بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 أبريل 2010

نبذ من "اعلام الموقعين"/13

السنة لا تعارض القرآن
والسنة مع القرآن على ثلاثة أوجه أحدها أن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها الثاني أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له الثالث أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه ولا تخرج عن هذه الأقسام فلا تعارض القرآن بوجه ما فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي ص - تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته وليس هذا تقديما لها على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به

من طاعة رسوله ولو كان رسول الله ص - لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى وسقطت طاعته المختصة به وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به وقد قال الله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وكيف يكمن أحدا من أهل العلم أن لا يقبل حديثا زائدا على كتاب الله فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب ولا حديث خيار الشرط ولا أحدايث الشفعة ولا حديث الرهن في الحضر مع أنه زائد على ما في القرآن ولا حديث ميراث الجدة ولا حديث تخيير الأمة إذا أعتقت تحت زوجها ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان ولا أحاديث إحداد المتوفي عنها زوجها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة فهلا قلتم إنها نسخ للقرآن وهو لاينسخ بالسنة وكيف أوجبتم الوتر مع أنه زيادة محضة على القرآن بخبر مختلف فيه وكيف زدتم على كتاب الله فجوزتم الوضوء بنبيذ التمر بخبر ضعيف وكيف زدتم على كتاب الله فشرطتم في الصداق أن يكون أقله عشرة دراهم بخبر لا يصح البتة وهو زيادة محضة عى القرآن وقد أخذ الناس بحديث لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم وهو زائد على القرآن وأخذوا كلهم بحديث توريثه ص - بنت الابن السدس مع البنت وهو زائد على ما في القرآن وأخذ الناس كلهم بحديث استبراء المسبية بحيضة وهو زائد على ما في كتاب الله وأخذوا بحديث من قتل قيلا فله سلبه وهو زائد على ما في القرآن من قسمة الغنائم وأخذوا كلهم بقضائه ص - الزائد على ما في القرآن من أن أعيان بني الأبوين يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه ولو تتبعنا هذا لطال جدا فسنن رسول الله ص - أجل في صدورنا وأعظم وأفرض

علينا أن لا نقبلها إذا كانت زائد على ما في القرآن بل على الرأس والعينين وكذلك فرض على الأمة الأخذ بحديث القضاء بالشاهد واليمين وإن كان زائدا على ما في القرآن وقد أخذ به أصحاب رسول الله ص - وجمهور التابعين والأئمة والعجب ممن يرده لأنه زائد على ما في كتاب الله ثم يقضي بالنكول ومعاقد القمط ووجوه الآجر في الحائط وليست في كتاب الله ولا سنة رسوله وأخذتم أنتم وجمهور الأمة بحديث لا يقاد الوالد بالولد مع ضعفه وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم أنتم والناس بحديث أخذ الجزية من المجوس وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم مع سائر الناس بقطع رجل السارق في المرة الثانية مع زيادته على ما في القرآن وأخذتم أنتم والناس بحديث النهي عن الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال وهو زائد على ما في القرآن وأخذت الأمة بأحاديث الحضانة وليست في القرآن وأخذتم أنتم والجمهور باعتداد المتوفي عنها في منزلها وهو زائد على ما في القرآن وأخذتم أنتم مع الناس بأحاديث البلوغ بالسن والإنبات وهي زائدة على ما في القرآن إذ ليس فيه إلا الاحتلام وأخذتم مع الناس بحديث الخراج بالضمان مع ضعفه وهو زائد على ما في القرآن وبحديث النهي عن بيع الكالىء وهو زائد على ما في القرآن وأضعاف أضعاف ما ذكرنا بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها فلو ساغ لنا رد كل سنة زائدة كانت على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله ص - كلها إلا سنة دل عليها القرآن وهذا هو الذي أخبر النبي ص - بأنه سيقع ولابد من وقوع خبره
أنواع السنن الزائدة عن القرآن
فإن قيل السنن الزائدة على ما دل عليه القرآن تارة تكون بيانا له وتارة نزاعنا منشئة لحكم لم يتعرض القرآن له وتارة تكون مغيرة لحكمه وليس نزاعنا في القسمين الأولين فإنهما حجة باتفاق ولكن النزاع في القسم

الثالث وهو الذي ترجمته بسمألة الزيادة على النص وقد ذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي وجماعة كثيرة من أصحاب أبي حنيفة إلى أنها نسخ ومن ههنا جعلوا إيجاب التغريب مع الجلد نسخا كما لو زاد عشرين صوتا على الثمانين في حد القذف
وذهب أبو بكر الرازي إب أن الزيادة إن وردت بعد استقرار حكم النص منفرده عنه كانت ناسخة وإن وردة متصلة بالنص قبل إستقرار حكمه لم تكن ناسخة وإن وردت ولا يعلم تاريخها فإن وردت من جهة يثبت النص بمثلها فإن شهدت الأصول من عمل السلف أو النظر على ثبوتهما معا أثبتناهما وإن شهدت بالنص منفردا عنها أثبتناه دونها وإن لم يكن في الأصول دلالة على أحدهما فالواجب أن يحكم بورودهما معا ويكونان بمنزلة الخاص والعام إذا لم يعلم تاريخهما ولم يكن في الأصول دلالة على وجوب القضاء بأحدهما على الآخر فإنهما يستعملان معا وإن كان ورود النص من جهة توجب العلم كالكتاب والخبر المستفيض وورود الزيادة من جهة أخبار الآحاد لم يجزإلحاقها بالنص ولا العمل بها وذهب بعض أصحابنا إلى أن الزيادة إن غيرت حكم المزيد عليه تغييرا شرعيا بحيث إنه لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها لم يكن معتدا به بل يجب استئنافه كان نسخا نحو ضم ركعة إلى ركعتي الفجر وإن لم يغير حكم المزيد عليه بحيث لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها كان معتدا به ولا يجب استئنافه لم يكن نسخا ولم يجعلوا إيجاب الغريب مع الجلد نسخا وإيجاب عشرين جلدة مع الثمانين نسخا وكذلك إيجاب شرط منفصل عن العبادة لا يكون نسخا كإيجاب الوضوء بعد فرض الصلاة ولم يختلفوا أن إيجاب زيادة عبادة على عبادة كإيجاب الزكاة بعد إيجاب الصلاة لا يكون نسخا ولم يختلفوا أيضا أن إيجاب صلاة سادسة على الصلوات الخمس لا يكون نسخا
فالكلام معكم في الزيادة المغيرة في ثلاثة مواضع في المعنى والاسم والحكم

أما المعنى فإنها تفيد النسخ لأنه الإزالة والزيادة تزيل حكم الاعتداد بالمزيد عليه وتوجب استئنافه بدونها وتخرجه عن كونه جميع الواجب وتجعله بعضه وتوجب التأثيم على المقتصر عليه بعد ان لم يكن إثما وهذا معنى النسخ
وعليه يرتب الاسم فإنه تابع للمعنى فإن الكلام في زيادة شرعية مغيرة للحكم الشرعي بدليل شرعي متراخ عن المزيد عليه فإن اختل وصف من هذه الأوصاف لم يكن نسخا فإن لم تغير حكما شرعيا بل رفعت حكم البراءة الأصلية لم تكن نسخا كإيجاب عبادة بعد أخرى وإن كانت الزيادة مقارنة للمزيد عليه لم تكن نسخا وإن غيرته بل تكون تقييدا أو تخصيصا
وأما الحكم فإن كان النص المزيد عليه ثابتا بالكتاب أو السنة المتواترة لم يقبل خبرالواحد بالزيادة عليه وإن كان ثابتا بخبر الواحد قبلت الزيادة فإن اتفقت الأمة على قبول خبر الواحد في القسم الأول علمنا أنه ورد مقارنا للمزيد عليه فيكون تخصيصا لا نسخا قالوا وإنما لم يقبل خبر الواحد بالزيادة على النص لأن الزيادة لو كانت موجودة معه لنقلها إلينا من نقل النص إذ غير جائز أن يكون المراد إثبات النص معقودا بالزيادة فيقتصر النبي ص - على إبلاغ النص منفردا عنها فواجب إذا أن يذكرها معه ولو ذكرها لنقلها إلينا من نقل النص فإن كان النص مذكورا في القرآن والزيادة وإرادة من جهة السنة فغير جائز أن يقتصر النبي ص - على تلاوة الحكم المنزل في القرآن دون أن يعقبها بذكر الزيادة لأن حصول الفراغ من النص الذي يمكننا استعماله بنفسه يلزمنا اعتقاد مقتضاه من حكمه كقوله الزانية والزاني فاجلو كل واحد منهما مائة جلدة فإن كان الحد هو الجلد والتغريب فغير جائز أن يتلو النبي ص - الآية على الناس عارية من ذكر النفي عقبها لأن سكوته عن ذكر الزيادة معها يلزمنا اعتقاد موجبها وأن

الجلد هو كمال الحد فلو كان معه تغريب لكان بعض الحد لا كماله فإذا أخلى التلاوة من ذكر النفي عقيبها فقد أراد منا اعتقاد ان الجلد المذكور في الآية هو تمام الحد وكماله فغير جائز إلحاق الزيادة معه إلا على وجه النسخ ولهذا كان قوله واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ناسخا لحديث عبادة بن الصامت الثيب بالثيب جلد مائة والرجم وكذلك لما رجم ماعزا ولم يجلده كذلك يجب أن يكون قوله الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ناسخا لحكم التغريب في قوله البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام
والمقصود أن هذه الزيادة لو كانت ثابتة مع النص لذكرها النبي ص - عقيب التلاوة ولنقلها إلينا من نقل المزيد عليه إذ غير جائز عليهم أن يعلموا أن الحد مجموع الأمرين وينقلوا بعضه دون بعضه وقد سموا الرسول ص - يذكر الأمرين فامتنع حينئذ العمل بالزيادة إلا من الجهة التي ورد منها الأصل فإذا وردت من جهة الآحاد فإن كانت قبل النص فقد نسخها النص المطلق عاريا من ذكرها وإن كانت بعده فهذا يوجب نسخ الآية بخبر الواحد وهو ممتنع فإن كان المزيد عليه بخبر الواحد جاز إلحاق الزيادة بخبر الواحد على الوجه الذي يجوز نسخه به فإن كانت واردة مع النص في خطاب واحد لم تكن نسخا وكانت بيانا
فالجواب من وجوه أحدها أنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصلتموه فإنكم قبلتم خبر الوضوء بنبيذ التمر وهو زائد على ما في كتاب الله مغير لحكمه فإن الله سبحانه جعل حكم عادم الماء التيمم والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ فهذه الزيادة بهذا الخبر الذي لا يثبت رافعة لحكم شرعي غير مقارنة له ولا مقاومة بوجه وقبلتم خبر الأمر بالوتر مع رفعه لحكم شرعي وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب ورفع التأثيم

بالاقتصار عليها وإجزاء الإتيان في التعبد بفريضة الصلاة والذي قال هذه الزيادة هو الذي قال سائر الأحاديث الزائدة على ما في القرآن والذي نقلها إلينا هو الذي نقل تلك بعينه أو أوثق منه أو نظيره والذي فرض علينا طاعة رسوله وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته وقبول قوله في هذه والذي قال لنا وما آتاكم الرسول فخذوه هو الذي شرع لنا هذه الزيادة على لسانه والله سبحانه ولاه منصب التشريع عنه ابتداء كما ولاه منصب البيان لما أراده بكلامه كله بل كلامه كله بيان عن الله والزيلدة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه بل كان السلف الصالح الطيب إذا سمعوا الحديث عنه وجدوا تصديه في القرآن ولم يقل أحد منهم قط في حديث واحد أبدا إن هذا زيادة على القرآن فلا نقبله ولا نسمعه ولا نعمل به ورسول الله ص - أجل في صدورهم وسنته أعظم عندهم من ذلك وأكبر ولا فرق أصلا بين مجيء السنة بعدد الطواف وعدد ركعات الصلاة ومجيئها بفرض الطمأنينة وتعيين الفاتحة والنية فنينة وتعيين الفاتحة والنية فإن الجميع بيان لمراد الله أنه أوجب هذه العبادات على عباده على هذا الوجه فهذا الوجه هو المراد فجاءت السنة بيانا للمراد في جميع وجوهها حتى في التشريع المبتدأ فإنها بيان لمراد الله من عموم الأمر بطاعته وطاعة رسوله فلا فرق بين بيان هذا المراد وبين بيان المراد من الصلاة والزكاة والحج والطواف وغيرها بل هذا بيان المراد من شيء وذاك بيان المراد من أعم منه فالتغريب بيان محض للمراد من قوله أو يجعل الله لهن سبيلا وقد صرح النبي ص - بأن التغريب بيان لهذا السبيل المذكور في القرآن فكيف يجوز رده بأنه مخالف للقرآن معارض له ويقال لو قبلناه لأبطلنا به حكم القرآن وهل هذا إلا قلب للحقائق فإن حكم القرآن العام والخاص يوجب علينا قبوله فرضا لا يسعنا مخالفته فلو خالفنا القرآن ولخرجنا عن حكمه ولابد ولكان في ذلك مخالفة للقرآن والحديث معا

يوضحه الوجه الثاني ان الله سبحانه نصب رسول الله ص - منصب المبلغ المبين عنه فكل ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه ولا فرق بين ما يبلغه عنه من كلامه المتلو ومن وحيه الذي هو نظير كلامه في وجوب الاتباع ومخالفة هذا كمخالفة هذا
يوضحه الوجه الثالث أن الله سبحانه أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وجاء البيان عن رسوله ص - بمقادير ذلك وصفاته وشروطه فوجب على الأمة قبوله إذ هو تفصيل لما أمر الله به كما يجب علينا قبول الأصل المفصل وهكذا أمر الله سبحانه بطاعته وطاعة رسوله فإذا أمر الرسول بأمر كان تفصيلا وبيانا للطاعة المأمور بها وكان فرض قبوله كفرض قبول الأصل المفصل ولا فرق بينهما
بيان السنة على أنواع
يوضحه الوجه الرابع أن البيان من النبي ص - أقسام أحدها بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيا الثاني بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك كما بين أن الظلم المذكور في قوله ولم يلبسوا أيمانهم بظلم هو الشرك وأن الحساب اليسير هو العرض وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار وسواد الليل وأن الذي رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل كما فسر قوله أو يأتي بعض آيات ربك أنه طلوع الشمس من مغربها وكما فسر قوله ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة بأنها النخلة وكما فسر قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة أن ذلك في القبر حين يسأل من ربك وما دينك وكما فسر الرعد بأنه ملك من الملائكة موكل بالسحاب وكما فسر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله بأن ذلك باستحلال ما أحلوه لهم من الحرام وتحريم ما حرموه من الحلال وكما فسر القوة التي أمر الله أن نعدها لأعدائه بالرمي وكما فسر قوله من يعمل سواء يجز به بأنه ما يجزى به العبد في الدنيا من النصب والهم والخوف واللأواء

