بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 نوفمبر 2010

في تحرير مفهوم النسب والاصطفاء في القرآن والسنة


في تحرير مفهوم (النسب) و (الاصطفاء) في القرآن والسنة
لابد للدارس للقرآن والسنة وما كُتب حولهما في التراث من وقفة مبصرة تتناول بالبحث والتأمل المفاهيم والمصطلحات لسبر حقيقة معانيها في الكتاب والسنة ، ولعرض ما آلت إليه هذه المفاهيم والمصطلحات في واقع الأمة نسبةً إلى تلك المعاني الأصيلة .
إن هذه العملية المزدوجة في فهم حقيقة المفاهيم القرآنية ، ثم استعراض مسيرة هذه المفاهيم في واقع الأمة في جيلها الأول وما تلى ذلك من أجيال تُعتبر خطوة ضرورية لفهم القرآن والسنة من جهة ، ولامتلاك المقياس لنقد التراث وضبط عملية الانتقاء والاختيار المنهجي من تفاعل أجيال الأمة مع الأصول ، فلا نهملُ مشاركتهم الناضجة لتنزيل المفاهيم القرآنية على واقعهم ، ولا نحملُ على الشريعة والكتاب المعصوم أفهامهم البشرية والملابسات التاريخية التي عانوا منها .
وسنحاول في هذه الوقفة القصيرة تحرير مفهوم الاصطفاء والاختيار في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ونتابع مسيرة هذا المفهوم في الأمة وما آلت إليه أوضاعهما .
فالقرآن الكريم يقرر بوضوح أن الله سبحانه اصطفى من البشر أنبياء ورسلاً كانوا موضع تزكية وتكريم وتشريف من الله تعالى فضلا منه ومنحة من كرمه ولطفه ، ليكون هؤلاء الأنبياء منارات هدى ودليل اقتداء للبشرية ، يقيمون بسلوكهم وأعمالهم الحجة على الناس ، ويُبرزون أطرافا من الكمال الإنساني تستلهمه البشرية في سيرها لعمارة الكون وإقامة الحياة الطيبة في الأرض .
وتكمن المشكلة في الحقيقة في ما آلت إليه معاني الاصطفاء والاختيار عند أتباع الأنبياء والرسل إلى درجةٍ تحتاج إلى وقفة تدبّرٍ وتأمّل . فقد فُهم الاصطفاء والاختيار وما يرتبط به من تكريم وتشريف على أنه ميزاتٌ يدَّعيها الأتباع وضمانات يتيهون بها على الناس . وآل مفهوم النسب وما يرتبط به من معاني التشريف والتفضيل على المستوى الاجتماعي والسياسي والديني إلى مفهوم الاصطفاء العنصري الذي ساد ثقافات الجاهلية منذ وثنيات اليونان والرومان إلى عصبيات وعنصريات القرن العشرين ! ..
ويعجب المرء حين يُطالع كتب التاريخ والسنة النبوية من كثرة ما يلهج به المؤرخون من ذكر الأنساب والاحتفال بها ، ولا يجد لذلك تفسيرا شافيا منسجما مع التقرير القرآني والهدي النبوي عن حقيقة قيمة الأنساب في ميزان الله تعالى .
وكثيرا ما يتردد في كتب التاريخ والسنة النبوية مصطلحات من مثل "النسب الشريف" و "الأصلاب الطاهرة" ، وأوصاف التميز والرفعة والمجد والسؤدد لبعض بيوتات العرب وبطونهم وفروع قبائلهم . ويقف المرء على ذكر لفضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنه كان عالما بالأنساب . وتكاد كتب التاريخ والسيرة تُجمع على البدء بذكر أصول العرب وقبائلهم وشجرة أنسابهم وعلاقة القرابة بينهم ، دون بيانٍ لمعنى هذا ووظيفته في فهم التاريخ أو تفسيره أو علاقة هذا الاحتفال والاهتمام بحقيقة مفهوم النسب في القرآن والسنة .
فإذا تابع المرء مسيرة مفهوم النسب وانعكاساته على مسيرة تاريخ المسلمين وما أنتجوه من تراث ، كان على يقين من أنه لابد من تحرير هذا المفهوم وضبطه على ضوء كليات القرآن الكريم والسنة النبوية ، ليمكن بعدها الاستفادة من التراث وفهمه على حقيقته والاختيار منه بعد امتلاك أداة الفهم وأداة التنقية من رواسب الجاهلية وتعسف العنصريات المصادمة للفطرة ومنطق العدل الإلهي والحق الذي قامت عليه السماوات والأرض .
ويأبى منطق الشريعة ومنطق الفطرة والحق والعدل أن يكون معنى مفهوم الاصطفاء والاختيار وجود ميزاتٍ متوارثة وضمانات أزلية تستثني أصنافا من الخلق من تبعات التكليف ومسؤوليات أداء الأمانة . فالقرآن الكريم يقرر أن الإنسان مكلفٌ حاملٌ للأمانة ، مسؤولٌ عما أعطي من إمكانيات ، محاسبٌ على اختياره وعمله ، مستحقٌ للكرامة والتشريف إن أدى الأمانة وعمل بمقتضى التكليف ، ومستحقٌ للعقوبة والنكال إن أهمل التكليف وخان الأمانة . ويكاد يكون من الإطالة الاستدلال بآحاد النصوص والأدلة على مثل تلك الكلية الدينية المستقرأة من روح القرآن وروح مقاصده في إصلاح الخلق ، والمبثوثة في مجمل آياته الكريمة .
وانطلاقا من هذه الكلية الشرعية ، نستلهم معنى الاصطفاء والاختيار الإلهي بشكل لا يتعارض مع معاني القرآن وكلياته . فالأنبياء والرسل والصالحون من عباد الله استحقوا الثناء والتكريم والتشريف بما حملوه من أمانة التكليف وأداء حقوق ما أعطاهم الله من مواهب واستعدادات . فالتشريف لاحقٌ ومبنيٌ على القيام بحقوق التكليف ، ويزيد مقام التشريف كلما صعبت المهمة وتطلبت التضحية والبذل والتجرد لله والخضوع له .
أما التشريف المنقطع عن معنى القيام بواجبات التكليف فهو المفهوم الجاهلي الذي ابتُليت به الخليقة منذ قال إبليس {أنا خير منه} (الأعراف:12). مع إصراره على العصيان بقوله {لم أكن لأسجد} .
والمطلع على آيات القرآن الكريم التي ذكرت الأنبياء والرسل بالتنويه وبيان الفضل والمزية يجد ذلك كله مقرونا بعبارة واضحة عن استجابة الأنبياء للأمر وقيامهم بالواجب وبذلهم وتضحيتهم وإنابتهم وإخلاصهم وكبت دواعي الخلود إلى الدنيا في بشريتهم .
والسنة النبوية طافحةٌ كذلك بمعنى المسؤولية الفردية ونبذ دعاوى الفضل والشرف القائم على النسب والقبيلة والعشيرة : "يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا" ، "
1 من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ، "رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"2 .
فإذا انضبط معنى الاصطفاء والاختيار بالربط بين التكليف والتشريف ، كان من الواجب إمعان النظر في دلالة اهتمام علماء الأمة من السلف بالأنساب وذكرها والتأكيد عليها . ونبدأ بتقرير ما قدمناه من أن الاهتمام بالأنساب عند سلف الأمة لم يكن لمعنى من معاني الاصطفاء والتمييز العنصري الجاهلي ، وإنما كان له وجه آخر يليق بمكانتهم في فهم القرآن وفهم توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم .
ولعل من أنسب المداخل لفهم هذه القضية ما عبر عنه العلامة ابن خلدون بمفهوم المَنَعة ، والتي تعني - في الإطار الاجتماعي والسياسي - الحماية والأمن والقدرة على دفع الأذى وتأمين النصرة والعون . فما أرسل الله من نبي إلا في منعةٍ من قومه ، تحقيقا لقدر الله في نشر الدعوة وتبليغ الرسالة .
وإذا كانت المنعة في البيئة القبلية تتحقق من خلال التناصر بالأنساب وعصبية القرابة ، كان من الطبيعي لمن هيأه الله لموقع القيادة أن يكون مُلِمّاً فاهما واعياً لمتطلبات الحماية والمنعة في البيئة التي يعيش فيها ، مطلعاً على القوانين الناظمة لقيام المنعة وعدم اختلالها وتعرضها للخطر . فلقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم في مكة متمتعاً بحماية بني هاشم وعلى رأسهم عمه أبو طالب ، وكان بنو هاشم يشعرون بواجب حماية واحدٍ منهم ولو خالفهم في الدين ، وخرجوا إلى شعب أبي طالب أعوام الحصار ، لأن المعاناة مهما بلغت أهون عليهم من الوصم بالهوان وتضييع حق واحدٍ منهم يحملهم العرف على نصرته وحمايته .
وفي ظل الوظيفة الاجتماعية والسياسية لمفهوم النسب في البيئة العربية يصبح حديث الأئمة عن الأنساب مفهوماً متوجهاً ، فلا يستطيع قيادة أمةٍ هذه أعرافها من لا يحسن هذه اللغة ومن لا يعرف مداخل ومستتبعات هذا المفهوم في حياة أفرادها وجماعاتها .
وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حدثت نقلة نوعية في طبيعة علاقات الحماية والنصرة والمنعة ، وأصبح المؤمنون في المدينة بعضهم أولياء بعض بغضّ النظر عن أنسابهم وقراباتهم ، وانتقلت الوظيفة الاجتماعية لمفهوم النسب إلى مستوىً آخر من التكافل والتناصر وتوزيع الثروة والعون على تقلبات الزمان . فالإرث ، والدية على العاقلة ، والقسامة والولاء .. هي مفاهيم وأحكام تمثل الوظيفة الاجتماعية لمفهوم النسب في إطار المجتمع المسلم في القرون الأولى . وكل تلك التطبيقات والتفريعات على مفهوم النسب هي مسؤوليات وواجباتٌ اجتماعية تستند على قاعدة الغنم بالغرم ، ومبدأ التكافل والتعاون على الخير .
أما ميزات الفضل والشرف والقداسة المستندة إلى مجرد دعوى النسب، فقد كانت في تاريخ الأمة - ولا تزال - مبرراتِ تسلّطٍ على عقول العوام واستمالة قلوب الرعاع ، استكثارا للأتباع والمؤيدين والمريدين. ولابد من طرح كل ما يتصل بهذا المعنى الجاهلي لمفهوم النسب جملةً وتفصيلا، والرجوع إلى الوظيفة الاجتماعية والسياسية للنسب ، نستلهمهما من خلال القراءة الواعية للسياق الاجتماعي والسياسي الذي استعمل فيهما هذا المصطلح .
وفي عالم اليوم ، تتنوع طبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية لكل بلد تنوعاً هائلا يصعب على الحصر . ويُعتبر مفهوم النسب والعلاقات القبلية أحد مفاتيح الفهم لحقيقة ما يجري في بعض البلاد ، بينما لا يعني ذلك الأمر شيئا بالنسبة إلى بلاد أخرى .
ونحن إذا أردنا أن نرتفع إلى مقام الاستفادة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ينبغي له من مقام الرسالة الخاتمة الشاملة العامة ، فلا بد من التأسّي بمقاصد فعله وأصحابه وسلف أمته في طلب المنعة والحماية وإمكان الاستمرار في الدعوة والبيان . وكان من الضروري إعادة صياغة مفهوم النسب في كتب التاريخ والسيرة ، وتخليصه من ظلاله الجاهلية وانعكاساته التي عانت منها الأمة طويلا ، ليكون مفهوم النسب دليل أسوةٍ لتشكيل الوعي بمفهوم المنعة ومتطلباتها عند تغير الظروف الاجتماعية والسياسية ، وتغير القاعدة المادية لتأمين المنعة والحماية والتناصر والتكافل في الأمة .
1 رواه البخاري في كتاب الوصايا .
2 رواه الترمذي في كتاب المناقب .

تقنيات قراءة الصورة الاشهارية


كيف يمكننا اليوم في ظل عالم المتغيرات،عالم الحياة الرقمية والتسوق الإلكتروني،الذي تغذيه خطابات العولمة،والتكنولوجيات الجديدة،من أن نتوقف ونقرأ صورة،أونفهمها ونتأولها،وهي تحاصرنا في كل مكان، مخاطبة غرائزنا قبل عقولنا،تغرينا فنغتر،لتسلب إرادتنا لنقتنع بشراء منتوجاتها؟
إنها حضارة الصورة تعود من بعيد،لتزحزح حضارة الكتابة شيئا فشيئا،فقد آن الأوان لنكون وعيا بصريا،وثقافة بالصورة،قصد الإنخراط في حضارتها وفهم لغتها المتكثرة،لأن الشريك/الآخر (الإقتصادي،والتجاري،والثقافي…) لن يمهلنا لنلتقط أنفاسنا حتى يغرقنا
في عالم من الصور والبصريات الإفتراضية،لهذا لابد من أن نستعد من الآن،إن على مستوى قراءة الصور وتحليلها،وإن على مستوى تأويلها وتداولها،فالصورة نحيا بها وتحيا بنا،ما فقهناها قراءة وتأولا.
لهذا جاء بحثنا في سيميائيات الصورة،باحثا عن معناها ورهاناتها المعرفية والدلالية،وكيف تلقيها داخل مجتمع الصورة،واضعين لها آليات قرائية تمكننا من فهم طبيعتها،وتحدبد أنواعها،وتحليل مكوناتها،وتسنين لغتها،خاصة وأن خطاب الصورة تمارس علين إغراءاتها وخطابها الإقناعي لتسويق منتوجاتها،دون نسيان أفقها القابل لتأويل المفتوح ،لهذا يقول ريجيس دوبري،المتخصص في الصورة إن الصورة علامة تمثل
خاصية كونها قابلة لتأويل،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها وإليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها فقراءة الصورة وتأولها من البنيات المؤسسة لثقافة الصورة في العالم والوطن العربي على وجه الخصوص.
أولا - من السيميائيات البصرية إلى سيميائيات الصورة :
إن السيميائيات كما تنبأ إليها دوسوسور(1)،وشعبها تشارلس بيرس(2)،قد اشتغلت على مجالات عدة ليصعب حصرها،إلا أنها لم تعمق البحث ف بعضها،كما هو الحال مع الصورة،وهذا راجع إما لقصور الإجراءات التحليلية لدى الباحث،وإما لعدم إكتمال جهازه المفاهيمي والمصطلحي لمثل هذه المقاربات.
وهذا مما حذا ببعض الباحثين في الشأن السيميائي من أن يوسعوا البحث في مجال البصريات،قصد الإجابة على أسئلتها المهمة : كيف نتواصل بصريا ؟،وكيف نقرأ رسالة بصرية ؟،وكيف نكوّن ثقافة بصرية ؟،وكل هذه الأسئلة،وأسئلة أخرى تصدى لها رولان بارث بالإجابة في بحثه عن عناصر السيميولوجيا(3) التي طبق بعضا منها على الصورة باستعادته للطروحات والمقولات اللسانية لدسوسور(اللسان/الكلام،الدال/المدلول،الإعتباطية الضورية…)،وما جاء به يالمسلاف في سيميائيته حول مصطلحي(التعيين/التضمين أوالإيحاء)(4)،وما جاء به بيرس في مفهومه للإيقون بتفريعاته اللامتناهية،ليبحث بارث عن بلاغة للصورة،وكيف يأتي المعنى إليها ؟،وأين ينتهي؟،,إذا كان ينتهي فماذا يوجد وراءه؟(5).
إلا أن هذا الإنتقال من السيميائيات العامة إلى سيميائيات الصورة،لم يكن بهذه السهولة،
فكيف نقارب ماهو لساني بما هو بصري/إيقوني؟
علما بأن اللغة الطبيعية تختلف من حيث خصائصها وتوظيفاتها عن اللغة البصرية،وهذا ما أدى بالسيميائيين إلى أن يجدوا حلا لهذا الإشكال الجوهري والدقيق لمشروعية دراسة سيميائيات الصورة.
إذ نجد كيستيان ميتز أحد أكبر المشتغلين على سيميائيات السينما،يقول في إحدى مقالاته: إن اللغات البصرية تقيم مع باقي اللغات علاقات نسقية متعددة ومعقدة،ولا أهمية لإقامة تعارض ما بين الخطابين اللغوي والبصري،كقطبين كبيرين يحظى كل واحد منهما بالتجانس والتماسك في غياب أي رابط بينهما(6)،وهذا نابع من خصوصيا كل خطاب، وكل رسالة(7):
- فالرسالة اللسانية تظل حبيسة قواعد النحو والتداول،أي خطية،خلاف الرسالة البصرية التي لا تخضع لقواعد تركيبية صارمة،إضافة إلى أن عناصرها تدرك بشكل متزامن.
- الرسالة اللسانية تقبل التفكيك إلى عناصر يقوم المتلقي بإعادة تركيبها ليحصل المعنى،
في حين الرسالة البصرية تركيبية لا تقبل التقطيع إلى عناصر صغرى مستقلة لأنها ترابطية تختزن في بنائها دلالات لا تتجزء.
- الرسالة اللسانية تقوم على الخاصية الإعتباطية،أما الرسالة البصرية فهي قائمة على المماثلة والمشابهة.
وقد فصّل في هذه النقاط رومان غوبارن ليجد أن التعايش بين الصورة واللغة تعايش ضارب بجذوره في عمق التاريخ(8)،فمنذ ظهور الكتاب صار الإرتباط بين الصورة والنص عاديا،لأنه ليس هناك في الحقيقة أي معنى أن نكون (ضد) اللغة،أومعها،,لا(مع) الصورة أو ضدها،إن محاولاتنا تصدر عن قناعة بأن سيميولوجيا الصورة ستشتغل جنبا إلى جنب مع سيميولوجيا الموضوعات اللسانية وأحيانا تتقاطع معها…(9) كما يرى ك.ميتز.
ثانيا - أينما نولي وجوهنا فثمة صورة…تنـ(ـتـ)ظرنا :
أصبحنا اليوم نعيش في مجتمع الصورة،فهي رفيقنا ومرافقنا،فأينما نولي وجهنا وجوهنا فهناك صورة تنظر إلينا في الجرائد أو المجلات،أوتنتظرنا في المكتب أو المنزل،أوفي الشوارع والطرقات،أوتطالعنا في اتلفزيزن إو عبر هواتفنا الجوالة،فالصورة بحق نحيا بها وتحيا بنا،ولكن لابد من معرفة حياتها وموتها(بتعبير دوبري)،وهذا لا يكون إلا بمعرفة حدودها ومحدادتها،فلكل شئ بدء ومنتهى،والصورة دائما في خلق جديد :
2-1- الصورة بين الخفاء والتجلي :
الناظر لسيميائيات الصورة يجدها قد تمفصلت على نفسها لمجالات بحثية كثيرة،وهذا لتعدد وسائل الإتصال البصري على وجه الخصوص،فمن سيميائيات الرسوم المتحركة، إلى سيميائيات السينما،إلى سيميائيات الفيدو…،كل هذه اللغات البصرية التي نواجهها وتواجهنا يوميا تحمل حدودا ومحدادت عن أصل بدئها ونشأتها،فلابد علينا من معرفة هذه معنى الصورة وطبيعنها التي تعمل بين الخفاء والتجلي،والغياب والحضور:
1-1- حدود الصورة :
الصورة في أصلها اللاتيني مشتقة من كلمة(imago)،المقصود منها كل تمثيل مصور مرتبط بالموضوع الممثل عن طريق التشابه المنظوري(10)،فأصلها الإشتقاقي يحيل على فكرة النسخ والمشابهة والتمثيل،وهي إما أن تكون ثنائية الأبعاد مثل الرسم والتصوير، أوثلاثية الأبعاد مثل النقوش البارزة والتماثيل.
