بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 13 أبريل 2010

في معنى اسم الله "العزيز" جل وعلا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة المؤمنون : مع الدرس السادس من دروس أسماء الله الحسنى ، الاسم اليوم اسم العزيز ، وهذا الاسم يا أيها الأخوة كثيرا ما يرد في نهاية الآيات وهو العزيز الحكيم ، وقد كنت بيّنت لكم من قبله أن الإيمان بالله بوجوده لا يكفي ، يجب أن تؤمن بوجوده ، ويجب أن تؤمن بوحدانيته، وحدانيته في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، ويجب أن تؤمن بكماله ومن الإيمان بكماله أن تتعرف إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى .

إذاً أن يجول فكرك أو أن تستمع إلى حديث عن أسماء الله الحسنى هذا جزء أساسي جداً من الإيمان ، فأنت مثلاً إذا تعرفت إلى إنسان رأيته أمامك موجودا فهل عرفته ؟ سألته عن اسمه قال لك اسمه . هل عرفته ؟ لا تعرفه إلا إذا وقفت على شمائله وعلى صفاته وعلى أخلاقه وعلى علمه وعلى ذكائه وعلى منجزاته ، فلا تكون معرفة الله صحيحة ولا تامة إلا إذا عرفت أسماءَه ، هذه المقدمة أسوقها من أجل أن تتأكدوا من قول النبي عليه الصلاة والسلام :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ *

(صحيح البخاري)

ومعنى إحصائها إذا عرفتها وعرفت مضامينها ، عرفت ما ينبغي أن تفهمها وما تدل عليه ، عرفت ما ينبغي أن تكون أنت عليها ، عرفت أبعادها ، إذاً درسنا اليوم عن اسم العزيز .

ورد هذا الاسم في آيات كثيرة من هذه الآيات ، قال الله تعالى على لسان سيدنا عيسى :

(سورة المائدة )

لو أن الإنسان نسي كيف يتم الآية وقال : إن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، تتناسب هكذا ولكن الآية " وإن تغفر لهم فإنك العزيز الحكيم " ، لأن الإنسان مهما علا شأنه ، إذا أراد أن يغفر لأحد زلته ربما حوسب ، ربما سئل لماذا عفوت عن فلان ؟ لماذا لم تكلفه ؟ لماذا تساهلت معه ؟ لكن الله سبحانه وتعالى إذا غفر فهو العزيز " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "

هذه الآية الأولى ، آية أخرى :

(سورة الجاثية )

آية ثالثة :

(سورة المنافقون)

آية رابعة :

(سورة الصافات )

آية خامسة حينما قال الشيطان :

(سورة ص)

اسم العزيز ورد في آيات كثيرة جدا ، اخترت لكم من بين الآيات الكثيرة هذه الآيات .

الآن ما معنى هذا الاسم من حيث اللغة ؟

المعنى الأول : العزيز الذي لا مثيل له ، ولا مشابه له ، ولا نظير له ، مِن فِعلِ عز يعز ، تقول : عز الطعام أي أصبح قليلا أصبح نادرا ، عز هذا الاختصاص ؛ اختصاص عزيز : أي نادر ، خبرة عزيزة أي نادرة ، معنى عز يعز أي ندر وجوده أو لا مثيل له ولا مشابه له ولا نظير له ، اسم العزيز بهذا المعنى من أسماء التنزيه ، الأسماء مصنفة: فهناك اسم تنزيهي وهناك اسم ذات وهناك اسم صفات وهناك اسم أفعال . فأسماء الله الحسنى إما أن تكون أسماء لذاته وإما أن تكون أسماء لصفاته وإما أن تكون أسماء لأفعاله . فعز يعز أي ندر يندر .

بشكل أوسع العزيز الذي لا مثيل له ولا ند له ولا نظير له . إذا كان الشيء نادرا قليل الوجود ليس متوافرا مع إمكان توافره نسميه عزيزا ، فكيف بالذي يستحيل على العقل أن يصدق أن له نظيرا ، إذاً ، الله سبحانه وتعالى لا مثيل له ولا ند له ولا مشابه له إذاً هو عزيز وهذا المعنى الأول .

المعنى الثاني : العزيز هو الغالب الذي لا يُغلب ، الإنسان إذا غُلِبَ ليس عزيزا يصبح ذليلا وقد يبالغ المنتصر بإذلاله ، قد يجري بعض التصرفات ليبالغ بإذلاله ، فالغالب الذي لا يُغلب يسمى عزيزا، والعرب تقول من أمثلتها : من عز بز ، أي مَنْ عز : مَنْ انتصر أخذ ما راق له . وعزني في الخطاب أي غلبني في الخطاب ، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال : اكفلنها وعزّني في الخطاب ، أي غلبني . فالقاهر الذي انتصر وقد يغلب يسمى عزيزا فكيف بالقاهر الذي لا يمكن أن يغلب ، من باب أولى فالله سبحانه عزيز بالمعنى الثاني ، والدليل:

(سورة يوسف )

أنت تريد وأنا أريد فإذا سلَّمْتَ لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي في ما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ، قال تعالى " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ، لو علم الناس أن الله غالب على أمره لأطاعوه ولاتكلوا عليه ولأقبلوا عليه ولتركوا سواه .

المعنى الثالث : المعنى الثالث القوي الشديد ، العزيز هو القوي الشديد ، من عز يعز ندر يندر ، عز يعز غلب يغلب ، عز يعز قوي يقوى ، والآية الكريمة :

(سورة يس)

يقول : لك التعزيز ، بعد أن تلقي الدرس تعززه بالتدريبات ، مرحلة التعزيز أي ترسيخ المعلومات و تمكينها هذا المعنى الثالث .

المعنى الأول العزيز الذي لا مثيل له ولا ند له ولا مشابه له هذا من أسماء التنزيه ، المعنى الثاني الغالب الذي لا يغلب هذا من أسماء الصفات ، والمعنى الثالث القوي الشديد هذا من أسماء الصفات أيضا ، فالقادر الذي قد يضعف يسمى عند الناس عزيزا ، فكيف بالقادر الذي يستحيل أن يضعف من باب أولى ، إذاً الله سبحانه وتعالى عزيز بهذا المعنى الثالث .

الآن يوجد معنى رابع دقيق جدا وربما كان المؤمنون في أمس الحاجة لفهم هذا المعنى ، المعنى الرابع : العزيز بمعنى الُمِعز ، كأن تقول : الأليم بمعنى المؤلم ، كأن تقول : جرح أليم أي جرح مؤلم ، من معاني وزن فعيل بأنه بمعنى اسم الفاعل مُفْعِل . فالعزيز بمعنى المُعِز هذه من صفات الأفعال . أربع معاني لأسم العزيز ، الأولى من أسماء التنزيه والثانية والثالثة من أسماء الصفات والرابعة من أسماء الأفعال ، هو الذي يعز :

(سورة آل عمران )

آخر ملوك الأندلس عندما غادر الأندلس بكى ، فقالت له أمه عائشة : ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال ، فما قيمة الإنسان إذا تخلى الله عنه ؟ فقال تعالى :

(سورة الحج)

جزء كبير جدا من حياتك متعلق بكرامتك ، فإذا كنت مع العزيز أعزك الله :

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت

فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

هذه هي المعاني اللغوية لكلمة عزيز أو لاسم الله العزيز ، لكن هناك تعريف أدق وأجمل : العزيز الذي يقل وجوده وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه في وقت واحد ، قد يقل وجود شيء ما ولكن لا تشتد الحاجة إليه ، يوجد معدن نادر جدا مع أنه نادر قليل الوجود لسنا بحاجة ماسة إليه ، عندئذ لا يسمى هذا المعدن عزيزا ، العزيز يجب أن تتوافر فيه صفات ثلاث : أن يقل وجود مثله ، وأن تشتد الحاجة إليه ، وأن يصعب الوصول إليه ، قد تشتد الحاجة إلى شيء ولكنه غير نادر كالهواء ، كلنا في أمس الحاجة إليه ولكنه متوافر ، قد تشتد الحاجة إلى الماء والماء موجود في بعض البلاد بكثرة .

إذًا لابد أن يكون العزيز يقل وجوده وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه ، إذاً شيء عزيز يقال : عزيز المنال لا يدرك ولا ينال جانبه ، هذه الصفات للشيء الذي يقل وجوده وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه ، هذه الصفات لها صفات نقصان ولها صفات كمال ، كلما كثر وجوده قلت عزته، وكلما قلت الحاجة إليه قلت عزته ، وكلما سهل الوصول إليه قلت عزته ، الآن كلما قل وجوده إلى أن يصبح واحدا ، هذه صفة كمال في العزيز يقل وجوده ويقل وجوده حتى يصبح واحدا هذه أعلى صفة ، وتشتد الحاجة إليه .

الإنسان أحيانا قد يحتاجه الناس ، قد يحتاجه بعض الناس ، كلما كثر الذين يحتاجونه أصبح عزيزا ، فإذا احتاجه كل الناس هذا شيء نادر ، لا يوجد إنسان يحتاجه جميع الناس ، قد تجد ملكاً و تجد إنساناً يعيش في أطراف مملكته يعمل راعياً ، مع أنه أحد رعايا هذا الملك لكنه ليس بحاجة إليه ، يأكل ويشرب في خيمته من نتاج هذا الغنم الذي يملكه .

كلما اشتدت الحاجة إلى الشيء أصبح عزيزا ، كمال هذه الصفة شيء دقيق جدا أن يحتاج إليه كل شيء في كل شيء ، أنا قد أحتاج للطبيب عند المرض ، ولكن لا أحتاجه عند النوم أنا أحتاج إلى سرير ، قد أحتاج إلى هذا المدرس إذا كان ابني ضعيفاً في مادة الرياضيات فأنا بحاجة إليه ، أما أن يحتاجه كل شيء ليس كل الناس فقط لا بل الناس والحيوان والنبات والجماد والذرات والمجرات أي يحتاجه كل شيء في كل شيء .

