بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 أكتوبر 2010

أشكال الحرية الأساسية/4

أشكال الحريّة الإنسانيّة :

· الحريّة النّفسيّة :

الحريّة في جوهرها حاجة إنسانيّة ترتبطُ بإحساس وشعور الإنسان الباطنيّ ، وكونها شعوراً داخليّاً فإنّها حاجةٌ نفسيّةٌ في المقام الأوّل منشؤها النّفس ، لذا فالحريّة النّفسيّة تعبيرٌ عن حريّة الإنسان بأوسع معانيها ، إذ تنتهي سلطة العسف الخارجي عند تخوم الجسد الحامل لها ، سواء كانت فرداً أو جماعةً ، مجتمعاً أو دولةً ، طقوساً دينيّةً ، أو قيماً أخلاقيّةً ، أعرافاً اجتماعيّةً أو قوانينَ مدنيّةً ،فيُتركُ للإرادةِ والعقل والشّعور والعاطفة والضّمير الحريّة الكاملة في التّفكير والتّصرّف ، بمنأى عن الخوف من الآخر ومساءلته ، فالنّفس الفرديّة وعاءٌ حقيقيّ للحريّة الشّخصيّة ، ومملكةٌ مستقلّةٌ في علاقتها بمحيطها الاجتماعيّ ، التّفكير والرّغبات والعواطف والغرائز فيها حرَّة لا تخضع لسلطة ، إلاّ سلطة الفرد نفسه ، نعم بوسع المرء تصوّر أشياء متداخلة ومتناقضة ومتضادّة ، لا نظير لها في الوقع ، وهذا إن دلَّ على شيء إنّما يدلُّ على الطّابع اللاّمحدود للحرّيّة النّفسيّة . لكنَّ تصوّراً كهذا لا ينبغي أن يحملنا على تطبيقه واقعيّاً ، نظراً للمخاطر الكبيرة الّتي ينطوي عليها من النّواحي الأخلاقيّة والاجتماعيّة والحياتيّة ، فبوسع المرء رؤية نفسه يمارس القتل العشوائيّ بحقّ الآخرين بحريّة تامّة من النّاحية الذّهنية التصوّريّة ، لكنَّ الممارسة الفعليّة لهذا التصوّر من النّاحية الواقعيّة ، تخضع لجملة من الشّروط والاعتبارات والقيود الّتي تحول دون تحقّقها .
· الحريّة الاجتماعيّة :
ساحتها الرّئيسة المجتمع ، وهي على مستويين ، الأوّل الجماعات البشريّة المكوّنة للمجتمع ، بأصولها العرقيّة ، وأطيافها الاجتماعيّة والثّقافيّة المختلفة ، والثّاني المجتمع كوحدة اجتماعيّة متكاملة ، والحريّة الاجتماعيّة في المستويين المذكورين ، تعني عدم إجازة ممارسة أيّ شكلٍ من الإكراه أو القهر أو التّمييز الدّاخليّ ، من جانب بعض الفئات الاجتماعيّة أو غيرها ، وعدم التّدخّل في الشؤون الاجتماعيّة للمجتمع ، بما في ذلك نشاط المنظّمات الأهليّة ، الملتزمة بالقوانين والأنظمة المُتعاقد عليها بين أفراد الشّعب والدّولة ، على نحوٍ ينال من حريّة الأفراد في التّعبير عن الرّأي وممارسة حقوقهم الاجتماعيّة ، واحترام خصوصيّاتِهِم الثّقافيّة المتنوّعة ، فثمّة عادات وتقاليد اجتماعيّة متنوّعة بتنوّع النّسيج الاجتماعي للمجتمع ، ينبغي احترامها ، وعدم المسّ بها ، فللمجتمع حرّيّته الكاملة في الاحتفاظ بموروثه الاجتماعي والثّقافيّ ، وأسلوب عيشه ، و تنشئةِ أبنائه تنشئةً سليمةً تُسهِم في نهوضه وتقدّمه ، فثمّةَ انتهاكٌ للحرّيات الاجتماعيّة حيال العديد من الجماعات والأقليّات الاجتماعيّة في العديد من الدّول ، أقلّها تدخّل الحكومات بتحديد نوع اللّباس المسموح بارتدائهِ ، بذريعة محاربة الرّموز الدّينيّة .
إنَّ النّيل من الحرّيات الاجتماعيّة للجماعات والأمم والشّعوب ، هو اعتداءٌ على هويّاتها الثّقافيّة والقوميّة . الأمر الّذي يتناقض مع مفهوم الحريّة الاجتماعيّة ذاته .
· الحرّيّة السّياسيّة :
تتمثّل الحريّة السّياسيّة في حريّة التّعبير عن الرّأي ، واختيار المعتقد السّياسيّ ، والانتماء الحزبيّ ، وممارسة العمل السّياسيّ المنضبط بالأنظمة والقوانين الوطنيّة والقوميّة المتعاقد عليها بين أفراد المجتمع ، والدّفاع عن المصالح الوطنيّة في مواجهة الأخطار والتّهديدات والمؤامرات المعادية . فالحريّة السّياسيّة تمنح الفرد كامل حقوق المواطنة ، وفي مقدّمتها ممارسة الدّيمقراطيّة ، وحقّ الانتخاب والتّرشّح ، وشغل الوظائف المختلفة ، على أساس مبدأ تكافؤ الفرص والأهليّة . من ناحية أخرى تحتاج الحريّة السّياسيّة إلى كافلٍ لها ، يمنع الاعتداء عليها ، ويصونها ، وهذا الكافل هو الدّستور والقانون ، فالحريّة السّياسيّة تنطوي على المساواة القانونيّة بين الأفراد والتّعامل معهم ، ومع الأطر والأحزاب الّتي ينتسبون إليها ، بمعنى جعل سيادة القانون المبدأ والأساس في ممارسة الحريّة السّياسيّة ، والمحافظة عليها ، أمّا الحريّة السّياسيّة للدّول ، فتقضي بعدم تدخّل قوىً دوليّةً خارجيّة في شؤونها الدّاخليّة ، عملاً بمبادئ القانون الدّولي الّذي يكفل للدّول حرّياتها في رسم سياساتها الدّاخليّة والخارجيّة ، فليس من حقِّ أيّ دولةٍ ، ممارسة أيّ شكلٍ من أشكال الضّغط السّياسيّ على دولةٍ أخرى ، طالما أنّها ملتزمة بمبادئ القانون الدّولي ، ولا تشكّل تهديداً لغيرها من الدّول . بهذا المعنى تنحصرُُ الحريّة السّياسيّةُ في كونها حريّة أفرادٍ وأحزاب ودول ، من حقّ الجميع امتلاكها دون عسفٍ أو إكراه .
· الحرية الاقتصاديّة :
تعني حريّة النّشاط الاقتصاديّ للأفراد والجماعات والدّول ، الأمر الّذي يتطلّب إزالة جميع العوائق الّتي تحدّ من فاعليّة هذا النّشاط ، ويعود الفضل للحريّة الاقتصاديّة في إنتاج الثّروة ، وتراكم رؤوس الأموال ، وازدهار الاقتصاد الوطنيّ ، وتحقيق مستوى معيشيّ أفضل للمواطنين ، وللحريّة الاقتصاديّة أوجه متعدّدة أبرزها: حريّة العمل والاستثمار المباشر وفتح الأسواق أمام تدفّق السّلع والمنتجات المحليّة ، حريّة الاستيراد والتّصدير بصورة تكامليّة مع المنتجات الوطنيّة والاقتصاد الوطنيّ ، حريّة النّشاط التّجاري والمصرفي ، سنّ التّشريعات والقوانين الدّاعمة للاستثمار ، ومنح التّسهيلات الضّروريّة لاستثمار رؤوس الأموال الوطنيّة المجمّدة وجذب رؤوس الأموال الخارجيّة للأسواق المحليّة ، ومنع احتكار السّلع والمنتجات واستيراد وتصدير أنواع منها من جانب بعض الأفراد دون غيرهم
· الحريّة الفكريّة :
لكلّ فردٍ الحقَّ في أن يفكّر ، و يعبّر عن أفكاره ، دون خوفٍ أو قلق ، أو مصادرة أو منع ، وللآخرين الحقّ في قبول أو رفض تلك الأفكار ، فلا سلطة على الفكر إلاَّ للفكر نفسه ، ولا ينبغي أن يُكره المرء على قبول أو رفض فكرٍ مّا بعينه ، ولعلّ من أبرز مظاهر الحريّة الفكريّة : تبنّي الإنسان للأفكار الّتي تستجيبُ لفكره واحتياجاته ، والتّعبير الحرّ عن أفكاره بالقول أو بالكتابة ، أو ممارسة تلك الأفكار في إطار المشروعيّة القانونيّة والمجتمعيّة . فالتّنوع الفكريّ سمةٌ جوهريّةٌ للتّنوّع الإنسانيّ ، والاختلاف الفكريّ نتيجةٌ موضوعيّة لاختلاف الأفراد والمجتمعات البشريّة ، فحريّة الاختلاف والتّنوّع الفكريّ أمرٌ طبيعيٌّ مشروع في إطار التّنوع الثّقافيّ والاجتماعيّ في المجتمع ، والقبول والاحترام المتبادل للأفكار المختلفة ، في إطار الانتماء الاجتماعيّ والوطنيّ لأفراد المجتمع الواحد والوطن الواحد . ولتعزيز الحريّة الفكريّة ، ينبغي إشاعةُ روح التّسامح بين مختلف المكوّنات الثّقافيّة والاجتماعيّة ، وتعميق الممارسة الدّيمقراطيّة القائمة على التّعدّدية ، وقبول الآخر . واعتماد الحوار وسيلةً لمواجهة الاختلافات الفكريّة المتعدّدة .
الحريّة الدّينيّة هي الاعتراف بحقّ كلّ فردٍ في اختيار دينه ، واحترام عقيدته ، وممارسة شعائره وطقوسه الدّينيّة ، بمعزلٍ عن أيّ من أشكال القسر والإكراه ، فلا إكراه في الدّين ، ولأنَّ الدّين أمرٌ شخصيٌّ منوطٌ بالفرد ، وبعلاقته مع ربّه ، فهو حقٌّ أساسيٌّ من حقوقه الحياتيّة ، لا يحقّ لأيِّ التدخّل في شؤونه ، أو الإساءة إليه ، بما في ذلك ممارسة التكفير من جانب بعض الأفراد و الجماعات و الدّول ، واتّخاذ عقوبات ماديّة أو معنويّة بحقّهم ، فمن حقّ المتديّن ممارسة شعائرة وطقوسه الدّينيّة الفرديّة والجماعيّة ، في إطار التّنوع الدّينيّ والمذهبيّ للمجتمع واحترام الآخر ، من أتباع الدّيانات السّماويّة والمذاهب الدّينيّة المختلفة . من ناحية أخرى لا يعني القول بالحريّة الدّينيّة للأفراد والجماعات ، قبول أو تسويغ الأعمال العنفيّة وغير الإنسانيّة الّتي يقوم بها البعض باسم الدّين ، فالحريّة الدّينيّة مشروطةٌ بالتّسامح ، وعدم الاعتداء و الإكراه والتطرّف بكافّة أشكاله ، من قبل الأفراد والجماعات والدّول ، فالله وحده القيّم على الدّين ، لا البشر .
· الحريّة والدّولة :
صلةُ الدّولة بالحريّة صلةٌ وثيقةٌ ، فالدّولة تحتاج للحريّة لأنَّ حريّتها تجعلُها قادرةً وفاعلة في الحياة الاجتماعيّة ، وحرّيتها تكمن في التزامها بتطبيق القوانين المُتعاقدِ عليها بين المواطنين من جهة ، وبينهم وبينها من جهة أخرى ، وفي قدرتها على منع انتهاك سلطتها وسيادتها في أداء مهامها من قِبلِ أيّ سلطةٍ فرديّة أو اجتماعيّة أو ٍفئويّةٍ أو سياسيّة داخليّةٍ أو خارجيّة ، فالدّولةُ الحرّة دولةٌ لكلّ المواطنين المتعاقدين معها للتّعايش المشترك ، وهي في الحقيقة نتاج تعاقد الإرادات الحرّة للمواطنين أنفسِهِم ، إنّها الإرادة الكليّة للمجتمع ، متى تعرّضت للمساس في أداء وظيفتها ، تفقد حرّيتها وتصبحُ أداةً مسلّطةً على حريّة الأفراد والمجتمع ، فتتحوّل من راعيةٍ للحريّة إلى أداةٍ للقمع والعبوديّة . الحريّة بحاجةٍ لدولةٍ حرّة تحرسها وتصونها ، وليس إلى دولةٍ مُستَعبدةٍ ، تُمارسُ العسف والظّلم والتّمييز على مواطنيها ، استجابةً للضّغوط الّتي تُمارَسُ عليها أيّاً كان مصدرُها . الدّولةُ الحرّة تخضعُ كافّة الأجهزة والإدارات والمؤسّسات التّنفيذيّة فيها لسلطة الشّعب ، وتكون علاقتها بالمواطنين علاقةً دستوريّة قانونيّة ، بوصفها وسيلةً حضاريّة لتنظيم شؤون الحياة المدنيّة للأفراد ، على أسسٍ قانونيّة ارتضوها لأنفسِهِم بحرّيّة تامّة .
· استخلاص :
يُستنتج ممّا تقدّم بأنَّ الحريّة حاجة إنسانيّة أصيلةٌ في الإنسان ، مصدرها الشّعور الشّخصيّ بامتلاكها وممارستها في مناشط وحقول الحياة المختلفة ، وبالتّالي فهي ليست لغزاً مبهماً يصعبُ تفسيرهُ وفهمه و تعقّله ، وكونها حاجةً إنسانيّةً فإنّها تكتسب مشروعيّتها العمليّة من خلال التزامها بجملة قواعد وضوابط وشروط ، تكفل للإنسان تلبيتها والتّعبير عنها والحفاظ عليها ، أساسها احترام حريّة الآخرين ، وعدم النّيل منها ، لذا تخضع الحريّة لاعتبارات أخلاقيّة واجتماعيّة وقانونيّة ، فالإنسان حرّ في فكره وقوله وفعله وسلوكه ، متى التزم باحترام الآخرين وعدم إلحاق الأذى بهم . والحريّة الإنسانيّة بصورتها الفرديّة والمجتمعيّة ، قضيّة مقدّسة ، أساسها الحق الطّبيعيّ باعتبارها حاجةً فطريّةً لا مكتسبة . من ناحية أخرى الغاية النّهائيّة للحريّة هي البناء لا الهدم ، رغم اتّخاذها من جدليّة الهدم والبناء أسلوباً لتحقيق البناء المستمرّ في حياة الإنسان الفاعل في حياته ومجتمعه وعالمه .
مراجع البحث
Bibliography
*- د. بدوي عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ج1 ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1984.
*- د. زيادة ، معن ، رئيس التحرير ، الموسوعة الفلسفية العربية ، المجلد الأول ، ط1 ، معهد الإنماء العربي ، 1986 ، بيروت
*- كون ، ايغور، المشرف ، ترجمة ، توفيق سلّوم ، معجم علم الأخلاق ، دار التّقدّم ، موسكو ، 1984 .
*- مجموعة من المتخصّصين ، ترجمة ، د. أنطون حمصي ، قاموس الفكر السّياسي ، الجزء الأوّل،منشورات وزارة الثّقافة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، دمشق ، 1994 .
*- الدكتور الطويل ، توفيق ، جون ستيورت مِل ، دار المعارف ، القاهرة ، ب . ت
*- موسنييه، رولان، تاريخ الحضارات العام، (القرنان السادس عشر والسابع عشر)، المجلد الرابع ، ترجمة، يوسف أسعد داغر، فريد م. داغر، طبعة أولى، بيروت 1966 .
*- زكريا ، تأمّلات وجوديّة ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1962.
*- Cavlin, John , Institutes Of The Christian Religion Book II, Translated by Henry
Beveridge Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,Michigan,
U.S.A , 1995
*- Calvin, John, Institutes Of The Christian Religion Book III, Translated by Henry
Beveridge, Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids, Michigan,
U.S.A , 1995
هوامش البحث
Footnotes
(1) _ أنظر ، مجموعة من المتخصّصين ، ترجمة ، د. أنطون حمصي ، قاموس الفكر السّياسي ، الجزء الأوّل،منشورات وزارة الثّقافة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، دمشق ، 1994، ص 247 .
(2) _ أنظر ، المرجع نفسه ، ص 247 .
(3) _ الدكتور الطويل ، توفيق ، جون ستيورت مِل ، دار المعارف ، القاهرة ، ب . ت ، ص74 .
(4) _ كون ، ايغور، المشرف ، ترجمة ، توفيق سلّوم ، معجم علم الأخلاق ، دار التّقدّم ، موسكو ، 1984، ص 177.
(5) _ أنظر ، د. بدوي عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ج1 ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1984، ص458 .
(6) _ المرجع نفسه ، ص458 .
(7) _ المرجع نفسه ، ص459 .
(8) _ المرجع نفسه ، ص 459 .
(9) _ Cavlin, John , Institutes Of The Christian Religion Book II, Translated by Henry
Beveridge Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,Michigan,
U.S.A , 1995, P.254.
(10) - د. زيادة ، معن ، رئيس التحرير ، الموسوعة الفلسفية العربية ، المجلد الأول ، ط1 ، معهد الإنماء العربي ، 1986 ، بيروت ، ص365 .
(11) _ موسنييه، رولان، تاريخ الحضارات العام، (القرنان السادس عشر والسابع عشر)، المجلد الرابع ، ترجمة، يوسف أسعد داغر، فريد م. داغر، طبعة أولى، بيروت 1966، ص82 .
(12) - Calvin, John, Institutes Of The Christian Religion Book III, Translated by Henry
Beveridge, Eerdmans,W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,
Michigan, U.S.A , 1995, P.131 .
(13) _ د, بدوي ، عبد الرحمن ، 459.
(14) _ المرجع نفسه ، ص460،ص461.
(15) _ أنظر ، المرجع نفسه ، ص460.
(16) _ المرجع نفسه ، ص460 .
(17) _ المرجع نفسه ، ص460 .
(18) _ المرجع نفسه ، ص460 .
(19) _ المرجع نفسه ، ص460.
(20) _ المرجع نفسه ، ص461 .
(21) _ المرجع نفسه ، ص461.
(22) _ المرجع نفسه ، ص 461.
(23) _ المرجع نفسه ، ص 461.
(24) _ المرجع نفسه ، ص 461.
(25) _ المرجع نفسه ، ص 461.
(26) _ للمزيد ، أنظر ، إبراهيم ، زكريا ، تأمّلات وجوديّة ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1962،ص 206، ص207،ص208 .

