بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 31 أكتوبر 2010

اتجهات الأسلوبية

اتجاهات الأسلوبية:‏
راح الأسلوبيون ـ في إطار البحث الأسلوبي ـ يدرسون النصوص الأدبية، فهناك من قارب الظاهرة الأسلوبية بدءاً بعلاقة المبدع بالنص، وهنا انصب جهدهم على دراسة مدى انعكاس شخصية المبدع في نصه، وتصبح الرسالة اللغوية حينها مطية للتعريف بشخصية المبدع، مما يدخل في إطار علم النفس اللغوية إذا اعتبرنا هذا الأخير أحد مناهج المقاربة الأسلوبية.‏
كما أننا نجد بعضهم الآخر قد حشد اهتمامه في دراسة النصوص وعلاقتها بمتلقيها، إذ يهتم بمدى استجابة القارئ للنصوص وأهميته في ذلك، حيث يعد المتلقي، من خلال ملاحظاته منطلقاً طبيعياً لفحص الرسالة اللغوي الحاملة للنص.‏
وهناك فريق آخر أقصى كلاً من المبدع والمتلقي في مقاربته للنصوص الإبداعية، وأبقى على النص وحده، إذ يرى أن النص هو الوحيد الذي باستطاعته ـ إلى حد ما ـ الكشف عن محموله الدلالي من خلال خواصه اللغوية التي تميزه عن نص آخر، أو يتميز بها كاتبه عن كاتب آخر.‏
ومن ثم نجد أن مقاربة الظواهر الأسلوبية، سواء ربطنا النص بمنشئه، أو متلقيه، أو اقتصرنا عليه دون منشئه ولا متلقيه، ـ تحتم علينا لا محالة اتخاذ الإحصاء منهجاً لرصد الظواهر الأسلوبية الكامنة في النصوص.‏
الأسلوبية التعبيرية [شارل بالي"> 1865ـ 1947:‏
وهذا ما دأب عليه شارل بالي وأتباعه من الأسلوبيّين في تعاملهم مع النصوص الأدبية، انطلاقاً من المنهج الأسلوبي الذي يدرس لغة الخطاب سبراً لأغوارها، وماكان له ذلك لو لم ينحو منحى الدراسات اللسانية الحديثة، التي امتطت العلمية الوصفية سبيلاً لمدارسة النصوص من خلال لغتها ضمن تزامنيتها في إطار النسق المغلق المتمثل في النص.‏
(الأسلوبية) أو (الأسلوبيات) أو (علم الأسلوب) كلمات مشتقة من الأسلوب، تشكل اتجاهاً نقدياً يعتني بمقاربة الجوانب الأسلوبية في النصوص الإبداعية، وقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر في النقد الغربي، لكن ملامحها كمنهج نقدي لم يحدد إلا في بداية القرن العشرين مع "شارل بالي" (1947. 1855. C. Bally) ، بعد أن كانت متداخلة مع علم البلاغة في التراث اللغوي العالمي.‏
استفاد شارل بالي في التأسيس للأسلوبية كثيراً من أستاذه (("فردينان دي سوسير"‏
(1913.1857) وبخاصة في بعض إنجازاته اللغوية الأساسية، فوضع "شارل بالي" ـ بوصفه مؤسس الأسلوبية ورائد التعبيرية منها ـ الطابع الوجداني محدداً في عملية التواصل بين المرسل والمتلقي، ضمن الإطار اللغوي للرسالة، إذ "يعد من الرواد المؤسسين للأسلوبية، وهي تعني عنده البحث عن القيمة التأثيرية لعناصر اللغة المنظمة والفاعلية المتبادلة بين العناصر التعبيرية التي تتلاقى لتشكيل نظام الوسائل اللغوية المعبرة، وتدرس الأسلوبية عند "بالي" هذه العناصر من خلال محتواها التعبيري والتأثيري)) (28) من النص إلى المتلقي عبر اللغة.‏
اهتم "بالي" في أسلوبيته التعبيرية بالجانب الأدائي للغة الإبلاغية، من خلال تأليف المفردات والتراكيب اللغوية ورصدها جانباً إلى جنب، انطلاقاً مما يمليه وجدان المؤلف، بذلك تعتبر التراكيب اللغوية حاملة لمضمون عاطفي مشحون دلالياً يجعل المتلقي يتأثر به، عندها يبقى الخطاب من خلال لغته المشكلة لبنيته الخارجية ذا تأثير فعال فيمن يحمل إليه، مادام ((موقف التحليل الأسلوبي عند بالي هو الخطاب اللساني بصفة عامة، ولكنه يحصر مجال الأسلوبية في القيم الإخبارية التي يشتمل عليها الحدث اللغوي بأبعاده دلالية وتعبيرية وتأثيرية)) (29) إلى المتلقي للخطاب.‏
حصر "بالي" أسلوبيته في اللغة الشائعة، لغة التواصل اليومي، دون اللغة الأدبية، لغة الإبداع. "ومن هنا كان "الأسلوب" عند "بالي" هو تتبع السمات والخصائص داخل اللغة اليومية، ثم استكشاف الجوانب العاطفية والتأثيرية والانفعالية التي تميز أداء عن أداء"(30)، من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى بيئة.‏
ـ العلاقة بين اللغة والحديث أو بين عناصر الوراثة في اللغة وهو ما أ طلق عليه"Langue"، وبين الاستخدام الذي يزاوله الناس في الحديث "Parole"‏
ـ تحليل الرموز اللغوية، وذلك باعتبار أن المسميات اللغوية ليست سوى مفاهيم ترتبط بذهن من ينطقها.‏
ـ دراسة التركيب العام للنظام اللغوي لأن الكلمة في حد ذاتها لا تمثل بناءً لغوياً.‏
ـ آثر "دي سوسير" الفصل بين مناهج الدراسة الوصفية (سانكروني) والمناهج التاريخية (دياكروني).‏
ـ لاحظ أن العلامة اللغوية تمتاز بطابع خاص سماه (الدالّ)، وطابعٍ دلالي سماه (المدلول).‏
تميزت الأسلوبية منذ القرن العشرين ((عما هو مشترك في مفهوم الأسلوب عن البلاغة القديمة))(31)، ولذلك ركز "شارل بالي" في دراسته للأسلوب على الكلام أو الحديث اليومي باعتباره الخطاب البسيط و البعيد عن التعقيد والوعي القصدي؛ واشتغل كثيراً بالوصف اللغوي، ولهذا نعتت أسلوبيته منذ البداية بالوصفية؛ إذ هي عبارة ((عن وصف للوسائل المقدمة من اللغة، واختبار للعلاقة السنكرونية بين العبارة والوعي النفسي التحليلي))(32)، وبذلك نجد أن "شارل بالي" في أسلوبيته الوصفية يترجح بين سلطان العقل والعاطفة من أثر اللغة في المتلقي.‏
ويخلص "شارل بالي" في طرحه الأسلوبي إلى تأكيد سلطان العاطفة في العملية اللغوية، وأرجع سلطان العقل إلى المستويات الخلفية، معللاً ذلك بأن الإنسان في جوهره كائن عاطفي قبل كل شيء، وأن اللغة هي الكاشف الأكبر من هذا الإنسان.‏
يسجل الدارسون أن المنحى الذي سلكته الأسلوبية وبخاصة مع "شارل بالي" كان علمياً خالصاً، أو على أقل تقدير كانت نظرتها إلى الأسلوب تندرج في إطار علمي خاص، ويؤكد ذلك ما ذكره الأسلوبيون الفرنسيون من أمثال "بيير جيرو" و"جيرار جنجمبر"؛ إذ تسعى الأسلوبية الحديثة ـ في نظر هذا الأخير ـ إلى نظرة علمية.‏
داخل هذا الإطار توسعت المدرسة الأسلوبية الفرنسية لتشمل أعمال "شارل برينو" و"مارسيل كريسو" وأخذت تعتني بوسائل المعنى المعتمدة من المبدع في إطارها اللغوي البحت؛ ثم تطورت الأسلوبية تطوراً كبيراً وسجلت قفزة نوعية في مجال الدراسات الأدبية؛ فلم تعد لغة النص غاية في ذاتها بل أصبحت وسيلة لدراسة الأدوات التعبيرية من أجل غايات أدبية أسلوبية، وبذلك تكون الأسلوبية في مفهومها النقدي هي العلم الذي يكشف عن القيم الجمالية في الأعمال الإبداعية.‏
تجلت الأسلوبية التعبيرية في النقد العربي المعاصر، في ترجمة جزء من أعمال بالي؛ إذ ضمن الباحث شكري محمد عياد كتابه "اتجاهات البحث الأسلوبي" ترجمة لفصل من كتاب "شارل بالي" "اللغة والحياة" بعنوان "علم الأسلوب وعلم اللغة العام".‏
كما نجد عزة آغا ملك في مقال لها بعنوان "الأسلوبية من خلال اللسانية" في مجلة الفكر العربي، ع: 38 قد توصلت إلى أن كلاً من: جول ماروزو، ومرسيل كريسو، وروبرت سايس، وشيفات أولمان، قد ساروا على نهج مؤسس الأسلوبية شارل بالي.‏
ومن الذين اهتموا بالأسلوبية التعبيرية في النقد العربي المعاصر إضافة إلى من سلف ذكرهم، "صلاح فضل" في مؤلفه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته" ينضاف إلى ذلك "حمادي صمود" في مؤلفه: "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة" 1988.‏
وكلهم حاول فهم الأسلوبية التعبيرية، كما جاءت من "شارل بالي" وأتباعه، بالإضافة ثم سعوا إلى تطبيق مقولاتها على اللغة العربية إبداعاً ونقداً في سياق معركة الحداثة التي تجتاح الحركة النقدية العربية المعاصرة.‏
الأسلوبية النفسية "ليو سبيتزر" [1960-1887"> Les Spityer‏
تضع الأسلوبية النفسية، الأثر الأدبي وسيلة للولوج إلى نفسية مبدعه، من خلال المعجم الإفرادي والمعجم تركيبي للغة الحاملة للخطاب القابع في النص الأدبي؛ وذلك كي يتسنى للباحثين في هذا الاتجاه الوصول إلى ذاتية الأسلوبي انطلاقاً من مضمون الرسالة ونسيجها اللغوي في إطار النص المبدع.‏
من رواد هذا الاتجاه في البحث الأسلوبي نجد الألماني "ليوسبيتزر" [1960-1887"> Les Spityer في مؤلفه: "دراسة في الأسلوب"؛ إذ يهتم بالذات المبدعة وخصوصية أسلوبها انطلاقاً من تفردها في الكتابة، حيث ((يتميز باحتفاله بخصوصية الذات الكاتبة... وآثر ذلك على خصوصية استعمالاتها الأسلوبية... ومن ثم يكاد "سبتزر" يجنح إلى تلامس واضح بين الجانب النفسي، لتلك الذات المنتجة، وبين ما أنتجته من كتابة معينة))(33) تختلف عن كتابات الآخرين. ينضاف إلى ذلك ربط "سبتزر" لفردية الذات المبدعة، وتفردها في الأسلوب، داخل وسط اجتماعي يتطور تاريخياً، كما ((يكاد يلامس كذلك المنحى الاجتماعي بحسبان تلك الذات جزءاً من شريحة اجتماعية ضخمة، وهي كذلك واحدة من سلاسل أفراد وجماعات لها روحها العام بجانب روح الذات الخاص))(34) مفردة ضمن سياقها الاجتماعي العام.‏
ينظر "سبتزر" إلى الأسلوب من خلال الذات المبدعة، وخصوصيتها الفردية في إطار سياق جماعي تاريخي يساهم في وسم الأسلوب بميزات خاصة تبعاً لما تمليه الظروف المختلفة؛ ((فالأسلوب خصوصية شخصية في التعبير والتي من خلالها تتعرف على الكاتب، وذلك من خلال عناصر متعددة تعمل على تكوين هذه الشخصية الذاتية))(35) من خلال ذوات أخرى تَحْيا جنباً إلى جنب معهم، في شكل جماعة تحكمها ظروف اجتماعية ونفسية وتاريخية خاصة.‏
تذهب الأسلوبية النفسية ـ من خلال طرحها في مقاربة النص ـ إلى أن علم الأسلوب ـ من منظورها ـ قادر على إدراك كل ما يتضمنه فعل الكلام من أساليب أصلية تتوفر على عناصر الفرادة أوجدتها طاقة خلاقة منبثقة من نفس مبدعة وتفرده في الإلقاء، وقدرته على القول، وتمكنه من التعبير وهنا ينصب جهد البحث الأسلوبي النفسي على تتبع التحولات اللغوية، التي أحدثها المبدع في خصوصيته وفرديته المتميزة انطلاقاً من دفقة شعورية يختص بها، لذلك قد تكون الأسلوبية النفسية أشبه بدراسة السير الذاتية للمبدعين والكتاب، وذلك بالاعتماد على استنطاق لغة النص وما تحمله من دلالات عديده، كما نادت بذلك اللسانيات الحديثة، والتي ولدت من رحمها الأسلوبية.‏
جنحت الأسلوبية النفسية إلى الانطباعية. والإغراق في ذوات المبدعين يظهر حالياً، مادامت تهتم بالجوانب النفسية، في إطار الجماعة بكل ظروفها التي تحيا ضمنها، جاعلة من أسلوب الكاتب في انحرافه عن السائد والمألوف، حقلاً للدراسة والبحث والتقصي.‏
لقد تجلت الأسلوبية النفسية كباقي الاتجاهات الأسلوبية الأخرى في النقد العربي المعاصر، فراح باحثونا يترجمون لأعلامها ساعين إلى فهم وكشف ما تحمله هذه الدراسات الأسلوبية النفسية المعتمدة على المبدع، المتفرد من خلال نصه، الذي لا يفهم إلا منه، ومن النقاد العرب الذين اهتموا بهذا الطرح الأسلوبي نجد:‏
ـ عزة آغا ملك في بحث لها بعنوان "منهجية ليوسبتزر في دراسة الأسلوب الأدبي" عن مجلة الفكر العربي عدد 36 – 1985.‏
ـ حمادي صمود في مؤلفه "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة" 1988.‏
ـ عبد الفتاح المصري في بحثه "أسلوبية الفرد" عن مجلة الموقف الأدبي، عدد 135 –136، دمشق 1982.‏
ـ صلاح فضل في كتابه "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته" 1985.‏
وهكذا ترجحت بحوث العرب في الأسلوبية النفسية بين الترجمة، ومحاولة الفهم والدراسة، إلى التطبيق والنقد في غالب الأحيان.‏
الأسلوبية والبنيوية: (الوظيفة).‏
تنطلق الأسلوبية البنيوية في بحثها من النص كنسق لغوي، متأثرة في أطروحاتها باللسانيات الحديثة، وبخاصة علوم: الصرف، والمعاني والتراكيب، لرصد ما يحمله النص من دلالات وإيحاءات بدءاً بمفرداته وتراكيبه المشكلة له، إذ تقارب الأسلوبية البنيوية الأسلوب من خلال النسيج اللغوي للنص، فتحدد العلائق اللغوية في مستوياتها الإفرادية والتركيبية المشكلة لنسيجها النصاني في تتابعها ومماثلتها، مهتمة بمقاربة الظواهر وما تولده من فروق تتولد في سياق الوقائع الأسلوبية ووظائفها في الخطاب الأدبي ذي الجودة العالية فنياً وجمالياً.‏
