرجوا منها، وإذا قامت فستفرض أمراً جديداً، وتضع بدل القرآن كتاباً جديداً، وتقضي بقضاء جديد، ولا تسأل بينة، لأن سؤال البينة من خصائص المسلمين، ولهذا تسود الفوضى والظلم بسبب العنصرية اليهودية.

ويحسن بنا أن ننبه إلى أن أصحابنا اختاروا لهم اثني عشر إماماً، وهذا عمل مقصود فهذا العدد يمثل عدد أسباط بني إسرائيل، ولم يكتفوا بذلك بل أطلقوا على أنفسهم تسمية (الاثني عشرية) تيمناً بـهذا العدد، وكرهوا جبريل u والروح الأمين كما وصفه الله تعالى في القرآن الكريم، وقالوا إنه خان الأمانة إذ يفترض أن ينـزل على علي u، ولكنه حاد عنه، فنـزل إلى محمّد u، فخان بذلك الأمانة.

ولهذا كرهوا جبريل، وهذه هي صفة بني إسرائيل في كراهتهم له، ولهذا رد الله عليهم بقوله تعالى: ]قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ[ [البقرة:97-98]، فوصف من عادى جبريل بالكفر، وأخبر أن من عاداه فإنه عدو لله تعالى.

ومن أعظم آثار العناصر الأجنبية في حرف التشيع عن ركب الأمة الإسلامية هو القول بترك الجمعة وعدم جوازها إلا وراء إمام معصوم.

لقد صدرت في الآونة الأخيرة فتاوى تجوز إقامة صلاة الجمعة في الحسينيات، وهذا عمل عظيم، ولي والحمد لله جهود كبيرة في حث المراجع العليا على هذا العمل وإني احتسب أجري عند الله تعالى.

ولكني أتساءل: من الذي تسبب في حرمان كل تلك الأجيال وعلى مدى ألف سنة تقريباً من صلاة الجمعة؟ فأية يد خبيثة هذه التي استطاعت بدهائها وسيطرتـها أن تحرم الشيعة من صلاة الجمعة، مع وجود النص القرآني الصريح في وجوب إقامة الجمعة؟؟!

وما زالت الأيادي الخفية تعمل وتبث سمومها، فقد أصدرت زعامة الحوزة في يومنا هذا تعليمات بوجوب إكثار الفساد والظلم ونشره بين الناس، لأن كثرة الفساد تعجل في خروج الإمام المهدي -القائم- من سردابه، وقد استجاب كثير من الشيعة لذلك، وطبقوا هذه التعليمات ومارسوا الفساد بكل ألوانه، وكان السيد البروجردي يشرف على تطبيقها في مدينة الثورة في بغداد، فإذا ما مشى رجل في أحد شوارع الثورة فرأى امرأة أعجبته، فإنـها تستجيب له بابتسامة منه أو إشارة بطرف عينه. ولم تكتف زعامة الحوزة بذلك، بل أرادت تعميم هذا الفساد ليشمل كل أنحاء العراق، ولهذا قاموا باستئجار باصات نقل كبيرة لغرض السياحة والاصطياف في شمال العراق.

وقاموا بترغيب العوائل الساكنة في مدن الجنوب بالسفر إلى الشمال، فترى العوائل المسافرة تتكون كل عائلة منها من رجل عجوز وامرأته الطاعنة في السن بثياب رثة لا يملك أحدهم ثمن وجبة عشاء فضلاً عن نفقة السياحة والاصطياف، وقد اصطحبت كل عائلة معها عدداً من الفتيات الجميلات، فإذا ما وصلت القافلة إلى محافظة من المحافظات التي تمر بـها وهي، صلاح الدين-تكريت-الموصل، دهوك، أربيل، كركوك، حط المسافرون رحالهم فيها أياماً، ثم تبدأ الفتيات بالنـزول إلى أسواق تلك المحافظة، فيعرضن أنفسهن على الشباب لتتم (الصفقات المحرمة) وأما فترة بقاء العوائل في المصايف فإني أعجز عن وصف ما يجري.

إن الغاية من إصدار هذه التعليمات هي نشر الفساد وتدمير البلاد، وأما خروج الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم فأنا واثق بأنـهم يدركون أن لا وجود لهذا الإمام.

فانظروا إلى هذه الأيدي الخبيثة ماذا فعلت وماذا تفعل!!!


