بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أبريل 2010

طلب العلم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

Text Box: من أعظم النشاطات وأقدس المهمات للإنسان أن يطلب العلم :

مازلنا أيها الأخوة في كتاب العلم ، وفي الترغيب في طلب العلم ، وبيان فضله ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ما من رجل سلك طريقا يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

[ مسلم عن أبي هريرة] .

هذا الحديث يحتاج إلى شرح ، الإنسان له نشاطات كثيرة في حياته الدنيا ، قال تعالى :

( سورة الليل ) .

الإنسان له حركة في الحياة ، طبعاً هناك دوافع ، هناك دوافع إلى الطعام والشراب ، دوافع إلى الطرف الآخر ، دوافع إلى تأكيد الذات ، هذه الدوافع التي في داخل الإنسان تدفعه إلى الحركة ، الإنسان حركي ، وليس سكونياً ، حركته سببها الدوافع التي في داخله ، تدفعه إلى أن يأكل ، وإلى أن يشرب ، وإلى أن يتزوج ، وإلى أن يؤكد ذاته ، فبسبب الدوافع الإنسان له حركة ، هذه الحركة من أجل هذه الحركات ، من أعظم النشاطات ، من أقدس المهمات أن يطلب العلم ، أن يخرج من بيته لطلب العلم ، العلم بالله ، العلم بحقيقة العلم ، العلم بحقيقة الحياة الدنيا ، العلم بحقيقة الإنسان ، العلم بالشيء الذي ينفعه بالدنيا والآخرة ، العلم بالكليات ، بالجزئيات ميسر ، كل إنسان عنده حرفة ، عنده اختصاص ، يحمل شهادة ، هذا طبيب ، هذا صيدلي ، هذا مهندس ، هذا مدرس ، هذا العلم الذي تعلمه ليكسب قوته هذا نوع من الحرف ، أما العلم الذي يعرفه بحقيقة الكون ، بحقيقة الإنسان ، هذا هو العلم الحقيقي .

Text Box: طاعة الرحمن أهم شيء في الدين بعد الإيمان :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

[ مسلم عن أبي هريرة] .

خرج من بيته ، بحث عن خطبة جمعة ليستفيد منها ، هناك أناس كثيرون يريد أن يؤدي الفريضة ، ولو في الركعة الثانية من صلاة الجمعة ، وانتهى الأمر ، ولا يعنيه أن يستفيد من هذه الصلاة شيئاً ، لو إنسان بحث عن مسجد لينتفع من خطبته ، بحث عن مجلس علم لينتفع مما يلقى فيه من علم ، بحث عن إنسان يعينه على معرفة دينه ، بحث عن عمل صالح ، البحث عن علم يعرفك بذاتك ، هذه :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

فكيف إذا طريق ينتهي به إلى الجنة ؟ الذي يحصل أنت في هذا الدرس عرفت أن الإنسان مخير ، بهذا الدرس عرفت أن الإنسان مكلف ، بهذا الدرس عرفت أن الإنسان عليه أن يعبد الله ، بهذا الدرس عرفت أن أهم شيء في الإيمان ، أهم شيء في الدين بعد الإيمان طاعة الرحمن ، فكلما عرفت حقيقة ، وقنعت بها ، وتعمقت في نفسك ، انقلبت إلى عمل ، بعد حين دون أن تشعر ، دون أن تدري ، السلوك انضبط ، النوايا سمت ، الأعمال الصالحة بدأت ، هذا الذي تفعله من استقامة ، وعمل صالح ، وذكر ، وقرب من الله ، هذا الذي تفعله ينتهي بك إلى الجنة .

Text Box: الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل :

تصور إنساناً خرج من بيته ليتعلم ، تصور طريقاً مستمراً ، أوله في بيتك وآخره في الجنة ، الإنسان يأتيه الأجل ، وهذا الأجل لا مرد له من الله .

البارحة كنت في تعزية ، صديق لي ، وبيننا علاقة طيبة جداً قديمة وحميمة ، جالس في مكتبه في وزارة ، فجأة انحنى رأسه وسلّم الروح إلى الله عز وجل ، هو في الخمسينات ، الموت شيء مخيف ، أن الإنسان يغادر الدنيا فجأةً ، يا ترى أنهى حساباته ؟ أنهى الذمم ؟ هل هو مستعد لهذه الساعة ؟ الموت يأتي فجأةً ، والقبر صندوق العمل .

ذكرت مرة طرفة : أن شركة طيران ـ سأتصور لهذه الشركة خصائص نادرة جداً ـ عرضت عليك أنك إذا اشتريت بطاقة طائرة فيها ، لن تستطيع أن تسترجع الثمن إن لم تسافر ، لو أنك لم تسافر لخطأ ما لن تستطيع أن تسترجع ثمن البطاقة ، والبطاقة إلى أمريكا، ثمنها مئتا ألف ، وهذا الشركة هي التي تأخذك من بيتك ، ولا يقف سائق السيارة إلا دقيقة واحدة ، المواعيد من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء ، تصور هذه الشركة ! المبلغ مئتا ألف ، وأنت إنسان بحاجة إلى هذا المبلغ ، وإن تخلفت عن الرحلة لن تسترد هذا المبلغ ، هم يأخذونك من البيت ، هم لا ينتظرون إلا ثانية ، ولا دقيقة واحدة ، والموعد من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء ، شيء بديهي جداً أن تقف وراء الباب الساعة الثامنة صباحاً ، وبيدك حقائبك .

هذا معنى الآية الكريمة :

( سورة آل عمران ) .

ما دام الموت لا نعرف متى يأتي ، من هذه اللحظة ، وفي أي وقت آخر يأتينا ملك الموت ، والإله العظيم يأمرنا أو ينهانا عن أن يأتينا الموت إلا ونحن مسلمون ، إذاً يجب أن تكون مستعداً في عباداتك ، في معاملاتك ، في ذممك ، في علاقاتك ، لملاقاة الله عز وجل، فالإنسان إذا حضر مجلس علم ، تعلم تفسير كلام الله عز وجل ، عرف سنة رسول الله، كلما عرف شيئاً ، وتعمق في فهمه ، وقنع به ، وتبناه ، من دون أن يدري انقلب هذا الشيء إلى عمل .

