بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 فبراير 2011

قراءة في الأحداث الواقعةأخيرا في بلدي تونس حفظها الله تعالى

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أحبتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أردت أن أبين موقفي مما وقع من أحداث :
*حدث قتل القسيس
*التظاهر أمام كنيسة يهودية
*الشروع في تهديم جامع بجربة (اذا تأكد الخبر)
*ايقاف الجيش الوطني لسيارات مدججة بالأسلحة تدخل من الحدود الليبية (اذا تأكد الخبر)
*زيارة وزيرة الخارجية الأروبية لتونس
*زيارة مسؤولين من الكونغرس الأمريكي تونس للفترة بين التاسع عشر وواحد عشرين من الشهر الجاري
*ايقاف العصابات التي نشاهدها عبر وسائل الاعلام الوطنية...من قبل الجيش الوطني..
هذه مؤشرات على أن هناك ما يعد ويطبخ على نار هادئة ....أرجو من الله أن يحفظ تونس وأن يجعلها أمنا أمانا رخاء سخاء وسائر بلاد الاسلام والمسلمين...
لكن علي أن أنبه أحبابي أن ما وقع من قتل للقسيس بمنوبة يرفضه ديننا قطعا ..لماذا؟ لأن هذا القسيس يعتبر نفسا ذمية معاهدة. ولا يحق لك أن تقتل مؤمنا...حتي ولو كان يهوديا أو مسيحيا في بلدك...وهذا موقف أهل السنة والجماعة..وخلط الأوراق الآن والزج بالبلد في دوامة الصراع الطائفي لن يأتي للبلد الا بالويلات ...وأنا أأصل للموضوع :
بقول الله تعالى: "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ .ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة و دية مسلمة الى أهله الا أن يصدقوا .فاءن كان من قوم عدولكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة .وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهلة وتحرير رقبة مؤمنة .فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله .وكان الله عليما حكيما"النساء الآية واحد وتسعون
هذا في حق النفس المؤمنة اذا قتلت عن وجه الخطأ
*وأما من قتل نفسا مؤمنة :مسلمة أو يهودية أو مسيحية المهم أنها توحد الله تعالى....فاسمع قول الله تعالى في ذلك. قال تعالى:" ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما" النساء الآية الثانية والتسعون.
بل لا بحق لك القتل أصلا في مطلق الأوضاع حتى ولو كان بعضهم يزعم أنه يأخذ بالنصوص من القرآن والسنة .اسلامنا دين السماحة والوسطية (بالمعنى الموجود في كتاب الله) يرفض رفض قاطعا قتل النفس البشرية في مطلق الأوضاع.وأما اذا وجدت شبهة أو ذنبا أو جرما فاءن القاضي الشرعي ينظر في الأدلة وهو في ذلك محاسب بين يدي الله رب العالمين يوم القيامة.بل مقصد من مقاصد الدين حفظ النفس البشرية. والخوف كل الخوف لووقع هذا الفعل بسبب التكفير ثم احلال الدم.هذا جرم وعلينا أن ننتبه أن الذي يريد أن يشوه ثورة التونسيين سيرد الله تعالى كيده في نحره.ان تكفير الناس ثم احلال دمهم جرم لا يقبله الله تعالى ولا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.و أنا أريد أن أسهم من موقعي وكمسلم سني وكمثقف متواضع وكتونسي وكاءمام على ألقى بهذا العمل ربي مخلصا له لاأخشى في قول الحق لومة لائم ولا يغريني اطراء مطر
*اسمع ما يقوله النبيي الكريم صلى الله عليه وسلم :"من قتل نفسا معاهدة بغير حقها ( يعني ظلما وانظر معي أخي في الله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم-نفسا -وجاءت الكلمة نكرة ومن معاني التنكير في الكلمة الاطلاق أي نفس)لم يجد رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة خمس مئة عام"وهذا على شرط مسلم/ ومستدرك الحاكم
*اسمع ما رواه الامام البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يتند (أي ما لم يقتل)بدم حرام"
*قال صلى الله عليه وسلم : "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"//رواه الشيخان الامام البخاري ومسلم
*قال صلى الله عليه وسلم :" أول ما يقضى بين الناس في الدماء" //رواه الشيخان الامام البخاري ومسلم
*روى النسائي من طري أبي بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"
بل كل من يعين على قتل الأبرياء انما هو شريك في القتل وهو محاسب بين يدي الله رب العالمين يوم القيامة. روى الامام أحمد وابن ماجة من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله".
والأصل أن لا يطرح موضوع تعايش الأديان في بلدنا كموضوع مشكل .لأن الأديان متعايشة في بلدنا .بل لم تقم الثورة لايجاد صراع طائفي ثم لا قدر الله مذهبي نعاني منه الويلات ان وقع- ندعو الله تعالى السلامة لبلدنا وسائر بلاد المسلمين-قال جل وعلا : "لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها. والله سميع عليم"البقرة الاية مائتان و خمسة وخمسون.
وكما نرفض بشدة أن بساء الى بيت من بيوت الله أو الى أي مكان يتعبد فيه لله ربالعالمين
ونرفض بشدة تدخل أي طرف كان في شؤون بلانا الداخلية .
اللهم احفظ تونس وأجعلها أمنا أماننا رخاء سخاء وسائر بلاد الاسلام والمسلمين.اللهم جنبنا الفتن واحرس بلنا وسائر بلاد المسلين يارب العالمين....آمين آمين آمين...والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخميس، 17 فبراير 2011

عذاب القبر في القرآن والسنة //منقول عن الشيخ محمد حسان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.. أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة ، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أما بعـد:-

فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنى وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير..

أما بعـد:-

إن أصدق الحديث كتاب الله ،وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أحبتى في اللـه:

فى رحاب الدار الآخرة:

سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل العلمى والأسلوب الوعظى، الهدف منها تذكير الناس بالآخرة في عصر طغت فيه الماديات والشهوات وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات.

لعل الغافل أن ينتبه ولعل النائم أن يستيقظ قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون.

لقــد انتهينا في اللقاء الماضي مع الجنازة وهي في طريقها إلى القبر تتكلــم.!!، كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللـه عنه أن النبي قال: ((إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت :يا ويلها، أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الثقلين - أو قال: إلا الإنسان - ولو سمع الإنسان لصعق))([1]).

وها نحن قد وصلنا بالجنازة إلى القبر فقف معي الآن عند القبر وأهواله وفتنة القبر وأحواله. أسأل اللـه جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من فتنته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم في هذه العناصر التالية:

أولاً: الأدلة على عذاب القبر ونعيمه.

ثانياً: أسباب عذاب القبر.

ثالثاً: ما السبيل للنجاة من عذاب القبر؟

فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب الكريم واللـه أسال أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أولاً: الأدلة على عذاب القبر ونعيمه

نحن اليوم في أمس الحاجة لهذا الموضوع الذي نحن بصدده فهو من الأهمية بمكان لا سيما بعد ما قرأنا على صفحاتٍ سوداء في مقال أسود بعنوان " عذاب القبر خرافات وخزعبلات "!!

هكذا يعنون لمقاله فضيلة الأستاذ الدكتور ثم يتطاول هذا الأستاذ الدكتور الجريء فيقول: "إن جميع الأحاديث التي وردت في مسألة عذاب القبر مجرد خرافات"!!!، ثم أظهر جهله الفادح، فقال: "إن عذاب القبر غيب والقرآن بَيَّن لنا أن النبي لا يعلم الغيب"!! جهل مركب..!

معنى ذلك يا فضيلة الدكتور أنه ينبغي أن ننكر ونكذب كل أمر غيب أخبرنا به المصطفى ، كالإيمان باللـه، وكالإيمان بالملائكة، وكالإيمان باليوم الآخر وكالإيمان بالقدر خيره وشره ...إلى سائر الغيبيات التي أخبر عنها رسول اللـه .

نسي هذا المسكين قول رب العالمين في سيد المرسلين: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم: 3-5] .