وكما فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم وكما فسر الدعاء في قوله وقال ربكم ادعوني استجب لكم بأنه العبادة وكما فسر أدبار النجوم بأنه الركعتان قبل الفجر وأدبار السجود بالركعتين بعد المغرب ونظائر ذلك الثالث بيانه بالفعل كما بين أوقات الصلاة للسائل بفعله الرابع بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن فنزل القرآن ببيانها كما سئل عن قذف الزوجة فجاء القرآن باللعان ونظائره الخامس بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنا كما سئل عن رجل أحرم في جبة بعدما تمضخ بالخلوق فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبة ويغسل أثر الخلوق السادس بيانه للأحكام بالسنة ايتداء من غير سؤال كما حرم عليهم لحوم الحمر والمتعة وصيد المدينة ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وأمثال ذلك السابع بيانه للأمة جواز الشيء بفعله هو له وعدم نهيهم عن التأسي به الثامن بيانه جواز الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده أو يعلمهم يفعلونه التاسع بيانه إباحة الشيء عفوا بالسكوت عن تحريمه وإن لم يأذن فيه نطقا العاشر أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة وأحوال وأوصاف فيحيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله في بيانها كقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم فالحل موقوف على شروط النكاح وانتفاء موانعه وحضور وقته وأهلية المحل فإذا جاءت السنة ببيان ذلك كله لم يكن الشيء منه زائدا على النص فيكون نسخا له وإن كان رفعا لظاهر إطلاقه
فهكذا كل حكم منه ص - زائد على القرآن هذا سبيله سواء بسواء وقد قال تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ثم جاءت السنة بأن القاتل والكافر والرقيق لا يرث ولم يكن نسخا للقرآن مع أنه زائد عليه قطعا أعني في موجبات الميراث فإن القرآن أوجبه بالولادة وحدها فزادت السنة مع وصف الولادة اتحاد الدين وعدم الرق والقتل فهلا قلتم إن

هذه زيادة على النص فيكون نسخا والقرآن لا ينسخ بالسنة كما قلتم ذلك في كل موضع تركتم فيه الحديث لأنه زائد على القرآن
الوجه الخامس أن تسميتكم للزيادة المذكورة نسخا لا توجب بل لا يجوز مخالفتها فإن تسمية ذلك نسخا اصطلاح منكم والأسماء المتواضع عليها التابعة للاصطلاح لا توجب رفع أحكام النصوص فأين سمي الله ورسوله ذلك نسخا وأين قال رسول الله ص - إذا جاءكم حديثي زائدا على ما في كتاب الله فردوه ولا تقبلوه فإنه يكون نسخا لكتاب الله وأين قال الله إذا قال رسولي قولا زائدا على القرآن فلا تقبلوه ولا تعملوا به وردوه وكيف يسوغ رد سنن رسول الله ص - بقواعد قعدتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان
المراد بالنسخ في السنة الزائدة على القرآن
الوجه السادس أن يقال ما تعنون بالنسخ الذي تضمنته الزيادة بزعمكم أتعنون أن حكم المزيد عليه من الإيجاب والتحريم والإباحة بطل بالكلية أم تعنون به تغير وصفه بزيادة شيء عليه من شرط أو قيد أو حال أو مانع أو ما هو أعم من ذلك فإن عنيتم الأول فلا ريب أن الزيادة لا تتضمن ذلك فلا تكون ناسخة وإن عنيتم الثاني فهو حق ولكن لا يلزم منها بطلان حكم المزيد عليه ولا رفعه ولا معارضته بل غايتها مع المزيد عليه كالشروط والموانع والقيود والمخصصات وشيء من ذلك لا يكون نسخا يوجب إبطال الأول ورفعه رأسا وإن كان نسخا بالمعنى العام الذي يسميه السلف نسخا وهو رفع الظاهر بتخصيص أو تقييد أو شرط أو مانع فهذا كثير من السلف يسميه نسخا حتى سمي الاستثناء نسخا فإن أردتم هذا المعنى فلا مشاحة في الاسم ولكن ذلك لا يسوغ رد السنن الناسخة للقرآن بهذا المعنى ولا ينكر أحد نسخ القرآن بالسنة بهذا المعنى بل هو متفق عليه بين الناس وإنما تنازعوا في جواز نسخه بالسنة النسخ الخاص الذي هو رفع أصل الحكم وجملته بحيث يبقى بمنزلة ما لم يشرع البتة وإن

أردتم بالنسخ ما هو أعم من القسمين وهو رفع الحكم بجملته تارة وتقييد مطلقه وتخصيص عامه وزيادة شرط أو مانع تارة كنتم قد أدرجتم في كلامكم قسمين مقبولا ومردودا كما تبين فليس الشأن في الألفاظ فسموا الزيادة ما شئتم فإبطال السنن بهذا الاسم مما لا سبيل إليه
يوضحه الوجه السابع أن الزيادة لو كانت ناسخة لما جاز اقترانها بالمزيد لأن الناسخ لا يقارن المنسوخ وقد جوزتم اقترانها به وقلتم تكون بيانا أو تخصيصا فهلا كان حكمها مع التأخر كذلك والبيان لا يجب اقترانه بالمبين بل يجوز تأخيره إلى وقت حضور العمل وما ذكرتموه من إيهام اعتقاد خلاف الحق فهو منتقض بجواز تأخير الناسخ وعدم الإشعار بأنه سينسخه ولا محذور في اعتقاد موجب النص ما لم يأت ما يرفعه أو يرفع ظاهره فحينئذ يعتقد موجبه كذلك فكان كل من الاعتقادين في وقته هو المأمور به إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها
يوضحه الوجه الثامن أن المكلف إنما يعتقده على إطلاقه وعمومه مقيدا بعدم ورود ما يرفع ظاهره كما يعتقد المنسوخ مؤيدا اعتقادا مقيدا بعدم ورود ما يبطله وهذا هو الواجب عليه الذي لا يمكنه سواه
الوجه التاسع أن إيجاب الشرط الملحق بالعبادة بعدها لا يكون نسخا وإن تضمن رفع الإجزاء بدونه كما صرح بذلك بعض أصحابكم وهو الحق فكذلك إيجاب كل زيادة بل أولى أن لا تكون نسخا فإن إيجاب الشرط يرفع إجزاء المشروط عن نفسه وعن غيره وإيجاب الزيادة إنما يرفع إجزاء المزيد عن نفسه خاصة
الوجه العاشر ان الناس متفقون على أن إيجاب عبادة مستقلة بعد الثانية لا يكون نسخا وذلك أن الأحكام لم تشرع جملة واحدة وإنما شرعها

أحكم الحاكمين شيئا بعد شيء وكل منها زائدة على ما قبله وكان ما قبله جميع الواجب والإثم محطوط عمن اقتصر عليه وبالزيادة تغير هذان الحكمان فلم يبق الأول جميع الواجب ولم يحط الإثم عمن اقتصر عليه ومع ذلك فليس الزائد ناسخا للمزيد عليه إذ حكمه من الوجوب وغيره باق فهذه الزيادة المتعلقة بالمزيد لا تكون ناسخا له حيث لم ترفع حكمه بل هو باق على حكمه وقد ضم إليه غيره
يوضحه الوجه الحادي عشر ان الزيادة إن رفعت حكما خطابيا كانت نسخا وزيادة التغريب وشروط الحكم وموانعه وحراحق لا ترفع حكم الخطاب وإن رفع حكم الاستصحاب
يوضحه الوجه الثاني عشر أن ما ذكروه من كون الأول جميع الواجب وكونه مجزئا وحده وكون الإثم محطوطا عمن اقتصر عليه إنما هو من أحكام البراءة الأصلية فهو حكم استصحابي لم نستفده من لفظ الأمر الأول ولا أريد به فإن معنى كون العبادة مجزئة أن الذمة بريئة بعد الإتيان بها وحط الذم عن فاعلها معناه أنه قد خرج من عهدة الأمر فلا يلحقه ذم والزيادة وإن رفعت هذه الأحكام لم ترفع حكما دل عليه لفظ المزيد
تخصيص القرآن بالسنة
يوضحه الوجه الثالث عشر أن تخصيص القرآن بالسنة جائز كما أجمعت الأمة على تخصيص قوله وأحل لكم ما وراء ذلكم بقوله ص - لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وعموم قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم بقوله ص - لا يرث المسلم الكافر وعموم قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيدهما بقوله ص - لا قطع

في ثمر ولا كثر ونظائر ذلك كثيرة فإذا جاز التخصيص وهو رفع ما تناوله اللفظ وهو نقصان من معناه فلأن تجوز الزيادة التي لا تتضمن رفع شيء من مدلوله ولا نقصانه بطريق الأولى والأحرى
الوجه الرابع عشر أن الزيادة لا توجب رفع المزيد لغة ولا شرعا ولا عرفا ولا عقلا ولا تقول العقلاء لمن ازداد خيره أو ماله أو جاهله أو علمه أو ولده إنه قد ارتفع شيء مما في الكيس بل تقول في
الوجه الخامس عشر أن الزيادة قررت حكم المزيد وزادته بيانا وتأكيدا فهي كزيادة العلم والهدى والإيمان قال تعالى وقل رب زدني علما وقال وما زادهم إلا إيمانا وتسليما وقال وزدناهم هدى وقال ويزيد الله الذين اهتدوا هدى فكذلك زيادة الواجب على الواجب إنما يزيده قوة وتأكيدا وثبوتا فإن كانت متصلة به اتصال الجزاء والشرط كان ذلك أقوى له وأثبت وآكد ولا ريب أن هذا أقرب إلى المعقول والمنقول والفطرة من جعل الزيادة مبطلة للمزيد عليه ناسخة له
الوجه السادس عشر أن الزيادة لم تتضمن النهي عن المزيد ولا المنع منه وذلك حقيقة النسخ وإذا انتفت حقيقة النسخ استحال ثبوته
الوجه السابع عشر أنه لابد في النسخ من تنافي الناسخ والمنسوخ وامتناع اجتماعهما والزيادة غير منافية للمزيد عليه ولا اجتماعهما ممتنع
الوجه الثامن عشر أن الزيادة لو كانت نسخا لكانت إما نسخا بانفرادها عن المزيد أو بانضمامها إليه والقسمان محال فلا يكون نسخا أما الأول فظاهر لأنها لا حكم لها بمفردها البتة فإنها تابعة للمزيد عليه في حكمه وأما الثاني

فكذلك أيضا لأنها إذا كانت ناسخة بانضمامها إلى المزيد كان الشيء ناسخا لنفسه ومبطلا لحقيقته وهذا غير معقول وأجاب بعضهم عن هذا بأن النسخ يقع على حكم الفعل دون نفسه وصورته وهذا الجواب لا يجدي عليهم شيئا والإلزام قائم بعينه فإنه يوجب أن يكون المزيد عليه قد نسخ حكم نفسه وجعل نفسه إذا انفرد عن الزيادة غير مجزىء بعد أن كان مجزئا
الوجه التاسع عشر أن النقصان من العبادة لا يكون نسخا لما بقي منها فكذلك الزيادة عليها لا تكون نسخا لها بل أولى لما تقدم
الوجه العشرون ان نسخ الزيادة للمزيد عليه إما أن يكون نسخا لوجوبه أو لإجزائه أو لعدم وجوب غيره أو لأم رابع وهذا كزيادة التغريب مثلا على المائة جلدة لا يجوز أن تكون ناسخة لوجوبها فإن الوجوب بحالة ولا لإجزائها لأنها مجزئة عن نفسها ولا لعدم وجوب الزائد لأنه رفع لحكم عقلي وهو البراءة الأصلية فلو كان رفعها نسخا كان كلما أوجب الله شيئا بعد الشهادتين قد نسخ به ما قبله والأمر الرابع غير متصور ولا معقول فلا يحكم عليه
فإن قيل بل ههنا أمر رابع معقول وهو الاقتصار على الأول فإنه نسخ بالزيادة وهذا غير الأقسام الثلاثة
فالجواب أنه لا معنى للاقتصار غير عدم وجوب غيره وكونه جميع الواجب وهذا هو القسم الثالث بعينه غيرتم التعبير عنه وكسوتموه عبارة أخرى
الوجه الحادي والعشرون أن الناسخ والمنسوخ لابد أن يتواردا على محل واحد يقتضي المنسوخ ثبوته والناسخ رفعه أو بالعكس وهذا غير متحقق في الزيادة على النص
الوجه الثالث والعشرون ان كل واحد من الزائد والمزيد عليه دليل قائم

بنفسه مستقل بإفادة حكمه وقد أمكن العمل بالدليلين فلا يجوز إلغاؤه أحدهما وإبطاله وإلقاء الحرب بينه وبين شقيقه وصاحبه فإن كل ما جاء من عند الله فهو حق يجب اتباعه والعمل به ولا يجوز إلغؤه وإبطاله إلا حيث أبطله الله ورسوله بنص آخر ناسخ له لا يمكن الجمع بينه وبين المنسوخ وهذا بحمد الله منتف في مسألتنا فإن العمل بالدليلين ممكن ولا تعارض بينهما ولا تناقض بوجه فلا يسوغ لنا إلغاء ما اعتبره الله ورسوله كما لا يسوغ لنا اعتبار ما ألغاه وبالله التوفيق
الوجه الثالث والعشرون انه إن كان القضاء بالشاهد واليمين ناسخا للقرآن وإثبات التغريب ناسخا للقرآن فالوضوء بالنبيذ أيضا ناسخ للقرآن ولا فرق بينهما البتة بل القضاء بالنكول ومعاقد القمط يكون ناسخا للقرآن وحينئذ فنسخ كتاب الله بالسنة الصحيحة التي لا مطعن فيها أولى من نسخه بالرأي والقياس والحديث الذي لا يثبت وإن لم يكن ناسخا للقرآن لم يكن هذا نسخا له وأما أن يكون هذا نسخا وذاك ليس بنسخ فتحكم باطل وتفريق بين متماثلين
الوجه الرابع والعشرون أن ما خالفتموه من الأحاديث التي زعمتم أنها زيادة على نص القرآن إن كانت تستلزم نسخه فقطع رجل السارق في المرة الثانية نسخ لأنه زيادة على القرآن وإن لم يكن هذا نسخا فليس ذلك نسخا
الوجه الخامس والعشرون أنكم قلتم لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم وذلك زيادة على ما في القرآن فإن الله سبحانه أباح استحلال البضع بكل ما يسمى مالا وذلك يتناول القليل والكثير فزدتم على القرآن بقياس في غاية الضعف وبخبر في غاية البطلان فإن جاز نسخ القرآن بذلك فلم لا يجوز نسخه بالسنة الصحيحة الصريحة وإن كان هذا ليس بنسخ لم يكن الآخر نسخا

الوجه السادس والعشرون أنكم أوجبتم الطهارة للطواف بقوله الطواف بالبيت صلاة وذلك زيادة على القرآن فإن الله إنما أمر بالطواف ولم يأمر بالطهارة فكيف لم تجعلوا ذلك نسخا للقرآن وجعلتم القضاء بالشاهد واليمين والتغريب في حد الزنا نسخا للقرآن
الوجه السابع والعشرون أنكم مع الناس اوجبتم الاستبراء في جواز وطء المسبية بحديث ورد زائد على كتاب الله ولم تجعلوا ذلك نسخا له وهو الصواب بلا شك فهلا فعلتم ذلك في سائر الأحاديث الزائدة على القرآن
الوجه الثامن والعشرون أنكم وافقتم على تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها بخبر الواحد وهو زائد على كتاب الله تعالى قطعا ولم يكن ذلك نسخا فهلا فعلتم ذلك في خبر القضاء بالشاهد واليمين والتغريب ولم تعدوه نسخا وكل ما تقولونه في محل الوفاق يقوله لكم منازعوكم في محل النزاع حرفا بحرف
الوجه التاسع والعشرون أنكم قلتم لا يفطر المسافر ولا يقصر في أقل من ثلاثة أيام والله تعالى قال فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وهذ يتناول الثلاثة وما دونها فأخذتم بقياس ضعيف أو أثر لا يثبت في التحديد بالثلاث وهو زيادة على القرآن ولم تجعلوا ذلك نسخا فكذلك الباقي
الوجه الثلاثون أنكم منعتم قطع من سرق ما يسرع إليه الفساد من الأموال مع أنه سارق حقيقة ولغة وشرعا لقوله لا قطع في ثمر ولا كثر ولم تجعلوا ذلك نسخا للقرآن وهو زائد عليه
الوجه الحادي والثلاثون أنكم رددتم السنن الثابتة عن رسول الله ص - في المسح على العمامة وقلتم إنها زائدة على نص الكتاب فتكون ناسخة له فلا تقبل ثم ناقضتم فأخذتم بأحاديث المسح على الخفين وهي زائدة على القرآن ولا فرق بينهما واعتذرتم بالفرق بأن أحاديث المسح