Text Box: الانضباط يفضي بالإنسان إلى العمل الصالح و منه إلى القرب  من الله عز وجل :

الملاحظ أن الإنسان يساق إلى مجلس علم دون أن يشعر ، يسمع كلاماً ، يسمع توجيهات ، تعليقات ، أحكاماً ، طموحات ، أهدافاً ، لو أنه راقب نفسه ، والأصح لو أن غيره راقبه ، لرأى أن هناك أمور قد تركها ، و كلمات لم يعد ينطق بها ، ونظرات غضّ بصره عنها ، ودخل تركه ، دون أن يشعر ، انضبط ، بعد الانضباط هناك عمل صالح ، بعد العمل الصالح هناك قرب من الله ، دون أن يدري سلك طريقاً ينتهي به إلى الجنة .

من أخطر الأعمال أن ترتدي ثيابك ، وأن تخرج من بيتك لتعرف الحقيقة ، أقدس عمل ، أجلّ عمل ، قد تنشئ أكبر جسر في العالم .

ذكرت لكم في اسطنبول جسر بين قارة أوربا وآسيا ، أحد أضخم الجسور في العالم ، جسر عملاق ، والذي أنشأه أحد عدة مهندسين في العالم ، محمول على حبال ، وهو عال جداً ، وأربع حارات ، حارتان للمشاة ، ارتفاعه خمسة و ستون متراً ، وتمر تحته أكبر باخرة ، وكل حباله فولاذية معلقة ، ومع ذلك هذا الذي صممه ، وأشرف على تنفيذه ، يوم الافتتاح ألقى بنفسه من الجسر إلى البحر فنزل ميتاً ، ذهبوا إلى الفندق فإذا به قد كتب رسالة قال فيها : لقد ذقت الحياة كلها ، فلم أجد لها طعماً ، أردت أن أذوق طعم الموت ، هذا لم يسلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، لم يعرف سرّ وجوده ، لم يعرف أن عليه رسالة ينبغي أن يؤديها ، لم يعرف قيمة الحياة الدنيا التي هي مزرعة الآخرة ، لم يعرف أن هذه الحياة حياة دنيا ، وهي إعداد لحياة عليا ، لم يعرف الله عز وجل ، ذاق كل شيء أكل ، وشرب ، والتقى بنساء ، وعلا في الأرض ، وتألق ، ولكنه لم يجد للحياة طعماً فأراد أن يذوق طعم الموت .

Text Box: على الإنسان أن يعرف الغاية من وجوده :

فيا أيها الأخوة الكرام ، احرصوا على طلب العلم ، احرصوا على معرفة الحقيقة، احرصوا على معرفة سرّ وجودكم ، احرصوا على معرفة كتاب الله ، وسنة رسول الله ، احرصوا على معرفة غاية وجود الإنسان ، هذا إذا الإنسان :

(( سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

[مسلم عن أبي هريرة] .

هذا الطريق أوله من بيتك ، وآخره في الجنة ، ما عليك إلا أن تسلك هذا الطريق؛ طريق العلم ، انعكس هذا على بيتك ، أنت اسأل زوجة أحد أخواننا الكرام ، اسأل الزوجة كيف حال زوجك قبل أن يعرف الله ؟ لأجابتك بأنه لا يحتمل ، فظاظة ، قسوة بالغة ، انحراف ، كلام لا يليق به ، كسب للمال عشوائي ، إنفاق للمال عشوائي ، علاقات لا ترضي الله عز وجل ، اسأل هذه الزوجة كيف حال زوجك بعد أن عرف الله ؟ لأجابتك : صار ملكاً، انضبط ، أصبح هناك قيم و مبادئ تحكمه ، و يسعى إلى هدف مقدس .

الذي يلفت النظر أيها الأخوة أن المؤمن شاب ، بالتسعين شاب ، هدفه كبير ، غير المؤمن جالس في المقهى يلعب النرد ، حتى ساعة متأخرة من الليل ، جالس يتابع الأشياء الساقطة على الشاشة ، حياة الإنسان تافهة جداً من دون معرفة لله عز وجل .

الحياة من دون دين لا تعاش ، من دون هدف سامٍ لا تعاش ، من دون مبادئ لا تعاش ، من دون قيم لا تعاش ، من دون كتاب لا تقرأه وتتفاعل معه لا تعاش ، من دون قدوة عظيمة تتبعها كالنبي الكريم لا تعاش .

Text Box: الدين أصل في الحياة الدنيا :

أهل الدنيا إن تركوا الدين كل شيء يمُل في الحياة ، يدخل إنسان فقير لبيت غني، يتصور أن الغني غارق في السعادة ، وقد يكون بيت الفقير هو المليء بالسعادة .

حدثني أخ قبل يومين وهو عندي صادق ، دخل على رجل ، له حجم مالي لو دفع زكاة ماله لكفى نصف أهل الشام ، زكاة ماله فقط ، بمئات ، لا أقول مئة واحدة بل مئات الملايين ، لا من الليرات بل من الدولارات ، ومع ذلك شكا له همه ، ضيق ، سقم ، ضجر ، ملل ، لا يدري ماذا يفعل ، في بيته غير مرتاح ، في عمله غير مرتاح ، ذكر أشياء غير معقول أبداً ، قال هذا الأخ الكريم : في الوقت نفسه ، في اليوم نفسه ، جاءت إلى محله امرأة فقيرة ، تطلب منه مساعدة ألف ليرة بالشهر ، قال لها : من أين أنت يا أختي ؟ قالت : أنا من داريا ، لي زوج ، ولي أولاد ، وزوجي يكسب رزقاً حلالاً ، ورزقه يكفي مصروفنا ، نحن بحاجة إلى أجرة البيت ، فأخذ عنوان البيت ، كان عنده اجتماع بداريا لجمعية خيرية فحضر هذا الاجتماع وأعطاهم الاسم ، وطلب إليهم أن يدفعوا لها ألف ليرة كل أسبوع ، قال : نحن لا بد من التحقيق ، فذهبوا إلى التحقيق وكان معهم هذا الأخ الكريم ، يصف لي هذا البيت ، البيت غرفة ثلاثة أمتار ونصف بثلاثة أمتار ونصف ، ملحق بها مكان اسمه تحت الدرج بلا باب ، وهناك موقد و طاولة ، وبعض الحاجات ، هذا هو البيت ، والزوج كان مريضاً مضجعاً في سريره ، و في البيت أربعة أولاد ، الذي لفت نظره الأدب الجم في هذه الأسرة ، كيف حالكم يا أختي ؟ قالت : الحمد لله ؟ نحن سعداء جداً ، نحن مقصرون في شكر الله ، شيء غير معقول ، قبل ساعات كان مع رجل زكاة ماله تحل مشكلات نصف فقراء دمشق ، وهذه امرأة تسكن في غرفة واحدة ، ومطبخها تحت الدرج ، وتملك حاجات خشنة جداً ، فطلب من اللجنة أن تعطيها ألفي ليرة في الشهر ، قالت : لا ، نريد ألفاً ، أعطوا الألف الآخر لغيرنا ، لعله أكثر استحقاقاً .

