بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 ديسمبر 2013

بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

أحبابي في الله لقد غبت عنكم كثيرا ومضى زمن لم أنزل  دروسا ولاخطبا و لا تقارير لندوات علمية ....

وذلك لأنى سافرت  للعمل خارج البلد.... ولكن اعدكم أنى سأعمل على تقديم بعض الدراسات والندوات ...الاسلامية الحديثة الغاية من ذلك نفع المسلم أينما كان ...أحبكم في الله....  

هذا هو الايميل الخاص لمن أراد المراسلة : hichem.ltaif@gmail.com

السبت، 11 مايو 2013

                 


                                 


الاثنين، 6 مايو 2013



الأكاديمية الإسلامية المفتوحة
الدورة العلمية الثالثة
مقاصد الشريعة (5)
د. عمر بن عمر


تحدثنا في سبق عن المصلحة وتعريفها، ومراتبها، وضوابط المصلحة المعتبرة شرعًا، وأنه لا يُلتفت إلى المصلحة التي لم يعتبرها الشارع، حتى ولو زين لنا الشيطان، أو زينت لنا أهواؤنا بأن هذه مصلحة؛ فلا ينبغي أن يُلتفت إليها، وإنما المصلحة هي التي حددها الشارع، وبينها الله -سبحانه وتعالى- في كتابه، أوبينها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في سنته، أو اجتهد فيها العلماء، وبيَّنَّا كذلك شروط وضوابط مَن أراد أن ينظر في الأفعال هل هي من قبيل المصالح أو ليست من قبيل المصالح.
وانتهى بنا الحديث إلى شروط المصلحة، وقلنا: شروطها تتمثل في أيش؟
1- أن تكون ضرورية.
2- كليَّة.
3- قطعيَّة.
4- لا تتعارض مع النص الشرعي.
5- لا تفوِّت مصلحة أعلى.
إن شاء الله نكون من أصحاب اليمين، وإن شاء الله كما اجتمعنا هنا نجتمع على حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ونشرب منه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا. قولوا آمين.
قلنا الشرط الخامس: ألا تفوت مصلحة أكبر منها.
إمامنا الشاطبي -رحمه الله- ذكر قصد الشارع -أو مقاصد الشريعة- وحصرها في أربعة، وهي:
- قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداءً: وهذ ما يعني به المصلحة، وما يتعلق بالمصلحة.
- ثم بعد ذلك قال: قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام: أي أن الشارع ما وضع هذه الشريعة إلا ليفهمها الناس.
ولهذا كما قال الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: 4].
فهذه الشريعة جاءت لتُفهَم، ولهذا جاءت باللغة العربية وهي مفهومة، والقرآن حمَّال أوجه، ممكن أنت تفهم من هذه الآية شيئًا، والآخر يفهم منها شيئًا آخر، لا حرج.
ولهذا عندما ننظر في تفسير سادتنا العلماء -رحمهم الله- نجد أشياء كثيرة، وكل واحد يفسر بما أوصله الله إليه.
- القصد الثالث، قال: وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها.
- والقصد الرابع قال: وضع الشريعة لإخراج المكلف -هذا فيما معناه- عن داعية أهوائه: أي أن هذه الشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين عن أهوائهم، لأن النفس -كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف: 53]، فالنفس -كما يُقال في الأمثال: "النفس طماعة فعودها القناعة".
ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى ثالث، وما يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب».
فهذه كما ذكرنا المقاصد الأربعة، هذه التي ذكرها الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات، لكن اليوم -بإذن الله- سنتحدث عن قصد المكلف، أي قصد المكلفين، تحبون المقاصد في أربعة أيام! 45×4 = 180 أي ثلاث ساعات، تحبون تأخذون المقاصد كلها في ثلاث ساعات؟!
ما شاء الله! الناس جلست عليها سنوات حتى تأخذ هذا العلم، فهذا يحتاج إلى طول وقت وإلى صبر وإلى مصابرة حتى نفهم أيش هي مقاصد ديننا وكذا، ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلَّه، معناها: ما لم نستطع إعطاؤه إياكم ؛ نعطيكم في هذا الدرس المبارك في هذا المبارك مع هذه الوجوه المباركة؛ نعطي نوع من الومضات للمقاصد، وبعد ذلك كل منكم يغرف -إن شاء الله- من بحر المقاصد من كتب المقاصد، وإذا ما فهمتوا شيء رقبتي سدَّادة، خذوا التليفون واعملوا دعاية للتليفونات، واسألوا ونجاوبكم.
فنتحدث اليوم -إن شاء الله- عن مقاصد المكلفين.
لأن إخوتي الكرام لماذا مقاصد المكلف؟ لماذا اختيار هذا الموضوع؟
لأن مقاصد الشريعة تظل مجرد شعارات ومجر نظريات إذا لم يكن قصد المكلف موافقًا لقصد الشارع، لابد أن نحسن قصدنا، لابد أن يكون قصدنا حسن، وأن يكون قصدنا صالح حتى يتوافق قصدنا مع قصد الشارع، فالذي يهمنا في هذا الكلام أن قصد المكلف ينبغي أن يكون موافقًا لقصد الشارع، وإذا لم يكن موافقًا لقصد الشارع فمعنى هذا أننا لا نستطيع أن نحقق من قصد الشارع شيئًا.
يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله: "لا ينبغي للمكلف أن يخالف ما قصده الشارع".
وقصد الشارع أيش هو؟
قصد الشارع هو: تحصيل الضروريات وما يكملها.
أيش يكملها؟
الحاجيات والتحسينيات.
فقصد الشارع هو المحافظة على هذه الضروريات وما يكملها، وكل من ابتغى في تكاليف الشريعة ما يُناقدها فهو يناقض الشريعة.