على الخفين متواترة بخلاف المسح على العمامة وهو اعتذار فاسد فإن من له اطلاع على الحديث لا يشك في شهرة كل منها وتعدد طرقها واختلاف مخارجها وثبوتها عن النبي ص - قولا وفعلا
الوجه الثاني والثلاثون أنكم قبلتم شهادة المرأة الواحدة على الرضاع والولادة وعيوب النساء مع أنه زائد على ما في القرآن ولم يصح الحديث به صحته بالشاهد واليمين ورددتم هذا ونحوه بأنه زائد على القرآن
الوجه الثالث والثلاثون أنكم رددتم السنة الثانيه عن رسول الله ص - في أنه لا يحرم اقل من خمس رضعات ولا تحرم الرضعة والرضعتان وقلتم هي زائدة على القرآن ثم أخذتم بخبر لا يصح بوجه ما في أنه لا قطع في أقل من عشرة دراهم أو ما يساويها ولم تروه زيادة على القرآن وقلتم هذا بيان للفظ السارق فإنه مجمل والرسول بينة بقوله لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم فيالله العجب كيف كان هذا بيانا ولم يكن حديث التحريم بخمس رضعات بيانا لمجمل قوله وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ولا تأتون بعذر في آية القطع إلا كان مثله أو أولى منه في آية الرضاع سواء بسواء
الوجه الرابع والثلاثون أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله ص - بالمسح على الجوربين وقلتم هي زائدة على القرآن وجوزتم الوضوء بالخمر المحرمه من نبيذ التمر المسكر بخبر لا يثبت وهو خلاف القرآن الوجه الخامس والثلاثون أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله ص - في الصوم عن الميت والحج عنه وقلتم هو زائد على قوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ثم جوزتم أن تعمل أعمال الحج كلها عن المغمى عليه ولم تروه زائدا على قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأخذتم بالسنة

الصحيحة وأصبتم في حمل العاقلة الدية عن القاتل خطأ ولم تقولوا هو زائد على قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تكسب كل نفس إلا عليها واعتذاركم بأن الإجماع ألجأكم إلى ذلك لا يفيد لأن عثمان البتي وهو من فقهاء التابعين يرى أن الدية على القاتل وليس على العاقلة منها شيء ثم هذا حجة عليكم أن تجمع الأمة على الأخذ بالخبر وإن كان زائدا على القرآن
الوجه السادس والثلاثون أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله ص - في اشتراط المحرم ان يحل حيث حبس وقلتم هو زائد على القرآن فإن الله أمر بإتمام الحج والعمرة والإحلال خلاف الإتمام ثم أخذتم وأصبتم بحديث تحريم لبن الفحل وهو زائد على ما في القرآن قطعا
الوجه السابع والثلاثون ردكم السنة الثابتة عن رسول الله ص - بالوضوء من مس الفرج وأكل لحوم الإبل وقلتم ذلك زيادة على القرآن لأن الله تعالى إنما ذكر الغائط ثم أخذتم بحديث ضعيف في إيجاب الوضوء من القهقهة وخبر ضعيف في إيجابه من القيء ولم يكن إذ ذاك زائدا على ما في القرآن إذ هو قول متبوعكم فمن العجب إذا قال من قلدتموه قولا زائدا على ما في القرآن قبلتموه وقلتم ما قاله إلا بدليل ويهل عليكم مخالفة ظاهر القرآن حينئذ وإذا قال رسول الله ص - قولا زائدا على ما في القرآن قلتم هذا زيادة على النص وهو نسخ والقرآن لا ينسخ بالسنة فلم تأخذوا به واستصعبتم خلاف ظاهر القرآن فهان خلافه إذا وافق قول من قلدتموه وصهب خلافه إذا وافق قول رسول الله ص -
الوجه الثامن والثلاثون أنكم أخذتم بخبر ضعيف لا يثبت في إيجاب المضمضة والاستنشاق في الغسل من الجنابة ولم تروه زائدا على القرآن ورددتم

السنة الصحيحة الصريحة في أمر المتوضىء بالاستنشاق وقلتم هو زائد على القرآن فهاتوا لنا الفرق بين ما يقبل من السنن الصحيحة وما يرد منها فإما أن تقبلوها كلها وإن زادت على القرآن وإما أن تردوها كلها إذا كانت زائدة على القرآن وأما التحكم في قبول ما شئتم منها ورد ماشئتم منها فما لم يأذن به الله ولا رسوله ونحن نشهد الله شهادة يسألنا عنها يوم نلقاه أنا لا نرد لرسول الله ص - سنة واحدة صحيحة أبدا إلا بسنة صحيحة مثلها نعلم أنها ناسخة لها
الوجه التاسع والثلاثون أنكم رددتم السنة الصحيحة عن رسول الله ص - في القسم للبكر سبعا يفضلها بها على من عنده من النساء وللثيب ثلاثا إذا أعرس بهما وقلتم هذا زائد على العدل المأمور به في القرآن ومخالف له فلو قبلناه كنا نسخنا به القرآن ثم أخذتم بقياس فاسد واه لا يصح في جواز نكاح الأمة لواجد الطول غير خائف العنت إذا لم تكن تحته حرة وهو خلاف ظاهر القرآن وزائد عليه قطعا
الوجه الأربعون ردكم السنة الثابتة عن رسول الله ص - نفقة المبتوتة وسكناها وقلتم هو مخالف للقرآن فلو قبلناه كان نسخا للقرآن به ثم أخذتم بخبر ضعيف لا يصح أن عدة الأمة قرءان وطلاقها طلقتان مع كونه زائد على ما في القرآن قطعا
الوجه الحادي والأربعون ردكم السنة الثابتة عن رسول الله ص - في تخيير ولي الدم بين الدية أو القود أو العفو بقولكم إنها زائدة على ما في القرآن ثم أخذتم بقياس من أفسد القياس أنه لو ضربه بأعظم دبوس يوجد حتى ينثر دماغه على الأرض فلا قود عليه ولم تروا ذلك مخالفا لظاهر القرآن والله تعالى يقول النفس بالنفس ويقول فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم

الوجه الثاني والأربعون أنكم رددتم السنة الثابتة عن رسول الله ص - بقوله لا يقتل مسلم بكافر وقوله المؤمنون تتكافأ دماؤهم وقلتم هذا خلاف ظاهر القرآن لأن الله تعالى يقول النفس بالنفس وأخذتم بخبر لا يصح عن رسول الله ص - بأنه لا قود إلا بالسيف وهو مخالف لظاهر القرآن فإنه سبحانه قال وجزاء سيئة سيئة مثلها وقال فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم
الوجه الثالث والأربعون أنكم أخذتم بخبر لا يصح عن رسول الله ص - في أنه لا جمعة إلا في مصر جامع وهو مخالف لظاهر القرآن قطعا وزائد عليه ورددتم الخبر الصحيح الذي لا شك في صحته عند أحد من أهل العلم في أن كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن في وجوب الوفاء بالعقد
الوجه الرابع والأربعون أنكم أخذتم بخبر ضعيف لا تقطع الأيدي في الغزو وهو زائد على القرآن وعديتموه إلى سقوط الحدود على من فعل أسبابها في دار الحرب وتركتم الخبر الصحيح الذي لا ريب في صحته في المصراة وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن من عدة أوجه
الوجه الخامس والأربعون أنكم أخذتم بخبر ضعيف بل باطل في أنه لا يؤكل الطافي من السمك وهو خلاف ظاهر القرآن إذ يقول تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه فصيده ما صيد منه حيا وطعامه قال أصحاب رسول الله ص - هو ما مات فيه صح ذلك عن الصديق وابن عباس وغيرهما ثم تركتم الخبر الصحيح المصرح بأن ميتته حلال مع موافقته لظاهر القرآن
الوجه السادس والأربعون أنكم أخذتم وأصبتم بحديث تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وهو زائد على ما في القرآن ولم تروه

ناسخا ثم تركتم حديث حل لحوم الخيل الصحيح الصريح وقلتم هو مخالف لما في القرآن زائد عليه وليس كذلك
الوجه السابع والأربعون أنكم أخذتم بحديث المنع من توريث القاتل مع أنه زائد على القرآن وحديث عدم القود على قاتل ولده وهو زائد على ما في القرآن مع أن الحديثين ليسا في الصحة بذاك وتركتم الأخذ بحديث إعتاق النبي ص - لصفية وجعل عتقها صداقها فصارت بذلك زوجة وقلتم هذا خلاف ظاهر القرآن والحديث في غاية الصحة
الوجه الثامن والأربعون أنكم أخذتم بالحديث الضعيف الزائد على ما في القرآن وهو كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه فقلتم هذا يدل على وقوع طلاق المكره والسكران وتركتم السنة الصحيحة التي لا ريب في صحتها فيمن وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن بقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولاعجب أن ظاهر القرآن مع الحديث متوافقان متطابقان فإن منع البائع من الوصول إلى الثمن وإلى عين ماله إطعام له بالباطل الغرماء فخالفتم ظاهر القرآن مع السنة الصحيحة الصريحة
الوجه التاسع والأربعون أنكم أخذتم بالحديث الضعيف وهو من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له ولم تقولوا هو زائد على القرآن في قوله وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وتركتم الحديث الصحيح في بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن في قوله هل تجزون إلا ما كنتم تعملون وخلاف ظاهر قوله ص - إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث
الوجه الخمسون رد السنة الثابتة عن رسول الله ص - في

وجوب الموالاة حيث أمر الذي ترك لمعة من قدمه بأن يعيد الوضوء والصلاة وقالوا هو زائد على كتاب الله ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على كتاب الله في أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة
الوجه الحادي والخمسون رد الحديث الثابت عن رسول الله ص - في أنه لا نكاح إلا بولي وأن من أنكحت نفسها فنكاحها باطل وقالوا هو زائد على كتاب الله فإن الله تعالى يقول فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن وقال فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على القرآن قطعا في اشتراط الشهادة في صحة النكاح والعجب أنهم استدلوا على ذلك بقوله لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ثم قالوا لا يفتقر إلى حضور الولي ولا عدالة الشاهدين
فهذا طرف من بيان تناقض من رد السنن بكونها زائدة على القرآن فتكون ناسخة فلا تقبل
الوجه الثاني والخمسون أنكم تجوزون الزيادة على القرآن بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون للأمة فيه قولان أحدهما أنه باطل مناف للدين والثاني أنه صحيح مؤخر عن الكتاب والسنة فهو في المرتبة الأخيرة ولا تختلفون في جواز إثبات حكم زائسد على القرآن به فهلا قلتم إن ذلك يتضمن نسخ الكتاب بالقياس
فإن قيل قد دل القرآن على صحة القياس واعتباره وإثبات الأحكام به فما خرجنا عن موجب القرآن ولا زدنا على ما في القرآن إلا بما دلنا عليه القرآن
قيل فهلا قلتم مثل هذا سواء في السنة الزائدة على القرآن وكان قولكم ذلك في السنة أسعد وأصلح من القياس الذي هو محل آراء المجتهدين وعرضة

للخطأ بخلاف قول من ضمنت لنا العصمة في أقواله وفرض الله علينا اتباعه وطاعته
فإن قيل القياس بيان لمراد الله ورسوله من النصوص وأنه أريد بها إثبات الحكم في المذكور في نظيره وليس ذلك زائدا على القرآن بل تفسير له وتبيين
قيل فهلا قلتم إن السنة بيان لمراد الله من القرآن تفصيلا لما أجمله وتبيينا لما سكت عنه وتفسيرا لما أبهمه فإن الله سبحانه أمر بالعدل والإحسان والبر والتقوى ونهى عن الظلم والفواحش والعدوان والإثم وأباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث فكل ما جاءت به السنة فإنها تفصيل لهذا المأمور به والمنهى عنه والذي أحل لنا هو الذي حرم علينا
وهذا يتبين بالمثال التاسع عشر وهو أن النبي ص - أمر في حديث النعمان بن بشير أن يعدل بين الأولاد في العطية فقال اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم وفي الحديث إني لا أشهد على جور فسماه جورا وقال إن هذا لا يصلح وقال أشهد على هذا غيري تهديدا له وإلا فمن الذي يطيب قلبه من المسلمين أن يشهد على ما حكم النبي ص - بأنه جور وأنه لا يصلح وأنه على خلاف تقوى الله وأنه خلاف العدل وهذا الحديث من تفاصيل العدل الذي أمر الله به في كتابه وقامت به السماوات والأرض وأسست عليه الشريعة فهو أشد موافقة للقرآن من كل قياس على وجه الأرض وهو محكم الدلالة غاية الإحكام فرد بالمتشابه من قوله كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين فكونه أحق به يقتضى جواز تصرفه فيه كما يشاء وبقياس متشابه على إعطاء الأجانب ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المتشابه من العموم والقياس لا يقاوم هذا المحكم المبين غاية البيان

المثال العشرون رد المحكم الصحيح الصريح في مسألة المصراة بالمتشابه من القياس وزعمهم أن هذا حديث يخالف الأصول فلا يقبل فيقال الأصول كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته والقياس الصحيح الموافق للكتاب والسنة فالحديث الصحيح أصل بنفسه فكيف يقال الأصل يخالف نفسه هذا من أبطل الباطل والأصول في الحقيقة اثنان لا ثالث لهما كلام الله وكلام رسوله وما عداهما فمردود إليهما فالسنة أصل قائم بنفسه والقياس فرع فكيف يرد الأصل بالفرع قال الإمام أحمد إنما القياس أن تقيس على أصل فأما أن تجيء إلى الأصل فتهدمه ثم تقيس فعلى أي شيء تقيس وقد تقدم بيان موافقة حديث المصراة للقياس وإبطال قول من زعم أنه خلاف القياس وأنه في الشريعة حكم يخالف القياس الصحيح وأما القياس الباطل فالشريعة كلها مخالفة له ويالله العجب كيف وافق الوضوء بالنبيذ المشتد للأصول حتى قبل وخالف خبر المصراة للأصول حتى رد
المثال الحادي والعشرون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في العرايا بالمتشابه من قوله التمر بالتمر مثلا بمثل سواء بسواء فإن هذا لا يتناول الرطب بالتمر
فإن قيل فأنتم رددتم خبر النهي عن بيع الرطب بالتمر مع أنه محكم صريح صحيح بحديث العرايا وهو متشابه
قيل فإذا كان عندكم محكما صحيحا فكيف رددتموه بالمتشابه من اشتراط المساواة بين التمر والتمر فلا بحديث النهي أخذتم ولا بحديث العرايا بل خالفتم الحديثين معا وأما نحن فأخذنا بالسنن الثلاثة وتركنا كل سنة على وجهها ومقتضاها ولم نضرب بعضها ببعض ولم نخالف شيئا منها فأخذنا بحديث النهي عن بيع التمر بالتمر متفاضلا وأخذنا بحديث النهي عن بيع الرطب بالتمر مطلقا وأخذنا بحديث العرايا وخصصنا به عموم حديث النهي