عمل موازنة ، معقول أسرة بغرفة واحدة ، شاكرة ، حامدة ، سعيدة ، لكن ينقصها ألف ليرة ، أعطوها ألفاً ثانية لم تقبل ؟!

Text Box: الإنسان لا يحيا و لا يرقى إلا بالعلم :

أخواننا الكرام ، الإنسان بالعلم يحيا ، بالعلم يرقى ، بالعلم يسمو عمله ، بالعلم يعرف حقيقة وجوده ، بالعلم يصبح إنساناً راقياً جداً ، هذا الحديث دقيق جداً :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

أنا أحياناً والله أخجل من بعض الأخوان ، يأتون من مكان بعيد ، من أطراف المدينة ، من خارج دمشق ، ليحضروا صلاة الفجر .

واحد من الصحابة الكرام يسكن في مكان بعيد ، فتاقت نفسه أن يسكن إلى جانب المسجد النبوي ، فعرض على النبي رأيه ، أنه أنا سأبيع هذا البيت ، وسأشتري بيتاً إلى جانب المسجد ؟ عليه الصلاة والسلام بَشَّر كل هؤلاء الذين يأتون من مكان بعيد قال : " مكانكم تكتب آثاركم ".

ابقَ في مكانك و لك أجر مضاعف حينما تأتي تلتمس بهذا المجيء علماً .

Text Box: على الإنسان أن يلتمس العلم بالله والعلم بأمر الله والعلم  الذي ينفعه في الدنيا والآخرة :

أيها الأخوة :

(( ما من رجل سلك طريقا يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

لكن ما كل علم يلتمس ، النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ، ومن أذن لا تسمع ، ما كل علم يلتمس ، التمس العلم بالله، والتمس العلم بأمر الله ، والتمس علماً ينفعك في دنياك وفي آخرتك ، والتمس علماً يعرفك بالله ، المقصود العلم النافع بالدين ، حتى في الدين هناك علوم في الهامش ، بعيدة جداً غير عملية ، العمر محدود ، يجب أن تضع يدك على أصل الدين ، وعلى جوهر الدين ، وعلى الأصول قبل الفروع ، وعلى الأشياء العملية قبل النظرية .

الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام :

(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) .

[أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أبي هريرة ] .

ولعلنا غداً إن شاء الله نقف عند الحديث وقفة متأنية إن شاء الله .

والحمد لله رب العالمين

كتمان العلم من الكبائر

لحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

Text Box: كتمان العلم من الكبائر :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ )) .

[أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ] .

أول حقيقة هي أن كتمان العلم من الكبائر ، وكلكم يعلم أن الكبائر مهلكة ، وقد قال الله عز وجل :

( سورة النساء ) .

فالإنسان إذا وقع في كبيرة فقد أهلك نفسه ، ومن الكبائر أن تكتم العلم ، هناك من يفتي بغير علم ، له عند الله عقاب أليم ، لكن المجرم هو الذي يفتي بخلاف ما يعلم ، فرق كبير بينهما ، يفتي بلا علم جاهل ، أما هناك من يعلم الفتوى الصحيحة ، يعلم الحكم الشرعي الصحيح ، يعلم وجهة نظر الشرع في هذا الموضوع ، ولكن لمصالحه المادية ، أو لمركزه ، أو ممالئة للأقوياء يفتي بخلاف ما يعلم ، أي كتم العلم ، كتم علمه ، لذلك ورد في القرآن الكريم :

( سورة الأحزاب الآية : 39 ) .

Text Box: من كتم الحكم الشرعي إرضاءً للآخرين أو طلباً للنجاة  والسلامة فقد عطل الأمر بالمعروف :

هذا الذي يبلغ رسالات الله له صفات كثيرة ، ربنا سبحانه وتعالى أهملها كلها واكتفى بصفة واحدة ، أنه يبلغ ولا يخشى أحداً إلا الله ، لأنه لو خشي غير الله وكتم العلم إرضاء لهذا الذي يخشاه ، أو تكلم بالباطل إرضاء له ، ماذا بقي من رسالته ؟ انتهى ، القرآن الكريم له أسلوب بليغ في الوصف ، يأتي بصفة مترابطة مع الموصوف ترابطاً وجودياً ، فإذا ألغيت الصفة ألغي الموصوف ، نقول : الطائرة تطير ، إن ألغيت طيرانها ألغيتها الطائرة كلها، لو وصفتها أنها كبيرة ، الباخرة كبيرة ، غالية ، اليخت غال ، فخمة ، البيت فخم ، أما أنت وصفت الطائرة بالطيران ، فلو ألغي الطيران ألغيت الطائرة .

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾ ، قد يقول أحدنا : هذا مع الدعاة ، نحن من عامة المسلمين ما علاقتنا بهذا الحديث ؟ هذا الحديث يغطي كل المسلمين .

أنت عم ، لك ابنة أخ ، ذهبت إليهم ، مظهر هذه البنت ولباسها ليس شرعياً سكتت ، أنت كتمت علماً ، كلما كتمنا العلم توسعت دائرة الباطل وضاقت دائرة الحق .

