بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 يونيو 2011

معجزة الاسراء والمعراج

وهي قمة التكريم لرسول الله صلى الله عليه وسلم

روى الإمام أحمد وغيره: فعن رجل من باهلة: أنه أتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، أنا الرجل الذي جئتك عام الأول، فقال: فما غيَّرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لِمَ عذبْت نفسك؟" ثم قال: صم شهر الصبر، ويومًا من كل شهر. قال: زدني، فإن بي قوة. قال: صم يومين. قال. زدني. قال: صم من الحُرُم واترك. صم من الحُرُم واترك. صم من الحُرُم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد.

ومن هنا يظهر ما يعتقده بعض العامة من فضائل شهر رجب عن غيره حتى اتخذه بعضهم موسماً يقيمون فيه حفلات دينية للعبادة والذكرى، لا أساس لها، فالإسلام لا يعرف لشهر رجب سوى أنه ظرف لمعجزة الإسلام الكبرى الإسراء والمعراج التي كانت في السابع والعشرين من رجب، وأنه أحد الأشهر الأربعة الحُرم التي قرر الله حُرمتها في شرعه القديم واستمرت كذلك في الإسلام وفيه نزل قوله تعالى في سورة التوبة: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمالتوبة: 36

كما نتناول بالتفصيل في هذه المناسبة قصة الإسراء والمعراج كما وردت في كتب الصحاح. مع بيان العبرة والدروس المستفادة من كل موقف فنقول بعون الله:

لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج إعلاناً عالمياً بين أهل الأرض جميعاً وأهل السماء، بأن خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم نبي القبلتين وإمام المشرقين والمغربين ووارث الأنبياء قبله، وقدوة الأجيال بعده صلى الله عليه وسلم.

جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه فركبته، حتى أتيت بيت المقدس قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجائني جبريل عليه السلام: بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل – عليه السلام: اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. فَفُتح لنا، فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، عليه السلام، فقيل من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن منعك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه فَفُتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، صلوات الله عليهما – فرحبا ودعوا لي بخير، ثم عرج بي على السماء الثالثة، فاستفتح جبريل. عليه السلام فقيل من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. فَفُتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم – إذا هو قد أعطى شَطر الحسن، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بي على السماء الرابعة، فاستفتح جبريل – عليه السلام – فقيل من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه فَفُتح لنا، فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير، قال الله – عز وجل: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ مريم: 57 ثم عرج بي إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل – عليه السلام – فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم: قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. فَفُتح لنا، فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام – فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. فَفُتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم – فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه فَفُتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال. قال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها، من حسنها، فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة قال: ارجع على ربك فأسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال: فرجعت ربي، فقلت يا رب خفف على أمتي، فحط عني خمسة، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمسا قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى – وبين موسى عليه السلام – حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلام فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فأسأله التخفيف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه[1]

1- قراءة للحدث في ظل العلم الحديث:

وقد اشتملت هذه القصة من خوارق العادة على ما يدهش سامعه فضلاً عمن شاهده، فقد جرت العادة بأن من شق بطنه، وأخرج قلبه يموت لا محالة ومع ذلك فلم يؤثر فيه ذلك ضرراً ولا وجعاً فضلاً عن غير ذلك.

والعلم الحديث في تقدمه يجعل الكثير مما كان يستبعده السلف الصالح، رضوان الله عليهم ممكنا، لأنهم بحكم العادة وبقدر ما أوتوا من العلم كانوا يحكمون باستحالة الشيء.

فمثلاً شق الصدر، واستخراج القلب دون موت صاحبه مستحيل.

والسير من مكة إلى بيت المقدس في ساعة من ليل مستحيل..

ولكننا في عصرنا هذا، والذي أوتينا فيه حظاً من العلم لم يعد ذلك من المستحيلات، بل صار من الممكنات التي أصبحت في مقدور الإنسان في ظل المركبة الحديثة.. الطائرة والصاروخ والتي هي من صنع الإنسان، ألا يقدر من هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير على أن يسري بنبيه في ساعة من ليل: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِه الإسراء:1

حكمة الإسراء إلى المسجد الأقصى:

والحكمة في العروج من المسجد الأقصى دون أن يكون العروج مباشرة من المسجد الحرام، حتى يجمع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين، أو لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله، فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل،، أو لأنه محل الحشر، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية، فكان المعراج منه أليق بذلك، أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى أو ليجتمع بالأنبياء جملة[2]

وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء أردة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء، لم يجد لمعاندة العداء سبيلا إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس، سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها، وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره،، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند[3]

وقد حدث بالفعل، فحينما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرهم عن رحلته، طلبوا منه أن يصف لهم المسجد الأقصى،، فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلي الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته – وأنا أنظر إليه"[4].