عن بيع الرطب بالتمر اتباعا لسنن رسول الله ص - كلها وإعمالا لأدلة الشرع جميعها فإنها كلها حق ولا يجوز ضرب الحق بعضه ببعض وإبطال بعضه ببعض والله الموفق
المثال الثاني والعشرون رد حديث القسامة الصحيح الصريح المحكم بالمتشابه من قوله لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه والذي شرع الحكم بالقسامة هو الذي شرع أن لا يعطى أحد بدعواه المجردة وكلا الأمرين حق من عند الله لا اختلاف فيه ولم يعط في القسامة بمجرد الدعوى وكيف يليق بمن بهرت حكمة شرعه العقول أن لا يعطى المدعي بمجرد دعواه عودا من أراك ثم يعطيه بدعوى مجردة دم أخيه المسلم وإنما أعطاه ذلك بالدليل الظاهر الذي يغلب على الظن صدقه فوق تغليب الشاهدين وهو اللوث والعداوة والقرينة الظاهرة من وجود العدو مقتولا في بيت عدوه فقوى الشارع الحكيم هذا السبب باستحلاف خمسين من أولياء القتيل الذين يبعد أو يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي البريء بدم ليس منه بسبيل ولا يكون فيهم رجل رشيد يراقب الله ولو عرض على جميع العقلاء هذا الحكم والحكم بتحليف العدو الذي وجد القتيل في داره بأنه ما قتله لرأوا أن مابينهما من العدل كما بين السماء والأرض ولو سئل كل سليم الحاسة عن قاتل هذا لقال من وجد في داره والذي يقضي منه العجب أن يرى قتيل يتشحط في دمه وعدوه هارب بسكين ملطخة بالدم ويقال القول قوله فيستحلفه بالله ما قتله ويخلي سبيله ويقدم ذلك على أحسن الأحكام وأعدلها وألصقها بالعقول والفطر الذي لو اتفقت العقلاء لم يهتدوا الأحسن منه بل ولا لمثله وأين ما تضمنه الحكم بالقسامة من حفظ الدماء إلى ما تضمنه تحليف من لا يشك مع القرائن التي تفيد القطع أنه الجاني
نظير هذا إذا رأينا رجلا من أشراف الناس حاسر الرأس بغير عمامة وآخر

أمامه يشتد عدوا وفي يه عمامة وعلى رأسه أخرى فإنا ندفع العمامة التي بيده إلى حاسر الرأس ونقبل قوله ولا نقول لصاحب اليد القول قولك مع يمينك وقوله ص - لو يعطى الناس بدعواهم لا يعارض القسامة بوجه فإنه إنما نفى الإعطاء بدعوى مجردة وقوله ولكن اليمين على المدعى عليه هو في مثل هذه الصورة حيث لا تكون مع المدعي إلا مجرد الدعوى وقد دل القرآن على رجم المرأة بلعان الزوج إذا نكلت وليس ذلك إقامة للحد بمجرد أيمان الزوج بل بها وبنكولها وهكذا في القسامة إنما يقبل فيها باللوث الظاهر والأيمان المتعددة المغلظة وهاتان بينتا هذين الموضعين والبينات تختلف بحسب حال المشهود به كما تقدم بأربعة شهود وثلاثة بالنص وإن خالفه من خالفه في بينة الإعسار واثنان وواحد ويمين ورجل وامرأتان ورجل واحد وامرأة واحدة وأربعة أيمان وخمسون يمينا ونكول وشهادة الحال ووصف المالك اللقطة وقيام القرائن والشبه الذي يخبر به القائف ومعاقد القمط ووجوه الآجر في الحائط وكونه معقودا ببناء أحدهما عند من يقول بذلك فالقسامة مع اللوث أقوى البينات
المثال الثالث والعشرون رد السنة الثابتة المحكمة في النهي عن بيع الرطب بالتمر بالمتشابه من قوله وأحل الله البيع وبالمتشابه من قياس في غاية الفساد وهو قولهم الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين وإما أن يكونا جنسا واحدا وعلى التقديرين فلا يمنع بيع أحدهما بالآخر وأنت إذا نظرت إلى هذا القياس رأيته مصادما للسنة أعظم مصادمة ومع أنه فاسد في نفسه بل هما جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر قطعا بلينته فهو أزيد أجزاء من الآخر بزيادة لا يمكن فصلها وتمييزها ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به عند الكمال إذ هو ظن وحسبان فكان المنع من بيع أحدهما بالآخر محض القياس لو لم تأت به سنة وحتى لو لم يكن ربا ولا القياس يقتضيه لكان أصلا

قائما بنفسه يجب التسليم والانقياد له كما يجب التسليم لسائر نصوصه المحكمة ومن العجب رد هذه السنة بدعوى أنها مخالفة للقياس والأصول وتحريم بيع الكسب بالسمسم ودعوى أن ذلك موافق للأصول فكل أحد يعلم أن جريان الربا بين التمر والرطب أقوب إلى الربا نصا وقياسا ومعقولا من جريانه بين الكسب والسمسم المثال الرابع والعشرون رد المحكم الصريح الصحيح من السنة بالإقراع يبن الأعبد الستة الموصى بعتقهم وقالوا هذا خلاف الأصول بالمتشابه من رأي فاسد وقياس باطل بأنهم إما أن يكون كل واحد منهم قد استحق العتق فلا يجوز نقله عنه إلى غيره أو لم يستحقه فلا يجوز أن يعتق منهم أحد وهذا الرأي الباطل كما أنه في مصادمة السنة فهو فاسد في نفسه فإن العتق إنما استحق في ثلث ماله ليس إلا والقياس والأصول تقتضي جمع الثلث في محل واحد كما إذا أوصى بثلاثة دراهم وهي كل ماله فلم يجز الورثة فإنا ندفع إلى الموصى له درهما ولا نجعله شريكا بثلث كل درهم ونظائر كل ذلك فهذا المعتق لعبيده كأنه أوصى بعتق ثلثهم إذ هذا هو الذي يملكه وفيه صحت الوصية فالحكم بجمع الثلث في اثنين منهم أحسن عقلا وشرعا وفطرة من جعل الثلث شائعا في كل واحد منهم فحكم رسول الله ص - في هذه المسألة خير من حكم غيره بالرأي المحض
المثال الخامس والعشرون رد السنة الصريحة المحكمة في تحريم الرجوع في الهبة لكل أحد إلا للوالد برأي متشابه فاسد اقتضى عكس السنة وأنه يجوز الرجوع في الهبة لكل أحد إلا لوالد أو لذي رحم محرم أو لزوج او زوجة أو يكون الواهب قد أثيب منها ففي هذه المواضع الأربعة يمتنع الرجوع وفرقوا بين الأجنبي والرحم بأن هبة القريب صلة ولا يجوز قطعها وهبة الأجنبي تبرع وله أن يمضيه وأن لا يمضيه وهذا مع كونه مصادما للسنة مصادمة محضة فهو فاسد لأن الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكة وجاز له التصرف فيها فرجوع الواهب فيها

انتزاع لملكة منه بغير رضاه وهذا باطل شرعا وعقلا وأما الوالد فولده جزء منه وهو وماله لأبيه وبينهما من البعضية ما يوجب شدة الاتصال بخلاف الأجنبي
فإن قيل لم نخالفه إلا بنص محكم صريح صحيح وهو حديث سالم عن أبيه عن النبي ص - من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها قال البيهقي قال لنا أبو عبد الله يعني الحاكم هذا حديث صحيح إلا أن يكون الحمل فيه على شيخنا يريد أحمد بن إسحاق بن محمد بن خالد الهاشمي ورواه الحاكم من حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - الواهب أحق بهبته ما لم يثب وفي كتاب الدارقطي من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي ص - قال إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها وفي الغيلانيات ثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى عن محمد بن عبد الله عن عطاء عن ابن عباس عن النبي ص - من وهب هبة فارتجع بها فهو أحق بها ما لم يثب منها ولكنه كالكلب يعود في قيئه
فالجواب أن هذه الأحاديث لا تثبت ولو ثبتت لم تحل مخالفتها ووجب العمل بها وبحديث لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولا يبطل أحدهما بالآخر ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع من وهب تبرعا محضا لا لأجل العوض والواهب الذي له الرجوع من وهب ليتعوض من هبته ويثاب منها فلم يفعل المتهب وتستعمل سنن رسول الله ص - كلها ولا يضرب بعضها ببعض أما حديث ابن عمر فقال الدارقطني لا يثبت مرفوعا والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله وقال البيهقي ورواه علي بن سهل بن المغيرة عن عبيد الله ابن موسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال سمعت سالم بن عبد الله فذكره وهو غير محفوظ بهذا الإسناد وإنما يروى عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وإبراهيم ضعيف انتهى وقال الدارقطني غلط فيه علي بن سهل انتهى وإبراهيم

ابن إسماعيل هذا قال أبو نعيم لا يساوي حديثه فلسين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وقال يحيى بن معين إبراهيم بن إسماعيل المكي ليس بشيء وقال البيهقي والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر من وهب هبة فلم يثب منها فهو أحق بها إلا لذي رحم محرم قال البخاري هذا أصح وأما حديث عبيد الله بن موسى عن حنظلة فلا أراه إلا وهما وأما حديث حماد ابن سلمة فمن رواية عبد الله بن جعفر الرقي عن ابن المبارك وعبد الله هذا ضعيف عندهم وأما حديث ابن عباس فمحمد بن عبد الله فيه هو العزرمي ولا تقوم به حجة قال الفلاس والنسائي هو متروك الحديث وفيه إبراهيم بن يحيى قال مالك ويحيى بن سعيد وابن معين هو كذاب وقال الدارقطني متروك الحديث فإن لم تصح هذه الأحاديث لم يلتفت إليها وإن صحت وجب حملها على من وهب للعوض وبالله التوفيق
المثال السادس والعشرون رد السنة المحكمة في القضاء بالقافة وقالوا هو خلاف الأصول ثم قالوا لو ادعاه اثنان ألحقناه بهما وكان هذا مقتضى الأصول
نظير هذا المثال السابع والعشرون رد السنة المحكمة الثابتة في جعل الأمة فراشا وإلحاق الولد بالسيد لم يدعه وقالوا هو خلاف الأصول والأمة لا تكون فراشا ثم قالوا لو تزوجها وهو بأقصى بقعة من المشرق وهي بأقصى بقعة من المغرب وأتت بولد لستة أشهر لحقه وإن علمنا بأنهما لم يتلاقيا قط وهي في فراش بالعقد فأمته التي يطؤها ليلا ونهارا ليست بفراش وهذه فراش وهذا مقتضى الأصول وحكم رسول الله ص - خلاف الأصول على لازم قولهم
ونظير هذا قياس الحدث على السلام في الخروج من الصلاة بكل واحد

منهما ودعوى أن ذلك موجب الأصول مع بعد ما بين الحدث والسلام وترك قياس نبيذ التمر المسكر على عصير العنب المسكر في تحريم قليل كل منهما مع شدة الأخوة بينهما ودعوى أن ذلك خلاف الأصول
ونظيره أن الذمي لو منع دينارا واحدا من الجزية انتقض عهده وحل ماله ودمه ولو حرق الكعبة البيت الحرام ومسجد رسول الله ص - وجاهر بسب الله ورسوله أقبح سب على رءوس المسلمين فعهده باق ودمه معصوم وعدم النقض بذلك مقتضى الأصول والنقض بمنع الدينار مقتضى الأصول
ونظيره أيضا إباحة قراءة القرآن بالعجمية وأنه مقتضى الأصول ومنع رواية الحديث بالمعنى وهو خلاف الأصول
ونظيره إسقاط الحد عمن استأجر امرأة ليزني بها أو تغسل ثيابه فزنى بها وأن هذا مقتضى الأصول وإيجاب الحد على الأعمى إذا وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته فبانت أجنبية
ونظيره أيضا منع المصلي من الصلاة بالوضوء من ماء يبلغ قناطير مقنطرة وقعت فيه قطرة دم أو بول وإباحتهم له أن يصلي في ثوب ربعه متلطخ بالبول وإن كان عذرة فقدر راحة الكف
ونظيره دعواهم أن الإيمان واحد والناس فيه سواء وهو مجرد التصديق وليست الأعمال داخلة في ماهيته وأن من مات ولم يصل صلاة قط في عمره مع قدرته وصحة جسمه وفراغه فهو مؤمن وتكفيرهم من يقول مسيجد أو فقيه بالتصغير أو يقول للخمر أو للسماع المحرم ما أطيبه وألذه
ونظير ذلك أنه لو شهد عليه أربعة بالزنا فقال صدقوا سقط عنه الحد بتصديقهم ولو قال كذبوا علي حد

ونظيره أنه لا يصح استئجار دار تجعل مسجدا يصلي فيه المسلمون وتصح إجارتها كنيسة يعبد فيها الصليب والنار
ونظيره أنه لو قهقه في صلاته بطل وضوءه ولو غنى في صلاته أو قذف المحصنات أو شهد بالزور فوضوء بحاله
ونظيره أنه لو وقع في البئر فأرة تنجست البئر فإذا نزع منها دلو فالدلو والماء نجسان ثم هكذا إلى تمام كذا وكذا دلوا فإذا نزع الدلو الذي قبل الأخير فرشرش على حيطان البئر نجسها كلها فإذا جاءت النوبة إلى الدلو الأخير قشقش النجاسة كلها من البئر وحيطانها وطينها بعد أن كانت نجسة
ونظيره إنكار كون القرعة التي ثبت فيها ستة أحاديث عن رسول الله ص - وفيها آيتان من كتاب الله طريقا للأحكامم الشرعية وإثبات حل الوطء بشهادة الزور التي يعلم المقدوح أنها شهادة زور وبها فرق الشاهدان بين الرجل والمرأة
ونظير هذا إيجاب الاستبراء على السيد إذا ملك امرأة بكرا لا يوطأ مثلها مع القطع ببراءة رحمها وإسقاطه عمن أراد وطء الأمة التي وطئها سيدها البارحة ثم اشتراها هو فملكها لغيره ثم وكله في تزويجها منه فقالوا يحل له وطؤها وليس بين وطء بائعها ووطئه هو إلا ساعة من نهار
ونظير هذا التناقض إباحة نكاح المخلوقة من ماء الزاني مع كونها بعضه مع تحريم المرضعة من لبن امرأته لكون اللبن ثاب بوطئه فقد صار فيه جزء منه فيالله العجب كيف انتهض هذا الجزء اليسير سببا للتحريم ثم يباح له وطؤها وهي جزؤه الحقيقي وسلالته وأين تشنيعكم وإنكاركم لاستمناء الرجل بيده عند الحاجة خوفا من العنت ثم تجوزون له وطء بنته المخلوقة من مائه حقيقة
ونظير هذا لو ادعى على ذمي حقا وأقام به شاهدين عبدين عالمين صالحين