كما أنها في أصولها الإغريقية واللاتينية ترادف أيضا كلمة إيقون والتي يراد منها أيضا المشابهة والمماثلة،وعليها بنى بيرس سرح نظريته السيميائية،ليعتمدها اتجاهه كمصطلح مركزي لمقاربة الصورة(11).
فالذاكرة المصطلحية للصورة ومرجعيتا التاريخية والمعرفية ترجعانها إلى مصطلحي المشابهة والمماثلة،وكذلك إلى مصطلحات تجاورها وتقاربها منها(12):
* مصطلح الشبح (fantôme)،وهو مفهوم يطلق على الصنم باعتباره شبحا للأموات.
* مصطلح النظرة(le regard)، وهي عند الإغريق أن تحيا يعني أن تنظر،وأن تموت يعني أن ينعدم فيك النظر،فتتقلص بذلك الصورة عند الميت،لتضعف القدرة التواصلية مع الآخرين.
* مصطلح السيمولاكر(simulacrum)،وهو عند اللاتنيين الخيال أوتلك الصورة التي نصنعها للميت حتى نمنحه حياة جديدة.
* مصطلح النزعة الإيقونية(iconoclature)،وهي نزعت أتت من الشرق كتعبير عن العقيدة المسيحية الشرقية،وإعادة حياة قديس ما من خلال تخليد هذه الإيقونة.
* مصطلح التمثيل/التمثل(représentation)،وهو مفهوم مركزي للصورة حيث نعطي لكل ما نراه صورة حتى نتمثله على وجه لائق،وهنا يدخل مفهوم الرمز ككاشف لحقيقة الصورة التي تتكلمه منذ البدء والتاريخ.
فالصورة في عرف الحكماء وغيرهم تطلق على معان منها كيفية تحصل العقل الذي يعتبر آلة ومرآة لمشاهدة الصورة،وهي الشبح والمثال الشبيه بالمتخيل في المرآة،ومنها ما يتميز به الشئ مطلقا سواء كان في الخارج،ويسمى صورة خارجية،اوفي الذهن ويسمى صورة ذهنية…(13).
أما التعريف الإصطلاحي للصورة في المعاجم السيميائية المتحصصة فهي تعتبر
السيميائيات البصرية كوحدة متمظهرة قابلة للتحلي،وهي عبارة عن رسالة متكونة من علامات إيقونية،لهذا فسيميولوجيا الصورة تجعل من نظرية التواصل مرجعها…(14).
لتتطور الصورة بتطور الإتصال والإعلام والتيكنولوجيات الرقمية،لتصبح صورا ذات أنواع وأصناف عديدة،فقد قام بول ألماسي بوضع خطاطة تصنيفية للصور،فجاءت في صنفين(15):
* الصنف الأول: يدخل تحته
- الصور السينمائية : التي تندرج تحتها كل من (السينما،التلفزيون،الفيديو…)
* الصنف الثاني : وتندرج تحته ما يعرف بالصور الثابتة،والتي تنقسم إلى قسمين :
1- الصور الجمالية.
2- الصور النفعية : ويدخل تحتها كل من :
1- الصور الوثائقية.
2- الصور الإشهارية.
3- الصور الإخبارية.
2- الصور بين التعيين والتضمين(الإيحاء) :
ترتكز هذه النقطة على مبدأين لسانيين وسيميائيين مهمين يعتمدهما كل مشتغل على سيميائيات الصورة،وبهما تنتقل الصورة من عالم التحقيق إلى عالم التخييل المنفتح على كل تأويل.
لهذا نجد بأن رولان بارث استثمرهما في قراءته للصورة(16) بعدما طوعهما لجهازه المفاهيمي والمصطلحي،آخذا مصطلحي التعيين والتضمين كقطبين ووظيفتين مهمتين في سيميائية يالمسلاف (17)،فإذا كانت الوظيفية التعيينية تطرح سؤال ماذا تقول الصورة؟والتي ستجيب عنها القراءة الوصفية،فإن الوظيفة التضمينية أو الإيحائية ستطرح
سؤالا إجرائيا وتأويليا،وهو كيف قالت/تقول الصورة ما قالته/تقوله؟(18) وهذا ما ستجيب عليه القراءة التأويلية،باحثة في بنياتها التكوينية والتشكيلية،طارحين عدة أسئلة أخرى منها :
- ما هو أول شئ يجلب الإنتباه للصورة؟
- ما هو التأثير الذي توقعه علينا؟
- ما هي العلاقة الموجودة بين الصورة والنص(في حالة وجوده)؟
- كيف تنتظم عناصر الصورة،وما هي مكوناتها؟
- ما تأويلنا للألوان الموجودة في الصورة ؟
كل هذه الأسئلة وكثير منها دعانا لوضع قراءة منهجية متأملة ومتأولة لها.
ثالثا - إقرأني فإني هذه الصورة :(من نظرة القارئ إلى منظور التأويل)
إن القاعدة الذهبية لقراءة الصورة هي أن نتقبلها ونستقبلها دون أحكام مسبقة،وهذه الأحكام المسبقة تأتي إما من مرجعياتنا الدينية،أوالتاريخية،أوالثقافية،أوالإيديولوجية،أوالجمالية(19) التي تعتمد على قانون المنهيات والأمريات(أنظر ولا انظر،إفعل ولا تفعل،قل ولا تقل..)،إلا أنه لا بد من الإعتراف بالمبدأ الذي تطرحه علينا قراءة الصورة،وهو تعدد
التأويلات،أوجمعية التأويل،لأن الصورة كما يقول ج.دوبري علامة تمثل خاصية كونها قابلة للتأويل(20)،فهي تنفتح على جميع الأعين التي تنظر فيها إليها،إذ تمنحنا إمكانية الحديث عنها،وتقديم تأويلات متعددة ومختلفة حولها،فبقدر ما هناك قراءات للصورة هنالك قراء لها،والمعرفة المكوِّنة للصورة في هذا المجال ليست دائما هي الحجة التي تسمح بتجزيئها،ففي هذه الجمعية يكمن غناء الصورة،فالصورة تتكلم في صمتها مع كل واحد منا؟،قائلة بصوتها إقرأني فإني هذه الصورة ؟
3-1- من قراءة النص إلى قراءة الصورة :
لابد علينا قبل أن نأتي على آليات قراءة الصورة بأنواعها،معرفة كيفية انتقالنا من قراءة النصوص إلى قراءة الصور،واضعين في عين الاعتبار الخصوصيات المائزة بين لغة تحليل النصوص،ولغة تحليل الصور،لذا سنعمل على إظهار الفوارق المنهجية والمعرفية بين القراءتين(21):
1- التعريف بالعمل :
أ- طبيعة العمل :
* النص : * الصورة
- الجنس(رواية،قصة،مسرح…) - صورة فنية،صورة إشهارية
صورة وثائقية،رسم،لوحة…
ب- السياق
جزء من النص أو كله - تحليل الدعامة أوالسند (ملصق،
إعلان،لافتة،مجلة صحفية…)
ج- الموضوع المعالج :
موضوع مركزي صورة مجسمة أو تجريدية،
موضع النص داخل العمل طبيعة صامة،صورة شخصية
- تحليل العنوان وعلاقته إما بالنص أو بالصورة.
2- التحليل :
أ- المبادئ الخارجية :
1- البناء :
- تصميم النص - خطية النظر(بناء مقطعي،محوري)
- البنية الخطية،الدائرية. – ملاحظة الخطوط(خطوط هندسية،
- حل العقد أوتأجيلها. أومنحنية..)أي التي توجد في خطوط
- التسلسلات. الزوايا.
- التصميم الأول،التصميم الثاني
- المنظور،العمق،الخطوط الهاربة.

2- الإطار :
- من يتكلم؟(الكاتب،السارد،الشخصيات) - التصاميم(العام،القريب،الكبير…)
- ملاحظة وجهات النظر. – زاوية النظر(مائلة،مائلة مضادة)
- تقابل الخطاب/الحكاية - الإضاءة
- موقع السارد(صيغ التبئير) - الإهتزازات/الإرتجاجات
- الصيغ الثلاث للإقتباس…
3- التقنية :
أ- الإجراءات التعبيرية :
- وقع الأسلوب
- بلاغة النص - بلاغة الصورة
ب- الآليات :
- الحقول المعجمية. – إختيار التقنية: مائية،زيتية،ترابية..
- السجلات(مستويات اللغة). – الإجراءات الخطية،تشميع،تنقيط…
- استعمال النحو والتركيب(طول الجمل، - الألوان الحارة،الألوان الباردة…
الصيغ،المقولات النحوية). – النبرة،صبغ الوجه،تنويع/تنميق
-الصور،الإيقاع،الرنين اللون.