ينطلق البحث الأسلوبي البنيوي في تحليله للآثار الأدبية من خلال البنى اللغوية المشكلة لها، ومدى تناسقها وتضافرها داخلياً لتكوين ذلك الكل الشمولي المتمثل في النص، ((وليس النص الأدبي نتاجاً بسيطاً من العناصر المكونة، بل هو بنية متكاملة تحكم العلاقات بين عناصرها قوانين خاصة بها، وتعتمد صفة كل عنصر من العناصر على بنية الكل. وعلى القوانين التي تحكمه. ولا يمكن أن يكون للعنصر وجود ـ (فيزيولوجي أو سيكولوجي) ـ قبل أن يوجد الكل، وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن تعريف أي عنصر منفصل إلا من خلال علاقاته التقابلية أو التضادية مع العناصر الأخرى في إطار بنية الكل)) (36)، حينئذ يمكننا مدارسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها الحاملة لها، ومدى تفاعل الشكل المتمثل في المفردات والتراكيب في سياق نحوي ما، ناهيك عن تفاعل هذا الشكل بما تولده هذه المفردات والتراكيب والأصوات من دلالات تكتسبها ضمن علاقاتها جنباً إلى جنب لتكون النص في شكله العام.‏
تؤسس الأسلوبية البنيوية لمنهج غايته دراسة النصوص الأدبية انطلاقاً من لغتها، وما تحدثه في تجاور مفرداتها وتراكيبها، في إطار النص كنسق لغوي معزول عن كل اعتبارات تاريخية أو نفسية، لذلك لا يبحث النقاد الأسلوبيون البنيويون عن ملامح أصالة النص في محاكاته للأسيقة بكل أنواعها، بل نجد أن اهتمامهم ينصب على انسجامه النص مع نفسه، ويركزون على مقاربة وحداته التي أسست لتناميه فيبرزون جماليات مكوناته، وثراء دلالاته من خلال تناسق وانسجام أساليبه، فالنص الأدبي من هذا المنظور هو نظم لغوي يعبر عن ذاته بدءاً بانسجام مفرداته وتراكيبه، وعلاقة بعضها ببعض، ومن ثم يجب مقاربته بذاته ولذاته.‏
تركز الأسلوبية البنيوية على تناسق أجزاء النص اللغوية، ورصد مدى انسجامها علائقياً، حتى تكتسب اللغة من خلال النص صفة الأدبية زيادة على صفة الإبداعية ضمن السياق العام للغة، هذا كله ينبئ بأنها بقدر ما تهتم بالنص لذاته وبذاته، فإنها تهتم كذلك بالمتلقي كعنصر هام في تفعيل العملية الإبداعية، مادام هذا الأخير يقبل على الأثر الأدبي إذا بلغ درجة فنية راقية، تجعله يقع في نفسه موقع الاستحسان والقبول الفنيين، فيتمتع به، ويصغي إلى محمولته الدلالية، وينجذب نحو سحره الظاهر في إطار لغة فنية راقية تسمو عن التواصلية النفعية إلى التأثير الجمالي وتالياً إلى الإبداع والفن.‏
لقد كان لـ"رومان جاكبسون" الأثر الأعظم في التأسيس للتحليل الأسلوبي وبخاصة البنوي منه، إذ كان منطلقه في ذلك أن ((الأدب أبعد من المعنى، والعمل الأدبي يمثل كل طرائق الأسلوب، وأن الأسلوب هو البطل الوحيد في الأدب))(37)، ومن ثم قام بالتأسيس الأسلوبية للبنوية ذات الطرح المحايث الذي يجعل من الأسلوب الميدان الأول للبحث والمقاربة.‏
كما ركز "ميشال ريفاتير" في كتابه "مقالات في الأسلوبية البنيوية" على مقاربة المعالم الكبرى للأسلوب الفني وفقاً للطرح النقدي، مع الإدراك الواعي بما تحققه تلك المعالم من غايات وظائفية، سواء أكانت أسلوبية أم جمالية، انطلاقاً من أن النص بنية خاصة تشكل منظوراً أسلوبياً.‏
أسس هذا الطرح للتحليل الشكلاني الذي يحلل ويصنف مجموعة الأنساق التكرارية مع التركيز على ملاحظة الأداء البنائي وفق المستويات المتنوعة، مع الاهتمام بمقاربة المستوى الصوتي منه بخاصة.‏
لقد تشكل الاهتمام لدى الأسلوبية البنيوية بفن الشعر أو فن الأسلوب أكثر الاهتمام سعة وعمقاً، حتى كادت أن تعرف بدراسة الشعر دون الأجناس الأخرى؛ إلا أن هذا المدى الأسلوبي الشكلي، والذي استمد أسسه من الطابع الموضوعي المفرط في المحايثة، لم يسلم من الانتقاد المنهجي من بعض الدارسين، الذين عابوا عليه الانغماس في الطابع اللغوي الجاف متناسياً الجانب المضموني في العمل الأدبي. وهاذ ما دفع إلي بروز اتجاه آخر في الأسلوبية يركز على المناحي الانطباعية ويحاول ملامسة الجوانب الإنسانية في الأعمال الأدبية، وقد عرف بالأسلوبية الأدبية ولقي رواجاً في الدراسات الألمانية ا لتي تستند في كثير من أطروحاتها إلى الفلسفة المثالية.‏
وجد هذا الاتجاه أقلاماً نقدية عربية حاولت أن تتبنى أطروحاته وتحاول أن تؤسس لها حتى تصبح قراءة لها مجال في الممارسة النقدية العربية المعاصرة، ومن النقاد الذين سعوا إلى ذلك:‏
ـ فؤاد أبو منصور: "النقد البنيوي الحديث".‏
ـ عبد السلام المسدي: "محاولات في الأسلوبية الهيكلية".‏
ـ حمادي صمود: "الوجه والقفا في تلازم التراث والحداثة".‏
محمد العمري: "تحليل الخطاب الشعري".‏
ـ شكري محمد عياد: "اتجاهات البحث الأسلوبي".‏
ـ فؤاد زكريا: "الجذور الفلسفية للبنائية.‏
لقد ترجحت هذه البحوث بين الترجمة ومحاولات التطبيق على النصوص الأدبية العربية، وقيامهم بالنقد أحياناً.‏
4 ـ الأسلوبية الإحصائية:‏
تعتمد الأسلوبية الإحصائية، الإحصاء الرياضي مطية للدخول إلى عوالم النصوص الأدبية، دلالة منها على خصائص الخطاب الأدبي في أدواته البلاغية والجمالية إذ ((يهدف التشخيص الأسلوبي الإحصائي إلى تحقيق الوصف الإحصائي الأسلوبي للنص، لبيان ما يميزه من خصائص أسلوبية))(38) عن باقي النصوص الأخرى.‏
انصبت جهود الأسلوبيين الإحصائيين على مدارسة النصوص الإبداعية، من خلال بنياتها المشكلة لها ومراعاة عدم تكرارها، والبحث عن الصيغ والمفردات التي يركز عليها المبدع دون غيرها، وذلك للوقوف على المعجم الإفرادي والتركيبي والإيقاعي للمبدع ذاته، كما سعت إلى تبيان خصائص اللغة التي اعتمدها الكاتب محاولة منها لتأكيد أن المقاربة الإحصائية للأسلوب يقصد منها تمييز الملامح اللغوية للنص، وذلك من خلال إبراز معدلات تكرار مختلف المعاجم، سواء أكانت إفرادية أم تركيبية أم إيقاعية ونسب هذا التكرار، ولهذا النمط من المقاربة أهمية خاصة في تشخيص الاستعمال اللغوي عند المبدع، وإظهار الفروق اللغوية بينه وبين مبدع آخر، مع ذكر العلل والأسباب إلى حد ما.‏
ومن رواد المنهج الأسلوبي الإحصائي في الغرب يمكن أن نقتصر على الأسماء الآتية:‏
ـ برنلد شبلز في مؤلفه "علم اللغة والدراسات الأدبية، دراسة الأسلوب والبلاغة".‏
ـ كراهم هاف: "الأسلوب والأسلوبية".‏
ـ جون كوهن: "بنية اللغة الشعرية".‏
كما نجد تجلي الأسلوبية الإحصائية واضحاً في النقد العربي المعاصر، حيث تركز بين الترجمة والنقد ومحاولات التطبيق على النصوص الإبداعية العربية، ومن النقاد العرب الأسلوبيين الذين برزوا في هذا الاتجاه:‏
ـ محمد الهادي الطرابلسي "في منهجية الدراسة الأسلوبية"، مجلة الجامعة التونسية نوفمبر 1983.‏
ـ سعد مصلوح "الأسلوب دراسة لغوية إحصائية"، و"الدراسة الإحصائية للأسلوب، بحث في المفهوم والأجزاء والوظيفة" عالم الفكر العدد 03 أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 1989.‏
ـ صلاح فضل "علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته".‏
ـ محمد العمري "تحليل الخطاب الشعري".‏
نخلص في ختام هذا البحث إلى أن البلاغيين العرب الأوائل كانوا ينظرون إلى الأسلوب من خلال سمات القوة والتناسق والجمال، مراعين في ذلك ما يقتضي الحال ا لذي يكون عليه المخاطب، أما بالنسبة للمخاطَب فيشترطون فيه إلمامه بعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان وعروض. يشكل هذا لديهم إجماعاً وقلما نجد من أضاف إليه جديداً في مفهوم الأسلوب، مع استثناء "الجرجاني" في نظرية النظم، و"ابن خلدون" في تحديده للأسلوب على أنه صورة ذهنية، وربما نلمس أيضاً توافقهم في جعل الأسلوب توفيقاً بين أطراف الكلام.‏
لم يخرج كثير من النقاد في مطلع القرن الماضي عن مفهوم أسلافهم بشكل عام إلا أنهم طعموه بنصيب من الثقافة الأدبية والنقدية الأوروبية الحديثة وكان أبرزهم "أحمد أمين" و"أحمد حسن الزيات" ولعل الجدير بالإشارة اهتمامُهم بنظرية "بوفون" في الأسلوب وبخاصة في مجال تجسيد الأسلوب للطبيعة والنفس البشرية.‏
وتشكل نظرة الأسلوبيين للأسلوب فتحاً مهماً للدراسات النقدية، وذلك انطلاقاً من نظرتهم إلى الأسلوب على أنه انحراف عن المعيار المألوف والمتداول في نظم الكلام الإبداعي، ومن ثم تبقى الأسلوبية المنهج النقدي الذي بوسعه ـ إلى حد ما ـ رصد مكامن الفنية والجمال في النصوص الإبداعية، انطلاقاً من اللغة الحاملة لها، من خلال ماتوفره هذه اللغة من انحرافات فنية محمودة، تجعل منها الأسلوبية حقلاً لدرسها، سعياً إلى فهم النصوص الإبداعية، وبجنوح الأسلوبية إلى الوصف العلمي الذي يبغي الابتعاد عن استصدار الأحكام التقييمية، استطاعت الساحة النقدية الحديثة محاولة الإعراض عن البلاغة وما وقعت فيه في مدارسة الأسلوب، وماكان لها ذلك لولا سيرها على نهج لسانيات دي سوسير، وما نادت به من ضرورة دراسة اللغة لذاتها وبذاتها، وإقصاء السياقات الخارجية، وحينئذٍ حققت الدراسات الأسلوبية نقلة نوعية في تعاملها مع الأسلوب بالوقوف عندما تحققه لغته من انزياحات لغوية.‏
المصادر والمراجع‏
1 ـ الأسلوبية والأسلوب/ عبد السلام المسدي، تونس: الدار العربية لكتاب، ط2، 1982م.‏
2 ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً/ محمد عزام، دمشق: وزارة الثقافة السورية، ط1، 1989م.‏
3 ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب/ نور الدين السدّ، الجزائر: دار هومة، ط1، 1997م.‏
4 ـ البحث الأسلوبي: معاصرة وتراث/ رجاء عيد، الاسكندرية: دار المعارف، ط1، 1993م.‏
5 ـ البلاغة والأسلوبية/ محمد عبد المطلب، مصر: الهيئة العامة للكتاب، ط1، 1984م.‏
6 ـ بنية اللغة الشعرية/ جون كوهن، ترجمة محمد الوالي ومحمد العمري، الدار البيضاء: دار توبقال، ط1، 1986م.‏
7 ـ تاج العروس/ الزبيدي، بنغازي: دار ليبيا للنشر والتوزيع.‏
8 ـ حول الأسلوبية الإحصائية/ محمد عبد العزيز الوافي، مجلة علامات، مج11، ج42، ديسمبر 2001م.‏
9 ـ دلائل الإعجاز/ الجرجاني، بيروت: دار الكتب العلمية.‏
10 ـ شفرات النص: دراسة سيميولوجية/ د.صلاح فضل، بيروت: دار الآداب، ط1، 1999م.‏
11 ـ عيار الشعر/ ابن طباطبا، تحقيق عباس عبد الستار، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1983م.‏
12 ـ القاموس المحيط/ الفيروز أبادي ، بيروت: المؤسسة العربية للطباعة والنشر.‏
13 ـ لمن النص اليوم، للكاتب أم للقارئ؟/ حسن غزالة، مجلة علامات، عدد 392، مج10، مارس 2001م.‏
14 ـ مختار الصحاح/ الرازي، بيروت: مكتبة لبنان، 1988م.‏
15 ـ المقدمة/ ابن خلدون، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1967م.‏
16- G.Gengembre. Les Grands Courants Littéraire.‏
* أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة سيدي بلعباس ـ الجزائر.‏
(1) ـ تاج العروس / الزبيدي ـ 1/ 302.‏
(2) ـ القاموس المحيط / الفيروز أبادي ـ 1/ 86.‏
(3) ـ مختار الصحاح / الرازي ، ص130.‏
(4) ـ عيار الشعر/ ابن طباطبا، ص 11.‏
(5) ـ المرجع السابق، ص11.‏
(6) ـ نفسه، ص11.‏
(7) ـ دلائل الإعجاز/ عبد القاهر الجرجاني، ص64.‏
(8) ـ المرجع السابق.‏
(9) ـ مقدمة ابن خلدون، ص 352.‏
(10)ـ المرجع السابق، ص 353، 354.‏
(11) ـ البلاغة والأسلوب/ محمد عبد المطلب، ص 130.‏
(12) ـ الأسلوبية والأسلوب/عبد السلام المسدي، ص20.‏
(13) ـ ينظر لمن النص اليوم للكاتب أم القارئ/ حسن غزالة، مجلة علامات، ع: 392، مج10، مارس/2001، ص 130 ـ 132.‏
(14) ـ البلاغة والأسلوبية ، مرجع سابق، ص268.‏
(15) ـ البحث الأسلوبي معاصرة وتراث/ رجاء عيد/ دار المعارف، مصر، ط01/ 1993، ص25.‏
(16) ـ المرجع السابق، ص 55.‏
(17) ـ الأسلوب والأسلوبية، مرجع سابق، ص51.‏
(18) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 268.‏
(19) ـ البحث الأسلوبي، ص33.‏
(20) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 129.‏
(21) ـ شفرات النص: دراسة سيميولوجية في شعرية القصد والقصيد/ صلاح فضل، دار الآداب، بيروت، ط1/1999، ص 80.‏
(22) ـ البحث الأسلوبي معاصرة وتراث، ص 120.‏
(23) ـ البلاغة والأسلوبية، ص 101.‏
(24) ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب/ نور الدين السدّ، ص169.‏
(25) ـ البحث الأسلوبي، ص 49.‏
(26) ـ بنية اللغة الشعرية، جون كوهن، تر: محمد الوالي ومحمد العمري، ص 15.‏
(27) ـ المرجع السابق، ص 101.‏
(28) ـ الأسلوبية وتحليل الخطاب، ص 60.‏
(29) ـ المرجع السابق، ص 64.‏
(30) ـ البحث الأسلوبي، ص 31.‏
(31) ـ G.Gengembre.Les Grands Courants Littéraire. P:40.‏
(32) ـ Idemp:40.‏
(33) ـ البحث الأسلوبي ، ص 52 –53.‏
(34) ـ المرجع السابق، ص 53.‏
(35) ـ نفسه، ص 126.‏
(36) ـ الأسلوبية منهجاً نقدياً/ محمد عزام، ص 110.‏
(37) ـ البحث الأسلوبي، ص 48.‏
(38) ـ حول الأسلوبية الإحصائية، محمد عبد العزيز الوافي/ مجلة علامات/ج42/مج11/ديسمبر 2001، ص122.‏

