بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 أبريل 2010

نبذ من " الفوائد" لابن القيم/3

فائدة قوله تعالى ألهاكم التكاثر الى آخرها أخلصت هذه السورة للوعد
الوعيد والتهديد وكفى بها موعظة لمن عقلها فقوله تعالى ألهاكم أي شغلكم على وجه لا تعتذرون فيه فان الالهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه فان كان بقصد فهو محل التكليف وان كان بغير قصد كقوله في الخميصة انها ألهتني آنفا عن صلاتي كان صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان وفي الحديث فلها عن الصبي أي ذهل عنه ويقال لها بالشيء أي اشتغل به ولها عنه اذا انصرف عنه واللهو للقلب واللعب للجوارح ولهذا يجمع بينهما ولهذا كان قوله ألهاكم التكاثر ابلغ في الذم من شغلكم فان العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاه به فاللهو هو ذهول واعراض والتكاثر تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض واعرض عن ذكر المتكاثر به ارادة لاطلاقه وعمومه وان كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر فالتكاثر في كل شيء من مال او جاه او رياسة او نسوة او حديث او

علم ولا سيما اذا لم يحتج اليه والتكاثر فى الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها والتكاثر ان يطلب الرجل ان يكون اكثر من غيره وهذا مذموم الا فيما يقرب الى الله فالتكاثر فيه منافسة فى الخيرات ومسابقة اليها وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن الشخير انه انتهى الي النبي وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالى وهل لك من مالك الا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فافنيت او لبست فابليت تنبيه
من لم ينتفع بعينه لم ينتفع باذنه للعبد ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله حقك الله الستد الذي بينه وبين الناس للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه فينبغى له ان يسترضى ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله اليه اضاعة الوقت اشد من الموت لان اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا واهلها الدنيا من أولها الى آخرها لا تساوى غم ساعة فكيف بغم العمر محبوب اليوم يعقب المكروه غدا ومكروه اليوم يعقب المحبوب غدا أعظم الربح في الدنيا ان تشغل نفسك كل وقت بما هو أولي بها وأنفع لها فى معادها كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربه المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل بلا اخلاص لما ذم المنافقين دافع الخطرة فان لم تفعل صارت فكرة فدافع الفكرة فان لم تفعل صارت شهوة فحاربها فان لم تفعل صارت عزيمة وهمة فان لم تدافعها صارت فعلا فان لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها التقوي ثلاث مراتب احداها حمية القلب والجوارح عن الآثام

والمحرمات الثانية حميتها عن المكروهات الثالثة الحميه عن الفضول وما لا يعنى فالاولى تعطى العبد حياته والثانية تفيده صحته وقوته والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته
غموض الحق حين تذب عنه ... يقلل ناصر الخصم المحق
تضل عن الدقيق فهو م قوم ... فتقضى للمجل علي المدق
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لابي ولا يشفع لى من الناس
اذا أيست وكاد اليأس يقطعني ... جاء الرجا مسرعا من جانب اليأس
من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره ومن خلقه للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات لما طلب آدم الخلود فى الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد أحدها مشهد التوحيد وان الله هو الذى قدره وشاءه وخلقه وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن الثاني مشهد العدل وانه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه الثالث مشهد الرحمة وان رحمته فى هذا المقدور غالبه لغضبه وانتقامه ورحمته حشوة الرابع مشهد الحكمة وان حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا الخامس مشهد الحمد وان له سبحانه الحمد التام علي ذلك من جميع وجوهه السادس مشهد العبودية وانه عبد محض من كل وجه تجرى عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه
قلة التوفيق وفساد الرأى وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر واضاعة الوقت ونفره الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع اجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق البركة فى الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل واهانة العدو وضيق

الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والاحراق عن النار وأضداد هذه تتولد عن الطاعة
فصل طوبى لمن أنصف ربه فاقر له بالجهل فى علمه والآفات فى عمله
والعيوب فى نفسه والتفريط فى حقه والظلم فى معاملته فان آخذه بذنوبه رأى عدله وان لم يؤاخذه بها رأي فضله وان عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه فان قبلها فمنه وصدقة ثانية وان ردها فلكون مثلها لا يصلح ان يواجه به وان عمل سيئة رآها من تخليه عنه وخذلانه له وامساك عصمته عنه وذلك من عدله فيه فيرى فى ذلك فقره الى ربه وظلمه فى نفسه فان غفرها له فبمحض احسانه وجوده وكرمه ونكتة المسألة وسرها انه لا يري ربه الامحسنا ولا يرى نفسه الا مسيئا أو مفرطا أو مقصرا فيرى كل ما يسره من فضل ربه عليه واحسانه اليه وكل ما يسوءه من ذنوبه وعدل الله فيه المحبون اذا خربت منازل أحبائهم قالوا سقيا لسكانها وكذلك المحب اذا أتت عليه الأعوام تحت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته فى الدنيا وتودده اليه وتجدد رحمته وسقياه لمن كان ساكنا في تلك الأجسام البالية
فائدة الغيرة غيرتان غيرة على الشيء وغيرة من الشيء فالغيرة على
المحبوب حرصك عليه والغيرة من المكروه ان يزاحمك عليه فالغيرة على المحبوب لا تتم الا بالغيرة من المزاحم وهذه تحمد حيث يكون المحبوب تقبح المشاركة في حبه كالمخلوق واما من تحسن المشاركة في حبه كالرسول والعالم بل الحبيب القريب سبحانه فلا

يتصور غيرة المزاحمة عليه بل هو حسد والغيرة المحمودة في حقه أن يغار المحب على محبته له ان يصرفها الى غيره أو يغار عليها ان يطلع عليها الغير فيفسدها عليه أو يغار على أعماله ان يكون فيها شيء لغير محبوبة أو يغار عليها ان يشوبها ما يكره محبوبه من رياء أو إعجاب او محبة لاشراف غيره عليها أو غيبته عن شهود منته عليه فيها
وبالجملة فغيرته تقتضي ان تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله وكذلك يغار علي أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضى محبوبة فهذه الغيرة من جهة العبد وهي غيرة من المزاحم له المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبة وأما غيرة محبوبه عليه فهي كراهية ان ينصرف قلبه عن محبته الى محبة غيره بحيث يشاركه في حبه ولهذا كانت غيرة الله ان يأتي العبد ماحرم عليه ولاجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر منها وما بطن لأن الخلق عبيده واماؤه فهو يغار علي امائه كما يغار السيد على جواريه ولله المثل الأعلي ويغار علي عبيده ان تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها
من عظم وقار الله في قلبه ان يعصيه وقره الله في قلوب الخلق ان يذلوه اذا علقت شروش المعرفة في ارض القلب نبتت فيه شجرة المحبة فاذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة فلا تزال الشجرة تؤتي أكلها كل حين باذن الله ربها اول منازل القوم اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا وأوسطها هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى والنور وآخرها تحيتهم يوم يلقونه سلام ارض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها فان غرست شجرة الايمان والتقوى أورثت حلاوة الابد وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر من ارجع الى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع اليه بتوفيقه الا منها وما شرد من شرد عنه بخذلانه الا منها فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه

مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثم أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمرة وغرست نواه وكذلك تداعي المعاصي فليتدبر اللبيب هذا المثال فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره اليه انما العجب من مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بأنواع احسانه مع غناه عنه كفى بك عزا انك له عبد ... وكفى بك فخرا انه لك رب
فصل ايك والمعاصي فانها ازلت عز
إسجدوا وأخرجت اقطاع اسكن يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق الف سنة مازال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيع فتاب عليه فرح ابليس بنزول آدم من لجنة وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود كم بين قوله لآدم اني جاعل في الارض خليفة وقوله لك اذهب فمن تبعك منهم ما جرى على آدم هو المراد من وجوده لو لم تذنبوا يا آدم لا تجزع من قولي لك اخرج منها فلك ولصالح ذريتك خلفتها يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك علي الملوك واليوم تدخل علي دخول العبيد علي الملوك يا آدم لا تجزع من كأس زلل كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العجب والبست خلعة العبودية وعسى أن تكرهوا يا آدم لم أخرج اقطاعك الي غيرك انما نحيتك عنه لا كمل عمارته لك وليبعث الي العمال نفقة تتجافى جنوبهم تالله ما نفعه عند معصيته عز
اسجدوا ولا شرف وعلم آدم ولا خصيصة لما خلقت بيدي ولا فخر ونفخت فيه من روحي وانما انتفع بذل ربنا ظلمنا أنفسنا لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل

فجرحه فوضع عليه جبار الانكسار فعاد كما كان فقام الجريح كان لم يكن به قلبة فصل
نجائب النجاة مهيأة للمراد واقدم المطرود موثوقة بالقيود هبت عواصف الأقدار في بيداء الاكوان فتقلب الوجود ونجم الخير فلما ركدت الريح اذا ابو طالب غريق في لجة الهلاك وسلمان على ساحل السلامة والوليد بن

المغيرة يقدم قومه في التيه وصهيب قد قدم بقافلة الروم والنجاشي في أرض

الحبشة يقول لبيك اللهم لبيك وبلال ينادي الصلاة خير من النوم

وأبو جهل في رقدة المخالفة لما قضى في القدم بسابقه سلمان عرج به دليل التوفيق عن طريق آبائه في التمجس فأقبل يناظر أباه في دين الشرك فلما علاه بالحجة لم يكن له جواب الا القيد وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم حرفوه وبه أجاب فرعون موسى لئن اتخذت الها غيري وبه أجاب الجهمية الامام احمد لما عرضوه على السياط وبه أجاب أهل البدع شيخ الاسلام حين استدعوه السجن وها نحن علي الاثر فنزل به ضيف ولنبلونكم فنال باكرامة مرتبة سلمان منا أهل البيت فسمع ان ركبا على نية السفر فسرق نفسه من أبيه ولا قطع فركب راحلة العزم يرجو ادراك مطلب السعادة فغاص في بحر البحث ليقع بدرة الوجود فوقف نفسه على خدمة الادلاء وقوف الاذلاء فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم سلموا اليه اعلام الأعلام على نبوة نبينا وقالوا ان زمانه قد أظل فأحذر ان تضل فرحل مع رفقة لم يرفقوا به فشروه بثمن بخس دراهم معدودة فأتباعه يهودى بالمدينة فلما رأى الحره توقد حرا شوقه ولم يعلم رب المنزل بوجد النازل فبينا هو يكابد ساعات الانتظار قدم البشير بقدوم البشير وسلمان في رأس نخلة وكاد القلق يلقيه لولا ان الحزم أمسكه كما جرى يوم إن كادت لتبدي به لولا ان ربطنا علي قلبها فعجل النزول لتلقي ركب البشارة ولسان حاله يقول
خليلي من نجد قفا بي على الربا ... فقد هب من تلك الديار نسيم فصاح به سيده مالك انصرف الي شغلك فقال
كيف انصرافي ولي في داركم شغل
ثم أخذ لسان حاله يترنم لو سمع الأطروش خليلي لا والله ما انا منكما ... اذا علم من آل ليلي بداليا

فلما لقى الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الأصل فوافقه يا محمد انت تريد ابا طالب ونحن نريد سلمان ابو طالب اذا سئل عن اسمه قال عبد مناف واذا انتسب افتخر بالآباء واذاذكرت الأموال عبد الابل وسلمان اذا سئل عن اسمه قال عبد الله وعن نسبه قال ابن الاسلام وعن ماله قال الفقر وعن حانوته قال المسجد وعن كسبه قال الصبر وعن لباسه قال التقوى والتواضع وعن وساده قال السهر وعن فخره قال سلمان منا وعن قصده قال يريدون وجهه وعن سيره قال الى الجنة وعن دليله في الطريق قال إمام الخلق وهادئ الائمة
اذا نحن ادلجن وانت امامنا ... كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وان نحن اضللنا الطريق ولم نجد ... دليلا كفانا نور وجهك هاديا
الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك اذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم انها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب قل للمؤمنين فقد سلمت من الاثر وكفى الله المؤمنين القتال بحر الهوى اذا مد أغرق واخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء
ما أحد أكرم من مفرد ... في قبره اعماله تونسه
منعما في القبر في روضه ... ليس كعبده قبره محبسه
علي قدر فضل المرء يأتي خطوبه ... ويعرف عند الصبر فيما يصيبه
ومن قل فيما يتقيه اصطباره ... فقد قل مما يرتجيه نصيبه
كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود لابد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون دنا الصباح نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب فيتلمح البصير في ذلك النور عواقب الأمور اخرج بالعزم من هذا