دققوا كل شيء في كل شيء . إذاً الله سبحانه وتعالى عزيز لأن قيام الشيء به ، قيام المادة هذه مادة فيها نواة وفيها كهارب وفيها دوران لولا أن الله سبحانه وتعالى تجلى عليها لتوقفت ، كن فيكون زل فيزول :

(سور آل عمران )

أي أن قوام كل شيء به ، وهو مصدر حياة كل شيء .

إذا الله سبحانه وتعالى لا نقول تشتد الحاجة إليه ، يحتاج إليه كل شيء في كل شيء ، الشبكية مائة وثلاثون مليون مستقبل للضوء ما بين مخروط وعصية عشرة طبقات ، العصب البصري تسعمائة ألف عصب ، ما هذه المادة التي تتغير ماهيتها إذا جاءها الضوء ، إذا تغيرت ماهيتها تولد عن هذا التغير تيار كهربائي ينقل الصورة إلى الدماغ ، أنت محتاج لله عز وجل في عينك وفي أذنك وفي لسانك وفي دماغك وفي شرايينك ، وأيُّ شيءٍ لم يبخل اللَّه سبحانه وتعالى عليه يُصبح لاشيء ، فأنت قائم بالله ، عظامك عضلاتك المخططة والملساء أعصابك وأجهزتك كلها تعمل بالله ، فلو أن الله سبحانه وتعالى حجب عنها تجلياته لأصبح الإنسان جثة هامدة ، إذا يحتاجه كل شيء في كل شيء .

أول صفة . الذي يقل وجود مثله أما كمال هذه الصفة إلى أن يصبح واحدا، تشتد الحاجة إليه ، كمال هذه الصفة يحتاجه كل شيء في كل شيء ، يصعب الوصول إليه لا يمكن أن تحيط به ولا الأنبياء لا يعرف الله إلا الله ، أن تصل إليه اتصال عبودية ممكن استقم على أمره واعمل الصالحات تصل إليه وهذا هو الوصول هذا هو الاتصال .

شاب خطب فتاة ابنة عالم هذا العالم قال له : مهر هذه الفتاة أن تحضر هذه الدروس فحضرها فاستغرق فيها فنسي الفتاة ، أرسلت له كتابا : يا فلان نسيتنا ، فقال : يا وصال كنت سبب الاتصال فلا تكوني سبب الانفصال .

يمكن أن تصل إليه ، أن تصل كعبد أن تستقيم على أمره أن تفعل الصالحات أن تذكره كثيرا أن تخدم عباده كثيرا ممكن ، أما أن تصل إليه وصول إحاطة وإدراك كامل هذا مستحيل ولا الأنبياء لا يعرف الله إلا الله .

فإذا خطر في بالك ما معنى العزيز ؟ فإنَّ معنى العزيز : هو الفرد الذي يحتاجه كل شيء في كل شيء ويستحيل الوصول إليه ، وصول إحاطة وإدراك أما وصول عبودية فممكن .

قال بعضهم : العزيز من ضلت العقول في بحار عظمته وحارت الألباب دون إدراك نعمته وكلت الألسن عن وصف كمالاته ووصف جماله . النبي عليه الصلاة والسلام لخص هذه الكلمات فقال :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ *

(صحيح مسلم)

والله أيها الأخوة الشيء الثابت أنه من عرف الله زهد فيما سواه ، إذا عرفت الله لا يمكن أن تتضعضع لمخلوق ، وعندها لا ترى مع عزة الله عزيزا ، ولا ترى مع قدرة الله قديرا ، ولا ترى مع حكمة الله حكيما .

ابن آدم اطلبني تجدنـي فإذا وجدتني وجدت كل شيء

وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شـيء

فلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا

ولو ذقت من طعم المحبــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنـا

ولو نَسمَتْ لك من قربنا نسمــة لَمِتَّ غريبا واشتياقا بقربنــــــــا

فما حبنا سهل

الله عزيز .

هذا الذي يتوهم بسذاجة أنه بركعتين وليرتين يدخل الجنة إنسان ساذج غبي ، ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر :

قَال سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ *

(سنن الترمذي)

قال تعالى :

(سورة آل عمران )

وقتك الثمين ، زبدة وقتك ، قوتك يجب أن تصرفها في سبيل الله ، مالك الذي جمعته بكدك وعرق جبينك يجب أن تنفقه في سبيل الله، ألا إن سلعة الله غالية ، الله عزيز بالمعنى الطبيعي الفطري الله عزيز .

الآن من هو العزيز من العباد في ضوء هذا التعريف ؟ الأنبياء أعزة لماذا ؟ لأن الخلق كلهم بحاجة إليهم إلى علمهم ، النبي عزيز لأن ربنا عز وجل أودع فيه سره أودع فيه علمه أودع فيه النبوة ، هو طريق إلى الله هو باب الله ، فالأنبياء أعزة لأن الله جعلهم أبواب رحمته وأبواب فضله وأبواب إحسانه وأبواب أنواره ، لهذا عين إرضاء رسول الله هو عين إرضاء الله ، ولهذا قرن الله اسم نبيه مع اسمه فالنبي عزيز لأن الناس جميعا في أمس الحاجة إليه في أمر دينهم ودنياهم .

الملك عزيز : إذا كان ملك بيده مقدرات الأمور كلها ، بيده كل شيء ، فالناس جميعا يقصدونه كبيرهم وصغيرهم ، جليلهم وحقيرهم ، فكلما اشتدت الحاجة إليك فأنت عزيز ، لكن المؤمن إذا اشتدت الحاجة إليه يكون عزيزا لكنه متواضع ، ولكن غير المؤمن إذا اشتدت الحاجة إليه يصبح لئيما .

يا أيها الأخوة الأكارم سُئل الإمام الحسن البصري : بِمَ نِلت هذا المقام ؟ قبل الإجابة أقول لكم هذه الكلمة من القلب : لا يمكن أن تعرف الله وأن تطيعه ، ثم تكون ذليلا لأحد أبداً ، لا يمكن لأن الله عز وجل يقول : "

(سورة المنافقون)

أنت مع العزيز وتذل بعد ذلك - لا - لن يكون هذا أبداً ، ألا تقرأ في الدعاء يوميا كل صلاة صبح : سبحانك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ؟

لا يوجد مؤمن تَعَرَّفَ إلى الله عز وجل واستقام على أمره واصطلح معه إلا أراه الله معاملة خاصة يشعره أنه غال عليه وأنه يحبه قال تعالى :

(سورة الطور)

أحيانا تدعوه فيستجيب لك ، تدعوه فيصرف عنك السوء ، تدعوه فيلقي حبك في قلوب الخلق ، تدعوه فيلين قلوب أعدائك ، تدعوه فيلبيك ، تسأله فيعطيك ، تقسم عليه فيبرك .

فإذا الحسن البصري سؤل بما نلت هذا العز ؟ قال : بشيئين ، باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي .

لا تكون عزيزا إذا كنت طماعاً ، حينما تطمع تصبح ذليلا ، لمجرد أن تطمع فيما عند الناس تصبح ذليلا .

لذلك الناس إذا طمعت فيما عندهم كرهوك ، ورب العزة إذا طمعت فيما عنده أحبك .

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق

الإنسان إن سألته حاجة غضب منك ، ورب العزة إن لم تسأله غضب منك ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :

عَنْ جُنْدَبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ *

(سنن الترمذي)

وقال : " ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجري بالمقادير " ، " ارفع رأسك يا أخي لقد مَوَّتَّ علينا ديننا " .

أبو جعفر المنصور دخل عليه أبو حنيفة في قضية فَأَعجبه أن يأتيه هذا العالم الجليل الفقيه الكبير ، قال : يا أبا حنيفة لو تغشيتنا دائما ، نحن في استقبالك نعتز بك وأهلا بك ، قال : ولِمَ أتغشاكم وليس لي عندكم شيء أخافكم عليه وهل يتغشاكم إلا من خافكم على شيء ،ليس لي عندكم حاجة .

كلما قطعت طمعك من الناس أعزك الله ، وكلما مرغت جبهتك في السجود لله أعزك الله .

أحد الخلفاء طلب عالماً من علماء المسلمين الكبار أن يأتيه لكي يعظه ، فذهبوا إلى الإمام مالك فقالوا : إن الخليفة يطلبك يا مالك ، قال : لست بحاجة إليه ، إن كان بحاجة إلي فليأتني ، قال الأمام مالك : العلم يؤتى ولا يأتي ، فلم بَلّغوا هارون الرشيد مقالة مالك قال : صدق أنا سآتيه فلما جاءه قال : أبلغوه لا أسمح له أن يتخطى رقاب الناس يعني على الخليفة أن يجلس حيث انتهى به المجلس ، كان عليه الصلاة والسلام يجلس حيث ينتهي به المجلس ، بل إن الأبلغ من ذلك دخل عليه أعرابي ، فما عرف مَنْ النبي ؟ قال : أيكم محمد ؟ ما هذا التواضع ليس له مكانة خاصة ؟ أيكم محمد ؟ قال له : لقد أصبت أنا ، فلما جاءه هارون الرشيد وأجلسوه على كرسي ، قال : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه ، فقال الرشيد : خذوا هذا الكرسي ، العالم عزيز يجب أن تزهد فيما عند الناس ، يجب أن تكون بعيدا عن دنياهم، يجب أن تعمل اكسب رزقك بيدك .

شخص سأل : كيف الطريق إليه ؟ قال : لو عرفته لعرفت الطريق إليه ، كلمة بليغة .

