بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 15 أبريل 2010

في معنى "العليم" جل جلاله

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الدرس الرابع عشر من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم اسم العليم .

يا أيها الاخوة الأكارم : بادئ ذي بدئ أسماء الله كلها حسنى وكل اسم قائم بذاته ولا يتعلق اسم باسم ومع ذلك فبعض الأسماء أكثر تأثيراً في نفوس العباد من بعض الأسماء الأخرى ، فاسم العليم كما قال عز وجل :

(سورة الطلاق)

إذاً ربنا عز وجل اختار من بين أسمائه كلها اسمين العليم والقدير لأن الإنسان لن يستقيم على أمر الله إلا إذا أيقن أن علم الله يطوله وأن قدرته تطوله ، واسم العليم مهم جداً في طريق الإيمان ، لأنك إذا أيقنت أن الله يعلم ظواهر الأمور وبواطنها ، يعلم سرك وجهرك يراك في خلوتك وفي جلوتك في حضرك وفي سفرك ، يعلم نواياك كلها ، يعلم ما يدور في خلدك ، ما يجري في نفسك ، ما تتمناه ما تصبو إليه ما تشتهيه إذا أيقنت أن الله يعلم لزمت جانب الاستقامة .

إذاً أكثر أسماء الله الحسنى تأثيراً في استقامتك اسم العليم ، وأكثر أسماء الله الحسنى تأثيراً في استقامتك اسم القدير ، والآية الكريمة تؤكد هذا المعنى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا "

من تعاريف العلم أن تكون هناك علاقةٌ ثابتةٌ بين شيئين ، مقطوع بصحتهما عليها دليل ، مطابقة للواقع ، لكن علم الله عز وجل يختلف اختلافاً كلياً عن علم البشر ، أضرب لكم بعض الأمثلة :

الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيءٍ علماً ، في ظاهر الأشياء وفي بواطنها ، في دقيقها وفي جليلها ، في أولها وفي آخرها ، في فاتحتها وفي عاقبتها ، ومع ذلك فعلم الله عز وجل من طبيعة أخرى .

مثالاً آخر : لو أن رجلاً عبقرياً اخترع آلة وجاء من بعده أجيال ودرسوا هذه الآلة وعرفوا دقائق صنعها واكتشفوا العلاقات فيما بين أجزائها واكتشفوا القوانين التي على أساسها بنيت هذه الآلة ، علم الجيل اللاحق يختلف عن علم العبقري الذي اخترع الآلة ، فعلم المخترع هو سبب وجود الآلة ، علم المخترع سبق الآلة ، لكن علم الدارس جاء بعد وجود الآلة وجاء استنباطاً من دقائقها ، هذا المثل ضربه الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه (إحياء علوم الدين )، فأنت علمك مستنبط من الوجود من القواعد التي قعدها الله ، من القوانين التي قننها الله ، من السنن التي سنها الله ، من الخصائص التي خص الله بها الأشياء ، علم البشر مكتَسَب ، مكتسب من الوجود من قوانينه من قواعده من سننه من علاقاته الثابتة ، من خصائص الأشياء ، لكن علم الله هو الذي قنن القوانين ، هو الذي خصص الأشياء بخواصها ، هو الذي سنن السنن ، ففرق كبير بين أن تكتشف علاقةً ثابتة في شيء موجود وبين أن تخلف هذه العلاقة ، بين أن توجدها من العدم بين أن توجدها من قبل أن تكن موجودة ، هذا الفرق ...! فعلم البشر لاحِقٌ للوجود ، كسبي، وعلم خالق البشر سابِق للوجود وسببي .

مثل آخر : حينما ينشئ مهندس في العصور القديمة جسراً ، وحينما يأتي الصيف يتصدع هذا الجسر ، بسبب أن الحديد تمدد ، إذاً يكتشفون أن هذا الحديد يتمدد بالحرارة ، هذا القانون اكتشف ، فلما اكتشف ، في المراحل القادمة إذا صنعوا الجسر أو أنشئوا بناء يضعون فواصل تمدد ، نقول علم البشر كسبي وعلم الله قديم .

وضعوا وقوداً سائلاً في شاحنة ، هذا الوقود خاص بالطائرات ، هذه الشاحنة سارت تحت الشمس المحرقة ، فاشتعل هذا الوقود بفعل الشمس المحرقة ، إذاً هذا الوقود يمكن أن يشتعل من دون أن تمسه النار بفعل حرارة الشمس الملتهبة ، إذاً سيصنعون الآن لهذه الشاحنة التي تحمل الوقود السائل الخاص بالطائرات طبقة ثانية لتكون عازلاً لحرارة الشمس .. علم البشر مكتسب ...!

أنا أضرب لكم بعض الأمثلة ، لكنْ يجب أن تعلموا أن كل حقيقة وصل الإنسان إليها إنما هي عن طريق التجارب ، وعن طريق الخطأ والصواب ، وأكبر دليل إذا دخلت معرض سيارات وتأملت سيارة صنعت عام ألف وتسعمائة واثني عشر ، ووازن بينها بين سيارة صنعت في عام ألف وتسعمائة وتسعين ، ترى البون شاسعاً ، العجلات من دون هواء الإضاءة بالفوانيس، علبة تبديل السرعة غير موجودة سرعة واحدة للمركبة ، تشغيل المركبة من أمامها " بالمناويل " وازن بين مركبةٍ صنعت قبل مائة عام تقريباً وبين مركبة صنعت قبل عام تتأكد أن علم البشر علم كسبي ، بينما علم الله علم أزلي .

إذاً العلم هو سبب وجود الأشياء ، تعلَّق علمه وتعلقت إرادته ، وتعلقت قدرته بهذا الشيء فكان ، إذاً علمه سبق هذا الشيء ، بل أن علمه سبب لوجود هذا الشيء ، بينما علم البشر لاحق للوجود .. هناك جبال وهناك أنهار وهناك بحيرات ، عرفنا خصائص المياه عرفنا خصائص الهواء صنعنا الطائرة وفق خصائص الهواء ، صُنعت الباخرة وفق قانون أرخميدس ، الذي اكتشف .. إذاً كل معلومات الإنسان وكل علم الإنسان مستنبط من القواعد التي قعدَّها الله ومن القوانين التي قنَنَها الله ومن السنن التي سنها الله ومن العلاقات الثابتة التي ثبتها الله ، ومن الخصائص التي خص الله بها الأشياء ، إذاً يجب أن تتأكد أنه من الخطأ الفاحش أن تظن أن علم الله كعلمنا .

أنت كإنسان يحكمك المكان والزمان ، أنت وسط المكان والزمان تتحرك على أرض من مكان وفي ظرف من زمان ، أنت يغلّفك المكان والزمان ، لكن الله عز وجل ، خالق المكان والزمان ، فخالق المكان والزمان لا يُسأل عنه متى كان لأنه خالق الزمان ولا أين هو لأنه خالق المكان ، علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما سيكون وعلم مالم يكن لو كان كيف كان يكون ... هذه واحدة .

أردنا أن نبين الفرق الجوهري بين علم الإنسان وبين علم الرحمن ، علم قديم ، علم يُعدُّ سبب وجود الأشياء ، تعلق علمه وإرادته وقدرته بوجود هذا الشيء فكان هذا الشيء ، وتعلق علمه وإرادته وقدرته بتخصيص هذا الشيء على شكل معين فكان هذا الشيء على شكل معين ، وما القضاء والقدر في حقيقته إلا أن علم الله تعلق بشيء فكان كما أراد الله عز وجل .

لكنْ الآن أدخُل معكم في مثل آخر ، الحقيقة هذا الموضوع موضوع واسع جداً ولا يعقل أن تكفيه خمسون دقيقة لتوضيحه ، كل هذا الكون أثر من علم الله عز وجل ، فأنت إذا اطَّلعت أو قرأت أو تأملت في المركبة الفضائية التي صنعها الإنسان ووصل بها إلى القمر ، هل تصدق أن علم البشر منذ أن وجد علم على أرض البشر ، إنما ساهم هذا العلم كله في صنع هذه المركبة، كيف عرفوا أن هذه المركبة يجب أن تنطلق بسرعة كافيةٍ كي تتفلّت من الجاذبية الأرضية ، وكيف درسوا حركة القمر وأن هذه المركبة يجب أن تنطلق بزاويةٍ مدروسةٍ دراسة من أعلى عقول علماء الرياضيات بحيث أنها تصل إلى القمر في مكانه الجديد بعد أيام ثلاثة هي التي استغرقتها المركبة في الوصول إلى القمر إذاً هناك علم الفلك وعلم الرياضيات ، وكيف درست شروط الحياة على سطح الأرض وكيف توافرت كل هذه الشروط على سطح القمر .. البزة التي ارتداها رجال الفضاء كلفت ستة عشر مليون دولار ، كي توفر لهم الضغط المناسب والهواء وضخ الهواء ليتكلموا ، طبعاً لا أذكُر هذه التفصيلات إلا لأبينَ لكم أنك إذا رأيت مركبة انطلقت من الأرض ووصلت إلى القمر ، فيجب أن تعلم علم اليقين أن علم الرياضيات منذ أن وجد وفي أرقى تطوراته ساهم في إيصال هذه المركبة إلى القمر وأنّ علم الفيزياء في أعلى تطوراته : " النظرية النسبية والفضاء الأحدب والخطوط المنحنية ، والسرعة والتسارع والجاذبية " كلها ساهمت في إيصال هذه المركبة إلى القمر ، وعلم الكيمياء وعلم وظائف الأعضاء وعلم الفيزيولوجيا ، وعلم الطب : " الضغط المناسب وضربات القلب المناسبة ، الأوعية المناسبة " ، وكيف أن هذا الإنسان يعيش في جو انعدمت فيه الجاذبية ، يعني شيئاً ليس لنا أن نفصل فيه في هذا الدرس ولكن لنعلم أن مركبة الفضاء تشف عن علم كبير جداً هو علم البشر كلهم مجتمعين في أعلى مستوى .

