بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

من هو الصحابي؟

الحمد لله .. هذه نبذة يسيرة ومختصرة جمعتها وحررتها دفاعاً عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..أسال الله تعالى أن يجمعنا بهم في الجنة .. وأن يخذل من نال منهم أو ابغضهم إنه سميع عليم .. وهذا القال يمكن أن يستفيد منه المعلم والمعلمة مع طلابهم والخطيب وغيرهم من أجل تقرير هذا الأمر العظيم .تعريف الصحابي :حكي خلاف بين أهل العلم في حد الصحابي ، ووردت عدة أقوال فيها : أولاً : قول الأصوليون :من طالت مجالسته للنبي صلى لله عليه وسلم ، على طريق التبع له ، والأخذ عنه ، بخلاف من وفد عليه ، وانصرف بلا مصاحبة ولا متابعة . قالوا: وذلك معنى الصحابي لغة . ورد هذا بإجماع أهل اللغة على أنه مشتق من الصحبة ، لا من قدر مخصوص منها، وذلك يطلق على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً ، يقال : صحبت فلان حولاً، وشهراً ، ويوماً ، وساعة . ثانياً : تعريف المحدثين :قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، مؤمناً به ، ومات على الإسلام . فيدخل فيمن لقيه : من طالت مجالسته له ، أو قصرت ، ومن روى عنه ، أو لم يرو عنه ، ومن غزا معه ، أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى. ويخرج بقيد الإيمان :من لقيه كافراً ، ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع معه مرة أخرى.وقولنا مؤمناً به: يخرج من لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة .....وخرج بقولنا ومات على الإسلام : من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ، ومات على ردته والعياذ بالله ، وقد وجد من ذلك عدد يسير كعبدالله بن جحش .. وكعبد الله بن خطل .. ويدخل في الصحابة : من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت ، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم ، مرة أخرى أم لا . وهذا هو القول المعتمد .... وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل ومن تبعهما ، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة . اهـفالخلاصة أن الصحابي : من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام . قال الإمام البخاري ـرحمه الله ـ : من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ بعد كلام له عن أهل بدر : وأفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرن الذي بعث فيهم ، كل من صحبه سنة أو شهراً ، أو يوماً، أو ساعة ، أو رآه ، فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته ، منه وسمع منه ، ونظر إليه .اهـ [ ينظر : تدريب الراوي للسيوطي ، 2/672 ، الإصابة في تمييز الصحابة ، للحافظ ابن حجر1/158 ، فتح الباري لابن حجر7/5 ، وانظر علوم الحديث لابن الصلاح ص 175 ، رواه الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية في علوم الرواية ، ص 99 ] .وجوب معرفة الصحابة :إن معرفة قدر الصحابة وما لهم من شريف المنزلة وعظيم المرتبة من أولى المهمات المتعلقة بصلاح العقيدة واستقامة الدين، ولذا كان علماء الإسلام يؤكدون في كتب العقائد على مكانة الصحابة في الأمة، ويذكرون في ذلك فضلهم وفضائلهم وأثرهم وآثارهم، مع الدفاع عن أعراضهم وحماية حياضهم؛ إذ الدفاع عنهم دفاع عن رسول الله ، فهم بطانته وخاصته، ودفاعا أيضا عن الإسلام، فهم حملته ونقلته.قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: \"ونحبّ أصحاب رسول الله ، ولا نفرّط في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرّأ من أحدٍ منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الحق يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان\".فضائل الصحابة في الكتاب والسنة وآثار السلف :الحديث عن فضائل الصحابة عمومًا وخصوصًا حديث تطول فصوله، ولكن حسبنا من ذلك أنهم الذين أعز الله بهم دينه ونشر بهم شرعه، بل لو لم يكن من فضلهم إلا محبة رسول الله لهم ورضاه عنهم لكان ذلك كافيًا. فالصحابة أبرّ هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، كما قاله ابن مسعود . وهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه، فحبهم سنة، والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة، والأخذ بآثارهم فضيلة.وقد ورد في فضلهم آيات وأحاديث كثيرة، ..أولاً : الكتاب :1- قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا .2- وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا، وفي آيات عديدة ذكرهم الله تعالى وترضّى عنهم.ثانياً : من السنة :ومما جاء في السنة : عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه)) رواه البخاري (3470) ومسلم (2540) واللفظ له.وجاء الوعيد الشديد فيمن آذى أصحاب النبي ما رواه أحمد (5/54) والترمذي (3862) والبيهقي في الشعب (2/191) عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله : ((الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه)).قال المناوي رحمه الله تعالى في الفيض (2/98): \"((الله الله في)) حق ((أصحابي)) أي: اتقوا الله فيهم، ولا تلمزوهم بسوء، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم، وكرره إيذانا بمزيد الحثّ على الكف عن التعرض لهم بمنقص. ((لا تتخذوهم غرضا)) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمَى الهدف بالسهام، هو تشبيه بليغ، ((بعدي)) أي: بعد وفاتي\".وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) رواه الطبراني في الكبير (12/142) وله شواهد ولذا حسنة الألباني رحمه الله في الصحيحة (2340). ثالثاً من الآثار :لقد عرف السلف الصالح فضل الصحابة الكرام، وبيَّنوا ذلك، وردوا على كل من أراد انتقاصهم رضي الله عنهم، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (لا تسبوا أصحاب محمد ، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمره) رواه أحمد في الفضائل (1/57) وابن أبي شيبة (6/405) وابن ماجه (162) وابن أبي عاصم في السنة (2/484) وصححه البوصيري في الزوائد: (1/24).وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك وسأله: أمعاوية أفضل أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: \"لتُراب في منخرَي معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز\" رواه ابن عساكر (59/208).وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي رحمه الله فقال: يا أبا زرعة، أنا أبغِض معاوية، قال: لِمَ؟ قال: لأنه قاتَل عليّا، فقال أبو زرعة: إنّ ربَّ معاوية ربٌّ رحيم، وخصم معاوية خصمٌ كريم، فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهم أجمعين. رواه ابن عساكر (59/141).وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: \"إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله بسوء فاتهمه على الإسلام\" رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (7/1252).منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الصحابة :إن لأهل السنة والجماعة لمنهجًا رشيدًا في تعاملهم مع حقوق هؤلاء الصحابة الكرام، ذكرها المصنفون في كتب الاعتقاد، أذكر منها نبذة ملخصة لطيفة من كلام العلامة ابن عثيمين في شرحه على لمعة الاعتقاد إذ يقول رحمه الله: \"فحقوقهم على الأمة من أعظم الحقوق، فلهم على الأمة : 1- محبتهم بالقلب والثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف والإحسان.2- الترحم عليهم والاستغفار لهم تحقيقًا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ .3- الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن والفضائل، وربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور وعمل معذور لقوله : ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل الأرض ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيف)) أخرجاه في الصحيحين\".ثم قال الشيخ رحمه الله : الذي يسب الصحابة على ثلاثة أقسام : الأول: أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم أو أن عامتهم فسقوا فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأنه مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق.الثاني من أقسام سب الصحابة رضي الله عنهم: أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يُجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال.الثالث: أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخل، فلا يكفر بذلك، ولكن يُعزَّر بما يردعه عن ذلك\" انتهى كلامه رحمه الله.قال القاضي عياض في كتابه (الشفاء في حقوق المصطفى): \"قال الإمام مالك: من شتم أحدًا من أصحاب النبي : أبا بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قُتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّل نكالاً شديدًا\".وقال رحمه الله عند تفسيره لآية التوبة وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، قال رحمه الله: \"فقد أخبر الله أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة ، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذًا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان إذ يسبون من رضي الله عنهم؟! وأما أهل السنة فإنهم يترحمون عمن رضي الله عنهم ويسبون من سبه الله ورسوله ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدعون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون\" انتهى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.اللهم إنا نتقرب إليك بحب أصحاب حبيبك وموالاتهم والترضي عنهم، اللهم اجمعنا بهم في دار كرامتك يا كريم.

"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم..."

لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسنة المطهرة عن ذلك الفضل، فهذا أمر مفصّل في القرآن والسنة مما يدركه صغار طلبة العلم من المسلمين، ولكنها وقفات متفرقة مع استئناف الكلام بقدح الصحابة إجمالاً، أو تخصيص بعضهم بالسب والشتم، بل والتجاوز إلى الحكم بأنهم من أهل النار، فلعل في هذه الوقفات – على اختصارها وإيجازها – تذكيراً، وتنبيها، وزيادة معرفة وعلم لمن كان جاهلاً. والله جل وعلا يقول : ( سيذكّر من يخشى ).الوقفة الأولى:مما هو متقرر في عقيدة المسلمين أن القرآن الكريم وحي منزّل من عند الله تعالى، على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذا يجب على المسلم أن يؤمن يقيناً بهذا القرآن الكريم، قال تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) ووصفه الله جل وعلا بأعلى الاوصاف وأعظمها، وصفه بأنه هدى ، ورحمة ، وشفاء، وأنه مبارك، ونبأ عيظم، وموعظة وغيرها قال تعالى : (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) وقال سبحانه: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، وقال تعالى: (قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ).إذا كان ذلك كذلك ألا نؤمن بما قاله تعالى عن صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم في مثل قوله تعالى: (محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار، رحماء بينهم، تراهم ركعاً سجداً، يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود..) الآية وقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه).وهل فرّقت الأية أو الايات بينهم؟ أو استثنت أحداً منهم لايشمله هذا الفضل؟الوقفة الثانية:إن إيماننا بالقرآن الكريم يلزمنا بلاشك بالايمان بما جاء به عن الله تعالى عن ذاته، وأسمائه، صفاته، وأفعاله، وبما قضاه وقدّره، ومن ثمرات هذا الايمان أن لانشك فيمن اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. إذ زكّاهم في هذا القرآن وعدّلهم وبيّن فضلهم فمن خالف ذلك فقد بهتهم؛ سبحانك ربي من بهتان عظيم فيما يفترييه هؤلاء الذي جعلوا ألسنتهم وأقلامهم وإعلامهم سيوفاً مسلطة على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.هل يصل الأمر – عقلاً – أن نفتح آذاننا وأذهاننا لمن يقدح في صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، ونصدقّه؟ فمن هو؟ وما تاريخه؟ وما صلاحه؟ وماعلمه؟ وماهو بذله؟ وإنفاقه في سبيل الله؟ بل أين سيفه على العقائد الباطلة،؟ وأين سبابه للأفكار المنحرفه؟ وأين جهاده في ميادين نشر العلم والحق؟ إنها معادلة صعبة.