جدل الحرية والمسؤولية/4

· جدل الحريّة والمسؤوليّة :

ثمّةَ رابطٌ بين الحريّة والمسؤوليّة ، كون الحريّة في جوهرها مسؤوليّة ، متى انتفت عنها استحالت إلى حريّة غير مسؤولة ، حريّة ناقصة ، غير جديرة بالكفاح لأجلها ، ومعنى أنَّها مسؤوليّة يعني أنَّها شيءٌ ثمينٌ وجوهريٌّ يستحقّ التّضحية في سبيله ، لذا فالحريّة المسؤولة تنشأ في محيط القيم الأخلاقيّة ، والعادات والتّقاليد الاجتماعيّة ، والنّظم والتّشريعات والقوانين المُتعاقد عليها ، تلتزم بها وتتفاعل معها ، فالحريّة قبل كلّ شيء التزام ومسؤوليّة وانضباط وليست انفلاتاً أ وعبثاً أو لا مبالاة و فوضى ، على ألاّ يُفهَمَ من ذلك توفير ذرائع ومبرّرات للمواقف المناهضة للحريّة من جانب أعدائِها .

نعم الحريّة مسؤوليّة ، كونها عاقلة بذاتها واعيةٌ لأفعالها ، فحريّة العقلاء ليست عين حريّة البلهاء والمجانيين ، من هنا الإنسان الحرُّ وحدهُ المسؤول عن النّتائج والآثار المترتّبة على أفعاله وممارساته ، لأنّه حرّ .

· قيود الحريّة الإنسانيّة :

يبدو الحديث عن قيود للحريّة مناقض لمفهوم الحريّة للوهلة الأولى ، بخاصّةٍ أنَّ بعض التّعاريف الفلسفيّة لها ذهبت للقول بأنها : انعدامُ القسر الخارجي ، ولكن ما المعنى المقصود بالقسر الخارجيّ وما صوره ؟ أليس خضوع الحريّة لمقتضيات القيم الأخلاقيّة والذّوق الجماليّ والعادات والتّقاليد والأعراف والقوانين الاجتماعيّة ، صورة من صور القسر الخارجيّ للحريّة ؟ وهل بالإمكان تحقّق الحريّة دون ملازمة تلك الصّور القسريّة لها ؟! .

الحقيقةُ ثمّة صور ومعان متناقضة ومتضادّة للقسر الخارجيّ ، فهناك قسرٌ بمعنى الإجبار والعسف والإكراه والأسر ، وهي صورٌ ومعانٍ لا يمكن تصوّر وجود الحريّة معها ، فالحرية قدرةٌ على الاختيار بين ممكناتٍ وأشياءٍ متعدّدة لا حصر لها في مستوى الحياة الفردية ، وقدرةٌ على الاختيار بين ممكناتٍ وأشياء متعدّدة لا تتعارض مع ما هو اجتماعيّ وعام في المستوى الاجتماعيّ ، وهناك قسرٌ بمعنى الإلزام الاجتماعيّ للفرد بالخضوع لمقتضيات القيم والعادات والتّقاليد والقوانين والدّساتير الاجتماعيّة ، الّتي لا يمكن الحديث عن الحريّة الفرديّة في المستوى الاجتماعيّ من دونها، إلاَّ إذا كان المقصود بانعدام القسر الخارجيّ ، اللاّ تقيّد المطلق المنتج لضروب العبث والفوضى ، في المحيط الاجتماعيّ والبيئيّ للإنسان . فأيُّ حريّة عادمةٍ للقسر الخارجيّ بصورته المشروعة اجتماعيّاً وأخلاقيّاً وقانونيّاً ، يجري تبنّيها والتّنظير لها ؟!. إنَّ الامتناع عن ممارسة الظّلم والأذى والقتل والإساءة للآخرين شرطٌ ضروريٌّ للتمتّع بالحريّة وممارستها ، فليس مُبرّراً للفرد القيام بأعمالٍ ضارّةٍ وشرّيرة بدعوى أنّهُ حرّ ، إنَّ عبوديّة تحول بين المرء وارتكاب الجريمة وإلحاق الأذى بالآخرين خيرٌ من حريّةٍ تقوده لفعل ذلك . فكم هي الجرائم المرتكبةُ باسم الحريّة بحقّ الأبرياء في عالم اليوم ؟! ، بهذا المعنى بوسعنا تعريف الحريّة بالقول: إنّها انعدام الانفلات الدّاخليّ والخارجيّ بصوره المختلفة.

فالحريّة الحقيقيّة هي الحرية المقيّدة ، بقيود إنسانيّة وأخلاقيّةٍ رفيعة ، فلا ينبغي لبريقها الأخّاذ وتوق المحرومين إليها أن يحملنا ، على المطالبة بنزع تلك القيود عنها ، لطالما أنَّ المقصود بالقيود ، القيود الإنسانيّة الأخلاقيّة حصراً .

فالحريّة قيمةٌ إنسانيّة وأخلاقيّة سامية ، متى أضرّت بحياة الإنسان وبحقوقه الإنسانيّة ، انقلبت إلى ضدّها ، فلا تعود حريّة ، بل شيءٌ آخر منتج للعبوديّة ، للديكتاتوريّة ، للفساد ، للإرهاب ، للعبث ، للفوضى ..الخ .