وفي رواية: "… فقال رجل من القوم: يا محمد، هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال: "نعم، والله قد وجدتهم قد ضلوا بعير لهم فهم في طلبه" قال: هل مررت بإبل لبني فلان؟ قال: نعم" وجدتهم في مكان كذا وكذا، وقد انكسرت لهم ناقة حمراء، فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها" قالوا فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء؟ قال: "قد كنت عن عدتها مشغولا" فقام وأتى بالإبل فعدها، وعلم ما فيها من الرعاء، ثم أتى قريشاً فقال لهم: ، وسألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء فلان وفلان، وسألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة، وفلان وفلان، وهي مصبحتكم الغداة الثنية"[5]

وللمسلم أن يقرأ هذه النصوص في ظل التطور العلمي الحديث الذي جعل من الكرة الأرضية كلها قرية صغيرة، تتناقل الحدث على أي جزء منها لحظة وقوعه، بالصوت والصورة، وكأن الرائي والمشاهد بينهم، هذا لم يتحقق للإنسان إلا في القرن الحالي..

فماذا يقول المسلم حين يعلم أن نبيه – صلى الله عليه وسلم – منذ أربعة عشر قرناً نقل إليه المكان، وأخذ ينظر إليه ويقدم وصفا تفصيليا له، ففي بعض الروايات: "فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به"[6]

وهذا أبلغ في المعجزة، ولا استحالة فيه، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان…

ولعل هذا يجعلنا ندرك عجز العلم الحاضر رغم تقدمه وارتقائه، وصدق الحق تبارك وتعالى – في قوله: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاالإسراء: 85.

4- المسجد الأقصى حل وملك للمسلمين بلا منازع:

نضيف إلى ما سبق من الحكمة من الإسراء إلى بيت المقدس:

كأن الله يعلم أن الصراع حول هذه البقعة المباركة من الأرض سيدور رحاه في قابل الزمن، وأن كل أمة ستدعي أحقيتها بملكية هذه الأرض وأحقيتها في الاستيلاء والسيطرة عليها، لأن نبيهم وطأ تلك الأرض بقدميه ونزل فيها، وبذلك يكون جزء من عقيدتهم وبنص من كتبهم،، لا يتأتى لهم التخلي عن شر من تلك الأرض…

والتاريخ شاهد ناطق بصحة وصدق ما ذهبنا إليه…

ألا ترى إلى توالي الحروب الصليبية تترا للعودة إلى تلك الديار التي شهدت مولد المسيح…

ألا ترى تدفق شراذم اليهود من كل حدب وصوب ليقيموا دولتهم حول هيكل سليمان.

وهاتان هما الديانتان اللتان لهما بقية من كتاب محرف تستند إليه..

ووسط هذا الصراع يحسم الإسلام المعركة على تلك البقعة المباركة بسند من ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد فصلت: 41-42.

فيقول الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرالإسراء:1.

وبسند آخر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم – والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة، ثم أليس المسلم الحق بتلك البقعة المباركة، التي أمر كل مسلم على ظهر الأرض بأن يشد إليها الرجال، ويحج إليها، كما يشد الرحال إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم – ومسجد الأقصى"[7]

وفي رواية: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي ومسجد إيلياء"[8]

إن هذا يوجب على كل المسلمين أن تكون هذه المنطقة تحت يد المسلمين وفي حوزتهم حتى يكون طريق المسجد الأقصى آمنة، ومفتوحة أمامهم، يشدون الرحال إليه، ولا يصدهم عنه أحد…

وإذا كان لهؤلاء في تلك الديار مقدسات يعظمونها ويحجون إليها، فإن الإسلام يحترمها، ويحافظ عليها، فإن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تعيش في كنفه بقية الأديان دون إكراه لها على غير ما تعتقد، لأنه يقر بها، ويسمح لأصحابها بأداء شعائرهم.