الفناء الضيق المحشو بالآفات الي ذلك الفناء الرحب الذي فيه مالا عين رأت فهناك لا يتعذر مطلوب ولا يفقد محبوب يا بائعا نفسه بهوى من حبه ضنا ووصله أذى وحسنه الى فنا لقد بعت انفس الأشياء بثمن بخس كأنك لم تعرف قدر السلعة وبلا خسة الثمن حتى اذا قدمت يوم التغابن تبين لك ان الغبن في عقد التبايع لا اله الا الله سلعة الله مشتريها وثمنها الجنة والدلال الرسول ترضي ببيعها بجزء يسير مما لا يساوي كله جناح بعوضة
اذا كان شيء لا يساوي جميعه ... جناح بعوضة عند من صرت عبده
ويملك جزء منه كلك ما الذى ... يكون على ذا الحال قدرك عنده
وبعت به نفسا قد استامها بما ... لديه من الحسنى وقد زال وده
يا مخنت العزم اين انت والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لاجله نوح ورمى في النار الخليل واضجع للذبح اسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد تزها انت باللهو واللعب
فيا دارها بالحزن ان مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
الحرب قائمة وانت اعزل في النظارة فأن حركت ركابك فللهزيمة من لم يباشر حر الهجير في طلاب المجد لم يقل في ظلال الشرف
تقول سليمى لو أقمت بارضنا ... ولم تدارني للمقام أطوف
قيل لبعض العباد الى كم تتعب نفسك فقال راحتها اريد يا مكر ما بجلة

الأيمان بعد حلة العافية وهو يخلقهما في مخالفة الخالق لا تنكر السلب يستحق من استعمل نعمة المنعم فيما يكره ان يسلبها عرائس الموجودات قد تزينت للناظرين ليبلوهم ايهم يؤثرهن على عرائس الآخرة فمن عرف قدر التفاوت آثر ما ينبغي ايثاره
وحسان الكون لما أن بدت ... اقبلت نحوي وقالت لي الى
فتعاميت كأن لم أرها ... عندما ابصرت مقصودي لدي
كواكب هم العارفين في روج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل يا من انحرف عن جادتهم كن في أواخر الركب ونم اذا نمت علي الطريق فالأمير يراعي الساقة قيل للحسن سبقنا القوم على خيل دهم ونحن على حمر معقره فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم
فائدة من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف
ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوى في حاله ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده الا منها ومن كان فتحه بيت الناس ونصحهم وارشادهم كان مزيده معهم ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس فأشرف الأحوال أن لا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه مصابيح القلوب الطاهرة في اصل الفطره منيرة قبل

الشرائع يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار وحد قس وما رأي الرسول وكفر ابن أبي وقد صلى معه في المسجد مع الص بري ولا ماء وكم من عطشان في اللجة سبق العلم بنبوة موسى وايمان آسية فسيق تابوته الى بيتها فجاء طفل منفرد عن أم الى امرأة خالية عن ولد فلله كم في هذه القصة من عبرة كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد ولسان القدر يقول لا نربيه الا في حجرك