الأسلوب بين النقد القديم والحداثة


حظي الدرس البلاغي عند العرب بكثير من الاهتمام، وذلك لأن (البلاغة) كانت تحمل منذ نشأتها بذور العبقرية العربية في جلالها وقدرتها على استكشاف مواطن النفس الإنسانية حين تقول فتجيد، وحين تتلقى فتحسن التلقي، وحين تكتب فتبدع فتحسن الإبداع، وقد أدرك العرب قيمة الدرس البلاغي من حيث كشفه عن أسرار بنية الخطاب وأثره في المتلقي، وقدرة الكلمة على التأثير والتعبير باعتبار أن البلاغة هي إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ على حد وصف الرماني في رسائله في إعجاز القرآن.‏
والأسلوب من أمهات القضايا البلاغية العربية التي تجسدت من خلال درسها مدى قدرة البلاغي العربي القديم على التفطن لسرّ جمالية الخطاب سواء أكان شعراً أم نثراً، فربط الدرس البلاغي في نظرته إلى الأسلوب بين النحو من حيث هو درس لآليات ومكونات الجملة العربية وبين توليده للدلالة داخل النص، وبذلك تجاوز الكثير من الأطروحات البلاغية التي سبقته، من مثل إشكالية اللفظ والمعنى، وأيهما الأساس في تشكيل جمالية الفضاء في الخطاب؟..‏
الأسلوب في التراث البلاغي العربي:‏
احتفى الدرس العربي منذ القرن الثاني الهجري بدراسة الأسلوب في مباحث الإعجاز القرآني التي استدعت ـ بالضرورة ـ ممن تعرضوا للتفسير أن يتفهموا مدلول لفظة "أسلوب" عند البحث الموازن بين أسلوب القرآن الكريم وغيره من أساليب الكلام العربي، متخذين ذلك وسيلة لإثبات ظاهرة الإعجاز للقرآن الكريم.‏
لقد كان لعلماء متقدمين كأبي عبيدة (ـ 210هـ) والأخفش سعيد بن مسعدة (ـ207هـ) والفراء (ـ 208 هـ) الجهد الكبير في إثراء مفهوم الأسلوب في الشعر وجلاء أشكاله، رغم تباين الأهداف التي سعوا إليها، بين بلاغة الخطاب القرآني وإعجازه أو دفع طعون الملحدين في القرآن وعربيته.‏
وإذا التفتنا إلى المعجميين فإننا نجدهم يعرّفون الأسلوب بالطريقة والفن، فالزبيدي يعرف الأسلوب بـ((السطر من النخيل و"الطريق" يأخذ فيه، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب: الوجه والمذهب، يقال هم في أسلوب سوء، ويجمع على أساليب، وقد سلك أسلوبه: طريقته وكلامه على أساليب حسنة، والأسلوب بالضم "الفن"، يقال أخذ فلان في أساليب من القول أي أفانين منه))(1)، ويذهب الفيروز أبادي نفس المذهب إلى أن ((الأسلوب الطريق))(2)، وينعته الرازي بـ ((الفن))(3).‏
أما إذا بحثنا في مفهوم الأسلوب عند البلاغيين فإننا نجد ابن طباطبا العلوي (ـ 322هـ) من الأوائل الذين التمسوا للأسلوب مفهوماً رغم عدم تسميته لفظاً بالأسلوب؛ حيث نجده يشير إلى ذلك عند حديثه عن طريقة الشاعر إذا رغب النظم، فمخاض ((المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه فكره نثراً، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه. فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته، وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه بل يتعلق كل بيت يتفق نظمه، على تفاوت مابينه وبين ما قبله. فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات وفق بينها بأبيات تكون نظماً لها وسلكاً جامعاً لما تشتت منها))(4)، ومن ثم نجد أن الأسلوب هو أساس صناعة الشعر، يجمع بين الرؤية التي يمتلكها الشاعر والاحتراف اللغوي والإيقاعي والجمالي، يتأمل المبدع من خلاله ((ما أداه إليه طبعه ونتجه إليه فكره، يستقصي انتقاده، ويروم ما وهى منه))(5)، وبذلك يؤدي رسالته مراعياً رؤيته وأفق انتظار المتلقي.‏
إن مفهوم الأسلوب الجيد القائم على أصول فنية كالمطابقة بين اللفظ والمعنى ابتداءً والتوفيق بين القوافي والأبيات انتهاء قائم من اهتمام ابن طباطبا بخصائص نظم الشعر، لأن شأن الشاعر ـ في اعتقاد ابن طباطبا ـ كشأن ((النساج الحاذق الذي يوفق وشيه بأحسن التوفيق ويسديه وينيره))(6) حتى يجلي نظمه في أحسن حلة، ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق في صناعة الأسلوب والتحكم في آلياته.‏
وإلى جانب اهتمام ابن طباطبا بخاصية التلاؤم بين مواد الشعر يؤكد كذلك خاصية الصدق في التجربة الشعرية، ولا يكون ذلك على مستوى المبدع بل تتعداها إلى المتلقي الذي يتأثر لما يتلقاه مما قد عهده طبعه وقبلته مداركه، فيثار بذلك ماكان دفيناً، ويتجلى ماكان مكنوناً.‏
وليس هذا فحسب، بل الصدق يتجسد ـ كذلك ـ على مستوى ثالث يشترط فيه موافقة تجربة السامعين، إذ يوظف الشاعر تجاربهم في أشكال صور استعارية، وقد لخص ابن طباطبا هذه الخاصية الأسلوبية في جملة تدعو الشاعر لأن يعتمد الصدق والإصابة في تركيب الصور ونسجها ولا يتأتى له ذلك إلا بالحذق في تنويع نسوج أساليبه.‏
لا يقف ابن طباطبا عند الصدق في ضبطه لخصائص الأسلوب، بل يؤكد ضرورة المراجعة والانتقاد لما نسجه الشاعر، فيغير كلمة نابية بأخرى مألوفة، ويغير بكل لفظة مستهجنة لفظة مألوفة نقية، ساعياً لغاية الوضوح؛ لأن منتهى الشاعر أن يستوعب السامع فكرته، وتالياً يجد ما يصبو إليه من تأثير في المتلقي استدراجاً له.‏
إن المتأمل في نظرة ابن طباطبا إلى الأسلوب يجد أنها لا تقوم على أصل واحد متفرد كاللفظ و المعنى، بل يرى ((أن الأسلوب ليس المعنى وحده واللفظ وحده، وإنما هو مركب فني من عناصر مختلفة يستمدها الفنان من ذهنه ومن نفسه ومن ذوقه. تلك العناصر هي الأفكار، والصور والعواطف، ثم الألفاظ المركبة والمحسنات المختلفة))، ومن ثم فالأسلوب في النص هو الأساس في نسج بنيته عبر جميع مستوياتها.‏
تتعمق النظرة إلى الأسلوب في التراث البلاغي مع أطروحات عبد القاهر الجرجاني (ـ 471هـ)؛ إذ نجده يساوي بين الأسلوب والنظم، لأن الأسلوب عنده لا ينفصل عن رؤيته للنظم، بل نجده يماثل بينهما من حيث أنهما يشكلان تنوعاً لغوياً خاصاً بكل مبدع يصدر عن وعي واختيار، ومن ثم يذهب عبد القاهر إلى أن الأسلوب ضرب من النظم وطريقة فيه.‏
إذا كان الأسلوب ـ كذلك ـ يجب أن يتوخى فيه المبدع اللفظ لمقتضى التفرد الذاتيّ في انتقاء اللغة عن وعي وذلك بمراعاة حال المخاطب، فإن الجرجاني قد أضاف أصلاً أصيلاً إلى نظرية الأسلوب في البلاغة العربية القديمة، إذ جعل الأسلوب يقوم على الأصول العربية وقواعدها، فالنظم يمتنع معنى إذا لم ينضبط بالنحو، وذلك ما أسس له الجرجاني في دلائل الإعجاز بقوله: ((واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت، فلا تزيغ منها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك، فلا تخل بشيء منها))(7)، وبذلك جعل عبد القاهر الجرجاني من النحو قاعدة لكل نظم، لا باعتباره أداة أسلوب ينتظم بها التركيب في نسقه الإعرابي العام، وإنما جعل منه ـ كذلك ـ مستفتحاً لما استغلق من المعنى؛ إذ الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب مفتاحاً لها، و((أن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه؛ والمقياس الذي لا يعرف صحيحاً من سقيم حتى يرجع إليه ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه))(8)، فإذا أدرك المبدع ذلك استقام له الأسلوب وأتاه أنى شاء.‏
وإذا كان عبد القاهر الجرجاني قد أكد ضرورة التزام النحو في مفهوم النظم، فإنه قد تشدد في ضرورة النسج على طريقة مخصوصة تميز شاعراً عن شاعر آخر، وبذلك نجد أن عبد القاهر الجرجاني يميز الأسلوب بتميز صاحبه في نظمه عن غيره من أهل النظم والأدب، ومن ثم نلاحظ أن هذه النظرة لا تخرج عن نظريته في النظم التي يؤكد فيها التزام معاني النحو في التأليف، وذلك من خلال تأكيد توفر محاسن الكلام في ترتيب المعاني في النفس بطريقة خاصة؛ وحسب مقتضى الحال حتى يحصل التجانس.‏
إن مفهوم الإعراب عند الجرجاني لا ينتهي فيه إلى مفهوم الموقع من الجملة أو نسبته من الجملة من سابقه أو لا حقه رفعاً أو نصباً أو جراً، وإنما يتعداه إلى المفهوم الدلالي الذي تقتضيه فصاحة المخاطب ونباهة البليغ، ومن ثم نجده لا يقف في نظرته إلى الإعراب عند المظاهر الشكلية التي أسس لها الإعراب لاحقاً في الاهتمام بالقواعد الإعرابية، بل ينظر إلى الإعراب لا على أنه علم يحذق فيه صاحبه علم الحركات، بل على أنه علم يقصد فيه التأسيس لفهم يساعد على إدراك معنى المعنى.‏
لا شك في أن قيام النظم عند الجرجاني بتوخي معاني النحو يوجب حضوراً عقلياً واستعمالاً منطقياً للغة؛ ولهذا يقوم الإبداع عنده على جملة من المراحل الواعية، ينتظمها الأسلوب الفني بدءاً من الذهن وتصوراته في المعنى والمبنى، إلى مرحلة مخاطبة المتلقي، وهنا يلزم أن يراعي الشاعر حالة المخاطب لأن النظم يقوم على الروية والتفكير، وهذا انطلاقاً من الرؤية المؤسسة على أن النظم يقوم أولاً على استحضار الفكرة أولاً، ثم التمثل والنطق ثانياً، والاعتبار يكون بحال واضع للكلام.‏
فالترتيب الذهني والإخراج الفني المراعي لمقتضى الحال من دواعي قوة الأسلوب، ورصانته وبلاغته وجزالته، وليس الشأن في اللفظ حَسُنَ أو قَبُحَ، بل مفاضلة بين الألفاظ خارج سياق الكلام، وهذا ما جنح إليه الجرجاني، ولعله ـ هنا ـ خالف سابقيه المعتقدين بفصاحة اللفظة المفردة وجمالها، وسبقَ لاحقيه وبخاصة الطرح الألسني البُنوي المعاصر، الذي يذهب إلى الاعتقاد بأن جمال اللفظة لا يكون إلا في نظامها، وبذلك يتجلى لنا طرح الجرجاني وهو يناقش مسألة النظم في أن الأسلوب يقوم على توخي معاني النحو، لأننا في طلبها نطلب الجمال في الأسلوب والتفرد في الصياغة والقوة في الصناعة.‏
إن إخضاع مفهوم الأسلوب لمعاني النحو فهمٌ شاع في التراث البلاغي العربي بعد الجرجاني، لكننا نجد أن عبد الرحمن بن خلدون (ـ 808 هـ) لم يؤصل الأسلوب على معاني النحو فقط، وإنما جعل النحو والبلاغة والعروض علوم آلات تغذي سلوك الأسلوب كما يسميه، وهو طرح لا يجانب كثيراً طرح الجرجاني ولكنه يمتح من معين التقعيد الذي وقعت فيه العلوم اللغوية على زمانه. لقد تبيّن لابن خلدون أن الأسلوب عند أهل الصناعة ((عبارة عن المنوال الذي تنسج فيه التراكيب أو القوالب التي يفرغ فيها، ولا يرجع على الكلام باعتبار إفادته كمال المعنى الذي هو وظيفة البلاغة والبيان؛ ولا باعتباره الوزن كما استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض. فهذه العلوم الثلاثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية))(9)، التي تتعدى معرفة العلوم المذكورة؛ ولا تقوم الشاعرية عند الشاعر بإدراك هذه العلوم، فكم من شاعر لا يحيط بها إحاطة كاملة، وكم من محيط بهذه الأدوات وليس بشاعر، فالفرق بين عالم البلاغة والشاعر المبدع بيّن؛ ولكنها ـ بالرغم من ذلك كله ـ تؤسس لمشروع شاعر امتلك الملكة التي تطبع ذوقه من خلال التعمق في معارفها والتمرن على أساليب هذه العلوم قراءة وحفظاً.‏
إن هذا الطرح الذي يعالج من خلاله ابن خلدون مسألة الأسلوب يجعلنا نطرح التساؤل التالي: إذا كانت الصناعة الشعرية خارجة عن العلوم الثلاثة فما وظيفتها؟ وبخاصة إذا علمنا أنها الأساس في صناعة الأسلوب، بل ما الأسلوب ـ أصلاً ـ عند ابن خلدون؟.‏
يؤكد ابن خلدون في مقدمته أن الوظيفة الشعرية أو الصناعة الشعرية ـ كما يقول ـ ((ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة باعتبار انطباقها على تركيب خاص، وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وأشخاصها ويصيرها في الخيال كالقالب أو المنوال، ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار الإعراب والبناء، فيرصها فيه رصاً كما يفعله البناء في القالب أو النساج في المنوال حتى يتسع القالب بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلام))(10)، وبذلك ندرك أن ابن خلدون يذهب إلى أن وظيفة الأساليب الشعرية هي استيعاب العلوم إدراكاً، ثم انتقاء منها ما يناسب التركيب الخاص بالشاعر والصور الذهنية التي يحملها وهل هي متسعة لوظائف القدرات اللغوية والإبداعية.‏
إن الأسلوب حسب تصور ابن خلدون صورة ذهنية تغمر النفس وتطبع الذوق الأساس فيها الدربة النابعة عن قراءة النصوص الإبداعية المتفردة ذات البعد الجمالي الأصيل، وبمثل ذلك تتكون وتتألف التراكيب التي تعودنا على نعتها بالأسلوب؛ وإذا كانت التراكيب التي يكون الأساس الأول فيها اللغة هي الأداة المثلى للتشكيل الصورة الذهنية "الأسلوب" فإن الوظيفة الشعرية للأسلوب تجمل في تحقيق التجانس بين مختلف التراكيب المنتظمة في بنية أساسها اللغة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوفيق بين التراكيب النحوية والبلاغية من ناحية والذوق من ناحية أخرى، وبذلك نلاحظ قرب مذهب ابن خلدون في مناقشة مسألة الأسلوب من الأسلوبيين المعاصرين الذين يعرفون الأسلوب على أنه ((إسقاط محور الاختيار على محور التوزيع))(11)، لتجسيد مبدأ التركيب والانزياح.‏
إن الملاحظ من خلال هذا الرصد المركز لمفهوم الأسلوب في التراث البلاغي العربي القديم أن هناك تبايناً بين الأطروحات التي تبناها كل علم من هؤلاء الأعلام الثلاثة، فابن طباطبا ربط مفهوم الأسلوب بصفة مناسبة الكلام بعضه لبعض، باعتبار أن الأسلوب داخل النص الشعري يتحقق إذا كملت له المعاني، وانسجمت الأبيات ووفق بينها بأبيات تكون نظاماً لها وسلكاً لما تشتت منها، أما الجرجاني فقد أخضع الكلام لعلم النحو، حتى يحقق صفة النظم لأن النظم هو أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو، بينما نجد أن ابن خلدون جعل الأسلوب صورة ذهنية مهمتها مطابقة التراكيب المنتظمة على التركيب الخاص، لأن الصناعة الشعرية التي هي بمعنى الأسلوب ترجع إلى صورة ذهنية للتراكيب المنتظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص. لكن رغم هذا التباين في الأطروحات التي تبناها كل علم في مقاربته لمفهوم الأسلوب فإننا نجد أنهم قد أجمعوا على أن الأسلوب توفيق بين أطراف الكلام، سواء أكان ذلك بالملاءمة في الأسلوب أم بتوخي معاني النحو.‏
الأسلوب عند الحداثيين:‏
يذهب جلّ الباحثين والمهتمين بحقلي النقد والدراسات الأدبية، إلى القول إن للسانيات (دي سوسير) الأثر الكبير في نشأة المناهج النقدية النسقية، وانتهاجها الوصف والتحليل في مقاربة النصوص الأدبية، وتركها المعيارية واستصدار الأحكام النابعة ـ في الغالب ـ من تأثير السياقات الخارجية على النقاد، سواء أكانت هذه السياقات تاريخية أم اجتماعية أم نفسية أم أنتروبولوجية.‏
هذه النقلة النوعية في التعامل مع النصوص الأدبية والتي جاءت والنقد النسقي، تجلت بوضوح مع مطلع القرن العشرين في شتى المناهج النقدية المعاصرة.‏
الأسلوب STYLE سابق عن الأسلوبية stylistique في الظهور إذ ارتبط بالبلاغة منذ القديم في حين انبثقت الأسلوبية إثر الثورة التي أحدثتها لسانيات دي سوسير مطلعَ القرن العشرين، في مجال الدرس اللغوي ومدى تأثيره فيما بعد في الدراسات النقدية والأدبية إذ يعد مفهوم الأسلوبية ـ كما هو معروف ـ وليد القرن العشرين وقد التصق بالدراسات اللغوية وهو بذلك قد انتقل عن مفهوم "الأسلوب" السابق في النشأة منذ قرون، والذي كان لصيقاً بالدراسات البلاغية، ومن الممكن القول إن الأسلوب مهاد طبيعي للأسلوبية، فهو يقوم على مبدأ الانتقاء والاختيار للمادة الأدائية التي تقوم ـ في الخطوة التالية ـ الدراسات الأسلوبية بمهمة تحليلها من الناحية الأسلوبية المحضة؛ وتصنيفها حسب جماليتها الفنية؛ باتخاذها لغة الخطاب حقلاً للدراسة والاستقراء منها وبها تلج إلى عوالم النص لاستنطاقه وسبر أغواره.‏
تبحث الأسلوبية عن الخصائص الفنية الجمالية التي تميز النص عن آخر، أو الكاتب عن كاتب آخر، من خلال اللغة التي يحملَّها خلجات نفسه، وخواطر وجدانه، قياساً على هذه الأمور مجتمعة، تظهر الميزات الفنية للإبداع، إذ منها نستطيع تمييز إبداع عن إبداع انطلاقاً من لغته الحاملة له بكل بساطة؛ ومن ثم فالأسلوبية تحاول الإجابة عن السؤال: كيف يكتب الكاتب نصاً من خلال اللغة؟ إذ بها ومنها يتأتى للقارئ استحسان النص أو استهجانه، كما يتأتى له أيضاً الوقوف على مافي النص من جاذبية فنية تسمو بالنص إلى مصاف الأعمال الفنية الخالدة.والأسلوبية من المناهج التي تبنت الطرح النسقي انطلاقاً من مؤسسها شارل بالي، ((فمنذ سنة 1902 كدنا نجزم مع شارل بالي أن علم الأسلوب قد تأسست قواعده النهائية مثلما أرسى أستاذه ف.دي.سوسير أصول اللسانيات الحديثة))(12)، ووضع قواعدها المبدئية، حينها غيرت الدراسات النقدية نمط تعاملها مع الآثار الأدبية، باعتمادها النسق المغلق المتمثل في النص، واستقرائه من خلال لغته الحاملة له، وإبعادها كل ماله صلة بالسياقات وإصدار الأحكام المعيارية.‏