الخاتمة

بعد هذه الرحلة المرهقة في بيان تلك الحقائق المؤلمة، ما الذي يجب علي فعله؟

هل أبقى في مكاني ومنصبي وأجمع الأموال الضخمة من البسطاء والسذج باسم الخمس والتبرعات للمشاهد، وأركب السيارات الفاخرة (!!) وأتمتع بالجميلات؟ أم أترك عرض الدنيا الزائل وأبتعد عن هذه المحرمات، وأصدع بالحق -لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس-؟

لقد عرفت أن عبد الله بن سبأ اليهودي هو الذي أسس التشيع، وفرق المسلمين وجعل العداوة والبغضاء بينهم، بعد أن كان الحب والإيمان يجمع بينهم، ويؤلف قلوبـهم، وعرفت أيضاً ما صنعه أجدادنا -أهل الكوفة- بأهل البيت، وما روته كتبنا في نبذ الأئمة والطعن بـهم، وضجر أهل البيت من شيعتهم كما سبق القول، ويكفي قول أمير المؤمنين u في بيان حقيقتهم:

(لو ميزت شيعتي لما وجدتـهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتـهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد) (الكافي 8/338).

وعرفت أنـهم يكذبون الله تعالى، فإن الله تعالى بين أن القرآن الكريم لم تعبث به الأيادي، ولن تقدر لأن الله تكفل بحفظه، وأما فقهاؤنا فيقولون إن القرآن محرف، فيردون بذلك قول الله تعالى، فمن أصدق؟ أأصدقهم؟ أم أصدق الله تعالى؟ وعرفت أن المتعة محرمة، ولكن فقهاؤنا أباحوها، وجرت إباحتها إلى إباحة غيرها وكان آخرها اللواط بالمردان من الشباب.

وعرفت أن الخمس لا يجب على الشيعة دفعه ولا إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين بل هو حل لهم حتى يقوم القائم، ولكن فقهاؤنا هم الذين أوجبوا على الناس دفعه وإخراجه وذلك لمآربـهم -أي الفقهاء- الشخصية ومنافعهم الذاتية.

وعرفت أن التشيع قد عبثت به أياد خفية هي التي صنعت فيه ما صنعت - كما أوضحنا في الفصول السابقة - فما الذي يبقيني في التشيع بعد ذلك؟

ولهذا ورد عن محمّد بن سليمان عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله u:

(جعلت فداك، فإنا قد نبزنا نبزاً أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا، واستحلت لله الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم.

قال أبو عبد الله u: الرافضة؟ فقلت: نعم.

قال: لا والله ما هم سموكم به ولكن الله سماكم به) (روضة الكافي 5/34).

فإذا كان أبو عبد الله قد شهد عليهم بأنـهم رافضة -لرفضهم أهل البيت- وأن الله تعالى سماهم به فما الذي يبقيني معهم؟ وعن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (لو قام قائمنا بدأ بكذابي الشيعة فقتلهم) (رجال الكشي 253) ترجمة ابن الخطاب، لماذا يبدأ بكذابي الشيعة فيقتلهم؟

يقتلهم قبل غيرهم لقباحة ما افتروه وجعلوه ديناً يتقربون به إلى الله تعالى به كقولهم بإباحة المتعة واللواط، وقولهم بوجوب إخراج خمس الأموال، وكقولهم بتحريف القرآن والبدء لله تعالى ورجعة الأئمة، وكل السادة والفقهاء والمجتهدين يؤمنون بـهذه العقائد وغيرها، فمن منهم سينجو من سيف القائم -عجل الله فرجه-؟؟

وعن أبي عبد الله u قال: (ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن ينتحل التشيع) (رجال الكشي 254 أبي الخطاب).

صدق أبو عبد الله بأبي هو وأمي، فإذا كانت الآيات التي نزلت في المنافقين منطبقة على من ينتحل التشيع، فكيف يمكنني أن أبقى معهم؟؟

وهل يصح بعد هذا أن يدعوا أنـهم على مذهب أهل البيت؟؟، وهل يصح أن يدعوا محبة أهل البيت؟

لقد عرفت الآن أجوبة تلك الأسئلة التي كانت تحيرني وتشغل بالي.

بعد وقوفي على هذه الحقائق وعلى غيرها، أخذت أبحث عن سبب كوني ولدت شيعياً، وعن سبب تشيع أهلي وأقربائي، فعرفت أن عشيرتي كانت على مذهب أهل السنة، ولكن قبل حوالي مائة وخمسين سنة جاء من إيران بعض دعاة التشيع إلى جنوب العراق، فاتصلوا ببعض رؤساء العشائر، واستغلوا طيب قلوبـهم وقلة علمهم، فخدعوهم بزخرف القول، فكان ذلك سبب دخولهم في المنهج الشيعي، فهناك الكثير من العشائر والبطون تشيعت بـهذه الطريقة بعد أن كانت على مذهب أهل السنة.

ومن الضروري أن أذكر بعض هذه العشائر أداء لأمانة العلم:

فمنهم بنو ربيعة، بنو تميم، الخزاعل، الزبيدات، العمير وهم بطن من تميم، الخزرج، شمرطوكة الدوار، الدفافعة، آل محمّد وهم من عشائر العمارة، عشائر الديوانية وهم آل أقرع وآل بدير وعفج والجبور والجليحة، وعشيرة كعب، وبنو لام وغيرها كثير.