مقبولة شهادتهما على رسول الله ص - لم تقبل شهادتهما عليه فإن أقام به شاهدين كافرين حرين قبلت شهادتهما عليه مع كونهما من أكذب الخلق على الله وأنبيائه ودينه
نظير هذا لو تداعيا حائطا لأحدهما عليه خشبتان وللآخر عليه ثلاث خشبات ولا بينة فهو كله لصاحب الخشبات الثلاث فلو كان لأحدهما ثلاث خشبات وللآخر مائة خشبة بينهما نصفين
ونظير هذا لو اغتصب نصراني رجلا على ابنته أو امرأته أو حرمته وزنى بها ثم شدخ رأسها بحجر أو رمى بها من أعلى شاهق حتى ماتت فلا حد عليه ولا قصاص فلو قتله المسلم صاحب الحرمة بقصبة محددة قتل به
نظير هذا أنه لو أكره على قتل ألف مسلم أو أكثر بسجن شهر وأخذ شيء من ماله فقتلهم فلا قود عليه ولا دية حتى إذا أكره بالقتل على عتق أمته أو طلاق زوجته لزمه حكم العتق والطلاق ولم يكن الإكراه مانعا من نفوذ حكمنا عليه مع أن الله سبحانه أباح التكلم بكلمة الكفر مع الإكراه ولم يبح قتل المسلم بالإكراه أبدا
ونظير هذا إبطال الصلاة بتسبيح من نابه شيء في صلاته وقد أمر به النبي ص - وتصحيح صلاة من ركع ثم خر ساجدا من غير أن يقيم صلبه وقد أبطلها النبي ص - بقوله لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في ركوعه وسجوده ودعوى أن ذلك مقتضى الأصول
نظيره أيضا إبطال الصلاة بالإشارة لرد السلام أو غيره وقد أشار النبي ص - في صلاته برد السلام وأشار الصحابة برءوسهم تارة وبأكفهم تارة وتصحيحها مع ترك الطمأنينة وقد أمر بها النبي ص - ونفى الصلاة بدونها وأخبر أن صلاة النقر صلاة المنافقين وأخبر حذيفة أن من

صلى كذلك لقي الله على غير الفطرة التي فطر الله عليها رسوله ص - وأخبر النبي ص - أن من لا يتم ركوعه ولا سجوده أسوأ الناس سرقة وهذا يدل على أنه أسوأ حالا عند الله من سراق الأموال
ونظير هذا قولهم لو أن رجلا مسلما طاهر البدن عليه جنابة غمس يده في بئر بنية رفع الحدث صارت البئر كلها نجسة يحرم شرب مائها والوضوء منه والطبخ به فلو اغتسل فيها مائة نصراني قلف عابدو صليب أو مائة يهودي فماؤها باق على حاله طاهر مطهر يجوز الوضوء منه وشربه والطبخ به
نظيره لو ماتت فأرة في ماء فصب ذلك الماء في بئر لم ينزح منها إلا عشرون دلوا فقط وتطهر بذلك ولو توضأ رجل مسلم طاهر الأعضاء بماء فسقط ذلك الماء في البئر فلابد أن تنزح كلها
ونظير هذا قولهم لو عقد على أمه أو أخته أو بنته ووطئها وهو يعلم أن الله حرم ذلك فلا حد عليه لأن صورة العقد شبهة ولو رأى امرأة في الظلمة ظنها امرأته فوطئها فعليه الحد ولم يكن ذلك شبهة
ونظيره قولهم لو أنه رشا شاهدين فشهدا بالزور المحض أن فلانا طلق امرأته ففرق الحاكم بينهما جاز له أن يتزوجها ويطأها حلالا بل ويجوز لأحد الشاهدين ذلك فلو حكم حاكم بصحة هذا العقد لم يجز نقض حكمه ولو حكم حاكم بالشاهد واليمين لنقض حكمه وقد حكم به النبي ص -
ونظير ذلك قولهم لو تزوج امرأة فخرجت مجنونة برصاء من قرنها إلى قدمها مجذومة عمياء مقطوعة الأطراف فلا خيار له وكذلك إذا وجدت هي الزوج كذلك فلا خيار لها وإن خرج الزوج من خيار عباد الله وأغناهم وأجملهم وأعلمهم وليس له أبوان في الإسلام وللزوجة أبوان في الإسلام فلها الفسخ بذلك

ونظيره قولهم يصح نكاح الشغار ويجب فيه مهر المثل وقد صح نهي رسول الله ص - عنه وتحريمه إياه ولا يصح نكاح من أعتق أمة وجعل عنقها صداقها وقد فعله رسول الله ص -
ونظيره قولهم يصح نكاح التحليل وقد صح لعنة رسول الله ص - لمن فعله من رواية عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة ولا يصح نكاح الأمة لمضطر خائف العنت عادم الطول إذا كانت تحته حرة ولو كانت عجوزا شا لا تعفه
ونظيره قولهم يجوز بيع الكلب وقد منع منه النبي ص - وتحريم بيع المدبر وقد باعه رسول الله ص -
ونظيره قولهم للجار أن يمنع جاره أن يغرز خشبة هو محتاج إلى غرزها في حائطه وقد نهاه رسول الله ص - عن منمعه وتسليطهم إياه على انتزاع دراه كلها منه بالشفعة بعد وقوع الحدود وتصريف الطرق وقد أبطلها النبي ص -
ونظيره قولهم لا يحكم بالقسامة لأنها خلاف الأصول ثم قالوا يحلف الذين وجدوا القتيل في محلتهم ودارهم خمسين يمينا ثم يقتضى عليهم بالدية فيالله العجب كيف كيف هذا وفق الأصول وحكم رسول الله ص - خلاف الأصول
ونظيره قولهم لو تزوج امرأة فقالت له امرأة أخرى أنا أرضعتك وزوجتك أو قال له رجل هذه أختك من الرضاعة جاز له تكذيبها ووطء الزوجة مع أن هذه هي الوقعة التي أمر رسول الله ص - عقبة ابن الحارث بفراق امرأته لأجل قول الأمة السوداء إنها أرضعتهما ولو اشترى طعاما أو ماء فقال له رجل هذا ذبيحة مجوسي أو نجس لم يسعه أن يتناوله مع أن الأصل في الطعام والماء الحل والأصل في الأبضاع التحريم ثم قالوا

لو قال المخبر هذا الطعام والشراب لفلان سرقه أو غصبه منه فلان وسعه أن يتناوله
ونظير هذا قولهم لو أسلم وتحته أختان وخيرناه فطلق إحداهما كانت هي المختارة والتي أمسكها هي المفارقة قالوا لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة وأصحاب أبي حنيفة تخلصوا من هذا بأنه إن عقد على الأختين في عقد واحد فسد نكاحهما واستأنف نكاح من شاء منهما وإن تزوج واحدة بعد واحدة فنكاح الأولى هو الصحيح ونكاح الثانية فاسد ولكن لزمهم نظيره في مسألة العبد إذا تزوج بدون إذن سيده كان موقوفا على إجازته فلو قال له طلقها طلاقا رجعيا كان ذلك إجازة منه للناكح فلو قال له طلقها ولم يقل رجعيا لم يكن إجازة للنكاح مع ان الطلاق في هذا النكاح لا يكون رجعيا إلا بعد الإجازة وقبل الدخول وأما قبل الإجازة والدخول فلا ينقسم إلى بائن ورجعي
المثال الثامن والعشرون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في أن من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح بكونها خلاف الأصول وبالمتشابه من نهيه ص - عن الصلاة وقت طلوع الشمس قالوا والعام عندنا يعارض الخاص فقد تعارض حاظر ومبيح فقدمنا الحاظر احتياطا فإنه يوجب عليه الصلاة وحديث الإتمام يجوز له المضي فيها وإذا تعارضا صبرنا إلى النص الذي يوجب الإعادة لتتيقن براءة الذمة فيقال لا ريب أن قوله ص - من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته حديث واحد قاله ص - في وقت واحد وقد وجبت طاعته في شطره فتجب طاعته في الشطر الآخر وهو محكم خاص لا يحتمل إلا وجها واحدا لا يحتمل غيره البتة وحديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي عام

مجمل قد خص منه عصر يومه بالإجماع وخص منه قضاء الفائتة والمنسية بالنص وخص منه ذوات الأسباب بالسنة كما قضى النبي ص - سنة الظهر بعد العصر وأقر من قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر وقد أعلمه أنها سنة الفجر وأمر من صلى في رحله ثم جاء مسجد جماعة ان يصلي معهم وتكون له نافلة وقاله في صلاة الفجر وهي سبب الحديث وأمر الداخل والإمام يخطب أن يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس وأيضا فإن الأمر بإتمام الصلاة وقد طلعت الشمس فيها أمر بإتمام لا بابتداء والنهي عن الصلاة في ذلك الوقت نهي عن ابتدائها لا عن استدامتها فإنه لم يقل لا تتموا الصلاة في ذلك الوقت وإنما قال لا تصلوا وأين أحكام الابتداء من الدوام وقد فرق النص والإجماع والقياس بينهما فلا تؤخذ أحكام الدوام من أحكام الابتداء ولا أحكام اللابتداء من أحكام الدوام في عامة مسائل الشريعة فالإحرام ينافي ابتداء النكاح والطيب دون استدامتهما والنكاح ينافي قيام العدة والردة دون استدامتهما والحدث ينافي ابتداء المسح على الخفين دون استدامته وزوال خوف العنت ينافي ابتداء النكاح على الأمة دون استدامته عند الجمهور والزنا من المرأة ينافي ابتداء عقد النكاح دون استدامته عند الإمام أحمد ومن وافقه والذهول عن نية العبادة ينافي ابتداءها دون استدامتها وفقد الكفاءة ينافي لزوم النكاح في الابتداء دون الدوام وحصول الغنى ينافي جواز الأخذ من الزكاة ابتداء ولا ينافيه دواما وحصول الحجر بالسفه والجنون ينافي ابتداء العقد من المحجور عليه ولا ينافي دوامه وطريان ما يمنع الشهادة من الفسق والكفر والعداوة بعد الحكم بها لا يمنع العمل بها على الدوام ويمنعه في الابتداء والقدرة على التكفير بالمال تمنع التكفير بالصوم ابتداء لا دواما والقدرة على هدي التمتع تمنع الانتقال إلى الصوم ابتداء لا دواما والقدرة على الماء تمنع ابتداء التيمم اتفاقا وفي منعه لاستدامة الصلاة بالتيمم خلاف بين أهل العلم ولا يجوز إجارة العين المغصوبة ممن لا يقدر على تخليصها ولو غصبها بعد العقد من لا يقدر

المستأجر على تخليصها منه لم تنفسخ الإجارة وخير المستأجر بين فسخ العقد وإمضائه ويمنع أهل الذمة من ابتداء إحداث كنيسة في دار الإسلام ولا يمنعون من استدامتها ولو حلف لا يتزوج ولا يتطيب أولا يتطهر فاستدام ذلك لم يحنث وإن ابتدأه حنث وأضعاف اضعاف ذلك من الأحكام التي يفرق فيها بين الابتداء والدوام فيحتاج في ابتدائها إلى ما لا يحتاج إليه في دوامها وذلك لقوة الدوام وثبوته واستقرار حكمه وأيضا فهو مستصحب بالأصل وأيضا فالدافع أسهل من الرافع وأيضا فأحكام التبع يثبت فيها مالا يثبت في المتبوعات والمستدام تابع لأصله الثابت فلو لم يكن في المسألة نص لكان القياس يقتضي صحة ما ورد به النص فكيف وقد توارد عليه النص والقياس
فقد تبين أنه لم يتعارض في هذه المسألة عام وخاص ولا نص وقياس بل النص فيها والقياس متفقان والنص للعام لا يتناول مورد الخاص ولا هو داخل تحت لفظه ولو قدر صلاحية لفظه له فالخاص بيان لعدم إرادته فلا يجوز تعطيل حكمه وإبطاله بل تيعين إعماله واعتباره ولا تضرب أحاديث رسول الله ص - بعضها ببعض وهذه القاعدة أولى من القاعدة التي تتضمن إبطال إحدى السنتين وإلغاء أحد الدليلين والله الموفق
ثم نقول الصورة التي أبطلتم فيها الصلاة وهي حالة طلوع الشمس وخالفتم السنة أولى بالصحة من الصورة التي وافقتم فيها السنة فإنه إذا ابتدأ العصر قبل الغروب فقد ابتدأها في وقت نهي وهو وقت ناقص بل هو أولى الأوقات بالنقصان كما جعله النبي ص - وقت صلاة المنافقين حين تصير الشمس بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار وإنما كان النهي عن الصلاة قبل ذلك الوقت حريما له وسدا للذريعة وهو بخلاف من ابتدأ الصلاة قبل طلوع الشمس فإن الكفار حينئذ لا يسجدون لها بل ينتظرون بسجودهم طلوعها فكيف يقال تبطل صلاة من ابتدأها في وقت تام لا يسجد فيه الكفار

للشمس وتصح صلاة من ابتدأها وقت سجود الكفار للشمس سواء وهو الوقت الذي تكون فيه بين قرني الشيطان فإنه حينئذ يقارنها ليقع السجود له كما يقارنها وقت الطلوع ليقع السجود له فإذا كان ابتداؤها وقت مقارنة الشيطان لها غير مانع من صحتها فلأن تكون استدامتها وقت مقارنة الشيطان غير مانع من الصحة بطريق الأولى والأخرى فإن كان في الدنيا قياس صحيح فهذا من أصحه فقد تبين ان الصورة التي خالفتم فيها النص أولى بالجواز قياسا من الصورة التي وافقتموه فيها
وهذا مما حصلته عن شيخ الإسلام قدس الله روحه وقت القراءة عليه وهذه كانت طريقته وإنما يقرر أن القياس الصحيح هو ما دل عليه النص وأن من خالف النص للقياس فقد وقع في مخالفة القياس والنص معا وبالله التوفيق
ومن العجب أنهم قالوا لو صلى ركعة من العصر ثم غربت الشمس صحت صلاته وكان مدركا لها لقول رسول الله ص - من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وهذا شطر الحديث وشطره الثاني ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر
المثال التاسع والعشرون رد السنة الثابتة المحكمة الصريحة في دفع اللقطة إلى من وصف عفاصها ووعاءها ووكاءها وقالوا هو مخالف للأصول فكيف يعطي المدعي بدعواه من غير بينة ثم لم ينشبوا أن قالوا من ادعى لقيطا عند غيره ثم وصف علامات في بدنه فإنه يقضى له به بغير بينة ولم يروا ذلك خلاف الأصول وقالوا من ادعى خصيا ومعاقد قمطة من جهته قضى له به ولم يكن ذلك خلاف الأصول ومن ادعى حائطا ووجوه الآجر من جهته قضي له به ولم يكن ذلك خلاف الأصول ومن ادعى مالا على غيره فأنكر ونكل عن اليمين قضي له بدعواه ولم يكن ذلك خلاف الأصول وإذا ادعى الزوجان ما في البيت قضي لكل واحد منهما بما يناسبه ولم يكن ذلك خلاف الأصول

