بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 أبريل 2010

نبذ من كتاب منهاج السنة النبوية/7

الخفي الذي يحتاج إلى تأمل لمعناه وحكى عن الجارودية من الزيدية أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بصفة لم تكن توجد إلا فيه لا من جهة التسمية
فدعوى الرواندية في النص من جنس دعوى الرافضة وقد ذكر في الإمامية أقوال أخر
قال أبو محمد بن حزم اختلف القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في صليبة قريش فقالت طائفة هي جائزة في

جميع ولد فهر بن مالك بن النضر وهذا قول أهل السنة وجمهور المرجئة وبعض المعتزلة
وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد العباس بن عبد المطلب وهم الرواندية
وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد على بن أبي طالب
وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد جعفر بن أبي طالب ثم قصروها على عبدالله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان

يقول لا تجوز الخلافة إلا لبني عبد المطلب خاصة ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب وأبو لهب والعباس والحارث
قال وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني عبد شمس وكان له في ذلك تأليف مجموع
قال ورأينا كتابا مؤلفا لرجل من ولد عمر بن الخطاب يحتج فيه أن الخلافة لا تجوز إلا في ولد أبي بكر وعمر خاصة وسيأتي تمام الكلام على تنازع الناس في الإمامة إن شاء الله تعالى
والمقصود هنا أن أقوال الرافضة معارضة بنظيرها فإن دعواهم النص على علي كدعوى أولئك النص على العباس وكلا القولين مما يعلم فساده بالاضطرار ولم يقل أحد من أهل العلم شيئا من هذين القولين

وإنما ابتدعهما أهل الكذب كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ولهذا لم يكن أهل الدين من ولد العباس وعلي يدعوان هذا ولا هذا بخلاف النص على أبي بكر فإن القائلين به طائفة من أهل العلم وسنذكر إن شاء الله تعالى فصل الخطاب في هذا الباب
لكن المقصود أن لهم أدلة وحججا من جنس أدلة المستدلين في موارد النزاع ويكفيك أن أضعف ما استدلوا به استدلالهم بتسميته خليفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإنه قد تقدم أن القائلين بالنص على أبي بكر منهم من قال بالنص الخفي ومنهم من قال بالنص الجلي
وأيضا فقد روى ابن بطة بإسناده قال حدثنا أبو الحسن بن أسلم الكاتب حدثنا الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المبارك بن فضالة أن عمر بن عبد العزيز بعث محمد بن الزبير

الحنظلي إلى الحسن فقال هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فقال أو في شك صاحبك نعم والله الذي لا إله إلا هو استخلفه لهو أتقى من أن يتوثب عليها قال ابن المبارك استخلافه هو أمره أن يصلى بالناس وكان هذا عند الحسن استخلافا
قال وأنبأنا أبو القاسم عبد الله بن محمد حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سليم حدثنا جعفر بن

محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحمه بنا وأحناه علينا قال وسمعت معاوية بن قرة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر
ثم القائلون بالنص على أبي بكر من قال بالنص الجلي واستدلوا على ذلك باتفاق الصحابة على تسميته خليفة رسول الله صلى

الله عليه وسلم قالوا والخليفة إنما يقال لمن استخلفه غيره واعتقدوا أن الفعيل بمعنى المفعول فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف على أمته
والذين نازعوهم في هذه الحجة قالوا الخليفة يقال لمن استخلفه غيره ولمن خلف غيره فهو فعيل بمعنى فاعل كما يقال خلف فلان فلانا كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا وفي الحديث الآخر اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم أصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا

وقال تعالى وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات سورة الأنعام 165 وقال تعالى ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون سورة يونس 14 وقال تعالى وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة سورة البقرة 30 وقال يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق سورة ص 26 أي خليفة عمن قبلك من الخلق ليس المراد أنه خليفة عن الله وأنه من الله كإنسان العين من العين كما يقول ذلك بعض الملحدين القائلين بالحلول والاتحاد كصاحب الفتوحات المكية وأنه الجامع لأسماء الله الحسنى وفسروا بذلك قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها سورة البقرة 31 وأنه مثل الله الذي نفى عنه

الشبه بقوله ليس كمثله شيء سورة الشورى 11 إلى أمثال هذه المقالات التي فيها من تحريف المنقول وفساد المعقول ما ليس هذا موضع بسطه
والمقصود هنا أن الله لا يخلفه غيره فإن الخلافة إنما تكون عن غائب وهو سبحانه شهيد مدبر لخلقه لا يحتاج في تدبيرهم إلى غيره وهو سبحانه خالق الأسباب والمسببات جميعا بل هو سبحانه يخلف عبده المؤمن إذا غاب عن أهله ويروى أنه قيل لأبي بكر يا خليفة الله فقال بل أنا خليفة رسول الله وحسبي ذاك
وقالت طائفة بل ثبتت بالنص المذكور في الأحاديث التي تقدم

إيراد بعضها مثل قوله في الحديث الصحيح لما جاءته المرأة تسأله عن أمر فقالت أرأيت إن لم أجدك كأنها تعني الموت فقال ائتي أبا بكر ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة رضي الله عنها ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس بعدي ثم قال يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر
ومثله قوله في الحديث الصحيح رأيت كأني على قليب أنزع منها فأخذها ابن أبي قحافة فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا من الناس يفري فرية حتى ضرب الناس بعطن

ومثل قوله مروا أبا بكر فليصل بالناس وقد روجع في ذلك مرة بعد مرة فصلى بهم مدة مرض النبي صلى الله عليه وسلم من يوم الخميس إلى يوم الخميس إلى يوم الاثنين وخرج النبي صلى الله عليه وسلم مرة فصلى بهم جالسا وبقي أبو بكر يصلي بأمره سائر الصلوات وكشف الستارة يوم مات وهم يصلون خلف أبي بكر فسر بذلك وقد قيل إن آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كانت خلف أبي بكر وقيل ليس كذلك
ومثل قوله في الحديث الصحيح على منبره لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر

وفي سنن أبي داود وغيره من حديث الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم من رأى منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزان نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ثم وزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر ووزن عمر وعثمان فرجح عمر ثم رفع الميزان فرأيت الكراهية في وجه النبي صلى الله عليه وسلم
ورواه أيضا من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكر مثله ولم يذكر الكراهية فاستاء لها النبي
صلى الله عليه وسلم يعني ساءه فقال خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء فبين النبي صلى

الله عليه وسلم أن ولاية هؤلاء خلافة نبوة ثم بعد ذلك ملك وليس فيه ذكر علي لأنه لم يجتمع الناس في زمانه بل كانوا مختلفين لم ينتظم فيه خلافة النبوة ولا الملك
وروى أبو داود أيضا من حديث ابن شهاب عن عمرو بن أبان عن جابر أنه كان يحدث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر قال جابر فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما المنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه
وروى أبو داود أيضا من حديث حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن عن أبيه عن سمرة بن جندب أن رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن دلوا أدلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع

ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت فانتضح عليه منها شيء
وعن سعيد بن جهمان عن سفينة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم خلافة النبوة ثلاثون سنة ثم يؤتي الله ملكه من يشاء أو قال الملك قال سعيد قال لي سفينة أمسك مدة أبي بكر سنتان وعمر عشر وعثمان اثنتا عشرة وعلي كذا قال سعيد قلت لسفينة إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة قال كذبت أستاه بني الزرقاء يعني بني مروان وأمثال