إن الأسلوبية بشكل عام منهج يدرس النص ويقرؤه من خلال لغته وما تعرضه من خيارات أسلوبية على شتى مستوياتها: نحوياً، ولفظياً، وصوتياً، وشكلياً، وما تفرده من وظائف ومضامين ومدلولات وقراءات أسلوبية لا يمت المؤلف بصلبه مباشرة لها على أقل تقدير(13) إذا نحن وضعنا في الحسبان أن المناهج النسقية تزيح السياقات في مقاربتها لنصوص الإبداعية.‏
تترصد الأسلوبية مكامن الجمال والفنية في الآثار الأدبية وما تحدثه من تأثيرات شتى في نفس القارئ، لما تسمو هذه الآثار عن اللغة النفعية المباشرة، إلى لغة إبداعية غير مباشرة، فنية وأكثر إيحاء وتلميحاً، هذا يحدد مجال الدراسة الأسلوبية، بينما يبقى ((الأسلوب الوسيلة بيانية للكتابة تتحقق على المستوى الفردي، كما تتحقق على المستوى الجماعي بل وتتمايز المراحل التاريخية للفرد أو العصر))(14) من منطقة إلى منطقة أخرى حسب تركيبتها الثقافية والاجتماعية والفكرية.‏
وتسعى الأسلوبية كمنهج نسَقي دوماً إلى محاولة مدارسة أساليب الكتاب اللغوي، ومدى تمايزها من خلال قدرة كل كاتب على التمايز في توظيف معجمه الفني من جهة، ومن جهة ثانية مدى استطاعته التأثير في المتلقي عبر اللغة، حينها تكون هاته اللغة تحقق انزياحات بشتى أنواعها سواء أكانت معجمية، أو دلالية، أو نحوية، أو عرفية، أو صوتية.‏
قد لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا إن الأسلوبية مجال درسها الأسلوب، كظاهرة لغوية فنية، تسعى جاهدة إلى الوقوف على نسبية اختلافها من كاتب إلى كاتب، "وبصورة مجملة فإن البحث الأسلوبي إنما يعني بتلك الملامح أو السمات المتميزة في تكوينات العمل الأدبي وبواسطتها يكتسب تميزه الفردي أو قيمه الفنية، بصفته نتاجاً إبداعياً لفرد بعينه، أو ما يتجاوزه إلى تحديد سمات معينة لجنس أدبي بعينه"(15) دون سواه من الأجناس الأدبية الأخرى.‏
انطلاقاً من الجدل القائم بين مصطلحي الأسلوبية والذي أعرضنا عن الخوض فيه، سعياً إلى مباشرة للأسلوبية كمنهج نسقي يقارب النصوص الأدبية من خلال اللغة الحاملة لها، يمكننا أن نخلص إلى أن الأسلوبية كمنهج نقدي غايته مقاربة النصوص في سياقها اللغوي المتمثل في النص، ومدى تأثيره في القراء، فيجعل من الأسلوب مادة لدراسته، حينها نجد أن هذا الأخير يكون حقلاً خصباً تجد فيه الأسلوبية ضالتها درساً وتطبيقاً.‏
الأسلوبية واللغة:‏
تعرف اللغة بأنها مؤسسة اجتماعية تدرس تزامنياً، كما نادى بذلك دي سوسير في محاضراته، وهي مؤسسة اجتماعية لأنها تبحث في لغة جماعة ما، لها خصائصها المختلفة عن جماعة أخرى، في الزمان والمكان.‏
يقف البحث اللغوي الحديث عند اللغة في شموليّتها، أي في تداولها بين فئة اجتماعية معينة، ليضع لها قواعد صارمة لا يجب الخروج عنها أو تجاوزها، دون تطرقه للغة الفرد من خلال هذه الجماعة، فهذا الأخير في إبداعاته يقوم بتشويه اللغة، بحملها من المألوف إلى المألوف، ولن يكون له ذلك إلا بخرقه لهذه القواعد خرقاً فنياً جمالياً نابعاً من اللغة ذاتها،وهذا ما دأبت على مدارسته الأسلوبية بشتى اتجاهاتها، حيث تبقى أقل شمولية من البحث اللغوية الصرفة، مادامت تجنح إلى الانتهاكات الفردية للغة ومحاولة تعليل ذلك من مستويات ثلاثة: الكاتب، النص والقارئ، كل حسب دوره في عملية التلقي ووظيفته التواصلية. رصداً للقيم التزينية والفنية. وبذلك يتخذ ((الدرس اللغوي مساره تجاه الأصوات ـ المفردات ـ التركيبات وما يتصل بذلك، محدداً هدفه نحو دراسة تلك العناصر، وما يتميز به من خواص معينة، بينما تجعل "الأسلوبية" وجهتها دراسة العلاقات بين تلك العناصر السابقة، ودرجة تمازجها ومدى علاقاتها ومسافة توزعها، ثم يكون ذلك لهدف تال، وهو استشفاف القيم الفنية والجمالية من خلال ذلك التوجه الخاص للظاهرة اللغوية))(16)، وتفردها عن ظواهر لغوية أخرى في إبداعات فنية لكتاب آخرين.‏
مما سلف ذكره، يمكننا أن نبقى على مجال البحوث اللغوية في مدارستها للألفاظ والتراكيب، صوتياً، معجمياً، نحوياً، صرفياً، لتأتي البحوث الأسلوبية لرصد العلاقات الكامنة وراء النسيج اللغوي، والعلل الباعثة له من خلال اختلافه عن نسيج لغوي آخر، سعياً وراء كشف الفنية والجمالية في الظاهرة اللغوية، ذات النمط الخاص ضمن الإبداعات الفنية المختلفة شعرية كانت أو سردية.‏
الأسلوبية واللسانيات:‏
بدأت الدراسات اللغوية تأخذ الصبغة العلمية الوصفية بعيداً عن المعيارية الحكمية، ومع مجيء لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ومناداتها بدراسة اللغة تزامنياً، دراسة علمية وصفية، تقصي من غاياتها الاحتكام إلى المعايير واستصدار الأحكام القطعية، ينضاف إلى ذلك إقصاء الدراسة التعاقبية التاريخية للغة، وعلى هذا النهج، ومن هذا الرحم اللساني المحض نهلت الدراسة طريقة تعاملها مع اللغة من خلال النصوص، ((فإذا كانت لسانيات دي سوسير قد أنجبت أسلوبية بالي، فإن هذه اللسانيات نفسها قد ولدت البنيوية التي احتكت بالنقد الأدبي فأخصبا معاً "شعرية" جاكبسون، و"إنشائية" تودوروف، و"أسلوبية" ريفاتير. ولئن اعتمدت كل هذه المدارس على رصيد لساني من المعارف، فإن الإسلوبية معها قد تبوأت منزلة المعرفة المختصة بذاتها أصولاً ومناهج))(17)، ما دامت ـ في رأينا ـ أخصب المناهج وأقربها إلى الدراسات اللغوية الحديثة المعتمدة الوصف العلمي منهجاً.‏
أخذت الأسلوبية من اللسانيات الصفة العلمية الوصفية في الدراسة اللغة، غير أنها درست الخطاب ككل، وما يتركه هذا الخطاب من أثر في نفس المتلقي، في حين نجد أن اللسانيات قد اتجهت إلى دراسة الجملة بالتنظير واستنباط القواعد التي تستقيم بها، والقوانين التي من خلالها تكتسب طابع العلمية.‏
زودت اللسانيات المنهج الأسلوبي بطابع العلمية الوصفية في دراسة النصوص من خلال لغتها، وبذلك جعلت منه منهجاً علمياً وصفياً ينأى عن الدراسة المعيارية الحكمية، التي وقعت فيها البلاغة القديمة مما ولد عقمها وجمودها.‏
البلاغة والأسلوبية:‏
اهتمت البلاغة بدراسة الخطاب دراسة جزئية تقوم على المعيارية واستصدار الأحكام التقييمية، متبعة في ذلك مبدأي التخطئة والتصويب، بناء على تفضيلها للشكل على المضمون مما جعلها في النهاية تصاب بالعقم، في استنطاق النصوص إلى حد ما.‏
ومع ظهور لسانيات دي سوسير في مطلع القرن العشرين، ودعوته إلى الدراسة العلمية الوصفية التزامنية للغة، ظهرت على أنقاضها الأسلوبية كمنهج بديل، مادامت هذه الأخيرة ((كعلم جديد نسبياً، حاولت تجنب المزالق التي وقعت فيها البلاغة القديمة من حيث إغراقها في الشكلية، ومن حيث اقتصارها على الدراسة الجزئية بتناول اللفظة المنفردة، ثم الصعود إلى الجملة الواحدة أو ماهو في حكم الجملة الواحدة، وهذه الدراسة البلاغية كانت يوماً ما أداة النقد في تقييم الأعمال الأدبية))(18)، حين كانت الدراسة المعيارية المعتمدة استصدار الأحكام، والحرص على التقيد بالتوصيات المسطرة سلفاً، منهجاً يعول عليه كثيراً في تركيب الآثار الأدبية.‏
تستمد الأسلوبية علاقتها بالدرس اللساني الحديث بوصفها منهجاً وصفياً علمياً، تنفي عن نفسها المعيارية، وإرسال الأحكام التقييمية، بالقبول، أو بالرفض، ينضاف إلى ذلك، أنها لا تسعى إلى غاية تعليمية البتة، ناهيك عن حرصها الشديد على تعليل الظواهر الإبداعية وبعد أن تقرّر وجودها ههنا جاز لنا أن نقر بأحقية الدراسات الأسلوبية في مقاربتها النصوص الإبداعية، بشيء من العلمية الوصفية، على النقيض مما تعاملت به البلاغة.‏
الأسلوبية والنقد الأدبي:‏
مع ظهور البنيوية في القرن العشرين، بتأثير من لسانيات دي سوسير، ودعوتها إلى دراسة النص من الداخل وإقصائها لجميع السياقات الخارجة عن النص، راحت جل المناهج النقدية المعاصرة تحذو حذوها في قراءتها النصوص الأدبية.‏
نجد الأسلوبية من المقاربات التي اقتصرت في درسها للنص الأدبي على جانبه اللغوي، ((ومن هنا فإن الجانب اللغوي هو مجال الباحث الأسلوبي، أما ما يتصل بالأثر الجمالي، أو تحليل عمل الشاعر، أو الروائي، أو المسرحي وجدانياً، وجمالياً وموقفاً أو سواه فكل ذلك يكون مهمة الناقد الأدبي بعد ذلك))(19) بصفة أكثر شمولية، وذلك ما يطلع به النقد بشتى اتجاهاته.‏
تعد الأسلوبية اتجاهاً من اتجاهات النقد الأدبي، إن لم نقل جزءاً منه، وإن كنا نجد أن كل من الباحث الأسلوبي، والناقد الأدبي يقوم بالممارسة لفعل القراءة كل حسب ما توفرت له من رؤية وأدوات إجرائي، حينها لا نجد فرقاً أو احتواء أحدهما للآخر، مادام كل منها يحاول أن يقارب النص الإبداعي بأدواته الإجرائية، غير أن الناقد الأدبي يصبح أكثر منهجية عندما يستوعب ويلتزم بأحد المناهج، يستقي منه أدواته، ليقارب النصوص الأدبية.‏
فالنقد الأدبي لن يوفق في عمله مالم يستعن بمنهج نقدي من المناهج النقدية المعروفة سواء أكانت سياقية منها أم نَسقيّة، كل بحسب أدواته الإجرائية، وطرائقه ومقولاته في استنطاق النصوص الأدبية، وفهم العملية الإبداعية من ناص ونص ومتلقٍّ.‏
الأسلوبية والنص الأدبي:‏
تركز الأسلوبية ـ بوصفها منهجاً نسقياً يقصي من طريقه كل السياقات الخارجة عن النص ـ على مقاربة لغة النص، وأسلوب الكاتب فيه انطلاقاً من إمكاناته اللغوية المتاحة، ومن ثم فهي ترتكز قراءتها للنص على مفهوم الأسلوب كمجموعة من الخيارات يقوم بها الكاتب في نصه على مستويات اللغة المختلفة، اللفظية منها والنحوية بشكل رئيسي ثم الصوتية، وما تفرزه هذه الخيارات الأسلوبية من وظائف ومعانٍ ومدلولات أسلوبية ناشئة عن علاقات متشابهة، ومترابطة أو متنافرة، وأحياناً معقدة بين مستويات اللغة المذكورة، بحسب الموقف الذي ساهم في إنتاج النص.‏
يعتمد المنهج الأسلوبي اللغة الحاملة للنص قصد سبر أغوارها، وكشف مكنوناتها، من خلال الألفاظ، والتراكيب سواء من جانبها النحوي، أو الصوتي، أو الدلالي، سعياً إلى الوقوف عند اللغة الأدبية المميزة للنص عن سواه من النصوص الأخرى، لأن ((التناول الأسلوبي إنما ينصب على اللغة الأدبية لأنها تمثل التنوع الفردي المتميز في الأداء بما فيه من وعي واختيار، وبما فيه من انحراف عن المستوى العادي المألوف، بخلاف اللغة العادية التي تتميز بالتلقائية والتي يتبادلها الأفراد بشكل دائم وغير متميز))(20)، وذلك ما يميز بين الأسلوب في خصوصيته الإبداعية والأسلوب كأداة يومية تستعمل للتواصل؛ والأسلوبية باعتبارها منهجاً نقديّاً ينصب اهتمامها على اللغة الأدبية من خلال انحرافاتها الإبداعيةعن النمطية ضمن اللغة الإبداعية العادية.‏
تبقى القراءة الأسلوبية ذلك المنهج النسقي الذي يجعل لغة النص وسيلة وغاية لفهم الإبداع والوقوف على درجة الأدبية فيه، من خلال الهوامش التي تحققها اللغة الإبداعية إذ تسمو بالنص إلى مصاف الأعمال الفنية الجذابة، انطلاقاً من مدى اختيار الألفاظ وتراصها وعلاقة بعضها ببعض، ضمن تركيب نحوي وصوتي ودلالي؛ ولذلك نجد أن ((الأسلوبية تعود بالضرورة إلى خواص النسيج اللغوي، وتنبثق منه، فإن البحث عن بعض هذه الخواص ينبغي أن يتركز في الوحدات المكونة للنص وكيفية بروزها وعلائقها))(21) بعضها ببعض.‏
وتبقى الأسلوبية منهجاً نقدياً عمل من أجل الكشف عن أسرار اللغة الأدبية في النص الإبداعي، من خلال وحداته المكونة لـه وانطلاقاً من اللغة كوسيلة وغاية، كوسيلة للوصول إلى استنطاق النص، وكغاية سعياً وراء الوقوف عند درجة الأدبية في النص الأدبي.‏
محددات الأسلوب في الأسلوبية:‏
لقد دأب النقاد الأسلوبيون المعاصرون على رصد أساليب الكتاب وتفردهم واختلافهم، الواحد عن الآخر، من خلال المقولات الثلاث: الاختيار ـ التركيب ـ الانزياح.‏
1 ـ الاختيار:‏
يعمد الكاتب إلى اللغة بوصفها خزّاناً جماعياً رحباً، منه ينتقي مفرداتٍ، يتخيرها كي يصب فيها ما تجيش به نفسه من مشاعر وأحاسيس وانطباعات، وهنا يبدأ بحث النقاد الأسلوبيين من حيث العمل على كشف العلل والأسباب الكامنة وراء هذا الاختيار أو ذاك مادام ((مبدأ "الاختيار" أو "الانتقاء" يمثل خاصية من خصائص البحث الأسلوبي، وإذا كانت اللغة تحوي مفردات متعددة، تتركب منها أعداد لا تحصى من العبارات والجمل، فإن القضية المثارة هي البحث عن الدلالات المتعلقة بأسباب اختيار جملة بدلاً من جملة أخرى، وتفضيل تركيب عن تركيب سواه))(22)، ورصد العلل المضمرة وراء هذا الاختبار أو ذلك.‏
إن عملية الاختيار يحكمها جانبان: شعور فردي وجداني تمليه الدفقة الشعورية للإبداع، وآخر خارجي اجتماعي لغوي فني تفرضه القواعد والأعراف، والطقوس المتداولة عند الكتاب والمتلقين، حتى يكون هناك إدراك واضح لما تحمله النصوص الإبداعية، بفهم لغتها وما ترمي إليه، وجعلها أكثر قابلية عندهم، ومن نجد أن ((الوضوح يتحقق باختيار الكلمات المعينة غير المشتركة بين معان، والتي تدل على الفكرة كاملة، والاستعانة بالعناصر الشارحة، أو المقيدة، أو المخيلة، واستعمال الكلمات المتقابلة المتضادة إذا كان ذلك يخدم المعنى والفكرة، والبعد عن الغريب الوحشي، والعمد إلى لغة الناس وما يستطيعون إدراكه))(23)، بسهولة وبصورة واضحة لا تشوبها شائبة.‏
يبقى الاختيار من العمليات المساعدة على كشف تفرد كاتب عن كاتب آخر، من خلال أسلوبه المتمثل في اللغة المعجمية، التي انتقاها ورصها مفرداتياً بعضها إلى بعض لتصير في النهاية لغة إبداعية فنية جمالية تستهوي القارئ، وترقع النص إلى مصاف الآثار الأدبية الخالدة.‏
2 ـ التركيب:‏
إن سلامة التركيب في جميع نواحيه، معجمياً، ونحوياً، وصوتياً، وصرفياً، ودلالياً، تستدعي انطلاقه من عملية سابقة عليه، وهي الاختيار، فكلما كان الاختيار دقيقاً يخدم الكاتب والنص القارئ، حينها يأتي التركيب كذلك؛ إذ ((ترى الأسلوبية أن الكاتب لا يتسنى له الإفصاح عن حسه ولا عن تصوره للوجود إلا انطلاقاً من تركيب الأدوات اللغوية تركيباً يفضي إلى إفراز الصورة المنشورة والانفعال المقصود)) (24)، والانطباع النابع من الذات عبر النص من خلال اللغة، ليحتضنه القارئ بحرارة.‏
وتقاس عملية التركيب بالرجوع إلى المزاج النفسي للكاتب وثقافته الخاصة، بالإضافة إلى السمات الثقافية لكل عصر، وهي الرقيب الذي يسير الكاتب تحت إمرته حتى يفهم عند المتلقين، ((فكل كاتب له مزاجه النفسي وثقافته المتميزة، كما أن لكل عصر سماته الثقافية، ومزاجه الفكري، ومن ثم يختلف أسلوب كاتب عن كاتب، كما يختلف أسلوب عصر عن عصر، إن الموقف وطبيعة القول وموضوعه، كل ذلك سوف يفرض بالضرورة أداء يختلف عن أداء، بل إن ذلك قد يكون لدى كاتب واحد))(25)، لأنه عايش فترتين زمنيتين مختلفتين.‏
أن ظاهرة التركيب التي لها علاقة تامة بالأسلوب تتحدد ضمن الأداء، من عدّة منطلقاتٍ ذاتيةٍ خاصةٍ بالكاتب ومزاجه النفسي، وثقافته المتميزة، والموضوع المتناول، وهي التي تفرض عليه لا محالة توظيف مفردات وتراكيب خاصة به، انطلاقاً مما سلف ذكره، وهذا لن يكون ذا فائدة تواصلية لغوية فنية جمالية، مالم يبق في إطار العصر وخصائصه الثقافية والفكرية واللغوية.‏
3 ـ الانزياح:‏
لقد ذهب جل النقاد الأسلوبيين، وعلى رأسهم الناقد الفرنسي "جون كوهن" إلى كشف ملامح الاختلاف بين الأساليب بدءاً بمدى انحراف الكتّاب عن النمط المألوف، والطقوس المتداولة في الكتابة في سياق نصوصهم الإبداعية؛ إذ ((الأسلوب هو كل ما ليس شائعاً ولا عادياً ولا مطابقاً للمعيار المألوف... إنه انزياح بالنسبة لمعيار، أي إنه خطأ ولكنه خطأ مقصود))(26)، ومحمود تنزع النفس إليه مادام يحمل جمالاً فنياً.‏
فالانزياح في المفهوم الأسلوبي هو قدرة المبدع على انتهاك واختراق المتناول المألوف، سواء أكان هذا الاختراق صوتياً أم صرفياً أم نحوياً أم معجمياً أم دلالياً؛ ومن ثم يحقق النص انزياحاً بالنسبة إلى معيار متواضَعٍ عليه، لذا تبقى اللغة الإبداعية هي التي تسمح بهذه الخلخلات اللغوية ضمن النصوص بحملها من النفعية البلاغية إلى الفنية الجمالية؛ وهذا كله وفقاً لأفكار وتداعيات خاصة، في إطار أمنية ومواقف محددة تمليها طبيعة المواضيع المتناولة في ضمن النصوص، حيث ((أنه من غير المجدي حصر الكلام في تكرار جمل جاهزة، كل واحد يستعمل اللغة لأجل التعبير عن فكرة خاصة في لحظة معينة، يستلزم ذلك حرية الكلام))(27) واستقلالية الخوض فيه وبه بارتياح، في رحاب لغة فنية أدبية تجعل الجمالية والتأثير غايتَيْها.‏
إن جمالية الانزياح عندما تخلق اللغة الإبداعية هوامش رحبة، على حساب اللغة المعجمية وانطلاقاً منها، ففيها يتأتى للقارئ الإقبال على العمل الفني، وتذوقه ومدارسته ومحاورته، بشقف ونهمٍ كبيرين، إلى درجة الاستمتاع والإثارة والاقتناع به فنياً وجمالياً.‏