أما تقرأ يا مسكين في سورة البقرة قوله تعالى: ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [ البقرة :1-2].

وتمنيت يا فضيلة الدكتور لو قرأت من جديد هذه الآيات، إن أول صفة من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب.

وخرج علينا أستاذ آخر فكتب كتاباً ضخماً يزيد عن الثلاثمائة صفحة، ينفي فيه من أول صفحة إلى آخر صفحة عذاب القبر ونعيمه، يلوي أعناق النصوص لياً عجيباً، وها أنا الآن أرد على هؤلاء المتطاولين المكذبين المنكرين، الذين قال عنهم الإمام القرطبي والإمام الحافظ ابن حجر: "لم ينكر عذاب القبر إلا الملاحدة، والزنادقة، والخوارج، وبعض المعتزلة، ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة، وخالفهم جميع أهل السنة "

وقال الإمام أحمد رحمه اللـه: "عذاب القبر حق ومن أنكره فهو ضال مضل"

أيها الحبيب: سأقدمُ إليك سيلاً من الأدلة الصحيحـة على عذاب القبر من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ولن أطيل الوقفة مع القرآن! لماذا؟! ..لأن القرآن حمَّال ذو أوجه كما قال على بن أبي طالب لابن عباس وهو في طريقه لمناظرة الخوارج.

قال على: يا ابن عباس جادلهم بالسنة ولا تجادلهم بالقرآن فإن القران حمَّال ذو أوجه.

اسـتهل الحديث بين يدي هذا العنصر الهام بمقدمة اقتبسها من كلام أئمتنـا الأعلام وأبدأ هذه المقدمة بكلام دقيق نفيس للإمام ابن أبي العز الحنفي شـارح العقيـدة الطحـاوية على شارحها ومصنفها الرحمة من اللـه جل وعلا.

قال: اعلم أن عذابَ القبر هو عذاب البرزخ، وكل إنسان مات وعليه نصيب من العذاب فله نصيبه من العذاب قُبِرَ أو لم يُقْبر سواء أكلته السباع أو احترق فصار رماداً في الهواء أو نسف أو غرق في البحر.

تأملوا يا من تحكمون العقول في هذا الدليل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه. ثم ذرّوه، نصفه في البر ونصفه في البحر فواللـه لئن قدر اللـه عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين. فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم. فأمر اللـه البر فجمع ما فيه، وأمر اللـه البحر فجمع ما فيه. ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك، وأنت أعلم فغفر اللـه له))([2]).

الشاهد من الحديث أن اللـه أحياه بعدما حُرِق وذُرِىَ رماده في البحر والبر فقال له الملك: كن فكان على الفور.

قال تعالى:إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللـه كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [ آل عمران: 59 ] .

وقال تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللـه بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللـه مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللـه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ البقرة: 259 ] .

وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللـه عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ البقرة: 260 ] .

إن قدرة اللـه لا تحدها حدود، لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء وأنهي هذه المقدمة بكلام نفيس للإمام ابن القيم رحمه اللـه تعالى، حيث قال:

"إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلاثة، وهى: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار" ثم قال:"وجعل اللـه لكل دار أحكاماً تختص بها، فجعل اللـه الأحكام في دار الدنيا تسير على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعل الأحكام في دار البرزخ تسرى على الأرواح، والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دار القرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً"

ثم قال ابن القيم: "واعلم أن سعة القبر، وضيقه، ونوره، وناره ليس من جنس المعهود للناس في عالم الدنيا".

ثم ضرب للناس مثلا عقلياً دقيقاً رائعاً فقال :

"أنظر إلى الرجلين النائمين في فراش واحد أحدهما يرى في نومه أنه في نعيم، بل وقد يستيقظ وأثر النعيم على وجهه ويقص عليك ما كان فيه من النعيم، قد يقول لك: الحمد لله لقد رأيتني الليلة وأنا مع رسول اللـه ورأيت النبي وكلمت النبي ورد علىّ النبي وقال لي النبي ..الخ

من رأى النبي في المنام فقد رآه حقاً، وأخوه إلى جواره في فراش واحد قد يكون في عذاب ويستيقظ وعليه أثر العذاب ويقص عليك ويقول: كابوس كاد أن يخنق أنفاسي!!"

هل تدبرت أخي في اللـه في هذا الكلام؟!! الرجلان في فراش واحد هذه روحه كانت في النعيم، وهذا روحه كانت في العذاب مع أن أحدهما لا يعلم عن الأخر شيئاً.

هذا في أمر الدنيا فما بالك بأمر البرزخ الذي لا يعلمه إلا اللـه؟!!

مقدمة دقيقة ولو تدبرتها لوقفت على الحقيقة.

وأنا أقول: متى كان العقل حاكماً على الشرع والدين؟!!

لله در عَليّ يوم أن قال: "لو كان أمر الدين بالعقل لكان المسح على باطن الخف أولى من المسح على أعلاه"([3]).

إليك الأدلة الصحيحة الصريحة على عذاب القبر أستهلها بهذه الترجمة الفقهية البليغة لإمام الدنيا في الحديث - الإمام البخاري - فقد ترجم في كتاب الجنائز باباً بعنوان ((باب ما جاء في عذاب القبر)) وتكفي هذه الترجمة، ولقد فقهَ البخاري في تراجمه كما قال علماء الحديث وعلماء الجرح، وساق البخاري في هذا الباب الآيات الكريمة عن اللـه جل وعلا وروى فيه الأحاديث الصحيحة عن رسول اللـه ، وسأكتفي بآية واحدة استدل بها جميع أهل السنة بلا خلاف على ثبوت عذاب القبر:

قال اللـه تعالى: وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:45-46].

قال جميع علماء أهل السنة: ذكر اللـه في هذه الآية عذاب دار البرزخ وعذاب دار القرار ذكراً صريحاً، وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدواً وعشياً أي: صباحاً ومساءاً هذا في دار البرزخ، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب: أي: يوم القيامة.

فذكر اللـه عذابين في الآية: عذاباً في الدنيا وعذاباً في الآخرة عذاب دار البرزخ وعذاب دار القرار.

وقبل أن أزف إليك الأدلة الصحيحة التي تلقم المنكرين الأحجار أود أن أنوه إلى أن اللـه قد أنزل على النبي وحيين وأوجب اللـه على عباده الإيمان بهما ألا وهما القرآنُ والسنة الصحيحة.

انطلق هؤلاء المنكرون وقالوا: كفانا القرآن وظنوا أنهم - بهذه الدعوى التي يغنى بطلانها عن إبطالها، ويغنى فسادها عن إفسادها - أنهم قد خدعونا واللـه ما خدعوا إلا أنفسهم.

من كَذَّبَ بالسنة الصحيحة فقد كفر بالقرآن..ومن رد السنة فقد رد القرآن.

تدبر معي آيات اللـه عز وجل: وَمَـا ءَاتَـاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَـاكُـمْ عَنْـهُ فَانْتَهُـوا وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7].

وقال تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع اللـه ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً [النساء:80].

وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النساء: 65 ] .

وقال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللـه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللـه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا [الأحزاب: 36 ] .

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللـه وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللـه إِنَّ اللـه سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ الحجرات:1-2].

فالسنة حكمها مع القرآن على ثلاثة أوجه.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:

"الوجه الأول: أن تأتي السنة مؤكدة لما جاء به القرآن وهذا من باب تضافر الأدلة.

الوجه الثانى: أن تأتي السنة مبينة وموضحة لما أجمله القرآن.

قال تعالى: وأقيموا الصلاة لكن لم يذكر عدد الصلوات، ولا أركان الصلاة، ولا كيفية الصلاة ولا مواقيت الصلاة، فجاء الحبيب المصطفى لكي يبين لنا عددها وأركانها وكيفيتها ومواقيتها وهكذا.

الوجه الثالث: أن تأتي السنة موجبة أو محرمة لما سكت عنه القرآن، قال المصطفى : ((ألا يوشك رجل شبعان متكيء على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه))، قال المصطفى : ((ألا إن ما حرم اللـه كما حرم رسول اللـه))([4]).