أما غير الإسلام فإنه لا يرى إلا نفسه، ومن ثم يسحق كل من خالفه، وصدق ربنا حيث قال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابالبقرة:113.

وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِين البقرة: 145.

وفي إسرائه إلى المسجد الأقصى وإمامته للأنبياء إعلان لتسليم القيادة لهذه الأمة، وإذا كان أنبياؤهم قد اتبعوا نبياً وصلوا من خلفه، فعلى أتباعهم لو كانوا صادقين في إيمانهم بأنبيائهم، وإتباعهم لهم أن يتبعوا هذا النبي، ويأتموا به لاسيما وأن كتبهم التي بين أيديهم قد بشرت به: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَديوسف: 6.

كما أنهم يعرفون النبي حق المعرفة، كما يعرفون أبناءهم: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون البقرة: 146.

4- استخلاصات للسلف من الحديث:

وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور، وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، إذا كان الاعتماد على الله تعالى[9]

وفيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي.

وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه، إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة.

وفيه استدلال على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها، حيث وصف النبي صلى الله عليه وسلم – إبراهيم عليه السلام بأنه كان مسنداً ظهره إلى البيت المعمور.

وفيه دليل على علو منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم وارتفاع درجته وإبانة فضله، حيث ارتفع فوق ما منازل سائر الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم – وبلغ حيث بلغ من ملكوت السماوات[10]

5- حكمة شق الصدر:

وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق قلبه – مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيماناً وحكمة بغير شق – الزيادة في قوة اليقين، لأنه أعطى برؤية شق بطنه، وعدم تأثره بذلك ما أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذلك كان أشجع الناس وأعلاهم حالاً ومقالاً: ولذلك وصف بقوله تعالى: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىالنجم: 17.

وكان شق الصدر في الطفولة وعند البعثة وعند الإسراء ولكل منها حكمة…

فالأول كما عند مسلم من حديث أنس: "فأخرج علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك.." وكان هذا في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان…

ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحي إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير.

ثم وقع شق الصدر عند البعث زيادة في إكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهر.

ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم[11]

6- النيل والفرات:

وفي هذا الحديث أن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى، ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم، يسيران فيها، ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل، وقد شهد به ظاهر الخبر فليعتمد واستل به على فضيلة ماء النيل والفرات، لكونه منبعهما من الجنة.

وقيل: إنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيها لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة، والأول أولى، والله أعلم[12]

وفي الحديث أن للسماء أبواباً حقيقية، وحفظة موكلين بها.

وفيه إثبات الاستئذان، وأنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول أنا فلان، ولا يقتصر على أنا، لأنه ينافي مطلوب الاستفهام، وأن المار يسلم على القاعد، وإن كان المار أفضل من القاعد.

وفيه استحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء، وجواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه.

وفي جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره مأخوذاً من استناد إبراهيم على البيت المعمور، وهو كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة.

وفيه فضل السير بالليل على السير بالنهار لما وقع من الإسراء بالليل، وذلك كانت أكثر عبادته – صلى الله عليه وسلم – بالليل، وكان أكثر سفره – صلى الله عليه وسلم بالليل، وقال، صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل"[13]

وفيه أن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، يستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه عالج الناس قبله وجربهم، ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبداناً من هذه الأمة، وقد قال موسى في كلامه إنه عالجهم على أقل من ذلك فما وافقوه"[14]

قال الخطابي في تعليقه على قوله صلى الله عليه وسلم حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام – هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره.

قال القاضي: في هذا حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ، وما شاء بالأقلام التي هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله تعالى والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا الله تعالى، أو من أطلعه على شيء من ذلك من ملائكته ورسله، وما يتأول هذا، ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان، إذ جاءت به الشريعة المطهرة، ودلائل العقول لا تحيله، والله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد حكمة من الله تعالى، وإظهاراً لما يشاء من غيبه لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه، وإلا فهو غني عن الكتب والاستذكار سبحانه وتعالى[15].

إن الأحداث تجري والأيام تتابع فهل تحقق شيء من أمالنا؟ ورغم الظلام الدامس والليل الطويل والافتراء والتأمر من جانب الصهاينة وغيرهم على الأمة فإن المتأمل يرى عن بعد لمعات في الظلام تنبئ قرب الفجر الصادق.