هذه الأحاديث ونحوها مما يستدل بها من قال إن خلافته ثبتت بالنص والمقصود هنا أن كثيرا من أهل السنة يقولون أن خلافته ثبتت بالنص وهم يسندون ذلك إلى أحاديث معروفة صحيحة ولا ريب أن قول هؤلاء أوجه من قول من يقول إن خلافة علي أو العباس ثبتت بالنص فإن هؤلاء ليس معهم إلا مجرد الكذب والبهتان الذي يعلم بطلانه بالضرورة كل من كان عارفا بأحوال الإسلام أو استدلال بألفاظ لا تدل على ذلك كحديث استخلافه في غزوة تبوك ونحوه مما سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى
فيقال لهذا إن وجب أن يكون الخليفة منصوصا عليه كان القول بهذا النص أولى من القول بذاك وإن لم يجب هذا بطل ذاك
والتحقيق أن النبي
صلى الله عليه وسلم دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله وأخبر بخلافته إخبار راض بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهدا ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك ثم عزم على ذلك في مرضه يوم الخميس ثم لما حصل لبعضهم شك هل

ذلك القول من جهة المرض أو هو قول يجب اتباعه ترك الكتابة اكتفاء بما علم أن الله يختاره والمؤمنون من خلافة أبي بكر رضي الله عنه
فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه النبي
صلى الله عليه وسلم بيانا قاطعا للعذر لكن لما دلتهم دلالات متعددة على أن أبا بكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصود والأحكام يبينها صلى الله عليه وسلم تارة بصيغة عاصة وتارة الصيغة خاصة ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار وليس فيكم من يقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر رواه البخاري ومسلم

وفي الصحيحين أيضا عنه أنه قال يوم السقيفة بمحضر من المهاجرين والأنصار أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر ذلك منهم منكر ولا قال أحد من الصحابة إن غير أبي بكر من المهاجرين أحق بالخلافة منه ولم ينازع أحد في خلافته إلا بعض الأنصار طمعا في أن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير وهذا مما ثبت بالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بطلانه ثم الأنصار جميعهم بايعوا أبا بكر إلا سعد بن عبادة لكونه هو الذي كان يطلب الولاية

ولم يقل قط أحد من الصحابة إن النبي صلى الله عليه وسلم نص على غير أبي بكر رضي الله عنه لا على العباس ولا على علي ولا على غيرهما ولا ادعى العباس ولا علي ولا أحد ممن يحبهما الخلافة لواحد منهما ولا أنه منصوص عليه بل ولا قال أحد من الصحابة إن في قريش من هو أحق بها من أبي بكر لا من بني هاشم ولا من غير بني هاشم وهذا كله مما يعلمه العلماء العالمون بالآثار والسنن والحديث وهو معلوم عندهم بالاضطرار
وقد نقل عن بعض بني عبد مناف مثل أبي سفيان وخالد بن سعيد أنهم أرادوا أن لا تكون الخلافة إلا في بني عبد مناف

وأنهم ذكروا ذلك لعثمان وعلي فلم يلتفتا إلى من قال ذلك لعلمهما وعلم سائر المسلمين أنه ليس في القوم مثل أبي بكر
ففي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يذكر حجة دينية شرعية ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل من أبي بكر وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته
ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ولا الطرق الدينية ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه بل هو شعبة جاهلية ونوع عصبية للأنساب والقبائل وهذا مما بعث الله محمدا
صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله
وفي الصحيح عنه أنه قال أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت والاستقاء بالنجوم

وفي المسند عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه هن أمه ولا تكنوا
وفي السنن عنه أنه قال إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان مؤمن تقي وفاجر شقي
وأما كون الخلافة في قريش فلما كان هذا من شرعه ودينه كانت النصوص بذلك معروفة منقولة مأثورة يذكرها الصحابة بخلاف

كون الخلافة في بطن من قريش أو غير قريش فإنه لم ينقل أحد من الصحابة فيه نصا بل ولا قال أحد إنه كان في قريش من هو أحق بالخلافة في دين الله وشرعه من أبي بكر
ومثل هذه الأمور كلما تدبرها العالم وتدبر النصوص الثابتة وسير الصحابة حصل له علوم ضرورية لا يمكنه دفعها عن قلبه أنه كان من الأمور المشهورة عند المسلمين أن أبا بكر مقدم على غيره وأنه كان عندهم أحق بخلافة النبوة وأن الأمر في ذلك بين ظاهر عندهم ليس فيه اشتباه عليهم ولهذا قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر
ومعلوم أن هذا العلم الذي عندهم بفضله وتقدمه إنما استفادوه من النبي
صلى الله عليه وسلم بأمور سمعوها وعاينوها وحصل بها لهم من العلم ما علموا به أن الصديق أحق الأمة بخلافة نبيهم وأفضلهم عند نبيهم وأنه ليس فيهم من يشابهه حتى يحتاج في ذلك إلى مناظرة

ولم يقل أحد من الصحابة قط إن عمر بن الخطاب أو عثمان أو عليا أو غيرهم أفضل من أبي بكر أو أحق بالخلافة منه وكيف يقولون ذلك وهم دائما يرون من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على غيره وتفضيله له وتخصيصه بالتعظيم ما قد ظهر للخاص والعام حتى أن أعداء النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين يعلمون أن لأبي بكر من الاختصاص ما ليس لغيره
كما ذكره أبو سفيان بن حرب يوم أحد قال أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا ثم قال أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثم قال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب وكل ذلك يقول لهم النبي
صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه أخرجاه في الصحيحين كما سيأتي ذكره بتمامه إن شاء الله تعالى

حتى أني أعلم طائفة من حذاق المنافقين ممن يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان رجلا عاقلا أقام الرياسة بعقله وحذقه يقولون إن أبا بكر كان مباطنا له على ذلك يعلم أسراره على ذلك بخلاف عمر وعثمان وعلي
فقد ظهر لعامة الخلائق أن أبا بكر
رضي الله عنه كان أخص الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم فهذا النبي وهذا صديقه فإذا كان محمد أفضل النبيين فصديقه أفضل الصديقين
فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسول الله
صلى الله عليه وسلم له بها وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختيارا استندوا فيه إلى ما علموه من تفضيل الله ورسوله وأنه أحقهم بهذا الأمر عند الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعا
ولكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بهذا وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد
وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلا على

ان الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ما علم المسلمون به أنه احقهم بالخلافة وأن ذلك لا يحتاج فيه إلى عهد خاص
كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب لأبي بكر فقال لعائشة ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر اخرجاه في الصحيحين وفي البخاري لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ويدفع الله ويأبى المؤمنون
فبين
صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يكتب كتابا خوفا ثم علم أن الأمر واضح ظاهر ليس مما يقبل النزاع فيه والأمة حديثة عهد بنبيها وهم خير أمة أخرجت للناس وأفضل قرون هذه الأمة فلا يتنازعون في هذا الأمر الواضح الجلي فإن النزاع إنما يكون لخفاء العلم أو لسوء القصد وكلا الأمرين منتف فإن العلم بفضيلة أبي بكر جلي وسوء القصد لا يقع من جمهور الأمة الذين هم أفضل القرون ولهذا قال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر فترك ذلك لعلمه بأن ظهور