ربي قال: الصلاة. والصلاة كما بيَّن القرآن أن المقصد منها أيش؟
النهي -بارك الله فيكم جميعًا- عن الفحشاء والمنكر، كما قال: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
فإذا كان قصد المكلف من هذه الصلاة ليس هذا القصد، وليس هذا الهدف، وليست هذه الغاية؛ وإنما قصده أن يُقال فلان مصلي ما شاء الله عليه!
أحكي لكم نكتة: قال: واحد كان يصلي في المسجد، ففيه اثنين جالسين يرياه يصلي، فالتفوا لبعضهما وقالا: ما شاء الله ما شاء الله! ما أحلى صلاته!
فالتفت لهم وهو يصلي وقال: ومع ذلك فأنا صائم.
يعني زيدوا واشكروا لي.
صلى وصام لأمر أردا أن يقضيه، فلما قضاه فلا صلى ولا صام، فيه ناس هدفهم الرياء -والعياذ بالله.
ولذا حذرنا منه نبينا -صلى الله عليه وسلم- «إياكم والشرك الأصغر».
قالوا: وما الشرك الأصغر؟
قال: «الرياء».
والحديث يطول في الرياء، فلهذا لابد أن يكون قصد المكلف موافقًا لقصد الشارع.
وما الدليل على أن الشارع اهتمَّ بقصد المكلفين؟
في القرآن وفي السنة، قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة: 5]، وآية ثانية: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام 162، 163].
أي حياتي كلها لله، فيه أنشودة اسمها حياتي كلها لله، ما عندنا وقت! ولو كان عندنا وقت لكنا جئنا بواحد وقلنا له يقول لنا بيتين.
فقصد الإنسان لابد من الاهتمام به، أن حياتك يا مسلم كلها ينبغي أن تتوجه لله -سبحانه وتعالى.
يقول معاذ في جلسة مع أبي موسى الأشعري -والحديث في البخاري- يقول له: "إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".
ما معنى احتسب نومتي؟
أي أحتسب أجرها عند الله -سبحانه وتعالى-، ونحن إن شاء الله -كما ذكرنا- على أبواب رمضان، ونسأل الله أن يبلغنا رمضان، وإن شاء الله نصومه بالصحة والعافية جميعًا.
فيقول المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا»، ما معنى «واحتسابًا»؟
أي يحتسب أجره عن الله، ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 9].
فقال: "إني أحتسب نومتي"، أي حتى النوم.
النوم مباح أو لا؟ أو واجب؟
مباح، تحب ترقد؛ ارقد، ما تحب أن ترقد؛ فلا ترقد، نعم.
والأكل مباح في الكل، وهذا موضوع مهم في الموافقات لطلبة العلم، وأن يطلعوا عليه في الجزء الأول عندما تكلم عن المباح، لأن الأحكام التكليفية -إخوتي الكرام- خمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم.
وعند الحنفية سبعة، زادوا "الفرض" قبل "الواجب"، والواجب، وبعده المندوب، وبعده المباح، وبعده المكروه تنزيهًا، وزادوا المكروه تحريمًا، والمحرم، صاروا سبعة.
فالمباح حكم من الحكام التكليفية، فهو: ما لا يُثاب فاعله، ولا يُعاقب تاركه.
تحب تلبس جبَّة بيضاء؛ البس، تحب تلبس جبَّة خضراء؛ البس، لا يأتي واحد يحاسبني يقول لي: لماذا لبست؟!
تحب تلبس غترة -والغترة عند السعوديين بيضاء- تحب تعمل شماغ أحمر؛ اعمل، مباح، كله يدخل في دائرة الإباحة.
تحب تأكل مكرونة؛ كل، تحب تأكل كسكسي؛ كل؛ فهذه كله مباح.
هذا المباح يقول الإمام الشاطبي: "قد يتحول المباح بصالح القصد -والكلام بمعناه ليس بلفظه- إلى عبادة وقربة"، أي أن هذا المباح تحول من شيء لا يؤجر عليه الإنسان إلى شيء يؤجر عليه ويثاب، بماذا؟
بالنية، بالقصد الحسن، بالقصد الصالح.
ولذا يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
«إنما الأعمال بالنيات»، معناها يا طلبة العلم: هذا فيه موضوع وفيه قاعدة أصولية، وهي دلالة الاقتضاء.
لأن أنواع الدلالات:
- دلالة العبارة.
- ودلالة الإشارة.
- ودلالة النص.
- ودلالة الاقتضاء.
معناها أننا نفهم النصوص، ولهذا إخواننا تبحروا في العلم، اقرؤوا ولا تتعبوا، وما تقول: قرأت كلمتين، أو قرات حديث أو حديثين، حتى لو حفظت القرآن كاملًا؛ لابد لفهم هذا القرآن من علوم، وهي التي يسمونها علوم الآلة، مثل النجار، أليس النجار عنده آلاته أو لا؟
فهذه آلات الصنعة، لازم يكون عندك أيها الطلب للعلم أداوت -آلات- حتى تفهم النص، لأن غدًا ستجلس في هذا المجلس -إن شاء الله- وستجلس في محلس اعلى منه، وتخاطب الناس وتفتي الناس، ستفتي الناس بأيش؟
لازم يكون عندك فهم لما قرره سادتنا العلماء من أول ما جاؤوا من عهد الصحابة، صحيح أصول الفقه لم يكن مدونًا في عهد صحابة رسول الله، وإنما كانوا يفهمونه بالسَّليقة، مثل الشعراء أيام زمان كانوا يقولون الشعر بالسَّليقة حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فوضوع علم الشعر الذي يسمونه علم العَروض.
الأصول ظل كذلك، بالسَّليقة الناس تفهم أن هذا ناسخ وهذا منسوخ، أن هذا مطلق وهذا مقيد، وأن هذا عام وهذا خاص خصصه، إلى غير ذلك، تفهمها بالسليقة، حتى جاء مَن؟
الإمام الشافعي فكتب كتابه الرسالة، فتعتبر الرسالة هي أول مؤلف ألف في أصول الفقه.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال »، هل معناها أنه لا عمل بدون نية؟
فيه أعمال بدون نية، طيب كيف الرسول قال: «إنما العمال بالنيات»؟
معناها: كأن قال: ما فيه عمل إلا بالنية.