لك شريك ، لك جار ، لك أخ ، لك صديق ، لك ابن ، لك بنت ، كلما تأملت في وضع ولم يكن شرعياً ، وكتمت الحكم الشرعي إرضاءً للآخرين ، أو طلباً للنجاة والسلامة ، أنت عطلت الفريضة السادسة ، الفرائض صوم ، وصلاة ، وحج ، وزكاة ، والسادسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك هذه الفريضة لو عُطلت انتهى الإسلام .

Text Box: من أهداف الإسلام المحافظة على وجوده و تنمية الحق :

عندنا هدفان كبيران للإسلام هما ؛ أن نحافظ على وجوده ، وأن ننمي الحق ، الحفاظ على وجود الحق يكون بالتواصي بالحق ، قال تعالى :

( سورة العصر ) .

التواصي بالحق أحد أركان النجاة ، إنك إن وصيت الناس بالحق ، نصحتهم ، أمرتهم بالمعروف ، نهيتهم عن المنكر ، الحق يبقى ، ثم ينمو .

قال لي أخ : دخلت على صديق لي ، عنده موظفة متفلتة جداً ، فقلت له : أنت محسوب علينا ، أنت معدود مع المؤمنين ، ومع المسلمين ، وهذا لا يليق بك ، قال له : دخل لعندي مئات الأشخاص و لم يتكلم أحد منهم هذا الكلام ، هذه ملاحظة قيمة جداً ، هو نصحه ، وحينما يفعل أو لا يفعل صار الأمر له ، أما أنت فعليك مهمة أديتها .

مرة فيما أذكر عبد الملك بن مروان أراد أن يخطب في الناس قبل صلاة العيد ليضمن بقاءهم في المسجد ، فصعد المنبر قبل أن يصلي ، فرجل ـ أعتقد أنه سعيد بن الزبير ـ أمسكه من ثوبه ، و قال له : يا أمير المؤمنين هذا ما فعله النبي ، فلم يسمع كلامه و أكمل صعوده ، فقال آخر : أما هذا فقد أدى الذي عليه .

Text Box: كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تُقرب أجلاً :

أنت لست مكلفاً فوق الكلام ، نصحك ، أخي هذا العمل غير شرعي انتبه ، الله كبير ، أنت انطق بالحق فقط ، ليس عليك إلا البلاغ .

( سورة المائدة الآية : 67 ) .

قالوا : كلمة الحق لا تقطع رزقاً ، ولا تقرب أجلاً ، فإذا كان كل واحد منا لا يسكت عن الباطل ، لا يسكت عن الخطأ ، تكلم ، فالخطأ يتقلص ، والحق يتنامى ، أما كلنا نجامل بعضنا إلى ما لا نهاية ، هذه المجاملة تنمي الباطل وتضيق دوائر الحق .

لذلك عدّ النبي عليه الصلاة والسلام كتمان العلم من الكبائر ، نحن جالسون أذن الظهر ، والعصر كاد أن يقترب ، و لم يتحرك أحد ، لا تجامل أحداً ، أذن الظهر قم وصلِّ وادعُ الناس للصلاة ، طبعاً السلامة تقتضي ألا تتكلم أي كلمة ، بل تبقى ساكتاً ، لأن النطق بالحق يحتاج إلى جهد ، إلى جرأة ، وإلى اقتحام .

Text Box: مواقف مشرفة من التاريخ الإسلامي :

لذلك ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾ ، وفي التاريخ الإسلامي مواقف كثيرة جداً مشرفة .

مرة هارون الرشيد فيما أذكر وصل للمدينة ، فطلب أحد العلماء ليلتقي معه ، فاختاروا الإمام مالك ، ذهبوا إليه أن ائت معنا لأن الخليفة يريدك ، قال لهم : قولوا له : يا هارون إن العلم يؤتى ولا يأتي ، فقال : صدق ، نحن نأتيه ، فلما بلغه ذلك ، قال : قولوا له : لا أسمح له أن يتخطى رقاب الناس .

أنا ذكرت بخطبة أن نظام الإسلام عجيب ، بالمسجد من يصل أولاً يجلس في الصف الأول ، من يجلس آخراً يجلس في الصف الأخير ، هناك مساواة ، قد يكون إنسان مرتبته في المجتمع في الصف الأول ، وبالمسجد في الصف الأخير ، إنسان مرتبته في الصف الأخير ، جاء باكراً وجلس في الصف الأول ، المسلمون في بيوت الله سواسية .

إذاً لا أسمح له أن يتخطى رقاب الناس ، قال : صدق ، أعطوه كرسياً ، فقال الإمام مالك : من تواضع رفعه الله ، ومن تكبر وضعه الله ، قال : خذوا عني هذا الكرسي ، أي كان هناك جرأة ، و نطق بالحق ، وهذا مما يرفع قيمة العلم .

سُئل الحسن البصري : بِمَ نلت هذا المقام ؟ قال : "باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي" .

الحسن البصري من كبار التابعين ، عاصر الحجاج ، والحجاج كان طاغية ، يبدو أن هناك أخطاء كثيرة جداً ، والحسن البصري بحكم وظيفته في العلم ، حذر الناس منها ، فبلغ الحجاج ذلك فثارت ثائرته ، قال لمن حوله : يا جبناء والله لأروينكم من دمه ، وأمر بقتله ـ معنى أمر بقتله أي جيء بالسياف إلى قصره ، ومدّ في بهو القصر النطع وهو رداء كبير يحمي الأثاث من الدم المتطاير من المقتول ـ جيء بالسياف ، ومدّ النطع ، ثم جيء بالحسن البصري ، فلما دخل ورأى السياف جاهزاً ، فهم كل شيء ، فحرك شفتيه بتمتمات لم يفهمها أحد ، عندما وصل ، ودخل ، ما كان من الحجاج إلى أن وقف له ، واستقبله ، ورحب به ، وما زال يدنيه منه حتى أجلسه إلى جانبه ، وقال : يا أبا سعيد أنت من أفضل العلماء ، وسأله قالوا : وعطره ، ورحب به ، ثم شيعه إلى باب القصر ، السياف لم يفهم شيئاً ، صُعق ، فلحقه وقال له : يا إمام قد جيء بك بغير ما فعل فيك ، فماذا قلت بربك ؟ قال له : قلت لربي لما رأيت هذا : " يا مؤنسي في وحشتي ، يا ملاذي عند كربتي ، اجعل نقمته علي برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ".