مفهوم النثر الفني/1

مفهوم النثر العربي عند العرب القدامى
إن من يتصفح أهم كتب النقد والبلاغة العربية يفاجأ بظاهرة غريبة وهي قلة عناية النقاد القدامى بالنثر، في حين أنهم أمعنوا في بحث الشعر من جميع نواحيه تفصيلا وتدقيقا على حد الإفراط أحيانا، فقد تحدثوا عن النثر لاباعتباره فنا قائما بذاته بل تحدثوا عنه كجزء من البلاغة أو البيان حديثا يتسم بالإبهام خاليا من التخصيص أو التحديد ولعل من مظاهر هذا الإهمال أننا لا نجد تعريفا صحيحا للنثر قد استوفى ما يشترط في كل تعريف صالح من دقة وإحاطة واستقصاء ، في حين أن الشعر قد حظي بتعريفات لا بأس بها تتسم بالضبط والإحكام، أما النثر فـما ورد في حقه من تعريفات لا تتعدى التقسيم والتصنيف، فهو باعتبار الشكل ينقسم إلى خطب ورسائل، وباعتبار اللفظ يتفرع إلى نثر مرسل ومزدوج وسجع.من أقوال الكتّاب القدامى حول النثر•يقول ابن وهب: (واعلم أن الشعر أبلغ البلاغة...)البرهان في وجوه البيان،ص350.ويقول الكاتب المفكر مسكويه: ( فكذلك النظم والنثر يشتركان في الكلام الذي هو جنس لهما، ثم ينفصل النظم عن النثر بفضل الوزن الذي به صار المنظوم منظوما. ولما كان الوزن حلية زائدة وصور فاضلة على النثر صار الشعر أفضل من النثر من جهة الوزن. فإن اعتبرت المعاني كانت المعاني مشتركة بين النظم والنثر. وليس من هذه الجهة تميز أحدهما من الآخر...)الهوامل والشوامل، ص 275تعليــق:هذه النظرة الجزئية للنثر كما رأيناها في الأقوال السابقة تؤكد موقف النقاد القدامى السلبي من النثر فهي نظرة جزئية انصرفت على الشكل دون اللُب، إلى الصورة دون الحقيقة والمعنى وهي التي حالت دون التبلور التام لمفهوم النثر الفني عند القدامى. حتى أن الكتّاب العرب من مفكرين وفلاسفة وقصّاصين ونقاد كانوا يمارسون النثر الفني دون وعي واضح دقيق لمزيّة الفن المتوفرة في كتاباتهم ودون أن يُعترف بفضلهم. :الجاحظ وموقفه من النثر:• يقول الجاحظ :( وقد نُقلت كتب الهند،وتُرجمت حكم اليونانية، وحُولت آداب الفرس، فبعضها ازداد حسنا، وبعضها ما انتقص شيئا؛ ولو حُوّلت حكمة العرب لم يجدوا في معانيها شيئا لم تذكره العجم في كتبهم التي وضعت لمعاشهم وحكمهم،ولبطل ذلك المعجز، وقد نقلت هذه الكتب من أمة إلى أمة ، ومن قرن إلى قرن، ومن لسان إلى لسان حتى انتهت إلينا، وكنا آخر من ورثها ونظر فيها، فقد صح أن الكتب ( أي كتب النثر) أبلغ في تقييد المآثر من الشعر.)الحيوان، ج1، ص75أبو حيان وموقفه من النثر:• يقول أبو حيان : ( وأحسن الكلام ما رق لفظه ولطف معناه... وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم)•ويقول أيضا: ( إذا نظر في النظم والنثر على استيعاب أحوالهما وشرائطهما .. كان أن المنظوم فيه نثر من وجه، والمنثور فيه نظم من وجه، ولولا أنهما يستهمان هذا النعت لما ائتلفا ولا اختلفا)• أبو حيان يُعد أول من اهتدى إلى حقيقة النثر الفني وحلل مقوماته الجوهرية تحليلا يتصف ، على إيجازه، بالدقة والعمق.كذلك بيّن أهمية كل من عنصري العقل والموسيقى في النثر الفني، ومن رأي التوحيدي أن الشعر لا يختص وحده بالموسيقى والخيال، بل هما قدر مشترك بين الشعر والنثر الفني ، والفرق بين النوعين من الكلام نسبي أما الجوهر فواحد.الإمتاع والمؤانسة ، ج2،ص145، ص135

فن المقامة في الأدب العربي/1

المَقامات فن قصصي في الأدب العربي أنشأه بديع الزمان الهمذاني في القرن الرابع الهجري. والمقامة لغةً تعني المجلس، ثم تطوّرت دلالتها لاحقًا فأصبحت تعني الحديث الذي يُلقى على الناس، إما بغرض النصح والإرشاد وإمّا بغرض الثقافة العامة أو التّسوّل. ثم اكتسبت أخيرًا دلالتها الاصطلاحية المعروفة.والمقامة الفنية أو البديعية، كما أجمع النقاد على تعريفها، أقرب ما تكون لقصة قصيرة مسجوعة بطلها نموذج إنساني مُكد ومتسوّل. وللمقامة راوٍ وبطل، وهي تقوم على حدث طريف، مغزاه مفارقة أدبية أو مسألة دينية أو مغامرة مضحكة تحمل في داخلها لونًا من ألوان النقد أو الثورة أو السخرية، وضعت في إطار من الصنعة اللفظية والبلاغية.وعلى الرغم من أن نشأة المقامة مرتبطة ببديع الزمان، إلا أن ريادته لهذا الفن القصصي مازالت موضع خلاف بين الدّارسين. ففريق منهم يذهب إلى أن بديع الزمان لم يبتكر هذا الفن وإنما سبقه إليه كُتّاب آخرون مثل ابن دريد، وابن فارس، والجاحظ وغيرهم. أما الفريق الآخر فيعتقد أن بديع الزمان هو المبتكر الحقيقي لهذا الفن وأنه لم يُسْبق إليه. وربما كان الرأي الأقرب إلى الصواب هو أن بديع الزمان قد استعان بكثير من أشكال الكتابات القصصية التي سبقته وتأثر بمضامينها ليُخرج فن المقامة في شكله النهائي الذي لم يطرأ عليه أي تغيير يُذكر إلى يومنا هذا.ظلت مقامات بديع الزمان الهمذاني الاثنتان والخمسون أنموذجًا يحتذيه كتّاب المقامات الذين جاءوا من بعده. وأول هؤلاء وأشهرهم الحريري الذي كتب مقاماته المشهورة واعترف بريادة بديع الزمان لهذا الفنثم تبعه عدد كبير من الكتّاب القدامى والمُحدثين فكتبوا في هذا الفن، من أبرزهم الزمخشري وجلال الدين السيوطي من المشارقة، والسرقسطي من الأندلسيين. وأما المحدثون فأهمهم اليازجي والمويلحي.يقوم الإطار الفني للمقامة على شخصيتين رئيسيتين مختلفتين هما: شخصية الراوي وشخصية البطل. فالراوي ـ الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية متوسطة هو الذي يمهّد ـ غالبًا ـ لظهور البطل، يتابعه حيثما حل، وهو في كل هذا يُحْسِن طريقة تقديم البطل الذي يكون عادة شخصية ساخرة فصيحة ذكية بليغة تنتمي إلى طبقة اجتماعية متدنية، ولديه قدرة عجيبة على التّنكّر، فهو يجيد لبس الأقنعة، فتارةً نراه ناسكًا واعظًا وأخرى نديم كأس، ومرة ثالثة فقيهًا وهكذا. وهو في كل هذه الأحوال يعتمد على الفصاحة والذكاء والحيلة والخداع لنيل هدفه ممن ينخدعون بمظهره.وبالرغم من أن التّسوّل من أهم موضوعات المقامة، إلا أنها ليست الموضوع الرئيسي لها، وإن كانت صنعة ملازمة للبطل؛ فقد عالجت المقامة موضوعات شتى مثل النقد بأنواعه المختلفة : الأدبي والمذهبي والاجتماعي، وفيها التعليم اللغوي والأسلوبي، والوعظ والإرشاد، والحيلة والأدب والألغاز.تعتمد المقامة في أسلوبها على قالب السجع، وعلى الإكثار من استخدام المحسّنات البديعية واللفظية بأنواعها المختلفة، وعلى توظيف الغريب كما هو الحال في مقامات الحريري بصفة خاصة.وحاول بعض الباحثين أن يربطوا بين المقامة وبعض الأجناس الأدبية الحديثة مثل القصة القصيرة والرواية والمسرحية، إلا أن المقامة وإن شَابهت هذه الأجناس في بعض خصائصها، فستظل هذه المشَابهة سطحية. فالمقامة ليست أيّا من هذه الأجناس الثلاثة، إنها جنس قصصي عربي قائم بذاته.ولفن المقامة أهمية خاصة في مجال الأدب المقارن، فقد قلَّدها بعض الكتّاب الفُرس، كما يُعتقد أنها أسهمت في ظهور رواية المُكْدِين التي ظهرت في أسبانيا في القرن السادس عشر الميلادي، ثم شاعت في أوروبا لتصبح مقدمة لظهور الرواية النثرية بمفهومها الحديث، نظرًا للتشابه الكبير بين البيكارو بطل رواية المكدين الأسبانية وبين أبي الفتح الإسكندري وأبي زيد السروجي، بطلي مقامات بديع الزمان والحريري

بر الوالدين/2

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.لقد عد الإسلام بر الوالدين من أعظم الحقوق، يقول صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الأعمال الصالحة أيها أزكى وأعظم، فقال: {الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله } فلا إله إلا الله ما أعظم حقوق الوالدين!العقوق مأساة انتشرت في البيوت وأصبحت وبالاً على الآباء والأمهات، في بعض الآثار: أنه في آخر الزمان يود المؤمن أن يربي كلباً ولا يربي ولداً. وأرجو الله ألا يكون هذا الزمان، وجد هذا ورأينا عيون الآباء الذين طعنوا في السن وأصابتهم الشيخوخة وهم يتباكون ويتضرعون ويتوجعون من هذه الذرية الظالمة العاصية، فهل من عودة يا شباب الإسلام إلى الله؟! هل من لطف وحنان وخفض جناح؟! وهل من بر للآباء والأمهات؟! يأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: {يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك }.الأم -يا عباد الله- لها ثلاثة أرباع الحق فهي التي تعبت وحملت وأرضعت وغسلت وألحفت وأدفأت:فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غضض منها الفؤاد يطيروكم غسلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سريروتفديك مما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شرب لديك تميروكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حناناً وإشفاقاً وأنت صغيرفضيعتها لما أسنت جهالة وطال عليك الأمر وهو قصيرفآه لذي عقل ويتبع الهوى وآه لأعمى القلب وهو بصيرفدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقيرقدم رجل من اليمن مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أبكى والديه بهجرته وفراقه لهما، فقال له صلى الله عليه وسلم: {ارجع فأضحك والديك كما أبكيتهما }^.وجاء آخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: {أحي والدتك؟ قال: نعم. قال: الزمها فإن الجنة عند رجليها }^ وكان هناك رجل يقبل كل يوم قدم أمه، فأبطأ يوماً على أصحابه، فسألوه فقال: كنت أتمرغ في رياض الجنة تحت أقدام أمي؛ فلقد بلغني أن الجنة تحت قدميها.ولما ماتت أم إياس القاضي المشهور بكى عليها، فقيل له: ما بك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما.هاهو إبان بن عياش عليه رحمة الله يقول: خرجت من عند أنس بن مالك رضي الله عنه -عندما كان في البصرة بعد الظهر- قال: فرأيت جنازة يحملها أربعة نفر، فقلت: سبحان الله! رجل مسلم يموت ويمر بسوق البصرة ولا يشهد جنازته إلا أربعة نفر، والله لأشهدن هذه الجنازة، يقول: فحملت معهم، ثم بعد ذلك لما دفنا الرجل قلت لهؤلاء الأربعة: ما شأنكم وما شأن هذه الجنازة؟ قالوا: استأجرتنا هذه المرأة لدفن هذا الرجل، يقول: فتبعتها حتى وصلت بيتها، فجئتها وقلت: لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى، قالت: الحمد لله أولاً وآخراً، قلت لها: ما شأن هذا الرجل الذي دفنتموه؟ قالت: هو ولدي كان مسرفاً على نفسه بارتكاب الذنوب والمعاصي، وكان عاقاً لي، وقال لي وهو مريض وهو في سكرات الموت: يا أماه! إذا أنا مت فلقنيني كلمة التوحيد فإذا قلتها وقضيت حياتي وأردت لي السعادة فضعي قدمك على خدي وقولي: هذا جزاء من عصى الله، ولا تخبري أحداً بموتي فهم يعلمون عصياني فلن يشهدوا جنازتي، ثم إذا دفنت فارفعي يديك إلى الله إن كنتِ تردين لي السعادة وقولي: يا رب! إني راضية عن ولدي فارض عنه، قال ابن عياش : فما عملتي؟ قال: فضحكت، فقلت: ما يضحككِ يا أمة الله؟ قالت: والله بعد أن دفن رفعت يدي إلى الله وقلت: يا رب! إني راضية عنه فارض عنه، قالت: فوالله إني سمعته بأذناي ينادي: يا أماه! قدمت على رب كريم رحيم غير غضبان علي ولا ساخط.عباد الله: رضا الله في رضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين، بر الوالدين يهدي به الله سواء السبيل، ويصلح لك ذريتك، ويمدك بعون منه، ويرزقك قبولاً في الناس، ويمتعك متاعاً حسناً بإذنه، ويسددك في أقوالك وأفعالك ويرضى عنك.لا إله إلا الله ما أعظم بر الوالدين! ما أحوجنا إلى الدعاء منهم، ما أحوجنا إلى رضاهم، ما أحوجنا إلى برهم وصلتهم، علَّ الله أن يكتب لنا بذلك الرضوان، لكننا مع عظيم الأسف نرى البعض كأنه ليس بحاجة لدعائهم.إنا نرى الرجل له الولد والولدان والثلاثة يقف على قارعة الطريق صباح ومساء انتظاراً لمحسن محتسب يوصله في طريقه، وأولاده على طرقهم لم يريدوا قطع لذيذ نومهم لأجل والدهم، لم يريدوا قطع لذيذ مشاهدتهم للمباريات والمسلسلات، وكثيراً ما نرى العجائز يتلمسن من جيرانهم وممن حولهن مساعدة في الوصول إلى المستشفيات أو إلى قريب من أقاربهن لزيارته، وأولادهن كلٌّ يقول: اذهب بها، أما يخشى هؤلاء عقاب رب العالمين: {لا يدخل الجنة عاق }^؟!هاهو رجل عاق لوالديه يجر أباه برجله إلى الباب فهيأ الله له ولداً أعق منه كان يجره برجله إلى الشارع، فكان إذا جر أباه إلى الباب قال: حسبك حسبك ما كنت أجر أبي إلا إلى هذا المكان، فيقول له ولده: هذا جزاؤك، وما زاد فهو صدقة عليك. هذا في الدنيا والآخرة علمها عند الله عزَّ وجلَّ.ذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع امرأته إلى قاضٍ في غلامهما أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق به، حملته مشقة، وحملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني وعلى حجري كما ترى أيها القاضي، فقال أبو الأسود : أيها القاضي! حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه فلي الحق كله أو جله، فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة، قالت: لئن حمله خفة فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة فقد وضعته كرها، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعنا من سجعك.وهاهو رجل كان في بيت الله الحرام يطوف بالكعبة المشرفة وأمه على كتفيه، قد أركبها على ظهره من بلده حتى وصل مكة وهو يطوف بها، فشاهد ابن عمر فقال له : يـابن عمر ! أتراني أوفيتها حقها؟ قال ابن عمر : [[والله ما أوفيتها طلقة من طلقات ولادتها ]] إن هذا لا يساوي طلقة من طلقات الولادة التي كانت تعاني منها في تلك اللحظات العصيبة، لا إله إلا الله كيف يعق الوالدان؟ حق الوالد عظيم أيما عظم!في الصحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال: أتى رجل أبا الدرداء رضي الله عنه فقال له: إني تزوجت ابنة عمي وهي أحب الناس إليَّ، أنا أحبها وأمي تكرهها وأمرتني بفراقها وطلاقها، فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: لا آمرك بفراقها ولا آمرك بإمساكها، إنما أخبرك ما سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، لقد سمعته يقول: {الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فضيع ذلك الباب وإن شئت فاحفظه عليك } فلا إله إلا الله كم من شاب ضيع أوسط أبواب الجنة بعقوقه! فمن ضيعه فليعد وليبادر قبل غلق الباب وقبل قول: رب ارجعون.يا أيها المسلمون: نحن في اختبار دائماً، والله يختبرنا في بر الوالدين والناجح من زحزح عن النار وأدخل الجنة، ولقد -والله- رسب أناس ونجح آخرون، يوم ضيع الآباء أبناءهم كانت النتيجة ضياع الآباء، فهم في حال ما يكونون فيه أحوج إلى الأولاد، والعكس بالعكس ومن زرع حصدألا أيها الأبناء: اتقوا الله وقوموا بما أوجب عليكم من بر الآباء والأمهات، ويا أيها الآباء: أعينوا أولادكم على بركم فإن من ضيع أوامر الله في أولاده فلم يأمرهم ولم ينههم وضيعهم صغاراً فالنتيجة ضياعه كبيراً سترون نموذجين لشابين، شاب ربي في بيت تجلجل فيه لا إله إلا الله، وشاب ربي علي فعل ما يشاء وقتما شاءأما الأول: فأفنى شبابه في طاعة الله، وحلت به سكرات الموت، وقد بر أباه وأمه، وعند موته جاء أحباؤه يذكرونه بالله ويلقنونه: لا إله إلا الله، فكان وهو في سكرات الموت يقول للناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. لتعلموا أن هذا هو النجاح، لتعلموا أن هذا هو الفوز الحقيقي، وسيجد الفوز هناك يوم يقال: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً.أما الصورة المظلمة فلشاب آخر في المقابل كان هذا الشاب يسافر دائماً كما يفعل شبابنا عند انتهاء امتحاناتهم وينصح فلا ينتصح وفي آخر سفر له بعد أن وصل إلى تلك البلاد ضرب موعداً له مع إحدي فتيات الليل في أحد الفنادق وتقابلا هناك، وهو يمارس معها الفاحشة يشب حريق في الفندق فيشتعل على من فيه ويموت جميع من فيه، لا إله إلا الله! نسألك اللهم حسن الختام.هاتان صورتان لشابين أحدهما ناجح والآخر راسب، وللآباء -والله- في ذلك دور، بعض الآباء يعد ابنه إن نجح بقضاء أمتع الأوقات في أحضان ما حرم الله، وما دعاه ووعده بالحج إلى بيت الله الحرام، وما وعده باستغلال وقته في جمعيات تحفيظ القرآن المنتشرة في المساجد، والتي تشكو إلى الله ظلم الآباء، وما وعده بدخول المراكز الصيفية التي يقوم عليها الشباب الذين نحسبهم من الذين يخافون الله عزَّ وجلَّ، علمه ضياع الوقت، فكانت النتيجة رسوباً له ولولده.نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرزقنا برهم وصلتهم ورضاهم وأن يحشرنا وإياهم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم اغفر لنا في هذه الساعة أجمعين، وهب المسيئين منا للمحسنين، اللهم اغفر للأحياء والميتين من المسلمين، اللهم اجعل على قبورهم نوراً واجعلها روضة من رياض الجنة، اللهم آمنا يوم الفزع الأكبر، اللهم آمنا يوم البعث والنشور، اللهم آنس وحشتنا في القبور.سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.وأعذروني إن أطلت