هناك إشارات صادقة ما تخيب أبداً بإذن الله وإرهاصات تتابع والأحداث وحدها تحول المسلمين إلى اليقظة بعد نوم طويل استمر أزماناً وقروناً، واليوم وضح الرؤية والوعي الصحيح لدى هذه الأمة في شتى بقاع الأرض بعد أن أيقظتها ضربات العدو واقتراب الخطر فتحركت أو بدأت الحركة في كل مكان وبدأ الإحساس بالضياع والالتفاف حول هذا الحق وكل عمل صالح لن يضيع بإذن الله ونصر الله لا يستطيع مخلوق أن يرده والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.




[1] النووي على مسلم 2/209 [259(162)].

[2] فتح الباري 7/197.

[3] فتح الباري 7/201.

[4] فتح الباري 7/196/3886.

[5] الدر المنشور 4/274.

[6] النووي على مسلم 2/237 [278(178)].

[7] فتح الباري 3/63/1189. النووي على مسلم 9/[167[511(1397)],

[8] النووي على مسلم 9/[168[512(1397)],

[9] سابق ص 211.

[10] مرجع سبق 2/221.

[11] فتح الباري: 7/205.

[12] فتح الباري: 7/214.

[13] أبو داود 3/28/2571.

معجزة الإسراء والمعراج

معجزة الإسراء والمعراج

1- عن مالك بن صعصعة – رضي الله عنه – أن نبي الله حدثه عن ليلة أُسري به قال : "بينما أنا في الحطيم " "مضطجعاً إذ أتاني آت فقدّ " – قال : وسمعته يقول : " فشق مابين هذه إلى هذه " .
فقلت ( أحد الرواة ) للجارود ، وهو إلى جنبي ما يعني به ؟ قال : من ثُغرة نحره إلى شعرته – وسمعته يقول من قصه إلى شعرته – " فاستخرج قلبي ، ثم أُتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً ، فغسل قلبي ، ثم حُشي ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض " – فقال له الجارود : هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم – " يضع خطوة عند أقصى طرفه ، فحُملتُ عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا ، فاستفتح . فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل :مرحباً به فنعم المجيء جاء ، ففتح ، فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فرد السلام ثم قال : مرحباً بالابن الصالح ، والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خصلت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال : هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما ، فسلمت ، فردا ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : وقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم قيل : مرحباً به ، فنعم المجئ جاء ففتح ، فلما خلصت إذا يوسف ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فردّ ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أوقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به فنعم المجيء جاء ففتح ، فلما خلصت فإذا إدريس ، قال : هذا إدريس فسلم عليه ، فسلمت عليه فردّ ، ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح .
ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد قيل : أوقد أُُرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا هارون قال : هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت ، فردّ ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح .


ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أُرسل إليه ؟ قال : نعم قال : مرحباً به ، فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا موسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه ، فسلمت عليه ، فردّ ثم قال : مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ، فلما تجاوزت بكى ، قيل : ما يُبكيك ؟ قال : أبكي لأن غلاماً بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي .
ثم صعد بي إلى السماء السابعة ، فاستفتح جبريل ، قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد بُعث إليه ؟ قال : نعم ، قال : مرحباً به ، ونعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال : هذا أبوك ، فسلم عليه قال : فسلمت عليه ، فردّ السلام ، ثم قال : مرحباً بالأبن الصالح ، والنبي الصالح .


ثم رُفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا نَبَقُها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال : هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران . فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما الباطنان فنهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ، ثم رُفع لي البيت المعمور ، ثم أُتيت بإناء من خمر ، وإناء من لبن ، وإناء من عسل ، فأخذت اللبن فقال : هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك ثم فُرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى ، فقال : بم أُمرت ؟ قال : أمرت بخمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فرجعت ، فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فوضع عني عشراً ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت إلى موسى فقال مثله ، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم ، فرجعت فقال مثله ، فرجعت فأُمرت بخمس صلوات كل يوم ، فرجعت إلى موسى ، فقال : ثم أمرت ؟ قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم ، قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، فأرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال : سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلّم قال : فلما جاوزت نادى مُناد : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي )) .