ونحن نقول ليس في الأصول ما يبطل الحكم بدفع اللقطة إلى واصفها البتة بل هو مقتضى الأصول فإن الظن المستفاد بوصفه أعظم من الظن المستفاد بمجرد النكول بل وبالشاهدين فوصفه بينة ظاهرة على صحة دعواه لا سيما ولم يعارضه معارض فلا يجوز إلغاء دليل صدقه مع عدم معارض أقوى منه فهذا خلاف الأصول حقا لا موجب السنة
المثال الثلاثون رد السنة الثابتة المحكمة الصريحة في صحة صلاة من تكلم فيها جاهلا أو ناسيا بأنها خلاف الأصول ثم قالوا من أكل في رمضان أو شرب ناسيا صح صومه مع اعترافهم بأن ذلك على خلاف الأصول والقياس لكن تبعنا فيه السنة فما الذي منعكم من تقديم السنة الأخرى على القياس والأصول كما قدمتم خبر القهقهة في الصلاة والوضوء بنبيذ التمر وآثار الآبار على القياس والأصول
المثال الحادي والثلاثون رد السنة الثابتة المحكمة في اشتراط البائع منفعة المبيع مدة معلومة بأنها خلاف الأصول ثم قالوا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع في الحال مع العلم بأنها لو قطعت لم تكن مالا ينتفع به ولا يساوي شيئا البتة ثم لهما أن يتفقا على بقائها إلى حين الكمال ودعوى أن ذلك موافق للأصول وهو عين ما نهى عنه النبي ص -
المثال الثاني والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تخيير النبي ص - الولد بين أبويه وقالوا هو خلاف الأصول ثم قالوا إذا زوج الولي غير الأب الصغيرة صح وكان النكاح لازما فإذا بلغت انقلب جائزا وثبت لها الخيار بين الفسخ والإمضاء وهذا وفق الأصول فياللعجب أين في الأصول التي هي كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة المستند إلى الكتاب والسنة موافقة هذا الحكم للأصول ومخالفة حكم رسول الله ص - بالتخيير بين الأبوين للأصول

المثال الثالث والثلاثون رد السنة الثابتة الصحيحة الصريحة المحكمة في رجم الزانيين الكتابيين بأنها خلاف الأصول وسقوط الحد عمن عقد على أمه ووطئها وأن هذا هو مقتضى الأصول فياعجبا لهذه الأصول التي منعت إقامة الحد على من أقامه عليه رسول الله ص - وأسقتطه عمن لم يسقطه عنه فإنه ثبت عنه أنه أرسل البراء بن عازب إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن يضرب عنقه ويأخذ ماله فوالله ما رضي له بحد الزاني حتى حكم عليه بضرب العنق وأخذ المال وهذا هو الحق المحض فإن جريمته أعظم من جريمة من زنى بامرأة أبيه من غير عقد فإن هذا ارتكب محظورا واحدا والعاقد عليها ضم إلى جريمة الوطء جريمة العقد الذي حرمه الله فانتهك حرمة شرعه بالعقد وحرمة أمه بالوطء ثم يقال الأصول تقتضي سقوط الحد عنه وكذلك حكم رسول الله ص - برجم اليهوديين هو من أعظم الأصول فكيف رد هذا الأصل العظيم بالرأي الفاسد ويقال أنه مقتضى الأصول
فإن قيل إنما حكم رسول الله ص - بالرجم بما في التوراة إلزاما لهما بما اعتقدا صحته
قيل هب أن الأمر كذلك أفحكم بحق يجب اتباعه وموافقته وتحرم مخالفته أم بغير ذلك فاختاروا أحد الجوابين ثم اذهبوا إلى ما شئتم
المثال الرابع والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وجوب الوفاء بالشروط في النكاح وإنها أحق الشروط بالوفاء على الإطلاق بأنها خلاف الأصول والأخذ بحديث النهي عن بيع وشرط الذي لا يعلم له إسناد يصح مع مخالفته للسنة الصحيحة والقياس ولانعقاد الإجماع على خلافه ودعوى أنه موافق للأصول
أما مخالفته للسنة الصحيحة فإن جابرا باع بعيره وشرط ركوبه إلى المدينة والنبي ص - قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه

المبتاع فجعله للمشتري بالشرط الزائد على عقد البيع وقال من باع ثمرة قد أبرت فهي للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فهذا بيع وشرط ثابت بالسنة الصحيحة الصريحة
وأما مخالفته للإجماع فالأمة مجمعة على جواز اشتراط الرهن والكفيل والضمين والتأجيل والخيار ثلاثة أيام ونقد غير نقد البلد فهذا بيع وشرط متفق عليه فكيف يجعل النهي عن بيع وشرط موافقا للأصول وشروط النكاح التي هي أحق الشروط بالوفاء مخالفة للأصول
المثال الخامس والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في دفع الأرض بالثلث والربع مزارعة بأنها خلاف الأصول والأخذ بالحديث الذي لا يثبت بوجه أنه نهى عن قفيز الطحان وهو أن يدفع حنطته إلى من يطحنها بقفيز منها أو غزلة إلى من ينسجه ثوبا بجزء منه أو زيتونة إلى من يعصره بجزء منه ونحو ذلك مما لا غرر فيه ولا خطر ولا قمار ولا جهالة ولا أكل مال بالباطل بل هو نظير دفع ماله إلى من يتجر فيه بجزء من الربح بل أولى فإنه قد لا يربح المال فيذهب عمله مجانا وهذا لا يذهب عمله مجانا فإنه يطحن الحب ويعصر الزيتون ويحصل على جزء منه يكون به شريكا لمالكه فهو أولى بالجواز من المضاربة فكيف يكون المنع منه موافقا للأصول والمزارعة التي فعلها رسول الله ص - وخلفاؤه الراشدون خلاف الأصول
المثال السادس والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة التي رواها بضعة وعشرون صحابيا في أن المدينة حرم يحرم صيدها ودعوى أن ذلك خلاف الأصول ومعارضتها بالمتشابه من قوله ص - يا أبا عمير ما فعل النغير ويالله العجب أي الأصول التي خالفتها هذه السنن وهي من أعظم الأصول فهلا رد حديث أبي عمير لمخالفته هذه الأصول ونحن نقول معاذ الله

أن نرد لرسول الله ص - سنة صحيحة غير معلومة النسخ أبدا وحديث أبي عمير يحتمل أربعة أوجه قد ذهب إلى كل منها طائفة أحدها أن يكون متقدما على أحاديث تحريم المدينة فيكون منسوخا الثاني أن يكون متأخرا عنها معارضا لها فيكون ناسخا الثالث أن يكون النغير مما صيد خارج المدينة ثم أدخل المدينة كما هو الغالب من الصيود الرابع أن يكون رخصة لذلك الصغير دون غيره كما زحف لأبي بردة في التضحية بالعناق دون غيره فهو متشابه كما ترى فكيف يجعل أصلا يقدم على تلك النصوص الكثيرة المحكمة الصريحة التي لا تحتمل إلا وجها واحدا
المثال السابع والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله فيما سقت السماء العشر وما سقي بنضح أو غرب فنصف العشر قالوا وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب فيقال يجب العمل بكلا الحديثين و لا يجوز معارضة أحدهما بالآخر وإلغاء أحدهما بالكلية فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا ولا تعارض بينهما بحمد الله بوجه من الوجوه فإن قوله فيما سقت السماء العشر إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصفه فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصا في الحديث الآخر فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصد وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص ويالله العجب كيف يخصون عموم القرآن والسنة بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون مختلفا في الاحتجاج به وهو محل اشتباه واضطراب

إذ ما من قياس إلا وتمكن معارضته بقياس مثله أو دونه أو أقوى منه بخلاف السنة الصحيحة الصريحة فإنها لا يعارضها إلا سنة ناسخة معلومة التأخر والمخالفة ثم يقال إذا خصصتم عموم قوله فيما سقت السماء العشر بالقصب والحشيش ولا ذكر لهما في النص فهلا خصصتموه بقوله لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق وإذا كنتم تخصون العموم بالقياس فهلا خصصتم هذا العام بالقياس الجلي الذي هو من أجلى القياس وأصحه على سائر أنواع المال الذي تجب فيه الزكاة فإن الزكاة الخاصة لم يشرعها الله ورسوله في مال إلا وجعل له نصابا كالمواشي والذهب والفضة ويقال أيضا فهلا أوجبتم الزكاة في قليل كل مال وكثيره عملا بقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وبقوله ص - ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر وبقوله ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار وهلا كان هذا العموم عندكم مقدما على أحاديث النصب الخاصة وهلا قلتم هناك تعارض مسقط وموجب فقدمنا الموجب احتياطا وهذا في غاية الوضوح وبالله التوفيق
المثال الثامن والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في جواز النكاح بما قل من المهر ولو خاتما من حديد مع موافقتها لعموم القرآن في قوله أن تبتغوا بأموالكم وللقياس في جواز التراضي بالمعاوضة على القليل والكثير بأثر لا يثبت وقياس من أفسد القياس على قطع يد السارق وأين النكاح من اللصوصية وأين استباحة الفرج به من قطع اليد في السرقة وقد تقدم مرارا أن أصح الناس قياسا أهل الحديث وكلما كان الرجل إلى الحديث أقرب كان قياسه أصح وكلما كان عن الحديث أبعد كان قياسه أفسد
المثال التاسع والثلاثون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة فيمن أسلم وتحته

أختان أنه يخير في إمساك من شاء منهما وترك الأخرى بأنه خلاف الأصول وقالوا قياس الأصول يقتضتي أنه إن نكح واحدة بعد واحدة فنكاح الثانية هو المردود ونكاح الأولى هو الصحيح من غير تخيير وإن نكحهما معا فنكاحهما باطل ولا تخيير وكذلك حديث من أسلم على عشر نسوة وربما أولوا التخيير بتخييره في ابتداء العقد على من شاء من المنكوحات ولفظ الحديث يأتي هذا التأويل أشد الإباء فإنه قال أمسك أربعا وفارق سائرهن رواه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان أسلم فذكره قال مسلم هكذا روى معمر هذا الحديث بالبصرة فإن رواه عنه ثقة خارج البصريين حكمنا له بالصحة أو قال صار الحديث صحيحا وإلا فالإرسال أولى قال البيهقي فوجدنا سفيان بن سعيد الثوري وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وعيسى بن يونس وثلاثتهم كوفيون حدثوا به عن معمر متصلا وهكذا عن يحيى بن أبي كثير وهو يماني وعن الفضل ابن موسى وهو خراساني عن معمر متصلا عن النبي ص - فصح الحديث بذلك وقد روى عن أيوب السختياني عن نافع وسالم عن ابن عمر متصلا قال أبو علي الحافظ تفرد به سوار بن محيشر عن أيوب وسوار بصري ثقة قال الحاكم رواة هذا الحديث كلهم ثقات تقوم الحجة بروايتهم وقد روى أبو داود عن فيروز الديلمي قال قلت يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان قال طلق أيتهما شئت
فهذان الحديثان هما الأصول التي نرد ما خالفها من القياس أما أن نقعد قاعدة ونقول هذا هو الأصل ثم نرد السنة لأجل مخالفة تلك القاعدة فلعمر الله لهدم ألف قاعدة لم يؤصلها الله ورسوله أفرض علينا من رد حديث واحد وهذه القاعدة معلومة البطلان من الدين فإن أنكحه الكفار لم يتعارض لها ص - كيف وقعت وهل صادفت الشروط المعتبرة في لإسلام فتصح أم لم تصادفها فتبطل وإنما اعتبر حالها وقت إسلام الزوج فإن كان ممن يجوز له المقام مع امرأته أقرهما ولو كان في الجاهلية قد وقع على غير شرطه من الولي والشهود وغير ذلك

وإن لم يكن الآن ممن يجوز له الاستمرار لم يقر عليه كما لو أسلم وتحته ذات رحم محرم أو أختان أو أكثر من أربع فهذا هو الأصل الذي أصلته سنة رسول الله ص - وما خالفه فلا يلتفت إليه والله الموفق
المثال الأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة أن رسول الله ص - لم يكن يفرق بين من أسلم وبين امرأته إذا لم تسلم معه بل متى أسلم الآخر فالنكاح بحاله ما لم تتزوج هذه سنته المعلومة قال الشافعي أسلم أبو سفيان بن حرب بمر الظهران وهي دار خزاعة وخزاعة مسلمون قبل الفتح وفي دار الإسلام ورجع إلى مكة وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان بأيام كثيرة وقد كانت كافرة مقيمة بدار الإسلام وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة ثم أسلمت قبل انقضاء العدة واستقرا على النكاح لأن عدتها لم تنقض حتى أسلمت وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة وصارت دارهما دار الإسلام وظهر حكم رسول الله ص - بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار الإسلام وشهد حنينا وهو كافر ثم أسلم فاستقرت عنده امرأته بالنكاح الأول وذلك أنه لم تنقض عدتها
وقد حفظ أهل العلم بالمغازي أن امرأة من الأنصار كانت عند رجل بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة فقدم زوجها وهي في العدة فاستقرا على النكاح قال الزهري لم يبلغني أن امرأة هاجرت إلى الله ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وإنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان المشركون على منزلتين من النبي ص - أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه وأهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح فإن هاجرت قبل أن تنكح ردت إليه
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس قال رد رسول الله ص - زينب ابنته على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا بعد ست سنين وفي لفظ الأحمد ولم يحدث شهادة ولا صداقا وعند الترمذي ولم يحدث نكاحا قال الترمذي هذا حديث حسن ليس بإسناده بأس وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ص - ردها على أبي العاص بنكاح جديد قال الترمذي في إسناده مقال وقال الإمام أحمد وهذا حديث ضعيف والصحيح أنه أقرهما على النكاح الأول وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابي عباس أن النبي ص - ردا بالنكاح الأول وقال الترمذي في كتاب العلل له سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال حديث ابن عباس في هذا الباب أصح من حديث عمرو بن شعيب فكيف تجعل هذا الحديث الضعيف أصلا ترد به السنة الصحيحة المعلومة ويجعل خلاف الأصول
فإن قيل إنما جعلناها خلاف الأصول لقوله تعالى لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك وقوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر ولأن اختلاف الدين مانع من ابتداء النكاح فكان مانعا من دوامه كالرضاع

قيل لا تخالف السنة شيئا من هذه الأصول إلا هذا القياس الفاسد فإن هذه الأصول إنما دلت على تحريم نكاح الكافر ابتداء والكافرة غير الكتابيين وهذا حق لا خلاف فيه بين الأمة ولكن أين في هذه الأصول ما يوجب تعجل الفرقة بالإسلام وأن لا تتوقف على انقضاء العدة ومعلوم أن افتراقهما في الدين سبب لافتراقهما في النكاح ولكن توقف السبب على وجود شرطه وانتفاء مانعه لا يخرجه عن السببية فإذا وجد الشرط وانتفى المانع عمل عمله واقتضى أثره والقرآن إنما دل على السببية والسنة دلت على شرط السبب ومانعه كسائر الأسباب التي فصلت السنة شروطها وموانعها كقوله وأحل لكم ما وراء ذلكم وقوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء وقوله فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره وقوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا ونظائر ذلك فلا يجوز أن يجعل بيان الشروط والموانع معارضة لبيان الأسباب والموجبات فتعود السنة كلها أو أكثرها معارضة للقرآن وهذا محال
المثال الحادي والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة بأن ذكاة الجنين ذكاة أمه بأنها خلاف الأصول وهو تحريم الميتة فيقال الذي جاء على لسانه تحريم الميتة هو الذي أباح الأجنة المذكورة فلو قدر أنها ميتة لكان استثناؤها بمنزلة استثناء السمك والجراد من الميتة فكيف وليست بميتة فإنها جزء منأجزاء الم والذكاة قد أتت على جميع أجزائها فلا يحتاج أن يفرد كل جزء منها بذكاة والجنين تابع للأم جزء منها فهذا هو مقتضى الأصول الصحيحة ولو لم ترد السنة بالإباحة فكيف وقد وردت بالإباحة الموافقة للقياس والأصول
فإن قيل فالحديث عليكم فإنه قال ذكاة الجنين ذكاة امه