وإليكم الأحاديث الصحيحة التي تثبت أن عذاب القبر حقيقة لا ريب:

ففي الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وغيره وحسنه الشيخ الألباني "كان عثمان إذا وقف على القبر بكى وإذا ذكر الجنة والنار لا يبكي فقيل له: يا عثمان تذكر الجنة والنار فلا تبكي فإذا وقفت على القبر تبكي، قال عثمان: لقد سمعت رسول اللـه يقول: ((القبر أول منازل الآخرة فإن نجى منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه صاحبه فما بعده أشد منه)).

وانظر إلى هذا الحديث الصحيح قال المصطفى حينما مر على قبرين فقال : ((أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير))، ثم قال: ((أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الأخر فكان لا يستتر من بوله - أو لا يتنزه من بوله -))([5]).

وَقِفْ مع هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخارى ومسلم من حديث ابن عباس رضي اللـه عنهما أن النبي كان يدعو اللـه ويقول: ((اللـهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر))([6]).

وفي الحديث الذي رواه مسلم وأحمد وابن حبان والبزار وغيرهم من حديث زيد بن ثابت : ((بينما النبي في حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه إذ جاءت به (أي البغلة) فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة، أو خمسة، فقال: ((من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر؟)) قال رجل: أنا، قال: ((فمتى ماتوا؟)) قال: في الشرك، فقال: ((إن هذه الأمة تُبْتَلَى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت اللـه أن يُسْمِعَكُم مـن عذاب القبر الذي أسمع منه)) ثم أقبل علينـا بوجهـه فقال: ((تعوذوا باللـه من عذاب القبر)) قلنا: نعوذ باللـه من عذاب القبر))([7]).

وفى الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي اللـه عنها قالت: ((دَخَلَتْ علىّ امرأة من يهود المدينة فذكرت عذاب القبر فقالت المرأة لعائشة: أعاذك اللـه من عذاب القبر فلما خرجت اليهودية سألت عائشة النبي عن عذاب القبر فقال: ((نَعَمْ عذاب القبر)) وفى رواية: ((عذاب القبر حق)) فقالت عائشة: ((فما رأيت النبي يصلى بعدها إلا ويستعيذ من عذاب القبر))([8]).

واسمع إلى هذا الحديث العمدة في المسألة، وهو أصل من أصول هذا الباب رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه والنسائي في سننه وأبو داود في سننه ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الإمام الذهبي وصحح الحديث الإمام ابن القيم في كتاب تهذيب السنن وإعلام الموقعين وأطال النفس للرد على من أَعَلَّ هذا الحديث وصحح هذا الحديث الشيخ الألباني وغيره من حديث البراء بن عازب أنه قال: خرجنا مع النبي في جنازة رجل من الأنصار فلما انتهينا إلى القبر جلس النبي على شفير القبر (حافة القبر) وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير (لا يتكلمون) وفى يد النبي عود ينكـت بـه الأرض ثم رفـع النبـي رأسـه فنظـر وقـال لأصحـابـه: ((استعيذوا باللـه من عذاب القبر، استعيذوا باللـه من عذاب القبر، استعيذوا باللـه من عذاب القبر)) قالها النبي مرتين أو ثلاثـة ثـم التفـت إليهــم النبي وقال: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها النفس الطيبة اُخرجي إلى مغفرة من اللـه ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن، وفى ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ،حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له ،فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي إلى السماء السابعة،فيقول اللـه عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه ،فيأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربى اللـه، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول اللـه، فيقولان له وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب اللـه فأمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ،ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي، وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه،فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من اللـه وغضب، فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلاَّ قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟! فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول اللـه عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدرى، فيقولان: له ما دينك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدرى، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعِثَ فيكم؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدرى، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذى يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة!!))([9]).

معذرة أيها الحبيب لقد أطلت عليك الجولة مع الأدلة على عذاب القبر ونعيمه، وسأعرج سريعاً على العنصرين الآخرين وهي أسباب عذاب القبر، ما السبيل للنجاة؟، وذلك بعد جلسة الاستراحة.

وأقول قولي هذا واستغفر اللـه لي ولكم...

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.

وأشهد أن لا إله إلا اللـه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

ثانياً: أسباب عذاب القبر:

والحديث عنها له وجهان مجمل ومفصل، أما المجمل فإن معصية اللـه عز وجل أصل لكل بلاء وعلى رأس هذه المعاصي الشرك، فإن أعظم زاد تلقى اللـه به هو التوحيد، وإن أبشع وأعظم ذنب تلقى اللـه به هو الشرك، قال اللـه: إنَّ الشِّركَ لَظُلمُُ عَظيِمُُ [ لقمان:13].

أما التفصيل فقد ذكر النبي كما ذكرت آنفا أن النميمة من أسباب عذاب القبر، وهناك الآن أناس متخصصون في النميمة.

فالنميمة سبب من أسباب عذاب القبر، وأيضا عدم الاستتار من البول، وعدم التنزه منه وهذا ما ذكره النبي في حديثه الذي كنا بصدده من قبل.

أيضا من أسباب عذاب القبر الكذب والربا وهجر القرآن كما في حديث سمرة بن جندب الطويل الذي رواه البخاري الذي لا يتسع المقام لذكره الآن لقد ذكر فيه النبي من أسباب عذاب القبر الكذب والرياء وهجر القرآن والزنا، والغلول (كل شئ يأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم ) ويدخل تحت الغلول السحت والحرام.

فعن أبي قال: خرجنا مع رسول اللـه إلى خيبر ففتح اللـه علينا، فلم نغنم ذهباً، ولا وَرِقاً، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي يعنى وادي القرى ومع رسول اللـه عبد له، وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضُّبيب، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول اللـه يَحُلُّ رحله، فرمي بسهم، فكان فيه حتفه فقلنا: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله، فقال رسول اللـه : ((كلا والذى نفسى محمد بيده، إن الشَّمْلَة (إزار يتشح به) لتلتهب عليه ناراً، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم يصبها المقاسم)) قال: ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين (الشراك: سير من سيور النعل) فقال: أصبته يوم خيبر فقال رسول اللـه : ((شراك من نار، أو شراكان من نار))([1]).

أيها الأحباب: والسؤال الآن فما السبيل للنجاة من عذاب القبر؟!

ثالثاً: السبيل للنجاة من عذاب القبر:

أقول لك بإيجاز شديد، أعظم سبيل للنجاة من عذاب القبر أن تستقيم على طاعة اللـه جل وعلا وأن تتبع هدى النبي .

قال اللـه عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللـه ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

ومن أنفع الأسباب كذلك للنجاة من عذاب القبر ما ذكره الإمام ابن القيم في كتابه القيم (الروح)، قال: ومن أنفعها أن يتفكر الإنسان قبل نومه ساعة ليذكر نفسه بعمله، فإن كان مقصراً زاد في عمله وإن كان عاصياً تاب إلى اللـه، وليجدد توبة قبل نومه بينه وبين اللـه.

فإن مات من ليلته على هذه التوبة فهو من أهل الجنة ،نجاه اللـه من عذاب القبر ومن عذاب النار.

ومن أعظم الأسباب التي تنجي من عذاب القبر:

أن تداوم على العمل الصالح كالتوحيد، والصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، وحضور مجالس العلم والعلماء التي ضيعها أناس كثيرون وانشغلوا عنها بلهو قتل الوقت.

أيضا من أعظم الأسباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، كل عمل يرضي الرب فهو عمل صالح ينجي صاحبه من عذاب القبر والنار.

وأبشركم... أن من أعظم الأعمال التي تنجي صاحبها من عذاب القبر الشهادة في سبيل اللـه ورد في الحديث الذي رواه الحاكم وحسن إسناده الشيخ الألباني أن النبي قال: ((للشهيد عند اللـه ست خصال، الأولى: يغفر له مع أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، الثانية: ينجيه اللـه عز وجل من عذاب القبر، الثالثة: يأمنه اللـه يوم الفزع الأكبر، الرابعة: يلبسه اللـه تاج الوقار، الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها، الخامسة: يزوجه اللـه بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، السادسة: يشفعه اللـه في سبعين من أهله)).