إذا عرفت الله تعرف بالفطرة ماذا يرضيه ، وكيف تقبل عليه ، وكيف تستقيم على أمره ، وكيف تضحي من أجله ، وكيف تؤثره على كل شيء ، قال له : كيف الطريق إليه ؟ قال : لو عرفته لعرفت الطريق إليه ، قال له : لم أفهم كلامك ، كيف أعبد من لا أعرفه ، فقال : كيف تعصي من تعرفه ، إنك تعصيه :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمري في المقال بديع

لو كان حبك صادقا لأطعتـــه إن المحب لمن يحب يطـيــع

قل شخص متى عرفت الله ؟ قال : والله ما عصيته منذ عرفته .

اسمعوا مني هذه الكلمة ، والله الذي لا إله إلا هو لو تعلمت علم الثقلين بنية أن تكون ذا شأن في المجتمع وعصيت الله فيما بينك وبينه ، فأنت لا تعرفه ، لا تعرفه ، لا تعرفه .

من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا اختلى ، لم يعبأ الله بشيء من عمله أبدا ، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى مَنْ اجترأت عليه ، فلمجرد أن تعصي الله عز وجل يجب أن تعلم علم اليقين أنك لا تعرفه أبدا .

لو تخيلنا إنساناً يحمل أعلى شهادة شرعية ، وله مائة مؤلف وهو ذو منصب ديني خطير ، ودخلت عليه امرأة و تأمل فيها وملأ عينيه منها ، وعنده مستخدم على الباب ، لا يقرأ ولا يكتب لكنه قرأ قوله تعالى :

(سورة النور)

فغض بصره عنها فهذا عند الله عالم ، والأول الذي ملأ عينيه من الحرام جاهل ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا أَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ *

(سنن الدارمي)

دع هذه الكلمة في ذهنك دائما : لمجرد أن تعصيه فأنت لا تعرفه .

قيل : ما الأدب الذي يجب أن يتحلى به المؤمن حيال هذا الاسم ؟ الله عزيز ما موقف المؤمن حيال هذا الاسم ؟

قال : المؤمن إذا عرف العزيز لا ينبغي أن يعتقد لمخلوق إجلالاً ، أديب جدا مع الناس ، لكنه لا يمكن أن يعتقد لمخلوق إجلالاً ، أي يجب أن تحقر الأقدار سوى قدره ، وأن تمحو الأذكار سوى ذكره ، قال عليه الصلاة والسلام : " من تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه " .

لماذا ؟ قال : لأن الإيمان ما وقر في القلب وأقر به اللسان وصدقه العمل ، فإذا أجللت غنياً لغناه ، أجللته وانحنيت له وأثنيت عليه بما ليس فيه فقد أذهبت ثلثي دينك ، والإيمان ثلاثة أشياء : الإيمان ما وقر في القلب وأقر به اللسان وصدقه العمل ، فإذا كان العمل الظاهري تعظيم لإنسان لا يعرف الله وعظمته لأنه غني ، فالنتيجة إذاً ذهب ثلثا دينك واذكر

" من تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه " .

لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : " شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناءه عن الناس "

عند المؤمن عزة لو وزعت على أهل بلدة لكفتهم ، يرى أنه عبد لله وأن الله لن يضيعه ولن يسلمه ولن يتخلى عنه .

عندنا قاعدة ثابتة أنه إذا عَظَّمَ القلبُ الربَّ صَغُرَ الخلق في عينه ، فإذا كان الله ليس عظيما في عينه كبر الخلق في عينه . هذا امتحان ، فلان يقولها بملء فمه: يفعل ويترك ، وعنده قدرة على كذا وكذا وكذا . فأنت لا تعرف الله إذاً ، مادمت تُجِله كل هذا الإجلال فإنك لا تعرف الله ، لأن الله عز وجل لو جَمّد قطرة من دمه في أحد شرايين مخه لأصبح مشلولا ، لو أن الله عز وجل جمد بعض الدم في شرايين قلبه لمات بسكتة قلبية وقضى من فوره ، والإنسان كلما ارتقى إيمانه كلما التفت إلى الله قال تعالى :

(سورة يونس )

إذا عرفت أنه المُعِزّ ، أي لو اجتمع الناس جميعا على أن يرفعوك درجة لا يستطيعون ، أما إذا رفعك الله عز وجل درجة أو أكثر لا يستطيع أهل الأرض أن ينزلوك . ومعلوم : إذا عرفت أنه المعز لم تطلب العز إلا بطاعته .

قال بعضهم : لو اجتمع الخلق على أن يثبتوا لأحد عزاً فوق ما يثبته اليسير من طاعته لما قدروا ، لا تُعَزّ إلا بطاعة الله ، أَعِزَّ أمر الله يعزك الله ، قال : لو اجتمع الخلق على أن يثبتوا لأحد ذلاً أكثر من اليسير من المعصية لم يقدروا ، يوجد عامل واحد يرفعك ويخفضك هو الطاعة والمعصية ، كلما أطعته ازددت عزا وكلما هان الله عليك هنت عليه ، ويجب أن تفهموا أن حال المسلمين اليوم : هان الله عليهم فهانوا على الله .

أحيانا يقع الإنسان في خطأ كبير . يظن أن هؤلاء الذين يحسبون في العالم الإسلامي يظنهم مسلمين . والمسلم له صفات ، فإذا أحسن بهم الظن وهم تاركو الصلاة ويكذبون ويأخذون ما ليس لهم عدواناً وقد يفعلون المعاصي كبيرها وصغيرها ، هان الله عليهم فهانوا على الله ، هاتان الكلمتان تلخصان كل ما يجري من أحوال المسلمين ، هان الله عليهم فهانوا على الله .

على مستوى فردي إذا استقمت على أمر الله وإذا اعتمدت عليه وتوكلت عليه ، فالله سبحانه وتعالى يعاملك معاملة خاصة أما إذا عصاه مجموع الأمة فالله سبحانه وتعالى لا بد من أن يؤدبهم لأنه إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني .

رجل ذهب إلى الحج ، كان له شأن كبير رافقه عشرات الخدم والحشم ، فكان هؤلاء الخدم في أثناء الطواف يبعدون الناس عنه تعظيما له ، حج وطاف وسعى وانتهى حجه وعاد إلى بلده ، راوي هذه القصة قال : وبعد حين وعند جسر في بغداد رأيت رجلا يشبه هذا الذي رأيته يطوف لكن رأيته في حالة زريه قميئة يمد يده للناس ، يا ترى هذا فلان هو هو. ليس هو ، دخل الشك في قلبه ، فتقدم منه فقال : مالك تنظر إليّ ، قال : كأنك تشبه فلاناً ، قال : أنا هو ، فقلت له : ما الذي جعلك في هذه الحال ؟ قال : إني تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه ، الطواف حول الكعبة ليس فيه كبر ، أنا فلان أنا علان أنا حجمي المالي كذا لا يوجد كبر في هذا الموقف ، في هذا الموقف أنت عبد لله عز وجل ولو كنت ملكا ، قال تكبرت في موضع يتواضع الناس فيه فوضعني الله في موضع يترفع الناس فيه .

الإنسان كلما أحاط نفسه بهالة من الكبر والاستعلاء هان وحطه الله جزاء وفاقاً ، صفتان لا تقربهما الكبر والظلم ، إن الله سبحانه وتعالى يغفر عشرات الذنوب بسهولة إلا ذنبين يبطش بصاحبهما الكبر والظلم ، اثنان لا تقربهما : الإشراك بالله أي الكبر والإضرار بالناس أي الظلم .

الآن عندنا مشكلة . وهي ليست مشكلة . ولكنْ هكذا سميتها : كيف يقول الله عز وجل :

(سورة فاطر :الآية 10)

أي العزة كلها له . هو العزيز ، ونقرأُ آيةً أخرى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ، يبدو أن هناك تناقضا بين الآيتين . هكذا يبدو، الجواب : إذا ابتغيت العزة بالإقبال على الله والاعتزاز به فأنت عزيز ، لكن حينما قال الله عز وجل : " فلله العزة جميعاً " أي مهما أردت العزة بغير الله فأنت ذليل ، إذا أردت العزة وأن تكون عزيزا عن غير طريق طاعة الله ، عن غير طريق الاستقامة على أمره ، عن غير طريق إعزاز أمر الله ، فأنت ذليل .

سيدنا يوسف : كلكم يعلم أنه كان عبدا في قصر ملك مصر ، كان عبداً وكان يؤمر ، ووضع في السجن ثم أصبح عزيز مصر ، مرة خرج في موكبه فرآه أحد العبيد وكان يعرفه أنه كان عبدا مثله ، ثم أصبح عزيز مصر فقال : سبحان من جعل العبيد ملوكا بطاعته ، وجعل الملوك عبيدا بمعصيته . ولعله يقصد امرأة العزيز التي هانت بعد فعلتها واتهامها ليوسف حتى غدت كالعبيد هوانا

وقد نسمع ونقرأ عن إنسان كان في أعلى درجات العز فلما بنى عزه على معصية الله جعله الله في أسفل السافلين .

إذاً شيء آخر سيدنا يوسف عندما قال :

(سورة يوسف )

جعله الله عزيز مصر .