2 - وهذه المعجزة تشتمل على مجموعة من المعجزات :
*منها أن سقف بيته انشق كما في بعض الروايات
*ومنها قطع المسافة التي تقطع في آلاف الأعوام في أقل من ساعة زمن
* ومنها خضوع البراق له وعدم نفوره منه
* ومنها خرق السموات
وهذا خلافاً للمنكرين الذين يقولون إن السموات لا تقبل الخرق . وهذا يرد عليه بأنكم تؤمنون بنزول جبريل – عليه السلام – وصعوده، فما المانع أن يصعد محمد معه مرة .
*ومنها ما رآه في أثناء هذه الرحلة من عذاب العصاة ، ونعيم الطائعين
*ومنها الكلام مع رب العالمين – سبحانه –
*ومنها اللقاء بالأنبياء والصلاة لهم والحديث معهم
*ومنها الكلام مع بعض الملائكة كملك الموت


*ومنها رؤية في ما في العالم العلوي .
صحيح : رواه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب المعراج رقم (3885).
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن رواية هذا الحديث الذي معنا جاءت موجزة أحيانا ، ومشكلة أحيانا أخرى . فالإيجاز جاء في عدم وصف الإسراء ، ولذلك بوّب الإمام البخاري على هذا الباب باب المعراج ، وأيضاً ذكر في هذا الحديث أنه كان يُخفف في كل مرة عشر صلوات خلافاً لما هو غالب على الروايات من ذكر خمس صلوات . والإشكال جاء : من ذكر الشرب من اللبن وعدم الشرب من الخمر ، والماء بعد النزول من السموات خلافاً لما هو معروف من شرب اللبن قبل بدء العروج إلى السموات السبع .



3 - وضع بيت المقدس أمامه وهو بمكة
ومن المعجزات التي تتعلق بالإسراء والمعراج أن قريشاً سألته عن وصف بيت المقدس وعن عدد أبوابه . فجلّى الله له بيت المقدس حتى وضعه أمامه فأخبرهم عما يريدون لم يخطئ في حرف واحد يقول رسول الله : " لما كذبني قريش قمت في الحجر فجلىّ الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته ، وأنا أنظر إليه ".
]حديث صحيح : رواه البخاري في مناقب الأنصار باب حديث الإسراء رقم (3886) ورواه مسلم في الإيمان باب ذكر المسيح ابن مريم – عليهما السلام - ، ورواه احمد (1/309).[


4 - إخباره عن عير لقريش
ومن المعجزات المتعلقة بالإسراء والمعراج :
قالت قريش يوم الإسراء لرسول الله : هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال : " نعم والله ، قد وجدتهم قد أضلوا بعيراً لهم في طلبه ، ومررت بإبل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء " قالوا : فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء. قال : كنت عن عدتها مشغولاً ، فقام . فأتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم أتى قريشاً ، فقال : " هي كذا وكذا ، وفيها من الرعاء فلان وفلان " فكان كما قال .
وفي رواية البيهقي : قلنا يا رسول الله : كيف أُسريّ بك ؟ قال : فكان مما قال : "إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا ، وقد أضلوا بعيراً لهم ، فجمعه فلان ، وإن مسيرهم ينزلون بكذا وكذا . ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان " فلما كان ذلك اليوم ، أشرف الناس ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار حتى أقبلت العير ، يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله . ]رواه البيهقي وقال : إسناده صحيح ] .

وفي رواية أخرى : أُسري بالنبي إلى بيت المقدس ، ثم جاء من ليلته ، فحدثهم بمسيره ، وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم ، فقال ناس : نحن لا نصدق محمداً بما يقول ، فارتدوا كفاراً ، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل .
]رواه احمد (1/374) ، وقال ابن كثير في التفسير (3/15) : إسناده صحيـح .[











الأحد، 19 يونيو 2011

تربية الطفل في الإسلام/1

تربية الطفل في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأول

تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً، وحقوق المولود قبل الولادة، وبعدها، وصفات المربي الناجح

المبحث الأول : تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً

المطلب الأول : تعريف التربية لغةً

المطلب الثاني : تعريف التربية إصطلاحاً

المطلب الثالث : تعريف الطفل لغةً

المطلب الرابع: الطفل في الإصطلاح

المبحث الثاني : حقوق المولود قبل الولادة :

المطلب الأول : إختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح.