وإذا رأيت حقلاً من النفط وسط بحر الشمال اكتُشف ، قد تسأل كيف اكتُشف هذا الحقل ، بأي جهاز وعلى أي مبدأ ، على مبدأ الليزر على مبدأ المغناطيس ، على مبدأ الموجات ، على أي مبدأ ، وحينما اكتشف هذا الحقل في قعر بحر الشمال كيف وصلوا إليه ؟ .. كيف غطسوا في الماء خمسة آلاف متر ؟ .. وكيف وصلوا إلى أرض البحر ، وكيف حفروا خمسة آلاف متر أخرى ؟ .. وكيف هذا الماء المالح لم يدخل في البئر ، وكيف أنزلوا هذه المواسير وهذا الأنابيب، وكيف أفرغوا ماء البحر من هذه الأنابيب ، وكيف حقنوا الإسمنت السائل ، ألا تشعر أن هؤلاء الذين أنشؤوا منصةً على بحر الشمال ، تهبط عليها طائرات هليوكبتر وفيها شبه مدينة بيوت ومكاتب وإدارات كلها عائمة على البحر ودرسوا تلاطم الأمواج وارتفاع الأمواج وعمق الأمواج ، وتيارات البحر والملوحة وعلاقة الحديد بالملوحة ، ومع ذلك في ليلةٍ عاصفةٍ هبت أمواجٌ عاتيةٌ فحطمت هذه القاعدة ، إذاً الدراسة غير كافية .

تصنع طائرة تسقط بلا سبب ، إذاً لابد من خلل في صنعها ، ضربت هذين المثلين ، قد تجد مثلاً ساعة صغيرةً مبرمجةً لمئتي عام تشعرك بأوقات الصلوات الخمس في أي بلد تشاء .. أنت في دمشق تضبطها على دمشق ، فإذا هي تشعرك وقت صلاة الصبح وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وقد برمجت لمائتي عام وفي كل مدن العالم ولا يزيد حجمها عن هذه الساعة ، ألا تشعر أن الذي صنعها على مستوى رفيع من العلم .

أطلعني أخٌ على جهاز كمبيوتر صغير بحجم الكف ، فيه خمسة وثلاثون ألف معلومة ، يتسع لعشرة آلاف رقم هاتف ، ولخمسة وثلاثين ألف معلومة وعنوان ، ولك أن تستدعي هذه الأرقام بأقل من لمح البصر بحركة واحدة ، إذا ضغط على أول حرف من اسم الشخص الذي تبحث عن رقم هاتفه يظهر على الشاشة ، ألا تشعر " والله الذي لا إله إلا هو ما أردت من هذه الأمثلة أن ألفت النظر إلى صانعيه وإلى المخترعين " ولكن والله الذي لا إله إلا هو مرًة ثانيةً أن أعظم جهاز تطّلع عليه أن أعظم آلة تطلع عليها ، يقول لك هذه آلة تعمل ذاتياً ، هذه الآلة اُلكترونية ، هذا المجهر الالكتروني يُكَّبِر خمسة آلاف مرة ، ترى النملة الصغيرة وكأنها فيل كبير ، ترى المسام في الجلد وكأنها كهوف ، ترى قطعة من جلد الإنسان وكأنها غابات الأمازون، هذا التكبير خمسة آلاف مرة ، هذا الحاسوب المعقد الذي فيه خمسمائة ـ ستمائة ألف معلومة .

مرةً أحد الأخوة الأكارم أطلعني على كمبيوتر فيه القرآن الكريم ، أيَّ سؤال اسأله ، سألته كم مرة وردت : لكم ، والأنعام خلقها لكم ، فأجابني فوراً أنها وردت مائة وثماني عشرة مرة ، فسألته أين الآيات فجاءت الآيات وراء بعضها بعضاً ، تحب أن تطبعها ، بضغطة زر تطبعها على ورق .. سألته بسورة قاف ، ما هو أكثر حرف تكرر فيها ، وكنت أظن أنها القاف ، فكان الجواب لا ليس بقاف ، كله ديسك لا يزيد عن حجم الكف ، فأنت أمام كمبيوتر أمام حاسوب ، أمام منصة نفط أمام طائرة ، أمام مركبة فضاء .. تذهل .!! .

هل تصدق أن كل هذه الآلات وكل هذه المخترعات لا يمكن أن تكون إلا شيئاً بدائياً جداً أمام جسمك ، فهذا الدماغ أربعة عشر مليار خلية استنادية خلية قشرية فيها المحاكمة والتصور والتذكر والتخيل ، فيها السمع والبصر والحس باللمس والضغط ، فإذا ذهبتُ أتحدث لكم عن جسم الإنسان والله الذي لا إله إلا هو لا شك أنكم ترون أن أعقد آلة صنعت لا ترقى إلى آلة بدائية أمام هذا الجسم البشري .

فأنت أمام آلة صغيرة قد تعظم الآلة لصغر حجمها ولعظم مفعولها وقد تعظم الآلة لضخامة كتلتها ، ألم تَشْدَه لمجرة تبعد عن الأرض ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية وأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلومتر ؟ ، ألم تشده حينما تعلم أن في رأسك ثلاثمائة ألف شعرة وأن لكل شعرة عصباً ووريداً وشرياناً وغدة دهنية وغدة صبغية ألا تدهش ؟ ، ألا تُدهش إذا علمت أن في الدماغ مائة وأربعين مليار خلية استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ؟ ، ألا تدهش إذا علمت أن في الشبكية مائة وثلاثين مليون مخروط وعصية وأن العصب البصري يمر فيه تسعمائة ألف عصب ، بالدماغ بالأعصاب ، بالقلب الذي يضخ في اليوم ثمانية أمتار مكعبة دون كلل أو ملل ، الكليتان اللتان يمر فيهما الدم في اليوم خمس مرات ويقطع مائة كيلومتر ، في الغدة النخامية التي إذا رأت خطراً أعطت أمراً إلى الكظر والكظر يصدر أربعة أوامر ، أمر إلى القلب ليسرع في نبضه ، وأمر إلى الرئتين لتسرعا في وجيبهما وأمر إلى الأوعية كلها كي تضيّق لمعتها ويتوفر الدم للحركة والهجوم ، والى الكبد كي يطلق كميات السكر في الأوعية .

هل اطلعت على تركيب جسمك ؟ ، جسم الإنسان يتفق مع أحدث نظريات الميكانيك ، هل تعلم أن عنق الفخذ يتحمل وزناً يزيد عن مئتي وخمسين كيلو لكل عظم ، الإنسان بإمكانه أن يتحمل خمسمائة كيلو قبل أن تنكسر أضلاعه ، ولو ذهبت ساعات طويلة أتحدث عن جسم الإنسان وساعات طويلة عن النبات ، الورقة ، قرأت مرةً في كتاب والله اقشعر جلدي ، قال إن أعظم معمل صنعه الإنسان لا يرقى إلى هذه الورقة ورقة ، إنها معمل ، تأخذ ثمانية عشر معدناً محلولاً في الماء هذا النسغ الصاعد ، في الورقة مادة اليخضور ، في الورقة الفوتون الطاقة الشمسية ، في الورقة الآزوت ، في الورقة شلات الحديد ، مع هذا النسغ الصاعد تصنع الورقة النسغ النازل ، هذا النسغ يصنع الثمار ويصنع الأزهار .

هل عند الإنسان طاقة يحقن سائلاً تارةً يصبح خشباً تارةً صاجاً تارةً إسفنجاً تارةً ، معقول..! السائل واحد والمواد مختلفة ، قرأت مرةً أن هذا النسغ الصاعد يجري في أوعية ، الشجرة إذا نمت عرضاً ربما ضاقت لمعة الأوعية فضعفت التروية ، إذاً هذه الأوعية مدعّمة بألياف حلزونية لئلا تضيق لمعتها إذا نمت الشجرة .

هذا في النبات ، الطيور : الطائر يرى ثمانية أمثال الإنسان ، وبعض الكلاب تستمع بدقة تزيد عن مليون ضعف سمع الإنسان .

ماذا أقول عن الأسماك مليون نوع من السمك ، عن الحوت الذي يزيد وزنه عن مائة وخمسين طناً ، والذي فيه من اللحم ما يزيد عن خمسين طناً من اللحم وخمسين طناً من الدهن ، وتسعين برميل زيت ورَضْعتُه الواحدة تزيد عن ثلاثمائة كيلو ، ثلاث رضعات ، طن في اليوم، وجبته الصغيرة أربعة طن ، " تسكيت جوعة " .