والله سمعت قصة ، لولا أن صاحبها حي يرزق ، لما استطعت أن أصدقها : شاب حديث السن عنده مكتبة صغيرة في حي من أحياء دمشق وهي قصة قديمة جدا ، فيبدو أن فتاة ساقطة تحرشت به وأغرته فأغلق محله وتبعها ، وكان هذا الشاب لسبب معين قد حج في سن مبكرة ، وقبل سنوات وبينما وهو في طريق متابعته إياها تذكر حجته فقال : لا والله لا أفسد هذه الحجة ، فركب الحافلة وعاد أدراجه إلى البيت . أَيْ خشي الله وأطاعه ، في اليوم التالي جاءه أحد وجهاء الحي من جيرانه فقال له : يا فلان هل أنت متزوج ، فأجابه : لا والله يا سيدي ، قال له : عندي فتاة مناسبة أبعث أهلك ليروها ، فقال : ظننت أن له فتاة فيها علة لأنه هو الذي عرضها ، قال : بعثت بأهلي ليخطبوها فرأوها في أحسن حال فوافقت ، وما هي إلا أشهر حتى جعلني شريكه في عمله التجاري وأغلقت المحل السابق وبعته ، طبعا العم توفي لكن الرجل لا يزال حي يرزق من كبار التجار ، أنت قلت

(سورة يوسف)

قِس على هذا كل شيء ، مبلغ كبير فيه شبهة قل :

(سورة يوسف)

يأتيك أضعاف مضاعفة ، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيرا منه في دينك ودنياك ، أي شيء تدعه في سبيل الله لا بد من أن يعوضك الله خير منه في دينه ودنياه ، أتحب أن تكون عزيزا ؟ أتحب أن تكون مكرما ؟ أتحب أن تكون محترما ؟ أتحب أن تكون مبجَّلا ؟ بالغ في طاعة الله ، كلما أطعته كلما رفعك وكلما خالفت أمره كلما وضعك ، فإذا هان عليك هنت عليه وإذا عظَّمت شعائره عظَّمك .

فالذي ذهب إلى المدينة وزار قبر النبي عليه الصلاة والسلام يعلم ماذا أعني بهذا الكلام ، ما من مخلوق على وجه الأرض أعزه الله عز وجل كرسول الله ، لو أن إنساناً في حرم النبي عليه الصلاة والسلام ودخل الملك لا يراه ملكا ، في الحرم النبوي لو دخل الملوك مجتمعين لا ترى أنهم ملوك في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام ، كان إذا دخل عليه العبد وأصابته رعدة يقول :

" هون عليك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ".

أناس يأتونه من أطراف الدنيا فإذا اقتربوا من مقامه يبكون وقد مضى على وفاته ألف وأربعمائة عام ، ما هذا السر ؟ هل في الأرض كلها مخلوق أعزه الله كرسول الله ، خذ صحابته سيدنا الصديق ماذا كان يفعل ؟ له جيران فقراء وكان يحلب لهم الشياة ، فلما صار خليفة للمسلمين حزن أهلُ هذا البيت لأن منصبه الرفيع يمنعه أن يحلب لهم الشياة ، في اليوم الذي تلا تسلمه منصب الخلافة طرق الباب ، قالت الأم لابنتها : يا بنيتي افتحي الباب ، قالت : يا أمي إن بالباب حالب الشاة جاء اليوم أيضا جاء ليحلب الشاة ، ما هذا التواضع ؟ وما من صحابي أعزه الله وذكر اسمه في القرآن كسيدنا الصديق .

ملخص الدرس ، قانون ، علاقة طردية . كلما زدته طاعة وتعظيما زادك عزا ، وكلما تساهلت بأمره قلت : لا تدقق ، إن الله غفور رحيم ، الدين يسر ، أنت مشددها كثيرا ، افعل ما تشاء ، كلما تساهلت في طاعته خفضك الله عز وجل وصرت لا شأن لك .

أي هؤلاء الذين علموا الناس ، الأئمة الكبار كالإمام الشافعي وأبو حنيفة والصحابة الكرام اسم كل واحد منهم على كل لسان ، بذكرهم تتعطر المجالس عظموا الله فخلّد ذكراهم .

سيدنا موسى في أوج عزه وفرعون يهون و يغرق . يقول الله عز وجل :

(سورة يونس )

وصدق الله العظيم .

(سورة الحج)

سيدنا إبراهيم أرادوا به كيدا فقلنا :

(سورة الأنبياء )

هذا هو العز . عِزُ الله لإبراهيم وموسى ويوسف كما علمت .

النبي عليه الصلاة والسلام ، ما من مخلوق أعزه الله كرسول الله ، وسيدنا الصديق ، وسيدنا عمر قال : كنتُ عميراً فأصبحتُ عمر فأصبحت أمير المؤمنين ، كان وقّافا عند كتاب الله فرفعه الله سبحانه .

وكذلك سيدنا عثمان ، سيدنا علي ، وبالمقابل أبو جهل ما نهايته ؟ ما سُمْعَته ؟ ما قيمته ؟ أبو لهب ، هؤلاء صناديد الكفار أين هم ؟ أما عكرمة ابن أبي جهل حينما تاب إلى الله تاب الله عليه فأصبح سيدنا عكرمة مع أنه له جاهلية وله موقفه المعادي لرسول الله .

لا أريد أن أطيل عليكم ، فما من مخلوق على وجه الأرض إلا ويحب وجوده ويحب سلامة وجوده ويحب كمال وجوده ويحب استمرار وجوده ، وجزء كبير جدا من وجودك أن تكون مكرما أن تكون عزيزاً ، أن تكون مرهوبا ، أن تكون سليما من كل هُون ، وما من شيء يسبب لك الهوان كالمعصية أبدا .

فالعفيف عزيز ، وحينما يطمع الإنسان بأعراض الناس ينظر إلى نسائهم نظرات ريبة يصبح ذليلاً ، الإيمان عفة عن المطامع عفة عن المحارم .

الإيمان عفة ، عفة عما في أيدي الناس وعفة عن أعراضهم ، لهذا غض البصر من لوازم المؤمن ، المؤمن محصن من أن يتبع شهوته ، وكلما غض بصره زاده الله عزا وكلما غض بصره زاده سعادة بأهله ، خلق من خلق الله ؛ يخلق سعادة بين الزوجين المؤمِنَيْن لا يمكن أن تكون إلا بطاعة الله ، يعيشان حياة ثرة غنية موفقة لأنها أطاعت ربها فيه وأطاع ربه فيها .

فمطلب العزة مطلب عام ، ما من مخلوق إلا ويتمنى أن يكون عزيزا ، والعزة ثمنها الطاعة وهذا الكلام موجه إلى الشباب ، اصبر على الحرام يأتك الحلال ، لا تفكر ولا تسمح لخاطرك أن تَرد عليه معصية وسوف توفق في عملك توفق في زواجك ، سوف يجعل الله لك مخرجا ، سوف ترزق من حيث لا تحتسب ، سوف يرفع الله لك شأنك .

بعض الناس يموت فيسير في جنازته شخص أو شخصين هواناً لشأنه لمعصيته ، و يموت عالِمٌ فيسير في جنازته مليون ، أعزه الله ، لماذا أعزه ؟ لأنه أَعِزَّ أمر الله ، أعز أمر الله يُعزَّك الله .

هذه حقائق ثابتة أيها الأخوة ، فكل من يبتغي العزة بغير الله أدركه الهوان ، فلو أن الإنسان اتخذ الله ولياً لأنجح وأفلح :

(سورة هود)

إذا ركنت لإنسان منحرف ، رأيته قويا ، رأيت عنده الدنيا ، رأيت أنك إذا أَطعته جاءك خير كثير ، إذا ركنت إليه إذا نسيت الله عز وجل لن يأتيك الذل إلا من طرفه ، لن يأتيك الضيم إلا منه تأديبا لك :

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت

فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

أحيانا يعتز الإنسان بقريب له ، له شأنه يُفاجأ أن هذا القريب يتخلى عنه ، يدخل عليه فيتجاهله ، يعرض له قضية فيقول : لا أستطيع ، أنا لا أخالف القوانين أبدا ، هذا جزاء الذي ركن إليه . " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير " .

(سورة فاطر)

وبعد فالقصص التي يمكن أن تروى في موضوع العزة والذلة أكثر من أن تحصى ، وما من واحد منكم إلا من خلال معارفه وأقربائه ومحيطه وبيئته يعرف آلاف القصص ، هذا الشاب الذي استقام على أمر الله رفعه الله في الدنيا قبل الآخرة :

(سورة الرحمن )

قال معظم المفسرين : " جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، والدنيا قبل الآخرة .

(سورة الطور:الآية 48)

آخر حديث : " من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى" . أي شيء أردت أن تناله من خلال معصية يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الشيء بعُد عنك ، وأي شيء إذا أردت أن تناله عن طريق الطاعة فاعلم علم اليقين أنه اقترب منك " من ابتغى أمرا بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى " ، أي بالتجارة لا تكذب تربح وتربح وأنت صادق ، إذا كنت محاميا لا تكذب يأتيك دخل وفير وأنت صادق وأنت مخلص . هذا الذي يعصي الله لينال الدنيا جاهل لا يعرف الله عز وجل

(سورة الأحزاب)

الله عز وجل مما وعد به المؤمن أن يحفظه ، مما وعد به المؤمن أن يدافع عنه ، مما وعد به المؤمن أن يرزقه ، مما وعد به المؤمن أن يعزه والدليل " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون "

انظر لو قال الله : العزة للمؤمنين لكان من الممكن أن يُفهم ولغير المؤمنين قد تكون عزة أما عندما قال : لله العزة ، وجاء الاسم المجرور مقدماً على العزة فأفاد القصر والحصر ، العزة وحدها إذاً لله فإذا أردتها فكن مع الله

كن مع الله ترى الله معك واترك الكل وحاذر طمعـك

وإذا أعطاك من يمنعــــــه ثم من يعطي إذا ما منعــك

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــا فإنا منحنا بالرضى من أحبنـا

ولذ بحمانا واحتمي بجنابنـــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـا

والحمد لله رب العالمين

في معنى اسم الله تعالى"المهيمن"

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الأخوة المؤمنون :

مع الدرس الخامس من دروس أسماء الله الحسنى الاسم المقرر اسم المهيمن .

يا أيها الأخوة الأكارم:

من منهج تدريس أسماء الله الحسنى نقاط ثلاثة :

النقطة الأولى : الحديث عن تعريف هذا الاسم .

النقطة الثانية : تطبيقاته العملية .