بر الوالدين في الاسلام/1

بر الوالدين

كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما. وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}[الصافات: 102].وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي، وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].ما هو بر الوالدين؟بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته، فقال جلَّ شأنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}[النساء: 36]. وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].بر الوالدين بعد موتهما:فالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات، فقال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]، وقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات}[نوح: 28].فضل بر الوالدين:بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) _[متفق عليه]. ومن فضائل بر الوالدين:رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري].الجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه. وفي المرة الثالثة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك! الزم رِجْلَهَا فثم الجنة) [ابن ماجه].الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد) [الطبراني].وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ففيهما فجاهد) [مسلم].وأقبل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والديك أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال صلى الله عليه وسلم: (فتبتغي الأجر من الله؟). فقال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما) [مسلم].الفوز ببرِّ الأبناء: إذا كان المسلم بارًّا بوالديه محسنًا إليهما، فإن الله -تعالى- سوف يرزقه أولادًا يكونون بارين محسنين له، كما كان يفعل هو مع والديه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بِرُّوا آباءكم تَبرُّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].الوالدان المشركان:كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي.فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. وهكذا يأمرنا الإسلام بالبر بالوالدين حتى وإن كانا مشركين.وتقول السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي من بر)، أفَأَصِلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّكِ) [متفق عليه].عقوق الوالدين:حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.جزاء العقوق:عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].والله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].1

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

الفرض العادي في دراسة النص



النص

قال عيسى بن هشام:
اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ،فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ? وَأَيْنَ نَزَلْتَ? وَمَتَى وَافَيْتَ? وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ? أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي? فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ? فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ? زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:
أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ

لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ
وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ

فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ


مقامات الهمذاني
الأسئلة

*المعاني: 6 ن
1- اختر عنوانا للنص 1ن
......................................................................................................................
2- ماهو موضوع النص؟1ن
............................................................................................................................................................................................................................................
3-استخرج ثلاث صفات اتصف بها عيسى بن هشام في هذا النص.1.5ن
...................................... .................................... ............................
4- ما هو الأسلوب الذي توسله عيسى بن هشام للايقاع بالسوادي؟استدل على ذلك بشواهد من النص.1.5ن
.................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
5- أبد موقفك ازاء القول الشعري الذي برر به عيسى بن هشام صنيعه.1ن
............................................................................................................................................................................................................................................

*اللغة 7ن
1-استخرج من النص جملة تقريرية تفيد الاثبات.1ن
......................................................................................................................
2-استخرج من النص جملة تقريرية تفيد النفي 1ن
.....................................................................................................................
3-استخرج الجمل الاستفهامية الأربعة الأولى.وحدد في كل جملة الوظيفة النحوية لاسم الاستفهام.2ن
........................................................... .............................................
.......................................................... .............................................
.......................................................... .............................................
.......................................................... .............................................
4-أجب اجابة مثبتة ثم منفية عن هذا الاستفهام.1ن
"ألم تمض الليالى في سبيل تفوقك؟"
-اجابة مثبتة: ....................................................................................................
-اجابة منفية: ....................................................................................................
5-حلل هاتين الجملتين تحليلا نحويا تاما.2ن

فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ









فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ

*التعبير : 7ن
قال عيسى بن هشام :
أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ

لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ
وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ

فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ

هل يبرر الاحتياج والخصاصة أن نحتال على الناس ونحتقرهم؟
أنشئ فقرة لاتتجاوز خمسة عشر سطرا تبرز فيها قصور سلوك عيسى بن هشام و وجوب الاحسان الى الناس .
.........................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................

حظا سعيدا
















الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الفرض العادي في دراسة النص






النص :

حَدَثَّنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
لَمَّا جَهَّزَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ وَلَدَهُ لِلْتِّجَارَةِ أِقْعَدَهُ يُوَصِّيهِ، فَقَالَ بَعْدَ مَا حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى رَسْولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي وَإِنْ وَثِقْتُ بِمَتَانَةِ عَقْلِكَ، وَطَهَارَةُ أَصْلِكَ، فَإِنِّي شَفِيقٌ، وَالشَّفِيقُ سَيِّئُ الظَّنِّ، وَلَسْتُ آمَنُ عَلْيكَ النَّفْسَ وَسُلْطَانَهَا، وَالشَّهْوَةَ وَشَيْطَانَهَا، فَاسْتَعِنْ عَليْهِما نَهارَكَ باِلصَّوْمِ وَلَيْلَكَ بِالنَّوْمِ، إِنَّهُ لَبُوسُ ظِهَارَتُهُ الجُوعُ، وَبِطَانُتُهُ الهُجُوعُ، وَمَا لَبِسَهُمَا أَسَدُّ إِلاَّ لانَتْ ثَوْرَتُهُ، أَفَهِمْتَهُمَا يَابْنَ الخَبِيثَةِ? وَكَمَا أَخْشَى عَلَيْكَ ذَاكَ، فَلاَ آمَنُ عَلَيْكَ لِصَّيْنِ: أَحَدُهُمَا الكَرَمُ، وَاسْمُ الآخَرِ القَرَمُ، فإِياَّكَ وَإِيَّاهُمَا؛ إِنَّ الكَرَمَ أَسْرَعُ فِي المَالِ مِنَ السُّوسِ، وَإِنَّ القَرَمَ أَشْأَمُ مِنَ البَسُوسِ. وَدَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمْ " إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ " إِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِّي عَنِ اللَّبَنِ، بَلَى إِنَّ اللهَ لَكَرِيمٌ، وَلَكِنَّ كَرَمَ اللهِ يَزِيدُنَا وَلا يَنْقُصُهُ، وَيَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّهُ، وَمَنْ كَانَتْ هذِهِ حَالُهُ، فَلْتَكْرُمُ خِصَالُهُ، فَأَمَّا كَرَم ٌلا يَزِيدُكَ حَتَّى يَنْقُصِني، وَلا يَرِيشُكَ حَتَّى يَبْرِيَنِي، فَخِذلاَنٌ لا أَقُولُ عَبْقَرِيُّ، وَلَكِنْ بُقَرِيُّ. أَفَهِمْتَهُمَا يَا ابْنَ المَشْؤُومَةِ? إِنَّمَا التِّجَارَةُ، تُنْبِطُ المَاءَ مِنَ الحِجَارَةِ، وَبَيْنَ الأَكْلَةِ وَالأَكْلَةِ رِيحُ البَحْرِ، بَيْدَ أَنْ لا خَطَرَ، وَالصِّينُ غَيْرَ أَنْ لا سَفَرَ، أَفَتَتْرُكُهُ وَهْوَ مُعْرِضٌ ثٌمَّ تَطْلُبُهُ وَهْوَ مُعْوَزٌ? أَفَهِمْتَهَا لا أُمَّ لَكَ? إِنَّهُ المَالُ عَافَاكَ اللهُ فَلا تُنْفِقَنَّ إِلاَّ مِنْ الرِّبْحِ، وَعَلَيْكَ بِالخُبْزِ واَلمِلْحِ، وَلَكَ في الخَلِّ والبَصَلِ رُخْصَةٌ مَا لَمْ تُذِمَّهُمَا، وَلَمْ تَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَاللَّحْمُ لَحْمُكَ وَمَا أَرَاكَ تَأْكُلُهُ، وَالحُلْوُ طَعَامُ مَنْ لا يُبَالي عَلى أَيِّ جَنْبَيْهِ يَقَعُ، وَالوَجَبَاتُ عَيْشُ الصَالِحِينَ، وَالأكْلُ على الجُوعِ وَاقِيَةَ الفَوْتِ، وَعَلى الشِبَعِ دَاعِيَةُ المَوْتِ، ثُمَّ كُنْ مَعَ النَّاسِ كَلاعِبِ الشِّطْرَنْجِ: خُذْ كُلَّ مَا مَعَهُمْ، وَاحْفَظْ كُلَّ مَا مَعَكَ.يَا بُنَيَّ قَدْ أَسْمَعْتُ وَأَبْلَغْتُ، فَإِنْ قَبِلْتَ فَاللهُ حَسْبُكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ فاَللهُ حَسِيبُكَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
بديع الزمان الهمذاني /المقامات/ص204/206


الأسئلة :

* المعاني.6ن

1- اختر عنوانا مناسبا للنص.1ن
......................................................................................................................
2-ماهو موضوع النص؟1ن
............................................................................................................................................................................................................................................
3- اذكر ثلاث صفات للأب من خلال خطابه الذي توجه به لابنه1.5ن
.............................. ...................................... .....................................
4-هل لك أن تبين طبيعة العلاقات القائمة في بيت هذا الرجل من خلال خطابه؟1.5ن
..................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
5-ما الذي يحقق الاضحاك في هذا النص؟1ن
............................................................................................................................................................................................................................................

* اللغة: 7ن
1- استخرج من النص جملة تقريرية تفيد الاثبات(تشتمل على أداة تأكيد واحدة).1ن
......................................................................................................................
2- استخرج من النص جملة تقريرية تفيد النفي .1ن
......................................................................................................................
3-أجب عن هذه الجملة الاستفهامية اجابة مثبتة ثم اجابة منفية.(شكل المفردات ضروري).
*قال الأب لابنه: "ألم تعتبر من أخطائك؟"2ن
-الاجابة المثبتة: .................................................................................................
-الاجابة المنفية: ................................................................................................
4-حلل هاتين الجملتين تحليلا نحويا تاما.3ن

وَلَسْتُ آمَنُ عَلْيكَ النَّفْسَ وَسُلْطَانَهَا، وَالشَّهْوَةَ وَشَيْطَانَهَا







َإِنْ وَثِقْتُ بِمَتَانَةِ عَقْلِكَ، وَطَهَارَةُ أَصْلِكَ، فَإِنِّي شَفِيقٌ







*التعبير:7ن

قال الأب لابنه : " ، ثُمَّ كُنْ مَعَ النَّاسِ كَلاعِبِ الشِّطْرَنْجِ: خُذْ كُلَّ مَا مَعَهُمْ، وَاحْفَظْ كُلَّ
مَا معك"
حرر فقرة لاتتجاوز خمسة عشرا سطرا تبين فيها مقومات هذه
النصيحة وتبرز فيها أهمية التعاون بين الناس ومحاسن آثاره .
...................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................

حظا سعيدا










الأحد، 24 أكتوبر 2010

اقتراح الفرض العادي الأول/مادة الللغة



الأسئلة
1- اللغة

1-حدد موضع الجناس بتسطير الكلمات المتجانسة وبين نوعه.
*قال أبو الطيب المتنبي: فلما رأيت ود الناس خبا جازيت على ابتسام بابتسام
..........................................................................................................................................
*قال أبو البقاء الرندي: لكل شيء اذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان
..........................................................................................................................................
2-حدد مواطن السجع في هذه الفقرة.
قال عيسى بن هشام:"فقمت من ذلك المكان خجلا ولبست الثياب وجلا وانسللت من الحمام عجلا وسببت الغلام بالعض والمص ودققته دق الجص .."
..........................................................................................................................................
..........................................................................................................................................

3-اجعل من هذه الكلمات ثنائيات تحقق معنى الطباق
افتر عن ثغر- ضيزى- انتفخ- علا- صح- حسن- عادلة- بكى - صدق – انخفض – ساء – قبح
..........................................................................................................................................
4-مثل لكل من طباق الايجاب وطباق السلب بمثالين من انشائك.
..................................................................................................................................................................................................................................................................................
5-هات مثالين لطباق الايجاب ثم حولهما الى طباق السلب.
أ.........................................................................................................................................ب.......................................................................................................................................
6-اشرح البيت الآتي وبين نوع الطباق به

قال الفرزدق : والشيب ينهض في الشباب كأنه ليل يصيح بجانبه نهار
....................................................................................................................................................................................................................................................................................
7- حلل هذه الجملة تحليلا نحويا تاما.

"ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد"





التعريب
Le mondiant
Un mendiant me saisit la main,labaise deux fois et s'y accroche de tout son poids,de toute sa misère.je nelui,fais pas l'aumone.je n'ai rien sur moi .le seigneur ne me donne pas d'argent de poche.il n'est pas avare.il juge que je n'en ai pas besoin ,voilà tout.je dégage ma main.le mendiant appellesur ma tete les calamités du ciel.je ne hausse meme pas les épaules.le ciel ne me fait pas peur.il est peuplé de gaz rares et de ratiocinations humaines.

Driss Charibi



.......................................


..............................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................

الجمعة، 22 أكتوبر 2010

تمرين تطبيقي/اسم الاشارة/اسم الموصول/حرف الموصول

1*جاء هذا الطفل: اسم الاشارة في المفرد والجمع مبني لاتتغير بنيته. وفي المثتى معرب
* جاء هذان الطفلان (هذان الطفلان/فاعل في محل رفع/علامة رفع المثنى: ان)
*رأيت هذين الطفلين (هذين الطفلين/مفعول به منصوب/علامة نصب المثنى: الياء الساكنة والنون)
*مررت بهذين الطفلين( هذين الطفلين/مجرور لأنه سبقه حرف جر/ب/علامة جر المثنى الياء الساكنة والنون)
*جاء هؤلاء الأطفال /هؤلاء الأطفال: فاعل
رأيت هؤلاء الأطفال/هؤلاء الأطفال:مفعول به
مررت بهؤلاء الأطفال/هؤلاء الأطفال: مجرور
اسم الموصول:نوعان * مختصة:- الذي وماتعلق بها: الذي/اللذان/اللذين/الذين
-التي وماتعلق بها: التي/اللتان/اللتين/اللاتي/اللواتي/اللائي/
*غير مختصة:" ما" تستعمل لغير العاقل (لغير العاقل)
" من" تستعمل للعاقل/تقول مثلا :جاء من علمني

جاء الذي علمني
جاء اللذان نجحا
رأيت اللذين نجحا
مررت باللذين نجحوا

*اسم الاشارة: تلك/المثنى في محل الرفع: تانك/المثنى في محل النصب : //وأيضا في محل الجر:" تينك"

الحرف الموصول

الحروف المصدرية
أو ما يسمى
(بالموصولات الحرفية
)

لقد أخذ عنوان هذا الموضوع الذي نحن بصدد بحثه اتجاهين قد يكونان مختلفين في الدلالة من جهة ، وفي تصنيف الموضوع ذاته بالنسبة لمواضيع قواعد اللغة العربية من جهة أخرى ، ولتوضيح هذا الأمر نقول : إن النحاة الأوائل ، ومن تبعهم من بعض المحدثين من جانب ، وبين كثير من المحدثين من جانب آخر ، قد اختلفوا حول تصنيف الحروف الآتية وهي :
" أنَّ المشبهة بالفعل ، وأنْ المخففة منها ، وأنْ المصدرية الناصبة ، وما المصدرية ، ولو المسبوقة بفعل يدل على الرغبة ، وهمزة التسوية " ، أهي موصولات حرفية ، أم حروف مصدرية عاملة فيما بعدها ، أو غير عاملة ، كما سنبين ذلك بالشواهد والأدلة .
أولا ـ " أنَّ " بفتح الهمزة وتشديد النون ، أو تضعيفها : حرف توكيد ونصب من أخوات " إنَّ " ، وقد جعلها النحاة حرفا مصدريا ، لأنها مشبهة بالفعل ، حيث تنسبك مع ما عملت فيه لتكون مصدرا مؤولا .
نحو : كافأت الطالب لأنه مجتهد .
240 ـ ومنه قوله تعالى : { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنَّ لهم جنات }1 . وقوله تعالى : { ليعلمون أنه الحق من ربهم }2 .
وقوله تعالى : { ذلك ليعلم أني لم أخنه }3 .
وقوله تعالى " { يحسبون أنهم يحسنون صنعا }4 .
ـــــــــــــــــ
1 ـ 25 البقرة . 2 ـ 144 البقرة .
3 ـ 52 يوسف . 4 ـ 104 الكهف .