الوقفه الثالثه:إن إيماننا بالقرآن الكريم يوجب علينا الثناء كما أثنى سبحانه على عامة الصحابة رضوان الله عليهم، والثناء بخاصة على من خصهّم سبحانه وممن خصّهم الله جل وعلا: أهل بدر، وأهل بيعة الشجرة، ومن آمن من قبل الفتح وهاجر إلى المدينة، والسابقون الأولون، وممن خصّهم جل وعلا أبا بكر رضي الله عنه، وابنته الصديقه عائشة رضي الله عنها في تبرئتها مما رميت به من الافك. وغيرهما.فهل يسوغ ترك هذا الثناء لنتخبط مع من يتخبط في أعراض الصحابة رضي الله عنهم، بل وفي خواصّهم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.الوقفة الرابعة: غني عن القول أن أقول إن الافتراء على الصحابة رضى الله عنهم، هو أحد وسائل أعداء الاسلام للنيل من هذا الدين الذي أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والسؤال لماذا هذه العداوة لهم؟ والجواب بكل بساطة:1- أنهم الذين نقلوا إلينا هذا الدين، وروو لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أرسوا قواعد الدين بعده، فأبو بكر رضي الله عنه هو الذي جمع القرآن الكريم قبل أن يتفرق، وعمر رضي الله عنه توسعت في عهده رقعة الاسلام، وأرسى سائر النظم للدولة المسلمة، والقدح فيهم قدح في أصول الدين.2- التشينع على الخليفة الراشد ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فهو الذي جمع المصاحف على مصحف واحد، وهو الموجود إلى اليوم، والقدح فيه قدح في عمله وهو جمع القرآن، وهذه وسيلة للاتهام فيه بالزيادة أو النقصان، كما جرى وجاري مع بعض الفرق المنتمية للاسلام.3- التشنيع على المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخاصة: أبو هريرة رضي الله عنه فقد روى أكثر من خمسة آلاف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورزقه الله قوة الحفظ ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التى روت أكثر من ألفي حديث وبخاصة في أحوال النبي صلى الله عليه وسلم الأسرية حتى روت لنا أدق التفاصيل مما لا يعلمه كثير من الناس عن آبائهم وامهاتهم وغيرهما رضي الله عن الجميع.فالقدح فيهما قدح فيما نقل إلينا من السنة النبوية:أرأيتم كيف يشتغل أعداء الاسلام لمحاولة نقضه من أصوله، والتشكيك في كيفية وصوله، وجرح رواته؟أقول: هذا من وسائلهم منذ أن أشعلوا الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه، وقاد الفتنة عبد الله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالاسلام فأدّت هذه الفتنة إلى افتراق أهل الاسلام إلى شيع وفرق كان لكل فرقة أصول تختلف عن الأخرى.الوقفة الخامسة:إن إيماننا بالقرآن الكريم يجعلنا ندرك أن التشنيع على الصحابة رضي الله عنهم هو طعن صريح بالرسول صلى الله عليه وسلم فمن يطعن بزوجته ويتهمها في عرضها اليس طعناً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو زوجها؟ ومن يطعن بنقلة الوحي الذي أنزله الله عليه؟ أليس طعناً به لانه لم يختر الصحبة النقية التي تنقل عنه ما أو حاه الله؟بل هذا طعن بالمولى جل وعلا لان لم يختر لنبيه صلى الله عليه وسلم النقلة الأمناء للوحي، ولانه لم يقدّر الزوجة الصالحة لنبيه صلى الله عليه وسلم؟!!الوقفة السادسة: إن هذا التشنيع على الصحابة رضي الله عنهم وسبهم من واحد أو أكثر ليس بدعاً جديداً، ولكنها ضمن سلسلة موجودة في كثير من مراجع هؤلاء، فهي أصل لديهم، وهذا يجعل كل مفكر وكاتب بل وقارئ أن يرجع إلى هذه المراجع التى لم تكن حبيسة مكتبة أو مكتبات بل أصبحت مشاعة في ( النت ) وغيره مما لا يكلفه جهداً كثيراُ في الاطلاع عليه وسيجده مسطراً موضحاً في تلك المراجع التي لم يتبرأ أهلها مما ذكر فيها بل هي محل فخرهم ورجوعهم، فعندما تبرأ عدد منهم من الشخص الذي تطاول على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تبرأ منه بعضهم ولم يتبرأوا من المقالة، أو المراجع العلمية المحشوة بمثل هذه الأقوال المظلمه.ولذا فالعاقل هو الذي يدرك ما وصل إليه هؤلاء وأمثالهم من البعد عن الدين الحق، والتلبس بلباسه، والعمل ضده وضد أصوله، وضد أهله، وهذا من الحقائق التى يجب أن تكون معلومه لدى كل مسلم ومسلمة.الوقفة السابعة: يفترض بعض الناس كما يلُبسِّ هؤلاء الذين اتخذوا سب الصحابة منهجاً لهم أن هناك تفاصلاً بين الصحابة رضي الله عنهم، وآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وافتراض التعارض والتناقض فمن يحب آل البيت – بزعمهم – عليه أن يبغض الصحابة رضي الله عنهم، ومن يحب الصحابة عليه أن يبغض آل البيت رضي الله عن الجميع – حتماً -.وهذه معادلة افترضوها، وعمقّوها في أتباعهم، والسؤال أين الدليل على هذه الفرضية من القرآن الكريم أو السنة النبوية؟ أرأيت – أخي القارى – كيف تفرض الأفكار ويلبسّ بها على الجهلة.لكن الذي يكلف نفسه بقراءة تاريخيه مبسطة يدرك أن أهم عناصر القربى: المصاهرة، وإن المصاهرة بين أبي بكر وعمر – وذريتهما – وعثمان -رضي الله عنهم – مع علي رضي الله عنه وذريته وأحفاده من أقوى ما هو موجود وكائن مما لا يستطيع أولئك أن ينكروا بعضه فضلاً عن أن ينكروا وجوده.فسب الصحابة قد يلزم منه سب آل البيت الذين يزعمون الموالاة لهم. لأنه هؤلاء الصحابة هم أباؤهم وأمهاتهم والقدح في أعراضهم قدح في ذريتهم. وهنا يرد السؤال من الذي يحترم آل البيت وينزلهم منزلتهم من الاحترام الحق، والمنزلة؟!!الوقفة الثامنة:وبعد: فإن إيماننا بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يوجب علينا في هذا الخصوص مايلي:-1- الايمان بما جاء فيهما على أن حق لامرية فيه، فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ولا نحرف آياته أو نؤلها على غير ما وضعت له.2- معرفة ما للصحابة والآل رضي الله عنهم أجمعين، الذين اختارهم المولى لصحبة نبيه، وأزواجاً لبناته، أوامهات المؤمنين الذي سماهم الله كذلك، وجعل لهن هذه المنزلة، أقول معرفة مالهم من الحقوق والواجبات والقيام بها. وعدم التفريق بين الآل والأصحاب وإشاعة هذه المعادلة المفتعلة.3- التبرؤ من كل من تبرأ منه الله تعالى في القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم في السنة، ومن ذلك: البراءة ممن يعادي الآل والأصحاب أو يسبهم، أو يقدح في منزلتهم.4- الوعي بمكر أعداء الاسلام قديماً وحديثاً، ومن أشدهّ ما يدسه من يتسمى باسم الاسلام، أو ينتمي إلى فرقة تقدح في القرآن الكريم أو الرسول صلى الله عليه وسلك، أو سنته، أو الخلفاء الراشدين، أو سائر الصحابة أجمعين أو امهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين.5- معرفة تلك المذاهب والفرق التى تتزيا بزي الاسلام وهي منه براء لأجل ألا يخدع بهم طالب الحق.6- التحصين بالايمان بالله تعالى، والعلم النافع واقتناء السنة، واتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة، والاهتداء بالعلماء العالمين العاملين الربانيين كما أمر الله بذلك.7- السؤال عما يشكل، والتجرد لطلب الحق.8- الدعاء بالثبات على الدين، ولقاء الله تعالى عليه، وعدم الزيغ والانحراف، وكثيراً ماكان عليه الصلاة والسلام يدعو بالثبتات مثل: (يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).