النقطة الثالثة : علاقة المؤمن به .

فمن معاني المهيمن الرقيب الشهيد الذي يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين ، يعلم ما تخفي الصدور ، يعلم ما ظهر وما بطن ، يعلم ما تعلن وما تسر ، يرى الأشياء ويرى ما خلف الأشياء ، يرى الظاهر ويرى الباطن .

ومن لوازم اسم المهيمن القدرة التامة على تحقيق مصالح ذلك الشيء علماً وقدرةً ، في بني البشر من يعلم ولكنه لا يقدر ، وفي بني البشر من يقدر ولكنه لا يعلم ، ومن لوازم اسم المهيمن صفة ثالثة المواظبة والاستمرار، قد تعلم ولا تقدر حيث يقول العوام : " العين بصيرة واليد قصيرة "، وقد تقدر ولا تعلم . فالإنسان القوي والذي يتمتع بأعلى درجات القوة ولكنه لا يعلم موجود ، وقد تعلم وتقدر وهذا النوع في بني البشر نادر الوجود أن تعلم وأن تقدر ولكن لا تضمن المستقبل. قد تكون على علم بما يجري تحت يديك على علم بما يجري حولك وأنت واثق بأن يدك تطول كل هذا الذي تحت سلطانك ولكن لا تدري ماذا يكون في المستقبل، أما إذا قلنا المهيمن اسم من أسماء الله الحسنى فمن لوازم المهيمن أنه يعلم ، ولا نهاية لعلمه لاشيء يخفى عليه ، فلو أن طبيباً فحص مريضة تشكو له من بعض أعضائها ، و استرق النظر إلى عضو آخر فهذه خيانة وليس في الأرض كلها من يعلم هذه الخيانة إلا الله ، يعلم خائنة الأعين ، أي يعلم السر ، علم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، يعلم السر وما يخفى عنك ، يعلم الجهر وما تعلنه ، يعلم السر وما تخفيه عن الناس ، يعلم ما هو أخفى من السر ما يخفى عنك ، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم في خواطركم في صراعاتكم في نواياكم في طموحاتكم في حركاتكم في سكناتكم في سركم في جهركم في بواطنكم في علانيتكم يعلم كل شيء ، بالمناسبة لن يستطيع الإنسان أن يهيمن إن لم يعلم بتلك المعلومات والملابسات المحيطة بموضوعه قبل كل شيء ، لا يستطيع إنسان أن يهيمن على شيء ما مهما كان ضيقاً إن لم يعلم بكل ذلك يقولون : تقصَّ الحقائق ، يقولون : بِثَّ العيون ، كيف تملك القرار إن لم تملك الحقيقة ؟ المهيمن يعلم .

ولكن ما نفع العلم إذا كنت لا تقدر ها أنت تعلم ولا تقدر ، المهيمن يعلم وقادر على كل شيء لا يعجزه شيء ولا نهاية لتعلقات قدرته ، كل الممكنات أي كل ما سوى الله من ضمن قدرته ، ولكن قد تملك قد تعلم وقد تملك ولكن لا تعلم ما سيكون في الغد ، قال تعالى :

(سورة النور: الآية 44)

وقال تعالى :

(سورة آل عمران :الآية 140)

من لوازم المهيمن طبعاً أسوق لكم هذه الفكرة لتأكيد المعنى ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سافر يقول :

"اللهم أنت الرفيق في السفر والخليفة في الأهل والمال والولد ".

هل تعتقدون أن هذه الصفة يمكن أن تكون في إنسان ما ، وأن يكون معك في السفر وفي الوقت نفسه أن يكون خليفتك في بيتك وأهلك وأولادك ، مستحيل إما أنه معك وإما أنه في بيتك ، لذلك قالوا هاتان الصفتان لا تجتمعان إلا لله عزوجل ، هو معك بالحفظ والرعاية والتوفيق والتسديد والنصر والتأييد وهو في البيت مع أولادك معية علم وقدرة ورعاية في غيبتك يحفظهم من كل مكروه يحفظهم من كل حادث ، هو معك وهو خليفتك في البيت .

أقول لكم من النادر أن يجتمع لإنسان العلم والقدرة ، لذلك في المجتمعات البشرية أفراد تفوقوا في العلم ولكن يدهم قصيرة ، وأفراد تفوقوا في القدرة ولكن علمهم محدود ، لكن لو أنه ، فرضاً ، اجتمع لإنسان وهذا شيء نادر جداً كمال العلم مع كمال القدرة ولا بالخمسين مليون قد يوجد إنسان فيه كمال العلم مع كمال القدرة لكن ينقصه رؤية المستقبل ، قد يأتي من هو أقوى منه فينتزع ما بيده ، قد يأتي من هو أذكى منه ، قد يأتي من هو أخبث منه فيأخذ ما بين يديه .

إذاً قد يجتمع العلم والقدرة ولا تملك المستقبل ولكن إذا قلت الله مهيمن معنى ذلك أنه يملك العلم الكامل :

( سورة الحجرات : الآية 16 )

والقدرة الكاملة لا نهاية لتعلقات علمه ولا نهاية لتعلقات قدرته وليس في الكون جهة أخرى تشاركه في الحكم قوله :

(سورة الكهف : الآية 26)

لو كان في الكون آلهة غير الله لفسدتا ، إذاً لذهب كل إله بما خلق ولَعَلا بعضهم على بعض ، لا يوجد جهة أخرى تنافس أو تسيطر أو تقاوم أو تنازع أو تفسد ، لذلك إذا اتكلت على المهيمن فهو الذي يعلم كل شيء وقادر على كل شيء وليس كمثله شيء .

ومن باب الموازنة : فالإنسان قد يملك ولا ينتفع ، قد يملك يبتاً ثمنه أربعون مليون ليرة لكنه مؤجر قبل عام السبعين مثلاً يملكه ولا ينتفع به ، وقد ينتفع ببيت لا يملكه ، وقد ينتفع به ويملكه فجأة صدر قرار استملاك مصيره ليس بيده ، أما إذا قلنا :

(سورة آل عمران )

فالكون كلهُ مْلكُهُ مِلكا وتصرفاً ومصيراً .

أيها الأخوة الأكارم ، جزء أساسي جداً من إيمانك بالله أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى ، وقد يسأل سائل عن هذا الحديث المتواتر هل هو حديث صحيح قاله النبي ؟ :

" إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ".

نعم إنه صحيح ومتواتر ، إياك أن تفهم كلمة أحصاها أنه عدَّها ، إياك أن تفهم كلمة أحصاها أنه قرأها أو حفظها أو عدها لا، أحصاها فهمها ونال نصيبه منها ، إن لاحظتم في دروس سابقة كل اسم من أسماء الله الحسنى أنت كمؤمن لك منه نصيب فإن لم يكن لك نصيب من هذا الاسم فكأنك ما أحصيت هذه الأسماء لأن النبي علي الصلاة والسلام روي عنه قوله :

" تخلقوا بأخلاق الله ".

فالمهيمن علم لا نهاية له وقدرة تامة ومواظبة واستمرار هذا معنى المهيمن، ولكن هناك أربعة معانٍ فرعية تضفي على هذا المعنى شيئاً نفيساً جداً :

المعنى الأول : إذا كان الله هو المهيمن ففي معاني هيمنته الحب والشفقة ، أحياناً تقف الأم حول سرير ابنها المريض وهي تلاحظ حركاته وسكناته ، هذه الوقفة الحانية المشفقة وقفة علم وقفة سيطرة ولكن بدافع نبيل بدافع الشفقة والعطف والحنان ، فإذا قلنا فلان مهيمن بدافع الحقد وبدافع العنجهية والغطرسة والقوة والانتفاع والمناجزة وما إلى ذلك ، فهذا استبداد وبطش إن وصف الإنسان بأنه مهيمن لها معنى أما إن وصف الله عزوجل بأنه مهيمن فمن معاني هيمنة الله عزوجل حبه وعطفه على عباده ، النبي عليه الصلاة والسلام رأى امرأة تقبل ابنها فقال عليه الصلاة والسلام :

" أتلقي هذه المرأة بولدها إلى النار ؟ قالوا : معاذ الله ، النار حق وإحراقها حق ولهيبها حق ، ولكن هذا شيء متعلق بذات الله عزوجل ، قال : والذي نفس محمد بيده لله أرحم بعبده من هذه بولدها " .

فهيمنة الله عز وجل هيمنة عطف وحب وشفقة ورحمة وحرص على سعادتك وعلى آخرتك وعلى مستقبلك ، هذا المعنى الفرعي الأول علم وقدرة واستمرار ، أما المعاني الفرعية للهيمنة : الحب والشفقة .

فلان مهيمن على هذا المستودع أي أمين عليه لا يدع حاجة تخرج منه بلا علم وبلا تسجيل وبلا مراقبة وبلا محاسبة ، هيمنة الأمانة . ولندع المعنى الأول هيمنة الشفقة كالأم على ابنها .

والمعنى الثاني : هيمنة الأمانة ، لذلك من معاني المهيمن الحافظ :

(سورة يوسف : الآية 64 )

ومعنى مهيمن أنك إذا كنت مع الله عزوجل واعتقدت بوجوده وأردت أن تحاور إنساناً فأنت المنتصر ، الحوادث كلها تأتي مصدقة لك ، كل إنسان يطرح نظرية أو يطرح فرضية أو يطرح مذهباً أو يطرح فكرة أو يطرح تفسيراً أو يطرح تحليلاً أو يطرح عقيدةً ، الوقائع تثبت العقيدة التي جاء بها القرآن ، فإذا كنت أنت مع القرآن فأنت المهيمن وأنت المنتصر .