فضيلة أبي بكر الصديق واستحقاقه لهذا الأمر يغنى عن العهد فلا يحتاج إليه فتركه لعدم الحاجة وظهور فضيلة الصديق واستحقاقه وهذا أبلغ من العهد
فصل
وأما قول الرافضي
إنهم يقولون إن الإمام بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أبو بكر بمبايعة عمر برضا أربعة
فيقال له
ليس هذا قول أئمة أهل السنة وإن كان بعض أهل الكلام يقولون إن الإمامة تنعقد ببيعة أربعة كما قال بعضهم تنعقد ببيعة

اثنين وقال بعضهم تنعقد ببيعة واحد فليست هذه أقوال أئمة السنة
بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ولا يصير الرجل إماما حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماما
ولهذا قال أئمة السلف من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما مقصود الولاية فهو من أولى الأمر الذين أمر الله بطاعتهم مالم يأمروا بمعصية الله فالإمامة ملك وسلطان والملك لا يصير ملكا بموافقة واحد ولا اثنين ولا أربعة إلا أن تكون موافقة هؤلاء تقتضي موافقة غيرهم بحيث يصير ملكا بذلك وهكذا كل أمر يفتقر إلى المعاونة عليه لا يحصل إلا بحصول من يمكنهم التعاون عليه ولهذا لما بويع علي
رضي الله عنه وصار معه شوكة صار إماما
ولو كان جماعة في سفر فالسنة أن يؤمروا أحدهم كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أن يؤمروا

واحدا منهم فإذا أمره أهل القدرة منهم صار أميرا فكون الرجل أميرا وقاضيا وواليا وغير ذلك من الأمور التي مبناها على القدرة والسلطان متى حصل ما يحصل به من القدرة والسلطان حصلت وإلا فلا إذ المقصود بها عمل أعمال لا تحصل إلا بقدرة فمتى حصلت القدرة التي بها يمكن تلك الأعمال كانت حاصلة وإلا فلا
وهذا مثل كون الرجل راعيا للماشية متى سلمت إليه بحيث يقدر أن يرعاها كان راعيا لها وإلا فلا فلا عمل إلا بقدرة عليه فمن لم يحصل له القدرة على العمل لم يكن عاملا
والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له وإما بقهره لهم فمتى

صار قادرا على سياستهم بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله
ولهذا قال أحمد في رسالة عبدوس بن مالك العطار أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أن قال ومن ولي الخلافة فأجمع عليه الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمى أمير المؤمنين فدفع الصدقات إليه جائز برا كان أو فاجرا
وقال في رواية إسحاق بن منصور وقد سئل عن حديث النبي
صلى الله عليه وسلم من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ما معناه فقال تدري ما الإمام الإمام الذي يجمع عليه المسلمون كلهم يقول هذا إمام فهذا معناه

والكلام هنا في مقامين
أحدهما في كون أبي بكر كان هو المستحق للإمامة وأن مبايعتهم له مما يحبه الله ورسوله فهذا ثابت بالنصوص والإجماع
والثاني أنه متى صار إماما فذلك بمبايعة أهل القدرة له وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنما صار إماما لما بايعوه وأطاعوه ولو قدر أنهم لم ينفذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إماما سواء كان ذلك جائزا أو غير جائز
فالحل والحرمة متعلق بالأفعال وأما نفس الولاية والسلطان فهو عبارة عن القدرة الحاصلة ثم قد تحصل على وجه يحبه الله ورسوله كسلطان الخلفاء الراشدين وقد تحصل على وجه فيه معصية كسلطان الظالمين
ولو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماما بذلك وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الإمامة وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك

فمن قال إنه يصير إماما بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط كما أن من ظن أن تخلف الواحد او الاثنين والعشرة يضره فقد غلط
وأبو بكر بايعه المهاجرون والأنصار الذين هم بطانة رسول الله
صلى الله عليه وسلم والذين بهم صار للإسلام قوة وعزة وبهم قهر المشركون وبهم فتحت جزيرة العرب فجمهور الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين بايعوا أبا بكر وأما كون عمر أو غيره سبق إلى البيعة فلا بد في كل بيعة من سابق ولو قدر أن بعض الناس كان كارها للبيعة لم يقدح ذلك في مقصودها فإن نفس الاستحقاق لها ثابت بالأدلة الشرعية الدالة على أنه أحقهم بها ومع قيام الأدلة الشرعية لا يضر من خالفها ونفس حصولها ووجودها ثابت بحصول القدرة والسلطان بمطاوعة ذوي الشوكة
فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر كما قال تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب سورة الحديد 25

فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه والسيف ينصر ذلك ويؤيده
وأبو بكر ثبت بالكتاب والسنة إن الله أمر بمبايعته والذين بايعوه كانوا أهل السيف المطيعين لله في ذلك فانعقدت خلافة النبوة في حقه بالكتاب والحديد
وأما عمر فإن أبا بكر عهد إليه وبايعه المسلمون بعد موت أبي بكر فصار إماما لما حصلت له القدرة والسلطان بمبايعتهم له
وأما قوله
ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم فاختاره بعضهم
فيقال أيضا
عثمان لم يصر إماما باختيار بعضهم بل بمبايعة الناس له وجميع المسلمين بايعوا عثمان بن عفان ولم يتخلف عن بيعته أحد
قال الإمام أحمد في رواية حمدان بن علي ما كان في القوم

أوكد بيعة من عثمان كانت بإجماعهم فلما بايعه ذوو الشوكة والقدرة صار إماما وإلا فلو قدر أن عبد الرحمن بايعه ولم يبايعه علي ولا غيره من الصحابة أهل الشوكة لم يصر إماما
ولكن عمر لما جعلها شورى في ستة عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف ثم إنه خرج طلحة والزبير وسعد باختيارهم وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف واتفق الثلاثة باختيارهم على أن عبد الرحمن بن عوف لا يتولى ويولى أحد الرجلين وأقام عبد الرحمن ثلاثا حلف أنه لم يغتمض فيها بكبير نوم يشاور السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان ويشاور أمراء الأنصار وكانوا قد حجوا مع عمر ذلك العام فأشار عليه المسلمون بولاية عثمان وذكر أنهم كلهم قدموا عثمان فبايعوه لا عن رغبة أعطاهم إياها ولا عن رهبة أخافهم بها
ولهذا قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني وأحمد

ابن حنبل والدارقطني وغيرهم من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان أفضل لأنهم قدموه باختيارهم واشتوارهم
وأما قوله
ثم علي بمبايعة الخلق له
فتخصيصه عليا بمبايعة الخلق له دون أبي بكر وعمر وعثمان كلام ظاهر البطلان وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن اتفاق الخلق ومبايعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان أعظم من اتفاقهم على بيعة علي
رضي الله عنه وعنهم أجمعين وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على بيعة عثمان أعظم مما اتفقوا على بيعة علي والذين بايعوا عثمان في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا عليا فإنه بايعه علي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وعبد الله بن مسعود والعباس بن

عبد المطلب وأبي بن كعب وأمثالهم مع سكينة وطمأنينة بعد مشاورة المسلمين ثلاثة أيام
وأما علي
رضي الله عنه فإنه بويع عقيب قتل عثمان رضي الله عنه والقلوب مضطربة مختلفة وأكابر الصحابة متفرقون وأحضر طلحة إحضارا حتى قال من قال إنهم جاءوا به مكرها وأنه قال بايعت واللج أي السيف على قفى
وكان لأهل الفتنة بالمدينة شوكة لما قتلوا عثمان وماج الناس لقتله موجا عظيما وكثير من الصحابة لم يبايع عليا كعبدالله بن عمر وأمثاله وكان الناس معه ثلاثة أصناف صنف قاتلوا معه وصنف قاتلوه وصنف لم يقاتلوه ولم يقاتلوا معه فكيف يجوز أن يقال في علي بمبايعة الخلق له ولا يقال مثل ذلك في مبايعة الثلاثة ولم يختلف عليهم أحد بل بايعهم الناس كلهم لا سيما عثمان