ولن أترك مكاني هذا إلا بعد أن أزف إليكم حديثا يملأ القلب أملا ورضا، والحـديث رواه الـحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي وصحح إسـناده الشـيخ الألباني في مشكاة المصابيح عن ابن مسعود قال : ((سورة الملك، تبارك الذي بيده الملك، هي المانعة وهى المنجية تنجيه من عذاب القبر))([2])

===============================================

([1]) رواه البخارى رقم (1314) ، في الجنائز ، باب حمل الرجال الجنازة دون النساء، والنسائى في (4/41) ، في الجنائز ، باب السرعة بالجنازة .

([2]) رواه البخارى رقم (7506) ، في التوحيد ، باب قول اللـه تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام اللـه ، ومسلم رقم (2756) ، في التوبة ، باب في سعة رحمة اللـه تعالى وأنها سبقت غضبه ، والموطأ (1/240)، في الجنائز ، باب جامع الجنائز ، النسائى (4/113) في الجنائز ،باب أرواح المؤمنين .

([3]) رواه أبو داود رقم (162،163،164) في الطهارة ، باب كيف المسح ، وصححه الشيخ الألبانى ، والأرناؤوط في تخريج جامع الأصول .

([4]) رواه أحمد رقم ( 17128) وأبو داود رقم (4604) في السنة باب في لزوم السنة والحاكم ، وهو في صحيح الجامع رقم (8186) .

([5]) رواه البخارى رقم (216) ، في الوضوء ، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله ، ومسلم رقم (292) ، في الطهارة ، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ، والترمذى رقم (70) ، في الطهارة ، باب ما جاء في التشديد في البول ، وأبو داود رقم (20،21) في الطهارة ، باب الاستبراء من البول ، والنسائى في الطهارة ، باب التنزه عن البول .

([6]) رواه البخارى رقم (1377) في الجنائز ، باب التعوذ من عذاب القبر ، ومسلم رقم (588) ، في المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة ، و الترمذى رقم (3599) في الدعوات ، باب الاستعاذة من جهنم ، والنسائى (4/275،276) ، في الاستعاذة ، باب الاستعاذة من عذاب جهنم .

([7]) رواه مسلم (2867) ، في صفة الجنة ،باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه .

([8]) رواه البخارى رقم (1372) في الجنائز ، باب عذاب القبر ، ومسلم رقم (584) ، في المساجد ، باب استحباب التعوذ من عذاب القبر ، والنسائى (4/104) ، في الجنائز ، باب التعوذ من عذاب القبر .

([9]) رواه أبو داود رقم (3212) في الجنائز ، باب الجلوس عند القبر ، ورواه ابن خزيمة والحاكم ، والبيهقى في شعب الإيمان ، وقد جمع الألبانى روايات هذا الحديث من جميع مصادره وصححه في صحيح الجامع رقم (1676) .

---------------------------------------------------

([1]) أخرجه البخارى رقم (4234) ، في المغازى ، باب غزوة خيبر ، ومسلم رقم (115) ، في الإيمان ، باب غلظ تحريم الغلول ، الموطأ (2/459) في الجهاد ، باب ما جاء في الغلول، وأبو داود رقم (2711) في الجهاد ، باب في تعظيم الغلول ، النسائى (4/24) في الإيمان والنذور .

([2]) رواه الترمذى رقم (2892) في ثواب القرآن وصحح إسناده شيخنا الألبانى

السبت، 5 فبراير 2011

الديمقراطية والفوضى:قراءة في مستقبل الواقع التونسي/1

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السلام عليكم أيها الاخوة الكرام
لما وقعت الثورة باركناها ودعونا الله -جل وعلا -أن يحفظها ويحفظ بلدنا تونس وسائر بلاد الاسلام والمسلمين .ودعونا الله -ومازلنا ندعوه وسنظل ندعوه الى أن يحفظ شباب هذا البلد العزيز ويحفظ أرضها وشعبها من كل أذى ومن كل خطر محدق داخلي أو خارجي....
ومع ذلك في قراءة أولى لما يجري تظل كثير من الاستفهامات قائمة بل يزداد الأمر سوء عندما نرى أن جميع اختيارات " الحكومة المؤقتة"
تصب في خانة واحدة هي استغلال أكثر ما يمكن من الكوادر المحسوبة على النظام السابق...وقد يفهم هذا بتعلة الحفاظ على نوع من التوازن ودفع عجلة التقدم وعدم الوقوع في يسمى " بالفراغ الدستوري" وحتى لا تشل حركة البلاد .ومن ثمة ندخل في الفوضى العارمة...
لايهمني انتقاد الأشخاص ...بل ما يهمني ما نحن فيه من خطورة.....في المفاهيم...والمصطلحات ..و..في الممارسة "لما يمكن أن يسمى ثورة"...والمشهد في البلاد كما يلى:مطالب متعددة من كل القطاعات دون استثناء...تكوين لجان ثلاث يبدو أن الحقوقيين أنفسهم غير متفقين حول نزاهة هذا الاختيار...بل فيهم من هو متورط مع أفرا من النظام السابق....تعيين ولاة كلهم محسوبون على "التجمع سابفا"...وفيهم من هو متورط ويبدو أن ردود فعل بعض الجهات والولايات أكبر دليل على ذلك...مشهد اعلامي يريد التهدئة وبيان المطالب فقط..ولاينقل لنا الحقائق... ولايركز على اختيارات الحكومة...واذا استدعى المنشط مسؤولا...أو حقوقيا تشعر أن العمل ارتجالي وغير مدروس...بل لا يسير وفق خطة عمل ترنو بالانتاج الى مرحلة الذروة......
وفي الواقع السياسي للبلاد فاءن الخطر يزداد عندما ننظر الخارطة من أقصى اليمين الى أقصى اليسار....الثقل في البلاد متمركز في أقطاب ثلاثة سياسية:الاسلاميين والقوميين والشيوعيين....والملاحظ أن هذه الحركات والأحزاب هي التي تستقطب فئات الشعب التونسي وشرائحه...بقي الناظر في الاسلاميين يعي أن الجماعة "حركة النهضة" وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي قد اعتبروا من الدرس السايق ويعون جيدا أن" السلوك ا لسياسي في المستقبل" لابد أن يضع في حسابه التحديات الخارجية المتمثلة في الولايات المتحدة والاتحاد الأروبي من أن هذه الأفطاب ترفض رفضا باتا أن يصل الاسلاميون الى سدة الحكم بعقلية "الاسلام السلفي" ولكن "بعقلية الاسلام اللليبرالي" وفي هذا الساق يفهم سلوك الشيخ راشد الغنوشي السياسي من أن الحركة لن تطالب بالمس بمجلة الأحوال الشخصية التي لا تعبر عن روح الاسلام الحقيقي انما وضعت وفق تصور علماني فصل الدولة عن الدين ...وفي هذا السياق يفهم كذلك..عدم نية ترشح الحركة "حركة النهضة" للانتخابات الرئاسية واقتصارها على الاتنخابات التشريعية....لاستقطاب الشعب وأخذ زمام المبادرة للدفاع عن مصالحه...وهو-لمن يقرأ الخطاب الساسي-سلوك تكتيكي يتعامل مع المرحلة....
في المقابل وجود القوميين والشيوعيين في تونس يقلق كثيرا الغرب...لأن هذا يقتح -تزامنا مع الثورة في مصر-عديد الاستفهامات...يسقط كل حسابات" أمريكا وأخواتها" في الماء..لفد باتت المنطقة العربية بركانا شعبيا يثور ويفور لاحد له...تخشى أمريكا أن تصعد أنظمة ديمقراطية عربية في المنطقة العربية...لأن صعود أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية تحترم ارادة شعوبها يعني امكانية تحالفها من أجل نصرة قضايا الحق والعدل والمساواة والحرية ...وهذا سيزيل "ما يسمى اسرائيل" من الخارطة " الجيوسياسية"...
يبقى أن نشير أن من أشلاء النظام السابق من أسس حزبا ليبراليا واستقال من الحكومة السابقة بل واستقال من النظام السابق...لاعادة ترتيب البيت"!!!؟؟ وقد تراهن أمريكا وأخواتها على هذا الحزب من أجل ايصاله الى سدة الحكم للحفاظ على مصالحها...وهذا ما يتعارض مع ارادة الشعب...الذي قدم شهداء في هذه الثورة ومستعد الى أن يقدم شهداء....كلما تلاعب أصحاب القرار بحقوقه....