ماذا أتحدث عن الأسماك الجميلة التي ترونها في أحواض الأسماك .. هذا كله علم الله عز وجل ، قوانين علاقات أعمال دقيقة ، هذا الماء يتمدد بالحرارة ، شأنه شأن أي عنصر ، فما الذي يحدث إذا بردناه إلى درجة خمس عشرة ثم عشر ، خمس ، أربع ، يحدث المستحيل تنعكس الآية قرأت مقالة في مجلة العلوم حول آلية عكس هذه الخاصة أن الماء قبل الدرجة زائد أربعة يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة ، كيف تنعكس الآية في هذه الدرجة ، والله قرأت هذه المقالة مرتين وشعرت بصداع في رأسي لتعقيد الموضوع ، من قنن هذا القانون ؟ ، كل حياة البشر مبنية على هذه الخاصة ، لو أن الماء استمر بانكماشه مع التبريد لانتهت الحياة من على سطح الأرض ، لأن البحار كلما تجمدت غاصت هذه الكتل إلى الأعماق لأن الشيء عندما يتجمد وينكمش تزداد كثافته ، خلال فترة من الزمن تصبح البحار كلها متجمدة ، ينعدم التبخر تنعدم الأمطار يموت النبات يموت الحيوان يموت الإنسان .

فقبل أن تقول الله يعلم أو لا يعلم ، هناك موضوعات كثيرة جداً ، كل هذا الكون مظهر لعلم الله عز وجل ، أنا أردت أن أمثل أن منصة النفط في بحر الشمال لو أنك زُرتها بطائرة ، وهبطتَ على سطحها رأيت مدينة ، بيوت مكاتب أجهزة اتصال ، مطار ، وهذه منصة عائمة على سطح الماء ، والأنابيب تصل إلى خمسة آلاف متر ، وتحت سطح البحر إلى خمسة آلاف متر أخرى كيف وصلوا إلى النفط هناك وكيف ضخ هذا النفط ، ألا تشعر أنك أمام عقول جبارة صممت هذه المنصة .

إن ركبت أكبر طائرة اختُرعت حتى الآن ألا تشعر أن هؤلاء الركاب الخمسمائة كأنهم في مدينة يركبون والمقاعد وثيرة يأتيهم الطعام ساخناً ، يحلقون فوق ارتفاع يزيد عن ثلاثة وأربعين ألف قدم ، وكيف أن هذه الطائرة يحملها الهواء والهواء ترونه هل يحمل طائرة ، كم هي القوانين معقدة جداً في الطائرة ، نحن نتصور بسذاجة بأن جناح الطائرة فيه بترول فيه الوقود ، فلو أن الجناح مجوف وفيه بترول كما تظن ، بمجرد أن تميل الطائرة كي تدور يميناً تسقط ، فلا بد من حواجز وسط هذا الجناح كثيرة جداً وثقوب صغيرة ومضخات تضخ البترول إلى الجهة المعاكسة ، هذا الجناح الحرارة في أعالي الجو خمسون درجة تحت الصفر وهناك بخار ماء .

مرة جلست مع طيار حدثني عن دقائق الطائرة الشيء الذي لا يصدق ألا تشعر أن هذه الطائرة وراءها عقل كبير ودماغ عظيم وعلوم كثيرة ودقة متناهية ، إذا كنت أمام طائرة تشعر بالتعظيم لمخترعها ، وأمام باخرة ، يقال لك هذه الناقلة تحمل مليون طن ، قوة محرك دفتها أربعة آلاف حصان ، تحريك الدفة فقط ، غير تحريك الناقلة ، فما قولك بهذا الكون ، قال تعالى:

(سورة الواقعة)

هناك أشخاص مساكين ما عرفوا من علم الله عز وجل إلا أنه يعلم أو لا يعلم ، يعني هذا الاسم العظيم الذي يمكن أن تمضي كل حياتك في الوقوف على دقائقه ، ضغَطَه بكلمة واحدة .

سوف نبدأ إن شاء الله تعالى الحديث عن هذا الاسم في بعض التفصيلات ، قبل كل شيء أسماء الله الحسنى توقيفية ، بمعنى أنه لا يجوز أن تشتق أنت اسماً من عندك ، فالله عز وجل قال :

(سورة الطارق)

فلا يجوز أن تقول أن الله كائد ..

(سورة الأنفال)

لا يجوز أن تقول الله ماكر ، أسماء الله الحسنى توقيفية ، لا نذكر منها إلا ما ورد في الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة ، هل يجوز أن يقال الله معلم ؟ لا .. هل يجوز أن يقال الله علامة ؟ لا .. أعوذ بالله ما أحد قال هذا الكلام ، أجمعت الأمة على أنه لا يجوز أن تقول الله معلم ، مع أن الله قال علمه شديد القوى ، وعلَّمك ما لم تكن تعلم ، علم يعلم معلم ، فلا يجوز أن تقول الله معلم ، أجمعت الأمة على أن أسماء الله توقيفية ، لا يجوز أن تَذكر منها إلا ما ورد في الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة .

هل يجوز أن يقال الله عارف ؟ لا .. الله يعرف ، لا لأن كلمة عارف ويعرف وعرف ، أقول أنا عرفت الشيء بعد أن جهلته ، فكلمة يعرف يسبقها جهل ، لا يليق بالله عز وجل أن تقول هو يعرف ، بل هو يعلم ، لأن كلمة يعلم لا يسبقها جهل ، ليس قبل العلم جهل ، فالعلم قديم عند الله عز وجل .

هل تقول الله فطن ؟ لا يكون ، هل تقول الله عاقل ؟ لا ، هل تقول الله ذكي ؟ أعوذ بالله ، إذاً أسماء الله تعالى توقيفية لا يجوز أن تخترع اسماً ولا أن تشتق اسماً إلا أن يرد في الكتاب والسنة وإلا أن تجمع عليه الأمة .

الفرق الدقيق جداً بين علم الله وعلم البشر ، إن علم الله سبحانه وتعالى بالأشياء غير مستفاد من الأشياء بل الأشياء مستفادة من علم الله ، وعلم العبد بالأشياء مستفاد من الأشياء .

أقول لكم هذه الكلمة ، شرف العبد العالم بسبب أن العليم اسم من أسماء الله الحسنى ، تقول إنسان عالم أو عليم أو علامة ، من أين جاءه الشرف ، لأن الله عليم ، للإنسان اسم لا أقول يشبهه حاشا لله ، ليس كمثله شيء ، لكن تقول الله عليم وهذا الإنسان عالم ، من هنا جاء شرف العلم ، أي أنت كما قال النبي تخلقت بأخلاق الله ، إن الله عالم يحب كل عالم .

الآن عندنا سؤال ، ما هو أشرف العلوم ، أو كيف تكتسب العلوم شرفها ؟

إذا كان عند أحد علم بطريقة كسر أقفال المحلات ، هل تحس أن هذا العلم شريف ؟ هذا سارق .

إذا عنده علم بوسائل تزوير العملة ، عنده أجهزة معقدة وآلات تصوير ملونة وورق خاص ، ودارس ، وعنده كتب وعمل دورات ، هل تُعظِّمُ هذا العلم ، تزوير العملة مثلاً .

علم تهريب مخدرات مثلاً ، أعوذ بالله ، أحياناً يسلك المهربون في المخدرات أساليب وطرائق يعجز عن فهمها الأذكياء ، وقال لي بعضهم إن تهريب المخدرات بنسبة عشر بالمائة يكشف صدفة أو بإخبار ، لأن هؤلاء المهربين على مستوى رفيع جداً ، فهل تُعظِّمُ هذا العلم ؟ . لا بل تحتقره .

فلان يعلم أمراض القلب لأن الناس بحاجة إليه ترى أن هذا العلم مفيد ، فهو أعلى ، إذاً فمن أين يكتسب العلم شرفه ؟ من شرف المعلوم ، فكلما شُرف المعلوم شُرف العلم .

إذا كان عند أحد معلومات دقيقة عن المغنيين والمغنيات ، وعن أوقات استيقاظهم وعن أوقات نومهم وعن مسَّاجهم وعن أغذيتهم وعن قضاء أيام عطلاتهم ، فهل تحترمه .

أريد أن أؤكد أنه لا يرتفع العلم إلا إذا ارتفع المعلوم ، إذا اعتمدنا هذا المبدأ فأعظم العلوم ما هو ؟ ، العلم بالله .

فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، تعلمنا الفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب والهندسة والفيزيولوجيا والمورفولوجيا والى ..الخ ، وعرفنا الله ، هذه كلها مخلوقات والله هو الخالق ، إذاً أشرف علمٍ أن تعرف الله لأن شرف العلم من شرف المعلوم ولا موضوع للعلم أعظم من ذات الله عز وجل .

والآن أن تعرف الطريق الموصل إلى الله ، علم شريف ، أن تعرف أمر الله ، علم شريف، أن تعرف الأحكام الشرعية التي استنبطت من القرآن ، علم شريف ، أن تعرف أمراض القلب وكيف يسمو هذا القلب إلى ربه ، هذا علم شريف ، إذاً أشرف العلوم أن تعرف الله ، ويليها في الدرجة العلوم الموصلة إلى الله .