ثانيا ـ أنْ : وهي المخففة من أنَّ المشددة " الثقيلة " المفتوحة الهمزة : وهي تعمل بشرط أن يكون اسمها ضمير الشأن المحذوف ، ولا يكون خبرها إلا جملة .
نحو : علمت أنْ محمدٌ مقصرٌ .
وتقدير الكلام : علمت أنه محمدٌ مقصرٌ .
241 ـ ومنه قوله تعالى : { أيحسب أنْ لن يقدر عليه أحد }1 .
وقوله تعالى : { وآخر دعواهم أنْ الحمد لله رب العالمين }2 .
وقوله تعالى : { وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى }3 .
وقوله تعالى : { ونعلم أنْ قد صدقتنا }4 .

ثالثا ـ أنْ المصدرية الناصبة للفعل المضارع ، والمنسبكة معه في تأويل مصدر.
نحو : يسرني أن تقول الصدق . والتقدير : يسرني قولك الصدق .
242 ـ ومنه قوله تعالى : { يريد الله أن يخرجكم من أرضكم }5 .
وقوله تعالى : { يريد الله أن يخفف عنكم }6 .
وسنتحدث عن " أنْ " الناصبة للفعل في موضعه بالتفصيل إن شاء الله .

رابعا ـ كي : حرف ناصب للفعل المضارع بنفسه سواء اتصلت به اللام ، أم انفصلت عنه ، ما عدا بعض المذاهب النحوية التي قالت بأن " كي " حرف جر إذا انفصلت عنه اللام ، والفعل بعده منصوب بأن مضمرة ، والمصدر المنسبك من " أن " والفعل في محل جر بـ " كي " . غير أننا نرجح الرأي القائل بعمل " كي " النصب سواء اتلصت باللام أم انفصلت عنها ، ولا داعي لجعلها حرفا من حروف
ــــــــــــــــــ
1 ـ 50 البلد . 2 ـ 10 الأعراف .
3 ـ 29 النجم . 4 ـ 113 المائدة .
5 ـ 35 الشعراء . 6 ـ 28 النساء .

الجر ما دامت لا تعمل مباشرة كغيرها من أحرف الجر .
ومثال نصبها للأفعال المضارعة : عاقبتك كي تجتهد في دراستك .
ونصحتك لكي تتفوق على زملائك .
فكي في كلا المثالين هي العاملة مباشرة في الفعل المضارع بعدها ، والتقدير : لتجتهد في دراستك ، ولتتفوق على زملائك .
243 ـ ومنه قوله تعالى : { كي نسبحك كثيرا }1 .
وقوله تعالى : { لكي لا يكون عليك حرج }2 .
وقوله تعالى : ( لكي لا يكون دُوَلَةَ }3 .
خامسا ـ لو : حرف مصدري لا يحتاج إلى جواب ، وتدخل على الفعل الماضي ، أو المضارع التام التصرف ، ويفضل أن تسبق بالفعل " ود " ومشتقاته ، وما في معناه كالأفعال : أحب ، وأرغب ، وآمل ، وما شابهها في المعنى .
وتنسبك " لو " عندئذ مع فعلها ليتكون منهما المصدر المؤول الذي يسد مسد لو وفعلها . نحو : وددت لو فزت في المسابقة . وأرغب لو ترشح نفسك لقيادة الفريق . وأحب لو أنجزت العمل في حينه . وآمل لو حضرت مبكرا .
والتقدير : وددت فوزك ، وودت ترشيح نفسك ، واحب إنجازك العمل ، وآمل حضورك مبكرا .
244 ـ ومنه قوله تعالى : { ودوا لو تكفرون }4 .
وقوله تعالى : { ودوا لو تدهنون }5 .
وقوله تعالى : { يود أحدهم لو يعمر }6 .
وقوله تعالى :{ يود المجرم لو يفتدي }7.
ــــــــــــــــ
1 ـ 33 طه . 2 ـ 33 ق .
3 ـ 7 الحشر . 4 ـ 89 النساء .
5 ـ 9 القلم . 6 ـ 96 البقرة . 7 ـ 11 المعارج .

سادسا ـ ما : مصدرية ظرفية تنسبك مع صلتها سواء أكانت فعلا ماضيا .
نحو : سأعاقبك ما دمت مقصرا .
أم اسما ، نحو : أزورك ما الوقت مناسب .
245 ـ ومنه قوله تعالى : { ما دامت السموات والأرض }1 .
وقوله تعالى : { شهيدا ما دمت فيهم }2 .
وقوله تعالى : ر لن ندخلها أبدا ما داموا فيها }3 .
ومثال مجيء صلتها فعلا مضارعا ،
قوله تعالى : { بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا }4 .

سابعا ـ همزة التسوية : حرف يقع بعد كلام مشتمل على لفظة " سواء " كما يلي الهمزة جملتان ، وتكون ثاني الجملتين مصدرة بكلمة " أم " الخاصة بهمزة التسوية.
نحو قولهم : وسواء عليَّ غضبت أم رضيت .
246 ـ ومنه قوله تعالى : { سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين }5 .
وقوله تعالى : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون }6 .
فالهمزة في الآيتين السابقتين ، والمثال الذي سبقهما تنسبك مع الجملة التي بعدها مباشرة ، ـ وهي صلة لها ـ وتكون مصدرا مؤولا تقديره في المثال الأول : غضبك ، وفي الآية الأولى : وعظك ، وفي الثانية : إنذارك .
ومن خلال الحديث عن الأحرف المصدرية والتمثيل لها ، والاستشهاد عليها بالآيات القرآنية يمكننا الوصول إلى النتائج التالية : ـ
1 ـ إن تلك الحروف قد جمعت من أبواب متفرقة من النحو ، ومنها ما يعمل في
ـــــــــــــــــ
1 ـ 108 هود . 2 ـ 120 المائدة .
3 ـ 27 المائدة . 4 ـ 151 آل عمران .
5 ـ 136 الشعراء . 6 ـ 6 البقرة .

الأسماء ، ومنها ما يعمل في الأفعال ، ومنها ما لا يعمل كـ " ما " و " لو "
المصدريتين ، و " همزة " التسوية ، وهي بذلك لا تقارب بينها إلا من حيث الحرفية ، وانسباكها مع ما يجيء بعدها من الجمل ، لتكون مصدرا مؤولا بالصريح ، فمن الأولى أن تعمل هذا العمل وهي في أبوابها التي وضعت لها .
2 ـ إن تلك الحروف لو لم تنسبك مع ما بعدها من الكلام ، لما كان لها دلالة معينة تفهم بذاتها كأسماء الموصول التي هي أسماء وضعت للدلالة على معين ، بواسطة جملة الصلة التي تذكر بعد اسم الموصول ، كما أنه لا بد من اشتمال تلك الجملة على عائد يربطها بالموصول .
3 ـ إن الغرض من دراسة قواعد اللغة العربية ليس فقط البحث العقيم الذي لا يؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية تعود على الدارس بالفائدة المرجوة ، وتوصل إلى الحقائق العلمية التي يعتمد عليها في الدراسة والبحث ، وتقعيد القواعد وتفصيلها حسب ما نريد ونهوى ، والتي يكون الدارس في غنى عنها ما دام هناك من القواعد الواضحة والصريحة ما يوصل إلى الغرض المنشود ، بل الغرض في حد ذاته هو تقنين القواعد الصحيحة التي لا يختلف حولها اثنان حتى يستقيم بها اللسان ، وتنطق بها الألفاظ نطقا صحيحا تمشيا مع قواعد اللغة والمنطق والعقل .
تلك هي وجهة نظرنا حول تلك الحروف التي ذكرنا سابقا ، والتي نؤكد من خلالها على وجوب جعل هذه الحروف المصدرية كلا في بابه من أبواب النحو ، ولا مبرر لتأويلها لتكون من باب الموصول ، ونحن كما ذكرنا في مقدمة دراستنا للنحو في هذا المؤلف أن منهجنا الذي نسير عليه هو أن نذكر الواضح الصريح ، ونترك المبهم الذي يحتاج إلى تأويل ، لأن الغرض من الدراسة هو معرفة القواعد التي يعتمد عليها في تقويم اللسان ، والوصول بالدارس ، أو الباحث إلى ما لا يختلف في شأنه ، وإن اختلف فيه يعمل بالوجه الأصح ، والرأي الأصوب .
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نعرج على ما ذكره النحاة أنفسهم حول ترجيح كفة الرأي القائل بمصدرية تلك الحروف ، وعدم إقحامها في باب الموصول ، ولو على سبيل تسميتها بالموصول الحرفي ، وذلك للفوارق الآتية بين الموصل الاسمي وبين تلك الحروف ، وما ينسبك معها لتكون مصدرا يحتاج إلى صلة ، كصلة الموصول الاسمي ، وإليك أخي الدارس تلك الاختلافات : ـ
1 ـ إن الموصولات الاسمية ما عدا " أي " مبنية ولها محل من الإعراب كغيرها من الأسماء المبنية الأخرى ، وقد بينا ذلك في موضعه بالتفصيل ، في حين أن الحروف المصدرية تكون مبنية ، ولا محل لها من الإعراب ، شأنها في ذلك شأن بقية الحروف .
2 ـ إن صلة الموصول الاسمي تشتمل على ضمير يعرف بـ " العائد " ، ووظيفته الربط بين اسم الموصول وصلته ، بينما الحروف المصدرية ، أو ما يسميها البعض بالموصول الحرفي فلا تحتاج صلتها إلى عائد ، بل هي لا تشتمل عليه أصلا .
3 ـ إن الموصول الحرفي لا بد أن ينسبك مع الجملة الواقعة بعده ، لينشأ عنهما مصدرا مؤولا ، ومن هنا عرفت تلك الحروف بحروف السبك ، وبذلك تكون أحق بهذه التسمية ، لأنه لو لم تنسبك مع ما بعدها من الجمل لما كان لها قيمة تدخلها في باب الموصولات عندما أطلق عليها هذه التسمية .
4 ـ إن بعض الموصولات الحرفية مثل " لو " ، و " ما " لا توصل بالأفعال الجامدة ما عدا أفعال الاستثناء " خلا ، وعدا ، وحاشا " .
5 ـ يجوز للموصول الاسمي غير " أل " أن يحذف من الجملة ـ كما بينا ذلك في موضعه ـ لكونه متصلا بالصفة المشبه التي تشكل مع بقية الجملة صلة الموصول اتصالا مباشرا وكأنهما كلمة واحدة ، بينما الموصول الحرفي لا يمكن حذفه بأي حال من الأحوال ما عدا حرف واحد وهو " أنْ " المصدرية الناصبة للفعل المضارع ، حيث تحذف جوازا ، ووجوبا كما سنبين ذلك في باب نواصب الفعل .
6 ـ يصح في الموصول الحرفي " أنْ " دون سائر الموصولات الاسمية ، والحرفية على حد سواء أن تقع صلته جملة طلبية .
وبناء على ما ذكرنا من قرائن دللنا بها على جعل ما يسمى بالموصول الحرفي حروفا مصدرية ، إلا إننا لا نختلف مع النحاة على أن تلك الحروف لا بد أن يأتي بعدها جملة تكون صلة لها ، ولا محل لها من الإعراب كجملة الصلة تماما في الموصول الاسمي ، مع فارق عدم وجود الرابط في تلك الجملة ، ذلك الرابط الذي يعد أساسا في جملة الموصول الاسمي .

نماذج من الإعراب

204 ـ قال تعالى : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) 1 الكهف .
الحمد : مبتدأ مرفوع بالضمة . لله : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر . الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة لله .
أنزل : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة أنزل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
على عبده : جار ومجرور متعلقان بأنزل ، وعبد مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
الكتاب : مفعول به لأنزل منصوب بالفتحة .

205 ـ قال تعالى : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) 23 المعارج .
الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نعت للمصلين قبلها .
هم : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ .
على صلاتهم : جار ومجرور متعلقان بدائمون ، وصلاة مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
دائمون : خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم .
وجملة هم دائمون لا محل لها صلة الموصول .

206 ـ قال تعالى : ( اللاتي دخلتم بهن ) 23 النساء .
اللاتي : اسم موصول مبني على السكون في محل صفة لأمهات قبلها .
دخلتم : فعل وفاعل . والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
بهن : جار ومجرور متعلقان بدخلتم .

207 ـ قال تعالى : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) 1 العلق .
اقرأ : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت .
باسم ربك : باسم جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من الفاعل المستتر ، والتقدير : مبتدئا باسم ، وبسم مضاف ، ورب مضاف إليه ، ورب مضاف ، والكاف في محل جر بالإضافة .
الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل نعت مجرور لربك .
خلق : فعل ماض مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، وجملة خلق لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

208 ـ قال تعالى : ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) 8 الفجر .
التي اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة لأرم .
لم يخلق : لم حرف نفي وجزم وقلب ، ويخلق فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون .
مثلها : نائب فاعل ، ومثل مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه.
وجملة لم يخلق لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
في البلاد : جار ومجرور متعلقان بيخلق .

209 ـ قال تعالى : ( واللذان يأتيانها منكم ) 15 النساء .
واللذان : الواو حرف عطف ، واللذان اسم موصول مبتدأ مرفوع بالألف لأنه يعرب إعراب المثنى .
يأتيانها : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وألف الاثنين في محل رفع فاعل ، وهاء الغائب في محل نصب مفعول به ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
منكم : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من ضمير الفاعل .

210 ـ قال تعالى : ( ربنا أرنا اللذين أضلانا ) 29 فصلت .
ربنا : منادى بحرف نداء محذوف منصوب بالفتحة ، لأنه مضاف ، ورب مضاف والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
أرنا : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، ونا المتكلمين في محل نصب مفعول به أول .
اللذين : اسم موصول مفعول به ثان منصوب بالياء ، لأنه يعر إعراب المثنى .
أضلانا : فعل ماض وفاعله ومفعوله ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

211 ـ قال تعالى : ( الذين ينفقون في السراء والضراء ) 134 آل عمران .
الذين اسم موصول مبني على الفتح في محل جر صفة للمتقين قبلها .
ينفقون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو في محل رفع فاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
في السراء : جار ومجرور متعلقان بينفقون .
والضراء : الواو عاطفة ، والضراء معطوفة على السراء .

212 ـ قال تعالى : ( اللاتي هاجرن معك ) 50 الأحزاب .
اللاتي : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لبنات .
هاجرن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون في محل رفع فاعل ، والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
معك : ظرف منصوب متعلق بهاجرن ، ومع مضاف ، والكاف في محل جر مضاف إليه .

213 ـ قال تعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم ) 4 الطلاق .
واللائي : الواو حرف استئناف ، واللائي اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ . يئسن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون في محل رفع فاعل . والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
من المحيض : جار ومجرور متعلقان بيئسن .
من نسائكم : جار ومجرور ، ونساء مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه ، وشبه الجملة متعلق بمحذوف في محل نصب حال من فاعل يئسن .
إن أرتبتم : إن شرطية جازمة ، وأرتبتم فعل وفاعل ، والجملة في محل جزم فعل الشرط . وجملة إن أرتبتم وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ .

214 ـ قال تعالى : ( وأما من أتي كتابه بشماله ) 25 الحاقة .
وأما : الواو حرف عطف ، وأما حرف شرط وتفصيل جازم لفعلين .
من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ .
أوتي : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره :
هو . وجملة أوتي لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

كتابه : مفعول به ثان ، لأن نائب الفاعل في الأصل مفعول به أول ، وكتاب مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
بشماله : جار ومجرور متعلقان بأوتي . وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر المبتدأ من .

215 ـ قال تعالى : ( ومن يقنت منكن لله ورسوله ) 31 الإسراء .
ومن : الواو حرف استئناف ، ومن اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ . يقنت : فعل الشرط مجزوم ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
منكن : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من فاعل يقنت .
لله : جار ومجرور متعلقان بيقنت .
ورسوله : الواو حرف عطف ، ورسول معطوفة على لفظ الجلالة ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
وجملة فعل الشرط وجوابه الآتي في محل رفع خبر من .
وجملة من وما بعدها لا محل لها من الإعراب استئنافية .

216 ـ قال تعالى : ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) 27 البقرة .
الواو حرف عطف ، ويقطعون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو في محل رفع فاعل . ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ، أو نكرة موصوفة في محل نصب .
وجملة يقطعون معطوفة على جملة الصلة قبلها لا محل لها من الإعراب .
أمر الله : أمر فعل ماض ، ولفظ الجلالة فاعل مرفوع .
وجملة أمر لا محل لها من الأعراب صلة الموصول ، على الوجه الأول ، وفي محل نصب صفة لما على الوجه الثاني .
به : جار ومجرور متعلقان بأمر .
أن يوصل : أن حرف مصدري ونصب ، ويصل فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو . والمصدر المؤول من أن والفعل يوصل في محل نصب بدل من ما ،
والتقدير : يقطعون وصل ما أمر الله ، أو في محل بدل من الهاء في به ،
والتقدير : يقطعون ما أمر الله بوصله .
217 ـ قال تعالى : ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) 69 طه .
ولا يفلح : الواو حرف عطف ، ولا نافية لا عمل لها ، ويفلح فعل مضارع مرفوع
بالضمة . الساحر : فاعل مرفوع بالضمة .
وجملة لا يفلح معطوفة على جملة إنما صنعوا لا محل لها من الإعراب صلة الموصول . حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بيفلح .
أتى : فعل ماض مبني على الضم ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو .
وجملة أتى في محل جر بالإضافة .