الخميس، 3 فبراير 2011

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم/3

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. د. سفر الحوالي

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم

منقول عن الشيخ/ سفر الحوالي

1 - معنى المحبة وتعريفهـا:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

معنى المحبة في اللغة معروف، وهي في الشرع: أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي للمحبوب؛ فمحبة الله تعالى، ومحبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومحبة المؤمنين، ومحبة ما شرع الله من الدين، هي أمر زائد على مجرد الميل الطبيعي إلى شيء من ذلك؛ إذ لا بد فيها من جانب اختياري تكليفي.

وباصطلاحاتنا المعاصرة أقول: إن المحبة الشرعية ليست مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان وحده، وإنما هي متعلقة بالوجدان والعاطفة، والعقل والإرداة، والعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح؛ إذ أنها جزء مهم من الإيمان.

والإيمان عند أهل السنة والجماعة كما هو معلوم للجميع قول وعمل، أي: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، كما هو مبين في مواضعه.

وعلى هذا فمن ظن أن محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي مجرد الميل الطبيعي والوجداني له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو غالط غلطاً بيناً؛ لأن هذا الظن هو الذي أوقع طوائف من الأمة في التفريط في اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وترك سنته، ونبذ شريعته، وترك تحكيمه، وترك التأدب معه، وأوقعهم في التقديم بين يدي هديه وحكمه، هذا مع تعلقهم العاطفي بذاته، وتغنيهم بشمائله، وإعجابهم بكماله، وربما بكائهم لتذكره، ولهجهم بالصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكذلك من قال: إن معنى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي طاعته، وامتثال أمره، والتمسك بسنته، فهو مقصر عن إصابة كبد الحقيقة في هذا، إذ أن هذا هو تفسير لها باللازم والمقتضى.

فالطاعة والامتثال هو لازم المحبة ومقتضاها لا حقيقتها، ومعناها والتحقيق في ذلك: أنها أمر زائد على ذلك يجمع ويشمل ما ذكرنا آنفاً، فالمحبة بهذا الاعتبار أمر عظيم من أمور الإيمان.

وقد بين ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله تعالى، يقول 'إذا كان الحب أصل كل عمل من حقٍ أو باطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله كما أن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالعملان القلبيان العظيمان إذاً هما المحبة والتصديق، المحبة هي أصل جميع الأعمال والتصديق هو أصل جميع الأقوال الإيمانية'.

ويقول رحمه الله في موضع آخر:

'أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحب الله هو أصل التوحيد العملي وهو أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن العبادة أصلها أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع وهذا هو الإسلام'.

وقال: 'أصل الإشراك العملي في الله الإشراك في المحبة، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165].

وكما هو معلوم أن تأليه الله تبارك وتعالى أو الشهادة بأنه لا إله إلا الله، قيل: إنها مشتقة من الأله أو من الوله، فالأله هو: العبادة، كما في الآية وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف:127] وأما إن كان من الوله فالمقصود بالوله هو: درجة عليا من درجات المحبة، وهي تعلق القلب بهذا المألوه الذي هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، المعبود وحده لا شريك له.

ومن هنا وقع شرك المشركين حين أحبوا غير الله، وتعلقت قلوبهم به، ونتج عن ذلك أن دعوهم واستغاثوا بهم وعبدوهم من دون الله سبحانه، وصرفوا لهم الحق الخالص لله عز وجل، وهذا المعنى الواسع العميق للمحبة عند أهل السنة والجماعة هو الذي يميز محبتهم عن المحبة العاطفية الهائمة، التي يدَّعيها الصوفية دون أي أساس من الشرع.

وهذه المحبة التي يدعونها هي شحنه عاطفية يمكن أن تفرغ بقصيدة من الشعر أو حفلة أو ذكر أو حضرة، أو بأي نوع من أنواع المتفرغات العاطفية وينتهي مفعولها، بخلافها عند أهل السنة والجماعة؛ حيث تشمل عمل القلب وعمل الجوارح التي ترتبط بعمل القلب، فيكون المحب في هذه الحالة مطيعاً وذاكراً ومتعلق القلب بالمحبوب.

وأما المحبة الصوفية أو المحبة البدعية الهائمة، فهي تلك المحبة التي عبَّر عنها السلف الصالح بأنها زندقة، حيث قالوا: 'من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن' وهذا هو القول الصحيح، وقد عبَّر عن هذه المحبة الزنديقية تصديقاً لهذا القول القديم المأثور الشاعر الصوفي المشهور ابن عربي حين قال قاتله الله:

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

لقـد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعىً لغزلان، وديراً لرهبان

وبيـتاً لأوثـان، وكعبةَ طائف وألواحَ توراةٍ، ومصحفَ قرآن

أديـنُ بدينِ الحبِّ أَنَّى تَوَجَهَت رَكـَائِبُه فَالـحُبُّ ديني وإيماني

فلما أصبحت المحبة بهذا المعنى، وأصبحت محبة الله ومحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي هذا الهيام العاطفي الذي لا يحده ضابط ولا قيد؛ وقعت الأمة أو الطوائف التي اعتنقت هذه المحبة في الغلو العظيم، على ما سوف نوضحه -إن شاء الله- في الفقرة المناسبة له، وخرج بذلك عن حد المحبة الشرعية، وحقيقتها، وما ذلك إلا لجهلهم لهذه المحبة التي شرعها الله والتي لا يقبل الله تبارك وتعالى إلا هي.

2 - مقتضيات محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لوازم ومقتضيات محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة جداً، نرجو الله تعالى أن يوفقنا لنظم أشتات الحديث فيها:

(1) تحقيق الشهادة له صلى الله عليه وسلم:

وأعظم ذلك هو تحقيق الشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه رسول الله، هذه الشهادة التي هي ركن التوحيد، والشهادة له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة التي تعني طاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما أمر، وتعني كذلك اجتناب كل ما نهى عنه وزجر، وتعني تصديقه في كل ما أخبر به، وتعني ألاَّ يعبد الله إلا بما شرع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا قال الله تبارك وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32].

فلا بد من اتباعه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بد من طاعته؛ وهذا الاتباع والطاعة يرث العبد بهما محبة الله فتورث محبة الله تبارك وتعالى بذلك، وهذه هي الغاية العظمى التي يسعى إليها كل المؤمنين، كما قال بعض السلف: 'ليست العبرة بأن تُحِبْ، ولكن العبرة بأن تُحَبَّ'.

فمن أحبه الله تبارك وتعالى، فقد وفقه لكل خير، وتحقق محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للعبد لا يكون إلا بأن يحقق العبد اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31] وبالطبع اتباع الله واتباع دين الله وشرعه.

(2) الاقتداء به صلى الله عليه وسلم:

ومن ذلك الاقتداء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتأسي به، كما قال عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21] فلا بد من الاقتداء به والتأسي به في هديه وخلقه ومعاملته وكل أحواله في البيت، والمسجد، وفي الطريق، في السِّلْم، والحرب، وفي كل الأحوال، وهذا الاقتداء هو حقيقة أو هو علامة ولازم تلك المحبة، التي يجب أن تكون كما أشرنا.

وقد ورد حديث عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه حسنه الشيخ الألباني بل ذكره في سلسلة الأحاديث الصحيحة في الجزء الذي لم يخرج، قال: { أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ يوماً فجعل الصحابة يتمسحون بوضوئه وذلك تبركاً منهم بوضوئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يحملكم على هذا -أي: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: حب الله ورسوله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره }.