4- إستقبال/تلقي العمل :
- من طرف النقد
- من طرف الجمهور العريض
* وهذا كله لتبقى للأجيال القادمة،فإما أن تقاوم الزمن فتشتهر،وإما أن تزول.
الملاحظ وجود تقاربات بين قراءة الصورة وقراءة النص،إلا فيما يخص طبيعة كل منهما،وخصوصياتهما البنيوية.
3- 2- بين آليات القراءة وفتوحات التأويل :
سننطلق من الصعوبة التي طالعنا بها دوبري وهو يحاول وضع قراءة للصورة،كونها منفلة وهاربة على الدوام،لذا يصعب علينا إيجاد أدوات لقراءة الصورة ووضع آليات لها(22)،إلا أننا سنحاول ضبط إنفلاتها وإرجاع ما هرب منها،بإتباع قاعدة تحتكم إليها قراءة الصورة،وهي الإنفتاح والمرونة في تقبل قراءات الآخرين،فليس الفنان من يحتكم على مفاتيح الصورة/اللوحة بل أنا القارئ من أملك مفاتح مغالق هذه الصورة،فهي دائما تحتاج إلى مؤول يكلمها.
لتبقى التأويلات مستمرة مع استمرار الصورة،ولربما هذا هو السر الذي جعل كل حضارة لها طريقتها الخاصة في قراءة الصورة،بما هي لغة،فإذا كانت لغة فإنها تستطيع أن تكون كلام مجموعة معينة(23)،فيمكننا الآن أن ننتقل من محاذير قراءة الصورة،
والأحكام المسبقة التي قمعتها لزمن إلى إيصاء القارئ بكيفية الولوج إليها قراءة:
- عليه قبل كل شئ أن يسترشد بفطرته.
- الإعتماد على التلقائية،فهي أحسن معلم هنا.
- معرفة الوقع الذي أحدتثه فيه،ومقدار المشاعر التي نقتها إليه.
- اللحظات الأولى لتلقي الصورة،هي لحظات مهمة لفهم تعقيداتها،وما ستكشفه لنا من معاني.
بعد هذا طله يمكننا وضع شبكة تحليلية لقراءة الصورة،منشرطة بتلك النقلة التي رأيناها من قراءة النص إلى قراءة الصورة،مستفيدين من خصوصياتها التي لا يقولها النص،ومن المبدأين اللذا يحركانها وهما مبدأ التجميع ومبدأ التدرج(24) في قرأتها:
1- آليات قراءة الصورة :
يجب معالجة الصورة لإغناء رؤيتها(25)،فقبل أي تحليل لابد أن نميز بين مختلف أنماط الصورة،وهي من يحدد اختياراتنا لأهم عناصر التحليل،ومن يحفزنا للبحث فيما تحدثه من تأثيرات في القارئ- المشاهد الذي سيطرح عليها بدوره عدة أسئلة،كونها تخفي إحتمالات قرائية،باعتبارها كتاب مفتوح بتعبير أ.إيكو تعطينا حرية التأويل(26)،مركزة على ثلاث مراحل للقراءة :
1- طبيعة الصورة
2- تحليل مكونات الصورة.
3- المنظور التأويلي/تأويل الصورة.
إلا أن المرحلة الثالثة من قراءة الصورة،ستستقل بنفسها كونها قراءة تأويلية،تجاوز القراءة الوصفية(المرحلتين السابقتين).
1-1- طبيعة الصورة :
في هذه القراءة الوصفية التي تحاول الإجابة عن سؤال (ماذا تقول الصورة ؟)،فلسنا بحاجة إلى معرفة أخرى سوى ماهو مرتبط بمجال إدراكنا للصورة(27)،فالصورة تستند من أجل إنتاج معانيها إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الإيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة(وجوه،أجسام،حيوانات،أشياء من الطبيعة…)،وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى يطلق عليها التمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية،أي تلك العلامات التشكيلية(الأشكال،الخطوط،الألوان،التركيب…)(28)،لهذا وجب علينا معرفة النمط الذي تنتمي إليه الصورة،وفي أي صنف تنخرط،هل هي تنتمي للصور السنمائية
(السينما،التلفزيون،الفيديو…)،أو إلى الصور الجمالية،أو إلى الصور النفعية(الصور الإشهارية،الإخبارية،الوثائقية…)،وبهذا تتحدد طبيعة الصورة.
1-2- مكونات الصورة :
2-1- التنظيم المجمل للصورة :
يكون استقبال الصورة في المرحلة الأولى مجملا،فالعين تمسح الصورة،ولكن تتبثها على نفس الإطار(29)،ليس بالكيفية الخطية التي نتلقى/نقرأ بها النص،لكن هذه القراءة المجملة ما تلبث لتصبح في مرحلة ثانية قراءة خطية،لأن تركيز بصرنا على الصورة سوف لن يمدنا دفعة واحدة بكل الرسالات والدلالات الممكنة،لذا يقتضي أن تقوم العين بمجموعة من الحركات العمودية والأفقية والدائرية(30)،محددة بذلك مسار الصورة
2-2- المنظور :
يميز أهل الإختصاص بين معنيين للمنظورية،معنى واسع يراد به العلم الذي يمكن في تمثيل الموضوعات والأشياء على سطح ما بالكيفية نفسها التي نراها بالبصر،أخدا بعين الاعتبار عنصر المسافة(31)،ومعنى ضيق عرف منذ بداية عصر النهضة،بأنه العلم الذي يكمن في تمثيل عدة موضوعات مع تمثيل الجزء المكاني أيضا،الذي توجد فيه هذه الموضوعات بحيث تبدو هذه الأخيرة مشتتة في مستويات المكان،كما يبدوا المكان للعين التي تتموقع في موضع واحد(32)،ليصبح هناك عدة منظورات،منظور جوي،منظور معكوس،منظور خطي(33).
2-3- الإطار :
نسمي إطارا كل تقرير للتناسب أوالإنسجام بين الموضوع المقدم وإطار الصورة،حيث يأتي في أنواع مختلفة منها(34):
- الإطار العام أوالمجمل،والذي يعانق مجمل الحقل المرئي.
- الإطار العرضي،والذي يقدم الديكور،بحيث نستطيع فصل الشخصيات أوالموضوعات.
- الرؤية من القدم حتى ملئ الإطار،وهي التي تقدم الشخص كاملا أوالموضوع الموجود
في الإطار.
- الإطار المتوسط،وهو يقدم صورة نصفية.
- الإطار الكبير،وهو الذي يركز على الوجه أوالموضوع.
- الإطار الأكبر،نجده يركز على تفصيل الموضوعات الموجودة.
2-4- زاوية النظر :
زوايا النظر تتواصل بربطنا بين العين والموضوع المنظور له/فيه(35)،فالقارئ- المشاهد ليس بالضرورة أن يركز على نفس زاوية النظر التي نركز عليها في الموضوع،ولا نفس الموقع الذي يتخذه المصور أوالفنان في حالة تصويره أورسمه،لهذا علينا أن نطرح سؤال من أي زاوية ننظر للموصوع ؟
فنجد أن الصورة الفوتوغرافية مثلا هي من وضع الفوتوغرافي الذي يختار موقعه ضمن عملية التصوير،ليحدد إطار الموضوع الذي سيلتقطه بضبط الإنارة وكميتها(36)،أما الصورة الإشهارية فالتركيز يكون على زاوية النظر الوجهية(37) التي تقابلنا وجها لوجه وكأنها تخاطبنا.
2-5- الإضاءة والألوان :
5-1- الإضاءة :
هي من العناصر التي تثير الإنتباه في الصورة،فالهالة الضوئية تعمل على تقريب أوتبعيد الموضوع أوالشخصية،كما تمنحهما قيمة.
بحيث أن التيباين(contrast) يأخذ نجاعته الدرامية سواء كنا أمام صورة فنية أوصورة إشهارية(38)،فلابد علينا أن نأخذ بعين الإعتبار المعنى المقدم من طرف الإضاءة ونحن نقرأ الصورة،فلإذا كانت الإضاءة على الجانب الأيسر فالمنتوج المقدم يعد منتوجا مستقبليا أما إذا كانت الإضاءة مركزة على الجانب الأيمن فالمنتوج مرتبط بالماضي أي بالأصول والتقاليد،وكذلك المعرفة بالفعل.
لذا وجدنا عدة أنماط للإضاءة منها :
- الإضاءة الآتية من الأمام،أوإضاءة ثلاث أرباع الصورة،وهي تضيئ أحجام أوخطوط معينة مركزة عليها قصد إعطائها قيمة.
- الإضاءة الآتية من العمق،بحيث يكون الموضوع أوالشخصية أمام الناظر إليها.
- الإضاءة المعاكسة للنهار(contre-jour)،بحيث تتموقع الإضاءة وراء الشخصية تارة تاركة بعض أجزائها للظل،وهذا غالبا ما نجده في المنتوجات الإشهارية الخاصة بالتجميل والزينة وعروض الأزياء.
5-2- إختيار الألوان :
تعتبر الألوان شأن ثقافي،وهذا يعني أن لتربة المحلية الأثر الوازن في حمل المعاني والدلالات للألوان،فلا يمكن مقاربة لون إلا من وجهة نظر المجتمع والحضارة التي نشأ فيها،إن على صعيد التأويل الجمعي الذي يؤطره،وإن على صعيد المتخيل الإجتماعي والرمزي اللذين يمتح منهما(39).