المطلب الثاني : حقوق الجنين

المبحث الثالث : المولود ما بعد الولادة

المطلب الأول : استحباب البشارة بالمولود

المطلب الثاني: الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى

المطلب الثالث: استحباب التحنيك

المطلب الرابع: تسمية الطفل

المطلب الخامس: استحباب حلق رأس الطفل.

المطلب السادس : العقيقة

المطلب السابع: الختان

المطلب الثامن : الرضاعة الى الحولين والفطام

المطلب التاسع : الحضانة والولاية

المبحث الرابع : صفات المربي الناجح

المطلب الأول: " العِلم

المطلب الثاني: الأمانة

المطلب الثالث: القوة

المطلب الرابع: العدل

المطلب الخامس: الحرص

المطلب السادس: الحزم

المطلب السابع: الصلاح

المطلب الثامن: الصدق

المطلب التاسع: الحكمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الأول

تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً، وحقوق المولود قبل الولادة وبعدها، وصفات المربي الناجح

المبحث الأول : تعريف التربية والطفل لغةً واصطلاحاً

المطلب الأول : تعريف التربية لغةً

بالعودة الى المعاجم نجد أن كلمة تربية من الجذر ربا يربو تحمل المعاني التالية :

1) الزيادة والنمو :

ربا الشيء يربو ربواً ورباءً : زاد ونما

وأرببته نميته (1) ، وفي التنزيل : } ويربي الصدقات { (2) .

2) النشأة : ربيب رباءً وربياً : نشأت (3).

ومن الجذر : ربّ : يَرُبُّ تحمل المعاني الآتية :

1)حفظ الشيء ورعايته : ربَّ ولده والصبي يَرُبُّه ربّاً بمعنى رباه. وفي الحديث : ( لك نعمة تربها) : أي تحفظها وترعيها وتربيها كما يربي الرجل ولده (1)

2)حسن القيام بالطفل ووليه حتى يدرك. رب ولده والصبي يربه رباً : رباه أي أحسن القيام ووليه حتى أدرك أي فارق الطفولية كان ابنه أم لم يكن . (2)

3) التعليم : الرَّبِّي : منسوب الى الرب ، الرباني الموصوف بعلم الرب ، قيل هو من الرب بمعنى التربية ، كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارهم (3)

4) التأديب : رب الولد : يؤدبه (4)

5) التكفل بأمور الصغير : الرابُّ كافل ، وهو زوج أم اليتيم وهو اسم فاعل ، من ربه : يربه أي أنه يكفل بأمره ، وفي حديث مجاهد ، كأن يكره أن يتزوج الرجل إمرأة رابّه، يعني أمرأة زوج أمه لأنه كان يربيه(5)

1)

المطلب الثاني : تعريف التربية إصطلاحاً

التربية هي : " مجموعة التصرفات العملية والقولية التي يمارسها راشد بإرادته نحو صغير ، بهدف مساعدته في اكتمال نموه وتفتح استعداداته اللازمة وتوجيه قدراته ، ليتمكن من الإستقلال في ممارسة النشاطات وتحقيق الغايات التي يعد لها بعد البلوغ ، في ضوء توجيهات القرآن والسنة " (1)

والتربية الإسلامية هي :" تنمية جميع جوانب الشخصية الإسلامية الفكرية والعاطفية والجسدية والإجتماعية ، وتنظيم سلوكها على أساس من مبادئ الإسلام وتعاليمه ، بغرض تحقيق أهداف الإسلام في شتى مجالات الحياه " (2)

"والتربية الإسلامية ذات طابع شمولي تكاملي لجميع جوانب الشخصية الروحية والعقلية والوجدانية والإخلاقية والجسمية والإجتماعية والإنسانية ، وفق معيار الإعتدال والإتزان ، فلا إفراط في جانب دون غيره ولا تفريط في جانب لحساب آخر"

المطلب الرابع: الطفل في الإصطلاح

الطفل : هو " عالم من المجاهيل المعقدة كعالم البحار الواسع الذي كلما خاضه الباحثون ، كلما وجدوا فيه كنوزاً وحقائق علمية جديدة . لا زالت منخفية عنهم وذلك لضعف وضيق إدراكهم المحدود من جهة ، واتساع نطاق هذا العالم من جهة أخرى" (1).