ولو تأملنا خلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لوجدنا أنه أصدق الناس لهجة، وأنه أعظم الناس أمانةً، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس جواراً، فهذا نوع وجزء من شمائله العظمى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجب الاقتداء به فيها، وهذا هو تحقيق محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولازمها ومقتضاها.

(3) تحكيمه في كل موضع نزاع:

ومن أعظم لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحكيمه في كل موضع نـزاع، فلا يقدم قول أحد ولا رأيه ولا اجتهاده ولا نظره، ولا حكمه على قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحكمه، يقول الله تبارك وتعالى في هذا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

وهذه الآية كما ذكر ابن القيم رحمه الله في شرح المنازل، هذه الآية شملت مراتب الدين الثلاثه، ففيها المقامات الثلاثة: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، فالتحكيم في مقام الإسلام فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ [النساء:65].

فمن لم يحكم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا يكون مسلماً، والإيمان في مقام نفي الحرج فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ [النساء:65] فمن انتفى عنه الحرج فهو مؤمن -أي: حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتفى عنه الحرج بما حكم به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا هو المؤمن.

وأعلى من ذلك وأجل هو تحقيق مرتبة الإحسان وهي التسليم المطلق وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] فيسلم المؤمن تسليماً مطلقاً لما حكم به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما أمر ولما أخبر به من خبر فلا يعرضه لا على عقله ولا على رأيه ولا على مذهبه ولا على قول شيخه، ولا على أي مخلوق أو أي فكر بشري.

وإنَّ مما يجب أن ننبه عليه في هذا المقام، هو ذلك المنكر العظيم الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية أو طوائف كبيرة منها مع دعوى محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع إظهار بعض الشكليات التي يظنون بها أنهم قد أدوا حقه وأظهروا محبته وزعموها، وذلك هو: تحكيم القوانين الوضعية في شئون حياتهم، ومعارضة سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهديه وحكمه وشريعته بتلك الأحكام.

فهذه جرأة على الله، وجرأة على مقام النبوة، بل هي إهدار وحط من مقام الرسالة؛ لأن معنى الشهادة بأن محمداً رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أن يشهد العبد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أرسل هذا الرسول إلينا لنطيعه ونتبع أوامره، ونلتزم بكل ما يأمرنا به فيما هو إلا رسول مبلغ من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فالذين يرفضون حكم الله ورسوله ولا يقيمون شرع الله ودينه في أنفسهم ولا في مجتمعاتهم ولا في شئون السياسة أو الحكم أو الاقتصاد أو الاجتماع أو مناهج التعليم، أو أي ناحية من نواحي الحياة فلا ينفعهم أنهم يقيمون له الموالد أو ينشدون له الأناشيد، أو يحيون ذكريات بدعية في ليلة الإسراء والمعراج وما أشبهها، ويزعمون بعد ذلك أنهم مؤمنون وأنهم يعظمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وربما ذهب بهم الشيطان إلى أبعد من هذا فَعَادوا من يُطبِّق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتمسك بها ويقتدي بهديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحجة أنه مبغض للرسول، أو أنه خارج عن هديه، وينبزونه بأشنع التهم، والألقاب.

فهذا من أعظم المنكرات الدالة على أن هؤلاء الناس تركوا محبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا يقيمون له وزناً، ولا لرسالته ولا لمقام نبوته ولا لمنـزلته عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذي فضله الله تعالى بها على العالمين أجمعين.

ولا شك أن هذا مخالف لحال المؤمنين من السلف الكرام والصحابة رضوان الله تعالى عليهم الذين حالهم كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51] فلا اعتراض، ولا منازعة، ولا مدافعة، ولا تردد، ولهذا قال: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51].

فلا يكون الفلاح إلا لهؤلاء الذين حكَّموا سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع أعمالهم وحركاتهم ولم تكن لهم الخيرة فيما يقضي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

فلا اختيار مع أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل التنفيذ والامتثال، هذه هي لوازم محبته وهذا هو تحقيقها، وقد أمر الله تبارك وتعالى تبعاً لذلك بالرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] والرد إلى الله هو: الرد إلى كتابه عز وجل، إلى هذا الذكر الحكيم، والرد إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو: الرد إلى سنته، بأن يُسأل في حياته ويرجع إليه في الأمور، وبعد مماته يرجع إلى دينه وسنته، وهديه، فلا يكون لأحدٍ إيماناً إلا بذلك، كما قال: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

فمن ادَّعى الإيمان والمحبة مع عدم الرد إلى الله ورسوله في مواضع النـزاع والاشتباه في أي حال من الأحوال فقد نقض تلك المحبة وهو كاذب في دعواها، ولم يأتِ بلوازمها، ومقتضياتها.

وكما هو معلوم عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الثابت: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }، وقد أشار الشراح رحمهم الله إلى أن هذه اللفظة (عليه أمرنا) فيها الجار والمجرور متعلق بمحذوف يقدر بـ(حاكماً أو قاضياً)، من عمل عملاً ليس أمرنا حاكماً عليه أو قاضياً عليه أو خاتماً عليه فهو رد، فمعنى ذلك: أن أعمال العباد يجب أن تكون تحت أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحت سنته وهديه وشرعه.

وكذلك في الحديث الآخر يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {فمن رغب عن سنتي فليس مني } فمهما ادَّعى من مدعي محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو راغب عن سنته فليس منه.

وأما صحابته الكرام الذين أحبوه ذلك الحب العظيم فإنهم رضي الله عنهم كانوا متمسكين بسنته، حريصين على التأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والاقتداء به والاهتداء بهديه، والتأدب معه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدم التقديم بين يديه.

(4) عدم التقديم بين يديه وغضّ الصوت:

وأيضاً مما يجب لتحقيق هذه المحبة وهو لازم عظيم من لوازمها:

التقديم بين يديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغض الصوت عنده يكون في حياته كما هو معلوم بالنسبة لشخصه ولذاته، وبعد مماته يكون بالتأدب مع سنته وغض الصوت، فلا يرتفع صوت رأي، ولا فكرة، ولا مذهب، ولا قياس فوق سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد كان الصحابة الكرام، يدركون هذا المعنى غاية الإدراك كما ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:{كنا عند عمران بن حصين في رهط منا، وفينا بشير بن كعب، فحدثنا عمران يومئذٍ، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحياء خير كله -قال- أو قال: الحياء كله خير }.

الحديث المشهور المعروف { والحياء شعبة من الإيمان } والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {الحياء خير كله أو الحياء كله خير } هذا بلفظ عام لم يخصص بشيء، فقال بشير بن كعب: {إنا لنجد في بعض الكتب، أو الحكمة أن منه سكينة ووقاراً لله ومنه ضعف } يقول: نجد في بعض الكتب أو في بعض موروثات كتب الأولين أن من الحياء سكينةً ووقاراً ولكن أيضاً، أن منه ضعف.

{قال أبو قتادة: فغضب عمران حتى احمرتا عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعارض فيه، ثم يقول أبو قتادة: فأعاد عمران الحديث، فأعاد بشير، فغضب عمران }.

ولا شك أن الغضب الثاني أشد من الغضب الأول، فلما رأى أولئك الرهط ثورة عمران، أخذوا يهدئونه قال أبو قتادة: {فما زلنا نقول فيه: إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به }.

يقولون: يا أبا نجيد، إن بشيراً هذا منا، إنه ليس من أهل البدع ولا من أهل النفاق ولا من أهل الزيغ والضلال، فما حصل منه هو عمل أهل الزيغ وأهل الضلال وأهل النفاق الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالوا: إن الأمر كذا، ولكن فلاناً قال كذا، ولكن العلماء قالوا كذا، ولكن المذهب فيه كذا، ولكن الشيخ الفلاني أفتى بكذا، إلى آخر ذلك.