إذاً في الكون حقيقة واحدة هي الله ، وأي شيء يوصلك إليه فشرفه من شرف غايته ، إذا تعلمت العربية كي تفهم كلام الله بدقة ، فشرف هذا العلم مقتبسٌ من شرف الهدف النبيل .

نتابع الموضوع : الإمام الغزالي كما قلت لكم في أول درس ألقيته في هذا المسجد ، قال : " هناك علم بالله وعلم بأمره وعلم بخلقه "، العلم بأمره وبخلقه علمان شأنهما كشأن أي علم يحتاجان إلى مدارسة إلى كتب إلى إلقاء إلى دروس إلى حقائق إلى حفظ إلى تذكر ، وهذه العلوم تبقى في الذاكرة لكن العلم بالله من طبيعة أخرى هذا العلم ثمنه من غير طبيعته ، العلم بالله لا يأتي بالمدارسة بل يأتي بالمجاهدة ، ولا يبقى في الدماغ بل يسمو بالنفس ، ثمنه باهظ ونتائجه باهرة جداً ، إذاً العلم بالله أشرف العلوم وأقول لكم مطَمئِناً لكم ، إن دروس هذا المسجد بالذات أسماء الله الحسنى ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني إلى إتمام أسماء الله الحسنى كلها .

إنه أشرف العلوم أن تعرف الله ، أن تعرف اسم القدير اسم العليم اسم العزيز اسم الحكيم اسم الغفار اسم القهار اسم الملك اسم القدوس السلام المؤمن المهيمن ..الخ

أن تعرف الله وأن تكون في المستوى الذي يريده الله ، أن تكون مخلصاً محباً مستقيماً عالماً ورعاً متوكلاً ، فالفضل لله عز وجل . دَرْسا هذا المسجد درسٌ يتعلق بذات الله ودرسٌ يتعلق بقلب الإنسان ، ماذا ينبغي أن يكون عليه هذا القلب ، من علم وإخلاص وحب وتوكل وصدق واستقامة ، فكأن دروس هذا المسجد خلاصة العلوم كلها ، لأن معرفة الله أشرف علم ، وأن تكون في المستوى الذي يرضى الله عنه أشرف علم أيضاً ، فدرس في أسماء الله ودرس في مدارج السالكين في إياك نعبد وإياك نستعين .

الآن إلى بعض التفصيلات :

أولاً : ورد العلم في القرآن بمعنى إثبات العلم لله ، أحياناً تسأل : فلانٌ عالم أم غير عالم ؟ لا بل عالم ، قال تعالى :

(سورة لقمان)

إثبات علم :

(سورة البقرة آية 255)

إثبات علم :

(سورة النساء)

(سورة فاطر)

إذاً هناك آيات كثيرة محورها إثبات العلم لله ، " إن الله عالم يحب كل عالم " ، " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ " .

الشافعي لما دخل عليه عالم تقليدي يريد أن يسفهه أمام تلاميذه ، فقال يا غلام هذا الذي تقوله ما سمعناه من أين جئت به ، ما قاله أحد ، قال يا سيدي أتعلمت العلم كله ، فإن قال نعم أصبح جاهلاً ، لقول الله عز وجل :

(سورة الإسراء)

قال هذا العلم من الشطر الذي لا تعرفه .

من يحيط بالعلم ، يظل المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، إذا قلتَ إني عالم فأنت جاهل بكل تواضع ، بكل صراحة لذلك أنا أتمنى من إخواننا الكرام الذين لهم رغبات علمية جامحة ويحضرون مجالس علم ويحرصون على فهم كلام الله وعلى فهم السنة المطهرة ، أتمنى عليهم إذا تحدثوا عن أنفسهم أن يقولوا نحن طلاب علم هكذا الأدب ، ولقد سمعت هذه الكلمات من علماء كبار يقول : " أنا طالب علم " .

مرة ألَّف أحد الناس كتاباً كتب عن نفسه أنه أحد علماء دمشق .. كان الأجداد ، السلف الصالح يقولون عن أنفسهم ، الفقير إليه تعالى ، غفر الله له ذنبه آمين ، وهناك أشخاص أحقر الورى أيضاً .

إذاً وردت بعض الآيات في القرآن بمحور إثبات العلم لله ، يقول لك رسول الله أمي .. عميد جامعة من الجامعات ، طُلب منه إحداث ماجستير في كلية الشريعة ، فقال رئيس الجامعة لماذا الماجستير أنتم يا طلاب الشريعة نبيكم أمي ، فأجابه عميد الكلية ولكنه يوحى إليه وحينما يوحى إلينا نستغني عن كل الجامعة ، لذلك قال العلماء الأمية صفة كمال في حق رسول الله ، وصفة نقص في حق غيره ، إذا قلت عن إنسان هو أميّ يعني جاهل ، أما إذا قلت عن النبي الكريم هو أمي يعني هو تنزه عن علم البشر ، تنزه عن ثقافة عصره ، تنزه عن معطيات الأرض ، وعلَّمه الله .

أحياناً يكون أحد الناس خريج جامعة يقول لك أنا معي بورد ، فلان معه إف . آر . إس من إنكلترا ، فلان معه أكريجيه من السوربون ، يعطيها اسم مفخم يمطها قليلاً أو بورد ، هذا هو الافتخار بالمعلم معناها ، فإذا افتخرنا بأن فلاناً أستاذنا ، نحن علمنا فلان نحن علّمنا فلان ، اجلس مع المثقفين يفتخرون بأساتذتهم ، فمن علم النبي ؟ ، الله سبحانه وتعالى خالق الكون علّمه .

يا أيها الأمي حسبك رتبةً في العلم أنْ دانت لك العلماء

يأتي إنسان عبقري ذكي جداً يأخذ خمسين حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرسهم ويحللهم ويدرس صياغتها بلاغتها مضامينها أبعادها مدلولاتها ، يُمنح درجة الدكتوراه ، فهُمْ خمسون حديثاً عن رسول الله ، أصبح دكتور في الشريعة ، يقول أنا معي دكتوراه ، يكتب الدكتور في الشريعة ، حتى يعرف الناس قدره .

إذاً : يا أيها الأمي حسبك رتبةً في العلم أن دانت لك العلماء ،

الأمية في حق رسول الله كمال ، وفي حق غيره نقص ، قال الله تعالى :

(سورة العنكبوت)

الآن وردت آيات العلم في محور آخر ، هذا المحور أن الله عالم قال الله تعالى :

(سورة الجن)

(سورة فاطر)

المحور الأول أثبتنا العلم لله ، المحور الثاني وصفنا ربنا بأنه عالم ، المحور الثالث الله علاّم ، كلمة علام على وزن فعال ، صيغة مبالغة يعني كثير العلم ، لنوضحها لكم ، نقول فلان كاذب ، يعني هو في هذا القول كاذب ، يعني في حياته كلها تكلم كذبة واحدة يسمى في اللغة كاذب أما إذا كان يكذب كلما تنَّفس يقال له كذّاب ، إذاً صيغة كذاب تعني التكرار ، التكثير ، المبالغة ، وأحياناً الذي يكذب كذبةً كبيرة جداً يقال له كذاب ، رجل كذاب كبير وعنده عبد كلما كذب فضحه يقول له كذب ليس كذلك القصة ، فضاق به ذرعاً واشترى له عباءة ، فجلس في مجلس قال عندي أرض من بيروت إلى الشام ، فخلع العبد العباءة ، ولما رآه خلعها قال لكن عرضها مترٌ واحدٌ ، قالوا له ضيقتها فقال هذا الذي ضيقها علي .

فلو أن الإنسان كذب في حياته كذبة واحدة يقال له كاذب ، أما إذا كذب كلما تنفس يقال له كذّاب ، مر بنا سابقاً أن صيغة المبالغة تعني النوع أو الكَم إما أنها كذبة كبيرة جداً وإما أنها كذبات كثيرة ، إذاً صيغة فعال تعني الكثرة أو الضخامة ، تعني مبالغة العدد أو مبالغة النوع ، فإذا قلت إن الله عّلام الغيوب يعني كل الغيوب يعلمها ، الله عز وجل مطلق يعلم كل غيب ، يعلم مصير كل إنسان ، وما تسقط من ورقة إلا هو يعلمها ، فتصور نفسك في حقل زيتون في الخريف وكلما هبت نسمات من الرياح تساقطت أوراق الزيتون ، فيها آية قرآنية :

(سورة الأنعام)

علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .

المحور الرابع الأعلم :

(سورة الكهف)

سيدنا الصديق مدحه أشخاص ، اِسمعوا ماذا قال ، هذا الصديق، هذا الذي لو وزن إيمان الخلق مع إيمانه لرجح ، قال اللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم ، اللهم اجعلني خيراً مما يقولون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ، هذا موقف الصديق حينما مُدح .