وهؤلاء العشائر كلهم من العشائر العراقية الأصيلة المعروفة في العراق، وهم معروفون بشجاعتهم وكرمهم ونخوتـهم، وهم عشائر كبيرة لها وزنـها وثقلها إذ هم من العشائر العربية الأصيلة، ولكن مع الأسف تشيعوا منذ أكثر من مائة وخمسين سنة بسبب موجات دعاة الشيعة الذين وفدوا إليهم من إيران، فاحتالوا عليهم وشيعوهم بطريقة أو بأخرى.

ونسيت هذه العشائر الباسلة -رغم تشيعها- أن سيف القائم ينتظر رقابـهم ليفتك بـهم كما مر بيانه، إذ أن الإمام الثاني عشر المعروف بالقائم سيقتل العرب شر قتلة رغم كونـهم من شيعته، وهذا ما صرحت به كتبنا -معاشر الشيعة- فلتنتظر تلك العشائر سيف القائم ليفتك بـها.

لقد أخذ الله تعالى العهد على أهل العلم أن يبينوا للناس الحق، وها أنا ذا أبينه للناس، وأوقظ النيام وأنبه الغافلين، وأدعو هذه العشائر العربية الأصيلة أن ترجع إلى أصلها، وألا تبقى تحت تأثير أصحاب العمائم الذين يأخذون منهم أموالهم باسم الخمس والتبرعات للمشاهد، ويعتدون على شرف نسائهم باسم المتعة، وكل من الخمس والمتعة محرم كما سبق بيانه، وأدعو هذه العشائر الأصيلة لمراجعة تاريخها وتاريخ أسلافها ليقفوا على الحقيقة التي طمسها الفقهاء والمجتهدون وأصحاب العمائم حرصاً منهم على بقاء منافعهم الشخصية.

وبـهذا أكون قد أديت جزءاً من الواجب.

الله أسألك بمحبتي لنبيك المختار وبمحبتي لأهل بيته الأطهار أن تضع لهذا الكتاب القبول في الدنيا والآخرة، وأن تجعله خالصاً لوجهك الكريم، وأن تنفع به النفع العميم، والحمد لله من قبل ومن بعد.


الفهرست

المقدمة............................................................................. 5

مقدمة الكاتب..................................................................... 7

عبد الله بن سبأ..................................................................

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت..........................................

المتعة وما يتعلق بـها............................................................

الخمس...........................................................................

ملخص تطور نظرية الخمس......................................................

الكتب السماوية.................................................................

1- الجامعة:.................................................................... 71

2- صحيفة الناموس:........................................................... 72

3- صحيفة العبيطة:............................................................

4- صحيفة ذؤابة السيف:......................................................

5- صحيفة علي وهي صحيفة أخرى وجدت في ذؤابة السيف:...................

6- الجفر: وهو نوعان: الجفر الأبيض والجفر الأحمر:............................

7- مصحف فاطمة:............................................................

8- التوراة والإنجيل والزبور:....................................................

9- القرآن:.....................................................................

نظرة الشيعة إلى أهل السنة...................................................... 79

أثر العناصر الأجنبية في صنع التشيع............................................ 89

الخاتمة.......................................................................... 107

الفهرست...................................................................... 112



(1) - إن من يضرط في لحية أبي عبد الله u ويقول عنه لا يفلح أبداً لا يمكن أن يكون مسلماً ومخلصاً لأهل البيت عليهم السلام.

(2) - وهذا اتـهام منه لأبي عبد الله ومراده أن أبا عبد الله قد حدثه بقضايا مخزية كثيراً شهوة الرجال بحيث لا يمكنهم ضبط النفس عند سماعهم ذلك إلا إذا قضى أحدهم شهوته حتى ولو على خشبة.

(3) - سكرجة: هو إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل، وهذه الكلمة فارسية معربة.

(1) - إن عامة مراجعنا وعلمائنا يفسرون قول أبي عبد الله وطعنه في زرارة على أنه من باب التقية، وهذا طبعاً مردود فإذا كان قول أبي عبد الله من باب التقية، فماذا يكون قول زرارة وطعنه في أبي عبد الله عندما قال لعنه الله بأنه ضرط في لحية أبي عبد الله أهو تقية أيضاً؟؟.

لا إن هذا يثبت لنا أن قطيعة كانت بين أبي عبد الله وزرارة سببها أقوال زرارة وأفعاله الشنيعة وبدعه المنكرة وإلا لما قال فيه أبو عبد الله ما قال.

(1) - رفع رجله ليبول.

(2) - لأنه كان أعمى البصر.

(1) - أطلق على نفسه هذا الاسم لقصد التمويه حتى يتسنى له بث سمومه، وإلا فإن مثله لا يصح أن ينسب نفسه للتراب الذي كان يدوسه أمير المؤمنين u. علماً أنه لا يعرف له أصل ولا تعرف له ترجمة.

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"