الله يبدل ، القلوب بيد الله عز وجل .

Text Box: الحكم الشرعي و الموقف الشخصي :

العبرة أن الإنسان لا يكتم علماً ، أنت لست مكلفاً أن تصل إلى هذا الحد ، أحياناً الحكم الشرعي حتى تكون دقيقاً لو أنك نطقت به فنتج عنه فتنة أكبر من الفتنة التي تنكرها لست مكلفاً أن تنطق بها ، نحن عندنا حكم شرعي ، وعندنا موقف شخصي ، لعل الحسن البصري وقف موقفاً شخصياً ، لكن كل موقف له ثمن ، لكن الحكم الشرعي يسع المسلمين جميعاً .

سيدنا الصديق شرب لبناً من مال حرام ، تقيأه ، لو إنسان منا شرب حليباً من مال حرام هل هو مكلف شرعاً أن يتقيأه ؟ لا ، يستغفر الله ، لأنه لم يكن يعلم ، عندنا حكم شرعي، وعندنا موقف شخصي ، الحكم الشرعي يسع الناس جميعاً ، ومن طبق الحكم الشرعي لا شيء عليه ، وهناك موقف شخصي .

عمار بن ياسر عُذب حتى ضغط عليه أن ينطق بكلمة الكفر ، نطق بها ، فلما جاء النبي مرتعداً ، قال : لا شيء عليك ، ولو عادوا عد ، ونزل قول تعالى :

( سورة النحل الآية : 106 ) .

بلال ما فعل هذا ، قال : أحدٌ أحد ، موقف بلال موقف شخصي ، موقف عمار حكم شرعي ، الحكم الشرعي يسع كل الناس ، الموقف الشخصي يحتاج إلى مبادرة ، وإلى جرأة ، وهذا له عند الله حساب خاص ، فنحن غير مكلفين أن ننطق بالحق إذا نتج عن النطق بالحق فتنة أكبر من المنكر الذي ننكره ، أحياناً يكون الوضع صعباً جداً ، ما كلف الله نفساً إلا وسعها ، لكن لو الإنسان اجتهد اجتهاداً صادقاً ، الله يحفظه ، ويحميه ، ويؤجره ، وكل شيء له ثمن ، لكن بآخر الزمان :

(( حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ )) .

[ أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني] .

خاصة النفس ؛ أولادك ، أقرباؤك ، جيرانك ، أخوانك ، رواد مسجدك ، خاصة نفسك ، والمجتمع الذي تعيش فيه ، أما بالطريق إنسانة متفلتة ، يا أختي حرام عليك تمشي هكذا ، ما كلفك الشرع أن تفعلها ، قد يكون هذا فوق طاقتك ، إنسان تكلم كلاماً بحق الله غير صحيح ، متسلط مثلاً ، أو قوي ، هو لا يفهم عليك ، أنت إذا سكت لست مؤاخذاً ، لو سكت طبقت الحكم الشرعي ، والحكم الشرعي يسع الناس جميعاً هذا الموقف الشرعي ، لست مكلفاً أن تنطق بالحق إذا نتج عنه فتنة أكبر من المنكر الذي تنكره ، لكن لو إنسان اجتهد فالله يحفظه ويؤجره ، وهذا وضع شخصي مع الله عز وجل .

Text Box: من كتم علمه لجم بلجام من نار :

مرة ثانية :

(( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ )) .

[أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ] .

الإنسان يطلب العلم ، لماذا ؟ يطلب العلم ليعلمه ، أما إذا سُئل صار التعليم واجباً ، أنت تطلب العلم كي تكون داعية مثلاً ، كي تنطق بالحق ، المفروض حينما تطلب العلم تطلبه للآخرين لا لنفسك ، لأن الإنسان لو عبد الله نجا ، لماذا العلم إذاً ؟ العلم لينتشر الحق ، لو أن إنساناً لا يفهم شيئاً بالدين فقط صلى ، وصام ، وحج ، وزكى ، وغض بصره ، وحرر دخله ، وقام الإسلام في بيته ينجح ، لكن هذا عابد ، أما أنت حينما تطلب العلم لماذا ؟ من أجل أن تعلمه ، ما الشيء الأقوى من تعليمه ؟ إن سُئلت ، إذا سألك إنسان يجب أن تجيب بالموقف الشرعي .

Text Box: الآثم و المجرم :

هنا :

(( مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ )) .

[أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ] .

والإنسان إذا سُئل عن علم وهو لا يعلم لا ينبغي أن يفتي بما لا يعلم فهو آثم ، أما إن أفتى بخلاف ما يعلم فهو مجرم ، إن أفتى بلا علم فهو آثم ، أما إن أفتى بخلاف ما يعلم فهو مجرم ، والإنسان حينما يُسئل ينبغي أن يجيب ، وإذا لم يعرف فليقل لا أعلم ، وكلمة لا أعلم ينطق بها العلماء دائماً ، والجهلاء يعلمون كل شيء ، ومن علم كل شيء لا يعلم شيئاً .

الإمام أحمد بن حنبل جاءه وفد من المغرب ، بعد عناء في الطريق ثلاثة أشهر ، معه ثلاثين سؤالاً ، أجاب على سبعة عشر سؤال ، البقية ؟ قال له : لا أعلم ، معقول ! قال : قولوا لمن أرسلكم : الإمام أحمد لا يعلم .

عود نفسك أن تقول : لا أعلم ، لا أدري ، لا أدري نصف العلم ، معنى هذا أنك تتمتع بروح موضوعية ، عندك ورع ، وأنا أكره كلمة جبان إلا في موطن واحد ؛ بالفتوى ، أنا أقول : أنا جبان بالفتوى ، لأن الفتوى شيء مخيف ، لو قلت له : افعل ولا شيء عليك كنت جسراً إلى النار ، وإذا كان الوضع شرعياً وأنت منعته عن شيء شرعي أيضاً تحريم الحلال ليس أقل من تحريم الحرام .