أن تقول مثلاً :

(سورة البقرة)

يمحق الله الربا ، هذه آية كريمة وهذه عقيدتك ، فالمرابي يقول لك العكس : أيعقل أن أجمد المال من دون أن أضعه في مصرف لأتقاضى عليه فائدة مجزية أعيش بها ، أنت كمؤمن تطرح أن الله عزوجل يمحق الربا وهذا المُعرض الكافر يطرح نظرية أخرى وهي أن الإنسان لا بد من أن يستثمر ماله ، الأيام تدور والوقائع تتجدد فإذا بهذا المرابي يمحق ماله ، من الذي هيمن في هذا الموضوع ؟ أنت، أنت اعتقدت أن المرابي يمحق ماله ، الأيام أكدت هذه الحقيقة فأنت المهيمن ، أنت تعتقد أن الإنسان إذا غض بصره عن محارم الله أورثه الله حلاوة في قلبه وانعكس هذا في حياته الزوجية ، يقول لك آخر : لا هذه العين يجب أن تستمتع ، فهذا الجمال لمن خلق ؟ لنا ، فلا بد من إطلاق البصر وأن تملأ العين من هذه المناظر الحسنة الجميلة ، تقول له : لا هذا أمر إلهي وهذه آية قرآنية ، تدور الأيام فإذا بهذا الذي يمضي نهاره كله في الطرقات يملأ عينيه من الحرام قد أصيب بمرض ارتخاء الجفون ، من الذي هيمن في هذا الموضوع ؟ أنت ، أنت الذي هيمنت جاءت الوقائع تؤكد ما تعتقد من أن هذا أمر إلهي ، أنت إذا اخترت فتاة لم تخترها إلا لدينها وعفافها وشرفها وصلاحها وأسرتها الصالحة وآثرت دينها على الجمال وعلى المال وعلى الحسب وعلى النسب وعلى الوجاهة في الدنيا ، أنت انطلقت من أن هذا العمل هو طاعة لله عزوجل قال سبحانه :

(سورة البقرة : الآية 221)

هو انطلق من شهوته وقال : الزوجة يجب أن تكون مِلْءَ العين جمالاً وفتنة كما أحب كما أشتهي ولا قيمة لقلة دينها ، تدور الأيام هذا الذي اختار المرأة الصالحة لصلاحها ودينها ترى حياته الزوجية مستقرة وسعيدة ومفعمة بالمودة والمحبة ، تتنامى سعادته ويبارك الله له في هذه الزوجة ويأتيه الأولاد ، أما الذي آثر الجمال على الدين حياته قطعة من جحيم من الذي هيمن في الموضوع ؟ المؤمن ، لذلك ربنا عز وجل يقول:

(سورة القصص )

إذن هذه صحيحة من معاني المهيمن أن هيمنة الله عزوجل هيمنة حب وشفقة وأن هيمنة الله عزوجل هيمنة حفظ وأمانة .

ومن معاني هيمنة الله عزوجل أن الله عزوجل يصدقك بأفعاله ، أي شيء تعتقده ورد في القرآن الكريم . ومن معاني أن الله مهيمن أنك أنت المنتصر ، وكلامك هو الصواب ، واعتقادك هو الصحيح ، والأفعال تأتي مصدقة لك ، هذا معنى المهيمن كاسم من أسماء الله الحسنى ، إذاً الهيمنة العلم الكامل ، العلم التام والقدرة التامة والاستمرار والمواظبة ، هذه المعاني الأساسية ، أما المعاني الفرعية هيمنة حب لا هيمنة غطرسة وعنجهية وسيطرة كما يكون الإنسان ، وهيمنة محافظة على المهيمَن عليه ، أمين مستودع لا تأخذه في الله لومة لائم ، وهيمنة تصديق لكل ما جاء به القرآن ، هذا الجانب النظري من معنى المهيمن ، علم وقدرة واستمرار ، شفقة وحفظ وتصديق .

والآن بعض الأمثلة : هناك وقائع وشواهد وحقائق تعمق مفهوم هذا الاسم ومدلولاته . سيدنا موسى حينما قال الله له ولأخيه هارون :

[سورة طه ]

فرعون وما أدراكم ما فرعون الذي ذبح أبناء بني إسرائيل واستحيا نساءهم من يجرؤ على أن يخاطبه ، وعلى أن يبين حقيقة دعواه الزائفة في أنه إله ، من يجرؤ ؟

[سورة طه]

إنني معكما أسمع وأرى وفرعون بيدي ، إذاً إذا آمنت أن الله هو المهيمن تستسلم يرتاح قلبك ، تطمئن نفسك ، يستقر فؤادك ، ترتاح أعصابك ، الأمر بيد الله بعلمه وبقدرته ، كل الخلق بيده ويعلم السر وأخفى .

سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما كان عند يهود خيبر وائتمروا أن يلقوا عليه حجرا فيقتلوه ويرتاحوا منه بزعمهم ، من الذي أخبره أن يتحول عن هذا المكان ؟ الله عز وجل هم اتفقوا في غرفة محكمة الإغلاق ، اتفقوا على ذلك والله عز وجل أخبره ، معنى مهيمن هنا أنه علم ما يقولون .

عمير ابن وهب خرج مع صفوان ابن أمية وقال له عمير : أتمنى لو أذهب إلى المدينة فأقتل محمدا وأريحكم منه ، لولا ديون ركبتني ولولا أولاد أخشى عليهم العنت ، فقال له صفوان فورا : أما الديون التي عليك فهي عليَّ بلغت ما بلغت وأما أولادك فهم أولادي فامض لما أردت ، سقى سيفه سُمّاً ووضعه على عاتقه وامتطى راحلته وتوجه إلى المدينة ، لقيه عمر ابن الخطاب فقال : هذا عدو الله عمير ، قيده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال : يا رسول الله هذا عدو الله عمير جاء يريد شرا ، الله مهيمن، قال : يا عمر أطلقه فأطلقه، فقال له النبي : ادنُ مني يا عمير دنا منه ، قال له : سلم علينا ، قال : عمت صباحا يا محمد ، قال له: قل السلام عليكم ، قال : لست بعيد عهد بالجاهلية هذا سلامنا ، قال له : ما الذي جاء بك إلينا ، قال : جئت لأفك أخي من الأسر ، فقال : وهذا السيف الذي على عاتقك ، قال : قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر، فقال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني وأولاد أخشى عليهم العنت لذهبت وقتلت محمدا وأرحتكم منه ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، الله عز وجل مهيمن هذه المؤامرة التي أحيطت بكل أجواء الحذر والحيطة أبلغها الله عز وجل للنبي عليه الصلاة والسلام .

هذه المرأة التي جاءت تشكو النبي عليه الصلاة والسلام وتقول : يا رسول الله إن فلان تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال فلما نثرت له ما في بطني وتفرَقتْ أهلي عني وذهب مالي وكبرت سني قال : أنت علي كظهر أمي ، ولي منه أولاد إن تركتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليَّ جاعوا ، فبكى عليه الصلاة والسلام رقة لها وعطفا وشفقة ورحمة وقال: ما أظنك إلا قد بِنْتِ منه ، هذا طلاق فقال الله عز وجل :

(سورة المجادلة )

فكان عمر ابن الخطاب عملاق الإسلام كلما مر بهذه المرأة كان ينزل عن دابته إجلالا لها ويقف أمامها بأدب ويستمع لها ، فقال له أحدهم : أنت أمير المؤمنين وتستمع لهذه المرأة ؟ قال : كيف لا أستمع لها وقد استمع الله لها من فوق سبع سموات ، معنى هذا أن الله مهيمن ويسمع كل شيء .

سيدنا موسى قال : أنا رسول الله ، قالها فرعون ، وكلمة فرعون تعني في وقته أعظم إنسان وأعظم دولة دولته ، وأعظم حضارة حضارته وقال أنا ربكم الأعلى وجمع السحرة كلهم ووعدهم بالعطايا وبالمناصب من أجل أن يقهروا سحر موسى كما يَدّعون قال تعالى :

(سورة طه )

من انتصر ؟ سيدنا موسى ، الله مهيمن على كل شيء .

هذه كلها شواهد قرآنية على اسم المهيمن ، علم وقدرة واستمرار ، هيمنة شفقة وهيمنة حفاظ وهيمنة تصديق .

سيدنا إبراهيم جاءه جبريل وقد أوقدوا ناراً عظيمة ، جمعوا حطباً أياماً و أسابيع أوقدوها وأركبوه بأرجوحة كي يسقط في وسطها ، هم مسيطرون مهيمنون ، بيدهم كل شيء ألسنتهم تردد مَنْ أشدُّ منّا قوة ، "أولم يعلموا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة "، جاءه جبريل فقال : يا إبراهيم هل لك من حاجة ؟ قال : منك لا ، قال جبريل من الله ، قال : علمه بحالي يغني عن سؤالي . ثلاث كلمات ، قلنا :

يا نار - الله مهيمن - كوني بردا ، بردا كان مات من البرد ووجدوه مجمدا ، قال: وسلاما وقال : على إبراهيم ، لو لم يقل على إبراهيم لعدم وجود النار في الأرض فتصبح النار لا تحرق إلى يوم القيامة ، ثلاثة كلمات

(سورة الأنبياء)

من المهيمن ؟ الله عز وجل .

ألم يقل : علمه بحالي يغني عن سؤالي .

أُمُّ موسى ، أعطني أُماً تستطيع أن تضع ابنها فلذة كبدها في صندوق وتلقيه في اليمّ ، الله عز وجل أمرها بأمرين ونهاها عن نهيين وبشرها بشارتين :

(سورة الأنبياء )

أرضعيه وألقيه في اليم . هذان أمران ، " ولا تخافي ولا تحزني " وهذان نهيان ، البشارتان : إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ، فهذا الصندوق من سَيَّرَهُ إلى شط فرعون ؟ يعلم ويسيطر ، وحينما فتح الصندوق من ألقى حبه في قلب امرأة فرعون ؟ الله عز وجل ، إذاً الله مهيمن .