فهذا الكلام يقتضي كلامًا، أي كأنه قال -صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما العمال المتقبلة ما كانت مصحوبة بنية".
ولهذا قال معاذ: "إني احتسب نومتي كما احتسب قومتي"، ما معنى "قومتي"؟
أي قيام الليل.
معناها: اعتبر هذه النومة التي يرقدها -وهي مباحة- قال أعتبر أجرها كاعتبار أجر صلاة ركعات في الليل.
فانت أيها المسلم إذا حسن وصلح قصدك فهذه الأعمال المباحة تتحول إلى ماذا؟
إلى عبادة.
لما تأتي تأكل لازوم تنوي، أنا آكل لماذا؟
حتى أمشي أهد جبالًا؟! آكل حتى أتقوى على طاعة الله.
أنا سأنام؛ سأنام لماذا؟
لأتقوى على العبادة.
لما نشتري لعبة، أو نشتري حلوى، أو نشتري حاجة؛ نقول: حتى أدخل السرور على إخوتي، أو على أولادي، أو على أحفادي، أو على أبناء إخواني، أو نحو ذلك؛ فتكون هذه هي هدية، ولكنها مصحوبة بنية وبقصد صالح، فتثاب على ذلك.
لما تميط الأذى من الطريق، وكما مرَّ معنا في دروس سابقة للشيخ، نذكركم بانونات الخمسة أم نسيتموها؟
قثال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، هل إماطة الأذى من الطريق تؤجر عليها إذا لم تكن بقصد حسن وبنية صالحة؟
لا، والله أنا في الطريق رأيت هاذ وقلت والله دعه حتى يقولوا معناه كذا وكذا، أحيانًا تلقى الطالب يقول لك: صباح الخير يا أستاذ، السلام عليكم يا أستاذ، أينما ألتفت يأتي يسلم عليَّ، بعد ما أكمل الفصل وما عاد يقرأ عندي؛ يراني يدور وجهه كأنه ما رآني.
طيب، هو يسلم عليَّ لماذا؟!
فيه بعض الطلبة تلقاه مع زميله ما يكلمك طوال العام، لكن قبل الامتحانات أهلا يا فلان، كيف أحوالك؟
خير إن شاء الله، تستغرب! وإذا به بعد قليل يقول: والله أت -ما شاء الله- تحضر الكثير، لو تعطيني الملخص للدروس أوصرها.
فالسلام كان لماذا؟
هل كان لقصد صالح -أي لقصد أخروي- أو لقصد دنيوي؟
وإنما كان لقصد دنيوي، فإذا كان لقصد دنيوي هذا يدخل في حديث الرسول: «فمن كان هجرته لدنيا»، فانت سلامك وتحيتك لأخيك، أو إماطة الأذى أو صلاتك ما كانت لله!
تعرفون -إخوتي الكرام- أول ما تسعر النار يوم القيامة على مَن؟
ثلاثة أصناف، من هم؟
1- عالم، يا لطيف! بدأتم بالعالم ولا حول ولا قوة إلا بالله، الله يعطينا المقصد الحسن.
2- المجاهد.
3- المتصدِّق.
فيؤتى بالعالم، ما فعلت؟
فيقول: يا رب، تعلمت العلم فيك وعلمته.
فيُقال له: كذبت، وإنما تعلمت العلم حتى يُقال فلان عالم وقد قيل، أخذت أجرك في الدنيا، ويؤمر ويُسحب إلى النار -والعياذ بالله.
ثم يؤتى بالمجاهد: ماذا فعلت؟
فيقول: يا ربِّ، جاهدت فيك حتى قتلت.
فيقال له: كذبت، وإنما جاهدت حتى يقال فلان شجاع، وقد قيل، ويُسحب إلى النار.
الثالث: الجواد الكريم المتصدق، فيُسأل فيقول: يا رب تصدقت فيك.
فيُقال له: كذبت، وإنما تصدقت ليُقال فلان جواد، أو فلان كريم، وقد قيل.
وقد ورد في الأثر: "كل الناس هلكى إلا العالمون، وكل العالِمين هلكى إلا العاملون"، والعلم وحده لا يكفي، فلازم من العمل، ولهذا ربي قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف 2، 3].
"فكل الناس هلكى إلا العالمون، وكل العالِمين هلكى إلا العاملون، وكل العاملين هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على وجل"، يا سترك يا رب! الله يخلص النية إن شاء الله.
فهذا قصد مهم بالنسبة للإنسان، فالآن الإمام العز على ذكر هذا يقول: "كل تصرفٍ لم يُحصِّل مقصوده فهو باطل" قاعدة ذهبية.
"كل تصرفٍ لم يُحصِّل مقصوده فهو باطل"، أي كل عمل ما فيه تحقيق لقصد الشرع فهو باطل.
ولهذا قال الله -سبحانه وتعالى- عن الكفار لأن قصدهم لم يكن قصدًا صالحًا، قال: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23].
ننتقل الآن إلى علاقة قصد المكلف بالأفعال التي يقوم بها:
قد يقصد المكلف الموافقة -ما معنى الموافقة؟ أي موافقة الشرع- فيأتي الفعل موافقًا، فهذا لا خلاف في صحته.
نحن نحكم بالصحة، بعض الناس تأتي تسأل ويقول: يا شيخ، صلاتي مقبولة إذا صليت كذا وكذا؟
أقول له: القبول عند الله، وإنما أنا أقول لك أن صلاتك صحيحة أو صلاتك باطلة.
الجمهور لا يفرقون بين الباطل والفاسد، بينما الحنفية يفرقون بين الباطل والفاسد في المعاملات، لكن في العبادات لا فرق، مثلهم كمثل الجمهور، الجمهور كل المذاهب ما عدا الحنفية، الحنفية يفرقون بين الباطل والفاسد في مسألة المعاملات، أما العبادة باطلة أو فاسدة مثل بعض، طيب.