لهذا قال الإمام الغزالي : "الجهلاء لأن يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ".

والآن كل شخص من الأخوان الكرماء الحاضرين عند أسرته ، وأخواته ، وأصهاره ، وجيرانه ، وزملائه ، يقولون : هذا من طلاب العلم ، كلما حدث شيء يسألونه ، ما قولك ؟ أنت لا يوجد عندك حل وسط ، إما أن تعلم الحكم الشرعي تماماً بشكل واضح ، أو قل لا أعلم ، أو قل سأسأل لك ، هذا الذي ينبغي أن يفعله الإنسان ، كلما كان إيمانه أكبر كان ورعاً أكثر ، والورع الأكثر من لوازمه الخوف من الفتوى السريعة ، وطن نفسك إذا سُئلت سؤالاً لا تعرف جوابه اطلب ممن سألك أن يمهلك حتى تسأل ، أو تراجع ، أما أن تفتي بخلاف لا تعلم هذه جريمة ، أن تفتي بلا علم هذا إثم كبير .

والحمد لله رب العالمين


كتاب العلم/3

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

Text Box: العلم فرض لسلامة الإنسان وسعادته :

الترغيب في طلب العلم ، وتعلمه ، وتعليمه ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وواضع العلم عند غير أهله كملقد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب )) .

[ ابن ماجة عن أنس] .

أول شيء في هذا الحديث :أن كلمة فريضة تعني أن قوام الشيء يعتمد على شيء ، نقول مثلاً : تنفس الهواء فريضة على كل إنسان ، أي تقوم حياته على التنفس ، فلو منعنا عنه الهواء مات ، هذا معنى الفرض ، شرب الماء فرض على كل إنسان ، فلو مُنع من الماء لمات ، تناول الطعام فرض على كل إنسان ، أما أن يأكل بعض أنواع الفواكه ليس هذا فرضاً ، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الفاكهة ، أما أن يرتدي ثياباً معينة غالية الثمن هذا ليس فرضاً ، لأن حياته تقوم وتستمر من دون هذه الثياب .

فكلمة فرض تعني أن وجود الشيء متوقف عليه ، نحن حينما نعتقد أن هناك حياة لهذا الجسم تقوم على الهواء ، والماء ، وتناول الطعام والشراب ، والمأوى ، هناك من يموت من البرد إذا كان بلا مأوى ، هذا الجسم يحتاج إلى هواء ، وماء ، وطعام ، وشراب ، ومأوى، هذه فرائض وجوده ، وفرائض استمرار وجوده .

لو انتقلنا إلى النفس ، هذه النفس التي خلقها الله عز وجل ، هي ذات الإنسان التي لا تموت ، تذوق الموت ولا تموت ، هذه النفس العلم فرض لها ، لأنه أودع الله فيها شهوات هذه الشهوات تدفعها في حركة عشوائية ، من دون علم الشهوات مهلكة .

الإنسان ليس كهذه الطاولة ، الطاولة سكونية ، الإنسان كمركبة فيها محرك ألف حصان ، فمن لوازم هذا المحرك القوي جداً الذي يدفعها بسرعة جنونية مقود ، وإلا فالهلاك حتمي ، هذا مثل دقيق جداً ، محرك قوي جداً يدفع هذه المركبة في سرعة جنونية ، المقود الذي يوجه السيارة ويبقيها على الطريق فرض لسلامتها ، أو فرض لبقائها ، ولولا ذلك لتدهورت وانتهت ، لأن الإنسان أودع الله فيه الشهوات .

( سورة آل عمران الآية : 14 ) .

هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان تجعله ينطلق بسرعة هائلة ، العلم فرض لسلامته ، أي تتوقف سلامته على العلم ، العلم فرض لسعادته ، تتوقف سعادته على العلم ، لأن أمامه خيارات كثيرة جداً ، بعض الخيارات مهلك ، بعضه سالم ، فلو أن هذا الإنسان تحرك حركة بلا علم بدافع من شهواته لشقي وأشقى ، وهلك وأهلك .

Text Box: طلب العلم أجلّ عمل على الإطلاق :

إذاً لا يوجد عمل أجلّ على الإطلاق من أن تطلب العلم ، تطلب العلم لا ليكون وردة تزين بها صدرك ، لا ، تطلب العلم لتحافظ على وجودك ، وسلامة وجودك ، واستمرار وجودك ، وسعادتك ، هذا معنى كلمة طلب العلم فريضة ، بالفرائض لا يوجد خيارات .

الآن ترتفع الأسعار كثيراً ، والإنسان له دخل محدود ، يلغي أحياناً الأشياء الثانوية ، يلغي الولائم ، يلغي الرحلات ، يلغي الاحتفالات ، يلغي العزائم ، لكن لا يستطيع أن يلغي الطعام والشراب هذا الشيء ليس لك فيه خيار أبداً .

فحينما أقول : طلب العلم فريضة ، أي ليس لك خيار إطلاقاً في طلب العلم ، لأنه مع العلم يوجد سلامة وسعادة ، من دون علم يوجد شقاء وهلاك ، والدليل أمامكم يمكن أن تسمع في اليوم مئة قصة ، شقاء ، جريمة ، خيانة ، زنا ، انهيار شركة ، سببها الجهل ، لأن هناك رغبة في حب المال من دون علم ، في حب النساء من دون علم ، فالإنسان يندفع من دون موجه ، يندفع من دون نور يريه الحق من الباطل .

فلذلك لا تظن أن هناك عملاً أجلّ في حياة الإنسان ، وأخطر من أن تأتي إلى بيت من بيوت الله تطلب العلم الشرعي الذي ينجيك .