من هنا فكون الإنسان حراً من النّاحية الطّبيعيّة ، في تفكيره وأقواله وأفعاله في محيطه الشّخصيّ ، لا يعني أنّه حرٌّ بنفس الدّرجة والكيفيّة في محيطه الاجتماعي ، فحرّيّتهُ في هذا المستوى تخضعُ لجملة من المفاهيم والأفكار والعادات والتّقاليد والأعراف والقوانين الاجتماعيّة والمدنيّة ، لذا لا وجود للحريّة الفرديّة المطلقة في محيطها الاجتماعيّ ، بل إنَّ الحديث عن حاجة الفرد للتّمتّع بهذا النوع من الحريّة ، يفضي إلى التّدمير فالانتحار فالموت لا محالة . صحيحٌ أنَّ الإنسان حرٌّ في تقرير مصير ه الشّخصيّ ، وصحيحٌ أيضاً أنّهُ ليس حرّاً في تقريره لمصير الآخرين من حوله ، لهُ الحريّةُ في القولِ والفعلِ بما لا يتسبّب في إلحاق الأذى والضّرر بالآخرين ، فالحريّة الفردية في محيطها الاجتماعيّ مشروطةٌ بحريّة أفراد المحيط أنفسِهم ، بما يتعاقدون عليه من دساتير وقوانين وأنظمة وتشريعات لأنفسِهِم .

من ناحية أخرى تبرز حاجة الحريّة للقيم الأخلاقيّة ، باعتبارها سياجاً واقياً ، يصونها من الاعتداء ، والانفلات بأشكاله المختلفة ، والسّقوط ، ناهيك عن القول بأنَّ الحريّة في مبدئها حاجةٌ إنسانيّةٌ وقيمةٌ أخلاقيّة ، كونها ترمي إلى تحرير الإنسان ، من نير عبوديّة الإنسان للإنسان ، ومن جميع الاعتداءات والممارسات اللاّأخلاقيّة بحقّه . فالحريّة لا تكون حريّة إلاَّ إذا كانت أخلاقيّة في المقام الأوّل والأخير .

· الحريّة مفهومٌ ثوريّ :

الحريّة في جوهرها مفهومٌ ثوريّ ، يدعو إلى تحطيم الأغلال والقيود ، وإزالة العوائق المعطّلة لنموّ الإنسان وتقدّمه وازدهاره ، وصياغة الواقع بما يحقّق للإنسان كرامتهُ الشّخصيّة ، ومكانته الاجتماعيّة في العالم ، والحريّة بوصفها مفهوماً ثوريّاً ، تتّخذُ من المفاهيم والقيم الأخلاقيّة ، منطلقاً لها في سعيها نحو التعيّن والتّحقّق .

وليس صحيحاً القول بأنَّ الحريّةَ فاعليّةٌ هدّامة لا تُبقي ولا تذر ، وبأنَّها وثيقة الصّلة بالعدم والموت والشّر والفناء ، وسعيٌ من جانب الإنسان نحو القضاء على ما خلقهُ الله نفسه ، أو تمثيلها بالنّار الّتي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ، أو القول بقدرتها على تدمير ذاتها إن لم تجد شيء تدمّره ، على حدّ تصوّر جون بول سارتر لها (26).

صحيحٌ أنَّ الحريّة قدرة المرء على ممارسة فعل السّلب في حياته وعالمه، قدرة تخوّله مقاومة ما يُهدّد وجوده ويعوق حركته وتقدّمه ،ففعلها يتّجه نحو هدم الممارسات الخاطئة والوقائع الميّتة ، وانحيازٌ للأفكار المتجدّدة وللوقائع الحيّة في الوقت نفسه ، إنّها سعيٌ متواصلٌ نحو الهدم والبناء بالمعنى الجدليّ ، وبالتّالي فهي ليست نشاطاً منفلتاً عادماً يفضي إلى العبث والتّدمير العشوائيّ للذّات والآخر بالمعنى اللا جدلي للعدم والسّلب ، من هنا الحريّة لصيقة بالقيم الأخلاقيّة والحاجات الإنسانيّة ، فتصوّر الحريّة على أنّها فاعليّة مطلقة لا تخضع لضوابط و قيود ، تصوّرٌ خاطئ يضعُ الحريّة في غير محلّها ، ولا يخدم قضيّة الحريّة الإنسانيّة ذاتها ، بل وينزع صفة الثّوريّة عنها .

من هنا يتعيّنُ على الفلاسفة والمفكّرين ، تحديد ماهيّة الحريّة ومحدداتها النّظريّة والعمليّة ، تفادياً لحدوث الانتهاكات المتكرّرة باسمها ، فالحريّة الّتي تجري ممارستها وتداولها في الخطاب الأيديولوجيّ الغربيّ في عالم اليوم ، تتعارض مع حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها ، وحقّها في مقاومة الاحتلالات الأجنبيّة لبلدانها ، وفي ممارسة سلطاتها الوطنيّة على ثرواتها ، والحفاظ على ثقافاتها القومية ، بل تمضي أبعد من ذلك ، في انتهاكها حقّ الإنسان في الحياة والعيش بأمن وسلامٍ وحريّة . فالسّجن والتّعذيب والقتل ، وسنّ التّشريعات القانونيّة ، واتّخاذ إجراءات عقابيّة بحقّ ممارسة الأفراد حرّيّاتِهم الشّخصيّة ، كإجراءات حظر ارتداء بعض النّساء المسلمات قطعاً من القماش فوق رؤوسِهنّ ، في بعض البلدان المتقدّمة ، رغم عدم انطوائها على مخاطر أو أذىً حيال المجتمعات الّتي يعيشن فيها ، وإجازة اقتناء السّلاح الفرديّ ، وممارسة الشّذوذ الجنسيّ ، في أماكن عامّةٍ على مرأى الآخرين ، دون مراعاةٍ لمشاعِرهِم وأحاسيسهم ، وخصوصيّاتِهِم الأخلاقيّة والاجتماعيّة والدّينيّة يحدثُ في كلّ حين باسم الحريّة وحقوقها .

أمّا في المجتمعات الرّاكدة والمتخلّفة فيتمّ انتهاك الحريّة بصورٍ مختلفة ، أبرزها معاقبة الإنسان وممارسة الضّغوط عليه بسبب مواقفه وآرائه وأفكاره الشّخصيّة ، النّاقدة والرّافضة للعديد من المظاهر والممارسات الخاطئة .

الحرية في الفلسفة الحديثة/التواصل الشفوي/3

في الفلسفة الحديثة والمعاصرة :
اتّخذت الحريّة معانٍ عديدة في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر ، فـ (مولينا (Molin قال بحريّة الاستواء ، ومفاده أنَّ الحرّ هو من يقرّر حين تُعطى كلّ الشّروط الواجب توافرها للفعل ، أن يفعل أو لا يفعل ، أو أن يفعل الشّيء أو ينقضه (15) ، أمّا (هوبز) فأعطى للحريّة معنى هو : انعدام القسر ، أي الخلوّ من القهر الماديّ( الفيزيائيّ) ، وكلّ فعلٍ يتمّ وفقاً لدوافع ، حتّى لو كان الدّافع هو الخوف من الموت ، يُعدُّ حرّاً . " والإنسان يكون حرّاً بقدر ما يستطيع التّحرّك على طرقٍ أكثر" وحريّة المواطن والعبد لا تختلف إلاّ من حيث الدّرجة فالمواطن ليس تام الحريّة والعبد ليس تام الحريّة (16) . كذلك يقدّم ( اسبينوزا ) نفس المفهوم للحريّة " الخلوّ من القسر" يقول : " هذا الشّيء يُدعى حرّاً إذا كان يوجد وفقاً لضرورة ماهيّته وحدها ، ويُعيّن ذاته بذاته بالفعل " ووفقاً لهذا التّعريف فإنَّ الله هو وحده الحرّ ، أمّا الإنسان فغير حرّ ، لأنَّ الله هو الّذي يُعيّن نفسه بنفسه . (17) . أمّا ( ليبنتس Leibinz) فيربط بين الحريّة والعقل : " الحرية تكون أوفر كلّما كان الفعل صادراً عن العقل ، وتكون أقلّ كلّما كان صادراً عن الانفعال ، ويرى أنَّ حريّة الاستواء غير ممكنة ، لأنّها تناقض مبدأ العلّة الكامنة ." (18) . وأمّا (لوك) و(كنت) و(شبنهور) و(هيجل ) و (فيورباخ) و ( هيدجر) و(سارتر) فيقدّمون عدداً من التعريفات الفلسفية للحريّة ، فـ ( لوك Locke ) يربط بين الحريّة والاختيار ، فالحريّة تعني أن نفعل أو لانفعل بحسب ما نختار أو نريد ( 19). وعند (كنت) نقع على تعريفين للحرية أحدهما سلبي والآخر إيجابي ، أمّا السّلبي فيعرّفها بأنّها :" خاصيّة الإرادة في الكائنات العاقلة لأن تفعل مستقلّة عن العلل الأجنبيّة .. فالحريّة هي الصّفة الّتي تتّصف بها الإرادة العاقلة في قدرتها على الفعل دون تأثير من الأسباب الأجنبيّة .. إنَّ حريّة الكائن تمكّنه من أن يفعل مستقلاً عن هذه الأسباب الخارجيّة " وأمّا الإيجابي فيعرّفها بأنّها : تشريع الإرادة لنفسها بنفسها" والحريّة عنده من شأن الكائنات العاقلة بما هي كذلك .. لأنَّ الكائن العاقل المزوّد بإرادة لا يمكن أن يفعل إلاّ إذا كان حرّاً :" كلّ موجود لا يستطيع أن يفعل إلاّ تحت فكرة الحريّة هو بهذا عينه ـ من النّاحية العمليّة ـ حرٌّ حقّاً " (20) . بينما يرى (شبنهور) أنّه لا توجد حريّة عمل ، بل فقط حريّة وجود ، ذلك أنَّ الإرادة القاصدة الواعية تتحدّد تحدّداً معيّناً واحداً . أمّا حريّة إرادة السّواء فلا يمكن تصوّرها " لأنَّ مبدأ العليّة .. هو الشّكل الجوهريّ لقدرتنا على المعرفة كلّها " (21) . وبالانتقال إلى (هيجل) فإنّه يقدم تصوّراً مجرّداً للحريّة هو : " قيام الذّات بنفسها وعدم الاعتماد على الغير ، ونسبة الذّات إلى ذاتها " (21). أمّا (فيورباخ) فينكر حريّة الإرادة بالقول :" إنّها تكرارٌ خاوٍ للشّيء في ذاته " ( 22) . وأمّا ( هيدجر) فيعرّف الحريّة بأنّها " القدرة الّتي ينفتح بها الموجود على الأشياء ، وهو يكتشف الوجود .. الحريّة هي الّتي تؤمّن التّوسّط بين عالم الوجود وعالم الأشياء .. الحريّة هي ما يهيئ للموجود أن يوجد ، بيد أنّها ليست موقفاً سلبيّاً ، بل هي مجهودٌ فعّال ، لأنَّ الموجود ليس شفّافاً منذ البداية للإنسان ، ولهذا فإنَّ الحريّة تنطوي دائماً على المخاطرة بالوقوع في الخطأ ، إنَّ ماهيّة الحقيقة تجد في الحريّة مقامها الأصيل ، إنَّ ماهية الحقيقة هي الحريّة ، والإنسان لا يوجد إلاَّ من حيث هو مملوكٌ للحريّة ... فالحريّة من ماهية الإنسان الجوهريّة والحريّة هي الأساس المطلق ، وهي التّأسيس وهي الوجود الأساسي (23). كذلك ( سارتر ) يرى أنَّ الحريّة نسيج الوجود الإنساني ، وأنّ الشّرط الأوّل للعقل هو الحريّة :" إنَّ الإنسان حرّ ، الإنسان حريّة ... الإنسان محكومٌ عليه أن يكون حرّاً ، محكومٌ عليه لأنّهُ لم يخلق نفسهُ بنفسه وهو مع ذلك حرٌّ لأنّه متى أُلقيَ به في العالم ، فإنّهُ يكون مسؤولاً عن كلّ ما يفعله " (24) .