218 ـ قال تعالى : ( فأي الفريقين أحق بالأمن ) 81 الأنعام .
فأي : الفاء حرف رابطة لجواب شرط مقدر ، وأي اسم استفهام مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، الفريقين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى .
أحق : خبر مرفوع بالضمة .
بالأمن : جار ومجرور متعلقان بأحق .

219 ـ قال تعالى : ( أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) 110 الإسراء .
أيا : اسم شرط جازم لفعلين مفعول به مقدم على فعله تدعو منصوب بالفتحة .
ما : زائدة لا عمل لها .
تدعو : فعل الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون ، والواو في محل رفع فاعل . وجملة تدعو لا محل لها من الإعراب استئناف بياني .
فله : الفاء رابطة لجواب الشرط ، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم . الأسماء : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة .
الحسنى : صفة مرفوعة .
وجملة فله الأسماء في محل جزم جواب الشرط .

220 ـ قال تعالى : ( يسألونك ماذا أحل لهم ) 5 المائدة .
يسألونك : فعل وفاعل ومفعول به أول ، والجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية . ماذا : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، وهو الأرجح
لأنه قد أجيب بجملة فعلية ، ويجوز أن تكون ما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ، وذا اسم إشارة في محل رفع خبر .
أحل : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو .
وجملة أحل لهم في محل رفع خبر ماذا .
لهم : جار ومجرور متعلقان بأحل .
وجملة ماذا أحل لهم في محل نصب مفعول به ثان ليسألونك المعلق بالاستفهام .

221 ـ قال تعالى : ( قل من ذا الذي يعصمكم ) 17 الأحزاب .
قل : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت .
من : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ .
ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع خبره .
الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من ذا .
يعصمكم : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، والكاف في محل نصب مفعول به ، وجملة يعصمكم لا محل لها من الإعراب صلة الموصول . وجملة من ذا الذي في محل نصب مقول القول .
وجملة قل وما بعدها لا محل لها من الإعراب كلام مستأنف .

222 ـ قال تعالى : ( والله يؤتي ملكه من يشاء ) 247 البقرة .
والله : الواو حرف استئناف ، أو اعتراض ، ولفظ الجلالة مبتدأ مرفوع بالضمة .
يؤتي : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، وجملة يؤتي لا محل لها من الإعراب استئنافية ، أو اعتراضية .
ملكه : مفعول به أول منصوب ، وملك مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان .
يشاء : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة يشاء لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

223 ـ قال تعالى : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) 96 النحل .
ما عندكم : ما اسم موصول في محل رفع مبتدأ . عندكم : عند ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف صلة لا محل له من الإعراب ، والكاف في محل جر مضاف إليه .
ينفد : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة ينفد في محل رفع خبر ما ,
وما عند الله باق : الواو حرف عطف ، وما موصولة في محل رفع مبتدأ ، وعند الله متعلق بمحذوف صلة لا محل لها من الإعراب ، وباق خبر والجملة معطوفة على ما قبلها .

224 ـ قال تعالى : ( ثم لننزِعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) 69 مريم .
ثم لننزعن : ثم حرف عطف ، واللام واقعة في جواب القسم ، وننزعن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل رفع ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : نحن .
من كل شيعة : جار ومجرور متعلقان بننزعن ، وكل مضاف وشيعة مضاف إليه .
أيهم : أي اسم موصول مبني على الضم لإضافته إلى الضمير في محل نصب مفعول به ، وهو قول الجمهور وسيبويه ، وأي مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
اشد : خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو أشد .
على الرحمن : جار ومجرور متعلقان متعلقان بعتيا الآتي .
عتيا : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة .

225 ـ قال تعالى : ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) 227 الشعراء .
وسيعلم : الواو حرف عطف ، والسين حرف استقبال ، ويعلم فعل مضارع مرفوع .
الذين : اسم موصول في محل رفع فاعل .
ظلموا : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
أي منقلب : أي اسم استفهام مفعول مطلق لينقلبون منصوب بالفتحة الظاهرة ، وأي مضاف ، ومنقلب مضاف إليه مجرور .
وجملة سيعلم الذين معطوفة على جملة والشعراء يتبعهم لا محل لها من الإعراب .
ينقلبون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والواو في محل رفع فاعل .
والجملة سدت مسد مفعولي يعلم المعلق بالاستفهام .

226 ـ قال تعالى : ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) 185 الأعراف .
فبأي : الفاء حرف استئناف ، والباء حرف جر ، وأي اسم استفهام مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، وشبه الجملة متعلقان بيؤمنون ، وأي مضاف ،
حديث : مضاف إليه مجرور .
بعده : بعد ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بيؤمنون ، وبعد مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه ، وهو عائد إما على القرآن ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم .
يؤمنون : فعل وفاعل .
والجملة لا محل لها من الإعراب مستأنفة للتعجب ، والتقدير : إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره .

227 ـ قال تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) 11 المدثر .
ذرني : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، والنون للوقاية ، والياء في محل نصب مفعول به .
ومن : الواو للمعية ، أو عاطفة ، ومن اسم موصول بمني على السكون في محل نصب مفعول معه ، على الوجه الأول ، أو معطوفة على المفعول به في ذرني .
خلقت : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، والعائد محذوف ، والتقدير : خلقته .
وحيدا : حال من العائد المحذوف وهو هاء الغيبة ، أو حال من المفعول به في ذرني وهو ياء المتكلم ، أو من التاء في خلقت ، والتقدير : خلقته وحيدا لم يشركني في خلقه أحد ، وأضاف العكبري أنه حال من " من " أيضا .

228 ـ قال تعالى : ( يا أيتها النفس المطمئنة ) 27 الفجر .
يا أيتها : يا حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، وأي وصلة نداء نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب ، والهاء للتنبيه حرف لا محل له من الإعراب .
النفس : بدل من أي مرفوع بالضمة ، لأن النفس جامدة ، ولكانت مشتقة لأعربت صفة . المطمئنة : صفة مرفوعة للنفس .

229 ـ قال تعالى : ( ويشرب بما تشربون ) 33 النور .
ويشرب : الواو حرف عطف ، ويشرب فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو .
بما : الباء حرف جر ، وما اسم موصول مبني على السكون في محل جر ، وشبه الجملة متعلقان بيشرب .
تشربون : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
وجملة يشرب معطوفة على جملة يأكل قبلها في محل رفع .
وحذف العائد اكتفاء بالعائد الأول وهو منه .

230 ـ قال تعالى : ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) 282 البقرة .
فإن : الفاء حرف استئناف ، وإن شرطية جازمة .
كان فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط .
الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع اسم كان .
عليه : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم .
الحق : مبتدأ مؤخر مرفوع . والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
سفيها : خبر كان منصوب . وجملة فإن وما في حيزها لا محل لها من الإعراب مستأنفة .

231 ـ قال تعالى : ( ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) 46 الحج .
ولكن : الواو حرف عطف ، ولكن حرف استدراك لا عمل له لأنه مخفف من الثقيلة ، تعمى القلوب : فعل مضارع ، والقلوب فاعله .
التي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة للقلوب .
في الصدور : جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول لا محل له من الإعراب .

232 ـ قال تعالى : ( أ رأيت الذي يكذب بالدين ) 1 الماعون .
ارأيت : الهمزة للاستفهام ، وهي مع رأيت بمعنى أخبرني ، رأيت فعل وفاعل .
الذي : اسم موصول في محل نصب مفعول به .
ويجوز أن تكون الرؤية قلبية فيكون المفعول به الثاني محذوف ، والتقدير : هل عرفت الذي يكذب بالدين من هو . وقيل إن الرؤية بصرية تكتفي بمفعول واحد .
يكذب : فعل مضارع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
بالدين : جار ومجرور متعلقان بيكذب .

233 ـ قال تعالى : ( إنْ أمهاتهم إلا اللاتي ولدنهم ) 2 المجادلة .
إن أمهاتهم : إن نافية لا عمل لها ، وأمهاتهم مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، والضمير المتصل في محل جر مضاف إليه .
إلا اللاتي : إلا أداة حصر لا عمل لها ، واللاتي اسم موصول مبني في محل رفع خبر . ولدنهم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون ضمير متصل في محل رفع فاعل ، وهاء الغيبة في محل نصب مفعول به .
وجملة ولدنهم لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

234 ـ قال تعالى : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) 154 الأنعام .
ثم : حرف عطف في الأصل أن يكون للترتيب والتراخي ، ولكنها في هذا الموضع مختلفة ، وفيها عدة أقوال منها : أنها للترتيب في الإخبار ، وقال الأخفش إنها للترتيب مع التخلف عن التراخي ، وقال ابن هشام في المغني " والظاهر أن ثم واقعة موقع الفاء " ، وقال الزمخشري : إنه عطف بها على " وصاكم به " والتوصية قديمة حديثة أي لم تزل توصاها كل أمة على لسان نبيهم ، وهو أفضل ما قيل فيها في هذه الآية ، والله أعلم .
آتينا : فعل وفاعل . موسى : مفعول به أول منصوب بالفتحة المقدرة للتعذر .
الكتاب : مفعول به ثان منصوب بالفتحة .
تماما : مفعول لأجله منصوب بالفتحة ، والتقدير : لأجل تمام النعمة ، ويجوز فيه النصب على نيابة المفعولية المطلقة مبينة لصفة ، والتقدير : آتيناه إيتاء تماما لا نقصان فيه ، كما يجوز في النصب على الحالية من الفاعل في آتينا ، والتقدير : متممين ، أو من الكتاب ، والتقدير : حال كونه تماما .
على الذي : جار ومجرور متعلقان " بتماما " ، والتقدير : على من أحسن القيام به . أحسن : فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة أحسن لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

235 ـ قال تعالى : ( وَلأُحلَ لكم بعض الذي حرم عليكم ) 50 آل عمران .
ولأُحل : الواو حرف عطف ، واللام للتعليل ، وأحل فعل مضارع من صوب بأن مضمرة جوازا بعد لا التعليل ، والمصدر المؤول من أن والفعل في محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلق بجئتكم مقدرة ، ولا يجوز عطفه على " مصدقا " ، لأنه حال ، ولأحل تعليل .
لكم : جار ومجرور متعلقان بأحل . بعض : مفعول به ، وهو مضاف .
الذي : اسم موصول في محل جر مضاف إليه .
حرم : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
وجملة حرم لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
عليكم : جار ومجرور متعلقان بحرم .

236 ـ قال تعالى : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) 35 الرعد .
مثل الجنة : مثل مبتدأ مرفوع بالضمة ، وخبره محذوف على مذهب سيبويه ، والتقدير : فيما قصصناه عليكم مثل الجنة أي صفتها التي هي مثل في الغرابة ، وقال الزجاج معناه : مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار على حذف الموصوف تمثيلا لما غاب عنا بما نشاهد .ومثل مضاف ، والجنة مضاف إليه .
التي : اسم موصول في محل جر صفة للجنة .
وعد : فعل ماض مبني للمجهول .
المتقون : نائب فاعل مرفوع بالواو لنه جمع مذكر سالم .
وجملة وعد لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .

237 ـ قال تعالى : ( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ) 35 النور .
مثل نوره : مثل مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف ، ونوره مضاف إليه ن ونور مضاف ، والضمير المتصل في محل جر بالإضافة .
كمشكاة : الكاف اسم بمعنى مثل خبر المبتدأ ، والكاف مضاف ، ومشكاة مضاف إليه . وجوز أن تكون الكاف حرف جر ، ومشكاة اسم مجرور ، وسبه الجملة متعلق بمحذوف في محل رفع خبر مثل .
فيها : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم .
مصباح : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة .
والجملة الاسمية في محل جر صفة لمشكاة .
وجملة مثل نوره لا محل لها من الإعراب مفسرة لما قبلها .
المصباح : مبتدأ مرفوع . في زجاجة : متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر .
والجملة مفسرة لما قبلها لا محل لها من الإعراب .
الزجاجة : مبتدأ مرفوع . كأنها : كأن واسمها في محل نصب .
كوكب : خبر كأن مرفوع . دري : صفة لكوكب مرفوع مثله .
وجملة كأنها في محل رفع خبر الزجاجة .
وجملة الزجاجة وما بعدها لا محل لها من الإعراب مفسر لما قبلها .

238 ـ قال تعالى : ( ومن يقنُتْ منكن لله ورسوله وتعمل صالحا يؤتها ) 31 الأحزاب .
ومن : الواو حرف عطف ، ومن اسم شرط جازم مبني على السكون في رفع مبتدأ . يقنت : فعل الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هي . والجملة معطوفة على ما قبلها .
منكن : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من فاعل يقنت .
لله ورسوله : لله جار ومجرور متعلقان بيقنت ، والواو حرف عطف ، ورسوله معطوف على لفظ الجلالة ، والضمير المتصل برسول في محل جر مضاف إليه .
وتعمل : الواو حرف عطف ، وتعمل فعل مضارع معطوف على تقنت مجزوم
مثله ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي . والجملة معطوفة على ما قبلها .
عملا مفعول مطلق منصوب بالفتحة . صالحا : صفة منصوبة .
يؤتها : جواب الشرط مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، والضمير المتصل في محل نصب مفعول به .
وجملة الشرط وجوابه في محل رفع خبر من .

239 ـ قال تعالى : ( ومنهم من يستمعون إليك ) 42 يونس .
ومنهم : الواو حرف عطف : ومنهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر مقدم .
من : اسم موصول بمني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر ، ويجوز أن تكون نكرة موصفة بمعنى شيء .
يستمعون : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة من على الوجه الأول ، أو في محل رفع صفة لها على الوجه الثاني ، والتقدير : ناس يستمعون ، وأعاد الضمير جمعا مراعاة لمعنى من ، والأكثر مراعاة لفظة كقوله تعالى ( ومنهم من ينظر إليك ) .
إليك : جار ومجرور متعلقان بيستمعون .

240 ـ قال تعالى : ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات ) 25 البقرة .
وبشر : الواو حرف عطف ، وبشر فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت .
الذين : اسم موصول مبني في محل نصب مفعول به .
آمنوا : فعل وفاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول .
وعملوا : الواو عاطفة ، وعملوا فعل وفاعل ، والجملة معطوفة على ما قبلها لا محل لها من الإعراب .
الصالحات : مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم .
أن لهم : أن حرف توكيد ونصب ، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر أن مقدم . جنات : اسم أن مؤخر منصوب بالكسرة .
وأن ومعموليها في محل نصب على نزع الخافض ، لأنه يصح حذف حرف الحر قبل أنَّ المشبهة بالفعل المفتوحة الهمزة .

241 ـ قال تعالى : ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) 5 البلد .
أيحسب : الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي ، ويحسب فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو .
أن : أن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، والتقدير أنه .
لن يقدر : لن حرف نفي ونصب واستقبال ، ويقدر فعل مضارع منصوب بلن .
عليه : جار ومجرور متعلقان بيقدر .
أحد : فاعل يقدر مرفوع بالضمة . والجملة الفعلية في محل رفع خبر أن .

242 ـ قال تعالى : ( يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره ) 35 الشعراء .
يريد : فعل مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو .
أن يخرجكم : أن حرف مصدري ونصب ، ويخرجكم فعل مضارع منصوب ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، والكاف في محل نصب مفعول به .
والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب مفعول به ليريد .
من أرضكم : جار ومجرور ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلق بيخرجكم .
وجملة يريد وما بعدها في محل رفع صفة لساحر .
بسحره : جار ومجرور ، ومضاف إليه ، وشبه الجملة متعلق بيخرجكم أيضا .

243 ـ قال تعالى : ( كي نسبحك كثيرا ) 33 طه .
كي نسبحك : كي حرف مصدري ونصب واستقبال ، ونسبحك فعل مضارع منصوب بكي ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : نحن ، والكاف في محل نصب مفعول به . ويلاحظ أن كي هنا مصدرية ناصبة بنفسها ، ولو كانت تعليلية لانتصب الفعل بعدها بأن مضمرة وجوبا في النثر ، وقد تظهر في الشعر فانتبه ، وكي التعليلية فتجر المصدر المنسبك من أن المضمرة والفعل بعدها .
كثيرا : نائب عن المفعول المطلق مبين لصفته منصوب بالفتحة ، ويجوز أن تكون صفة لظرف محذوف .

244 ـ قال تعالى : ( ودوا لو تكفرون ) 89 النساء .
ودوا : فعل ماض وفاعله . والجملة لا محل لها من الإعراب كلام مستأنف مسوق لمتابعة وصفهم .
لو تكفرون : لو حرف مصدري لا عمل له ، وتكفرون فعل مضارع مرفوع ، والواو فاعله ، والمصدر المؤول من لو وتكفرون في محل نصب مفعول به لودوا ، والتقدير : ودوا كفركم .

245 ـ قال تعالى : ( ما دامت السموات والأرض ) 108 هود .
ما دامت : ما مصدرية حينية ، ودامت فعل ماض تام مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث ، والمصدر المؤول من ما والفعل الماضي متعلق بخالدين ، والتقدير : خالدين فيها مدة دوام السموات والأرض .
السموات : فاعل دامت . والأرض : معطوفة على السموات .

246 ـ قال تعالى : ( سواء علينا أوعظت أو لم تكن من الواعظين ) 136 الشعراء .
سواء علينا : سواء خبر مقدم مرفوع بالضمة الظاهرة ، وعلينا جار ومجرور متعلقان بسواء .
أوعظت : الهمزة للتسوية حرف مصدري لا محل له من الإعراب ، ووعظت فعل وفاعل . وهمزة التسوية والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر ، والتقدير : سواء علينا وعظك .
أو : حرف عطف مبني لا محل له من الإعراب .
لم تكن : حرف نفي وجزم وقلب ، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وحذفت الواو من وسطه للتخفيف شأنه شأن الأفعال المعتلة الوسط عند الجزم كقال ، وباع وقام وغيرها . نقول : لم يقل ، ولم يبع ، واسم يكن محذوف تقديره : أنت .
من الواعظين : جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب خبر تكن .
وجملة أم لم تكن من الواعظين معادلة لجملة أوعظت ، وأتى بالمعادل هكذا دون قوله : أم لم تعظ مراعاة لأواخر الآيات .
بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"