وأما أبو بكر فتخلف عن بيعته سعد لأنهم كانوا قد عينوه للإمارة فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر ولكن هو مع هذا رضي الله عنه لم يعارض ولم يدفع حقا ولا أعان على باطل بل قد روى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسند الصديق عن عفان عن أبي عوانه عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن هو الحميري فذكر حديث السقيفة وفيه أن الصديق قال ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم قال فقال له سعد صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء فهذا مرسل حسن ولعل حميدا أخذه عن بعض الصحابة الذين شهدوا ذلك وفيه فائدة

جليلة جدا وهي أن سعد بن عبادة نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالإمارة فرضى الله عنهم أجمعين
ولهذا أضطرب الناس في خلافة علي على اقوال
فقالت طائفة إنه إمام وإن معاوية إمام وإنه يجوز نصب إمامين في وقت إذا لم يمكن الاجتماع على إمام واحد وهذا يحكى عن الكرامية وغيرهم
وقالت طائفة لم يكن في ذلك الزمان أمام عام بل كان زمان فتنة وهذا قول طائفة من أهل الحديث البصريين وغيرهم ولهذا لما أظهر الإمام أحمد التربيع بعلي في الخلافة وقال من لم يربح بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله أنكر ذلك طائفة من هؤلاء وقالوا قد أنكر خلافته من لا يقال هو أضل من حمار أهله يريدون من تخلف عنها من الصحابة واحتج أحمد وغيره على خلافة علي بحديث سفينة عن النبي
صلى الله عليه وسلم تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا و هذا الحديث قد رواه أهل السنن كأبي داود وغيره
وقالت طائفة ثالثة بل علي هو الإمام وهو مصيب في قتاله لمن قاتله وكذلك من قاتله من الصحابة كطلحة والزبير كلهم مجتهدون

مصيبون وهذا قول من يقول كل مجتهد مصيب كقول البصريين من المعتزلة أبي الهذيل وأبي علي وأبي هاشم ومن وافقهم من الأشعرية كالقاضي أبي بكر وأبي حامد وهو المشهور عن أبي الحسن الأشعري وهؤلاء ايضا يجعلون معاوية مجتهدا مصيبا في قتاله كما أن عليا مصيب
وهذا قول طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم ذكره أبو عبد الله ابن حامد ذكر لأصحاب أحمد في المقتتلين يوم الجمل وصفين ثلاثة أوجه أحدها كلاهما مصيب والثاني المصيب واحد لا بعينه والثالث أن عليا هو المصيب ومن خالفه مخطىء والمنصوص عن أحمد وأئمة السلف أنه لا يذم أحد منهم وأن عليا أولى بالحق من غيره أما تصويب القتال فليس هو قول أئمة السنة بل هم يقولون إن تركه كان أولى

وطائفة رابعة تجعل عليا هو الإمام وكان مجتهدا مصيبا في القتال ومن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين وهذا قول كثير من أهل الرأي والكلام من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم
وطائفة خامسة تقول إن عليا مع كونه كان خليفة وهو أقرب إلى الحق من معاوية فكان ترك القتال أولى وينبغي الإمساك عن القتال لهؤلاء وهؤلاء فإن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الساعي وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن إن ابني هذا سيد

وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فأثنى على الحسن بالإصلاح ولو كان القتال واجبا أو مستحبا لما مدح تاركه
قالوا وقتال البغاة لم يأمر الله به ابتداء ولم يأمر بقتال كل باغ بل قال تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصحلوا بينهما فإن بغث إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله سورة الحجرات 9 فأمر إذا اقتتل المؤمنون بالإصلاح بينهم فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت
قالوا ولهذا لم يحصل بالقتال مصلحة والأمر الذي يأمر الله به لا بد أن تكون مصلحته راجحة على مفسدته وفي سنن أبي داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد أنبأنا هشام عن محمد يعني ابن

سيرين قال قال حذيفة ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تضرك الفتنة
قال أبو داود حدثنا عمرو بن مرزوق حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبي بردة عن ثعلبة بن ضبيعة قال دخلنا على حذيفة فقال إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا قال فخرجنا فإذا فسطاط مضروب فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة فسألناه عن ذلك فقال ما أريد أن يشتمل علي شيء من أمصاركم حتى تجلى عما انجلت
فهذا الحديث يبين أن النبي
صلى الله عليه وسلم أخبر أن محمد بن مسلمة لا تضره الفتنة وهو ممن اعتزل في القتال فلم يقاتل لا مع علي

ولا مع معاوية كما اعتزل سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله ابن عمر وأبو بكرة وعمران بن حصين وأكثر السابقين الأولين
وهذا يدل على أنه ليس هناك قتال واجب ولا مستحب إذ لو كان كذلك لم يكن ترك ذلك مما يمدح به الرجل بل كان من فعل الواجب أو المستجب أفضل ممن تركه ودل ذلك على أن القتال قتال فتنة
كما ثبت في الصحيح عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي والساعي خير من الموضع وأمثال ذلك من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ترك القتال كان خيرا من فعله من الجانبين وعلى هذا جمهور أئمة أهل الحديث والسنة وهذا مذهب مالك والثوري وأحمد وغيرهم

وهذه أقوال من يحسن القول في علي وطلحة والزبير ومعاوية ومن سوى هؤلاء من الخوارج والروافض والمعتزلة فمقالاتهم في الصحابة لون آخر فالخوارج تكفر عليا وعثمان ومن والاهما والروافض تكفر جمهور الصحابة كالثلاثة ومن والاهم وتفسقهم ويكفرون من قاتل

عليا ويقولون هو إمام معصوم وطائفة من المروانيه تفسقه وتقول إنه ظالم معتد وطائفة من المعتزلة تقول قد فسق إما هو وإما من قاتله لكن لا يعلم عينه وطائفة أخرى منهم تفسق معاوية وعمرا دون طلحة والزبير وعائشة

والمقصود أن الخلاف في خلافة علي وحروبه كثير منتشر بين السلف والخلف فكيف تكون مبايعة الخلق له أعظم من مبايعتهم للثلاثة قبله رضي الله عنهم أجمعين
فإن قال أردت بقولي أن أهل السنة يقولون إن خلافتة انعقدت بمبايعة الخلق له لا بالنص
فلا ريب أن أهل السنة وإن كانوا يقولون إن النص على أن عليا من الخلفاء الراشدين لقوله خلافة النبوة ثلاثون سنة فهم يروون النصوص الكثيرة في صحة خلافة غيره
وهذا أمر معلوم عند أهل العلم بالحديث يروون في صحة خلافة الثلاثة نصوصا كثيرة بخلاف خلافة علي فإن نصوصها قليلة فإن الثلاثة اجتمعت الأمة عليهم فحصل بهم مقصود الإمامة وقوتل بهم