· هل نحنُ أحرار ؟! :
إذا كنّا كذلك فما هي مساحة حريّتنا وما حدودها ؟ . الحقيقة أنّنا وُلِدنا في هذا العالم دون علمٍ منّا ، فوجودنا في العالم ثمرة لحريّة الآخرين واختيارهِم ، لكنَّ تلك الحريّة وذلك الاختيار ، ينتهيان لحظة بدء حدوث تخليقنا ، لذا لم نكن أحراراً في خلقنا ، ولا في اختيار نوع وشكل خلقتنا ، ولا في سني ما قبل نضج ملكاتنا العقليّة والإراديّة . فولادتنا وموتنا من النّاحية الطّبيعيّة أمران خارجان عن إرادتنا الإنسانيّة ، وبالتّالي لسنا أحراراً في حدوثهما . والسّؤال : ما مساحة وحدود حريّتنا ؟ .
يبدأ شعورنا بالحريّة منذ اللحظة الّتي نقدر فيها على الاختيار بين ما نريد و ما لا نريد ، فامتلاكنا القدرة على الاختيار بالقبول أو الرّفض ، يؤكّد امتلاكنا للحريّة . ولكن هل امتلاكنا للحريّة يعني أنّنا أحرارٌ في تقرير شؤون الحياة المختلفة ؟ تدلُّ التّجربة أنّنا نمتلكُ قدراً محدوداً من الحريّة ، يُخوّلنا القيام بأفعالٍ محدودةٍ ، تبعاً لقدراتنا وللقيود والشّروط الموضوعيّة من حولنا ، مما يعني أنَّنا مخيّرون بمقدار ومسيّرون بمقدار ؟ مخيّرون في الأمور الّتي تخضعُ لإرادتنا ، ومسيّرون إزاء تلك الّتي لا تخضع لها . من هنا يُفسَّرُ توق الإنسان إلى امتلاك قدْرٍ أكبر من الحريّة المتاحة له ، قدْراً يلبّي نزوعه الشّديد نحوها .
الحقيقة أنَّ الحرّيّة حاجةٌ فطريّةٌ لدى الإنسان ، جوهرها الاتّساق والتّوازن الذّاتيّ للشّخصيّة الإنسانيّة للأفراد ، فالنّاس وُلدوا من بطون أمّهاتهم أحراراً ، لذا فهي ليست كسباً يحرزهُ المرء بجهده الخاص ، وإن كان الحفاظُ عليها يستدعي بذل قُصارى الجهد لمواجهة التّهديدات المستمرّة الهادفة للنّيل منها ، وعليه فجميع البشر يدركون معنى الحريّة ، رغم تفاوتِ مقدار حيازتِهم لها ، وكلّما تعمّق وعيهم بها ازدادوا نزوعاً إليها ، وذادوا عنها وضحّوا في سبيلها . فثمّة عوائق تحول دون ممارستنا للحرّية على النّحو الّذي نريده كـ : انعدام العدالة ، وممارسة الاستبداد ، وإشاعة الظّلم ،وحرماننا من ممارسة الحقوق الطّبيعية ، الأمر الّذي يجعلنا نشعرُ بأنّنا لسنا أحراراً بالقدر الكافي ، وبأنّنا أسرى لتلك العوائق ، فيُصيبُنا الإحباطُ والضّيقُ والاكتئاب ، ويتولّدُ الشّعور لدينا بالحقد والكراهية حيال من سلبونا تلك الحقوق .
الحريّة والعبوديّة :
ماذا نعني بالقول أنَّ فلاناً من النّاس حرٌّ ؟ وما صلة الحريّة بالعبوديّة ؟ وهل يمكن للفرد أن يكون عبداً وحرّاً بآنٍ معاً ؟ بوسع المرء أن يكون حرّاً من النّاحية النّفسيّة وعبداً من الناحية الجسديّة ، والعكس صحيحٌ تماماً ، فالحريّةُ في المقام الأوّل حريّة نفسيّة _ أي شعورٌ نفسيٌّ بالحريّة _ ، وفي المقام النّهائيّ حريّة نفسيّة وجسديّة .
من ناحيةٍ ثانية ثمّة حرّيّة لا تتحقّق إلاّ مع العبوديّة ، ولكن ليس أيّ عبوديّة ، إنّما العبوديّة الاختياريّة النّابعة من صميم الفرد ، من عقله ووجدانه (عين عبوديّة المؤمن لربّه ، والمحبّ لمحبوبه ) ، لا العبوديّة القائمة على الإرغام والإكراه ، إذاً قدرة المرء على الاختيار والتّنفيذ هو ما نسمّيه حريّة ، بهذا المعنى لدينا نوعان من العبوديّة ، عبوديّة حرّة ، قائمة على الاختيار الحرّ ، وأخرى مستعبدة قائمة على الاستعباد القسريّ فحسب .
من ناحية أخرى يظلُّ الإنسان حرّاً طالما هو قادرٌ على ممارسة حرّيّته بوعيٍّ ومسؤوليّةٍ والتزام ، وغير حرٍّ عندما يكون مجبراً على القيام بفعل مّا رغم إرادته .
من ناحيةٍ أخرى الحديث عن الحريّة في جوهره ، حديثٌ عن الإرادة الحرّة ، فالحريّة ثمرةٌ طبيعيّة للإرادة الحرّة ، إذ لا وجود للحريّة في ظلّ انعدام الإرادة الحرّة ، والإرادة الحرّة : ملكةٌ عقليّة ونفسيّة ، وهي هبةٌ عامّة لجميع البشر ، أمّا إضعافُها أو تعطيلُها عن العمل أو فقدانها ، فمسؤوليّة الفرد نفسه في المقام الأوّل ، دون إغفالٍ لأثر العوامل الخارجيّة في ذلك . على أيّة حال تظلُّ حريّة الإنسان محدودةً بالإمكانات القابلة للتّحقّق من قبل الإنسان ذاته ، فلا وجود للحريّة المطلقة إلاَّ لدى الله ، فالله وحدهُ يملك هذا النّوع من الحريّة ، لعلّة امتلاكه القدرة المطلقة القادرة على فعل أيّ شيء .
· ماهيّةُ الحريّة الإنسانيّة :
يشير مفهوم الحريّة الإنسانيّة في جانبٍ من جوانبهِ إلى :تمتّع الفرد بكامل الحقوق والواجبات المدنيّة والاجتماعيّة المتعاقد عليها بين المواطنين أنفسِهِم عبر هيئاتِهِم وممثّليهم المنتخبين ديمقراطيّاً ، بما في ذلك التّشريعات والقوانين الّتي يضعها نوّاب الشّعب للدّولة ، فخضوع المرء للقوانين المتعاقد عليها مدنيّاً لا يعني خضوعاً قسريّاً لسلطةٍ خارجيّة عنه ، إنّمّا خضوعٌ حرٌّ لذاته المدرِكَة الواعية ، باعتباره عنصراً مشاركاً فيها ، من هنا تفتقدُ الحريّة المطلقة للفرد في إطارها الاجتماعيّ للمشروعيّة النظريّة والعمليّة معاً . لعلّة التعارض الحاصل بين الفردي والاجتماعيّ ، فالحريّة المنفلتةُ من عقالها الإنسانيّ والأخلاقيّ شرٌ ينبغي محاربته ، أمّا الحريّة الإنسانيّة الّتي تصون كرامة الفرد ، وتحافظُ على مكانته الاجتماعيّة والأخلاقيّة ، جديرة بالكفاح في سبيلها ، هذه الحريّة حرّةٌ من الانفلات والفوضى ، ومن عبوديّة الإنسان للإنسان والطّبيعة في الوقت نفسه ، حريّة ليست ميكانيكيّة ، إنّما حريّة إراديّة واعية ، تحدّد أهدافها ، ووجهة سيرها بدقّة متناهية ، بعدما عاشت لحظاتٍ من الفوضى التّلقائيّة العارمة ، إنّها شعورٌ إنسانيٌّ بمعنى الحياة ، تخضعُ لسلطة الإنسان ، يتحكّم بها ، يحدّد ماهيّتها ومواصفاتها ، تماماً كالحريّة الطّبيعيّة الخاضعة للقوانين الطّبيعيّة للطّبيعةِ ذاتها ، مع الأخذ بالحسبان ، الفارق النّوعيّ بينهما ـ [الوعيّ والتّلقائيّة] ـ .