الوقفة الأخيرة: دعوة لمن ينتمي لتلك الفرق، أو يدعولها أو يكافح عنها، أويسلم بأقوال تلك المرجعيات مع ما يخالفها من القرآن الكريم صراحة.أقول دعوة لهم بما يلي:-1- سؤال الله تعالى أن يريهم الحق حقاً فيتبعونه، ويريهم الباطل باطلاً ليجتنبوه.2- سؤال الله الهداية إلى الطريق المستقيم.3- طلب علم القرآن الكريم، والتأمل فيه، وإعمال العقل كما ندب الله تعالى إلى ذلك كثيراً بمخاطبته لأولي العقول في مثل: (لعلكم تعقلون) (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (يا أولي الالباب) (أفلا يذكرون) (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).وعدم التسليم المطلق لما قالت المراجع شفوياً أو مكتوباً ولا يكن الانسان كالكفار الذين قالوا: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون) فالسؤال والمناقشة والمذاكرة طريق التعلم.4- ليسأل كل نفسه :-أ‌. هل الاسلام دين تقليد وتبعية أم دين عقل وانتاج؟ب‌.هل الاسلام دين سباب وشتائم أم دين تآخي ورحمة؟ت‌.هل الاسلام دين نياحة وحزن أم دين تفاؤل واستبشار؟ث‌.هل الاسلام دين تكاسل وخمول أم دين عمل وانتاج؟ج‌. هل الاسلام دين ضرب بالسياط واخراج الدماء أم دين دعوة إلى نشر الخير والفضيلة، والنمو؟ح‌. هل العبودية لله سبحانه هي في النياحة على الاموات، وسب الآخرين، وأكل أموال الناس بالباطل، والاتباع القهري للاسياد أم العبودية لله تعالى خضوع وخشوع وتذلل له وحده لا شريك؟خ‌. هل المحاسبة يوم القيامة على ما فرضة المولى جل وعلا أو ما فرضته المراجع من سباب وشتائم وتسلط..الخ.هذه الاسئلة التى يحقق من خلالها الجواب الحق الذي يلقى الله عليه.5- القراءة والتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة الكبار من الآل والاصحاب فلا يشك أحد أن القراءة سبيل من سبل التعليم والوصول إلي الحق.6- وماذا بعد سب الصحابة رضي الله عنهم؟ هل يعلوا شأن الدين؟ وهل تعم الرحمة والاخاء بين المسلمين؟ وهل ينتصر المسلمون على اعدائهم؟ وهل يبدعوا في مناطق الابداع؟ اسئلة مهمة لمن يؤمن بهذا المرجعيات.
* * *
تلك وقفات أردت بها البيان والاعذار ولم أرد التفصيل فذلك في مظانه لمن أراد الرجوع إليها، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا الاخلاص في الاقوال والاعمال واقتفاء سيرة سيد الانام، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه..وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن،،

"كانوا قليلا من الليل ما يهجعون"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وبعد،، تتحدث كتب النفس وبرامج الاستشارات التلفزيونية والنصائح الطبية ونحوها عن مشكلة يسمونها (مشكلة السهر) .. ويطرحون لها الحلول والعلاجات ويتكلمون عن أضرارها، لكن ثمة نوع آخر من السهر لا أرى له ذكراً بينهم .. إنه سهر من نوع خاص .. سهر يذكره القرآن ويتحدث عنه كثيرا .. وكلما مررت بتلك الآيات التي تتحدث عن هذا السهر شعرت بالخجل من نفسي.. في أوائل سورة الذاريات لما ذكر الله أهوال يوم القيامة توقف السياق ثم بدأت الآيات تلوِّح بذكر فريقٍ حصد السعادة الأبدية واستطاع الوصول إلى (جناتٍ وعيون) .. ولكن ما السبب الذي أوصلهم إلى تلك السعادة بين مجاهل تلك الأهوال؟ إنه (السهر المجهول) .. تأمل كيف تشرح الآيات سبب وصول ذلك الفريق إلى الجنات والعيون: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)[الذاريات،16-17]. أرأيت .. استحوذ عليك المشهد؟ لا عليك، شعورٌ طبيعي جداً.. تأمل كيف كان سبب سعادتهم أن نومهم بالليل "قليل"! إذن أين يذهب بقية ليلهم؟ يذهب بالسهر مع الله جل وعلا .. ذلك السهر المجهول.. ذكرٌ لله، وتضرعٌ وابتهالٌ بين يديه، وتعظيمٌ له سبحانه، وافتقارٌ أمام غناه المطلق سبحانه، وركوعٌ وسجودٌ وقنوت .. هذا غالب الليل.. أما القليل منه فيذهب للنوم.. القليل فقط بنص الآية (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون).. وفي سورة الزمر لما ذكر الله عدداً من الآيات الكونية عرض هذا السهر الإيماني بصيغة أخرى، لكن فيها من التشريف ما تتضعضع له النفوس .. لقد جعل الله هذا السهر الإيماني أحد معايير (العلم)، نعم.. قيام الليل أحد معايير العلم بنص القرآن، وهذا أمر لا تستطيع بتاتاً أن تستوعبه العقول المادية والمستغربة لأنها لم تتزكّ بعد بشكل تام وتتخلص من رواسب الجاهلية الغربية، لاحظ كيف دلت خاتمة الآية على التشريف العلمي لهذا السهر الإيماني، يقول تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر، 9] فلاحظ في هذه الخاتمة كيف جعل الله من لم يقنت آناء الليل فهذا مؤشر على جهله، ومن قنت آناء الليل فهذا مؤشر على علمه.. وقد يقول قائل .. لكن كثيراً ممن لا يقنت آناء الليل نرى بالمقاييس المادية المباشرة أن لديه علماً؟ فالجواب أن القرآن اعتبر العلم بثمرته لا بآلته، وثمرة العلم العبودية لله، فمن ضيع الثمرة لم تنفعه الآلة.. ثم لاحظ كيف وصفت الآيات تنوع العبادة (ساجداً وقائماً) .. بل وصفت الآية أحاسيس ومشاعر ذلك الساهر .. فهو من جهة قد اعتراه الوجل من يوم الآخرة ومن جهة أخرى قد دفعه رجاء رحمة الله (يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه) .. تمتزج هذه المشاعر الإيمانية طوال الليل البهيم بينما الناس حوله هاجعون.. هل ترى الله تعالى بعظمته وقدسيته سبحانه يصوِّر هذا المشهد الإيماني الليلي بلا رسالة يريد تعالى إيصالها لنا؟ أليس من الواضح أن الله يريدنا كذلك؟ يريدنا أن نكون قانتين آناء الليل ساجدين وقائمين نحذر الآخرة ونرجوا رحمة ربنا..؟ وتذكّر أن الله جعل ذلك معياراً من معايير (العلم)، ألا نريد أن نكون في معيار الله من (أهل العلم) ؟ وفي أواسط سورة السجدة ذكر الله المؤشرات الظاهرة التي تدل على إيمان الباطن، حيث استفتحها بقوله (إنما يؤمن بآياتنا.. الآية) وفي ثنايا تلك المؤشرات صورت الآيات مشهد ذلك المؤمن الصادق، وهو في فراشه، تهاجمه ذكرى الآخرة فلا يستطيع جنبه أن يسترخي للنوم.. تأمل قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة: 16]. أخي الكريم .. يشهد الله وحده –وأنا أعلم شدة هذا الاستشهاد- أنني مامررت بهذه الآية إلا أحسست بمقاريض الحرج تنهش أطرافي .. هاقد تصرمت ثلاثة عقود من عمري وأنا لم أتذوق هذا المقام الذي تصوره هذه الآية .. مامررت بهذه الآية إلا تخيلت أولئك القوم الذين ترسم هذه الآية مشهدهم .. وكأني أراهم منزعجين في فرشهم تتجافى بهم يتذكرون لقاء الله، ثم لم يطيقوا الأمر، وهبُّوا إلى مِيضأتهم، وتوجهوا للقبلة، وسبحوا في مناجاة مولاهم .. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} .. صحيحٌ أن هناك آيات كثيرة صورت السهر الإيماني، لكن هذه الآية بخصوصها لها وقعٌ خاص، مجرد تخيل أولئك القوم وهم يتقلبون في فرشهم ثم يهبّون للانطراح بين يدي الله وتضرعه وهم بين الخوف من العقوبة على خطاياهم والرجاء الذي يحدوهم لبحبوحة غفران الله، ثم مقارنة ذلك بأحوالنا وليلنا البئيس يجعل الأمر في غاية الحرج، إنهم قومٌ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).. بل وتأمل في بلاغة القرآن كيف يجعل البيات قياماً كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)[الفرقان: 64] إنهم يبيتون .. لكنهم يبيتون لربهم في سجود وقيام.. ومن ألطف مواضع السهر الإيماني أن الله جعله من أهم عناصر التأهيل الدعوي في بداية الطريق، الله سبحانه وتعالى لم يجعل أعظم السهر الإيماني في آخر الدعوة النبوية بعد استيفاء التدرج، كلا، بل جعله في أولها! فقال تعالى لنبيه في آياتٍ كادت تستغرق الليل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلا) [المزمل، 1-2] لاحظ معي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بداية الدعوة، ومع ذلك يقول له (قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه).. وهل كان فعل ذلك مختص برسول الله؟ لا، بل كان أصحابه في أيام غربة الدعوة يصلون معه تلك الصلوات التي تستغرق الليل، يقول تعالى في آخر السورة: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)[المزمل، 20]. السابقون الأولون من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خلّد الله قيامهم غالب الليل في كتابه العظيم، أي شرف أعظم من هذا الشرف لأصحاب رسول الله.. أما نحن فمنا أقوامٌ ينامون الليل كله ويستثقلون دقائق معدودة ليتهجدوا فيها بين يدي الله، ومنا أقوامٌ يسهرون الليل كله لكن في استراحات اللهو ويستكثرون أن يتوقفوا لدقائق ليقفوا بين يدي الله، ومنا أقوامٌ يذهب ليلهم في تصفح شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة مقاطع اليوتيوب وتعليقاتٍ تافهة لا تقرب من الله ويمن على نفسه بركيعات في آخر الليل لله جل وعلا.. بل هناك ماهو أتعس من ذلك، وهو أن بعضهم ينقضي الليل ويدخل وقت الفجر وتقام صلاة الفريضة والإمام يقرأ فوق رأسه بينما هو لازال كما قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء، 142]. وأتذكر مرةً أنني كنت أستمع لبعض المنتسبين للدعوة يتحدث عن النجاح والوقت وإدارة الذات الخ، ولما جاء لقضية النوم، عرض النوم كما يعرضه الإنسان الغربي تماماً، بل صار يغالي في ضرورة أخذ أكبر قدر من النوم ويتحدث بنفس المعايير الغربية.. يا ألله .. هل بلغت غربة الدين هذا المبلغ؟ فأين ذهبت حقائق القرآن (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون) ، (أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائما) ، (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) ، (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما).. صحيح أن ذلك نفلٌ ولكن لماذا صار النفل يغيب عن وصايانا؟ لماذا خضعت الشريعة للتخفيضات؟ لماذا صرنا نخجل من كتاب الله؟ لو كان النوم بالمعايير الغربية أنفع للإنسان لما ندبنا الله لضده في كتابه في مواضع كثيرة.. والله لو تدبرنا القرآن ونحن مستحضرين هذا السؤال: كيف نصوغ حياتنا في ليلنا ونهارنا؟ لفجعنا بشدة المفارقة بين فهم المؤمن لهذه الحياة الدنيا، وفهم الإنسان الغربي المسكين لها.. وبعض الشباب يقول: إنني لم أتعود على قيام الليل، وليس لي تجربة سابقة، وأشعر أنها صعبة، الخ والجواب: يا أخي استعن بالله ولنبدأ سوياً من هذه الليلة القادمة، لا تؤجل هذا المشروع أبداً، وصدقني ستجد لذةً في البداية يهبها الله من يقبل عليه ليعينه، وهذه اللذة والسرور تحدث عنها أهل العبودية يقول ابن القيم (قال الجنيد "واشوقاه إلى أوقات البداية" يعني: لذة أوقات البداية، وجمع الهمة على الطلب والسير إلى الله) [مدارج السالكين، ابن القيم]. فهنيئاً لك يا أخي الكريم لذة أوقات البداية.. وهذه الآيات كلها التي صورت قيام الليل يدخل فيها مرتبتان، قيام الفرض كصلاة العشاء وقيام الكمال كالتهجد، وبعض المفسرين يخطئ في حمل بعض هذه الآيات على أحد المحملين، والصحيح أنها تشمل المرتبتين.. ولكن ما وظيفة هذا السهر الإيماني؟ الحقيقة أن وظائفه كثيرة جداً، ولكن من أعظم وظائفه أن تلك اللحظات هي لحظات (الاستمداد) .. إذا تجافى جنب المؤمن عن المضجع وتوضأ ثم وقف بين يدي ربه ثم سجد بدأت دقائق الاستمداد .. فيستمد من خزائن رحمات الله.. من أرزاقه.. من العلم.. من التوفيق.. من الهداية.. إنها لحظة الدعم المفتوح.. ورحمات الله إذا فتحت فلا تسل عن أمدائها (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) [فاطر، 2] اللهم يارب الليل البهيم .. اجلعنا من تتجافى جنوبهم عن المضاجع ندعوك خوفاً وطمعا.. (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)[السجدة، 16].