Text Box: ما كل علم ممتع نافع وما كل علم نافع مسعد :

الحقيقة ادخل إلى أي مكتبة الآن قد تجد كتباً لا يعلمها إلا الله ، الكتب بالملايين ، أنت بحاجة إلى علم من عند خالق الكون ، إلى علم يتعلق بأصول تشغيل هذه الآلة المعطلة التي هي أنت ، أصول التشغيل والصيانة ، وحسن المردود ، فما كل علم بنافع .

كل علم ممتع ، على الإطلاق أي علم ممتع ، لكن ما كل علم ممتع نافع ، الآن هناك علم ممتع نافع ، إنسان معه اختصاص نادر ، ويدر عليه مبالغ طائلة ، هذا علم ممتع ونافع في الدنيا ، لكن ما كل علم نافع مسعد ، العلم الممتع ، النافع ، المسعد هو الدين ، لأنه متعلق بسلامتك .

الآن مثلاً إنسان يقتني سيارة ، يمكن أن يقرأ عن تاريخ الشركة ، أهم شيء يقرأ عن خصائص هذه المركبة ، وعن طريقة تشغيلها ، واستعمالها ، هناك معلومات كثيرة جداً لا تعنيك ، فلو طلبتها لن يستفيد منها ، ذلك علم لا يضر من تعلمه ، ولا من جهل به ، ما كل علم نافع ، ما كل علم ممتع نافع ، وما كل علم نافع مسعد .

فنحن نختار من بين كل العلوم ، وكل الكتب ، وكل المؤلفات ، وكل البحوث والمقالات ، ماذا تقرأ كل يوم ؟ الذي يطبع لا تستطيع أن تقرأ واحد بالمليار منه ، إذاً وقتك محدود ، ماذا ينبغي بك أن تقرأ ؟ يجب أن تقرأ كل ما له علاقة بسلامتك وسعادتك ، إذاً هو منهج الله عز وجل ، الكتاب والسنة ، لا يوجد إنسان سعد في الدنيا إلا بمعلومات مترسخة في ذهنه ، لا يوجد إنسان سلم من مطبات الحياة إلا بالعلم .

Text Box: طلب العلم الشرعي يبعد الإنسان عن المعاصي :

أنا أذكر لكم قصتين سريعتين ، عندما خطبت في هذا المسجد أذكر أنه جاءني رجل صار يبكي ، قلت له : خير إن شاء الله ؟ قال لي : زوجتي تخونني ، وعندي منها خمسة أولاد ، وأنا رجل تاجر ، وعندي بيت بأرقى أحياء دمشق ، ودخلي كبير ، سألته مع من ؟ قال : مع جارنا ، قلت له : كيف تعرفت عليه ؟ قال : والله أنا عرفته عليها ، قلت له : كيف ؟ قال : كان عندنا فدعوتها أن تجلس معنا والليل طويل ، قلت لها : إنه مثل أخيك ، قلت له : لو أنك طلبت العلم الشرعي ، وعرفت أن الاختلاط محرم في الإسلام ما وقعت في هذا .

الثاني سائق تكسي ركبت معه فتاة ، قال لها : إلى أين ؟ قالت له : إلى حيث تشاء ، فهم وقضى حاجته منها ، ثم أعطته رسالة قالت له فيها : مرحباً بك في نادي الإيدز ، لو أن هذا السائق يعرف الله ، له مجلس علم لركلها بقدمه ، طبعاً سببت له الشقاء .

لا يوجد كلمة أروع من كلمة سيدنا علي ، " يا بني العلم خير من المال ، لأنك تحرس المال و العلم يحرسك " .

أنت بالعلم محروس ، بيتك محروس ، زوجتك ، أولادك ، اختصاصك ، مهنتك ، ما دمت مستقيماً فأنت مطمئن ، لا تغش ، لا تكذب ، لا تدلس ، لا تحتال ، صادق ، أمين ، لك مكانة كبيرة ، لك سمعة طيبة ، الناس يثقون بك ، يعطونك أموالهم .

فالقضية قضية خطيرة مصيرية ، الآن أكثر الناس يظن والله هناك درس علم ممتع ، ما هذا الموضوع ؟ الموضوع أخطر من ذلك ، ليس موضوع درس العلم وردة تتزين بها ، درس العلم أساسي في سلامتك ، وسعادتك .

Text Box: هناك علم ينبغي أن يُعلم بالضرورة وهو فرض عين على كل مسلم  :

إلا أنني أريد أن أوضح لكم : أن هناك علماً ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، هو فرض عين على كل مسلم ، تقول : أنا طالب ، أنا مهندس ، أنا طبيب ، أنا نجار ، أنا صانع، كن من شئت ، كن في أي درجة علمية ، في أية حرفة ، هذا العلم لا بد منه ، هو الحد الأدنى لسلامتك وسعادتك ، هو ما ينبغي أن يعلم بالضرورة .

أنت تاجر ، أحكام البيوع يجب أن تعرفها ، أنت زوج أحكام الزواج يجب أن تعرفها ، أنت أب واجبات الأب ينبغي أن تعرفها .

تماماً كما لو أقول لإنسان خذ هذه السيارة ، أنت لست مكلفاً أن تعرف كيف تُصنع ، لو أنك أردت أن تنشئ معمل سيارات ينبغي أن تعلم كيف تُصنع ، لست مكلفاً أن تعرف ما المادة التي صنعت منها المكابح ، لا يلزمك ، لكن عليك أن تتعلم كيف تستعمل المكابح ، كيف تطلق بها ، كيف توجهها ، هناك مجموعة حقائق في المركبة يجب أن تعرفها وإلا تدهورت ، هذه المعلومات الحد الأدنى لسلامة هذه المركبة ، أما هناك ألف سؤال بالمركبة لا ينبغي أن تعلمه ، وتركبها ، وتنتفع بها ، وتسعد بها ، من دون أن تعرف هذه الأسئلة .

عندنا نوع من العلم فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الكل ، ونوع من العلم فرض عين ، فالنبي فيما أعلم الذي أراده من هذا الحديث ما كان ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، أركان الإيمان ، أركان الإسلام ، العقيدة الصحيحة ، الإيمان بالله ، الإيمان باليوم الآخر ، بالملائكة ، بالكتاب ، بالنبيين ، بالإسلام ، الشهادة ، الصوم ، الحج ، الزكاة ، الآن بالعمل أحكام البيوع ، بالزواج أحكام الزواج ، هذا هو العلم الذي ينبغي أن يُعلم بالضرورة ، إن علمت هذه المعلومات نجوت من هذا الخطأ ومن الهلاك في الدنيا .