الحرية/೨/مادة التواصل الشفوي

· المفهوم الإشكالي للحريّة


:هل صحيحٌ أنَّّ الحريّةَ تُقاومُ التّحليل لأنّّها "مفهومٌ موضعُ مساءلةٍ في جوهره " كما يُقالُ أحياناً ؟(1) ألم تقترفُ جرائم كثيرة باسم الحريّة في أوج عهد الإرهاب أثناء الثّورة الفرنسيّة ، على حدّ تعبير السّيدة رولان ؟!(2) . هل نحن أحرار ؟ ما العلاقة بين الحريّة والعبوديّة ؟ أليست الحريّة مسؤوليّة ؟ هل حرّيّتنا مطلقة أم مقيّدة ؟ وهل بوسعنا الوقوف على تحديداتها النّظريّة وإشكالاتها العمليّة ؟ للإجابة على ذلك يجدر بنا اقتحام عالم الحريّة ، والوقوف على ماهيّتها ، بحيثُ تُصبحُ مفهوماً مُتَعَقّلاً ، لا لغزاً مبهماً . صحيحُ أنَّ التّعاريف الفلسفيّة للحريّة تعدّدت ، إلى حدّ لا نكاد نقع فيه على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لها ، إلاَّ أنَ فهمها وتحديدَ ماهيّتها ، ليسا بالأمر المستحيل ، إذا أمكن لنا النّفاذ إلى العالم الّذي توجد فيه ، ألا وهو عالم الإنسان ، باعتبارها حاجةً إنسانيّة أصيلة ، وجزءاً مُكوّناً لشخصيّته الإنسانيّة . ولعلَّ الوقوف على بعض المفاهيم والتّعريفات الفلسفيّة لكبار الفلاسفة والمفكّرين ، يُشكّلُ مدخلاً صحيحاً للدّخول إلى عالمها والوقوف على ماهيّتها . من هذه المفاهيم والتّعاريف : ما قاله الفيلسوف الإنجليزي (جون ستيورت مِل) " أنَّ في حياة الفرد منطقة حرام لا يجوز للمجتمع أن يطأ ساحتها، هي موطن الحريّة الصّحيحة ، وتتمثّل في تصرّفات الفرد الّتي تمسّ الآخرين ، فإن مسّتهم جاء هذا بمحض اختيارهم ، ونعبّر عنها بحريّة الضّمير ، والفكر والوجدان ، وهي تتضمّن حريّة التّعبير والنّشر ، ثمَّ حرّيتنا في تشكيل حياتنا على الوجه الّذي يلائمنا ، وحريّة الرّاشدين في اجتماع بعضهم ، ببعض للتّعاون على أمرٍ لا يضرّ أحداً ." (3) ، وفي معجم علم الأخلاق نقع على تعريف لحريّة الإرادة : " مقولة فلسفيّة تعني قدرة الإنسان على تحديد تصرّفاته بنفسه ، تبعاً للرّؤية الّتي يتبنّاها ، قدرته على الفعل استناداً إلى قراره الذّاتي . وهي تعني كمقولة في الإطيقا _الأخلاق_ أنَّ الإنسان حين يقوم بالتّصرّف ، يختار (الاختيار) بين الخير والشّرّ ، بين الأخلاقي واللاّ أخلاقي ."( 4). الحريّة من بين أكثر المفردات اللغويّة جماليّةً ووجدانيّة ، لذا استحقّت اتّخاذها شعاراً للحركات الثّوريّة ، وقوى التّحرّر ، والأحزاب السّياسيّة ، والعديد من الدّول ، ومنظّمات حقوق الإنسان في العالم ، بوصفها قيمةً إنسانيّة سامية ، تنطوي على مزيجٍ من العناصر الأخلاقيّة ، والاجتماعيّة والوجدانيّة والجماليّة . غير أنّها من بين أكثر المصطلحات اللغويّة والفلسفيّة إشكاليّةً ، يفهمها بعضُ النّاس بشكلٍ لا يعبّر عن حقيقة المعنى الكلّيّ للمصطلح ، فحريّة التّعبير عن الرّأي ، وإزالة العبوديّة ، وجميع العقبات الضّارة بحياة الإنسان ، وتمتّعه الكامل بالحقوق المدنيّة ، هو المعنى المقصود بالحريّة الإنسانيّة . من ناحية ثانية يُشكّلُ تصوَّر البعض للحريّة بأنّها ترك الفرد يعيش حياته الشّخصيّة وفاقاً لحالته الطّبيعيّة الحرّة ، بما تنطوي عليه من ميول ورغبات وعواطف وغرائز دون قيد أو ضابط – أي تمتّع الفرد بالحرية المطلقة - انقلاباً علـى الحريـة الإنسانيّة * دكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشقذاتها ، فالحريّة التي ينشدها الإنسان في مجتمعه ليست حريّة مطلقة بالقطع ، إنّما حريّة مشروطة تحدّها ضوابط وقيود إنسانيّة صارمة ،غير مسموحٍ للفرد بتجاوزها ،فثمّة قيود أخلاقيّة وسياسيّة وقانونيّة واجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة تحدّد المعنى الفلسفيّ للحريّة الإنسانيّة . وفي هذا السّياق نذكر بعض التّعاريف والمعاني الفلسفيّة للحريّة في سياق نشأة المفهوم وتبلوره لدى كبار الفلاسفة عبر العصور والأزمنة : الحريّة ما قبل ظهور المعنى الفلسفي :ارتبطت الحريّة عند اليونان قبل سقراط بفكرة المصير ، وبفكرة الضّرورة ، وبفكرة الصّدفة ، وفي العصر الهوميروسي ( القرن الحادي عشر والعاشر ق.م ) يُطلق لفظ حرّ على الإنسان الّذي يعيش بين شعبه وعلى أرض وطنه ، دون أن يخضع لسيطرة أحدٍ عليه ، أمّا في العصر التّالي لعصر الهوميروس صارت الكلمة من لغة "المدينة" فالمدينة حرّة ومن يعيش فيها فهو حرّ ، حيث يسود قانون يوفّق بين القوّة وبين الحقّ ، والمقابل "للحرّ " حينئذٍ ليس "العبد " بل الغريب أو الأجنبيّ ، أي من ليس يونانيّاً ، والآلهة هي الّتي قرّرت " الحريّة " ولهذا كانت الحريّة موضوعاً للعبادة .. من جهةٍ ثانية وُجِدَ إلى جانب فكرة الحريّة المدنيّة معنى تدلُّ عليه كلمة مختار " هو من يجعل قانون العالم الإلهيّ قانونه " (5) .ظهور المعنى الفلسفي للحريّة :عند السّفسطائيّين : المعنى الفلسفي لكلمة حرّة وحرّ عند السفسطائيّين ناجمٌ عن التضاد بين الطبيعة والقانون ، فالحرّ " هو من يسلك وفقاً للطّبيعة ، وغير الحرّ هو من يخضع للقانون " ، أمّا عند (سقراط) فالحريّة تعني " فعل الأفضل" وهذا يفترض معرفة ما هو الأحسن " فاتّخذت الحريّة معنى التّصميم الأخلاقيّ وفقاً لمعايير الخير" ( 6) ، وأمّا عند (أفلاطون ) فتعني " وجود الخير " والخير هو الفضيلة ، والخير محض ويُرادُ لذاته ، ولا يحتاج إلى شيء آخر ، والحرّ هو من يتوجّه فعلهُ نحو الخير ، ومع ظهور (أرسطو) يبدأ المعنى الأدقّ للحريّة في الظّهور ،إذ يربطها بالاختيار : " إنَّ الاختيار ليس عن المعرفة وحدها ، بل أيضاً عن الإرادة .. والاختيار اجتماع العقل مع الإرادة معاً " (7). عند الكتّاب المسيحيّين :الفكرة الأبرز لدى الكتّاب المسيحيّين ، ربط الحريّة بالخطيئة ، فالإنسان قبل سقوطه في الخطيئة كان حرّاً ، من كلّ أنواع القسر الخارجيّ ومن كلّ سلطة عدا سلطة الله ، لكنَّ الخطيئة أفسدته ، فأصبح خاضعاً لسلطة الغرائز والأهواء والشّهوات ، وبالتّالي فربط الحريّة بالاختيار مشروطٌ بفعل الخير لأنَّه بوسع الإنسان أن يختار بين فعل الشّرّ أو فعل الخير ، لهذا ألحَّ الكتّاب المسيحيّون ـ على حدّ قول الدكتور عبد الرحمن بدوي _ على فكرة اللّطف الإلهي ، لعلّة فساد الطّبيعة الإنسانيّة بفعل الخطيئة ، " فلا بدَّ من اللّطف الإلهيّ ، كي تستطيع فعل الخير ، فلا يكفي معرفة الإنسان للخير ، بل المهمّ أكثر ، أن يقدر على جعل الإرادة تميل نحو الخير ، يقول (القديس بولس ) في أصحاح 7 عبارة 15 : " حقّاً أنا لا أفهم ما أفعله ، لأنّني لا أفعل ما أريد ، بيد أنّي أفعل ما أكره .." أمّا (القديس أوغسطين ) فيرى أنَّ التّوفيق ممكن بين القول بحريّة الإرادة الإنسانيّة وبين القول بعلم الله السّابق .. فإنَّ الله يعلم أنَّ الإنسان سيفعل بإرادته هذا أو ذاك ، وهذا لا يستبعد أن يفعل الإنسان بإرادته واختياره ، فعلم الله لا يحيل الأفعال من حرّة إلى مجبورٍ عليها . (8) . من ناحية ثانية يرى القديس (أوغسطين) بوصفه أحد آباء الكنيسة وفلاسفتها الكبار بأن حرية إرادة الإنسان مَرَدُّها إلى ملازمة النعمة الإلهية لها، وإذا ما افتقدت النعمة الإلهية فإنها تفقد قدرتها على الاختيار، فتصبح عرضة للوقوع في الإثم والخطيئة ، بمعنى أدق إن حرية الإرادة بقوتها الخاصة لا قدرة لها سوى السّقوط، ولا منافع منها سوى الخطيئة، وهو ما جعل (أوغسطين) يطلق عليها (إرادة عبده) .أيضاً القدّيس (برنار) يعتقد أننا خاضعون لنير عبودية الإرادة، فنحن في نظر العبودية بؤساء ،وفي نظر الإرادة غير معذورين لأنها عرضة لعبودية الخطيئة ولكونها مقيدة بالنـزوع إليها.(9 ) . كذلك (القديس توما الأكويني ) يُعرّف الحريّة بـ " القدرة على اختيار أمر أو نقيضه " ( 10) ، وفي القرن السّادس عشر يردّ المصلح الإنجيليّ (مارتن لوثر) على أفكار (أرازموس ) الواردة في مؤلّفه (حول حريّة الإرادة) الصّادر في العام 1524 ، بإصداره كتاباً بعنوان ( عبودية الإرادة ) فبينما يعتقد (أرازموس) أنه بوسع حريّة الإرادة أن تحرز للإنسان كسباً كبيراً فيما يتعلق بالمسائل الصلاحية والتقوية والخلاص باعتبارها "ملكة من ملكات الحرية البشرية ، وصفة من صفاتها الملازمة ، بها يستطيع الإنسان أن يأتي كل ما يفضي به إلى الخلاص أو الهلاك الأبدي" (11) ، يمضي (لوثر) إلى النقيض من ذلك تماماً، بتقريره أنَّ حريّة الإرادة لا تشكّل ضامناً لنيل الخلاص بالاعتماد على نفسها ، ما لم تقترن بملازمة النّعمة الإلهية لها ، من جهة أخرى يتخذ مفهوم الحريّة المسيحية لدى (لوثر) صورة جدلية، تكون فيها الحرية مرتبطة بالعبودية الرّوحية. بل أن العبودية تصبح الشرط الضروري لنيل الحرية وعليه فالإنسان المسيحي هو سيدٌ حُرٌّ في علاقته بالأشياء وهو عبدٌ مطيعٌ وخادمٌ أمين لله بآن معاً. والإنسان المسيحيّ هو الإنسان الروحي الّذي يكون حًرّاً وبمقدوره الاستقامة والصلاح، لأنه متحرر من الجسد والخطيئة، ويدخل في دائرة من العبودية الإلهية تكون منبع حريته وصلاحه . أمّا (جون كالفن) فيرى أنّهُ "لا يمكن للحرية أن تتحقق إلا بالامتثال التام والحقيقي لأوامر الله وشرائعه، فبمقدار ما تتحرر الذات من سلطة الناموس فإنها تحظى بنصيب أوفر من الحرية بدخولها مملكة الله، فالقيد الإلهي على الحرية هو الضامن الوحيد والأكيد لنيل الحرية . مع عدم إنكاره للحريّة الدنيوية الّتي يتمتّع بها الإنسان ، في نطاق معاملاته اليومية ، هذه الحريّة تجعل من الإنسان سيّداً على الأشياء لا عبداً لها ، بقوّة الإيمان والعقل لا بقوّة المحبّة الّتي يصير بموجبها عبداً لا سيّداً ، لكنَّ هذا النّوع من الحريّة ينبغي أن يتلازم مع وجود عنصرين آخرين هما الانعتاق من سيطرة النّاموس والإذعان الذّاتي لسلطة الله . فالانعتاق من سيطرة الناموس، والإذعان الذاتي لسلطة الله، والسيادة على الأشياء. هي المكوّنات الرّئيسة للحريّة عند الإنسان (12) .عند المسلمين :يندرج الحديث عن الحريّة عند الفلاسفة المسلمين ، في باب الحديث عن القدر ، والجبر والاختيار ، وفيما إذا كان الإنسان مخيّراً أم مسيّراً . يذكر (عبد الرحمن بدوي) في موسوعته الفلسفيّة بأنَّ ( ابن حزم ) يلخّص مختلف آراء الفرق الإسلاميّة بقوله :" اختلف النّاس في هذا الباب ( باب القدر) . فذهبت طائفة إلى أنَّ الإنسان مجبرٌ على أفعاله ، وأنّهُ لا استطاعة له أصلاً ـ وهو قول جهم بن صفوان ، وطائفة من الأزارقة ، وذهبت طائفةٌ أخرى إلى أنَّ الإنسان ليس مجبراً ، وأثبتوا له قوّة واستطاعة ، بها يفعل ما اختار فعله ، ثمَّ افترقت هذه الطّائفة على فرقتين ، فقالت إحداهما : الاستطاعة الّتي يكون بها الفعل لا تكون إلاّ مع الفعل و لا تتقدّمه البتّة ، وهذا قول طوائف من أهل الكلام ومن وافقهم ، كالنّجّار والأشعريّ ومحمد بن عيسى برغوث الكاتب ، وبشر بن غياث المريسي ، وأبي عبد الرّحمن العلوي ، وجماعة من المرجئة والخوارج ، وهشام بن الحكم ، وسليمان بن جرير ، وأصحابهما ، وقالت الأخرى إنَّ الاستطاعة الّتي يكون بها الفعل هي مثل الفعل موجودة في الإنسان ، وهو قول المعتزلة وطوائف من المرجئة ، كمحمد بن رشد ، ومؤنس بن عمران ، وصالح قبة ، والنّاشر وجماعة من الخوارج والشّيعة (13) ، ثمَّ افترق هؤلاء على فِرق : فقالت طائفة إنَّ الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل أيضاً : للفعل ولتركه ، وهو قول بشر بن المعتمر البغدادي ، وضرار بن عمر الكوفي ، وعبد الله بن غطفان ، ومعمّر بن عمرو العطّار البصري وغيرهم من المعتزلة . وقال أبو الهذيل بن الهذيل العبدي البصري العلاّف : لا تكون الاستطاعة مع الفعل البتة ، ولا تكون إلاَّ قبله ، ولا بدّ وتفنى مع أوّل وجود الفعل (14) .

مادة التواصل الشفوي/الثالثة آداب/مفهوم الحلرية عند المفكرين المسلمين

الدلالة اللغوية للحرية

قال ابن منظور (1232-1311م) في شرح معاني كلمة الحرية: (والحر بالضم: نقيض العبد والجمع احرار وحرار، الاخيرة عن ابن جني عثمان الموصلي (322-392هـ)، والحرة: نقيض الأَمَة والجمع حرائر. وحرره، وفي الحديث من فعل كذا وكذا فله عدل محرر أي اجر معتق، المحرر الذي جعل من العبيد حرا فأعتق، يقال حر العبد يحر حرارة بالفتح أي صار حرا) (1). وقال الجصاص (ت 370هـ): (تحرير رقبة يعني عتق رقبة، وتحريرها ايقاع الحرية عليها، وذكر الرقبة واراد به جملة الشخص تشبيها له بالاسير الذي تفك رقبته ويطلق فصارت الرقبة عبارة عن الشخص وكذلك قال اصحابنا إذا قال رقبتك حرة انه يعتق كقوله أنت حر) (2).