إذاً الله عز وجل أثبت العلم لذاته ، ووصف نفسه بأنه عالم وأنه علام وأنه الأعلم لكن لا يصح أن تقول معلم ، قال تعالى :

(سورة البقرة)

(سورة الرحمن)

(سورة النساء)

(سورة الكهف)

ملاحظة على الهامش :

إذا قال الله عز وجل وعصى آدم ربه ، قال العلماء لا يجوز أن تقول آدم عاصٍ، ليس لك الحق أن تشتق من فعل وعصى آدم ربه اسماً لسيدنا آدم ، وإذا قال الله عز وجل :

(سورة القصص)

قال لا يجوز أن تقول موسى أجير ، طبعاً هناك تعليلات لطيفة

أمر الله عز وجل لسيدنا آدم في الجنة أمرٌ إرشادي وليس أمراً تكليفياً ، والمعصية على حقيقتها لا تكون إلا من أمرٍ تكليفي ، فحينما أكل هذا النبي العظيم سيدُنا آدم ، أكل التفاحة ، لم يخالفْ أمراً تكليفياً بل خالف أمراً إرشادياً ، فربنا قرب إلينا ما حدث قال :

(سورة طه)

ليس لك أن تقول آدم عاصٍ ، ولا أن تقول موسى أجير ، هذه على هامش الموضوع ، أيضاً ما ورد في حق الأنبياء يجب أن يكون كما ورد من دون تبديل أو اشتقاق أو تغيير .

آخر شيء العالم والعلام والأعلم والمعلم ، كل هذه الأسماء مع أنها وردت في القرآن الكريم إلا إنها لم ترد في أسماء الله الحسنى ، لم يرد في أسماء الله الحسنى إلا العليم ، والعليم صيغة مبالغة أيضاً تفيد المبالغة في العدد وفي النوع .

آخر شيء أتمنى عليكم أن تقفوا عنده وقفة متأنية ، ماذا نستفيد من اسم العليم ، ورد في بعض الكتب أن الله عز وجل يقول ، " إن لم تعلموا أني أراكم فالخلل في إيمانكم ، وإن علمتم أني أراكم فلِمَ جعلتموني أهون الناظرين إليكم " ؟ .

إذا كنت لا تعلم أن الله يراك فهذا ضعف في الإيمان كبير ، وإذا كنت تعلم أن الله يراك فهذه حجة واهية عذر أقبح من ذنب ، إذا علمت أن الله يراك لِمَ جعلت الله عز وجل أهونَ الناظرين إليك ، قال الله تعالى :

(سورة النساء)

لذلك اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وقال بعض العلماء : " إنّ حال المراقبة أن تشعر أن الله معك دائماً وهذا الشعور يورثك الخشية والاستقامة ، ونعود إلى أول آية طرحناها في هذا الدرس :

" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا " ولن تستقيم على أمره إلا إذا أيقنت أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك

والحمد لله رب العالمين

في معنى "الفتاح" جل جلاله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، أيها الإخوة المؤمنون مع الدرس الثالث عشر من دروس أسماء الله الحسنى ، ودرس اليوم اسم الفتاح .

الفتاح على وزن فعَّال ، وصيغة فعال من صيغ مبالغة اسم الفاعل وحينما يصاغ اسم الله عز وجل الفتاح أو أي اسم آخر ، حينما يصاغ صياغة مبالغة فالمعنى أن الله عز وجل يفتح كل الأبواب أو يفتح ما استعصى من الأبواب ، إما مبالغة تكثير أو مبالغة نوع قد يستعصي باب .

قد يصاب الإنسان بمرض عضال ، الأطباء جميعاً أعطوا قرارهم ، لا شفاء لهذا المرض، لا أمل يرجى من هذا المريض ، لا بد أن يموت بعد أيام لا تُجدي معه العملية ولا أن يسافر إلى بلاد الغرب ولا أن يفعل ولا أن يترك ، باب الشفاء أُغلق وأُرْتِج وتواتر الإغلاق وتواترت آراء الأطباء .

أعرفُ صديقاً لي أنجب مولوداً بولادة عَسٍرة ، سحب الجنين من رحم الأم بآلة تستخدم في الولادة العسرة ، حينما وضع الجهاز على رأسه وسحب أصيب دماغه بخلل ، فصار هذا الطفل الصغير كلما مضى وقت قليل انتفض ، فسأل صديقي أول طبيب قال له ، هذه إصابة بالدماغ، لابد من أن يكون هذا الطفل أعمى ، أو أبله أو مشلولاً ، قلنا هذا الطبيب حديث عهد بالعلم ، فسألنا أعلى طبيب أطفال في دمشق فقال الكلام نفسه، ما أضاف ولا أنقص ، سألنا طبيباً ثالثاً ورابعاً وخامساً أُدخِل مستشفى الأطفال ، وهذا الكلام ما تغير ، لأن الاختلاجات أساسها إصابة الدماغ وإصابة الدماغ لا تُبرأ ، لأن الخلية العصبية لا تنمو " قاعدة".

لو أن الأعصاب تنمو لمات الإنسان ألماً ، فمن رحمة الله بالإنسان أن أعصابه لا تنمو ، فالأطباء جميعاً أجمعوا على أن هذا المولود لابد أن يكبَر ويبقى أبله أو مشلولاً أو أعمى ، وصدقوني أن أباه كان يتمنى أن يموت طفله، لأن موت الطفل الصغير أهون بكثير من أن يكبر على هذه الحالة ، ثم أُخِذَ إلى طبيب ، وهذا الطبيب على شيء من الإيمان ، قال لعل الله يشفيه ، فأجرى تخطيطاً للدماغ ، وأعطى الدواء وما هي إلا ستة أشهر حتى عاد الطفل كطفل سوي لا شيء يقلق في صحته ، والآن عمره اثنتا عشرة سنة ويتحرك ويلعب ومتفوق في دراسته ، لماذا اسمه الفتاح ، لقد أغلقوا كل الأبواب ، وربنا عز وجل فتح باب الشفاء .

المعنى البسيط إما أنه يفتح كل باب ، يفتح لك باب الرزق يفتح لك باب العمل ، يفتح لك باب الزواج ، يفتح لك باب الراحة النفسية ، يفتح لك باب التوفيق ، يفتح لج باب الطمأنينة ، يفتح لك باب العمل الصالح ، يفتح لك باب الدعوة إلى الله .. أو أنَّ أحد الأبواب التي استعصت على كل طبيب يفتحه الله عز وجل .

إذاً فتاح صيغة مبالغة اسم الفاعل الفاتح ، الفاتح والفتاح ، يفتح ما أغلق من الأبواب أو ما استعصى من الأبواب ، أو يفتح كل باب، قال الله تعالى :

(سورة فاطر)

يفتح رحمته ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، يعني إذا أمسك ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تفتح ، وإذا فتح ليس في الأرض كلها قوة تستطيع أن تغلق ، قوى الأرض مجتمعةً ليس في إمكانها أن تفتح ما أغلقه الله ولا أن تغلق ما يفتحه الله ، قال تعالى :

" مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

إذاً الأمر بيد الله وحده ، وإذا أيقنت أن الأمر بيد الله وحده لا بد من أن تتجه إليه ، هذه الآية تترك صدىً طيباً جداً في نفس المؤمن ، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا مرسل لها ، علاقتك محصورة مع الله عز وجل ، ما سوى الله أشباح ، لا تستطيع أن تقدم أو أن تؤخر ، بل ما قولكم ، إن النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق وهو النبي الرسول الذي يوحى إليه ، وهو أكرم الخلق على الله قال الله تعالى قل لهم يا محمد : لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا يملك لنفسه فلغيره من باب أولى ، الله هو الفتاح .

يعني دائماً كلمة يرددها السلف الصالح كلما التقوا بإنسان متوثب متفتح مقبل ، يقال لهذا الشاب " فتح الله عليك فتوح العارفين " فهي كلمة منوعة ، الله يفتح لك باب رزق ، الله يفتح لك باب علم الله يفتح لك باب كشف ، الله يفتح لك باب قرب ، الله يفتح لك باب رُقيّ ، الله هو الفتاح ، والكلمة الشهيرة " فتح الله عليك يا ولدي فتوح العارفين " .

الآية الأولى إذاً ، قوله تعالى : " مَا يَفْتَحِْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

الفتاح له معنى آخر مستنبط من قوله تعالى :

(سورة الأعراف)

أحياناً الأمور تشتبك ، قوى تتصارع ، فلان يدَّعي أنه على حق فلان يكيل التُّهم للآخرين بغير حساب ، الآخرون يكيلون له الصاع صاعين ، ترى الحياة صراعات تبادل تهم ، تبادل تهاترات ، توزيع ألقاب سيئة أو راقية ، هذا يقول الشيخ محي الدين سلطان العارفين وهؤلاء يقولون الشيخ الأكبر ، فمن هو الحَكَم ، رجل عالم جليل عارف بالله ، بعضهم وصفه بأنه سلطان العارفين ، هؤلاء الصوفيون ، وغير الصوفيين في الطرف المقابل ، وصفوه بأنه الشيخ الأكبر ، فمن هو الَحَكم ؟ من عنده قول الحق ؟ من الذي يعرف حقيقة هذا الإنسان بالضبط هو الله عز وجل ، فمعنى الفَتْح هنا معنى آخر معنى الحُكْم "رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا " .

يعني كلٌّ يدعي أنه على حق ، كلٌّ يكيل للطرف الآخر التُّهم ، هو مؤمن والآخرون كفار، هو مستقيم والآخرون منحرفون ، هو قريب والآخرون ضالون ، هذا على مستوى دين واحد ، فكل دين يتهم الأديان الأخرى بأنها أديان ليست من عند الله ، أو أديان منحرفة ، واللا دينيين يتهمون أصحاب الأديان بالتخريف والغيبية والضعف ، الدينيون يتهمون غير الدينين بأنهم كذا وكذا ، فمن هو الحَكَم ، من هو الذي له الكلمة الفاصلة ، من هو الذي يقول أنتم على حق وأنتم على ضلال ، الله عز وجل هو الفتاح ، هذا المعنى الثاني مستنبط من قوله تعالى : " رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ".

ما علاقتك بهذا المعنى من هذا الاسم ، يعني إن كنت على حق لا تخف لأن الله هو الفتاح، قد يقول الناس عنك الأقاويل ، قد يتهمونك بتهم لا أساس لها من الصحة ، إذا كنت على حق لا تخف ، ولا تنس قوله تعالى :

(سورة النمل)

(سورة الأنعام)

إذا آمنت أن الله وهو الفتاح هو الحكم هو الذي يرفع ويخفض هو الذي يكشف الحقائق هو الذي يُجَلي الأمور ، هو الذي يزيل الالتباس هو الله عز وجل ، إذا آمنت بأنه هو الفتاح فلا تقلق ، ولو أن الناس أساؤوا فهمَك ، لو أن الناس أساؤوا الظن بك ، لو أنهم اتهموك تهم باطلة لأسباب تافهة لا تخف ، من عرف نفسه ما ضرَّته مقالة الناس فيه .

ما الذي يُقلق الإنسان اليوم ، يقلقه أنه متمزق بين جهات عديدة تصور موظف له عشرة أصحاب عمل ، شركة فيها عشرة شركاء في معمل كبير وهو موظف عندهم ، لو أن هؤلاء الشركاء متفقون متفاهمون ، فعلى الرغم من ذلك كل شريك سيعطي هذا الموظف أمراً مناقضاً للآخر ، الأول تعال ، الثاني اذهب ، الأول كن غداً في المكتب الثاني سافِر ، الأول تأخَّرْ بعد الغداء ، الثاني تعال بعد الظهر واذهبْ باكراً ، هذا إذا كانوا متفاهمين ، فكيف إذا كانوا متخاصمين ، فكيف إذا كانوا شركاء متشاكسين ، فالحياة لا تطاق أن يكون لك فيها شركاء كثيرون .

الإنسان المشرك أو غير المؤمن أو ضعيف الإيمان حياته ممزقة بين أن يُرضي رئيسه وبين أن يُرضي مرؤو سه ، بين أن يُرضي زوجته ، إن أرضى من حوله في العمل تغضب امرأته ، وإن أرضاها يغضب شركاؤه ، وإن أرضى جيرانه يغضب الله عز وجل ، وإن امتنع عن حضور هذه الحفلة أغضب أقرباءه ، حياة كلها تمزق ، لكن المؤمن يعلم أن الفتاح هو الله ، هو الحكم ، إذا يرضي جهة واحدة ويستريح ، ولا تنسوا قوله تعالى :

(سورة الشعراء)

أحد أكبر عذاب النفس أن تشرك بالله ، أن تدعوَ مع الله إله آخر ليس معنى أن تدعو مع الله إله آخر أن تقول هذا الفلان إله فقط ، بل أن تعامله كما تعامل الإله ، أن تعتمد عليه أن تتكل عليه ، أن تُعلّق عليه الآمال ، أن تطيعه وتعصي خالق الكون ، هذا معناه أنك اتخذته إلهاً، هذا المعنى الثالث .

المعنى الأول : " مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ " الأبواب المغلقة كثيرة ، يقال لك ، الأبواب كلها مغلقة ، الطرق كلها غير سالكة، كلما اتجهتُ إلى جهة أُغلق الباب في وجهي ، هذا تعبير يستعمله عامة الناس ، من هو الفتاح هو الذي يفتح لك الأبواب المغلقة أو الأبواب المستعصية ، أو الأبواب الكثيرة ، وحينما يَطْهُر الإنسان حينما تصبح سريرته سليمة ، حينما يستحق الإكرام تأتيه الدنيا وهي راغمة ، " أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه ، الحديث القدسي معروف " خلقت لك السماوت والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلّطنَّ عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماً ".

إذا كنت في المستوى الذي يستحق الإكرام ، إذا سرت في موجبات رحمة الله عز وجل تأتيك الدنيا وهي راغمة لذلك هذا الحديث الذي لا أنساه ، قال عليه الصلاة والسلام :

قَالَ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ قُلْتُ مَا بَعَثَ إِلَيْهِ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلا لِشَيْءٍ سَأَلَ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ *

ما تعلق أحد بحب الدنيا إلا أُصيب منها بثلاث ، شغل لا ينفكُّ عناه ، وأمل لا يُدرَك منتهاه وفقر لا يُدرك غناه ، لكن المؤمن قال الله :

(سورة هود)

متاع المؤمن متاع حسن ، معه راحة نفسية ، ومعه أمل بجنة عرضها السماوات والأرض، ولكن متاع الكافر معه قلق ، معه شعور بالمستقبل المجهول ، شعور بأنه مُقدِم على مجهول ، ولا سيما الموت حينما قال الله عز وجل دعاء إبراهيم :

(سورة البقرة)

أجابه ربنا ومن كفر ، فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ، ماالفرق إذاً بين متاع المؤمن ومتاع الكافر ؟ متاع المؤمن معه راحة نفسية معه شعور أن الله عز وجل ادَّخر له شيئاً في الآخرة ، أما الكافر وهو في قمة استمتاعه في الدنيا يشعر بقلق من مجهول أقله الموت ، أقله أن تسلب منه هذه النعمة ، لذلك الدعاء الذي أدعوه أنا ، اللهم إنا نعوذ بك من عضال الداء ومن شماتة الأعداء ومن السلب بعد العطاء ، أصعب شيء أن يسلب منك شيء قد نلته من الله عز وجل ، فالله عز وجل ، من إكرامه للمؤمن يجعل خير عمره آخره يتعبه في أول حياته ولكن يريحه في آخره ، أما أهل الدنيا يعزُهم في مقتبل حياتهم ثم يأتي العِقاب والذل والهوان والفقر ، فالدعاء الشريف :

" اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخير أيامنا يوم نلقاك ، نلقاك وأنت راض عنا " .

" رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ "

" مَا يَفْتَحِْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

(سورة الأنعام)

الآن ما علاقتك بهذا الاسم ، هذه الآية إذا فهمتها كما أراد الله عز وجل ، فلو أنه قال ومفاتح الغيب عنده ، هل حدث شيء ، هو قال وعنده مفاتح الغيب ، هل يستفاد معنى دقيق جداً من تقديم عنده ، لو قال ومفاتح الغيب عنده فقد تكون عند غيره أيضاً ، أما إذا قال : " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ " فالتقديم فيه قصر ، فالغيب لا يعلمه إلا الله ، وعنده مفاتح الغيب العوام يقولون كلمة ، " الذي عند الله ليس عند العبد " ، مرَّ وقت قال الناس فيه لا يوجد أمطار جفاف دائم ، العام الحالي بعض مجاري نهر بردى زرعت ، في الغوطة لأن الناس استيأسوا من أن ترجع هذه المياه إلى مجاريها ، جفاف مستمر ، فجأة جاء بردى بشكل مخيف وبكميات مخيفة " وعنده مفاتح الغيب " لا أقول لك كذب الناس ، فلو قال الطبيب لم يعد هناك أمل في المريض ، فلا تصدق ، لأن :

إن الطبيب له علم يدل بـــه إن كان للناس في الآجال تأخير

حتى إذا ما انتهت أيام رحلتــه حار الطبيب وخانته العقاقيــر

على حسب عمر الإنسان ، فإذا انتهى عمره وقال الطبيب لا يوجد أمل ، فلا يوجد أمل ، أما إذا كان يوجد بقية في حياته فلا .

أذكر طبيباً قال لمريض أربع ساعات ينتهي ، اشترى أهله السواد وكتبوا النعوة ، ثم شفاه الله عز وجل ، هذا الإنسان عاش ثلاثين سنة والطبيب مات بعد اثني عشر عاماً " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ " ، ليس من باب التكذيب ، ولكن يتكلم الإنسان بحسب علمه ، أما ما سيكون لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فمثلاً : هناك بلاد بالشرق آمنة مطمئنة رخاء مال ، بترول ، غنى ، من يصدق أنها تلتهب في الحرب ، ليس في الحسبان .

لبنان في عام 1974 كانت جنة الله في الأرض ، الأمن والرخاء والبذخ والترف ، كل ما في العالم في هذا البلد ، من يصدق الذين زاروها الآن قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً .

" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ " هناك تفسيرات إلهية ، نحن نفهم التفسيرات الأرضية ، على أنه صراع ، حرب أهلية ، مشكلة عربية ، دولية ولكن هناك فهماً دينياً آخر ، قال الله تعالى :

(سورة النحل)

دائماً اعتمد التفسير القرآني للأحداث ، هناك تفسير معين ، هناك تفسير من زاوية معينة ، تفسير عربي ، تفسير دولي ، هناك تفسيرات كثيرة جداً حتى هناك تفسير نسائي لأحداث لبنان ، قلن " أصابها عين " أما يجب أن تعتمد التفسير الديني ، قال الله تعالى : " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ "

لبنان وغير لبنان ، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً . " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " هذه الآية إذا فهمتَها تكذِّب الدجالين ، والكهان والسحرة والمنجمين والأفاكين ، تسمع الآن في كل بلد متقدم جداً أن هناك فلكي أو عرّاف يأتيه كبار الشخصيات يسألونه عن مستقبلهم المالي مثلاً ، أو الإداري أو السياسي ، فلو قرؤوا هذه الآية لامتنعوا عنهم وعلموا كذبهم.

" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "

انتهى الأمر ، لمجرد أن تسأل إنساناً عن الغيب فأنت لا تعرف الله لمجرد أن تطرح سؤالاً على كاهن تأكد أنك لا تعرف الله ، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام " من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد " ، كل هذا القرآن تكون كافراً به لآن الله عز وجل قال :

(سورة الأنعام)

(سورة الأعراف)

(سورة الجن)

" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ " هذا موقف الإنسان المؤمن ، هذه الآية خطيرة جداً ، فلو قرأت مقالة تتحدث عن تنبؤات عام كذا ، أو الأعوام الميلادية يخرج الصحفيون وبعض المفكرين يتنبؤون بما سيكون في المستقبل ، مثل هذه المقالات لا تقرأ لأنه " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ " إلا إذا كان تنبوء لا من باب الجزم بل من باب التكهن ، إنه احتمال أن العالم مقبل على أزمة معينة مقبل على كذا ، ولكن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، هذه الآية إذا فهمتها استرحت .

قالوا " ما مضى فات ، والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها " أنت لا تملك إلا وقتك الحاضر ، في هذا الوقت بالذات بإمكانك أن تتوب . كان يحضر عندنا في الجامع أخت كريمة ، في جامع النابلسي ، منذ ستة عشر عاماً ، ولها صهر بعيد عن الدين بُعداً شديداً ، بل إنه ينكر وجود الله عز وجل ، فكانت تدعو ابنتها أن تدعوَ زوجها لهذا الدرس فسمعت أنها دعته أكثر من عامين ، أن يحضر ولو درساً واحداً ، قال مرة دخلت ابنتها على الدرس ففرحت فرحاً شديداً ، قالت لها زوجك معك قالت نعم ، كادت لا تصدق ، هذا الرجل حضر درسين وبعدها أصابته أزمة قلبية ، ونقل إلى المستشفى على شكل إسعاف ، وهو على الحمالة ، قال لأولاده ، كل شيء قلته لكم في الماضي باطل ، الحق هو ما جاء في القرآن ...‍ لا أنسى هذه الكلمات ، ربّى أولاده على شاكلته على أنه لا إله، حضر درسين ووافته المنية ، وهو على فراش الموت قال لأولاده ، وله ولد مهندس ، قال كل شيء قلته لكم باطل ، الحق ما جاء في القرآن، نرجو الله أن يقبله . " وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "

ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ، لماذا قال بعض العلماء إن الحج على الفور ، من أين انطلقوا ، لأن الإنسان لا يعرف متى يموت ، ما دام الحج فرضاً على المستطيع ، فحينما تصبح مستطيعاً يجب أن تحج ، لأن العمر ليس بيدك ، قال صلى الله عليه وسلم:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ *

من مرض من مشكلة ، من موت مفاجئ . قال الله تعالى :

(سورة سبأ)

كلمة فتح باللغة تعني أن هناك شيء مغلق ، فهل تقول لإنسان افتح هذا الباب وهو مفتوح، كلمة ليس لها معنى ، فأنت لا تقول افتح إلا لما هو مغلق ، كل شيء أُغلق في وجهك يجب أن تذكر اسم الفتاح ، حتى لو ضاعت مفاتيحك ، لو ضاعت محفظتك ، لو ضاع شيء ثمين ، أغلق عليك مكانه .

حدثني أخ قال كنت ذاهباً إلى ميناء اللاذقية لتخليص بضاعة ، ومعي مستندات كثيرة جداً، وهناك أشخاص كلفوني بإيصال مستندات إلى بعض الموظفين هناك ، محفظة كلها مستندات ، ذهبت إلى الكرنك لأركب ، تفقدت هذه المحفظة الممتلئة بهذه المستندات لبضاعة وصلت إلى اللاذقية فلم أجدها ، أقسم بالله أن الدم جف في عروقه ، قال : اصفر وجهي ، بضائع بالملايين له ولزملائه ، قال وقفت على مدخل الكرنك وأدعو يا فتاح ، قال وقفت ساعة كاملة لا يوجد عندي حل ، وألغيت سفري ، فما عدت أذكر السيارة التي أقلتني إلى الكرنك ، ثم بدعاء شديد، وبدعاء فيه إلحاح ، وقفت أمامي سيارة ، قلت اذهب لا أريد الركوب ، قال له السائق ألست الذي ركبت معي قبل قليل ، قال له خذ هذه المحفظة ، ببركة الدعاء ، عادت المحفظة ، هو لم يعد يتذكر أي سيارة ركب ، والسائق بيد الله عز وجل ، والسائق إذا أراد الله عز وجل يلهمه أن يعود ، يلقي عطفاً في قلبه ، يلقي خوفاً من الله ، قال لي بعد ساعة ، وقفت أمامي السيارة ، وظننتها تعرض علي الركوب معها قلت لها إذهب ، قال لي ألست الذي ركب معي قبل ساعة قلت له بلى أليست هذه محفظتك قلت بلى .

فإذا آمنت بالفتاح فكل شيء مغلق عليك تقول يا فتاح يا عليم، فليس قول بلا معنى كقول بعض العوام وهو متبرم من إنسان يقول له يا فتاح يا رزاق يا كريم ، ليس هذا المعنى ، في معنى آخر ، مع الأسف الشديد هذه الكلمات الدينية الراقية الآن تستخدم استخداماً آخر ، فإذا غضب أو ضجر يقول أشهد أن لا إله إلا الله منك ، متى يتشهد حينما يغضب وإذا رأى إنساناً يغضب يقول له صل على النبي ، قد يسب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا رجل أمامك يغلي غضباً فلا تقل له صل على النبي ، إلا إذا كان مؤمناً ، فإن كان مؤمناً يقول لك اللهم صل على النبي، يهدأ فعلاً ، أما رجل بلا دين يغضب تقول له صلِ على النبي لا يفهم معناها . فيا فتاح يعني يا فاتح ما أغلق ، ضيعت حاجة ، هذه الوظيفة تحتاج واسطة ثقيلة وأنت ليس لك واسطة ، يا فتاح ، افتح مغلاق هذا الأمر ، افتح قلب فلان ، ألق في قلبه عطفاً علي ، ألق في قلبه تفهماً لي، ألقِ في قلبه إنصافاً .

إذاً كلمة فتح معناه هناك شيء مغلق ، وفاتح اسم فاعل ، فتاح صيغة مبالغة لاسم الفاعل ، صيغة مبالغة لِلْكَم والعدد ، للكم والنوع ، فقضية مستعصية جداً تدعو بيا فتاح يا عليم ، أبواب كثيرة ، يا فتاح يا عليم . ومنه قوله تعالى :

(سورة القمر)

معناها كانت مغلقة ، يقولون منخفض متمركز في قبرص اتجاهه إلى القطر ، توقع هطول أمطار غزيرة ، تتلبد السماء بالغيوم ولا تنزل أمطار ، مرة ثانية ، بعد يومين ، توقع هطول أمطار ، توقع هطول أمطار ، أول جمعة ثاني جمعة ، وثالث جمعة ورابع جمعة مضى أيلول تشرين ثاني لم ينزل أمطار ، توقع هطول أمطار لا يوجد أمطار ، بعدها توقع هطول أمطار بإذن الله بعدها : " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ"، معناها أن السماء مغلقة ومفتاحها بيد الله عز وجل ، والفتح في الحرب الظفر ، قال الله تعالى " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ".

البلاد المفتوحة ، كانت مغلقة محصنة ، جيوش ، قوى ، فتحت الأبواب كلها فتحت للمسلمين ، أصبحت بلاداً إسلامية ، هذه البلاد كانت للرومان فتحت للمسلمين . " فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ " .

إذاً من معاني الفتاح ، هو الحاكم بين الخلق ، لأنه كلما استغلق أمر خلافي بينهم يفتحه الله عز وجل .

عندنا شيء آخر ، هناك فتح لكبار المؤمنين ، أي أن المؤمن أحياناً يفتح الله عليه يلقي في قلبه نوراً ، يلقي في قلبه معرفة ، يسميها بعض العلماء الكشف ، يكشف الله عن بصيرته ، يرى الحق حقاً والباطل باطلاً ، يسميها علماء آخرون الإراءة ، قال الله تعالى :

(سورة الأنعام)

أحياناً تشعر أنك لم تكن ترى فأصبحت ترى ، رؤيا قلبية ، أحياناً يرى الإنسان أن الكذب يربِّحه هذا أعمى البصيرة ، إلى أن يرى أن الصدق وحده هو الذي ينجيه ، هذه رؤيا قلبية ، يرى أن الاستقامة في الحياة هي سبب الكرامة ، هذه رؤيا ، بعض الناس يكذب ويغش ويخدع ، ويظن نفسه ذكياً ، لأنه أعمى القلب ، فما هو الفتح بالمعنى الجديد ؟ الفتح أن يفتح الله على بصيرتك ، أن يكشف الله على بصيرتك ، أن يجعل بصيرتك صافيةً ترى بها الخير خيراً والشر شراً .