هذه القصص كلها تؤكد أسماء الله الحسنى ، سيدنا يونس لا أعتقد مهما ضاقت بكم الأمور في الدنيا ، لا أعتقد أن هناك مصيبة على وجه الأرض ، تفوق أن تكون في ظلمة بطن الحوت مع ظلمة البحر مع ظلمة الليل ، في ظلمة بطن الحوت ، فإذا فتح الحوت فمه جمع أربعة أطنان من السمك كوجبة عشاء معتدلة ورضعته ثلاثمائة كيلو غرام من الحليب فتكون ثلاث رضعات ألف كيلو غرام ، كل يوم يحتاج إلى طن حليب ، والحوت تقريبا وزنه مائة وخمسون طناً ، فجوفه غرفة، فسيدنا يونس نبي عظيم . فجأة يجد نفسه في ظلمة بطن الحوت وفي ظلمة الليل وفي ظلمة البحر

(سورة الأنبياء )

يا ترى هل في بطن الحوت جهاز فاكس أو جهاز تلكس أو هاتف أو إشارة أو كبل ماذا يوجد ؟ لا يوجد شيء ، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين :

(سورة الأنبياء )

ألا ترتاح نفسك إلى هذه القصة ؛ التي ختمت ببشارةٍ لكل مؤمن : "وكذلك ننجي المؤمنين " ففي أي عصر وأي زمان وفي أي مصر وفي أي ظرف مهما كان شديدا ، الله مهيمن، أنت كن مع المهيمن وارتح مطمئناً إلى سلامة المصير .

انظر إلى الطفل الصغير وهو في حضن أمه لا يتكلم بشيءٍ إِطلاقا ، الأب يتمزق لتأمين المازوت ولتأمين الأدوات المدرسية والابن مرتاح يريد المجموعة الفلانية والفلانية والفلانية يعطي الطلبات وهو مرتاح ، والأب يتمزق لتأمين هذه الأغراض فإذا كان الشخص مع المهيمن فهو على كل شيء قدير .

سيدنا زكريا لم يتكلم ، على موضوع المهيمن قال :

(سورة مريم )

جرب ابقَ صامتاً واطلب من الله طلباً بصدق وبإخلاص والطلب معقول من خيري الدنيا والآخرة ، واجهد أن تبقى صامتا من دون أي كلمة بداخلك ، تجد أن الله استجاب لك معنى هذا أنه سمعك وعلم سرك القضية لا تحتاج لرفع الصوت

(سورة مريم )

نداؤه الخفي اخترق السَّبعَ الطباق فاستجاب الله لسيدنا زكريا لأن الله مهيمن .

في غزوة حنين ، أصحاب النبي الذين خاضوا معه بدرا وأحدا والخندق و...... أصحاب رسول الله وهم ساكتون لم يتكلموا إِطلاقا ويوم حنين :

(سورة التوبة:الآية 25 )

لن نغلب اليوم من قلة عشرة آلاف صحابي ومعهم رسول الله بعد أن فتحوا مكة ودانت لهم الجزيرة من طرفها إلى طرفها الآخر ومع ذلك :

(سورة التوبة )

الله المهيمن ، علم إعجابكم بأنفسكم فألقى في قلوبكم الخوف وقلوبكم في يدي الله . إمّا أن يملأها خوفا وإما أن يملأها طمأنينة ، القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ، الله مهيمن .

الأمر كله بيد الله ، سيدنا رسول الله بغار حراء و سيدنا الصديق إلى جانبه قال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، فقال : يا أبا بكر ما رأيك باثنين الله ثالثهما ، وفي المرة الثانية أصعب فقال له : لقد رأوني أي لقد وقعت عين أحد المطاردين على عين أبي بكر عين بعين فقال : لقد رأوني ، قال : يا أبا بكر ألم تقرأ قوله تعالى :

(سورة الأعراف )

الله مهيمن ، دعوة إسلامية عظيمة حفظها الله بخيوط العنكبوت ، وهذا من عظمة قدرة الله عز وجل أنه يحفظ أعظم شيء بأتفه سبب ، الله مهيمن ، وأحيانا يهلك إنسان بأتفه سبب ، يحفظه بأتفه سبب ، ليظهر لك كمال قدرته عز وجل .

في غزوة الأحزاب ، الجزيرة العربية كلها اجتمعت على حرب محمد عليه الصلاة والسلام واليهود خانوا عهده معه وانكشف ظهره وبقي للإسلام ساعات ، بقي الإسلام قضية زمن إلى أن قال أحدهم: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، الله عز وجل أرسل رياحاً عاتية أطفأت نارهم واقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وكفى الله المؤمنين القتال ، الله مهيمن ، كل شيء بيده ، الرياح بيده وصدق الله العظيم :

(سورة المدثر)

منخفض جوي يمنع الرؤية ... بيده ، رياح عاتية يعطل حركة الآليات ... بيده ، القلوب ... بيده ، يلقي فيها الخوف أو عدم الخوف .... بيده ، كل شيء ... بيده ، باخرة من أضخم البواخر في العالم بنيت عام ألف وتسعمائة واثنتي عشرة ، وقد بنيت طبقتين فلو ثقبت طبقة فالجدار الآخر يمنع غرقها ، بنيت بلا زوارق نجاة ثقة بأنها لن تغرق ، طبعت نشرة وكُتب في هذه النشرة : إن القدر لا يستطيع إغراق هذه الباخرة ، من أفخر البواخر في العالم . قيل : فيها من الأثاث ومن الثريات ومن الفضيات ما لا سبيل إلى وصفه ، المطاعم والصالات والأبهاء والغرف والمسابح .... أي هي مدينة عائمة ، وفي أول رحلة من رحلاتها ركب فيها أغنى أثرياء أوربا ، ويقال بأن حلي النساء تقدر بمئات الملايين ، وفي عرض البحر ارتطمت بجبل ثلجي فشقها شطرين، وأرسلت إشارات الاستغاثة فظن كل من حولها من البواخر أن هذه الإشارات تعبير عن احتفالات تدشين السفينة وغرق جميع ركابها ، وقبل سنة كما أذكر قرأت بحثا في مجلة العربي عثروا على مكانها ورأيت صورا لها في قاع البحر هذه الباخرة التيتانيك ، قال وقتها أحد القساوسة : هذا درس السماء إلى الأرض.

قبل سنوات ، دولة متقدمة جداً ممن يقول أهلها : مَنْ أشدُّ منّا قوة ، صنعوا مركبة فضائية من المقرر أن تبقى في الفضاء سنة تقريبا ، سبعة روّاد فضاء مع امرأة ، والخطة أن تحمل هذه المرأة في الفضاء من أحد الرواد وأن تبقى في الفضاء تسعة أشهر وأن تلد في الفضاء ومعهم مُوَلِّد في المركبة ليكون أول مولود يولد في الفضاء ، وسَمَّوا هذه المركبة تشالنجر أي المتحدي ، بعد سبعين ثانية من إطلاقها أصبحت كرة من اللهب . منْ المهيمن ؟ ألم يقوموا بالعد التنازلي ، ألم يضبطوا الأجهزة جهازاً جهازاً ، أين المهيمن ؟ الله سبحانه وتعالى ، كن مع المهيمن وارتح بالاً .

صديق لي حدثني أنه زار بستان في أحد أطراف دمشق والبستان مؤلف من قطعتين لأخوين شقيقين ، وكان قمح الأخ الأول نامياً نمواً عجيباً ، وقمح الآخر نموه ضئيل جدا ، وهذا الصديق يعرف الله عز وجل فجاء للأول واستحلفه لماذا بستانك هكذا ؟ قال: والله أعتني به كما يعتني أخي ببستانه ، بل إن الذي يقوم على البستانين مُرابع واحد ، ما السر؟ قال : لي أخ آخر متوفى وله أولاد أيتام ونويت في قلبي أن أعطي أولاد أخي الأيتام نصف غلة هذا البستان ، والثاني على عكس الأول ، هذه القصة تؤكد أن الله علم نية هذا البستاني فضاعف له غلته وعلم نية هذا فأنقصها هذا الآخر معنى المهيمن يعلم ويفعل .

وكذلك صديق آخر حدثني عن مجموعة مزارع في أطراف دمشق وهنالك بعض الرعاة الذين عندهم قطعان غنم يأتون لهذه المزارع لتشرب الغنم ، فيطردون هذا الراعي مع غنمه ، من هذه المزارع مزرعة واحدة تستقبل أيَّ راع وتسقي الغنم بنفس طيبة ، أقسم لي رجل في هذه المنطقة أن سبعة مزارع جفت آبارها إلا هذا البئر حصرا والعائد لهذه المزرعة، ولم يكتفِ بأنه سمح للرعاة بل بنى أحواضاً كي ترتاح الغنم في أثناء شربها ، لقد اشترى أحواضاً إكراماً لمن ؟ الله مهيمن : النبع بيده وتشالنجر بيده وتيتانيك بيده والسحاب بيده والبواخر بيده والحوت بيده ، كل شيء بيده ، فأحيانا الإنسان يكون في مكان فاقداً حريته وهو في مكان ناءٍ يخرج فيه ثعبان ، وهذا الإنسان مؤمن على الأعم الأغلب تجد الثعبان واقفاً ولا يتحرك ولا ينقض عليه ، أحياناً تجد كلباً عقوراً بقي بلا طعام أياماً عديدة فإذا واجه إنساناً تقياً يقف مكبَّلا مَنْ المهيمن ؟ الله عز وجل .

الله عز وجل يقول :

(سورة الزمر )

يقول لك سيطرة ، الله هو المسيطر ، كلُّ شيء خلقه اللهُ مُسيطِرٌ عليه ، ولم يخلق شيئاً وتركه هملاً ، لذلك :

(سورة الزمر )

أحيانا الحريق ، ينشب حريق في بعض أسواق دمشق ويأكل الأخضر واليابس في معظم الحوانيت إلا حانوتاً واحداً ، تلتف النار حوله ولا تحرقه ..... بيده النار .