آل البيت من هم؟

بسم الله الرحمن الرحيم
آل البيت من هم؟
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛فهذه مقالةٌ تعرِّفُ ببعض ما يتعلق بآل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجعلُها –مستعيناً بالله- في شكل سؤال وجواب؛ طلباً للتقريب والإيضاح، سائلاً الله تعالى أن يعظم النفع بها، وأن يجرِّدها من شوائب الرياء وكلِّ ما لا يرضيه([1]). وأوّلُ سؤالٍ فيها: من هم آل البيت؟آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم، وبنو عبد المطلب، ومواليهم، وأمهات المؤمنين. وهذا قول جمهور أهل العلم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ» رواه البخاري. ألا يشكل على هذا الحديث الذي فيه: «سلمان منا آل البيت»؟ليس مشكلاً؛ لضعفه، فإن فيه كثير بنَ عبد الله، وحديثه لا يصح. هل في المسألة أقوال أخرى في تعريف آل البيت؟قال بعض أهل العلم: آل بيته قريش، ومنهم من قال: آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته، وقيل: هم جميع الأمة. أين الدليل على دخول أزواج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم في ذلك؟ثلاث آيات في كتاب الله([2]):الآية الأولى:قوله تعالى: }يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{ [الأحزاب: 32، 33]. وهذه أوضح آية في بيان ذلك.الآية الثانية: قول الملائكة لسارة زوج إبراهيم عليهما السلام: }أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ{ [هود : 73].الآية الثالثة:قوله تعالى: }قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ{ [الحجر : 58 - 60]. فهذا الاستثناء لزوجة لوط دليل على دخولها في آل لوط عليه السلام.ويستدل كذلك بقول زيد بن أرقم رضي الله عنه لحصين بن سَبْرة رحمه الله: "إِنَّ نِسَاءَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ" رواه مسلم.ما الدليل على أن موالي آل البيت منهم؟حديث مهران -مولى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله عليه وسلم: «إِنَّا آلُ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» رواه أحمد. وفي الحديث أنهم لا يأخذون الصدقات، وهذا من إكرام الله لهم، ولهذا جعل الله لهم في الفيء والمغنم نصيباً كما سيمر معنا. فلماذا أقرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم أخذَ بَريرة مولاة عائشة رضي الله عنها الصدقة؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟قال ابن تيمية رحمه الله: "أزواجه داخلات في آله وأهل بيته، كما دل عليه نزول الآية وسياقها –آية الأحزاب-، وقد تبين أن دخول أزواجه في آل بيته أصح، وإن كان مواليهن لا يدخلون في موالي آله، بدليل الصدقة على بريرة مولاة عائشة، ونهيه عنها أبا رافع مولى العباس"([3]). وذلك لأن دخول قرابته في آل البيت بالأصالة، ودخول أمهات المؤمنين فيهم بالتبع، فمن دخل في آل البيت بالأصالة أكسب الموالي هذا الوصف دون من دخل فيهم تبعاً.ومسألة أن أمهات المؤمنين من آل البيت لا ينبغي التشغيب بها ولا الشك فيها؛ لما سبق من الأدلة، ولأنه إذا كان معلوماً دخول الموالي في آل البيت فإن أمهات المؤمنين أولى([4]). ما هي الآيات والأحاديث في فضائل آل البيت؟قوله تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{ [الأحزاب: 33]. والمعنى: إنما أوصاكن الله بهذا؛ ليزكيكنَّ، ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي -ومنهم زوجاته وذريته عليه الصلاة والسلام-، ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة [التفسير الميسر]. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: }إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا{.وقوله تعالى: }فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ{ [آل عمران: 61]. فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء فاطمة وعلياً والحسن والحسين وقال: «اللهمَّ هؤلاء أهلي» رواه الترمذي.وثبت في صحيح مسلم عن يَزِيد بْنِ حَيَّانَ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا؛ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا، وَمَا لَا فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ. ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ؛ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ -فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ:- وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ: آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.ومعنى «تارك فيكم ثقلين»: أمرين عظيمين.وآل البيت صفوة خلق الله. ففي صحيح مسلم، عن وَاثِلَةَ بْن الْأَسْقَعِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».ومما يبين فضائلهم أنه ما من مسلم يصلي صلاة إلا ويصلي عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقد علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول في تشهدنا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعلى أهل بيته، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إنك حميد مجيد. وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعلى أهل بيته، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» رواه أحمد والطحاوي بسند صحيح.وإذا كان قريب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابياً فهذا من قد أمسك الفضل بناصيته. ما حقُّ آلِ بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا؟سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمراعاة حقهم، ولآل البيت حقان..حق معنوي، وحق مادي.أما الحقُّ المعنويُّ فإجلالُهم وتوقيرُهم وحبُّهم. قال تعالى: }قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{ [الشورى:24]. والمعنى: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالاً، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلِّغُ رسالاتِ رَبي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة. وقيل: المعنى: أن تودوني في قرابتي، أي: تحسنوا إليهم وتبروهم([5]).وتجب محبة البيت لأمرين:- لإيمانهم بالله تعالى.- ولقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.وأما الحق المادي فالخمس من الفيء والمغانم.قال تعالى: }مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [الحشر : 7]. وقال: }وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ{ [الأنفال : 41]. والفيء: ما جاء من المشركين بدون حرب؛ كأموالٍ صالحناهم عليها، أو مال هلك عنه كافر لا وارث له، ونحو ذلك. وأما الغنيمة فما كان من أموالهم بحرب.