ولذلك الإمام الشافعي رحمة الله عليه، عبَّر عن ذلك تعبيراً عظيماً حين جاءه رجل يسأله عن أمر من الأمور، فقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا -وتلا عليه حديثاً- فقال له الرجل: فما رأيك أنت؟ فغضب الإمام الشافعي رضي الله عنه، غضباً شديداً، وقال: أتراني في كنيسة؟! أترى عليَّ زناراً؟! أقول لك: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول ما رأيك أنت. فكانوا يعلمون ويدركون أنه لا رأي لأحد مع كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع هديه، ومع سنته.

(5) الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم:

يجب أو ينبغي أن ننبه إلى أمر عظيم من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الأمر العظيم قد جاء تفصيله في الشرع؛ فهناك مواضع تجب فيها الصلاة والسلام عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصيغة أو بالصيغ الشرعية الواردة في الأحاديث الصحيحة، وهناك مواضع تستحب فيها هذه الصلاة وتتأكد، وهناك أحوال بل نقول: إنها في كل حال، وفي كل وقت الصلاة والسلام على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي قربة وذكر ونافلة وعبادة من أعظم العبادات وأجلِّها.

(6) عدم أذيته صلى الله عليه وسلم:

مما يجب أن يعلم أن من لوازم محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عدم أذيته، كما تفضل الشيخ عبد الله في مسألة الاستهزاء؛ بل إن الله سبحانه بيَّن أن أذيته هي شأن المنافقين وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة:61].

فأي قول فيه نوع من التحقير، أو التقليل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو الحط من قيمته، أو الأذية له أو لسنته فإنه من عمل المنافقين وهذا النفاق هو نفاق أكبر -نسأل الله العفو والعافية- وما من قلب ينعقد على شيء من بغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو كراهيته ويكون صاحبه مؤمناً قط.

نعم. الناس يتفاوتون في محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفاوتاً عظيماً، ولكن المؤمن المسلم لا يخلو قلبه أبداً من شيء من محبته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن قل، أما أن يشتمل قلب أحدٍ من البشر بشيء من كراهيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهذا هو الكفر عياذاً بالله، ولا يجتمع الإيمان مع بغضه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، ومن ذلك عدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زوجاته، وعدم إيذائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صحابته الكرام.

فإن من آذاه في زوجاته أو في صحابته فكأنما آذاه في نفسه وفي شخصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الواحد من الناس أو الواحد من البشر من آذاه في زوجته أو في صديقه، أو في حبيبه فلا شك أنه آذاه هو، فكيف بمن آذى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء من ذلك؟! وهذا مما هو معلوم من جميع المسلمين -ولله الحمد- وإنما أحببنا أن ننبه فيه لأهميته.

[وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم]

محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم/2

محبة الله ورسوله غاية قصوى، يتوخاها المسلم في أمره كله، ويسعى لنيلها صباح مساء، ويضحي لأجلها بكل أمر من أمور الدنيا؛ إذ هي حجر الزاوية التي يقيم المسلم عليها بنيانه الإيماني، وهي المعيار والمقياس التي يعرف من خلالها المؤمن مدى علاقته بالله ورسوله، قربًا وبعدًا، وقوة وضعفًا .

والطريق الموصلة إلى هذه المحبة طاعة الله ورسوله، وقد قال تعالى: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } (آل عمران:31)، وقال سبحانه: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة } (المائدة:35) .

وقد أرشد التوجيه القرآني المسلم، أن يلحظ في سلوكه كله هذا الأساس، فلا يقدم أمرًا من أمور الدنيا على محبة الله ورسوله؛ وتوعد سبحانه من يقدم أمر الدنيا على أمر الدين بالعقاب الأليم، عاجلاً أو آجلاً .

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان مع جمع من أصحابه رضي الله عنهم، بينهم عمر رضي الله عنه؛ فقال له عمر : يا رسول الله ! لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك )، فقال له عمر : فإنه الآن - والله - لأنت أحب إلي من نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الآن يا عمر )، رواه البخاري .

وفي صحيح " البخاري " أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ) .

وقد جاء في القرآن الكريم في هذا المعنى قوله تعالى: { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره } (التوبة:24) .

يُذكر في سبب نزول هذه الآية، أنه لما نزل قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون } (التوبة:23)، قال الذين أسلموا، ولم يهاجروا: إن نحن هاجرنا ضاعت أموالنا، وذهبت تجاراتنا، وخربت دورنا، وقطعنا أرحامنا، فنـزل قوله سبحانه: { قل إن كان آباؤكم ...} الآية .

فذكر الواحدي في أسباب النـزول، أنه لما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، جعل الرجل يقول لأبيه، وأخيه، وامرأته: إنا قد أُمرنا بالهجرة، فمنهم من يسارع إلى ذلك، ومنهم يتباطأ عن ذلك - تعلقًا بزوجته، وولده، وأهله -، يقولون له: نشدناك الله أن تدعنا وتتركنا، فنضيع، فيشفق من فراقهم، ويرق لحالهم، فيجلس معهم، ويدع الهجرة، فنـزل في ذلك قوله تعالى يعاتبهم: { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء ...} الآية؛ ونزل في الذين تخلفوا بمكة، ولم يهاجروا، قوله تعالى: { قل إن كان آباؤكم ...} الآية .

وقد روى السيوطي عن عليٍّ رضي الله عنه، أنه قال لقوم: ألا تهاجروا، ألا تلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نقيم مع إخواننا، وعشائرنا، ومساكننا، فأنزل الله: { قل إن كان آباؤكم ...} الآية .

وما ذُكر من سبب نـزول هذه الآية، يبين مقصودها؛ وهو أن على المؤمن حق الإيمان، أن يقدم أمر الدين على أمر الدنيا عند التعارض، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يقدم أمر الدنيا على الآخرة .

ثم إن الآية الكريمة - وعلى ضوء سبب نزولها - أفادت أمورًا مهمة، ينبغي على المسلم أن لا يغفل عنها، وهي:

أولاً: أن المقصود من محبة العبد لله ورسوله، العمل بما أمرا به، وترك ما نهيا عنه؛ فإن ذلك مدعاة لمحبة الله للعبد، والرضا عنه، وقد قيل: إن المحب لمن يحب مطيع. فليست المحبة إذن شعورًا عاطفيًا فحسب، وإنما هي قبل هذا وبعده، سلوك عملي، يمارسه المسلم على أرض الواقع، ويجسده في كل حركة من حركاته، فهي أولاً طاعة لله ورسوله، وهي ثانيًا حُسن تخلُّق مع الناس. وقد زعم قوم - كما قال بعض السلف - أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }، وهذه الآية تسمى ( آية المحنة )؛ لأن اتباع ما أمر الله به ورسوله، هو الذي يصدق تلك المحبة أو يكذبها .

ثانيًا: دلت الآية على أن محبة الله ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لها؛ فإذا وقع تعارض بين أمر ديني، وأمر دنيوي، وجب على المسلم ترجيح أمر الدين على أمر الدنيا؛ لأن الدين هو الأساس، والدنيا تبع له؛ ولأن الدين هو الغاية، والدنيا وسيلة إليه .

وكذلك، فإن محبة الله ورسوله هي المعيار والميزان الذي يختبر به المؤمن حقيقة إيمانه، وقوة يقينه؛ وبيان ذلك - كما قال السعدي -: أنه إذا عرض على المؤمن أمران؛ أحدهما: يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى؛ والآخر: تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يفوت عليه ما يحبه الله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم لنفسه، تارك لما يجب عليه. فكلما كان المؤمن أكثر محبة لله ولرسوله، كان أكثر تحققًا بوصف الإيمان، وأشد يقينًا بهما، ولا ريب أن الناس يتفاوتون في منازل الإيمان، بقدر تفاوتهم في محبة الله ورسوله؛ فأنت واجد من الناس من عنده من التصلب في حب الله، والثبات على دينه، ما يدفعه إلى تقديم دينه على الآباء، والأبناء، والإخوان، والأموال، والمساكن، وجميع حظوظ الدنيا، ويتجرد منها لأجله؛ وبالمقابل، فإنك واجد من الناس من يقدم حظوظه الشخصية على محبة الله ورسوله، وبين هذا وذاك درجات متفاوتة تقترب من هذا الطرف أو ذاك .