قبل خمسين عاماً في هذه البلدة جاء جراد أكل الأخضر واليابس ، يقول لي رجل توفي رحمه الله كان مكلفاً بضبط هذا الأمر ومراقبة أصحاب البساتين في جمع الجراد قال : رأينا الأشجار بلا قشر، الجراد أكل أوراقها وثمارها وقشرها الخارجي ، ولكننا فوجئنا ببستان كأنه روضة من رياض الجنان ، دخلنا عليه وطلبنا صاحبه ، قلنا ما هذه؟ فقال : أنا أستعمل دواء ، فامتلأنا غضباً وغيظا منه ، معك دواء وتمنعه عن المسلمين ، قال : يا سيدي هذا الدواء لا يستعملونه ، هو الزكاة أنا أزكي عن هذا البستان .

هذه مشاهدات من واقع الناس وحياتهم . آلاف وملايين كل شيء بيد الله عز وجل ، فالبطولة أن تعرف الله أن تعرفه هو المهيمن ، إذا عرفته مهيمنا انقطعت آمالك ممن سواه ، لا تتوسل لغيره ، أنت فيما بينك وبينه في منتهى الخضوع في منتهى التذلل في منتهى الافتقار . إذاً أنت في جانبك الأمن كله .

أما مع الناس عزيز ، إذا لم تعرفه مهيمنا وظننت بأن زيدا مهيمنا تصبح أمام زيد كالطفل الصغير ، تبالغ في التذلل له ويبالغ في إهانتك تبالغ في الخضوع له ويبالغ في دوسك بقدمه لذلك

" من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ".

السؤال الآن أنت كمؤمن وهذه الفقرة الثالثة ، الفقرة الأولى التعاريف النظرية لاسم المهيمن ، كمال العلم وكمال القدرة والاستمرار ، وهيمنة الله هيمنة حب وشفقة ورحمة وهيمنة حفاظ وهيمنة تصديق ، ثلاث فقرات بالتعريف وثلاث إضاءات على هذا التعريف ، هذا القسم النظري والقسم العملي شواهد :

أخ كريم أصيب قلبه بآفة ، والأطباء هنا بدمشق أجمعوا أنه لا بد له من إجراء عملية في بلد أجنبي ، ذهب إلى هناك وهو على طاولة الفحص ، اغرورقت عيناه بالدموع وقال : يارب هذا القلب من صنعك وأتمنى أن لا يفتح وبكى ، أجري الفحص الأول ، الوضع سليم ، هذه القصة منذ اثنتي عشرة سنة ، وإلى الآن بأتم صحة ، هذا الدسام التاجي الشريان الأبهر والشريان التاجي ، الشرايين الفرعية التي كانت مسدودة من الذي قام بفتحها ؟ يد من فتحتها ؟ الله مهيمن على قلبك .

وهذه الكُلْية توقفت عن العمل ، لماذا توقفت ؟ من أوقفها ؟ ومن حركها ؟. الله مهيمن ، تأكد أن الأعصاب والكليتين والقلب والرئتين والشرايين والمعدة والأمعاء والقنوات الدائرية والسمع والبصر واللسان كل أعضائك بيد الله :

(سورة آل عمران )

هذه الخلايا من الذي يمنعها من أن تنمو نمواً خبيثاً ؟ الله عز وجل ، ليس هنالك سبب واضح للسرطان حتى الآن ، إنسان بأتم قوته وبأتم صحته وبأتم نشاطه ، غذاء منتظم ، رياضة حركة ، فجأة نمو خبيث في جهة بجسمه ، عظَّمَ الله أجركم .

من المهيمن على هذه الخلايا ؟ يمنعها من أن تنمو نمواً خبيثا أو أن لا تنمو ، الله عز وجل .

حتى الزوجة بيد الله عز وجل ،الإمام الشعراني يقول :

" أنا أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي "، أياما تجدها مَلَكَاً . سبحان الخالق، ملكاً من السماء ، وأياماً تفكر بهذه الساعة المشؤومة التي تعرفت بها عليها ، بيد الله عز وجل يلين قلبها أو يقسو قلبها ، يجعلها مطواعة أو عنيدة بيد الله عز وجل .

حتى الأولاد : حالهم الشيء نفسه ، وزبائنك ومتجرك ورؤساؤك في الدائرة ومتبوعوك ومركبتك إذا أثنيت عليها وأثنيت على صانعها ونسيت الله أثناء حديثك عنها تقطعك في الطريق أمرها بيد الله عز وجل ، أما الزلازل الجراثيم النبي قال :

" لا عدوى "

لكن هناك عدوى ، ما معنى هذا الحديث ؟ أي إياك أن تعزو هذا الفعل إلى زيد أو عبيد ، يجب أن يعزى المرض إلى الله عز وجل ، فإذا أذن الله تفعل هذه الجراثيم فعلها وإن لم يأذن لا تفعل أبدا .

هذا القسم العملي وبقي القسم التطبيقي الأخير .

المؤمن إذا أردناه أن يتخلق بأخلاق الله يجب أن يعرف أحوال نفسه ، يعرف نفسه ، هل هي مريضة فيها انحراف وفيها كِبْر وفيها عُجْب وفيها غرور وفيها تجاوز للحدود ؟ إيمانه بالله كافٍ أم غير كافٍ ؟ يجب أن يعلم ، أحوال قلبه ، أحوال نفسه ، أن يعلم دخله وإنفاقه للمال ، تعامله مع الآخرين جوارحه مدى انضباطها ، مِنْ تخلُّق المؤمن بأخلاق الله المهيمن أن تعلم أنّ أحوالك مرضية عند الله أم غير مرضية ، مستقيم أم غير مستقيم ، يوجد بدخلك شبهة ، يوجد بعلاقاتك حرمة ، يوجد تقصير بالحقوق يجب أن تعلم ، ولن تعلم إلا إذا حضرت مجالس العلم لأن العلم بالتعلم ، هذه حرام يا أخوان وهذه حلال ، هذا يجوز وهذه صفة مذمومة وهذه صفة ممدوحة ، فأنت من حضور مجالس العلم تعلم فإذا تعلمت فقد حققت ثلث اسم المهيمن ، الآن يجب أن تسعى كي تطهر نفسك من آفاتها ، الجوارح من المعاصي ، القلب من السوّى ، تطهير القلب مما سوى الله ، تطهير الجوارح من معاصي الله تطهير الفكر من عقائد زائغة من خرافات من أوهام ، من خزعبلات ، من حيل ، من تزوير ، يجب أن تطهر عقلك من كل عقيدة زائغة ، وتطهر جوارحك من كل معصية وعليك أن تطهر قلبك مما سوى الله ، هذا من تطبيق اسم المهيمن ، أي أنه راقبَ قلبَه وأشرف على أغواره وأسراره واستولى على تقويم صفاته وهيئاته وقام بحفظها على الدوام ، تصرفاته ، نوبات نوبات ، في يوم الجمعة مرتاح أو منشرح ، السبت تفسد أخلاقي والأحد لا أصلي تأتي الجمعة أنت غير متخلق بأخلاق الله ، عندك اتجاه نوبي .

يجب أن تعلم أحوالك ، يجب أن تقوّم أفعالك ، يجب أن تثبت على هذه الاستقامة التامة ، أنت عاهدت الله عز وجل العلم والإصلاح والثبات .

الأرقى من ذلك أن تدعو إلى الله وأن تعلم أحوال إخوانك أن فتسعى إلى تقويمهم وأن تبقى على عهدك مع الله من خلال تعاملك معهم .

أَنْ تصلح نفسك من معاني قوله تعالى :

(سورة الأنفال )

أصلح نفسك ، كيف تصلحها إن لم تعرف أمراضها إن لم تعرف انحرافاتها، إن لم تعرف تقصيرها ، إن لم تعرف أدرانها إن لم تعرف مشكلاتها ، إن لم تعرف مخالفاتها . المعرفةُ أساس ، إذاً تحتاج إلى علم كي تعرف ، وإلى إرادة كي تُصَحِّح ، وإلى صدق كي تستمر ، إذا فعلت هذا فقد تخلقت بأخلاق المهيمن .

وبعدُ ، مادام الله يراقبك ، فما موقفك أنت ؟ الحياء من الله ، من تطبيقات اسم المهيمن أن تستحي من الله ، الله يراقبك يجب أن تستحي منه ، الله قوي يجب أن تتوكل عليه ، لا شريك له يجب أن تثق بالمستقبل :

(سورة الرعد :الآية 11)

ثلاثة تطبيقات يجب أن تعلم أحوال قلبك وأحوال نفسك وأحوال عقيدتك تصوراتُك قِيَمُك يجب أن تصححها ، لا بد من حضور مجالس العلم ، يجب أن تملك إرادة قوية كي تصلح اعوجاجك ، كي تقيم جوارحك على طاعة الله ، يجب أن تملك الصدق كي تستمر على هذا ، علم وإرادة وصدق هذا أول تطبيق .

ثاني تطبيق : مادام الله شهيداً عليك يجب أن تستحي منه

(سورة النساء)

ومادام الله مسيطراً يجب أن تتوكل عليه ، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ومادام الله لا شريك له وقال لك :

(سورة الرعد :الآية 11)

إذاً يجب أن تثق بالمستقبل ، وأن الله عز وجل مادمت لم ُتغَيّر لن يُغَيّر ، مادمت على طاعته قائما فأنت من خير إلى خير ومن درجة إلى درجة ومن منزلة إلى منزلة ومن رقي إلى رقي ، هذا اسم المهيمن أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت إلى توضيح تعريفاته وتطبيقاته وشواهده .

والحمد لله رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"