لهذا وجب علينا إختيار ألوان الصورة،بتفعيل مبدأين مهمين لإخيار الألوان هما مبدأ هارمنية الألوان،ومبدأ تباينية اللوان(40)،فهارمنية الألوان هي التي تعمل على تدرجه لتوليد لون من لون آخر،أما تبانية الألوان هي من تخطط وتنظم إدراكنا لعناصر الصورة(41)،فنجد بأن هناك :
- الألوان الفاتحة والألوان الغامقة.
- الألوان الحارة(أحمر،برتقالي،أصفر…)،الألوان الباردة(أخضر،أزرق،بنفسجي…).
- دون أن ننسى اللونين الأبيض والأسود باعتبارهما قيمتين أكثر من لونين.
2- تأويل الصورة :
إن الصورة موجودة لأننا نقرأها(42)،فبعد هذه القراءة الوصفية لصورة- النص على
التعيين بتحديد طبيعتها ومكوناتها(المنظور،زاوية النظر،الإضاءة،إختيار الألوان…)، سيتخذ القارئ من هذه القراء الجماعية التي تواضعت عليها الجماعة المفسرة عونا تأويليا يعضد به قراءته الفردية لنص الصورة،الذي سيتقاطع فيه المستوى التعييني بالمستوى التضميني،ليشكلا قطبا الوظيفة السيميائية،ويحققا شكل مضمون الصورة،لأن التأويل الصورة مثل كل تأويل،يحتاج إلى بناء السياقات المفترضة من خلال ما يعطى بشكل مباشر،ولا يمكن لهذا التاويل أن يتم دون استعادة المعاني الأولية للعناصر المكونة للصورة،وضبط العلاقات التي تنسج بينها ضمن نص الصورة(43)،لنخلص إلى أن كل القراءات التي تناولت الأعمال الفنية والصور هي عبارة عن تأويلات يستحيل معها تطابق الصورة مع المرجع(44)،فالصورة في العود والبدء دائما في خلق قرائي وتأويلي جديد.
*خاتمة منهجية :
بعد هذه الرحلة البحثية في إرتحالات قراءة الصورة،التي حاولنا من خلالها فهم الصورة وتفهيمها،بتحديدنا لسيميائيات الصورة كمنهج لقراءتها على إختلاف أصنافها،على الرغم من صعوبة ضبط قراءة منهجية جامعة للصورة،أووضع شبكة تحليلية تستجيب لكل مقتضياتها،وهذا لتعقيد مكوناتها،وذاتية تأويلاتها،إذ لم تنشرط بمرتكزات معرفية،وثقافية متينة.
فقراءتنا للصورة لا تعد القراءة الوحيدة والشاملة،فلكل قارئ أن يضع شبكة منهجية لقراءتها،متكئا على كفاءته التأويلية،وقدرته الإنجازية لفهم علاماتها التشكيلية والبصرية عامة،فقراءة الصورة ترتكز أساسا على المعرفة والثقافة واللذة،لهذا نحن نحيا بها وهي تحيا بنا،مكونين بذلك مجتمع الصورة الذي سيقدرنا على مخاطبة المجتمعات الأخرى التي حولت الصورة من لغة عبرة وبيان إلى لغة قهر وسلطان،فالصورة لغة فالنتفاهم بها معها.
* هــوامــــش البـحــث :
1- Cours de linguistique génerale,ed.ENAG Ferdinand,De Sausur1994.p.33.
2- C.S.Peirce,Ecrits sur le signe,ed.seuil,paris,1978,p.147.
3- aventure sémiologique,ed. Seuil,paris,1985,‘Roland Barthes,l
p.17-85
4- L.Hjelmlew,prolégomènes à une théorie du langage,ed.madison,
1966,p.66.
5- رولان بارث،بلاغة الصورة،فيقراءةجديدةللبلاغةالقديمة،ترجمة،عمرأوكان، إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،ص 91-94.
6- C.Metz,au delà de l analogie,l image,in communication,n°15, 1970,p.01
7- محمد العماري،الصورة واللغة ا(مقاربةسيميوطيقية،مجلةفكرونقد،السنةالثانية, العدد 13،نوفمبر 1998،دار لنشر المغربية،الدار البيضاء،ص 137.
8- André Helbo, le champ sémiotique,ed.complexe,paris,1979,p.G21.G22.
9- C.Metz ,au delà l analogie, l image, p.p 3-4
10- René La Borderie ,les images dans la société et l éducation,
ed.casterman,paris, 1972,p.p.1314.
11- Werner Burzlaff ,la lettre et l image ,les relations iconiques chez peirce ,in signe/texte/image,ed.césura Lyon,1990,p.127.
12- سعاد عالمي،مفهوم الصورة عند ريجيس دوبري،إفريقيا الشرق،سنة 2004،المغرب, ص30-32.
13- بطرس البستاني،موسوعة دائرة المعارف،دائرة المعارف،مج11،(د.ت)،بيروت،ص61.
14- A.J.Greimas, J.Courtés, sémiotique, Dictionnaire raisonné de la théorie du langage, ed.Hachette, paris, 1979, p.1815- Marie Claude vettraino Soulard ,lire une image ,ed.Arland
colin ,paris, 1993,p.20.
16- رولان بارث،بلاغة الصورة،في قراءة جديدة للبلاغة القديمة،ترجمة،عمر أوكان،
17- إفريقيا الشرق،سنة 1994،المغرب،ص 94

مفهوم الصورة الفنية/1

(البحث في طبيعة الصورة لا يمكن أن يستمر إلا إلى حد معين، وإلا وجدنا أنفسنا قد وصلنا إلى حافة الجنون)نعيم اليافي، مقدمة لدراسة الصورة الفنية، ص 47أولاً: مدخل:"يكاد يكون هناك إجماع على صعوبة إيجاد تعريف شامل للصورة، ولعل هذه الصعوبة كامنة في كثير من المصطلحات الأدبية" (1)"فالوصول لمعنى الصورة ليس باليسير الهين، ولا السهل اللين، ومن قال ذلك، فقد احتجبت عنه أسرار اللغة وجمالها المكنون المستسر، وروحها المتجددة النامية، وليس لها – كما عند المناطقة – حدود جامعة، ولا قيود مانعة" (2)ولا بد لنا من الوقوف على الأسباب التي أدت إلى خفاء ذلك المصطلح المراوغ، ومنها:*"الصورة أمر متعلق بالأدب وجماليات اللغة، والتطور الحادث في كليهما – وفي الفنون عموماً – لا يلغي القديم، بل يتعايش معه، ويسير بجانبه" (3)*"لأن للصورة دلالات مختلفة، وترابطات متشابكة وطبيعة مرنة تتأبى التحديد الواحد المنظر"(4)*"ارتباط مفهوم الصورة بالإبداع الشعري، وقد فشلت المساعي التي تحاول تقنينه، أو تحديده دوماً؛ لخضوعه لطبيعة متغيرة تنتمي للفريدة والذاتية وحدود الطاقة الإبداعية المعبر عنها بالموهبة" (5)*كثير من الباحثين نقل عن المناهج الغربية نظرتها للصورة في عبارات فضفاضة غير منطقية، وحاول تطبيق تلك النظرة قسراً على النصوص العربية، وليستنطق النص ما لم يقله، وما لا يحتمله0وليس المقصود من ذلك تثبيط الهمم، بل استنهاضها لتغوص وراء استكناه خبايا هذا المصطلح المحبب المراوغ الذي أصبح – كما يقول فريدمان – "يعني كل شيء لكل الناس" (6)ثانياً: الصورة في اللغة والقرآن الكريم:وعندما نطالع معاجم اللغة باحثين عن معنى(الصورة)، فإننا نجد: "المُصَوِّر: من أسماء الله تعالى، وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها، وكثرتها00 وتصورت الشيء: توهمت صورته، فتصور لي، قال ابن الأثير: الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته" (7)وقريب من ذلك ما جاء عند الفيومي، والفيروزابادي، والمأخوذ من معاني الصورة في معاجم اللغة، أنها تعني الشكل، والنوع، والصفة، والحقيقة0يقول الراغب الأصفهاني: "الصورة ما ينتقش به الأعيان، ويتميز بها غيرها، وذلك ضربان:أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان كصورة الإنسان والفرس، والحمار بالمعاينة.والثاني: معقول يدركه الخاصة دون العامة، كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل، والروية، والمعاني التي خص بها شيء بشيء" (8)ويقول علي صبح: "فمادة الصورة بمعنى الشكل، فصورة الشجرة شكلها، وصورة المعنى لفظه، وصورة الفكرة صياغتها00"(9)فإذا ما انتقلنا لنرى مدلول الصورة في القرآن الكريم، فإننا نلتقي بمادة (صور) في القرآن ست مرات: مرتين بصيغة الفعل الماضي، الأول: (صوركم) في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64)قال الزمخشري:"(فأحسن صوركم)‏ وقرئ‏:‏ بكسر الصاد والمعنى واحد‏0 قيل‏:‏ لم يَخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان‏.