قال بعض أهل العلم: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة؛ وعلامة حب الله، وحب القرآن، وحب النبي صلى الله عليه وسلم، وحب السنة، حب الآخرة؛ وعلامة حب الآخرة، أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسه، أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا، ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة .

محبة الله ورسوله/1

أولاً: كلمات في محبة الله
• الحب الإلهي الحنين المتجدد والشوق المستمر من لم يذقه ماعرفه متجدد مع الانفاس أي مرتبه تسمو الى هذه المرتبه طوبى لمن رزقه .
• المحبون هم الذين انار حب الله لهم افاق السماء فامطرت عليهم سحب الأشجان وصحبتهم العبرات وزفرات المشتاق
• ارتضو حبهم لله منهجا وشرعة هم في واد والناس في واد
• محبة الله عزوجل هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون واليها شمر المشمرون وعليها تفانى المحبون وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلاام واحزان .
• تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة.إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب . وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة : أن المرء مع من أحب . فيالها من نعمة على المحبين سابغة، تالله لقد سبق القوم السعادة وهم على ظهور الفرش نائمون، وتقدموا الركب بمراحل وهم سيرهم واقفون .
• وأعلم أ، من قرت عينه بالله سبحاننه قرت به كل عين وأنس به كل مستوحش وطاب به كل خبيث وفرح به كل حزين وأمن به كل خائف وشهد به كل غائب وذكرت رؤيته بالله ومن اشتاق إلى الله اشتاقت إليه جميع الأشياء .
• من نصح لنفسه كل النصح :جعل لحظات عمره وتردد أنفاسه ونبض قلبه وقفا لله عز وجل- فهي غاية الغايات واعلى المنزلات (( ففروا إلى الله ))الذاريات.
• قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((ان الله تعالى يحب معالي الامور ويكره سفاسفها))صححه الالباني
• قوم تخللهم زهو بسيدهم *** والعبد يزهو على مقدار مولاه
• تاهوا به عمن سواه له ياحسن رؤيتهم في حسن ماتاهوا
• فلا عيش الا عيش المحبين لان هممهم لاترضى بالدون ولاحب عندهم الا للحبيب الاول .
• والله ماطلبت أرواحنا بدلاً *** منكم ولا انصرفت عنكم امانينا
• ((مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وماذاقو أطيب مافيها‘ قيل : ومأطيب مافيها؟: قال محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته ))
• يقول أخر ((إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب ))
• وقال اخر((والله ماطابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته، ولا الجنه إلا برؤيته ومشاهدته))
• ((حياة القلب في ذكر الحي الذي لايموت ، والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لاغير))
• يقول ابن تيمية : وأخرج من البيوت لعلني *** أحدث عنك القلب بالسر خالياً
• كلما عرض امر من الرب سبحانه فال القلب ناطقاً
لبيك وسعديك ولك عاى المنة في ذلك والحمد عائد اليك )
• اعلم ان لحب الله خلق الخلق ولأجله خلق الجنة والنار وله أرسلت الرسل ونزلت الكتب ولو لم يكن جزاء الانفس وجوده لكقى به جزاء وكفى بفوته حسرة وعقوبه)

ثانياً: معنى الحب .
معاني الحب في اللغة تدور على خمس معاني :
1- الصفاء والبياض .2- العلو والظهور 3-اللزوم والثبات 4-اللب 5-الحفظ والامساك
حرف الحاء : من أقصى الحلق حرف الباء : الشفوية التي من نهايته
((فللحاء ابتداء وللباء انتهاء وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب فإن ابتداءها منه وانتهاءها اليه .)) قيل عن المحبة .
المحبة : الميل الدائم بالقلب الهائم .
المحبة : إيثار المحبوب على جميع المصحوب المحبة : موافقة الحبيب في المشهد والمغيب المحبة : مواطأة القلب لمرادات المحبوب المحبة : ان تهب كلك لمن احببت فلا يبقى لك منك شي
المحبة: ان تمحو من القلب ما سوى المحبوب المحبة : توحيد المحبوب بخالص الإرادة وصدق الطلب المحبة : سقوط كل محبة من القلب إلا محبة الحبيب المحبة : ان لايؤثر على المحبوب غيره
المحبه: ان يكون كلك بالمحبوب مشغولاً
قال الجنيد في المحبه وقيل هو من اجمع ماقيل :
جرت مسألة المحبة في مكه أيام المواسم – فتكلم فيها الشيوخ وكان الجنيد أصغرهم سناً . فقالوا هات ماعندك ياعراقي . فاطرق رأسه ، ودمعت عيناه ثم قال (( عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه ثم قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه أحرقت قلبه أنوار هيبته وصفا شربه من كاس وده وانكشف له الجبار من استار غيبته فان تكلم فبالله وان نطق فعن الله وان تحرك فبأمر الله وان سكت فمع الله فهو بالله ولله ومع الله) فبكى الشيوخ وقالوا ماعلى هذا مزيد جزاك الله خير ياتاج العارفين .

تشتاقكم كل أرض تنزلون بها *** كأنكم في بقاع الارض امطار
وتشتهي العين فيكم منظرا حسناً *** كانكم من عيون الناس اقمار
لا أوحش الله ربعا من زيارتكم *** يامن لهم في الحشا والقلب تذكار


ثالثاً : الأسباب الجالبة لمحبة الله
قال ابن القيم رحمه الله :(الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها، وهي عشرة :
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد منه .
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
3- دوام ذكره على كل حال : باللسان والقلب والعمل والحال ، فنصيبه من المحبه على قدر نصيبه من الذكر .
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وان صعب المرتقى .
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها .
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ، ونعمه الظاهرة والباطنة.
7- انكسار القلب بين يدي الله تعالى
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبوديه بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة .
9- مجالسة المحبين والصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ، ولا نتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل

رابعاً : من مراتب المحبة العبودية
العبودية : مرتبة عظيمة من مراتب المحبة . قال ابن القيم رحمه الله : (( حقيقة العبودية : الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب )) .
لما كمل النبي صلى الله عليه وسلم وصفه الله بهذه المرتبه ((تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ....) ولنعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها : إنما يطلع عليها من عرف صفات الرب عزوجل ولم يعطلها انما خلق الله الخلق لعبادته الجامعة بكمال محبته مع الانقياد والخضوع له .
أصل العبادة : محبة الله ، بل إفراده بالمحبه ، وأن يكون الحب كله لله ، فلايحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه ، كما يحب أنبياؤه ورسله وملائكته وأولياؤه ، فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبه كمحبة من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحبه

خامساً : أنواع العبودية
العبودية لله تضم : قول اللسان – قول القلب – عمل القلب .
1- قول القلب :
هو اعتقاد ماأخبر الله سبحانه بع عن نفسه ، وعن أسمائه وصفاته، وأفعاله وملائكته ولقائه على لسان رسله صلوات الله وسلامه عليهم .
2- قول اللسان :
الإخبار عنه بذلك ، والدعوة إليه ، والذب عنه وتبيين نطلان البدع المخالفة له ، والقيام بذكره وتبليغ أمره
3- عمل القلب :
كالمحبه ، والتوكل عليه ، والإنابه إليه ، والخوف منه ، والرجاء إليه ، وإخلاص الدين له ، والصبر على أوامره ، وعن نواهيه

سادساً : ماالمطلوب منا .
1- معرفة عظمة الخالق سبحانه وأن محبته قمة السعادة والقربى .
2- قراءة كتابات وأحوال المحبين لله وتأمل ماهم فيه من خير ونعيم .
3- التعرف على الأسباب الجالبة لمحبة الله والعمل بها .
4- أن نعلم أن كمال عبوديتنا لله هي دليل صدقنا مع الله ومحبتنا له وشوقنا للقائه .
5- عبوديتنا لله ومحبتنا له تكون بالقلب وباللسان وبالجوارح .



بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"