قال ابن تيمية رحمه الله: "وَكَذَلِكَ آلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَهُمْ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَجِبُ رِعَايَتُهَا فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا فِي الْخُمُسِ وَالْفَيْءِ وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([6]). وقال: "وَاتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ؛ بَلْ هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَهُدَى اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجِبُ مَحَبَّتُهُمْ وَمُوَالَاتُهُمْ وَرِعَايَةُ حَقِّهِمْ. وَهَذَانِ الثَّقَلَان اللَّذَانِ وَصَّى بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"([7]). هل الكافر من آل البيت يستحق ذلك؟الكافر لا يستحق منا إلا التبرء منه وبغضه، قال تعالى: }لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [المجادلة : 22]. والكافر من آل البيت لا ينتفع بهذا النسب، قال تعالى: }تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ{ [المسد : 1 - 5]. هل لمن كان من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع العمل ويتكل على هذا النسب؟عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ }وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{-: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئً، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ سَلِينِي بِمَا شِئْتِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه مسلم. ما حكم ادعاء نسب آل البيت كذباً؟قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رواه البخاري. وقال: «المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور» رواه مسلمٌ في صحيحه.ولا يجوز –كذلك- أن يتجرأ أحد على تكذيب من زعم أنه من آل البيت؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» رواه مسلم.والطعن يتحقق بأمرين: إعابة قبيلته، ونفي نسبته إليها. ما حكم الغلو في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه ابن ماجة. هل خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم آل البيت بشيء؟خير من يجيب عن هذا السؤال رجل منهم، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ شيء مما ليس في القرآن؟ قَالَ: لا، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا كِتَابُ اللهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: «الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ». وفي المسند قيل لعلي رضي الله عنه : هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: "مَا خَصَّنَا". هل يقال عليٌّ كرم الله وجهه أو عليه السلام؟لا يخص بذلك من دون الصحابة، وإنما يقال رضي الله عنه.قال ابن كثير رحمه الله: "قال الجمهور من العلماء: لا يجوز إفراد غير الأنبياء بالصلاة؛ لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا، فلا يلحق بهم غيرهم، فلا يقال: (قال أبو بكر صلى الله عليه)، أو: (قال علي صلى الله عليه). وإن كان المعنى صحيحا، كما لا يقال: (قال محمد عز وجل)، وإن كان عزيزا جليلا؛ لأن هذا من شعار ذكر الله عز وجل. وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم؛ ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى، ولا لجابر وامرأته. وهذا مسلك حسن.وقال آخرون: لا يجوز ذلك؛ لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء، يصلون على من يعتقدون فيهم، فلا يقتدى بهم في ذلك، والله أعلم.ثم اختلف المانعون من ذلك: هل هو من باب التحريم، أو الكراهة التنزيهية، أو خلاف الأولى؟ على ثلاثة أقوال، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار. ثم قال: والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: (عز وجل)، مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: (محمد عز وجل)، وإن كان عزيزا جليلا لا يقال: (أبو بكر أو علي صلى الله عليه). هذا لفظه بحروفه. قال: وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجُوَيني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة، فلا يستعمل في الغائب، ولا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: (علي عليه السلام)، وسواء في هذا الأحياء والأموات، وأما الحاضر فيخاطب به، فيقال: سلام عليكم، أو سلام عليك، أو السلام عليك أو عليكم. وهذا مجمع عليه. انتهى ما ذكره. قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب؛ أن يفرد علي رضي الله عنه بأن يقال: (عليه السلام)، من دون سائر الصحابة، أو: (كرم الله وجهه)، وهذا وإن كان معناه صحيحا، لكن ينبغي أن يُسَاوى بين الصحابة في ذلك؛ فإن هذا من باب التعظيم والتكريم، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان بن عفان أولى بذلك منه، رضي الله عنهم أجمعين"([8]).ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، فيقال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ­ما طبيعة العلاقة بين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة؟}رحماء بينهم{ كما أخبر ربهم.ولعلِّي أورد ما يدل لذلك..قال أبو بكر لعليٍّ رضي الله عنهما: "والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي" رواه البخاري ومسلم.وقال أبو بكر رضي الله عنه : "ارقُبُوا محمَّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته" رواه البخاري.قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم"([9]).وفي صحيح البخاري عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: "صلَّى أبو بكر رضي الله عنه العصرَ، ثم خرج يَمشي، فرأى الحسنَ يلعبُ مع الصِّبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيهٌ بالنبي --- لا شبيـــهٌ بعليوعليٌّ رضي الله عنه يضحك".وفي العبارة حذف والتقدير: أَفْدِيه بأبي كما قال الحافظ رحمه الله([10]).وكان عمر رضي الله عنه يبدأ في العطاء بآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن تيمية رحمه الله: "وانظر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وضع الديوان، وقالوا له: يبدأ أمير المؤمنين بنفسه. فقال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي، وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش"([11]).وفي البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن. والمراد: التوسل بالدعاء، وإلا لو كان توسلاً بذاتٍ فرسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم بذاته.وكان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان –رضي الله عنهم- وهما راكبان، نزلا حتى يجاوزهما؛ إجلالا لعم رسول الله([12]).