كان ذو البجادين يتيما في الصغر فكفله عمه فنازعته نفسه الى اتباع الرسول فهم بالنهوض فاذا بقية المرض مانعه فقعد ينتظر العم فلما تكاملت صحته نفذ الصبر فناداه ضمير الوجد
الي كم حبسها تشكو المضيقا ... أثرها ربما وجدت طريقا
فقال يا عم طال انتظاري لاسلامك وما أرى منك نشاطا فقال والله لئن أسلمت لانتزعن كل ما أعطيتك فصاح لسان الشوق نظرة من محمد أحب الي من الدنيا وما فيها
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها ... تريد أم الدنيا وما في طواياها
لقال تراب من غبار نعالها ... ألذ الى نفسي وأشفى لبلواها
فلما تجرد للسير الى الرسول جرده عمه من الثياب فناولته الام بجادا فقطعه لسفر الوصل نصفين أتزر بأحدهما با وارتدي بالآخر فلما نادى صائح الجهاد قنع ان يكون في سافة الأحباب والمحب لا يرى طول الطريق لان المقصود يعينه
ألا بلغ الله الحمى من يريده ... وبلغ أكناف الحمى من يريدها
فلما قضى نحبه نزل الرسول يمهد لد لحده وجعل يقول اللهم أني أمسيت عنه راضيا فارض عنه فصاح ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب القبر
فيا مخنث العزم أقل ما في الرقعة البيذق فلما نهض تفرزن رأى بعض

الحكماء برذونا يسقى عليه فقال لو هملج هذا الركب اقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديها سد القواطع القواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب فاذا خضتها انقلبت أعوانا لك توصلك الى المقصود
فصل الدنيا كأمرأه بغى لا تثبت مع زوج انما تخطب الأزواج ليستحسنوا
عليها فلا ترضى بالدياثه
ميزت بين جمالها وفعالها ... فأذا الملاحة بالقباحة لا تفى
حلفت لنا ان لا تخون عهودنا ... فكأنها حلفت لنا ان لا تفى
السير في طلبها سير في أرض مسبعة والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح المفروح به منها هو عين المحزون عليه آلامها متولدة من لذاتها واحزانها من أفراحها
مآرب كانت في الشباب لأهلها ... عذاب فصارت في المشيب عذابا
طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك غير ان عين الهوى عميا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدى المساويا
تزخرفت الشهوات لأعين الطباع فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب ووقع تابعوها في بيداء الحسرات و باؤلئك على هدى من ربهم واؤلئك هم المفلحون وهؤلاء يقال لهم كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أما وافيها الهوى طلبا لحياة الأبد لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انهبه العدو منهم في زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد وكلما أمرت لهم الحياة حلى لهم تذكر هذا يومكم الذي كنتم توعدون
وركب سروا الليل ملق رواقه ... على كل مغبر المطالع قائم
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها ... فصار سراهم في طلوع العزائم

تريهم نجوم الليل ما يتبعونه ... على عاتق الشعرى وهام النعائم
اذا اطردت في معرك الجد قصفوا ... رماح العطايا في صدور المكارم
فصل من اعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم
تتأخر عن الاجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعمل غيره وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق الى انشراح الصدر بذكره ومناجاته وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه الى نعيم الاقبال عليه والانابه اليه واعجب من هذا علمك انك لابد لك منه وانك أحوج شيء اليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب
فائدة ما أخذ العبد ما حرم عليه الا من جهتين احداهما سوء ظنه
بربه وانه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيرا منه حلالا والثانية ان يكون عالما بذلك وان من ترك لله شيئا أعاضه خيرا منه ولكن تغلب شهوته صبره وهواه عقل فالأول من ضعف علمه والثاني من ضعف عقله وبصيرته قال يحي بن معاذ من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده قلت اذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه
فصل لما رأى المتيقظون سطوة لدنيا بأهلها وخداع الامل لاربابه وتملك
الشيطان وقياد النفوس راوا الدولة للنفس الامارة لجأوا الى حصن التضرع والالتجاء كما

يأوي العبد المذعور الي حرم سيده سيده شهوات الدنيا كلعب الخيال ونظر الجاهل مقصور على الظاهر فاما ذو العقل فيرى ما ووراء الستر لاح لهم المشتهى فلما مدوا أيدى التناول بأن لابصار البصائر خبط الفخ فطاروا بأجنحة الحذر وصوبوا الى الرحيل الثاني ياليت قومي يعلمون تلمح القوم الوجود ففهموا المقصود فاجمعوا الرحيل قبل الرحيل وشمروا للسير في سواء السبيل فالناس مشتغلون بالفضلات وهم في قطع الفلوات وعصافير الهوى في وثاق الشبكة ينتظرون الذبح وقع ثعلبان في شبكة فقال أحدهما للآخر أين الملتقى بعد هذا فقال بعد يومين في الدباغة تالله ما كانت الأيام الا مناما فليستيقظوا وقد حصلوا على الظفر ما مضى من الدنيا أحلام وما بقى منها أماني والوقت ضائع بينهما
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه فأن تولاه الله وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة فى قلوبهم وكدر فى افهامهم ومحق فى عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والنفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والظلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم والرياء مقام الاخلاص والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل فصارت الدولة