إذا بعض العلماء قالوا : " الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته ، وفتح على العاصين أبواب مغفرته ، فإن كان عاصياً فالله عز وجل يفتح له باب المغفرة ، وإن كان مؤمناً يفتح له باب معرفته ".

أنت إذا سألت نفسك قبل خمس سنوات هل أنت في نفس المستوى أم شعرت أن لك رؤية جديدة لك بصيرة نافذة ، لك إدراك أعمق، لك قيم أمتن ، هذا هو الفتح ، كلما كشف لك بعض الحقائق فتح عليك ، إلى أن يفتح عليك الفتح المبين الذي لا معصية بعده .

المؤمن يتفاوت مع المؤمن باليقظة والغفلة ، فهناك مؤمن أغلب وقته في غفلة ، مؤمن بالله ولكن في غفلة ، أما المؤمن الأرقى ، أكثر وقته مع الله عز وجل ، دائماً يدعوه ، يستعيذ به يرجوه ، يهتدي بهديه يستلهمه ، والله عز وجل يتجلى على قلبه ، يلقي في قلبه نوراً يلقي في قلبه معرفةً ، هذا معنى الفتح .

فالفتح يستخدمه العلماء كثيراً ، " فتح الله عليك ، جاءه الفتح،

(سورة النصر)

أيضاً العوام ، إذا فتح محل بالحمراء ، وألبسة نسائية ، والنساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، وعنده موظفون غارقون في شهوة النساء ، يكتب على محله التجاري :

(سورة الفتح)

هذا هو الفتح ؟ أن تربح ، أن تبيع النساء الكاسيات العاريات وأن تدير معهن أحاديث أكثرها يدعو إلى الزنى ، هذا هو الفتح المبين ؟ هذا الذي يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً .

الله عز وجل فتح للنبي مكة المكرمة ، فتح له دخل الناس في دين الله أفواجاً .

إذاً الفتاح الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته وفتح على العاصين أبواب مغفرته ، وقيل الفتاح الذي يعينك في الشدائد وينيلك وجوه الزوائد . يعينك في الشدة وفي الرخاء يرفعك ، يعطيك عطاءاً زائداً، إذا هو فتاح .

بعضهم قال الفتاح هو الذي يفتح أبواب الخير على عباده ، ويسهل عليهم ما كان صعباً ، هذا الفتح يكون تارة في أمور الدين ، يقول لك كتاب أقرؤه ولا أفهم عليه ، صعب ، بعد حين فتح الله على قلبه فيقرأ ويفهم ، يقرأ ويتعمق ، يقرأ ويستمتع ، يقرأ ويحملق ، يقرأ ويحفظ ، يقرأ ويتكلم ، الحكمة أجراها الله على لسانه ، أول الأمر يقول لك كتاب لا أفهمه كأنني أنحت في صخر ، ما هذا الكتاب ، أقرأ القرآن لا أفهمه إطلاقا ، أقرأ الحديث لا أفهمه ، ثم جاء وقت آخر بدأ يفهم بدأ يتعمق بدأ يطرح سؤالاً ، بدأ يأخذ الجواب ، بدأ يحفظ ، بدأ يتمتع ، بدأ يدعو .

إذاً الله هو الفتاح ، يفتح عليك أبواب العلم ، يفتح عليك أبواب لسانك بالحكمة ، فإذا أخلصت لله أنطق الله لسانك بالحكمة ، أول أنواع الفتح يفتح عليك في أمور الدين وهو العلم ، ويفتح عليك في أمور الدنيا، تكون فقيراً فيغنيك ، تكون ضعيفاً فيقويك ، تكون مظلوماً فينصرك على أعدائك ، تكون مكروباً فيزيل هذه الكربة ويحل محلها الفرحة ، لذلك فالإنسان إذا كان بعيداً عن الله عز وجل لا يمكن أن يسعد ، قال الله تعالى :

(سورة طه)

الانقباض ، سل أهل الدنيا ، سل أصحاب مئات الملايين ، سل من يملكون ألوف الملايين، سل من أوتي قوةً لا حدود لها ، من أوتي مالاً لا حدود له ، سلوهم ، أستحلفكم بالله ، قد يقولون نحن أشقى الناس قال الله تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " .

ماذا يعني فتاح ، يفتح لك باب الأنس به ، يفتح لك باب الإقبال عليه يفتح لك باب الرضوان ، يفتح على قلبك باب الرضى ، ترضى تكون ساكناً في بيت غرفة ونصف تحت الأرض ، تقول الحمد لله ، تدخل على رجل بيته خمسمائة متر ، ثمنه ثلاثون مليون ليرة ، يقول لك السوق مسموم ، السنة خسران كذا مليون ، يعني خف ربحه كذا مليون عنده مال إلى ولد ولده، تراه معكراً ، أما الفقير فتح الله عليه باب الرضى ، فتح الله عليه باب السكينة باب الشكر، الصحة طيبة الحمد لله، أنا أسعد الناس ، وهذا الذي ما عرف الله عز وجل دائماً في ضيق في ضنك في سخط على الله عز وجل .

إذاً يفتح لك باب الدين بفتح العلم على قلبك ، أو يفتح لك باب الدنيا إن كنت فقيراً يفتح لك باب الغنى ، إن كنت ضعيفاً يفتح عليك باب القوة إن كنت مريضاً يفتح عليك باب الصحة ، إن كنت مكروباً يفتح عليك باب الفرحة . قال بعض الشعراء : يا فاتحاً لي كل باب مرتَجِ ، "المرتج أي المغلق " الله عز وجل يفتح الأبواب المغلقة يفتح الأبواب المرتجة .

يا فاتحاً لي كلَ بابٍ مرتجٍ إني لعفوٍ منك عني مرتج

فامنن عليَ بما يفيد سعادتي

قيل الفتاح هو الذي يفتح على النفوس باب توفيقه ، يجب أن تعلم أن في القرآن آية واحدة لا ثاني لها ، وهي قوله تعالى :

(سورة هود)

قال بعض العلماء " لا يمكن أن يحدث شيء في الكون إلا بتوفيق الله تعالى " فحينما اخترعوا " التشالنجر " المتحدي ، أرادوا أن يجربوا تجربة فريدة ، أن يخرج إلى الفضاء الخارجي في تسعة أشهر أو سنة سبعة رجال وامرأة كي تنجب المرأة وهي في الفضاء ، وأعدوا لكل شيء عدته ، ولكل جهاز جهازان ، وقد ضبط الجهاز بعدّ تنازلي دقيق جداً وأطلقت المركبة إلى الفضاء وسماها أهل الدنيا المتحدي " الشلنجر " هذه المركبة بعد سبعين ثانية ، أصبحت كتلةً من اللهب ، فالله ما فتح عليهم ، أغلق عليهم باب التوفيق ، فلذلك " وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ " .

فإذا فتحتَ محلاً تجارياً ، إن أسست معملاً ، إن أسست مدرسة ، إن أزمعت الزواج ، قُل يا فتاح ، ولا تقل أنا خبير سأستخدم كل خبرتي سأستشير ، سأسأل محامياً .

أعرف رجلاً ، متبرماً دائماً ، مشمئزاً دائماً ، جمع وطرح وضرب وجد أنه إذا باع معمله، وبيته ، ومحله التجاري في الحريقة بكذا مليون القصة قديمة ، ويضعها في بنك في أوربا بالمائة ثمانية عشر ، يعيش ملكاً في أوروبا ، ثم نفّذ الخطة ، باع المحل وباع المعمل وباع البيت وباع السيارة ، ثم أخذ تأشيرة خروج ، وذهب إلى أرقى بلد في العالم بالسويد ، في باله أن يضع الأموال بالبنك ويشتري بجزء منها بيت وسيارة فخمة ، ثم يعيش على فوائد المبلغ في بحبوحة ، كيف ؟ إن وضع المبلغ في البنك يحتاج إلى وثيقة معينة ، والمبلغ كبير جداً فوضعه باسم آخر ، إما قريب أو صديق هناك ، وفي اليوم التالي سأله تأدية المبلغ قال له مَن أنت؟ لا أعرفك ، كل ثروته ضاعت بساعات ، لتأمين وثيقة معينة ، وفي اليوم التالي أنكره ، فأين الذكاء ؟!

هذه أبقَها في بالك ، مع الله لا ينفع ذكاء " لا ينفع حذر من قدر " ولكن ينفع الدعاء مما نزل ومما لم ينزل ، " وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ " لن يقع شيء إلا بأمر الله .

علاقتك بهذا الدرس أن تسعى أن جاهداً كي يفتح الله على قلبك باب العلم ، والشيء الثاني أن تفتح أنت على العباد باب خيراتك ، لا تكن قابضاً ، فكن باسطاً .

والحمد لله رب العالمين

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"