مدة الطفولة :

" والواقع أن الطفولة البشرية تمتد سنوات لا تقل عن اثني عشر سنة ، كما أن الطفولة البشرية تزداد بازدياد التقدم البشري " (2)

" والطفولة : المرحلة من الميلاد الى البلوغ " (3)

المبحث الثاني : حقوق المولود قبل الولادة :راجع مادة نظام الاسرة

المطلب الثاني : حقوق الجنين

الجنين في اللغة : من الفعل الثلاثي جَنَنَ : أي استتر ، وجنَّ الليل أظلم ، والجنين الولد ما دام في الرحم والجمع أجنه وأجبن(1)، وكل شيء سُتر عنك فقد جنَّ عنك (2)

والجنين عند الأطباء : ثمرة الحمل في الرحم حتى نهاية الأسبوع الثامن ، وبعده يدعى بالحمل

والجنين في علم الحياء : النبات الأول في الحبة ، والحيّ من مبدأ انقسام اللاقحه حتى يبرز الى الخارج (3)

قال تعالى : }وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم {(4)

" إن الشريعة تعتبر الجنين كائناً مستقلاً يتمتع بالحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الآخرون دون أن يؤثر في ذلك أنه مستظل بحياة أمه داخل في كينونتها وغير منفصل عنها " (5)

من الحقوق التي تتعلق بحياء الجنين وسلامته :

1) وجهة الشارع الآباء الى اتخاذ الوسائل التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزعات الشيطان عند وصفه في الرحم وذلك بالدعاء عند الجماع رجاء الولد الصالح(6)

عن ابن عباس قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ( أما لو أنَّ أحدهم يقول حين يأتي أهله باسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، ثم قدر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره شيطان أبدا ) (1)

2)إباحة الفطر في رمضان للحامل إن خافت على جنينها

3)الإسلام يدعو المرأة الحامل أن تأكل الطعام الطيب المفيد للجنين حيث تحتوي الوجبات الغذائية على نسبة كبيرة من الكالسيوم لبناء العظام والأسنان ، والحديد المهم للدم والفيتامينات وغير ذلك من الطعام المفيد المغذي للأم والجنين ،

وبالتالي فأن حالة الأم النفسية والصحية تؤثر على الجنين ، فمثلاً عند تقرب الأم لله –سبحانه وتعالى – بالطاعات كالصلاة وقراءة القرآن ، فإن الجنين يشعر بالطمانينة كأمه.

4)تحريم الإجهاض

لا يصح للمرأه أن تسقط جنينها ، وإذا فعلت ذلك عمداً أثمت وكان عليها الكفَارة والغُرّة وهي عُشر دية الأم " (2)

ولا يجوز تناول الأدوية التي تشكل خطراً على الجنين أو التعرض المباشر للأشعه في فتره معينة من الحمل ، مما يؤدي إلى إسقاطه أو تشوهه.

1) " تأجيل إقامة الحد على المرأه الحامل حتى تضع حملها وذلك حرمة للجنين وإبقاء على حياته " (1)

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- للغامدية عندما جاءته وقالت له أنها زنت وأنها حامل ( امّا لا فاذهبي حتى تلدي ) .(2)

رتب الشارع عقوبات بدنية ومالية تلزم من يتقوى على الجنين (3)

عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن إمرأتين من هذيل ، رمت أحداهما الأخرى ، فطرحت جنينها ، فقضى فيه النبي – صلى الله عليه وسلم- بغرة : عبد أو أَمَة (4)

" وهذا الإهتمام كله بالجنين قبل أن يولد ، مفخرة من مفاخر هذا الدين " (5)

المبحث الثالث : المولود ما بعد الولادة

منذ الولادة حتى نهاية الحولين

المطلب الأول: استحباب البشارة بالمولود

" يستحب للمسلم أن يبادر الى مسرة أخيه المسلم إذا ولد له ولد مولود ، وذلك ببشارته وإدخال السرور عليه ، وفي ذلك تقوية للأواصر ، وتمتين للروابط ، ونشر لأجنحة المحبة والإلفة بين العوائل المسلمة " (1)

عن النعمان بن بشير قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم –( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (2)

والقرآن الكريم ذكر البشارة بالولد في مواطن عدة قال تعالى : } فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى{(3)

وقال أبو بكر بن المنذر في الأوسط ، وروينا عن الحسن البصري : أن رجلاً جاء اليه ، وعنده رجل قد ولد له غلام ، فقال له يهنئك الفارس فقال له الحسن : ما يدريك فارس هو أم حمار ؟ قال : فكيف تقول ؟ قال : بورك في الموهوب ، شكرت الواهب ، وبلغ أشده ورزقت بره" (4)

المطلب الثاني: الأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى

قال ابن قيم الجوزية من سر التأذين :

أ) أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنه لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله الى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها.