الكفار وفتحت بهم الأمصار وخلافة علي لم يقاتل فيها كفار ولا فتح مصر وإنما كان السيف بين أهل القبلة
وأما النص الذي تدعيه الرافضة فهو كالنص الذي تدعيه الراوندية على العباس وكلاهما معلوم الفساد بالضرورة عند أهل العلم ولو لم يكن في إثبات خلافة علي إلا هذا لم تثبت له إمامة قط كما لم تثبت للعباس إمامة بنظيره وأما قوله
ثم اختلفوا فقال بعضهم إن الإمام بعده الحسن وبعضهم قال إنه معاوية
فيقال
أهل السنة لم يتنازعوا في هذا بل هم يعلمون أن الحسن بايعه أهل العراق مكان أبيه وأهل الشام كانوا مع معاوية قبل ذلك
وقوله
ثم ساقوا الإمامة في بني أمية ثم في بني العباس

فيقال
أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى دون من سواه ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به بل أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب فيشهدون بما وقع ويأمرون بما أمر الله ورسوله فيقولون هؤلاء هم الذين تولوا وكان لهم سلطان وقدرة يقدرون بها على مقاصد الولاية من إقامة الحدود وقسم الأموال وتولية الولايات وجهادالعدو وإقامة الحج والأعياد والجمع وغير ذلك من مقاصد الولايات
ويقولون إن الواحد من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية الله بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله فيغزى معه الكفار ويصلي معه الجمعة والعيدان ويحج معه ويعاون في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك فيعاونون على البر والتقوى ولا يعاونون على الإثم والعدوان
ويقولون إنه قد تولى غير هؤلاء تولى بالغرب طائفة من بني أمية وطائفة من بني علي ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من

عدمهم كما يقال ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام
ويروى عن علي
رضي الله عنه أنه قال لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة قيل له هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة قال يؤمن بها السبيل ويقام به الحدود ويجاهد به العدو ويقسم بها الفيء ذكره علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية
وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة إنه الخلف الحجة فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين أصلا فلا فائدة في إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة والأماني الكاذبة والفتن بين الأمة وانتظار من لا يجيء فتطوى الأعمار ولم يحصل من فائدة هذه الإمامة شيء
والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور بل كانت تفسد امورهم فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما يقول ولا يقدر على شيء من أمور الإمامة بل هو معدوم

وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة ولا سلطان الإمامة بل كان لأهل العلم والدين منهم إمامة أمثالهم من جنس الحديث والفتيا ونحو ذلك لم يكن لهم سلطان الشوكة فكانوا عاجزين عن الإمامة سواء كانوا أولى بالإمامة أو لم يكونوا أولى
فبكل حال ما مكنوا ولا كان ولوا يحصل لهم المطلوب من الولاية لعدم القدرة والسلطان ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل له بطاعتهم المصالح التي تحصل بطاعة الأئمة من جهاد الأعداء وإيصال الحقوق إلى مستحقيها أو بعضهم وإقامة الحدود
فإن قال القائل إن الواحد من هؤلاء أو من غيرهم إمام أي ذو سلطان وقدرة يحصل بهما مقاصد الإمامة كان هذا مكابرة للحس ولو كان ذلك كذلك لم يكن هناك متول يزاحمهم ولا يستبد بالأمر دونهم وهذا لا يقوله أحد
وإن قال إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين كانوا يجب أن يولوا وأن الناس عصوا بترك توليتهم فهذا بمنزلة أن يقال فلان كان يستحق أن يولى إمامة الصلاة وأن يولى القضاء ولكن لم يول ظلما وعدوانا

ومن المعلوم أن أهل السنة لا ينازعون في أنه كان بعض أهل الشوكة بعد الخلفاء الأربعة يولون شخصا وغيره أولى بالولاية منه وقد كان عمر ابن عبد العزيز يختار أن يولي القاسم بن محمد بعده لكنه لم يطق ذلك لأن أهل الشوكة لم يكونوا موافقين على ذلك ولأنه كان قد عقد العهد معه ليزيد بن عبد الملك بعده فكان يزيد هو ولي العهد
وحنيئذ فأهل الشوكة الذين قدموا المرجوح وتركوا الراجح أو الذي تولى بقوته وقوة أتباعه ظلما وبغيا يكون إثم هذه الولاية على من ترك الواجب مع قدرته على فعله أو أعان على الظلم وأما من لم يظلم ولا أعان ظالما وإنما أعان على البر والتقوى فليس عليه في هذا شئ
ومعلوم أن صالحي المؤمنين لا يعاونون الولاة إلا على البر والتقوى لا يعاونونهم على الإثم والعدوان فيصير هذا بمنزلة الإمام الذي يجب تقديمه في الشرع لكونه أقرأ وأعلم بالسنة أو أقدم هجرة وسنا إذا قدم ذو الشوكة من هو دونه فالمصلون خلفه الذين لا يمكنهم الصلاة إلا خلفه أي ذنب لهم في ذلك

وكذلك الحاكم الجاهل أو الظالم أو المفضول إذا طلب المظلوم منه أن ينصفه ويحكم له بحقه فيحبس له غريمه أو يقسم له ميراثه أو يزوجه بأيم لا ولي لها غير السلطان أو نحو ذلك فأي شئ عليه من إثمه أو إثم من ولاه وهو لم يستعن به إلا على حق لا على باطل
وقد قال تعالى فاتقوا الله ما استطعتم سورة التغابن : 16 وقال النبي
صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم رواه البخاري ومسلم
ومعلوم أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان
وأهل السنة يقولون ينبغي أن يولي الأصلح للولاية إذا أمكن إما وجوبا عند أكثرهم وإما استحبابا عند بعضهم وأن من عدل عن

الأصلح مع قدرته لهواه فهو ظالم ومن كان عاجزا عن تولية الأصلح مع محبته لذلك فهو معذور
ويقولون من تولى فإنه يستعان به على طاعة الله بحسب الإمكان ولا يعان إلا على طاعة الله ولا يستعان به على معصية الله ولا يعان على معصية الله
أفليس قول أهل السنة في الإمامة خيرا من قول من يأمر بطاعة معدوم أو عاجز لا يمكنه الإعانة المطلوبة من الأئمة
ولهذا كانت الرافضة لما عدلت عن مذهب أهل السنة في معاونة أئمة المسلمين والاستعانة بهم دخلوا في معاونة الكفار والاستعانة بهم فهم يدعون إلى الإمام المعصوم ولا يعرف لهم إمام موجود يأتمون به إلا كفور أو ظلوم فهم كالذي يحيل بعض العامة على أولياء الله رجال الغيب ولا رجال عنده إلا أهل الكذب والمكر الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله أو الجن أو الشياطين الذين يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانية

فلو قدر أن ما تدعيه الرافضة من النص هو حق موجود وأن الناس لم يولوا المنصوص عليه لكانوا قد تركوا من يجب توليته وولوا غيره وحينئذ فالإمام الذي قام بمقصود الإمامة هو هذا المولى دون ذلك الممنوع المقهور نعم ذلك يستحق أن يولي لكن ما ولى فالإثم على من ضيع حقه وعدل عنه لا على من لم يضيع حقه ولم يعتد
وهم يقولون إن الإمام وجب نصبه لأنه لطف ومصلحة للعباد فإذا كان الله ورسوله يعلم أن الناس لا يولون هذا المعين إذا أمروا بولايته كان أمرهم بولاية من يولونه وينتفعون بولايته أولى من أمرهم بولاية من لا يولونه ولا ينتفعون بولايته كما قيل في إمامة الصلاة والقضاء وغير ذلك فكيف إذا كان ما يدعونه من النص من أعظم الكذب والافتراء
والنبي
صلى الله عليه وسلم قد أخبر أمته بما سيكون وما يقع بعده من التفرق فإذا نص لأمته على إمامة شخص يعلم أنهم لا يولونه بل يعدلون عنه ويولون غيره يحصل لهم بولايته مقاصد الولاية وأنه إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل من سفك دماء الأمة ما لم يحصل قبل ذلك ولم يحصل من مقاصد الولاية ما حصل بغير المنصوص كان الواجب العدول عن المنصوص