والمراد التشبيه أي ذكاته كذكاة امه وهذا يدل على أنه لا يباح إلا بذكاة تشبه ذكاة الأم
قيل هذا السؤال شقيق قول القائل كلمة تكفي العاقل فلو تأملتم الحديث لمتستحسنوا إيراد هذا السؤال فإن لفظ الحديث هكذا عن أبي سعيد قال قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه فأباح لهم أكله معللا بأن ذكاة الأم له فقد اتفق النص والأصل والقياس ولله الحمد
المثال الثاني والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في إشعار الهدي بأنها خلاف الأصول إذ الإشعار مثله ولعمر الله أن هذه السنة خلاف الأصول الباطلة وما ضرها ذلك شيئا والمثلة المحرمة هي العدوان الذي لا يكون عقوبة ولا تعظيما لشعائر الله فأما شق صفحة سنام البعير المستحب أو الواجب ذبحه ليسيل دمه قليلا فيظهر شعار الإسلام وإقامة هذه السنة التي هي من أحب الأشياء إلى الله فعلى وفق الأصول وأي كتاب أو سنة حرم ذلك حتى يكون خلافا للأصول
وقياس الإشعار على المثلة المحرمة من أفسد قياس على وجه الأرض فإنه قياس ما يحبه الله ويرضاه على ما يبغضه ويسخطه وينهى عنه ولو لم يكن في حكمة الإشعار إلا تعظيم شعائر الله وإظهارها وعلم الناس بأن هذه قرابين الله
تعالى تساق إلى بيته تذبح له ويتقرب بها إليه عند بيته كما يتقرب إليه بالصلاة إلى بيته عكس ما عليه أعداؤه المشركون الذين يذبحون لأربابهم ويصلون لها فشرع لأوليائه وأهل توحيده أن يكون نسكهم وصلاتهم لله وحده وأن يظهروا شعائر توحيده غاية الإظهار ليعلوا دينه على كل دين فهذه هي الأصول الصحيحة التي جاءت السنة بالإشعار على وفقها ولله الحمد

المثال الثالث والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة أن النبي ص - قال لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح متفق عليه وفي أفراد مسلم من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد اطلع رجل من جحر في حجرة رسول الله ص - ومعه مدرى يحك بها رأسه فقال لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل النظر وفي صحيح مسلم عن أنس أن رجلا اطلع من بعض حجر رسول الله ص - فقام إليه بمشقص أو بمشاقص قال وكأني أنظر إلى رسول الله ص - يختله ليطعنه وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة عن النبي ص - قال من اطلع على قوم بغير إذنهم فرموه فأصابوا عينه فلا دية له ولا قصاص
فردت هذه السنن بأنها خلاف الأصول فإن الله إنما أباح قلع العين بالعين لا بجناية النظر ولهذا لو جنى عليه بلسانه لم يقطع ولو استمع عليه بأذنه لم يجز أن يقطع أذنه
فيقال بل هذه السنن من أعظم الأصول فما خالفها فهو خلاف الأصول وقولكم إنما شرع الله سبحانه أخذ العين بالعين فهذا حق في القصاص وأما العضو الجاني المتعدي الذي لا يمكن دفع ضرره وعدوانه إلا برميه فإن الآية تتناوله نفيا ولا إثباتا والسنة جاءت ببيان حكمه بيانا ابتدائيا لما سكت عنه القرآن لا مخالفا لما حكم به القرآن وهذا اسم آخر غير فقء العين قصاصا وغير دفع الصائل الذي يدفع بالأسهل فالأسهل إذ المقصود دفع ضرر صياله فإذا اندفع بالعصا لم يدفع بالسيف وأما هذا المتعدي بالنظر المحرم الذي لا يمكن الاحتراز منه فإنه إنما يقع على وجه الاختفاء والختل فهو قسم آخر غير الجاني وغير الصائل الذي لم يتحقق عدوانه ولا يقع هذا

غالبا إلا على وجه الاختفاء وعدم مشاهدة غير الناظر إليه فلو كلف المنظور إليه إقامة البينة على جنايته لتعذرت عليه ولو أمر بدفعه بالأسهل فالأسهل ذهبت جناية عدوانه بالنظر إليه وإلى حريمه هدرا والشريعة الكاملة تأبى هذا وهذا فكان أحسن ما يمكن وأصلحه وأكفه لنا وللجاني ما جاءت به السنة التي لا معارض لها ولا دافع لصحتها من خذف ما هنالك وإن لم يكن هناك بصر عاد لم يضر خذف الحصاة وإن كان هنالك بصر عاد لا يلومن إلا نفسه فهو الذي عرضه صاحبه للتلف فأدناه إلى الهلاك والخاذف ليس بظالم له والناظر خائن ظالم والشريعة أكمل وأجل من أن تضيع حق هذا الذي قد هتكت حرمته وتحيله في الانتصار على التعزير بعد إقامة البينة فحكم الله فيه بما شرعه على لسان رسوله ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
المثال الرابع والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وضع الجوائح بأنها خلاف الأصول كما في صحيح مسلم عن جابر يرفعه لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق وروى سفيان بن عيينة عن حميد عن سليمان عن جابر أن رسول الله ص - نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح فقال هذه خلاف الأصول فإن المشتري قد ملك الثمرة وملك التصرف فيها وتم نقل الملك إليه ولو ربح فيها كان الربح له فكيف تكون من ضمان البائع
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال أصيب رجل في عهد رسول الله ص - في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله ص - تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله ص - خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك وروى مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمن رسول الله

ص - فعالجه وأقام عليه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع عنه فحلف لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله ص - فذكرت له ذلك فقال رسول الله ص - تألى أن لا يفعل خيرا فسمع بذلك رب المال فأتى إلى رسول الله ص - فقال يا رسول الله هو له
والجواب أن وضع الجوائح لا يخالف شيئا من الأصول الصحيحة بل هو مقتضى أصول الشريعة ونحن بحمد الله نبين هذا بمقامين أما الأول فحديث وضع الجوائح لا يخالف كتابا ولا سنة ولا إجماعا وهو أصل بنفسه فيجب قبوله وأما ما ذكرتم من القياس فيكفي في فساده شهادة النص له بالإهدار كيف وهو فاسد في نفسه وهذا يتبين بالمقام الثاني وهو أن وضع الجوائح كما هو موافق للسنة الصحيحة الصريحة فهو مقتضى القياس الصحيح فإن المشتري لم يتسلم الثمرة ولم يقبضها القبض التام الذي يوجب نقل الضمان إليه فإن قبض كل شيء بحسبه وقبض الثمار إنما يكون عند كمال إدراكها شيئا فشيئا فهو كقبض المنافع في الإجارة وتسليم الشجرة إليه كتسليم العين المؤجرة من الأرض والعقار والحيوان وعلق البائع لم تنقطع عن المبيع فإن له سقي الأصل وتعاهده كما لم تنقطع علق المؤجر عن العين المستأجرة والمشتري لم يتسلم التسليم التام كما لم يتسلم المستأجر التسليم التام فإذا جاء أمر غالب اجتاح الثمرة من غير تفريط من المشتري لم يحل للبائع إلزامه بثمن ما أتلفه الله سبحانه منها قبل تمكنه من قبضها القبض المعتاد وهذا معنى قول النبي ص - أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق فذكرالحكم وهو قوله فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا وعلة الحكم وهو قوله أرأيت إن منع الله الثمرة إلى آخره وهذا الحكم نص لا يحتمل التأويل والتعليل وصف مناسب لا يقبل الإلغاء ولا المعارضة وقياس الأصول لا يقتضي غير ذلك ولهذا لو تمكن

من القبض المعتاد في وقته ثم أخره لتفريط منه أو لانتظار غلاء السعر كان التلف من ضمانه ولم توضع عنه الجائحة
وأما معارضة هذه السنة بحديث الذي أصيب في ثمار ابتاعها فمن باب رد المحكم بالمتشابه فإنه ليس فيه أنه أصيب فيها بجائحة فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة بل لعله أصيب فيها بانحطاط سعرها وإن قدر أن المصيبة كانت جائحة فليس في الحديث أنها كانت جائحة عامة بل لعلها جائحة خاصة كسرقة اللصوص التي يمكن الاحتراز منها ومثل هذا لا يكون جائحة تسقط الثمن عن المشتري بخلاف نهب الجيوش والتلف بآفة سماوية وإن قدر أن الجائحة عامة فليس في الحديث ما يبين أن التلف لم يكن بتفريطه في التأخير ولو قدر أن التلف لم يكن بتفريطه فليس فيه أنه طلب الفسخ وأن توضع عنه الجائحة بل لعله رضي بالمبيع ولم يطلب الوضع والحق في ذلك له إن شاء طلبه وإن شاء تركه فأين في الحديث أنه طلب ذلك وأن النبي ص - منع منه ولا يتم الدليل إلا بثبوت المقدمتين فكيف يعارض نص قوله الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل عيد معنى واحد وهو نص فيه بهذا الحديث المتشابه ثم قوله فيه ليس لكم فيه إلا ذلك دليل على أنه لم يبق لبائعي الثمار في ذمة المشتري غير ما أخذه وعندكم المال كله في ذمته فالحديث حجة عليكم
وأما المعارضة بخبر مالك فمن أبطل المعارضات وأفسدها فأين فيه أنه أصابته جائحة بوجه ما وإنما فيه أنه عالجه وأقام عليه حتى تبين له النقصانومثل هذا لا يكون سببا لوضع الثمن وبالله التوفيق
المثال الخامس والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في وجوب الإعادة على من صلى خلف الصف وحده كما في المسند بإسناد صحيح وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن علي بن شيبان أن رسول الله ص - رأى رجلا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل

صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف وفي السنن وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة عن وابصة بن معبد أن رسول الله ص - رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد صلاته وفي مسند الإمام أحمد سئل رسول الله ص - عن رجل صلى وحده خلف الصف قال يعيد صلاته فردت هذه السنن المحكمة بأنها خلاف الأصول ولعمر الله إنها هي محض الأصول وما خالفها فهو خلاف الأصول وردت بالمتشابه من حديث ابن عباس حيث أحرم عن يسار النبي ص - فأداره إلى يمينه ولم يأمره باستقبال الصلاة وهذا من أفسد الرد فإنه لا يشترط أن تكون تكبيرة الإحرام من المأمومين في حال واحد بل لو كبر أحدهم وحده ثم كبر الآخر بعده صحت القدوة ولم يكن السابق فذا وإن أحرم وحده فالاعتبار بالمصافة فيما تدرك به الركعة وهو الركوع وأفسد من هذا الرد رد الحديث بأن الإمام يقف فذا وسنة رسول الله ص - أجل وأعظم في صدور أهلها أن تعارض بهذا وأمثاله وأقبح من هذه المعارضة معارضتها بأن المرأة تقف خلف الصف وحدها فإن هذا هو موقفها المشروع بل الواجب كما أن موقف الإمام المشروع أن يكون وحده أمام الصف وأما موقف الفذ خلف الصف فلم يشرعه رسول الله ص - البتة بل شرع الأمر بإعادة الصلاة لمن وقف فيه وأخبر أنه لا صلاة له
فإن قيل فهب أن هذه المعارضات لم يسلم منها شيء فما تصنعون بحديث أبي بكرة حين ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل في الصف فقال له النبي ص - زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمره بإعادة الصلاة وقد وقعت منه تلك الركعة فذا
قيل نقبله على الرأس والعينين وتمسك قوله ص - لا تعمد

فلو فعل أحد ذلك غير عالم بالنهي لقلنا له كما قال رسول الله ص - سواء فإن عاد بعد علمه بالنهي فإما أن يجتمع مع الإمام في الركوع وهو في الصف أو لا فإن جامعه في الركوع وهو في الصف صحت صلاته لأنه أدرك الركعة وهو غير فذ كما لو أدركها قائما وإن رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدخل في الصف فقد قيل تصح صلاته وقيل لا تصح له تلك الركعة ويكون فذا فيها والطائفتان احتجوا بحديث أبي بكرة والتحقيق أنه قضية عين يحتمل دخوله في الصف قبل رفع الإمام ويحتمل أنه لم يدخل فيه حتى رفع الإمام وحكاية الفعل لا عموم لها فلا يمكن أن يحتج بها على الصورتين فهي إذا مجملة متشابهة فلا يترك لها النص المحكم الصريح فهذا مقتضى الأصول نصا وقياسا وبالله التوفيق
المثال السادس والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في جواز الأذان للفجر قبل دخول وقتها كما في الصحيحين من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي ص - أنه قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وفي صحيح مسلم عن سمرة عن النبي ص - لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر وهو في الصحيحين من حديث ابن مسعود ولفظه لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم وينتبه نائمكم قال مالك لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر فردت هذه السنة لمخالفتها الأصول والقياس على سائر الصلوات وبحديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي ص - أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام فرجع فنادى ألا إن العبد نام ولا ترد السنة الصحيحة بمثل ذلك فإنها أصل بنفسها وقياس وقت الفجر على غيره من الأوقات لو لم يكن فيه إلا مصادمته للنة لكفى

في رده فكيف والفرق قد أشار إليه ص - وهو ما في النداء قبل الوقت من المصلحة والحكمة التي لا تكون في غير الفجر وإذا اختص وقتها بأمر لا يكون في سائر الصلوات امتنع الإلحاق
وأما حديث حماد عن أيوب فحديث معلول عند أئمة الحديث لا تقوم به حجة قال أبو داود لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة وقال إسحاق ابن إبراهيم بن حبيب سألت عليا وهو ابن المديني عن حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن بليل فقال له النبي ص - ارجع فناد إن العبد نام فقال هو عندي خطأ لم يتابع حماد بن سلمة على هذا إنما روى أن بلالا كان ينادي بليل قال البيهقي قد تابعه سعيد بن رزين وهو ضعيف وأما حماد بن سلمة فإنه أحد أئمة المسلمين حتى قال الإمام أحمد إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه فإنه كان شديدا على أهل البدع قال البيهقي إلا أنه لما طعن في السن ساء حفظه فلذلك ترك البخاري الاحتجاج بحديثه وأما مسلم فاجتهد في أمره وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ أكثر من اثني عشر حديثا أخرجها في الشواهد دون الاحتجاج به وإذا كان الأمر كذلك فالاحتياط لمن راقب الله
تعالى أن لا يحتج بما يجد من حديثه مخالفا لأحاديث الثقات الأثبات وهذا الحديث من جملتها
ثم ذكر من طريق الدارقطني عن معمر عن أيوب قال أذن بلال مرة بليل قال الدارقطني هذا مرسل ثم ذكر من طريق إبراهيم وعبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن عمر أن بلالا قال له النبي ص - ما حملك على ذلك قال استيقظت وأنا وسنان فظننت أن الفجر قد طلع فأمره النبي ص - أن ينادي في المدينة ألا إن العبد قد نام وأقعده إلى جانبه حتى طلع الفجر ثم قال