فالإنسان توجه إلى الله -سبحانه وتعالى- بصلاته فجاءت صلاته صحيحة؛ فهذا لا خلاف في صحته.
طيب، إنسان يقصد المخالفة فجاء فعله مخالفًا؛ فهذا لا خلاف في بطلانه، هو من الأول نواها للشر فجاء الشر -والعياذ بالله- نواها مفسدة فجاءت مفسدة.
طيب، الثالث: نوى -أو قصد، لأن النية والقصد مثل بعض- الموافقة فجاء فعله مخالفًا.
خرج للغابة يصطاد، فرأى سوادًا أمامه ظنه غزالة أو حيوان أو شيء، ورمى وإذا به إنسان.
هو نوى ماذا؟ قصده صالح أو غير صالح؟
صالح، لكن جاء الفعل مخالفًا.
مرة في منطقة في بلد خارج البلد هذا على ما أذكر، فكانت الشرطة تطلق النار على الكلاب، دخلت بعض الكلاب المدينة فأطلقوا عليها النار، فسبحان الله! الشرطي أطلق النار، فانطلقت الرصاصة فدخلت في ثقب من الباب فدخلت إلى ولد في بيته فتوفاه الله، فهذا قصده صالح أو فاسد؟
صالح، ولكن جاء الفعل مخالفًا.
فالشاطبي يقسم هذا النوع إلى أنه يعلم أنه خالف أو لا يعلم؟
فهذا نقول باختصار حتى لا نطيل عليم ولا نتشعب في المسألة: أن هذا يُعامل على قصده ونيته.
الرابع: نوى المخالفة فجاء الفعل موافقًا.
يعني مثلًا شاب من الشباب يغازل أو نحو كذا، وإذا بها زوجته! يا ويله!
فهذا يعامل على أيش؟
هل اعتدى على حقوق الناس؟
ما اعتدى على حق أحد، ولكن قصده كان المخالفة، فيُحاسب على الفعل، وإنما يُحاسب على القصد، لأن الأصل في المؤمن ألا يهمَّ ولا يفكر إلا فيما فيه خير، إلا فيما أمر الشرع به.
ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم: «من همَّ -أي من فكر، من قصد- بحسنة ففعلها كُتبت له حسنة إلى عشر أمثالها، ومن همَّ بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة، ومن همَّ بسيئة وفعلها كتبت له سيئة، ومن هم بسيئة ولم يفعلها كتبت له حسنة»، لكن كتبت له حسنة مباشرة؟
فيه تفصيل، ماذا يقول المثل عندنا؟
"القط إذا ما لحق الشحمة يقول ما أنتنها!".
معناه: أن القط أراد أن يأكل الشحمة -أو اللحمة- فلم يصل إليها، حاول ولم يصل إليه، فلما لم يصل إليه قال: ما أنتنها من لحمة! ما تصلح هذه!
فقد يحاول الإنسان اشلر أو المفسدة، ولكن الحال حال الله، ربي أراد به الخير فلم يصل لها؛ فهذا يُكتب له على النية -على القصد- ولكنه لم يصل.
اما متى تكتب له الحسنة؟
إذا همَّ بسيئة أو بمفسدة ولم يفعلها بإرادته، فهذا تُكتب له حسنة.
ولعلكم تذكرون القصة التي رواها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الثلاثة نفر الذين آواهم المبيت إلى غار، فمن بينهم رجل له ابنة عمٍّ راودها عن نفسها فأبت، حتى جاءت سنة من السنوات العجاف احتاجت إلى مال، فطلبت منه المال فرادوها عن نفسها، قال: ما أعطيكِ المال إلا بكذا، فاستجابت، حتى إذا جلس منها مجلس الرجل من زوجته قالت له: يا فلان، اتقِ الله.
سمعتم الكلمة؟
نحن لما يأتي واح وتقول له: اتقِ الله.
يقول: أنا كفرت؟!
قالت: اتقِ الله، ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقِّه -أي بالزواج.
قال: قمت عنها وتركت لها المال، اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك ففرج عنَّا ما نحن فيه، فتزحزحت الصخرة.
فهذا الرجل معناها لما ترك المعصية تركها لماذا؟
لأنه لم يقدر عليها؟ أو كان أقدر ما يكون عليها؟
كان أقدر ما يكون عليها، ولكنه تركها لله -عز وجل.
ولهذا مريم عندما جاءها جبريل قالت: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: 18].
وساعات واحد يناديك: يا حاج، يا حاج. لماذا؟
حتى يذكرك بطاعة ربك، فانتبه!
فهذا تقريبًا ما وفقنا الله إليه، والحديث هذا لعل فيه شيء.
سؤال:
أحسن الله إليك، المخطئ الذي قصد النية الحسنة لا يحاسب؟ والله يقول: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ [النساء: 92] ؟
لا يُحاسب، لأنه قتله هنا، هل يحاسبة ربي -سبحانه وتعالى؟ أين الحساب؟ ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً﴾ [النساء: 92]، هل قال: "في عذاب جهنم" أم ماذا قال له وبماذا أمره؟
بالدية، والدية هذه هل هي حق لله أو حق للعباد؟
دائمًا خذوا القاعدة: "أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله مبينة على المسامحة".
فالله سامح في حقه لأنه قتله خطأً ولم يقصد قتله، وإنما حتى لا يذهب دم المؤمن هدرًا أوجب فيه الدية، والدية ليست عليه، وإنما الدية على العاقلة -أي على أقاربه.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يخلص أعمالنا، وأن يجعل قصودنا حسنة، ونياتنا صالحة، وألا نفكر إلا فيما يرضي ربنا، وألا يخطر ببالنا إلا ما يرضي ربنا.