مثال ذلك أن ولى الأمر إذا كان عنده شخصان ويعلم أنه إن ولى أحدهما أطيع وفتح البلاد وأقام الجهاد وقهر الأعداء وأنه إذا ولى الآخر لم يطع ولم يفتح شيئا من البلاد بل يقع في الرعية الفتنة والفساد كان من المعلوم لكل عاقل أنه ينبغي أن يولي من يعلم أنه إذا ولاه حصل به الخير والمنفعة لا من إذا ولاه لم يطع وحصل بينه وبين الرعية الحرب والفتنة فكيف مع علم الله ورسوله بحال ولاية الثلاثة وما حصل فيها من مصالح الأمة في دينها ودنياها لا ينص عليها وينص على ولاية من لا يطاع بل يحارب ويقاتل حتى لا يمكنه قهر الأعداء ولا إصلاح الاولياء وهل يكون من ينص على ولاية هذا دون ذاك إلا جاهلا إن لم يعلم الحال أو ظالما مفسدا إن علم ونص
والله ورسوله بريء من الجهل والظلم وهم يضيفون إلى الله ورسوله العدول عما فيه مصلحة العباد إلى ما ليس فيه إلا الفساد
واذا قيل إن الفساد حصل من معصيتهم له لا من تقصيره
قيل أفليس ولاية من يطيعونه فتحصل المصلحة أولى من ولاية من يعصونه فلا تحصل المصلحة بل المفسدة
ولو كان للرجل ولد وهناك مؤدبان إذا أسلمه إلى أحدهما تأدب

وتعلم وإذا أسلمه إلى الآخر فر وهرب أفليس إسلامه إلى ذاك أولى ولو قدر أن ذاك أفضل فأي منفعة في فضيلته إذا لم يحصل للولد به منفعة لنفوره عنه
ولو خطب المرأة رجلان أحدهما أفضل من الأخر لكن المرأة تكرهه وإن زوجت به لم تطعه بل تخاصمه وتؤذيه فلا تنتفع به ولا ينتفع هو بها والآخر تحبه ويحبها ويحصل به مقاصد النكاح أفليس تزويجها بهذا المفضول أولى باتفاق العقلاء ونص من ينص على تزويجها بهذا المفضول أولى من النص على تزويجها بهذا
فكيف يضاف إلى الله ورسوله ما لا يرضاه إلا جاهل أو ظالم
وهذا ونحوه مما يعلم به بطلان النص بتقدير أن يكون علي هو الأفضل الأحق بالأمر لكن لا يحصل بولايته إلا ما حصل وغيره ظالما يحصل به ما حصل من المصالح فكيف إذا لم يكن الأمر كذلك لا في هذا ولا في هذا

فقول أهل السنة خبر صادق وقول حكيم وقول الرافضة خبر كاذب وقول سفيه فأهل السنة يقولون الأمير والإمام والخليفة ذو السلطان الموجود الذي له القدرة على عمل مقصود الولاية كما أن إمام الصلاة هو الذي يصلى بالناس وهم يأتمون به ليس إمام الصلاة من يستحق أن يكون إماما وهو لا يصلي بأحد لكن هذا ينبغي أن يكون إماما والفرق بين الإمام وبين من ينبغي أن يكون هو الإمام لا يخفى إلا على الطغام
ويقولون إنه يعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان ويطاع في طاعة الله دون معصيته ولا يخرج عليه بالسيف وأحاديث النبي
صلى الله عليه وسلم إنما تدل على هذا كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس يخرج عن السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية وفي لفظ أنه من فارق الجماعة شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية فجعل المحذور هو الخروج عن السلطان ومفارقة الجماعة وأمر بالصبر على ما يكره من الأمير لم يخص بذلك سلطانا معينا ولا أميرا معينا ولا جماعة معينة

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات مات ميتة جاهلية ومن قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه فذم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة وجعل ذلك ميتة جاهلية لأن أهل الجاهلية لم يكن لهم رأس يجمعهم
والنبي
صلى الله عليه وسلم دائما يأمر بإقامة رأس حتى أمر بذلك في السفر إذا كانوا ثلاثة فأمر بالإمارة في أقل عدد وأقصر اجتماع
وفي صحيح مسلم عن حذيفة
رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد

هذا الخير من شر قال نعم قلت فهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر فقلت هل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
وفي لفظ آخر قلت وهل وراء ذلك الخير من شر قال

نعم قلت كيف قال يكون بعدي آئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قوب الشياطين في جثمان إنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع
وهذا جاء مفسرا في حديث آخر عن حذيفة قال عن الخير الثاني صلح على دخن وجماعة على اقذاء فيها وقلوب لا ترجع إلى ما كانت عليه
فكان الخير الأول النبوة وخلافة النبوة التي لاقته فيها وكان الشر ما حصل من الفتنة بقتل عثمان وتفرق الناس حتى صار حالهم شبيها بحال الجاهلية يقتل بعضهم بعضا
ولهذا قال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله

عليه وسلم متوافرون فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هدر أنزلوهم منزلة الجاهلية فبين أنهم جعلوا هذا غير مضمون كما أن ما يصيبه أهل الجاهلية بعضهم من بعض غير مضمون لأن الضمان إنما يكون مع العلم بالتحريم فأما مع الجهل بالتحريم كحال الكفار والمرتدين والمتأولين من أهل القبلة فالضمان منتف
ولهذا لم يضمن النبي
صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد دم المقتول الذي قتله متأولا مع قوله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله أقتلتله بعد أن قال لا إله إلا الله ولهذا لا تقام الحدود إلا على من علم التحريم
والخير الثاني اجتماع الناس لما اصطلح الحسن ومعاوية لكن كان صلحا على دخن وجماعة على أقذاء فكان في النفوس

ما فيها أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو الواقع
وحذيفة حدث بهذا في خلافة عمر وعثمان قبل الفتنة فإنه لما بلغه مقتل عثمان علم أن الفتنة قد جاءت فمات بعد ذلك بأربعين يوما قبل الاقتتال
وهو
صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان سواء كان عادلا أو ظالما
وكذلك في الصحيح حديث ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم من خلع يدا من طاعة إمام لقي الله يوم القيام لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية لكنه لا يطاع أحد في معصية الله

كما في الصحيح عن علي رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا نارا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكانوا كذلك وسكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف وفي لفظ لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف
وكذلك في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه

وسلم أنه قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة
وعن كعب بن عجرة قال خرج إلينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ونحن معه تسعة خمسة وأربعة أحد العددين من العرب والآخر من العجم فقال اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد على الحوض ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على الحوض رواه أحمد والنسائي وهذا لفظه والترمذي وقال حديث صحيح غريب
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال دعانا النبي صلى

الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان
وفي صحيح مسلم عن عرفجة بن شريح قال سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول إنه سيكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان وفي لفظ من أتاكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيكون امراء تعرفون وتنكرون فمن عرف برىء ومن أنكر سلم ولكن من رضى وتابع قالوا أفلا ننابذهم قال لا ما صلوا
وفيه أيضا عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فلينكر ما يأتى من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة
تم الجزء الأول بحمد الله ويليه الجزء الثاني إن شاء الله وأوله قال المصنف الرافضي الفصل الثاني في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع

بسم الله الرحمن الرحيم الباب الثاني
قال الرافضي
الفصل الثاني
في أن مذهب الإمامية واجب الإتباع
ومضمون ما ذكره أن الناس اختلفوا بعد النبي
صلى الله عليه وسلم فيجب النظر في الحق واعتماد الإنصاف ومذهب الإمامية واجب الإتباع لأربعة أوجه لأنه أحقها وأصدقها ولأنهم باينوا جميع الفرق في أصول العقائد ولأنهم جازمون بالنجاة لأنفسهم ولأنهم أخذوا دينهم عن الأئمة المعصومين
وهذا حكاية لفظه
قال الرافضي

إنه لما عمت البلية بموت النبي صلى الله عليه وسلم واختلف الناس بعده وتعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق وبايعه أكثر الناس طلبا للدنيا كما اختار عمر بن سعد ملك الري أياما يسيره لما خير بينه وبين قتل الحسين مع علمه بأن من قتله في النار وإخباره بذلك في شعره حيث يقول

فو الله ما أدري وإني لصادق ... أفكر في أمري على خطرين ... أأترك ملك الري والري منيتي ... أم اصبح مأثوما بقتل حسين ... وفي قتله النار التي ليس دونها ... حجاب وملك الرى قرة عيني ...
وبعضهم اشتبه الأمر عليه ورأى لطالب الدنيا متابعا فقلده وبايعه وقصر في نظره فخفى عليه الحق فاستحق المؤاخذة من الله بإعطاء الحق لغير مستحقه بسبب إهمال النظر
وبعضهم قلد لقصور فطنته ورأى الجم الغفير

فتابعهم وتوهم أن الكثرة تستلزم الصواب وغفل عن قوله تعالى وقليل ماهم سورة ص 24 وقليل من عبادي الشكور سورة سبأ 13
وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحق له وبايعه الأقلون الذي أعرضوا عن الدنيا وزينتها ولم يأخذهم في الله لومة لائم بل أخلصوا لله واتبعوا ما أمروا به من طاعة من يستحق التقديم
وحيث حصل للمسلمين هذه البلية وجب على كل أحد النظر في الحق واعتماد الإنصاف وأن يقر الحق مستقره ولا يظلم مستحقه فقد قال تعالى ألا لعنة الله على الظالمين سورة هود 18
وإنما كان مذهب الإمامية واجب الإتباع لوجوه هذا لفظه

فيقال
إنه قد جعل المسلمين بعد نبيهم أربعة أصناف وهذا من أعظم الكذب فإنه لم يكن في الصحابة المعروفين أحد من هذه الأصناف الأربعة فضلا عن أن لا يكون فيهم أحد إلا من هذه الأصناف إما طالب للأمر بغير حق كأبي بكر في زعمه وإما طالب للأمر بحق كعلي في زعمه وهذا كذب على علي
رضي الله عنه وعلى أبي بكر رضي الله عنه فلا علي طلب الأمر لنفسه قبل قتل عثمان ولا أبو بكر طلب الأمر لنفسه فضلا عن أن يكون طلبه بغير حق وجعل القسمين الآخرين إما مقلدا لأجل الدنيا وإما مقلدا لقصوره في النظر
وذلك أن الإنسان يجب عليه أن يعرف الحق وأن يتبعه وهذا هو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالين وهذا هو الصراط الذي أمرنا الله أن نسأله هدايتنا إياه في كل صلاة بل في كل ركعة
وقد صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال اليهود مغضوب

عليهم والنصارى ضالون وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه استكبارا وحسدا وغلوا واتباعا للهوى وهذا هو الغي والنصارى ليس لهم علم بما يفعلونه من العبادة والزهد والأخلاق بل فيهم الجهل والغلو والبدع والشرك جهلا منهم وهذا هو الضلال وإن كان كل من الأمتين فيه ضلال وغي لكن الغي أغلب على اليهود والضلال أغلب على النصارى
ولهذا وصف الله اليهود بالكبر والحسد واتباع الهوى والغي وإرادة العلو في الأرض والفساد قال تعالى أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون سورة البقرة 87 وقال تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله سورة النساء 54 وقال سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن

يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا سورة الأعراف 146 وقال تعالى وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا سورة الإسراء 4
ووصف النصارى بالشرك والضلال والغلو والبدع فقال تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون سورة التوبة 31 وقال تعالى قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل كثيرا وضلوا عن سواء السبيل سورة المائدة 77 وقال تعالى ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها سورة الحديد 27 وهذا مبسوط في غير هذا الموضع
وقد نزه الله نبيه عن الضلال والعي فقال والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى سورة النجم 1 3 فالضال الذي يعرف الحق والغاوي الذي يتبع هواه وقال تعالى واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار سورة ص 45 فالأيدي القوة في طاعة الله والأبصار البصائر في الدين
وقال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
وإذا كان الصراط المستقيم لا بد فيه من العلم بالحق والعمل به

وكلاهما واجب لا يكون الإنسان مفلحا ناجيا إلا بذلك وهذه الأمة خير الأمم وخيرها القرن الأول كان القرن الأول أكمل الناس في العلم النافع والعمل الصالح
وهؤلاء المفترون وصفوهم بنقيض ذلك بأنهم لم يكونوا يعلمون الحق ويتبعونه بل كان أكثرهم عندهم يعلمون الحق ويخالفونه كما يزعمونه في الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة والأمة وكثير منهم عندهم لا يعلم الحق بل اتبع الظالمين تقليدا لعدم نظرهم المفضى إلى العلم والذي لم ينظر قد يكون تركه النظر لأجل الهوى وطلب الدنيا وقد يكون لقصوره ونقص إدراكه
وادعى أن منهم من طلب الأمر لنفسه بحق يعنى عليا وهذا مما علمنا بالإضرار أنه لم يكن فلزم من ذلك على قول هؤلاء أن تكون الأمة كلها كانت ضالة بعد نبيها ليس فيها مهتد فتكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرا منهم لأنهم كانوا كما قال الله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون سورة الأعراف 157 وقد أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى

افترقت على اثنتين وسبعين فرقة فيها واحدة ناجية وهذه الأمة على موجب ما ذكر لم يكن فيهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أمة تقوم بالحق ولا تعدل به
وإذا لم يكن ذلك في خيار قرونهم ففيما بعد ذلك أولى فيلزم من ذلك أن يكون اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خيرا من خير أمة أخرجت للناس فهذا لازم لما يقوله هؤلاء المفترون
فإن كان هذا في حكايته لما جرى عقب موت النبي
صلى الله عليه وسلم

من اختلاف الأمة فكيف بسائر ما ينقله ويستدل به
ونحن نبين فساد ما في هذه الحكاية من الأكاذيب من وجوه كثيرة فنقول
أما قوله
لما عمت البلية على كافة المسلمين بموت النبي
صلى الله عليه وسلم واختلف الناس بعده وتعددت آراؤهم بحسب أهوائهم فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حق وبايعه أكثر الناس طلبا للدنيا كما اختار عمر بن سعد ملك الرى أياما يسيرة لما خير بينه وبين قتل الحسين مع علمه بأن في قتله النار وإخباره بذلك في شعره