ب) وهي هروب الشيطان من كلمات الآذان ، وهو كان يرصده حتى يولد

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم – ( اذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ) (1)

جـ) أن تكون دعوته الى الله والى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان

المطلب الثالث: استحباب التحنيك

اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم –بتحنيك المولود (3)

عن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- قال: " وُلد لي غلام ، فأتيت به النبي – صلى الله عليه وسلم – فسماه ابراهيم ، فحنكه بتمرة ، ودعا له بالبركة ودفعه إليّ " (1)

قال النووي : " اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تغذية فما في معناه وقريب منه الحلو فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعه بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولد ويضعها فيه ليدخل شيء منها جوفه ويستحب أن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلاً أو إمرأة فإن لم يكن حاضراً عند المولود حمل إليه " (2)

" عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت : فخرجت وأنا مُتِمٌّ، [ أي اقتربت ولادتها ] فأتيت المدينة ، فنزلت قباء ، فولدت بقباء ، ثم أتيت به رسول الله- صلى الله عليه وسلم – فوضعه في حجره ، ثمَّ دعا بتمره فمضغها ، ثمَّ تفل في فيه ،فكان اول شيء دخل جوفه ريق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم حنكه بالتمره ، ثم دعا له فبرك عليه ،وكان أول مولود في الإسلام ، ففرحوا له فرحاً شديداً ، لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم " (3)

" التحنيك معناه مضغ التمرة ودلك حنك المولود بها ، وذلك بوضع جزء من الممضوغ على الإصبع ، وإدخال الإصبع في فم المولد ، ثم تحريكه يميناً وشمالاً بحركة لطيفة ، حتى يبلغ الفم كله بالمادة المضوعة ، وإن لم يتيسر التمر فليكن التحنيك بأية مادة حلوة كالمعقود ، أو رائب السكر الممزوج بماء الزهر ، تطبيقاً للسنة ، واقتداءاً بفعله – صلى الله عليه وسلم-

ولعل الحكمة في ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلمظ ، حتى يتهيأ المولود للقم الثدي ، وامتصاص اللبن بشكل قوي ، وحاله طبيعيه " (1)

وللتمر فوائد جمة للطفل وللأم اكتشفها الطب الحديث ففيه نسبة عالية من الكربوهيدرات التي تمد الجسم بالطاقة ، وغير ذلك وقد خاطب الله- سبحانه وتعالى- مريم -عليها السلام -بإن تأكل التمر. قال تعالى : { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25}‏ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً }(2)

.

المطلب الرابع: تسمية الطفل

للإسم تأثير نفسي كبير على الإنسان لذلك أوجب الإسلام عند اختيار اسم الطفل يكون هذا الإسم حسناً وذا معنى جيد .

ما يستحب من الأسماء وما يكره :

(1) " إن مما يجب أن يهم به المربى عند تسمية الولد ،أن ينتقي له من الأسماء أحسنها وأجملها والتي منها عبد الله وعبد الرحمن .

عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله عليه وسلم- ( إن أحب أسمائكم الى الله -عز وجل- عبد الله وعبد الرحمن ) (1)

(2) عدم تسمية الإسم القبيح الذي يمس كرامته ويكون مدعاة للإستهزاء والسخرية عليه.

(3) عدم تسمية الطفل بالأسماء المختصة بالله سبحانه ، وفلا يجوز التسمية بالأحد ولا الصمد

(4) عدم تسمية الطفل بالأسماء المعبده لغير الله ، كعبد العزى ، وعبد الكعبة ، وعبد النبي وما شابهها فإن التسمية بهذه محرمة باتفاق .

(5) تجنيب الأسماء التي فيها تميع وتشبه وغرام ، حتى تتميز أمة الإسلام بشخصيتها

(6) تجنب الأسماء التي لها اشتاق من كلمات تشاؤم ، حتى يسلم الولد من مصيبة هذه التسمية وشؤمها ." (2)

عن أبي عمر رضي الله عنه أن ابنه لعمر كان يقال لها عاصيه ، فسماها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جميله (3)

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"