ويقول الباحث والكاتب العراقي، الشيخ القرشي: (الحرية في اللغة تطلق على الخلوص من العبودية، فيقال هو حر أي غير مُسترق، وتطلق على الخلوص من القيد والاسر. وفي الاسلام فان الحرية تارة يراد بها الخلوص من العبودية فيقال حر (أي غير مملوك) واخرى يُراد بها الرضا والاختيار، فيقال فلان حر في تصرفاته أي غير مكره، كما انها تطلق ويراد منها تخليص النفس من الأوهام والخرافات، كما يقال: فلان متحرر من الاوهام) (3)، ويعرف المفكر المصري محمد فريد وجدي (1878-1954م) الحرية بانها: (الخلوص وصفه الحر. وقد اطلقت هذه الكلمة في عصرنا هذا على خلوص الامم من استبداد المسيطرين عليها) (4)، والحر هو الكريم من كل شيء أي خياره واعتقه وطيبه، يقال (فرس حر) أي عتيق الاصل، و (طين حر) أي لا رمل فيه، و (حر الارض) أطيبها، وارض حرة: لا رمل فيها، ورملة: لا طين فيها، وحرية القوم- بضم الحاء وتشديد الراء والياء-: أشرافهم، يقال: (هو من حُرّية قومه) أي من أشرافهم (5).

وتحرير الولد ان يفرده لطاعة الله عز وجل وخدمة المسجد، من ذلك قول القران المجيد على لسان ام مريم وهو يستعرض جانبا من قصة مريم بنت عمران ووليدها السيد المسيح عيسى (642ق.هـ - رفع 609ق.هـ) (6) التي ارادت والدتها ان يكون ما في بطنها ذكرا توقفه لخدمة المعبد مدى الحياة:{اذ قالت إمرأة عمران رب إني نذرت ما في بطني محررا..} (سورة آل عمران:35) (7)، فتفريغ الفرد لخدمة المعبد أو المسجد، انما يعني تحريره من كل قيود الحياة، والاقتصار في التعامل مع مستلزمات الحياة بالاقل الممكن، فالتفرغ لعمل معين دون غيره وصب الاهتمام عليه بكل الجوانح والجوارح يتضمن معنى التحرر والتخلص من قيد كل عمل آخر.

ويستل القرطبي (ت 671هـ) من الآية الكريمة الخاصة بمريم (ع) واحدة من معاني الحرية، إذ ان: (قوله تعالى محررا ماخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية، من هذا تحرير الكتاب وهو تخليصه من الاضطراب والفساد) (8).

مفهوم الحرية اصطلاحا

اذا كان تعريف الحرية لغة من الكثرة بمكان، فانه في مجالها الاصطلاحي اكثر عددا وتنوعا وتشعبا، وبمرور الزمن يتم استحداث مصطلحات لمعنى الحرية، توفرها وتخلق ظروفها تطورات الزمن، فعلى سبيل المثال، اصبحت المسامحة في البيع والشراء عند العرب تعني عند مجتمعات اخرى مثل الغرب، العطاء الحر أو المجاني، أو المبايعة التي في جانب منها عطاء حر من غير ثمن، أو العمل الطوعي أو العمل المجاني، من قبيل ان تدخل مطعما وتأكل صحن طعام بثمن يقابله صحن مجاني، أو أن تشتري سلعة بثمن وتأخذ الثانية مجانا، واشتهر عندهم القول: (buy one get one free)، فالمجانية في مصطلحنا العربي، تعني في هذه المجتمعات البيع الحر، أو لك كامل الحرية في ان تأكل أو تشتري وجبتين بثمن وجبة واحدة، وما شابه، هذه المقايضة المتضمنة لجزئية الحرية أملتها الحياة الاقتصادية القائمة على المنافسة الحرة الشديدة، خلقت معها مصطلحات لم تكن معروفة من قبل.

والاستحداثات المستمرة لمفردة الحرية، نجد مصاديقها الخارجية في مجالات قد يصعب تقبلها عند بعض الشعوب أو الامم حتى وان كانت في الجانب السياسي محكومة من قبل طواغيت ومستبدين، فعلى سبيل المثال، لا يجد باحث بريطاني في الشؤون السياسية مثل NEIL McNAUGHTON، اية غضاضة من اطلاق وصف الحرية على ما تصفه شعوب العالم الثالث بالاستعمار، فعنده: (عندما يكون كل الناس مستعمرين -بفتح الميم- ويتم انتزاعهم من القوة الارهابية ويحررون من الاستعباد من قبل قوة خارجية، نحن نقول انهم الان قد تحرروا)(9). وربما نستطيع ان نفهم من خلال هذه الخلفية الثقافية للكاتب البريطاني، لماذا رفعت بريطانيا اثناء الحرب العالمية الاولى شعار (جئنا محررين لا فاتحين) اثناء دحرها للقوات العثمانية واحتلالها للبلدان العربية، وبخاصة شعارها الذي رفعته اثناء احتلال العراق العام 1917، معتبرة ان العراق واقع تحت سلطة قوة اجنبية وانه مستعمر من قبل العثمانيين الاتراك، واعتقد ان NEIL McNAUGHTON يحاول في كتابه تبرير مرحلة الاستعمار البريطاني لكثير من دول العالم الشرقي، والا يمكن ان نعتبر مجيئ القوة الخارجية الاولى السابقة (وهنا الاتراك) على القوة الخارجية التالية (وهنا بريطانيا) هي قوة محررة لا مستعمرة ايضا، على اعتبار ان أدبيات وبيانات القوة الأجنبية الاولى هي الاخرى تحكي عن تخليص هذه البلدان من انظمة ظالمة أو اجنبية، على ان للوجود العثماني في البلدان العربية والاسلامية مداليل دينية غير متوفرة في الاستعمار البريطاني.

واعتقد ان التعريف الانف الذكر يعتريه الكثير من النقصان، ولا يمكن تقبله، ليس اقل من منظور اسلامي، الذي حرم تسلط غير المسلم على المسلم حتى ولو كان بحجة التحرير لا الفتح، قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} (سورة النساء: 141). وهكذا الامر في كثير من مجالات الحياة، وربما سنجد في المستقبل استعمالات اخرى لكلمة الحرية ليست قائمة في الوقت الحاضر، بلحاظ ان تطور الاصطلاحات امر قائم في كل لغة من لغات الشعوب وليس وقفا على لغة دون اخرى.

الحرية وسيادة الذات

وفي الاصطلاح نجد تعاريف كثيرة للحرية منها: تعريف جابر بن حيان الكوفي (ت815هـ) بانها: ارادة تقدمتها روية مع تمييز. وقال ابو حامد الغزالي محمد بن محمد بن محمد (450-505هـ) بأن: الحر من يصدر منه الفعل مع الارادة للفعل على سبيل الاختيار، على العلم بالمراد. وعرفها الدكتور زكريا ابراهيم بانها: تلك الملكة الخاصة التي تميز الكائن الحر الناطق من حيث هو موجود عاقل يصدر افعاله عن ارادته هو، لا عن ارادة اخرى غريبة عنه، فالحرية بحسب معناها (الاشتقاقي) هي انعدام القسر الخارجي. ويرى الشيخ ابو زهرة محمد بن احمد بن مصطفى (1898-1974م): ان الحر حقا هو الشخص الذي تتجلى فيه المعاني الانسانية العالية، الذي يعلو بنفسه عن سفاسف الامور، ويتجه إلى معاليها ويضبط نفسه، فلا تنطلق اهواؤه ولا يكون عبدا لشهوة معينة، بل يكون سيد نفسه، فالحر من يبتدئ بالسيادة على نفسه، ومتى ساد نفسه وانضبطت أهواؤه وأحاسيسه يكون حرا بلا ريب (10).

ويقرر الباحث والاكاديمي اللبناني الدكتور زيادة: (ان الحرية هي الاعمال التي نقوم بها والتي لا تخضع لقوانين حتمية تخرج عن سلطتنا، أو هي مجموعة الاختبارات التي نقوم بها من تلقاء ذاتنا دون اكراه خارجي) (11). ويعرف السيد محمد باقر بن حيدر الصدر (1935-1980م)، الحرية: (بأنها: (نفي سيطرة الغير). ومن هنا كانت هذه الحرية مقيدة بما يمنع اعتداء الاخرين بعضهم على بعض) (12).

في واقع الحال ان تجنب الاضرار بالاخرين هو امر غاية في الاهمية، ولكن لا يستطيع الانسان بمفرده ان يجنب الاخرين كامل الضرر اثناء إعماله لحريته وارادته، لان هناك اضرارا مرئية ملموسة واخرى غير مرئية، وقليل من الناس من يدرك الاضرار غير المحسوسة، فهو قادر على مشاهدة الضرر الظاهري، وربما يعجز عن ادراك الضرر غير المرئي، ونحن في حياتنا قد نسلك سبلا بملء ارادتنا وتنشيطا لحريتنا نراها لا تجلب الضرر للاخرين، ولكن غيرنا يرى الضرر، ربما نراه أو نتحسسه فيما بعد، فعلى سبيل المثال، للمرء كامل الحرية في بناء الدار فوق ارضه، ولكن قد يسبب رفع البناء في الحاق الاذى بجيرانه من حيث لا يشعر، كأن يكون البناء قد سد قرص الشمس عن نافذة جيرانه، ولذلك في هذه الحالة نحن بحاجة إلى شخص اخر يقنن حرية البناء، وهو مهندس البلدية، أي اننا لوحدنا قد لا نستطيع ادراك الضرر غير المرئي، من هنا ندرك اهمية التشريع والتقنين، وفي معظم البلدان المتحضرة، فان البلدية لا تكتفي بتقرير المهندس المختص، بل انها تستأذن الجيران وتطلب منهم ابداء الرأي فيما يخص اي بناء جديد في المنطقة أو منزل أو شقة بعينها، واذا ما قرر الجيران ان البناء الجديد أو تحوير وتغيير بناء قديم يضر بمصلحة الجيران أو يشوه من جاذبية الشارع أو الزقاق، فان البلدية تنزل عند مصلحة الجيران رغم انف المهندس المختص أو صاحب العقار.

مركب الحرية

والحرية بمعناها الفلسفي كما يقول استاذ القانون ادمون رباط (ت1991م) تعني: (حالة الكائن الذي لا يكون خاضعا لاي عامل من عوامل الجبر، بل يكون عاملا حسب رغبته وفقا لطبيعته، وفي جانبها الفقهي كما يقول الباحث الاردني الدكتور محمد فتحي الدريني تعني: الاباحة والتي يفهم منها عدم قسر الانسان على الفعل والترك)، ويضيف غرايبة فهمه الفقهي للحرية بان منح الانسان: (كامل حريته في دائرة واسعة من الافعال، يطلق عليها في الفقه الاسلامي دائرة العفو) (13)، أو بتعبير الفقيه الشيرازي (1347-1422هـ): (المباحات التي يصطلح عليها في الحال الحاضر بالحريات) (14). وقد عرفها الباحث والاكاديمي الاردني الدكتور غرايبة بانها: (المكنة العامة التي يقررها الشارع للافراد، بحيث تجعلهم قادرين على اداء واجباتهم واستيفاء حقوقهم، واختيار ما يجلب المنفعة ويدرأ المفسدة دون الحاق الضرر بالاخرين) (15).

ويعرفها الباحث السعودي الشيخ العليوات بقوله: (الحرية ان تمارس ارادتك على ارضية المسؤولية، وتسمح للاخرين ان يمارسوها كما تحب انت ان تفعل) (16).

ويؤخذ على هذا التعريف، ان الحرية متأصلة في كينونة الانسان، واذا جردنا الحرية مما يلحق بها، فانه ليس للانسان سيادة على اخر حتى يسمح أو لا يسمح، لان الناس تكوينيا وتشريعيا وعرفا سواسية واحرار، قال الامام علي عليه السلام: (ايها الناس ان آدم لم يلد عبدا ولا أمة، وان الناس كلهم احرار) (17).