فيقال
في هذا الكلام من الكذب والباطل وذم خيار الأمة بغير حق مالا يخفى وذلك من وجوه
أحدها قوله تعددت آراؤهم بحسب تعدد أهوائهم فيكونون كلهم متبعين أهواءهم ليس فيهم طالب حق ولا مريد لوجه الله تعالى والدار الآخرة ولا من كان قوله عن اجتهاد واستدلال وعموم لفظه يشمل عليا وغيره
وهؤلاء الذين وصفهم بهذا هم الذين أثنى الله عليهم هو ورسوله ورضي عنهم ووعدهم الحسنى كما قال تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان
رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم سورة التوبة 100 وقال تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فئآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما سورة الفتح 29 وقال تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض إلى قوله أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم والذين

آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم سورة الأنفال 72 75 وقال لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى سورة الحديد 10 وقال تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم سورة الحشر 8 10
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفئ
ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة فإنهم لم يستغفروا للسابقين الأولين وفي قلوبهم غل عليهم ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الرافضة من ذلك وهذا نقيض مذهب الرافضة

وقد روى ابن بطة وغيره من حديث أبي بدر قال حدثنا عبدالله بن زيد عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص قال الناس على ثلاث منازل فمضت منزلتان وبقيت واحدة فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ثم قرأ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة قد مضت
ثم قرأ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ثم قال هؤلاء الأنصار وهذه منزلة قد مضت
ثم قرأ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا الله لهم
وروى أيضا بإسناده عن مالك بن أنس أنه قال من سب السلف فليس له في الفئ نصيب لأن الله تعالى يقول والذين جاءوا من بعدهم الآية

وهذا معروف من مالك وغير مالك من أهل العلم كأبي عبيد القاسم ابن سلام وكذلك ذكره أو حكيم النهرواني من أصحاب أحمد وغيره من الفقهاء
وروى أيضا عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال أمر الله بالإستعفار لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم يقتتلون
وقال عروة قالت لي عائشة
رضي الله عنها يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وفي صحيح مسلم أيضا عن جابر بن عبدالله قال قيل لعائشة إن ناسا يتناولون أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى أبا

بكر وعمر فقالت وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر
وروى ابن بطة بالإسناد الصحيح عن عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي حدثنا معاوية حدثنا رجاء عن مجاهد عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله قد أمر بالإستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون

ومن طريق أحمد عن عبدالرحمن بن مهدي وطريق غيره عن وكيع وأبي نعيم ثلاثتهم عن الثوري عن نسير بن ذعلوق سمعت عبدالله بن عمر يقول لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة يعنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمل أحدكم أربعين سنة
وفي رواية وكيع خير من عبادة أحدكم عمره
وقال تعالى لقد
رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة

فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون ءاية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا سورة الفتح 18 21
والذين بايعوه تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة بايعوه لما صده المشركون عن العمرة ثم صالح المشركين صلح الحديبية المعروف وذلك سنة ست من الهجرة في ذي القعدة ثم رجع بهم إلى المدينة وغزا بهم خيبر ففتحها الله عليهم في أول سنة سبع وقسمها بينهم ومنع الأعراب المتخلفين عن الحديبية من ذلك

كما قال الله تعالى سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا سورة الفتح 15
وقد أخبر سبحانه أنه رضي عنهم وأنه علم ما في قلوبهم وأنه أثابهم فتحا قريبا
وهؤلاء هم أعيان من بايع أبا بكر وعمر وعثمان بعد موت النبي
صلى الله عليه وسلم لم يكن في المسلمين من يتقدم عليهم بل كان المسلمون كلهم يعرفون فضلهم عليهم لأن الله تعالى بين فضلهم في القرآن بقوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى سورة الحديد 10 ففضل المنفقين المقاتلين قبل الفتح والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم أو فتح هو فقال نعم

وأهل العلم يعملون أن فيه أنزل الله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا سورة الفتح 1 3 فقال بعض المسلمين يا رسول الله هذا لك فما لنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزداداو إيمانا مع إيمانهم سورة الفتح 4
وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين المقاتلين بعده ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار سورة التوبة 100 هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة
وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى

القبلتين وهذا ضعيف فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد أو قبل أن يفرض هم سابقون على من أسلم بعدهم والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان هم سابقون على من أسلم بعدهم والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج هم سابقون على من تأخر عنهم والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئا فشيئا وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه وله بذلك فضيلة ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب

وليس مثل هذا مما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين إذ ليس بعض هذه الشرائع بأولى بجعله خيرا من بعض ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم أهل الحديبية فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص
وقد علم بالإضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وبايع النبي
صلى الله عليه وسلم بيده عن عثمان لأنه كان غائبا قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته وبسببه بايع النبي صلى الله عليه وسلم الناس لما بلغه أنهم قتلوه
وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة

وقال تعالى لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم سورة التوبة 117 فجمع بينهم وبين الرسول في التوبة
وقال تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا سورة الأنفال 72 إلى قوله والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم سورة الأنفال 75 فأثبت الموالاة بينهم
وقال للمؤمنين يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء

بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين سورة المائدة 51 إلى قوله إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون المائدة 55 56 وقال والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض سورة التوبة 71 فأثبت الموالاة بينهم وأمر بموالاتهم والرافضة تتبرأ منهم ولا تتولاهم وأصل الموالاة المحبة وأصل المعاداة البغض وهم يبغضونهم ولا يحبونهم
وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل وكذبه بين من وجوه كثيرة
منها أن قوله الذين صيغة جمع وعلى واحد
ومنها أن الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك لكان

لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة
ومنها أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق علماء الملة فإن في الصلاة شغلا
ومنها أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسنا لم يكن فرق بين حال الركوع وغير حال الركوع بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن
ومنها أن عليا لم يكن عليه زكاة على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
ومنها أنه لم يكن له أيضا خاتم ولا كانوا يلبسون الخواتم حتى كتب النبي
صلى الله عليه وسلم كتابا إلى كسرى فقيل له إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما فاتخذ خاتما من ورق ونقش فيها محمد رسول الله
ومنها أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم فإن أكثر الفقهاء يقولون لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة
ومنها أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل والمدح في الزكاة أن

يخرجها ابتداء ويخرجها على الفور لا ينتظر أن يسأله سائل
ومنها أن الكلام في سياق النهى عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين كما يدل عليه سياق الكلام
وسيجئ إن شاء الله تمام الكلام على هذه الآية فإن الرافضة لا يكادون يحتجون بحجة إلا كانت حجة عليهم لا لهم كاحتجاجهم بهذه الآية على الولاية التي هي الإمارة وإنما هي في الولاية التي هي ضد العداوة والرافضة مخالفون لها
والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم يوالون الكفار من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين ويعادون المؤمنين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين وهذا أمر مشهور فيهم يعادون خيار عباد الله المؤمنين ويوالون اليهود والنصارى والمشركين من الترك وغيرهم
وقال تعالى يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين سورة الأنفال 64 أي الله كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين والصحابة أفضل من اتبعه من المؤمنين وأولهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"