Text Box: طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة :

بقي شيء ثان : إذاً طلب العلم فريضة ، المقصود في الفريضة ما تتوقف سعادة الإنسان عليه ، والمقصود بالعلم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، العلماء قالوا : على كل شخص مسلم ـ وهذا كلام دقيق وخطير ـ أي ذكر كان أو أنثى ، المعنى هذا مفروغ منه ، لا يوجد عليه خلاف أبداً ، المرأة كالرجل تماماً في التكليف ، والتشريف ، والمسؤولية .

لذلك أكبر جريمة في حق الفتاة أن تبقيها جاهلة ، لأنها إنسان ، لأنها إذا عرفت ربها أطاعته ، وأحبته ، وسمت إليه ، وسعدت بقربه ، فكل إنسان يهمل زوجته وبناته ، كأنها للخدمة ، جاهلي ، هذه الزوجة يجب أن تعرف ، إما أن تعلمها ، وإما أن تسمح لها أن تتعلم ، لأنها إن عرفت ربها أسعدتك ، عرفت حقك عليها ، إن عرفت ربها كان أحد أسباب سعادتك بها أنها تعرف الله ، عرفت حق الزوج ، عرفت حق الأولاد ، عرفت مسؤوليتها أمام الله عز وجل ، عرفت خطورة عملها في البيت ، أما إذا أبقيتها جاهلة تصبح عبئاً عليك ، تطالبك بشيء غير طاقتك ، تريد مظاهر ، تريد احتفالات ، تريد بيوتاً فخمة ، ولو بالمعاصي ، تصبح الزوجة الجاهلة عبئاً على زوجها ، دائماً يسعى لإقناعها بالحق وهي لا تريد ذلك ، علّمها ، عرفها بهويتها ، بشخصيتها ، بمكانتها عند الله ، بدورها كأم .

مثلاً قال النبي :

(( انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ يعدل الجهاد في سبيل الله ـ )) .

[أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى فى شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد الأنصارية] .

لن تسعد بامرأة جاهلة ، لن تفلح إذا أبقيت ابنتك جاهلة ، وزوجتها ، عبء على زوجها ، تتعبه كثيراً لأنها جاهلة .

Text Box: معرفة القرآن الكريم وسنة النبي وسيرته فرض عين على كل  مسلم :

لذلك الحديث فيه ثلاثة أشياء ، العلم الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة ، المواريث علم ، علم دقيق جداً ، لكن الإنسان يحتاجه بعمره مرة ، هناك علماء ، هناك خبراء ، يمكن ألا تتعلمه ، يمكن أن تسأل عنه أي عالم ، التجويد يمكن أن يعلمك إياه إنسان ، أما إن كان هناك إشراك بالله فهناك هلاك ، إنسان ضغط عليك ، خفت منه فعصيت الله من أجله ، إذاً أنت انتهيت ، التوحيد علم أساسي ، معرفة كلام الله منهجك ، و معرفة سنة النبي منهجك ، و معرفة سيرة النبي منهجك ، فقد قال الله عز وجل لك :

( سورة الحشر الآية : 7 ) .

إذاً معرفة القرآن الكريم ، وسنة النبي ، وسيرته ، فرض عين على كل مسلم ، أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، الأحكام الفقهية المتعلقة بحرفتك ، متزوج ؟ إذا عليك أن تعرف أحكام الزواج ، لك أولاد ؟ أحكام الأبوة ، هذا علم وهو فرض عين ، هذا ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، هذا الحد الأدنى ، فهذا معنى العلم ، والفرض ما تقوم الحياة به ، والمسلم أي على كل شخص مسلم ، فكل إنسان يعد المرأة للمتعة ، للبيت ، للغسيل ، وللطبخ ، الله بعث له زوجة صالحة ، إنسان جاهلي .

Text Box: تربية الأولاد أعظم عمل تقوم به المرأة :

أنا ذكرت لكن في درس الاثنين شيئاً مذهلاً ، النبي عليه الصلاة والسلام وقفت معه السيدة خديجة ، وثبتته ، ودعمته ، وأنفقت مالها عليه ، و واسته ، و خففت عنه متاعبه ، وتحملت معه كل مضايقات قريش ، وتحملت معه القطيعة ، وتحملت معه التكذيب ، وصدقته وكذبه الناس ، وآمنت به وكفر به الناس ، و واسته بمالها وحرمه الناس ، فالنبي ما عدّ المرأة للمتعة ، اعتبرها شريكة حياته ، وعندما فتح مكة لم يسمح الله للسيدة خديجة أن تكحل عينيها بنتائج النصر ، ماذا فعل النبي الكريم ؟ نصب راية النصر على قبر خديجة ، إكراماً لها ، وتطميناً لها ، ما اعتبرها زوجة للمتعة ، اعتبرها شريكة للدعوة .

كلما كبرت عند الله ترى المرأة عظيمة ، وكلما صغرت تحتقرها ، المرأة يمكن أن تهز العالم إذا هزت سرير ابنها ، ما أعظم عمل لها ؟ تربية أولادها ، تعطي المجتمع أولاداً مهذبين ، تربيتهم عالية ، أخلاقهم عالية ، أحياناً تجد شخصاً ناجحاً جداً بحياته ، السبب تربيته المنزلية جيدة جداً .

لذلك هذا الحديث

(( طلب العلم فريضة على كل مسلم )) .

[ ابن ماجه عن أنس] .

أي على كل مسلم ومسلمة ، طلب العلم فريضة ، أي الحد الذي ينبغي أن يعلم بالضرورة ، معنى فريضة ، ما لا تقوم الحياة إلا به ، فلذلك أجلّ عمل يعمله الإنسان أن يطلب العلم ، لأنه دائماً على صواب ولا يوجد خطأ عنده .

والحمد لله رب العالمين


بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"