أقول قولي هذا وأستسمح إخوتي الطلاب لأني قصرت بعض الشيء في حقهم، ولو كنا في قاعات الدرس لكان لنا كلام آخر، ولتعمقنا في هذه الدروس، ولكن بحضرة هذه الوجوه النيرة حاولنا -كما يقولون- "نضرب عصفورين بحجر"، لكن أنتم أحببنا نؤكلكم ونؤكل الطلبة بعض الشيء، ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفع بنا وبكم، ويوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغعفروه إنه هو الغفور الرحيم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.




الأكاديمية الإسلامية المفتوحة
الدورة العلمية الثالثة
شرح كتاب التوحيد (5)
د. راشد الزهراني


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى، وآله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.
طبتم وطاب ممشاكم وتبوَّأتم من الجنة منزلًا.
أيها الإخوة، لا زلنا نتحدث معكم حول حديث جبريل -عليه السلام- وأركان الإيمان والإسلام التي سأل عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم.
تحدثنا بالأمس عن أركان الإيمان، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
بعد ذلك قال جبريل -عليه السلام لنبينا -صلى الله عليه وسلم: «فأخبرني عن الساعة؟
قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل».
الساعة من أمور الغيب التي لا يعلمها إلى الله -سبحانه وتعالى- قال الله -جل وعلا: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59].
وفي القرآن: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ [النازعات 42، 43] .
الساعة لها علامات، وقد جمع العلماء هذه العلامات في أربعة أنواع:
- النوع الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت -ركِّز معي- الآن سأجمع لك جميع الأحاديث التي وردت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- سواءً في أشراط الساعة الصغرى التي هي تميهدي لقيام الساعة، أو الكبرى التي تؤذن بقربها وانتهاء هذه الحياة.
أول هذه الأقسام: أشراط الساعة التي مضت وانقضت.
الثاني: علامات صغرى وقعت ولا تزال مستمرة.
الثالث: علامات صغرى لم تقع بعد.
والرابع: علامات الساعة الكبرى.
إذن لدينا الآن أربعة أنواع من العلامات:
- علامات صغرى وقعت وانقضت.
- علامات صغرى وصقعت ولا تزال مستمرة.
- علامات صغرى لم تقع بعد.
- ثم لدينا علامات الساعة الكبرى.
نمثل بأمثلة لكل قسمٍ من هذه الأقسام الأربعة.
أولًا: علامات صغرى وقعت وانقضت، مثل ماذا؟
مثل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم: فبعثته -عليه الصلاة والسلام- من علامات الساعة الصغرى، قال سيدي -صلى الله عليه وسلم: «بعثتُ أنا والساعة كهاتين».
أيضًا من علاماتها: موت النبي -صلى الله عليه وسلم: قال -عليه الصلاة والسلام: «أعدد ستًّا بين يدي الساعة»، وذكر منها موته -عليه الصلاة والسلام.
من الآيات أيضًا التي هي من العلامات الصغرى التي مضت وانقضت: انفلاق القمر وانشقاقه، حينما أتى المشركون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا كل مرة يطلبون من النبي آية، فتارة يقولون: إن كنت صادقًا كما تقول فإنك تعلم أن أهل مكة من أكثر الناس ضيقًا في بلادهم، فسل ربك أن يزيح عنا هذه الجبال، وسل ربك أن يجري لنا الأنهار كأنهار الشام والعراق، ثم بعد ذلك يقولون: لن نؤمن لك حتى تنزل علينا نقرأهو ولو جئت به لَمَا آمنَّا بك.
فقال الله -عز وجل: ﴿سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: 93].
فكان من هذه الأمور أنهم قالوا: يا محمد، إن كنت صادقًا كما تقول فاجعل القمر ينفلق إلى قسمين.
قال لهم: «أتؤمنون بالله؟».
قالوا: نعم.
فسأل ربه -جل وعلا- فانفلق القمر، فكان قسم على جبل وقسم على جبل آخر، فلما رأوا هذه الآية قالوا: هذا سحر.
قال الله -عز وجل: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر 1، 2].
في بعض الروايات أنهم قالوا: لن نؤمن حتى يأتي مَن كانوا بعيدين، فهم لم يُسحروا، فأتت قافلة قالوا: نعم رأينا انفلاق القمر.
وُجد في بعض تراجم ملوك الهند أنه وُلد في يوم انشقاق القمر، وهذا مما يؤكد.
حتى الآن كما يقولون في بحوثهم العلمية أثبتوا أن هناك خطًّا مستقيمًا يتَّصل في وسط القمر.
فهذا من علامات الساعة التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم.
أيضًا من العلامات التي مضت وانقضت: النار التي تخرج بأرض الحجاز وتنير لها الإبل في بُصرى من أرض الشام.
قال -صلى الله عليه وسلم- واسم الحديث، قال -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيئ لها أعناق الإبل ببصرى»، وهذا الأمر حدث في القرن السابع، ويروي هذا الأمر الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في سنة ستمئة وأربعة وخمسين خرجت نار عظيمة، كانت النار تُرى من مكة، وتُرى من أرض بُصرى في الشَّام.
يقول القرطبي: "فرأى الأعراب الإبل وقد أضاءت أعناقها من ضوء هذه النار"، صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
إذن هذا النوع الأول من علامات الساعة، وهي العلامات التي قضت ومضت.
النوع الآخر من العلامات: علامات صغرى وقعت ولا تزال مستمرة.
مثل الفتوحات التي حدثت في الأرض، فتح فارس، وفتح الروم، وأيضًا زوال ملك كسرى، وزوال ملك قيصر، وكذلك منها فتح المسلمين للهند، وغزو المسلمين للترك، وغيرها من الأمور التي أخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تمهيد لأمر أخبرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «ليُتمنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى لا يبقى بيت وبر ولا مذر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز الله به الإسلام وأهله، وذلًّا يذل الله به الكفر وأهله».