نعم يقتضي الامر ان لا تزاحم حريتك حرية انسان اخر والعكس صحيح، اتساقا مع وصية الامام علي لنجله الامام الحسن عليهما السلام: (يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب ان تُظلم، واحسن كما تحب ان يُحسن اليك، واستقبح ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك) (18)، وتقتضي الحرية المنفعة المشتركة وفق مديات كل انسان وحقوقه، إذ لا يمكن تصور حرية حقيقية تقوم على حساب فرد مقابل منفعة فرد اخر دون وجه حق، وفي الحديث النبوي (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم اعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في اسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فان تركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا، وان اخذوا على ايديهم نََجَوْ، ونَجَوْ جميعا) (19). ويضيف المحقق اللبناني الشيخ صبحي بن ابراهيم الصالح (1926-1986م)، في تعليقه على الحديث النبوي: (وكأن الحديث، يعرف الحرية في بساطة خالية من التعقيد، بأنها تبتدئ من حيث يستفيد الفرد وتنتهي حيث يبدأ ضرر الآخرين، والقاعدة الاسلامية المستمدة من الحديث الشريف تقول كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:لا ضرر ولا ضرار). اذن فالناس كلهم في مركب واحد، فلا يمكن تجاوز الحدود بحجة الحرية الشخصية أو اثبات الذات.

الحرية وأسر الذات

والحرية عند المفكر العراقي السيد حسن بن مهدي الشيرازي (1354-1400هـ) هي: (التخلص من انواع الاسر الذي يجعل الانسان اخيذا، لسلطة عليه ارادتها، ويدين لها بالطاعة، وهي كلمة تقابل كلمة (العبودية) وبتعبير آخر، ان الحرية تعني استقلال تفكير الفرد في ان يفعل ما يشاء)(20)، هذا المعنى يقترب منه كثيرا الباحث العراقي استاذ الحوزة العلمية الشيخ الصفار بقوله: (ان الحرية تعني استقلال الفرد في ان يفكر ما يريد ويفعل ما يشاء ويملك ما يقدر على امتلاكه)، وقد اعتبر الصفار: (ان الحرية ليست سوى ان يكون الوضع الاجتماعي بنحو يستطيع فيه كل فرد من افراد المجتمع من ممارسة اعماله ويفجر مواهبه وقابلياته، وانتخاب طريقة حياته، والعقيدة التي يؤمن بها بلا مانع يمنعه أو حاجز يحجزه من ذلك) (21).

مرة اخرى نجد انفسنا امام تفسير للحرية لا يستطيع ان يكون جامعا مانعا، فالانسان يفكر في كل شيء، واذا اعطي القياد في تحويل الفكرة إلى واقع، فمن الطبيعي ان يصطدم مع حريات الآخرين، فقولنا (يفعل ما يشاء) أو (دون مانع يمنعه أو حاجز يحجزه من ذلك)، انما يتضمن فيما يتضمن تضاربا مع حريات آخرين، إذ لا يمكن تصور حرية مطلقة على وجه البسيطة، قد لا تكون هناك موانع قانونية أو تشريعية، ولكن قد نصطدم بموانع عرفية أو اجتماعية أو عائلية أو عشائرية، تكون محترمة اكثر من القانون المدني أو التشريعي نفسه، فمثلا يستطيع المرء في جو اكاديمي علمي ان يتحدث عن العلاقات الجنسية من جوانبها الطبية والنفسية والاجتماعية، ولكنه غير قادر على فعل ذلك في مكان اجتماعي آخر، لأن العرف في مثل هذا الجو يمنعه من ذلك ويحجزه عن الافصاح بكل ما يرغب ان يفصح عنه، مع ان القانون أو التشريع لم يحظر عليه ذلك، فالحرية تكون مقبولة في ظرف ومرفوضة في ظرف آخر، والعرف يحدد طبيعة الموضوع وابعاده، ويدخل العرف كأحد موارد التقنين.

كما انه لا يمكن بتقديري القبول كليا من ناحية اخرى بمقولة قدرة الانسان ان يفعل كل ما يشاء، لاننا حينئذ سنصطدم بوضعيات من الحرية تنسجم مع بعض النفسيات ولكنها تتعارض مع الفطرة السليمة، والفطرة لاشك مقدمة على النفسية الانسانية، لان الفطرة كل لا يتجزأ نابتة في منبت الخير اصالة، قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} (سورة الروم: 30)، في حين ان النفوس تختلف وتتراوح ما بين الخير والشر يمينا ويسارا، قال تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} (سورة الشمس:8)، ولذلك فإن السيد الشيرازي لا يجعل هذه المشيئة مطلقة كما يوحي من التعريف مجردا وانما يؤطرها بسلطات ليس للانسان ان يتجاوزها، والا خرج عن مفهوم الحرية الحقة، فهناك سلطات تكون محمودة تمنع الانسان من ان يفعل كل ما يشاء، منها سلطة العقل التي تحجر على الانسان ارتكاب الخطأ وترشده إلى الصواب، وسلطة العبودية لله التي تمنع الانسان من الوقوع في الفتن والاهواء، وتقابلها سلطة العبودية للنفس، من هنا فان الباحث والاكاديمي السوري الشيخ الزحيلي رئيس قسم الفقه الاسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة بجامعة دمشق، يعطي للحرية مفهوما مؤطرا فهي: (تعني ان يعيش الانسان على النحو الذي يتفق مع نظرته ومع أصول الأخلاق العامة وقضايا النظام العام، فليست الحرية معنى مرادفا للفوضوية، فالفوضى لا يقبلها الاسلام) (22). كما لا يقبلها المنطق السليم وتستنكرها جل القوانين الوضعية، وقد يخضع الانسان في لحظة ضعف للفوضى، ولكنه في قرارة نفسه يرفضها تماما، يقول الأديب السوري المعلم بطرس البستاني (1819-1883م): (توهم البعض في معنى الحرية جواز فعل كل ما يخطر في البال وهذا نوع من اساءة استعمال الحرية) (23).

الحرية والآخر

وينتقد الفيلسوف الايراني الشيخ الجعفري (1925-1998م)، اولئك الذين يصفون الحرية بانها (احتفظ للاخرين بحقوقهم ولا تزاحمها ثم افعل ما تشاء) والتي راجت في المجتمعات الغربية، واصفا اياها: (بانها جملة غير انسانية، لان كل انسان يستطيع ان يشرب الخمر أو ينتحر فيسيغ ويستسيغ اجرامه تجاه نفسه)، مضيفا: (ان على هؤلاء ان يعلموا ان الشخص إذا فسد في أعماقه فمن المحال عليه ان يقول بحق الحياة والكرامة لآخرين، انه لا يفهم اصلا معنى للحق والحكم والحياة والكرامة والحرية، فضلا عن أن يقوم بمراعاتها، وهؤلاء الاشخاص الفاسدون في الواقع يعدون تجسيدا للمزاحمة والتعدي والخيانة والجناية بالقوة، ويتحول بأقل دافع إلى الفعلية). ويصف اولئك: (بان مثلهم مثل من يوصي بركانا ان يفعل ما يشاء في اعماقه، وان يصنع ما يشاء من حمم، ثم لا يتعدى على مزارع الاخرين وبيوتهم، وهؤلاء لا يقتصر حالهم على صنع البراكين في المجتمع، بل انهم يخونون اولئك الافراد ايضا، ذلك انهم بتلك التوصية بالحرية المطلقة يكبتون سلوكهم وعقولهم ووجدانهم وقواهم العاملة للتكامل والرقي) (24).

وأجد نفسي ميالا إلى رأي الشيخ الجعفري، وقد دلت الظواهر الاجتماعية السيئة على ذلك، فالادمان الذي ينخلق عند متناول المخدرات أو المشروبات الكحولية يجعل منه انسانا لا اباليا، ومتحفزا لارتكاب اية مخالفة أو حماقة أو جنحة، وبالتالي فان استعماله السيئ لحريته الشخصية ساهم في الاساءة إلى نفسه والى الاخرين، فمن هنا فان بعض الفقهاء على سبيل المثال، ومن باب لا ضرر ولا ضرار، لا يجوّز على متناول الدخان من اشعال سيجارة في مكان مغلق فيه اناس الا بعد استئذانهم، لان بعض الحضور لا يدخن، والدخان المنبعث من السيجارة تزعجه نفسيا أو صحيا، مثل المريض بالربو أو سرطان الرئة، ولهذا نجد في بعض الاماكن العامة أو في الطائرات أو الحافلات أو المطاعم عبارات تحظر التدخين في جانب من المكان وتجيزه في جانب اخر.

وفَهمَ الدكتور سري نُسيبة، من الحرية انها: (الامكانية أو القدرة على النمو والتطور، لتحقيق الوضع الافضل للانسان أي سلخ القيود المانعة عن هذا النمو والتطور نحو الافضل، وذلك التعريف لا يقودنا إلى القبول بحتمية الطبائع الشريرة فردا أو جماعة) (25).

وفي تقديري، فان هذا التعريف رغم جهد المعرِّف، فانه لا يسلم من النقد، فما يراه البعض نموا وتطورا نحو الأحسن، قد لا يراه اخر بهذا النحو، فعلى سبيل المثال، فان الاستنساخ أو الاستنسال البشري، عملية يراها البعض نموا وتطورا نحو الافضل لتحسين النوعية الانسانية، لكن البعض يشكك بها، من هنا فان بعض الحكومات سنّت قوانين حدت من حرية الاطباء في مجال الاستنساخ، فالطبيب المقتنع بهذه العملية يرى حريته في الاستمرار بها، لكن السلطة أو اطباء اخرين يرون في القضية برمتها عملية لا اخلاقية، لانه بالامكان استنسال مجرمين محترفين، أو طواغيت وجبابرة.

ولا شك ان الاستنساخ يعد نموا وتطورا طبيا نحو الافضل لتحسين الاجيال نباتية كانت أو حيوانية أو انسية، ولكن إذا انسلخت عملية الاستنساخ أو الاستنسال عن القيود المانعة، فان المطاف سينتهي إلى ما لا يحمد عقباه على البشرية جمعاء، فلا يمكن ان تكون حرية التطور العلمي بكل صنوفه قائمة على حساب حرية الشخص أو البشرية، لان الاشياء خلقت لاجل الانسان وليس العكس.

الاختيار محور الحرية

ولما كان الانسان مختارا، انطلاقا من مبدأ الخلقة: {وهديناه النجدين} (سورة البلد:10)، {انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا} (سورة الانسان: 3)، فانه لا يمكن الفصل بين الحرية والاختيار، بل ان الاختيار هو محور الحرية، إذ لا يمكن اطلاق وصف الحرية على انسان ما، إذا لم يكن مختارا اصالة، والا انتفت الحرية، ولازمية الاختيار في وصف الحرية وتعريفها، يشير اليها البستاني، فالحرية عنده هي: (حالة يكون الانسان فيها قادرا على فعل شيء، أو تركه بحسب ارادته واختياره) (26)، لكن المفكر السوري عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي (1854-1902م) وعلى لسان المولى الرومي الذي جمعه مع عدد من حجاج بيت الله الحرام من جنسيات مختلفة ضمن جلسة حوارية حول الدين والحياة، يضيف شيئا جديدا إلى تعريف الحرية، فهي عنده: (بان يكون الانسان مختارا في قوله وفعله، لا يعترضه مانع ظالم) (27). وهو بهذا التعريف يقر بوجود موانع في حياة الانسان تمنعه من إعمال ارادته وحريته، ولكنه وضع قيدا للمانع وهو ان لا يكون ظالما، وهذه مرحلة متطورة من التعريفات، على خلاف الذين عرّفوا الحرية بمطلق الارادة وادانة أي مانع في طريق حرية الانسان، واعتقد ان هذا امر يمكن التسليم به، فيما لو انعمنا النظر فيما حولنا، فالمرض على سبيل المثال يحول دون ان يقوم المريض بترجمة حريته في موارد عدة، فهو لا يستطيع ان يأكل كل ما يحب، بل ويجبر قسرا على تناول ما لا يرغب، فهو يمنع من الصوم إذا اضر بصحته رغم وجوب الاتيان بالصوم، فهذه موانع غير ظالمة حدّت من حرية الانسان، لكنها موانع مؤقتة أملتها ظروف استثنائية.