‏ وقيل‏:‏ لم يخلقهم منكوسين كالبهائم"0(10)فصورة الآدميين صورة حسنة، والفعل هنا يشير إلى الشكل والهيئة والصفة0ويطالعنا اللفظ أيضاً بصورة الماضي (صورناكم) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (لأعراف:11) قال أبو السعود: "خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور، ثم صورناه أبدع تصوير، وأحسن تقويم سار إليكم جميعاً" (11)فالتصوير هنا بمعنى التشكيل، وأنه مرحلة تالية بعد الخلق0ومرة بصيغة اسم الفاعل (المصور) كما في قوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر4) "أي الذي إذا أراد شيئاً فإنه يقول له كن فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار" (12)ومرة بصيغة الفعل المضارع (يصوركم) في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:6) قال ابن كثير: "يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى وحسن وقبيح وشقي وسعيد) (13)وفي هذا دليل على أن الإيجاد يكون على صفة وشكل يريده الله كيفما يشاء وبلا سبب0ومرة بصورة الجمع (صوركم) في آية سورة "غافر" السابقة، ومرة بصيغة المفرد (صورة) في قوله تعالى: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:8) "أي: شكَّلك، وقال مجاهد: أي في شبه أب، أو أم، أو خال، أو عم" (14)والمأخوذ من الآيات السابقة، ومن كلام أئمة التفسير أن الصورة تعني الخلق، والإيجاد، التشكيل، والتركيب، وإلى هذا أشار أحد الباحثين بقوله: "لفظة (الصورة) تشير إلى فعل التصوير، وإلى فعل التركيب، وهما لا يقوم أحدهما دون الآخر بحيث يمكن القول: إن التصوير تركيب، وإن التركيب ذو عناصر ينحلُّ إليها، وأن هذه العناصر ذات علاقة فاعلة ومتفاعلة تثمر في النهاية نشاطاً تصويرياً ما 00 فمدلول الصورة هو نشاط عناصر التركيب00"(15)وإذا كان حديثنا السابق انصب حول مادة (صور) في الذكر الحكيم، فمن الواجب أن نشير إلى أن "التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن؛ فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس،والمشهد المتطور، وعن النموذج الإنساني، والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها، فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية00" (16)ثالثاً: الصورة في النقد القديم:قد يعن للبعض تساؤل: ما الذي نستفيده من البحث عن جذور لمصطلح (الصورة) في النقد العربي القديم؟فإذا كان الشائع عند بعض الباحثين أن النقد العربي القديم لم يسهم في هذا المجال إلا بالقليل غير المفيد، وأن (الصورة) ومناهج دراستها قد تعرفنا عليهما من اطلاعنا على جهود الغرب، وليس للعرب ونقدهم في ذلك فضل0(17)فإن هذه أحكام أُلقيت على علاتها، "فمع إيماننا التام بأن النقاد المحدثين قطعوا شوطاً كبيراً في تعريف الصورة، وتحديد مدلولاتها، ومعالجة قضاياها، فإننا لا يمكن أن نغفل جهود القدماء؛ لأننا عندها نكون كالطائر الذي يرغب أن يطير بجناح واحد، ولن يتحقق له ذلك" (18)والتصوير ليس أمراً جديدا، أو مبتكراً في الشعر، "وليست الصورة شيئاً جديداً، فإن الشعر قائم على الصورة - منذ أن وجد حتى اليوم – ولكن استخدام الصورة يختلف بين شاعر وآخر، كما أن الشعر الحديث يختلف عن الشعر القديم في استخدامه للصورة" (19) ويحق لنا أن نتساءل: هل أدرك هؤلاء النقاد أنهم عندما ينفون معرفة نقدنا القديم للصورة أنهم بذلك يسددون سهماً مريشاً إلى صدر التراث؟ وكيف يستقيم كلامهم مع قول أحد كبار الباحثين: "على أن ما بذلته من جهد في هذا السبيل – يقصد دراسة الصورة في النقد القديم – جعلني أقتنع اقتناعاً عميقاً بأن قضية الصورة في الموروث النقدي العربي مشكلة جوهرية تحتاج لا إلى دراسة واحدة فحسب، بل إلى العديد من الدراسات الدقيقة المتخصصة" (20)وكذلك كيف يستقيم كلامهم مع قول باحث كبير آخر: "وبذلك نجد أن دراسة الصورة قد ترسخت في هذا التراث مبحثاً متكاملاً صدر عن الفكر العربي في تمثل الشعر نشاطاً اجتماعياً، وصناعة ماهرة، وحلل عناصر الشعر، ووازن بينه وبين التصوير، ثم حلل بناء الصورة بالإشارة إلى مادتها وما يقع في هذه المادة من نقش وتزيين، وأشار إلى مصادرها في الذهن، وجسد تأثيرها في المتلقي" (21)ونحن إذا ذهبنا نستقصي ما جاء في كتب النقد القديم عن الصورة، فإن المقام سيطول، ولكننا سنكتفي بعرض آراء بعض النقاد القدامى الذين كانت لهم جهود بارزة في هذا الشأن، وسوف نلاحظ أن الجذور العربية لدراسة الصورة متوافرة وليست مفقودة، وإن اختلفت درجة الاهتمام – عند هؤلاء النقاد - بين إشارات ولمحات بسيطة وعابرة حيناً، وبين إدراك ووعي عميق لطبيعة الصورة وأثرها في النص الأدبي مع اهتمام بالنواحي الفنية والجمالية فيها حينا آخر0الجاحظ (ت 255هـ)أشار أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى الصورة من خلال نظرته التقويمية للشعر, والإشارة إلى الخصائص التي تتوافر فيه، فعندما بلغه أن أبا عمرو الشيباني استحسن بيتين من الشعر لمعناهما مع سور عبارتهما، فعلق برأيه أن: "المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي, وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء, وفي صحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس من التصوير" (22)ففي هذا النص - الذي يعد من أقدم النصوص في هذا المجال - تحدث الجاحظ عن التصوير, وقد توصل إلى أهمية جانب التجسيم وأثره في إغناء الفكر بصور حسية قابلة للحركة والنمو, تعطي الشعر قيمة فنية وجمالية لا يمكن للمتلقي الاستغناء عنها, فحينما يكون الشعر جنساً من التصوير يعني هذا "قدرته على إثارة صور بصرية في ذهن المتلقي, وهي فكرة تعد المدخل الأول أو المقدمة الأولى للعلاقة بين التصوير والتقديم الحسي للمعنى"(23)فالجاحظ يرى أن المعاني نابعة من التجارب الإنسانية، وهذه يشترك فيها العربي والعجمي، ومن نشأ بالبادية أو الحضر، أي أن المعاني راجعة إلى جهد صاحبها وخبراته وتجاربه وتحصيله، وإنما المعتبر عند الجاحظ – من خلال النص السابق -:*أولاً: "إقامة الوزن، وإقامة الوزن تعني موسيقى الألفاظ التي يوقعها تجانس الكلم0*ثانياً: تخير اللفظ،الذي يشير إلى وعي الشاعر بصناعته، فيجعل وعيه اللغوي ميزاناً يختار بإحدى كفتيه الألفاظ المناسبة التي تعدل كفة معانيه وأحاسيسه0*ثالثاً: سهولة المخرج، أي الخلوص من التعقيد المعنوي واللفظي، فهو نص يتدفق في يسر0*رابعاً: كثرة الماء، وهو مصطلح يدور كثيراً في الكتب النقدية والبلاغية القديمة، فإذا توفر في النص جعل القارئ يتلقاه بقبول حسن تاركاً تأثيره في الوجدان0*خامساً:صحة الطبع، الذي يومئ إلى صدق المبدع مع نفسه، ومع إبداعه، فلا يفتعل المواقف،ولا يصطنع التعبيرات0*سادساً: جودة السبك، لجعل العمل الأدبي وحدة متكاملة تصاغ في خلق عضوي متحد، ومتصف بالجودة التي ترتفع به عن الرداءة والارتجال، وتتمثل في الدقة والمهارة"(24)وقد أفاد البلاغيون والنقاد العرب الذين جاءوا من بعد الجاحظ من فكرته في جانب التصوير، "وحاولوا أن يصبوا اهتماماتهم على الصفات الحسية في التصوير الأدبي وأثره في إدراك المعنى وتمثله, وإن اختلفت آراؤهم وتفاوتت في درجاتها"(25)قدامة بن جعفر (ت 337هـ)لقد تحدث قدامة في أكثر من موضع عن الشعر مبيناً حده، وتعريفه، ومحللاً أركانه لفظاً ومعنى، ومشيراً إلى طبيعته مادة وشكلاً0يقول قدامة: "ومما يوجب تقدمته وتوسيده – قبل ما أريد أن أتكلم فيه- أن المعاني كلها معرضة للشاعر،وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر من غير أن يُحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، وإذا كانت المعاني للشعر بمنزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة كما يوجد في كل صناعة من أنه لا بد فيها من شيء موضوع يقبل تأثير الصور منها: مثل الخشب للنجارة،والفضة للصياغة، وعلى الشاعر – إذا شرع في أي معنى كان من الرفعة والضعة، والرفث والنزاهة، والبزخ والقناعة، والمدح، وغير ذلك من المعاني الحميدة، أو الذميمة – أن يتوخى البلوغ من التجويد في ذلك إلى الغاية المطلوبة" (26)وهنا نجد أن قدامة بن جعفر يتقدم عن التصوير الجاحظي – وإنكان قد تأثر به - خطوة جديدة؛ فلقد كان كلامه أدخل في باب التصوير من رأي الجاحظ فيه؛ فقد جعل للشعر مادة، وهي المعاني، وصورة،وهي الصياغة اللفظية، والتجويد في الصناعة، "فلقد تناول قدامة مقومات الصورة في الشعر، ولم يكتف في هذا التناول بصحة اللفظ والتركيب، وسلامة الوزن، واتساق القافية مما يُعد أموراً جوهرية لبناء هيكل الشعر، بل وقف عند مسائل عرضية تُعد مظهر اقتدار الشاعر على الابتكار والإبداع" (27)فالصورة – طبقاً لتحديد قدامة – " الوسيلة، أو السبيل لتشكيل المادة وصوغها، شأنها في ذلك شأن غيرها من الصناعات، وهي – أيضاً – نقل حرفي للمادة الموضوعة، المعنى يحسنها ويظهرها حلية تؤكد براعة الصانع000"(28)كما أن الشكل الذي أراده قدامة بن جعفر وعاءً لنظريته في نقد الشعر "لا ينفي فكرة المضمون في حد ذاتها، إذ لا قيمة للشكل مفرغاً من محتواه الفني، وقدامة نفسه قد أكد تأكيداً واضحاً خطر المعاني وقيمتها وعموميتها بالنسبة للشاعر،فكل ما في الحياة معان شعرية يعرض إليها الشاعر في شعره ما دام قادراً على إخراجها وتصويرها"(29)وقد أوضح قدامة – في موضع آخر – أن معيار الجمال، ومقياس الجودة يرجع للشكل أكثر من المعنى، ويفصل الأشياء التي تعتمد عليها الصورة والمكونة لجزئياتها، فيقول: "وأحسن البلاغة الترصيع، والسجع، واتساق البناء، واعتدال الوزن، واشتقاق لفظ من لفظ، وعكس ما نظم من بناء، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وإيرادها