وقد يكون -ولا نجزم- من هذه القنوات التي تحمل مشاعل الخير والهدى، فوالله في أدغال أفريقيا في بيوت من القش توجد فيها قنوات القرآن الكريم يتعلم الناس الخير وتلاوة كلام الله -سبحانه وتعالى.
أيضًا من الأشراط التي ظهرت: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة»، حينما دخل الرجل قال: يا محمد متى السَّاعة؟
قال: «إذا وُسِّد الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة».
من العلامات أيضًا: تداعي الأمم على أمتنا.
قال -صلى الله عليه وسلم: «تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها».
قالوا: يا رسول الله، أو من قلَّة نحن يومئذ؟ نحن قليل أعدادنا؟
قال: «أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله المهابة من صدور أعادئكم فيقذفها في قلوبكم».
ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «ويصيبكم الوهن».
قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟
قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».
أيضًا من علامات الساعة: اختلال المقاييس.
كيف؟
اسمع إلى الحديث: أشراط الساعة هي من أمور الغيب المستقبل، أو من أمور الغيب الماضي، ولا يستطيع أن يقول هذا الأمر إلا من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم.
قال -عليه الصلاة والسلام: «سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصَّادق، ويؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة».
قالوا: مَن الرويبضة؟
قال: «الرجل التَّافه الحقير يتكلم بأمور المسلمين العامة».
فهذه أيضًا من أشراط الساعة.
القسم الثالث ما هو؟
علامات صغرى لم تقع بعد.
مثل ماذا؟
مثل: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب -أو جزيرة العرب- مروجًا وأنهارًا».
أيضًا من علامتها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاته فلا يجد أحدًا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا».
أيضًا من العلامات: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلَّة»، القمر يكون حجمه على غير الحجم المعتاد.
أيضًا من العلامات التي حدثت وستحدث -تجمع بين القسم الأول والثاني- حديث عجيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو سعيد الخدي، أنصت إلى هذا الحديث العجيب، سبحان الله!، يقول: «بينما رجل يرعى غنمة إذ عدا الذئب على أحدها، فلحق به الراعي، فانتزع الشاة منه -من الذئب- فأقعى الذئب على ذنبه، ثم نطق -يتحدث مع الرجل الراعي- قال: ألا تتقي الله في رزقٍ ساقه الله لي؟
فقال: عجبي! ذئب يقعي على ذنبه ويتكلم بما يتكلم به الإنس والجن؟!
ثم أخذ شياهه وانصرف حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية، ثم دخل فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بما رأى، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: نادوا الصلاة جامعة».
اجتمع الصحابة، وكان النبي إذا إراد أن يجمعهم في غير وقت الصلاة نادى الصلاة جامعة، فاجتمع الصحابة -رضوان الله عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للراعي: «أخبرهم».
فأخبرهم الراعي.
فقال -عليه الصلاة والسلام: «صدق، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السِّباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، ويكلم الرجل شراك نعله حتى ينطق فخذه بما أحدث أهله من بعده».
وإذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا فلابد أن يتحقق.
أيضًا من العلامات: انحسار جبل الفرات في العراق عن كنز عظيم.
قال -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن ذهب، فيقتتل عليه الناس، فيُقتل من كل مئة تسعة وتسعين» ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لعلي أن أكون أنا الذي أنجو».
ثم أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- لو حضرنا هذه الحادثة ماذا نفعل؟
قال -صلى الله عليه وسلم: «فلا تأخذوا منه شيئًا».
إذن هذا من أشراط الساعة التي أخبر عنها نبينا -صلى الله عليه وسلم.
بل إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرنا عن وفرة المال وكثرته في آخر الزمان فقال: «تقذف الأرض فلذات كبدها -هذه تقال في الإبل واستعملت هنا- أمثال الاسطوان من الذهب والفضة، فيجئ القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيئ قاطع الرحم فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيئ السارق فيقول: في هذا قُطعت يدي، قم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا».
أيضًا من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- ستكون، لم تأتِ بعد، وهي من الأشراط الصغرى: قال -عليه الصلاة والسلام: «يوشك المسلمون أن يُحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعدُ مسالحهم سلاح» يعني حتى يكون أبعد ثغر يأمنون به سلاح، وهي أرض قريبة من خيبر في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
أيضًا من أشراط الساعة: خروج رجل يُقال له الجهجاه، يقول -عليه الصلاة والسلام: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاة»، وفي رواية «لا تذهب الليالي ولا الأيام حتى يخرج رجل يُقال له الجهجاه -الجهجاه يعني كثير الصياح- يسوق الناس بعصاة»، كناية عن الغلظة والقوة، إلى ماذا يسوق الناس؟ إلى الخير أم يسوقهم إلى الشر؟
يقول الإمام ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: "لا نعلم، لم يحدد لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يقودنا هذا الرجل إلى الخير أم يقودنا إلى الشر؟".
أيضًا من علامات الساعة الصغرى التي لم تحدث بعد: خروج المهدي.
والمهدي هناك خلاف كبير بني العلماء:
- من العلماء من أهل السنة مَن لم يُصحح أحاديثه جميعًا، فيقول: لا يوجد شيء اسمه المهدي.
- ومن العلماء من أثبتها، واستدلوا على ذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي اسمه على اسمي، واسم أبيه على اسم أبي، يملأ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا».
ودر في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- واحسبوا معي هذه العلامات الست، وننظر هل أتت ونطبق عليها الأقسام الثلاثة:
قال -عليه الصلاة والسلام: «أُعدد ستًّا بين يدي الساعة».
ما هي هذه الست؟
«موتي -وقعت- ثم فتح بيت المقدس -في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه- ثم موتان يأخذ فيكم كقعاس الغنم -الطاعون الذي وقع في عمواس- ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مئة دينا فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته»، ويقال أنه الفتنة التي حدثت بين الصحابة، -بين علي -رضي الله عنه- وبين معاوية -رضي الله عنه- والواجب علينا في مثل هذه ألا نخوض ونقول: هذه فتنة نجَّا الله منها سيوفنا فينجي الله منها ألسنتنا، وكلهم مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ.