يبقى ان بعض الموانع، قد يراها المبتلى بها انها ظالمة وتحد من اختياره وحريته، ولكنها في حقيقة الامر غير ظالمة إذا تعامل معها بايجابية، فالذي يولد مكفوفا، أو أبكما أو أصما أو أعرجا أو أعورا، أو ما شابه من الامراض الولادية، فان لكل عاهة أو نقص تأثيراً نفسياً على صاحبها كالمكفوف أو الابكم أو الاصم أو الاعرج، أو ما اشبه من الامراض الخلقية لا يمكن نكران ذلك، لكن بعضهم يتعايش مع ما هو فيه رغم ان الواقع دل ان من يفقد شيئا من حواسه أو جوارحه يوفر له الله قدرة من جانب اخر يتفوق بها على كثير من الاصحاء، والامثال كثيرة، وبعضهم يعتبر فقدانه لحاسة ما ظلما وقع عليه، فمن ينظر إلى الامر كظلم يخرج عن نطاق التعريف، ومن يسلّم بالامر يدخل فيه، ولكن لا يمكن نكران حقيقة مرة ان بعض الامراض الولادية تأتي من جناية الاباء جهلا أو عمدا، مثلما يولد الطفل وهو يحمل فيروس الايدز عن والديه أو احدهما.

من مجمل التعريفات الواردة حول الحرية، أعتقد ان الحرية هي: حق الفرد في ان يتصرف اختيارا بما لا يضر بنفسه أو بالاخرين، منطلقا من ارادة نزيهة عن هوى النفس، ومحكوما بالتشريع والقوانين.

ويلاحظ في تعريف الحرية ان عملية الاضرار بالنفس لايريدها الاسلام للانسان المسلم وان اقتنع بها المرء نفسه أو وافق عليها بملء رغبته، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم وجوبه على كل انسان ذكرا أو انثى فان من شروط هذا الوجوب هو عدم وقوع الضرر للآمر أو الناهي، فالحرية عملية اختيارية للانسان له ان يفعل الشيء أو لا يفعله، ولكن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي ليس للانسان فيه اختيار الفعل أو الترك، فلو قام به انسان كفى الجميع وان لم يقم به احدهم أثم الجميع، مع ذلك فان واحدة من الشروط الاربعة لوجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: (ان لا يترتب على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر بنفس الآمر بالمعروف أو الناهي عن المنكر أو باحد من المسلمين، واذا لزم جراء الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر الحاق الضرر بالآمر أو الناهي أو بغيره من المسلمين، لم يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجب في حالات خاصة يراجع بها الحاكم الشرعي) (28)، وبالتالي فانه من باب اولى ان لا تشتمل الحرية على اضرار النفس وان طلبها الانسان طواعية، على ان هناك استثناءات في باب الاضرار بالنفس، مثل الجهاد في سبيل الله تحت راية امام عادل، وقول كلمة الحق امام سلطان جائر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب ج4 (بيروت، دار صادر، الطبعة 1) ص181.

2- الجصاص، احمد بن علي الرازي، احكام القران، تحقيق: محمد الصادق قمحاوي ج2 (بيروت، دار احياء التراث العربي، 1405هـ) ص121.

3- القرشي، الشيخ باقر شريف، نظام الاسلام السياسي (بيروت، دار التعارف للمطبوعات، الطبعة 2، 1398هـ/1978م) ص183-184.

4- وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين ج3 (بيروت، دار المعرفة، الطبعة 3، 1971) ص408.

5- راجع: المنجد في اللغة (بيروت، دار المشرق، الطبعة السادسة والثلاثون 1997م) ص124.

(6) راجع: الكرباسي، محمد صادق محمد، الحسين والتشريع الاسلامي، ج1 (لندن، المركز الحسيني للدراسات، الطبعة 1، 1421/2000م) ص82.

7- قال ابو اسحاق الزجاج (ت 923م): (هذا قول امرأة عمران ومعناه جعلته خادما يخدم في متعبداتك وكان ذلك جائزا لهم وكان على اولادهم فرضا ان يطيعوهم في نذرهم فكان الرجل ينذر في ولده ان يكون خادما يخدمهم في متعبدهم ولعبادهم ولم يكن ذلك النذر في النساء انما كان في الذكور فلما ولدت امراة عمران مريم قالت رب اني وضعتها انثى وليست الانثى مما تصلح للنذر فجعل الله من الايات في مريم لما اراده من امر عيسى عليه السلام ان جعلها متقبلة في النذر فقال تعالى: فتقبلها ربها بقبول حسن، والمحرر النذير والمحرر النذيرة وكان يفعل ذلك بني اسرائيل كان احدهم ربما ولد له ولد فربما حرره أي جعله نذيرة في خدمة الكنيسة ما عاش لا يسعه تركها في دينه.

انظر: ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب ج 4 (مصدر سابق) ص181.

8- القرطبي، محمد بن احمد الانصاري، تفسير القرطبي، تحقيق: احمد عبد العليم البردوني ج4 (القاهرة، دار الشعب، الطبعة 2، 1372هـ) ص66.

9- NEIL McNAUGHTON، SUCCESS IN POLITICS، John Murray (Publishers) Ltd، Second Edition 2001، p21

10- انظر: السامرائي، د. نعمان عبد الرزاق، النظام السياسي في الاسلام (الرياض، فهرست مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة 1، 1419هـ/1999م) ص175-176.

11- زيادة، د. معن، موسوعة الفلسفة العربية، مجلد 1 (باريس، بيروت، معهد الانماء العربي، الطبعة 1، 1988م) ص365.

12- بحر العلوم، د. محمد، آفاق حضارية للنظرية السياسية في الاسلام (لندن، معهد الدراسات العربية والاسلامية، 1421هـ/2000م) ص196.

13 غرايبة، د. رحيل محمد، الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الاسلامية (عمّان، المعهد العالمي للفكر الاسلامي والمنار للنشر والتوزيع، الطبعة 1، 1421هـ/2000م) ص33-34.

14- الشيرازي، السيد محمد، الحريات (بيروت، مؤسسة الفكر الاسلامي، الطبعة 1، 1414هـ/1994م) ص7.

15- غرايبة، د. رحيل محمد، الحقوق والحريات السياسية في الشريعة الاسلامية (مصدر سابق) ص41.

16- العليوات، الشيخ محمد حسن، التجديد الاجتماعي.. تأملات في التأهيل المجتمعي (بيروت، دار الصفوة، الطبعة 1، 1417هـ/1997م) ص59.

17- انظر: الشيرازي، السيد محمد، الأزمات وحلولها (بيروت، مركز الرسول الاعظم للتحقيق والنشر، الطبعة 1، 1420هـ/1999م) ص42.

18- نهج البلاغة للامام علي، جمع: الشريف الرضي، شرح: الشيخ محمد عبده ج3 (بيروت، دار البلاغة، الطبعة 4، 1409هـ/1989م) ص565.

19- الصالح، د. صبحي، الاسلام ومستقبل الحضارة (بيروت، دار الشورى، الطبعة 1، 1982م) ص 199.

20- الشيرازي، السيد حسن، حديث رمضان (الكويت، هيئة محمد الامين، الطبعة 3، 1415هـ/1995م) ص116.

21- الصفار، الشيخ فاضل، ضد الاستبداد (بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، الطبعة 1، 1418هـ/1997م) ص ص54-55 و129.

22- الزحيلي، د. وهبة (حوار النور مع الزحيلي) مجلة النور (لندن، دار النور للنشر، السنة 11، العدد 125، 1422هـ/2001م) ص50.

23- البستاني، بطرس، دائرة المعارف، ج7 (بيروت، دار المعرفة) ص3.

24- الجعفري، الشيخ محمد تقي (مقدمة للاعلان العالمي لحقوق الانسان) كتاب: حقوق الانسان في الاسلام (طهران، العلاقات الدولية في منظمة الاعلام الاسلامي، 1408هـ/1988م) ص200.

25- نُسيبة، سري، الحرية بين الحد والنسبي (لندن، دار الساقي، الطبعة 1، 1995م) ص122.

26- البستاني، بطرس، دائرة المعارف ج7 (مصدر سابق) ص2.

27- عمارة، محمد، عبد الرحمن الكواكبي.. ام القرى.. الاعمال الكاملة (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف، 1970م) ص153.

28- الحكيم، د. عبد الهادي محمد تقي، حواريات فقهية (بيروت، مؤسسة المرشد، الطبعة 11، 1422هـ/2002م) ص300-301.

دعوة الى السادة الأساتذة و الى أبنائنا التلاميذ للمشاركة عبر الرسائل الالكترونية

بسم الله الرحمن الرحيم
الى زملائي الأعزاء السادة الأساتذة داخل تونس وخارجها
الى أبنائي الأعزاء تلامذتنا
الى كل من يشارك معنا
لاحظت أنه بمجرد نشر رسائل تتعلق بمستويات دراسية مختلفة من التعليم الثانوي أبدى كثير من الزائرين ارتياحهم ورغبتهم في مواصلة التجربة التي نرجو من الله أن تكون ناجحة وموفقة والتي غايتها نفع تلامذتنا واكتساب الخبرة ومزيد التكوين والاطلاع على تجارب بعضنا البعض.ولذك قررت أن أشرع في تنزيل الدروس عبر الانترنات ومجانا حرصا مني على أنفع الآخرين وسعينا الى اقتسام المعلومة مع زملائي الأساتذة.ولذلك كل من يريد أن يشارك معنا أقترح عليه أن يمدنا بالمادة (الأدب/التواصل الشفوي/الانتاج الكتابي/المطالعة/اللغة
-نحو وصرف وعروض وبلاغة....-)ثم يرسلها (عنوان البريد الاكتروني في الأسفل//اليكم بعض المقترحات للاشتغال عليها)

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المواضيع التربوية المقترحة


1-الشباب وتنظيم الوقت
2-الشباب و تنظيم الجهد لتحقيق النجاح
3-الشباب والصداقة
4-الشباب و مفهوم النجاح
5-الشباب والاعلام
6-الشباب والنوادى المدرسية
7-الشباب والمؤسسات الثقافية
8-الشباب والصورة
9-الشباب وصقل الموهبة
10-الشباب و السلوك الحضاري
المواضيع الحضارية
11-الشباب والمواطنة
12-الشباب والميثاق الوطني
13-الشباب والرعاية الصحية
14-الشباب و العولمة
15-الشباب والانترنات
16-الشباب والقنوات الفضائية
17-الشباب والنقد
18-القيروان عاصمة الثقافة الاسلامية
19- الشباب والمكتسبات الوطنية
المواضيع الثقافية
20-الأعياد الوطنية وأهميتها في ترسيخ الانتماء الوطني
21-الأعياد العالمية ودورها في التثقيف
هذه مجموعة من المواضيع المقترحة للمشاركة فيها بآرائكم وأفكاركم .
شروط المشاركة:
*كل مشاركة تعبر عن رأي صاحبها.
*تتولى ادارة الموقع مراجعة النصوص المبعوثة ثم نشر المفيد منها.
*كل مشاركة تخرج عن الأهداف المرسومة للموقع يتحمل صاحبها تبعاتها
*الرجاء ارسال النصوص الى:hichem.ltaif@gmail.com
بادروا الى التعبير عن آرائكم للاستماع الى مشاغلكم وطموحاتكم...

برنامج مادة الانتاج الكتابي(المقال الأدبي/التحليل الأدبي)


التدريب على انتاج المقال
المحاور:
*التلخيص
*التوسع
*التفسير
*نشاط جامع
*الربط بين الأفكار
*التعبير عن الرأي
*الدعم والدحض
*التخطيط
*نشاط جامع2

التدريب على تحليل النص الأدبي
*التفكيك
*التحليل
*التأليف
*التقويم
*التصميم

برنامج اللغة /النحو

المحور الأول :البديع:
أ*الجناس
ب*السجع
ج*الطباق
د*المقابلة

المحور الثاني :أنماط الجمل
أ*الجملة التقريرية (اثباتا ونفيا)
ب*الحمللة الاستفهامية
ج*جملتا الأمر والنهي
د*جملة التعجب
المحور الثالث

أ*الأشكال النحوية لبعض الوظائف :
أ*النعت
ب*الحال
ج*التمييز
د*المفعول المطلق
ه*المفعول لأجله
و*البدل

المحور الرابع: وسائل الربط
أ*الترابط بين الجمل :
*طرائق الربط ووسائله.
*الفصل والوصل
ب*الاحالة :
*الموصول
*الاشارة
*الضمير
*النعت


منبر حوار الشباب:موقع فضيلة الشيخ هشام لطيف: مادة الأدب(عمل تطبيقي أول)

برنامج مادة الانتاج الكتابي

*الشعر:تقديم لدواوين شعرية.
*الرواية
*الأقصوصة
*المسرحية
*دراسات في الأدب والحضارة

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"