هكذا رواه إبراهيم عن عبد العزيز وخالفه شعيب بن حرب فقال عن عبد العزيز عن نافع عن مؤذن لعمر يقال له مسروح أنه أذن قبل الصبح فأمره عمر أن ينادي ألا إن العبد قد نام أبو داود ورواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره أن مؤذنا لعمر يقال له مسروح أو غيره ورواه الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر كان لعمر مؤذن يقال له مسعود فذكر نحوه قال أبو داود وهذا أصح من ذلك يعني حديث عمر أصح قال البيهقي وروى من وجه آخر عن عبد العزيز موصولا ولا يصح رواه عامر بن مدرك عنه عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل الفجر فغضب النبي ص - وأمره أن ينادي إن العبد نام فوجد بلال وجدا شديدا
قال الدارقطني وهم فيه عامر بن مدرك والصواب عن شعيب بن حرب عن عبد العزيز عن نافع عن مؤذن عمر عن عمر من قوله وروى عن أنس ابن مالك ولا يصح وروى عن أبي يوسف القاضي عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن بلالا أذن قبل الفجر فأمره رسول الله ص - أن يصعد فينادي ألا إن العبد نام ففعل وقال ليت بلالا لم تلده أمه وابتل من نضح جبينه قال الدارقطني تفرد به أبو يوسف عن سعيد يعني موصولا وغيره يرسله عن سعيد عن قتادة عن النبي ص - والمرسل أصح ورواه الدارقطني من طريق محمد بن القاسم الأسدي ثنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس ثم قال محمد بن القاسم الأسدي ضعيف جدا وقال البخاري كذبه الإمام أحمد وروى عن حميد بن هلال أن بلالا أذن ليلة بسواد فأمره النبي ص - أن يرجع إلى مقامه فينادي إن العبد نام ورواه إسماعيل بن مسلم عن حميد عن أبي قتادة وحميد لم يلق أبا قتادة فهو مرسل بكل حال وروى عن شداد مولى عياض قال جاء بلال إلى النبي ص - وهو يتسحر فقال لا تؤذن حتى

يطلع الفجر وهذا مرسل قال أبو داود شداد مولى عياض لم يدرك بلالا
وروى الحسن بن عمارة عن طلحة بن مصرف عن سويد بن غفلة عن بلال قال أمرني رسول الله ص - ألا أؤذن حتى يطلع الفجر وعن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال مثله ولم يروه هكذا غير الحسن بن عمارة وهو متروك ورواه الحجاج بن أرطاة عن طلحة وزبيد عن سويد بن غفلة أن بلالا لم يؤذن حتى ينشق الفجر هكذا رواه لم يذكر فيه أمر النبي ص - وكلاهما ضعيفان
وروى عن سفيان عن سليمان التيمي عن أبي عثمان أن النبي ص - قال لبلال لا تؤذن وجمع سفيان أصابعه الثلاث لا تؤذن حتى يقول الفجر هكذا وصف سفيان بين السبابتين ثم فرق بينهما قال وروينا عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن ابن مسعود ما دل على أذان بلال بليل وأن رسول الله ص - ذكر معاني تأذينه بالليل وذلك اولى بالقبول لأنه موصول وهذا مرسل
وروى عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق عن الأسود قال قالت لي عائشة كان رسول الله ص - إذا أوتر من الليل رجع إلى فراشه فإذا أذن بلال قام فكان بلال يؤذن إذا طلع الفجر فإن كان جنبا اغتسل وإن لم يكن توضأ ثم صلى ركعتين وروى الثوري عن أبي إسحاق في هذا الحديث قال ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر
وروى شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود سألت عائشة عن صلاة رسول الله ص - بالليل قالت كان ينام أول الليل فإذا كان السحر أوى ثم يأتي فراشه فإن كانت له حاجة إلى أهله ألم بهم ثم ينام فإذا سمع النداء وربما قالت الأذان وثب وربما قالت قام فإذا كان جنبا أفاض عليه الماء وربما قالت اغتسل وإن لم يكن جنبا توضأ ثم خرج للصلاة وقال زهير ابن معاوية عن أبي إسحاق في هذا الحديث فإذا كان عند النداء الأول وثب

قال البيهقي وفي وايته رواية شعبة كالدليل على أن هذا النداء كان قبل طلوع الفجر وهي موافقة لرواية القاسم عن عائشة وذلك أولى من رواية من خالفها
وروى عن عبد الكريم عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله ص - إذا أذن المؤذن صلى الركعتين ثم خرج إلى المسجد وحرم الطعام وكان لا يؤذن إلا بعد الفجر قال البيهقي هكذا في هذه الرواية وهو محمول إن صح على الأذان الثاني والصحيح عن نافع بغير هذا اللفظ ورواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي ص - أنها أخبرته أن رسول الله ص - كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة والحديث في الصحيحين
فإن قبل عمدتكم في هذا إنما هو على حديث بلال ولا يمكن الاحتجاج به فإنه قد اضطرب الرواة فيه هل كان المؤذن بلالا أو ابن أم مكتوم وليست إحدى الروايتين أولى من الأخرى فتتساقطان فروى شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال سمعت عمتي أنيسة أن رسول الله ص - قال إن ابن مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال رواة البيهقي وابن حبان في صحيحه
فالجواب أن هذا الحديث قد رواه ابن عمر وعائشة وابن مسعود وسمرة بن جندب عن النبي ص - أن بلالا يؤذن بليل وهذا الذي رواه صاحبا الصحيح ولم يخلف عليهم في ذلك وأما حديث أنيسة فاختلف عليها في ثلاثة أوجه أحدها كذلك رواه محمد بن أيوب عن أبي الوليد وابن عمر عن شعبة الثاني كحديث عائشة وابن عمر إن بلالا يؤذن بليل هكذا رواه محمد بن يونس الكديمي عن أبي الوليد عن شعبة وكذلك رواه أبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق عن شعبة الثالث روى على الشك إن بلالا يؤذن بليل فكلوا اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم او قال ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال كذلك رواه سليمان بن حرب وجماعة والصواب

رواية أبي داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق لموافقتها لحديث ابن عمر وعائشة وأما رواية أبي الوليد وابن عمر فيمما انقلب فيها لفظ الحديث وقد عارضها رواية الشك ورواية الجزم بأن المؤذن بليل هو بلال وهو الصواب بلا شك فإن ابن أم مكتوم كان ضرير البصر ولم يكن له علم بالفجر فكان إذا قيل له طلع الفجر أذن وأما ما ادعاه بعض الناس أن النبي ص - جعل الأذان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم وكان كل منهما في نوبته يؤذن بليل فأمر النبي ص - الناس أن يأكلواويشربوا حتى يؤذن الآخر فهذا كلام باطل على رسول الله ص - ولم يجىء في ذلك أثر قط لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل ولكن هذه طريقة من يجعل غلط الرواة شريعة ويحملها على السنة وخبر ابن مسعود وابن عمر وعائشة وسمرة الذي لم يخنلف عليهم فيه أولى بالصحة والله أعلم المثال السابع والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المستفيظة عن النبي ص - في الصلاة على القبر كما في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى على قبر منبوذ فصفهم وتقدم فكبر عليه أربعا وفيهما من حديث أبي هريرة أنه صلى على قبر امرأة سوداء كانت تقم المسجد وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي ص - صلى على قبر امرأة بعدما دفنت وفي سنن البيهقي والدارقطني عن ابن عباس أن النبي ص - صلى على قبر بعد شهر وفيهما عنه أن النبي صلى على ميت بعد ثلاث وفي جامع الترمذي أن النبي ص - صلى على أم سعد بعد شهر فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها وهذا حديث صحيح والذي قاله هو النبي ص - الذي صلى على قبر فهذا قوله وهذا فعله ولا يناقض أحدهما الآخر فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان بل فعلها في غير

المسجد أفضل من فعلها فيه فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات فإنها لم تشرع في القبور ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد وقد لعن رسول الله ص - من فعل ذلك فأين ما لعن فاعله وحذر منه وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال إن من شرار الخلق من تدركهم الساعة وهو احياءوالذين يتخذون القبور مساجد إلى ما فعله ص - مرارا متكرارا وبالله التوفيق
المثال الثامن والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في النهي عن الجلوس على فراش الحرير كما في صحيح البخاري من حديث حذيفة نهانا رسول الله ص - أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ولو لم يأت هذا النص لكان النهي عن لبسه متناولا لافتراشه كما هو متناول للالتحاف به وذلك لبس لغة وشرعا منا قال أنس قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ولو لم يأت اللفظ العام المتناول لافتراشه بالنهي لكان القياس المحض موجبا لتحريمه إما قياس المثل الأولى فقد دل على تحريم الافتراش النص الخاص اللفظ العام والقياس الصحيح ولا يجوز رد ذلك كله بالمتشابه من قوله خلق لكم ما في الأرض جميعا ومن القياس على ما إذا كان الحرير بطانة الفراش دون ظهارته فإن الحكم في ذلك التحريم على أصح القولين والفرق على القول الآخر مباشرة الحرير وعدمها كحشو الفراش به فإن صح الفرق بطل القياس وإن بطل الفرق منع الحكم
وقد تمسك بعموم النهي عن افتراش الحرير طائفة من الفقهاء فحرموه على الرجال والنساء وهذه طريقة الخراسانيين من أصحاب الشافعي وقابلهم من

أباحه للنوعين والصواب التفصيل وأن من أبيح له لبسه أبيح له افتراشه ومن حرم عليه حرم عليع وهذا قول الأكثرين وهي طريقة العراقيين من الشافعية
المثال التاسع والأربعون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا صلاحها كما رواه الشافعي عن عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله ص - قال في زكاة الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا وبهذا الإسناد بعينه أن رسول الله ص - كان يبعث من يخرص على الناس كرومهم وثمارهم وقال أبو داود الطيالسي ثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن قال سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار يقول أتانا سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدثنا أن رسول الله ص - قال إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو داود في السنن وروى فيها أيضا عن عائشة كان النبي ص - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ثم يخير يهود فيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ص - قال ليهود خيبر أقركم على ما أقركم الله على أن التمر بيننا وبينكم قال وكان رسول الله ص - يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص عليهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي وكانوا يأخذونه وفي الصحيحين أن رسول الله ص - خرص حديقة المرأة وهو ذاهب إلى تبوك وقال لأصحابه اخرصوها فخرصوها بعشرة أوسق فلما قفل رسول الله ص - سألوا المرأة عن الحديقة فقالت بلغ عشرة أوسق وفي الصحيحين من حديث زيد بن ثابت

رخص رسول الله ص - لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمرا رصح عن عمر بن الخطاب أنه بعث سهل بن أبي حثمة على خرص التمر وقال إذا أتيت أرضا فأخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قالوا والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخا لهذه الآثار وهذا من أبطل الباطل فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا والميتة والمذكى وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وعن إدخاله في الدين ويالله العجب أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة وهذا والله الباطل حقا والله الموفق
المثال الخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في صفة صلاة الكسوف وتكرار الركوع في كل ركعة كحديث عائشة وابن عباس وجابر وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري كلهم روى عن النبي ص - تكرار الركوع في الركعة الواحدة فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال كنت يوما أرمي بأسهم وأنا بالمدينة فانكسفت الشمس فجمعت أسهمي وقلت لأنظرن ماذا أحدث رسول الله ص - في كسوف الشمس فكنت خلف ظهره فجعل يسبح ويكبر ويدعو حتى حسر عنها فصلى ركعتين وقرأ بسورتين رواه مسلم في صحيحه وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله ص - فصلى ركعتين وهذا لا يناقض رواية من روى أنه ركع في كل ركعة ركوعين فهي ركعتان وتعدد ركوعهما كما يسميان سجدتين مع تعدد سجودهما كما قال ابن عمر حفظت عن رسول الله ص - سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وكثيرا ما يجيء في السنن إطلاق السجدتين على الركعتين فسنة رسول الله

ص - يصدق بعضها بعضا لا سيما والذين رووا تكرار الركوع أكثر عددا وأجل وأخص برسول الله ص - من الذين لم يذكروه
فإن قيل ففي حديث أبي بكرة فصلى ركعتين نحوا مما تصلون وهذا صريح في إفراد الركوع
قيل هذا الحديث رواه شعبة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي بكرة دون الزيادة المذكورة وهو الذي رواه البخاري في صحيحه وزاد إسماعيل بن علية هذه الزيادة فإن رحجنا بالحفظ والإتقان فشعبة شعبة وإن قبلنا الزيادة فرواية من زاد في كل ركعة ركوعا آخر زائدة على رواية من روى ركوعا واحدا فتكون أولى
فإن قيل فما تصنعون بالسنة المحكمة الصريحة من رواية سمرة بن جندب والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمرو أنه صلاها ركعتين كل ركعة بركوع واحد وبحديث قبيصة الهلالي عنه ص - وإذا رأيتم ذلك فصلوها كإحدى صلاة صليتموها من الكتوبة وهذه الأحاديث في المسند وسنن النسائي وغيرهما
قيل الجواب من ثلاثة أوجه أحدها أن أحاديث تكرار الركوع أصح إسنادا وأسلم من العلة والاضطراب لا سيما حديث عبد الله بن عمرو فإن الذي في الصحيحين عنه أنه قال كسفت الشمس على عهد رسول الله ص - فنودي أن الصلاة جامعة فركع النبي ص - ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلس حتى جلي عن الشمس فهذا أصح وأصرح من حديث كل ركعة بركوع فلم يبق إلا حديث سمرة بن جندب والنعمان بن بشير وليس منهما شيء في الصحيح الثاني أن رواتها من الصحابة أكبر وأكثر وأحفظ وأجل من سمرة والنعمان بن بشير فلا ترد روايتهم بها الثالث أنها متضمنة لزيادة فيجب الأخذ بها وبالله التوفيق

المثال الحادي والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الجهر في صلاة الكسوف كما في صحيح البخاري من حديث الأوزاعي عن الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة ان رسول الله ص - قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف قال البخاري تابعه سليمان بن كثير وسفيان ابن حسين عن الزهري
قلت أما حديث سليمان بن كثير ففي مسند أبي داود الطيالسي حدثنا سليمان ابن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي ص - جهر بالقراءة في صلاة الكسوف وقد تابعه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري وهو في الصحيحين أنه سمع ابن شهاب يحدث عن عروة عن عائشة كسفت الشمس على عهد رسول الله ص - فبعث رسول الله ص - مناديا ان الصلاة جامعة فاجتمع الناس فتقدم رسول الله ص - فكبر وافتتح القرآن وقرأ قراءة طويلة يجهر بها فذكر الحديث قال البخاري حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة قلت يريد قول سمرة صلى بنا رسول الله ص - في كسوف لم نسمع له صوتا وهو أصرح منه بلا شك وقد تضمن زيادة الجهر فهذه ثلاث ترجيحات
والذي ردت به هذه السنة المحكمة هو المتشابه من قول ابن عباس أنه صلى الكسوف فقرأ نحوا من سورة البقرة قالوا فلو سمع ما قرأ لم يقدره بسورة البقرة وهذا يحتمل وجوها أحدها أنه لم يجهر الثاني أنه جهر ولم يسمعه ابن عباس الثالث أنه سمع ولم يحفظ ما قرأ به فقدره بسورة البقرة فإن ابن عباس لم يجمع القرآن في حياة النبي ص - وإنما جمعه بعده الرابع أن يكون نسي ما قرأ به وحفظ قدر قراءته فقدرها بالبقرة ونحن نرى الرجل ينسى ما قرأ به الإمام في صلاة يومه فكيف يقدم هذا اللفظ المجمل على الصريح المحكم الذي يحتمل إلا وجها واحدا
ومن العجب أن أنسا روى ترك جهر النبي ص - ببسم الله الرحمن الرحيم ولم يصح عن صحابي خلافه فقلتم كان صغيرا يصلي خلف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"