موفورة بالتمام000"(30)ويعلق أحد الباحثين على آراء قدامة بقوله: "نستطيع أن نقرر أصالة قدامة بن جعفر في إدارته لمصطلح الصورة متحدثاً عن معاني الشعر وألفاظه" (31)عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ)وعندما نتوقف عند الإمام عبد القاهر الجرجاني، نجد أن منهجه في دراسة الصورة منهج متميز عما سبقه من العلماء العرب، وعلى الرغم من إفادته الكبيرة من جهودهم، فقد أفاض في حديثة عن الصورة في كتابيه: (أسرار البلاغة - ودلائل الإعجاز) فمن إشارته إليها قوله: "ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان في صورة مستجدة تزيد قدره نبلاً, وتوجب له بعد الفضل فضلاً" (32)فنحن هنا أمام حس نقدي مرهف بلغ بالنقد – وهو من علماء القرن الخامس الهجري – ما بلغه النقاد في القرن الخامس عشر الهجري، وذلك لسعة أفقه، ودقة عباراته، وتناوله الشامل للنص الأدبي الذي أمامه0 وقد ذكر عبد القاهر النص السابق وهو يتحدث عن الاستعارة المقيدة مبيناً أن فضيلتها أنها توضح المعنى في صورة مستجدة0ثم نراه في نص آخر يربط الصورة بدوافع نفسية إضافة إلى الخصائص الذوقية والحسية حيث تجتمع هذه الخصائص جميعاً عبر وشائج وصلات حية لتعطي الصورة شكلاً ورونقاً وعمقاً مؤثراً، "فالتمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو أُبرزتْ هي باختصار في معرضه, ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته كساها أبهة وكسبها منقبة, ورفع من أقدارها وشب من نارها وضاعف قواها في تحريك النفوس ودعا القلوب إليها واستثار لها أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً, وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفاً" (33)فعبد القاهر الجرجاني لم يهمل الأثر النفسي وأهميته في تكوين وتشكيل الصورة فاتسم تحليله العميق للخلق والإبداع الشعريين على الذوق الفني المرهف وما تثيره مفردات البيان العربي أو ضروبه الفنية من استجابة في نفس متلقيها, فبدا البيان العربي عند قائماً على الذوق والتذوق0ويبلغ الجرجاني ذروة إبداعه الفني والنقدي في دراسته للصورة حينما ينظر إليها نظرة متكاملة لا تقوم على اللفظ وحده أو المعنى وحده بل إنهما عنصران مكملان لبعضهما، "واعلم أن قولنا (الصورة) إنما هو تمثيل وقياس لما نعلمه بعقولنا على الذي نراه بأبصارنا، فلما رأينا البينونة بين آحاد الأجناس تكون من جهة الصورة فكان بين إنسان من إنسان، وفرس من فرس بخصوصية تكون في صورة ذاك، وليست العبارة عن ذلك بالصورة شيئاً نحن ابتدأناه فينكره منكر، بل هو مستعمل في كلام العلماء، ويكفيك قول الجاحظ: وإنما الشعر صناعة، وضرب من التصوير" (34)ويرى أحد الباحثين أن مفهوم مصطلح الصورة عند الجرجاني قد استقر على ثلاثة أركان:*"الأول: تناول الصورة والتصوير في خضم البحث البلاغي0*الثاني: هضم معاني الصورة لغةً واصطلاحاً من شتى مصادرها الأصلية وربطها بالنظرية الأدبية العربية التي ترى أن القول صناعة في عملية خلقها وفي غايتها0*الثالث: يتلمس مصادر الصورة الأدبية ووسيلة خلقها ومعيار تقويمها في الواقع بأبعاده الموروثة ومقوماته الحيوية"(35)فدراسة الصورة عند عبد القاهر هي دراسة متميزة ونظرته نظرة تغاير المفاهيم التي سبقت دراساته مما يحفزنا إلى اعتداده الناقد الأول الذي بسط القول في الصورة مفهوماً واصطلاحاً0كما تناول عبد القاهر الجرجاني الصورة في باب (السرقات) حيث يتصدى "للقوم ويصف رأيهم بالخطأ المحض؛ لأنهم اعتبروا الصورتين المختلفتين لمعنى واحد يعدان شيئاً واحداً، ولا تفاوت بينهما؛ لأن المعنى في الصورة الأولى هو نفسه في الصورة الثانية إنما الاختلاف في هيئة النظم، وتركيب الصورة، وهذا لا يفيد شيئاً 000 وقد غلطوا فأفحشوا؛ لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين مثل صورة الآخر البتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت فيضع مكان كل لفظة منه لفظة في معناها، ولا يعرض لنظمه ولا تأليفه" (36)فعبد القاهر "يؤكد على قيمة التعبير بالصورة من خلال تحويل المعنى المجرد إلى صور وأشكال تُرى بالعين، وفي قوله هذا إظهار للجانب البصري للصورة،وتركيز على فكرة تجسيم المعنوي" (37)وليس أدل على إحاطة عبد القاهر بالصورة، وحسن معالجته قضاياها من أن يخصص الباحث (كمال أبو ديب) أطروحته للدكتوراة في جامعة أكسفورد، فيجعلها لدراسة الصورة الشعرية عند عبد القاهر الجرجاني"(38)ويبين أحد النقاد مدى الحس النقدي المرهف الذي وصل إليه عبد القاهر على المستويين التنظيري والعملي معاً، فيقول: "قد يرتفع هذا الحس إلى مراقي الوعي النظري الذي يسعى إلى الكشف عن هذه الأدوات التعبيرية عن قانون عام ينظمها، لقد تحققت هذه الصحوة عند عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز0 لقد أدرك هذا البلاغي الفذ أن الشعرية، أو البلاغة تتحقق بفضل التصوير الذي يعترض المعنى، هذا التصوير أو "وجوه الدلالة على الغرض" هو مجموع الأدوات التصويرية البيانية من تشبيه وتمثيل واستعارة وكناية، وهذا ما يختصره الجرجاني في عبارته التي يتحدث فيها عن القدماء وفهمهم للصورة "إنهم لا يعنون بحسن العبارة مجرد اللفظ، ولكن صورة وصفة وخصوصية تحدث في المعنى" إن هذا الموضوع عينه الذي يحدده المعاصرون تحت تسمية (صورة)"(39)ويقول الناقد نفسه: "لقد أنجز عبد القاهر الجرجاني قفزة نوعية في مجال التنظير للصورة الشعرية"(40)ونستطيع من خلال نصوص عبد القاهر التي عرضنا لها، ومن خلال تعليقات النقاد عليها أن نوجز أثره في النقاط التالية:"أنه أعطى للفظ حقه، كما أعطى للمعنى حقه0 الصورة الأدبية عنده تتشكل في الذهن أولاً، ثم تبرز إلى الخارج بعد انتظامها0 يكون لها معنى مقصود، وغرض يهدف إليه الشاعر0 أساس الجمال عنده يرجع إلى النظم والصياغة والتصوير0 كلمة في النظم أو الصورة لا بد أن تأخذ مكانها بين أخواتها، ويرتبط معناها بمعاني الكلم فيها على أساس التوخي لمعاني النحو0 تحققت الوحدة الفنية والترابط الوثيق بين أجزاء النظم والصورة والتلاؤم بين عناصرها0 الخيال رافد من روافد الصورة المتعددة، وإن وقع في الصورة زادها جمالاً"(41)فعبد القاهر بلغ قمة الخروج على المألوف والسطحي في معالجة قضايا الصورة،؛ فلقد اعتبرها عنصراً حيوياً من عناصر التكوين النفسي للتجربة الشعرية، "فلقد استطاع عبد القاهر أن يجمع في نظريته النقدية بين الاتجاهات الرئيسية في تعريف الصورة الشعرية، وأن يمزج بينها بشكل رائع ملغياً – بفكره التحليلي الثاقب – ما يبدو من تناقض ظاهري0 كما تجلت في مذهبه الشعري الصورة الشعرية مجازاً وانطباعاً حسياً ورمزاً بما في أشكال التعبير المختلفة موازية لما تمر به النفس من حالات، وما يتدرج الفكر فيه من مستويات"(42)حازم القرطاجني (ت 684هـ)يعرف حازم الشعر بقوله: "الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه إليها"(43) ويذكر حازم القرطاجني الصورة في مجال الحديث عن التخييل الشعري، فيقول: "والتخييل أن تتمثل للسامع من لفظ الشاعر المخيل أو معانيه أو أسلوبه ونظامه، وتقوم في خياله صورة أو صور ينفعل لتخيلها وتصورها، أو تصور شيء آخر بها انفعالاً من غير رؤية إلى جهة من الانبساط أو الانقباض"(44)فالشعر عند حازم إثارة المخيلة لانفعالات المتلقي، يقصد المبدع منها دفع المتلقي إلى اتخاذ موقف خاص، بمعنى أن صور الشعر ومخيلاته تثير كوامن النفس وصورها المختزنة عند المتلقي، ومن هنا فالصورة – عند حازم – "لم تعد تشير إلى مجرد الشكل أو الصياغة فحسب، ولم تعد تحوم حول التقديم الحسي، وإنما أصبحت محددة في دلالة سيكولوجية خاصة تتصل اتصالاً وثيقاً بكل ما له صلة بالتعبير الحسي في الشعر"(45)والمأخوذ من كلام الناقد الكبير أن الصورة قد تطور مفهومها عند حازم القرطاجني فلم تعد مقصورة على الشكل فحسب، بل شملت كل ما يؤثر في المتلقي بتغيير مواقفه القديمة، أو باتخاذ مواقف جديدة بعد أن تفاعلة صور النص مع مخيلة المتلقي، كما ربط الناقد نفسه بين الجانب الفني لمصطلح الصورة، وبين الجانب النفسي0كما يحرص حازم – عند تكوين الصور – أن يربط بين دلالة اللفظ ودلالة المعنى، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ، فيقول: "إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم" (46)فهو يرى تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي، أو العرف العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية اللغوية0ويبين حازم أن التصوير قرين المحاكاة، والمحاكاة عنده قسمان:أ – محاكاة الشيء نفسه0ب – محاكاة الشيء في غيره0فالقسم الأول يشير إلى مجرد النقل المباشر عن العالم المرئي، بينما القسم الثاني يشير إلى الأنواع البلاغية للصورة كالتشبيه والاستعارة0 يقول حازم: "والذي يدركه الإنسان بالحس فهو الذي تتخيله نفسه؛ لأن التخييل تابع للحس، وكل ما أدركته بغير الحس فإنما يُرام تخييله بما يكون دليلاً على حاله من هيئات الأحوال المطيقة به واللازمة له حيث تكون تلك الأحوال مما يحس ويُشاهد، فيكون تخييل الشيء من جهة ما يستبينه الحس من آثاره والأحوال اللازمة له حال وجوده، والهيئات المشاهدة لما التبس به ووجد عنده0 وكل ما لم يحدد من الأمور المحسوسة بشيء من هذه الأشياء، ولا خُصص بمحاكاة حال من هذه الأحوال، بل اقتصر على إفهامه بالسم الدال عليه، فليس يجب أن يُعتقد في ذلك الإفهام أنه تخييل شعري أصلاً؛ لأن الكلام كله كان يكون تخييلاً بهذا الاعتبار" (47)ويحرص حازم على التناسق داخل الصورة، ومراعاة التناسب بين عناصرها ومكوناتها، ويفرق في ذلك بين الصور المرئية، والمسموعة وغيرها: "ويجب في محاكاة أجزاء الشيء أن ترتب في الكلام على حسب ما وجدت عليه في الشيء لأن المحاكاة بالمسموعات تجري من السمع مجرى المحاكاة من المتلونات من البصر، وقد اعتادت النفوس أن تصور لها تماثيل الأشباح المحسوسة ونحوها على ما عليه ترتيبها، فلا يوضع النحر في صورة الحيوان إلا تالياً للعنق، وكذلك سائر الأعضاء، فالنفس تنكر لذلك المحاكاة القولية إذا لم يوال بين أجزاء الصور على مثل ما وقع فيها كما تنكر المحاكاة المصنوعة باليد إذا كانت كذلك" (48)ونستطيع أن نوجز في نقاط أبرز ما توصل إليه حازم في مجال التصوير، ومنه:"وضع حازم الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان ضمن مبحث المعاني، فإذا أراد الشاعر أن يولد الصور فليس أمامه سوى الألفاظ، والألفاظ عاجزة عن التأثير ما لم تكن في مدار الأوصاف0يميز حازم بين الصورة التي تصنعها المحاكاة التامة في الوصف والتصور الذي يعني حصول صورة الشيء بالعقل وإدراك ماهيته0الفضل في إبداع الصورة راجع إلى تجربة الشاعر النفسية وبيئته النفسية0التصوير يتم من خلال ثلاث قوى: الأولى: هي القوة الحافظة حيث تكون صورة الأشياء مرتبة فيها على حد ما وقعت عليه في الوجود، والثانية: قوة مائزة، وهي التي يميز بها الإنسان ما يلائم الموضع والنظم والأسلوب، أما القوة الأخيرة: فهي القوة الصانعة التي تتولى العمل في ضم بعض أجزاء الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية إلى بعض"(49)----- المراجع -----------------(1) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، دار قباء للطباعة، القاهرة، الطبعة الأولى 2000م، ص 91(2) علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة د0ت، ص5(3) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، ص 91(4) بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، بيروت الطبعة الأولى 1994م، ص 19(5) بشرى موسى صالح، المرجع السابق، ص 19(6) نقلاً عن: عبد القادر الرباعي، الصورة الفنية في النقد الشعري، دراسة في النظرية والتطبيق، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1984م، ص 105(7) ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، د0ت، ج4، ص 2523(8) الراغب الأصفهاني، الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، د0ت، مادة (صور)(9) الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 3(10) الزمخشري، الكشاف الجزء4، ص176(11) أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، الجزء 2، ص325(12) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، بيروت، 1401هـ، الجزء الرابع، ص45(13) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الأول، ص 46(14) ابن كثير، المرجع السابق، ج4، ص 482(15) أحمد يوسف علي، مفهوم الشعر عند العباسيين، رسالة دكتوراة مخطوطة، كلية الآداب - جامعة الزقازيق، 1984م، ص 400(16) سيد قطب، التصوير الفني في القرآن، دار المعارف، القاهرة، الطبعة العاشرة، د0ت، ص34(17) (انظر في ذلك:*نصرت عبد الرحمن، الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، مكتبة الأقصى، عمان، الطبعة الثانية 1982م، ص 12*كمال أبو ديب، جدلية الخفاء والتجلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 1984، ص 19*أحمد بسام ساعي، الصورة بين البلاغة والنقد، دار المنارة، عمان، الطبعة الأولى، 1984م ص 21(18) إبراهيم أمين الزرزموني، الصورة الفنية في شعر علي الجارم، ص92، 93(19) إحسان عباس، فن الشعر، دار الثقافة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1955م، ص 230(20) جابر أحمد عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1974م، ص 9(21) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1987م، ص 549(22) الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، المجمع العلمي العربي الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1969م، ج3، ص 13 (23) جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ص 316(24) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص 26، 27 بتصرف(25) عبد الإله الصائغ، الصورة الفنية معياراً نقدياً، دار القائدي، ليبيا، د0ت، ص 170(26) قدامة بن جعفر، نقد الشعر، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، د0ت، ص 65، 66(27) بدوي طبانة، قدامة بن جعفر والنقد الأدبي، الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة 1969م، ص 342(28) بشرى موسى صالح، الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، ص 22(29) أحمد عامر، من قضايا التراث العربي النقد والناقد، منشأة المعارف، الإسكندرية، د0ت، ص 133(30) قدامة بن جعفر، جواهر لألفاظ، ص 3، نقلاً عن: علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 29(31) حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص 33(32) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تحقيق هـ0 ريتر، مكتبة المتنبي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1979م، ص 41(33) عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص 101(34) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، ودار المدني بجدة، الطبعة الثالثة، 1992م، ص 508(35) كامل حسن البصير، بناء الصورة الفنية في البيان العربي، ص42(36) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 487(37) عبير عليوة إبراهيم، الصورة الفنية في شعر حسان بن ثابت، رسالة ماجستير مخطوطة بكلية الآداب جامعة الزقازيق، 1990م ص 66(38) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى 1992، ص 65 (39) الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى 1990م، ص 293(40) الولي محمد، الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، ص 54(41) علي علي صبح، الصورة الأدبية تأريخ ونقد، ص 79، وما بعدها بتصرف(42) ريتا عوض، بنية القصيدة الجاهلية، الصورة الشعرية لدى امرئ القيس، ص 88(43) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، دار الكتب الشرقية، تونس 1966م، ص 21(44) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 89(45) جابر عصفور، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، ص 361(46) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 18(47) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، ص 111(48) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص 104

مادة الانتاج الكتابي

الموضوع :أصبحت الرياضيات عماد كل فروع العلم الحديثة ।لذلك يحرص بعض الأولياء على دفع طلبة العلم من أبنائهم الى اختيار هذا المسلك

حرر فقرة من خمسة عشر سطرا تبرز مدى وجاهة هذا التوجه على حساب فروع المعرفة الأخرى

الموضوع المقترح/ "المحور الثاني

الموضوع : أقيم معرض لأحد الرسامين في معهدكم فزرته.وبينما كنت تتجول عبر أروقته لفتت لوحة من لوحاته الفنية انتباهك.
فوقفت تتأمل عناصر تكوينها تستجلى معالم الجمال فيها.
اسرد ما شاهدت محللا عناصر تشكيلها ومبينا أبعادها.
بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"