قال: «ثم هدنة -هذه العلامة السادسة- تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فياتونكم ثم ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا»، والله أعلم هل وقعت أم ستقع، العلم في هذا عند الله -سبحانه وتعالى.
هذه التي تسمى أشراط الساعة الصغرى.
إذن القسم الأول: أشراط ساعة مضت، وقعت وانقضت.
والثانية: وقعت ولا تزال.
والثالثة: أشراط صغرى لم تزل لم تقع.
الرابع: أشراط الساعة الكبرى.
وهذه الأشراط ما يروي الصحابي الجليل حذيفة الغفاري، يقول: "طلع علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «بماذا تتذاكرون؟»".
هذا يؤخذ منه مذاكرة العلم، دائمًا إذا جلستم في مجلس أشغلوا هذا المجلس بما فيه الخير لكم وللحاضرين كما كان يفعل صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم.
فقال: «بماذا تتذاكرون؟».
قالوا: نتذاكر الساعة.
قال -صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات». هذه تسمى علامات الساعة الكبرى. ما هي هذه العلامات.
قال: أولًا: الدخان.
ثانيًا: الدجال.
ثالثًا: الدابة.
رابعًا: طلوع الشمس من مغربها.
خامسًا: نزول عيسى بن مريم -عليه الصلاة والسلام.
سادسًا: خروج يأجوج ومأجوج».
ثم قال: «تحدث ثلاث خسوف:خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب».
ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
العلامات الكبرى كل علامة فيها تحتاج لبسط، لكن سأتحدث عن الدجال لأنه من اخطرها، ولأنه ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج الدجال في آخر الزمان.
أخبرنا النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أوصافه فقال: «إنه أعور العين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور، كأن عينه عنبة طافئة».
وأيضًا من الصفات التي أخبرنا بها -صلى الله عليه وسلم: «أنه مكتوب بين عينيه: ك.ف.ر ؛ يقرؤها كل مؤمن»، أمي أو غير ذلك، فهو يقرؤها، ييسر الله -عز وجل- له قراءتها.
يخرج فيفتن الناس، له جنة وله نار، فجنته نار، وناره جنة، يأتي إلى الناس فيقول: أنا ربكم، يأتي برجل فيقسمه قسمين، ثم يعيده مرة أخرى، فيقول المؤمن: والله ما زدت لك إلا تصديقًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم.
الدجال يخرج من خراسان، ومَن أتباعه؟
اليهود، يتبعه من اليهود سبعون ألفًا من يهود أصبهان.
كذلك ما من بلدٍ إلا سيطأ الدجال إلا مكة والمدينة، ويكون هلاكه في بلاد الشام على يد عيسى بن مريم -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
كذلك من العلامات: خروج يأجوج ومأجوج، وهم امة من الناس من بني آدم على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وغيرها من العلامات التي تقدم ذكرها.
هذه العلامات كل علامة تحتاج منَّا إلى محاضرة بدون مبالغة، كل علامة تحتاج إلى محاضرة لنبيِّن ما أخبرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، ولكن لضيق الوقت ولأنه آخر درس أريد أن نختصر هذا الأمر.
قال في الحديث: «فأخبرني عن الساعة؟
قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها؟ ما هي العلامات؟
قال: أن تلد الأمة ربتها».
ما معنى ذلك؟ ما معنى أن تلد الأمة ربتها؟
لها كما قال العلماء معنيان:
الأول: أن المرأة تكون تحت ملك فيطؤها فينجب منها، فيكون ابنها سيدًا له، إما لأنه سيكون الملك من بعد أبيه، وإما لأنه ابن لهذا الملك، فهذا المعنى هو الأقرب من المعاني في قوله -صلى الله عليه وسلم: «أن تلد الأمة ربتها»، وهذا المعنى قد وقع.
قال: «وأن ترى الحفاة العراة العالة»، من هم الحفاة؟
الذين لا يجدون الحذاء.
والعراة: الذين لا يجودن اللباس.
العالة: الفقراء.
أن ترى الحفاة الذين كانوا حفاة عراة عالة رعاءً للشاء أصبحوا يتطاولون في البنيان، وهذا -والله أعلم- قد وقع، وإن كان بعض العلماء يرى عدم تحديدها، لأنه يقول: ما من زمن إلا ويُقال إن هذا المعنى قد وقع، وإن الحفاة العراة العالة رعاء الشاء أصبحوا يتطاولون في البنيان.
في هذا الحديث معنى تجاوزناه، وهو الركن الثالث من أركان هذا الدين وهو: الإحسان.
قال: «ما الإحسان؟
قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
مرتبة الإحسان من أعظم مراتب الدين، وابن القيم -رحمه الله- في كتابه مدارج السالكين جعلها في إحدى منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
الإحسان درجة إذا وصلت إليها أحبك الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، فالله -عز وجل- يحب الإحسان من العبد، وإذا أحسن أحبه الله -عز وجل- «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته».
قال: «الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه»، هذه المرحلة الأولى، أو المنزلة الأولى الكبرى، أن تكون في جميع أعمالك دائم المراقبة لله -عز وجل- فتعلم أن الله يراك، وأن الله يطلع عليك.
يقول حبر الأم وبحرها وحِبرها وترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "سبحانه! يرى دبيب النملة السوداء على الصفاة الصماء، في الليلة الظلماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء".
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله- والإمام الشافعي كان شاعرًا فصيحًا حتى إنه كان يقول:
َلَوْلا الشِّعْرُ بِالعُلَمَاءِ يُزُرِي ** لَكُنْتُ الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ
يقول -رحمه الله:
 يا من يرى مَدَّ البعوضِ جَنَاحَها ** في ظُلمةِ الليلِ البهيمِ الأَلْيَلِ
ويَرى عنِيَاطَ عُرُقِهَا في نَحْرِهَا ** والمُخَّ في تلكَ العظامِ النُّحَلِ
اُمْنُن عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا ** مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الأوَّلِ
قولوا آمين.