وقال عمر للعباس –رضي الله عنهما-: "والله لإِسلاَمُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطاب لو أسلَمَ؛ لأنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب" رواه ابن سعد في الطبقات، والطبراني.وروى مسلمٌ في صحيحه عن شُريح بن هانئ قال: أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فَسَلْه؛ فإنَّه كان يُسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيامٍ ولياليَهنَّ للمسافر، ويوماً وليلةً للمقيم.ولما أراد الحسين أن يخرج إلى العراق مَن مِن الصحابة لم يسد النصح إليه؟ وما ذاك إلا لعظيم حبِّهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولما بلغ أمَّ سلمة رضي الله عنها مقتلُ الحسين رضي الله عنه قالت: قد فعلوها، ملا الله قبورهم عليهم نارا، ووقعت مغشيا عليها([13]).ويكفي لبيان أن علاقة آل البيت بالصحابة علاقة يُظَلِّلُها سقف المودة وتحيط بجوانبها المحبة المصاهرةُ بينهم..فأبو بكر وعمر ري الله عنهما لهما ابنتان من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان متزوجاً من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولما أراد أن يتزوجها قال لعلي رضي الله عنه : "يا أبا الحسن، ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري» أخرجه أبو بكر الشافعي في الفوائد. قال المناوي رحمه الله: "ينتفع يومئذ بالنسبة إليه ولا ينتفع بسائر الأنساب"([14]). وعثمان رضي الله عنه تزوج باثنتين من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما تزوج أحد من العالمين ببنتي نبي إلا عثمان رضي الله عنه .وتزوج عليٌّ أرملة أبي بكر أسماء بنت عميس رضي الله عنهم.ومحمد بن علي بن الحسين (الباقر) رحمه الله تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فابنه جعفر بن محمد "أمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين. وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر"([15]).وتزوج أبان بن عثمان بن عفان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه .وتزوج سكينةَ بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مصعبُ بن الزبير بن العوام([16]).وكما كان الصحابةُ حافظين لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بآل بيته كان الأمر كذلك من آل البيت، عرفوا للصحابة مكانتهم، وراعوا فضلهم، وذبوا عن عرضهم، فرضي الله عنهم أجمعين، ومما يبين ذلك:حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين: وُضِعَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ أَخَذَ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».وعن سويد بن غفلة قال: قال لي علي حين حرق عثمان المصاحف: "لو لم يصنعه هو لصنعته" رواه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف، والطيالسي.وقال علي رضي الله عنه : "أيها الناس إيَّاكم والغلوَّ في عُثمان، تقولون حرق المصاحف، والله ما حرَّقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"([17]).وكان الحسين من جند عثمان رضي الله عنه ؛ فقد شارك في فتح إفريقيا بقيادة القائد عبد الله بن أبي السرح رحمه الله.وجلس قوم من أهل العراق إلى زين العابدين رضي الله عنه ، فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما، ثم ابتدأوا في عثمان فقال لهم: أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين الذين }أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله{ [الحشر: 8 ]؟ قالوا: لا. قال: فأنتم من الذين }تبوأ والدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم{ [الحشر: 9]؟ قالوا: لا. فقال لهم: أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله عز وجل فيهم: }والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا{ [الحشر: 10]، فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام، ولستم من أهله"([18]).ولما سئل ابنه زيد بن علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر لما خرج على هشام بن عبد الملك قال لشيعته وأنصاره: "هما وزيرا جدي" وأثنى عليهما، فرفضوه لذلك وسموا بالرافضة.وكم كان آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمون أولادهم بأسماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم! فلعلي رضي الله عنه من الأولاد (أبو بكر، وعمر، وعثمان)، وللحسن بن علي (أبو بكر)، ولعلي بن الحسن (عمر)، ولموسى بن جعفر (عائشة وعمر)([19]).وبهذا تعرف لماذا لم تُكتب أسماء كثير من آل البيت على شواهد قبورهم في كربلاء!إنّ آيةً في كتاب الله بينت علاقة المودة والرحمة بين الصحابة وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا{ [الفتح : 29]، فالصحابة من آل البيت وغيرهم كانوا رحماء بينهم، ومن جاء بعدهم سلك سبيلهم واقتفى أثرهم.ربِّ صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى أزواجه وذريته وآل بيته، وارض عن أصحابه، وعنَّا معهم بحبهم، إنك سميع قريب. -----------------------------------[1] / أصل الموضوع خطبتا جمعة ألقيتهما بمسجد السلام بطائفِ السودان في: 8و15/10/2010م.[2] / استدل بها ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (2/194-195).[3] / الفتاوى الكبرى (2/195).[4] / يوضح هذه الأولوية ما يلي: إذا أعتق أحد من آل البيت عبداً صار العبد مولى من آل البيت بسبب علاقة الموالاة هذه، فإذا أكسبه هذا الوصف بهذه العلاقة أفلا يكسب النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته هذا الوصف بعلاقة الزوجية!!؟ الجواب: بلى، وذلك من ثلاثة وجوه: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقوى في إكساب هذا الوصف من غيره، الثاني: أنَّ أمهات المؤمنين أقوى في اكتساب هذا الوصف من هؤلاء الموالي لعظيم فضلهن، الثالث: أن علاقة الزوجية أسمى من علاقة الولاء.[5] / انظر تفسير ابن كثير (7/199-200).[6] / مجموع الفتاوى (3/407).[7] / مجموع الفتاوى (28/491).[8] / تفسير ابن كثير (6/478).[9] / فتح الباري (7/79).[10] / الفتح (6/567).[11] / اقتصاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية، ص (165)[12] / سير أعلام النبلاء (2/93).[13] / البداية والنهاية (6/259).[14] / فيض القدير (5/46).[15] / سير أعلام النبلاء (6/255).[16] / طبقات ابن سعد (5/183).[17] / البداية والنهاية (7/244).[18] / البداية والنهاية (9/125).[19] / انظر لهذا: كشف الغمة في معرفة الأئمة (2/67)، (2/198)، (2/302)، (3/29).
بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"