والغلبة لهذه الأمور وأهلها هم المشار اليهم وكانت قبل ذلك لاضدادها وكان أهلها هم المشار اليهم
فاذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن الارض والله خير من ظهرها وقلل الجبال خير من السهول ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس
اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات الى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبايح وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
اشتر نفسك اليوم فان السوق قائمة والثمن موجود والبضائع رخيصة وسيأتي على تلك السوق والبضايع يوم لا تصل فيها الى قليل ولا كثير ذلك يوم التغابن يوم يعض الظالم على يديه
اذا انت لم ترحل بزاد من التقى ... وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على ان لا تكون كمثله ... وانك لم ترصد كما كان ارصدا
العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه اذا حملت علي القلب هموم الدنيا واثقالها وتهاونت بأوراده التي هى قوته وحياته كنت كالمسافر الذى يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها فما أسرع ما تقف به
ومشتت العزمات ينفق عمره ... حيران لا ظفر ولا اخفاق

هل السائق العجلان يملك امره ... فما كل سير اليعملات وحيد
رويدا باخفاف المطى فانما ... تداس جباه تحتها وخدود
من تلمح حلاوة العافية هان عليه مرارة الصبر الغاية اول فى التقدير آخر فى الوجود مبدأ فى نظر العقل منتهى فى منازل الوصول الفت عجز العادة فلو علت بك همتك ربا المعالي لاحت لك انوار العزائم انما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور تزول همة الكساح دلاه فى جب العذرة بينك وبين الفائزين جبل الهوى نزلوا بين يديه ونزلت خلفه فاطو فضل منزل تلحق بالقوم الدنيا مضمار سباق وقد انعقد الغبار وخفى السابق والناس فى المضمار بين فارس وراجل واصحاب حمر معقرة
سوف ترى اذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار
فى الطبع شره والحمية أوفق لص الحرص لا يمشي الا فى ظلام الهوي حبة المشتهى تحت فخ التلف فتفكر الذبح وقد هان الصبر قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد فى الطلب وشدة الحذر من فوت المأمول البخيل فقير لا يؤجر على فقره الصبر على عطش الضر ولا الشرب من شرعه من تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها لا تسأل سوى مولاك فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه غرس الخلوة يثمر الأنس استوحش مما لا يدوم معك واستأنس بمن لا يفارقك عزلة الجاهل فساد واما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العرلة واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة
اتاك حديث لا يمل سماعه ... شهى الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها ... وزال عن القلب المعني ظلامه
اذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها ونسل الخصام نسل مذموم حميتك لنفسك أثر الجهل بها فلو عرفتها حق معرفتها اعنت الخصم عليها إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت باحراق القادح اوثق

غضبك بسلسلة الحلم فانه كلب إن أفلت اتلف من سبقت له سابقة السعادة دل على الدليل قبل الطلب اذا اراد القدر شخصا بذر فى أرض قلبه بذر التوفيق ثم سقاه بماء الرغبة والرهبة ثم أقام عليه باطوار المراقبة واستخدم له حارس العلم فاذا الزرع قائم على سوقه اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة أشرقت أرض القلب بنور ربها اذا جن الليل تغالب النوم والسهر فالخوف والشوق في مقدم عسكر اليقظة والكسل والتواني فى كتيبة الغفلة فاذا حمل العزم حمل علي الميمنة وانهزمت جنود التفريط فما يطلع الفجر الا وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لاهلها سفر الليل لا يطيقه الا مضمر المجاعة النجائب فى الأول وحاملات الزاد فى الأخير لا تسأم من الوقوف علي الباب ولو طردت ولا تقطع الاعتذار ولو رددت فان فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسط كف وتصدق علينا يا مستفتحا باب المعاش بغير إقليد التقوي كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الرزق ولو وقفت عند مراد التقوي لم يفتك مراد المعاصي سد فى باب الكسب وان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه
تالله ما جئتكم زائرا ... الا وجدت الارض تطوي لى
ولا انثني عزمى عن بابكم ... الا تعثرت باذيالى
الأرواح فى الأشباح كالاطيار فى الابراج وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيء للسباق من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأى شغل يشغله كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا فان الولد يتبع الأم الدنيا لا تساوي نقل أقدامك اليها فكيف تعدو خلفها الدنيا جيفة والأسد لا يقع علي الجيف الدنيا مجاز والآخرة وطن والأوطار انما تطلب فى الأوطان
الاجتماع بالاخوان قسمان احدهما اجتماع علي مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا

مضرته أرجح من منفعته وأقل ما فيه انه يفسد القلب ويضيع الوقت الثاني الاجتماع بهم علي التعاون علي أسباب النجاة والتواصى بالحق والصبر فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ولكن فيه ثلاث آفات احداها تزين بعضهم لبعض الثانية الكلام والخلطة أكثر من الحاجة الثالثة ان يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود وبالجملة فالاجتماع والخلطة لقاح اما للنفس الأمارة واما للقلب والنفس المطمئنة والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طلب لقاحه طابت ثمرته وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقاحها من الشيطان وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات وعكس ذلك قاعدة
ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير بل لا يؤثر سبب البتة الا بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره هذا فى الأسباب المشهودة بالعيان وفى الأسباب الغائبة والأسباب المعنوية كتأثير الشمس فى الحيوان والنبات فانه موقوف علي أسباب أخر من وجود محل قابل وأسباب أخر تنضم الى ذلك السبب وكذلك حصول الولد موقوف علي عدة أسباب غير وطء الفحل وكذلك جميع الأسباب مع مسبباتها فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلي غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير ولا يستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره علي غيره الا الله الواحد القهار فلا ينبغى أن يرجى ولا يخاف غيره وهذا برهان قطعى على أن تعلق الرجاء والخوف بغيره باطل فانه لو فرض ان ذلك سبب مستقل وحده بالتأثير لكانت سببيته من غيره لا منه فليس له من نفسه قوة يفعل بها فانه لا حول ولا قوة الا بالله فهو الذى بيده الحول كله والقوة كلها فالحول والقوة التى يرجى لاجلهما المخلوق ويخاف انما هما لله وبيده فى الحقيقة فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوة بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه فانه على قدر خوفك من

غير الله يسلط عليك وعلى قدر رجائك لغيره يكون الحرمان وهذا حال الخلق أجمعه وان ذهب عن أكثرهم علما وحالا فما شاء الله كان ولا بد وما لم يشأ لم يكن ولو اتفقت عليه الخليقة
التوحيد مفزع اعدائه واوليائه فاما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون واما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون فى الدنيا وما أعد لهم فى الآخرة ولما فزع اليه فرعون عند معاينة الهلاك وادراك الغرق له لم ينفعه لان الايمان عند المعاينة لا يقبل هذه سنة الله فى عباده فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التى ما دعا بها مكروب الا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقى فى الكرب العظام الا الشرك ولا ينجى منها الا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها وبالله التوفيق فائدة اللذة تابعة للمحبة تقوى بقوتها وتضعف بضعفها فكلما كانت الرغبة فى المحبوب والشوق اليه أقوى كانت اللذة بالوصول اليه أتم والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به فكلما كان العلم به اتم كانت محبته أكمل فإذا رجع كمال النعيم فى الآخرة وكمال اللذة الى العلم والحب فمن كان يؤمن بالله واسمائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب وكانت لذته بالوصول اليه مجاورته والنظر الي جهه وسماع كلامه أتم وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالاضافة الى ذلك كقطرة فى بحر فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصيرة مشوبة بالآلام علي لذة عظيمة دائمة ابد الآباد وكمال العبد بحسب هاتين القوتين العلم والحب وافضل العلم العلم بالله وأعلى الحب الحب له وأكمل اللذة بحسبهما والله المستعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"