هذا هو حديث جبريل، وهذا هو حديثنا عن هذه العقيدة العظيمة التي شرفنا الله -سبحانه وتعالى- بها.
وفي ختام هذا اللقاء أقول أيها الأحبة: إن من أعظم نعم الله -جل وعلا- على عباده أن ييسر لهم حضور مثل هذه المجالس التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، ويذكرنا الله -عز وجل- فيمن عنده، لو لم يكن في جلوسنا هذه الأيام الخمسة إلا أن يذكرنا الله فيمن عنده لكفى.
وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم»، حينما قيل إن رجلًا قد أتى لا يريد العلم، قال: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم»، فاحرصوا على مثل هذه المجالس، احرصوا على مجالس الذكر والخير، تحلقوا حول علمائكم، في تونس من العلماء الربانيين الذين لديهم هذا المرجع العظيم والأصل وهو القرآن والسنة الكثير؛ تحلقوا حولهم، احرصوا على الحضور في مجالسهم ومذاكرتهم، فإن هذا مما يعينهم على أن يبلغوا العلم لكم، احرصوا على تعلم العلم، ليكن العلم هو أنيسكم وجليسكم، لا سميرك العلم ولا أنيسك العلم؛ بالعلم تحيا النفوس وتسعد الأرواح، بالعلم تعبد الله -عز وجل- على بصيرة، وبه يُنير الله -عز وجل- بصرك وبصيرتك، فاحرصوا على العلم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله.
ثم أقول: إن هذه العقيدة التي نتعلمها ونتلقاها هي من أعظم ما يجب علينا أن نبتدئ به، ومن أعظم ما يجب علينا أن نبلغه للناس، هذه العقيدة ليست عقيدة العالم فلان، أو الجماعة الفلانية؛ بل هي عقيدة محمد -صلى الله عليه وسلم.
نحن حينما نريد أن نعتقد فإنه يجب علينا أن نعود إلى القرآن والسنة، كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
أئمتنا الأربعة علمونا أن يكون المرجع الأصيل لنا هو القرآن وهو سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذه العقيدة لم يختلف فيها العلماء، لم تختلف عقدية الإمام أبي حنيفة وعقيدة الإمام مالك والشافعي والإمام أحمد؛ كلها عقيدة واحدة، لأنها تأتي من كتاب الله ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فليس لنا في بلاد الحرمين عقيدة ولإخواننا في مصر عقيدة ولهل تونس عقيدة؛ فعقيدتنا واحدة وهي شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، إن حققنا هذه العقيدة نلنا جميعًا الأجر من رب الأرض والسماء -سبحانه وتعالى.
قال -عليه الصلاة والسلام: «وسيكون سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب»، فنحقق هذا التوحيد لننال الأجر من الله -سبحانه وتعالى.
أسأل الله -عز وجل- أن يبارك لنا ولكم في الأعمار والأعمال.
هذا الأخ يسأل عن المنهجية في طلب العلم الشرعي.
طبعًا الدورة العلمية الأولى، ألقيت دورة بعنوان البناء العلمي، وهي موجودة في موقع الأكاديمية نصًّا وأيضًا موجودة مفرغة، فيها التدرج، كيف تتدرج في العلوم الشرعية، في الفقه، في النحو، في البلاغة، في الحديث والمصطلح وغيرها.
نفس السؤال، طبعًا جزاكم الله خيرًا، وأحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، نفس الإجابة على السؤال السابق.
وهذه رسالة أخرى، الحمد لله، طبعًا من الأمور التي تبشر هذه الأمة بالخير أن من بين الحضور من أتى من الجزائر ومن أتى من ليبيا وأيضًا من أتى من ساحل العاج، وهذا -الحمد لله- يدل على أن العلم رحم بين أهله.
أختم بالحديث الذي ابتدأت به في هذه الدورة: وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
ونختم ببيان فضل هذه الشهادجة العظيمة في قول نبينا -صلى الله عليه وسلم: «قال موسى: يا رب يا رب، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به.
قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله.
قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا.
قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع والأراضين السبع وعامرهن غيري في كِفَّة ولا إله إلا الله في كِفَّة لمالت بهنَّ لا إله إلا الله».
فأسأل الله أن يحيينا على الإسلام، وأن يبعثنا على الإسلام، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنَّا غير غضبان.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا تحرمنا أجر هذه الأيام المباركة، اللهم لا تحرمنا أجرها، اللهم قد اجتمعنا على طاعتك وطاعة رسولك، اللهم لا نبتغي إلا رضاك، ولا نرجوا إلا رحمتك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام نقِّ قلوبنا من الرياء، اللهم يا ذا الجلال والإكرام يسِّر أمورنا، وفرِّج كروبنا، واشرح صدورنا، اللهم اجعلنا ممن يرفع لا إله إلا الله وارفعنا بها واجعلها آخر كلامنا من الدنيا، اللهم قد اجتمعنا على طاعتك وعلى توحيدك واتِّباع رسولك، اللهم لا تفضَّ هذا الجمع إلا بذنب مغفور وعمل متقبل مبرور وتجارة لن تبور يا عزيز يا غفور.
اللهم واجعل خير أيامنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم يا ذا الجلال والإكرام لا تردنا خائبين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر مَن نصر هذا الدين، واخذل من خذل هذا الدين، اللهم كن لإخواننا في سوريا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم أمددهم بمددٍ من عندك، اللهم كن لهم يا ذا الجلال والإكرام ولا تطن عليهم، اللهم عليك بطاغيتهم، اللهم إنه قد بغى وطغى، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم يا مَن إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، اللهم كن للمستضعفين في كل مكان، كن لهم في سوريا، كن لهم فلسطين، كن لهم في بورما، اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والدين، آمنَّا يا رب في أوطاننا، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتَّبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180-182].




بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"