بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 أبريل 2010

نبذ من "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" لابن القيم/2

وفي المسند وغيره عن النبي عجب ربك من شاب ليست له صبوة ولذلك استحق السبعة المذكورين في الحديث الذين يظلهم الله في ظل عرشه لكمال صبرهم ومشقته فإن صبر الإمام المتسلط على العدل في قسمه وحكمه ورضاه وغضبه وصبر الشاب على عبادة الله ومخالفة هواه وصبر الرجل على ملازمة المسجد وصبر المتصدق على إخفاء الصدقة حتى عن بعضه وصبر المدعو إلى الفاحشة مع كمال جمال الداعى ومنصبه وصبر المتحابين في الله على ذلك في حال اجتماعهما وافتراقهما وصبر الباكى من خشية الله على كتمان ذلك وعدم اظهاره للناس من أشق الصبر ولهذا كانت عقوبة الشيخ الزانى والملك الكذاب والفقير المختال أشد العقوبة لسهولة الصبر عن هذه الأشياء المحرمات عليهم لضعف دواعيها في حقهم فكان تركهم الصبر عنها مع سهولته عليهم دليلا على تمردهم على الله وعتوهم عليه
ولهذا كان الصبر عن معاصى اللسان والفرج من اصعب أنواع الصبر لشدة الداعى اليهما وسهولتهما فإن معاصى اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذلك فتتفق قوة الداعى وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ولهذا قال لمعاذ امسك عليك لسانك فقال وانا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال وهل يكب الناس في النار على مناخرهم الا حصائد ألسنتهم ولا سيما اذا صارت المعاصى اللسانية معتادة للعبد فإنه يعز عليه الصبر عنها ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع من استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والمفكه ! في أعراض الخلق وربما رخص أهل الصلاح والعلم بالله والدين والقول على الله ما لا يعلم وكثير ممن تجده يتورع عن الدقائق من الحرام والقطرة من الخمر ومثل رأس الإبرة من النجاسة ولا يبالى بارتكاب الفرج الحرام كما يحكى أن رجلا خلا بامرأة أجنبية فلما اراد مواقعتها قال يا هذه غطى وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام وقد سأل رجل عبدالله بن عمر عن دم البعوض فقال انظروا إلى هؤلاء يسألونى عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله

واتفق لى قريب من هذه الحكاية كنت في حال الإحرام فأتانى قوم من الأعراب المعروفين بقتل النفوس والإغارة على الأموال يسألوني عن قتل المحرم القمل فقلت يا عجبا لقوم لا يتورعون عن قتل النفس التى حرم الله قتلها ويسألون عن قتل القملة في الاحرام
والمقصود أن اختلاف شدة الصبر في أنواع المعاصى وآحادها يكون باختلاف داعيه إلى تلك المعصية في قوتها وضعفها ويذكر عن على رضى الله عنه أنه قال الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة ومن صبر على الطاعة حتى يؤديها كما أمر الله كتب الله له ستمائة درجة ومن صبر عن المعصية خوفا من الله ورجاء ما عنده كتب الله له تسعمائة درجة
وقال ميمون بن مهران الصبر صبران فالصبر على المصيبة حسن وأفضل منه الصبر عن المعصية
وقال الفضيل في قوله تعالى سلام عليكم بما صبرتم ثم قال صبروا على ما أمروا به وصبروا عما نهوا عنه وكأنه جعل الصبر على المصيبة داخلا في قسم المأمور به والله أعلم
الباب الخامس عشر في ذكر ما ورد في الصبر من نصوص الكتاب العزيز
قال الإمام أحمد
رحمه الله ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعا اه ونحن نذكر الأنواع التى سيق فيها الصبر وهى عدة أنواع
أحدها الأمر به كقوله واصبر وما صبرك الا بالله واصبر لحكم ربك الثانى النهى عما يضاده كقوله ولا تستعجل لهم وقوله ولا تهنوا ولا تحزنوا وقوله ولا تكن كصاحب الحوت وبالجملة فكل ما نهى عنه فانه يضاد الصبر المأمور به الثالث تعليق الفلاح به كقوله يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور

الرابع الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره كقوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وقوله انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال سليمان بن القاسم كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال الله تعالى انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال كالماء المنهمر
الخامس تعليق الإمامة في الدين به وباليقين قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
السادس ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم قال تعالى إن الله مع الصابرين قال أبو على الدقاق فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته
السابع انه جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم وهى الصلاة منه عليهم ورحمته لهم وهدايته إياهم قال تعالى وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وقال بعض السلف وقد عزى على مصيبة نالته فقال مالى لا أصبر وقد وعدنى الله على الصبر ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها
الثامن أنه سبحانه جعل الصبر عونا وعدة وأمر بالاستعانة به فقال واستعينوا بالصبر والصلاة فمن لا صبر له لا عون له
التاسع أنه سبحانه علق النصر بالصبر والتقوى فقال تعالى بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ولهذا قال النبي واعلم أن النصر مع الصبر
العاشر أنه سبحانه جعل الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فمن استجن العبد من ذلك جنة أعظم منهما قال تعالى وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا
الحادي عشر انه سبحانه أخبر أن ملائكته تسلم عليهم في الجنة بصبرهم كما قال والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
الثانى عشر انه سبحانه أباح لهم أن يعاقبوا على ما عوقبتم به ثم أقسم قسما مؤكدا غاية التأكيد أن صبرهم خير لهم فقال وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتهم به

ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فتأمل هذا التأكيد بالقسم المدلول عليه بالواو ثم باللام بعده ثم باللام التى في الجواب
الثالث عشر انه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح فقال الا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير وهؤلاء ثنية الله من نوع الإنسان المذموم الموصوف باليأس والكفر عند المصيبة والفرح والفخر عند النعمة ولا خلاص من هذا الذم الا بالصبر والعمل الصالح كما لا تنال المغفرة والأجر الكبير الا بهما
الرابع عشر انه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور أى مما يعزم من الأمور التى انما يعزم على أجلها وأشرفها فقال ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور وقال لقمان لابنه واءمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور
الخامس عشر انه سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر وهى كلمته التى سبقت لهم وهى الكلمة الحسنى وأخبر أنه انما انالهم ذلك بالصبر فقال تعالى وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى اسرائيل بما صبروا
السادس عشر أنه سبحانه علق محبته بالصبر وجعلها لأهله فقال وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين
السابع عشر انه سبحانه أخبر عن خصال الخير انه لا يلقاها الا الصابرون في موضعين من كتابه في سورة القصص في قصة قارون وان الذين أوتوا العلم قالو للذين تمنوا مثل ما أوتى ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها الا الصابرون وفي سورة حميم السجدة حيث أمر العبد أن يدفع بالتى هى أحسن فإذا فعل ذلك صار الذى بينه وبينه عداوة كأنه حبيب قريب ثم قال وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم

الثامن عشر أنه سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور فقال تعالى ولقد ارسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور وقال تعالى في لقمان ألم تر أن الفلك تجرى في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور وقال في قصة سبأ وجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور وقال تعالى ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ان يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور فهذه أربع مواضع في القرآن تدل على أن آيات الرب انما ينتفع بها أهل الصبر والشكر
التاسع عشر أنه أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال أنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابرا وهذا يدل على أن من لم يصبر اذا ابتلى فإنه بئس العبد
العشرون انه سبحانه حكم بالخسران حكما عاما على كل من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر وهذا يدل على أنه لا رابح سواهم فقال تعالى والعصر ان الإنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ولهذا قال الشافعى لو فكر الناس كلهم في هذه الاية لوسعتهم وذلك أن العبد كماله في تكميل قوتيه قوة العلم وقوة العمل وهما الإيمان والعمل الصالح وكما هو محتاج إلى تكميل نفسه فهو محتاج إلى تكميل غيره وهو التواصى بالحق والتواصى بالصبر وأخية ذلك وقاعدته وساقه الذى يقوم عليه انما هو الصبر
الحادى والعشرون أنه سبحانه خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والمرحمة الذين قامت بهم هاتان الخصلتان ووصوا بهما غيرهم فقال تعالى ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة وهذا حصر لأصحاب الميمنة فيمن قام به هذان الوصفان والناس بالنسبة اليهما أربعة أقسام هؤلاء خير الاقسام وشرهم من لا صبر له ولا رحمة فيه ويليه من له صبر ولا رحمة عنده ويليه القسم الرابع وهو من له رحمة ورقة ولكن لا صبر له
الثانى والعشرون أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان كلها

فقرنه بالصلاة كقوله واستعينوا بالصبر والصلاة وقرنه بالأعمال الصالحة عموما كقوله الا الذين صبروا وعملوا الصالحات وجعله قرين التقوى كقوله إنه من يتق ويصبر وجعله قرين الشكر كقوله ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور وجعله قرين الحق كقوله وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وجعله قرين الرحمة كقوله وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة وجعله قرين اليقين كقوله لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون وجعله قرين الصدق كقوله والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات وجعله سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه ويكفي بعض ذلك شرفا وفضلا والله أعلم
الباب السادس عشر في ذكر ما ورد فيه من نصوص السنة في الصحيحين
من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول الله أتى على امرأة تبكى على صبى لها فقال لها اتقى الله واصبرى فقالت وما تبالى بمصيبتى فلما ذهب قيل لها انه رسول الله فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول لم أعرفك فقال انما الصبر عند أول صدمة وفي لفظ عند الصدمة الاولى وقوله الصبر عند الصدمة الاولى مثل قوله ليس الشديد بالصرعة انما الشديد الذى يملك نفسه وقت الغضب فإن مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضا فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى وأما اذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم انه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت ان جزعها لا يجدى عليها شيئا جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر انما هو عند الصدمة الأولى
ويدل على هذا المعنى ما رواه سعيد بن زربى عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة

رضى الله عنه قال مر النبي على امرأة جاثمة على قبر تبكى فقال لها يا أمة الله اتق الله واصبرى قالت يا عبد الله ثكلى قال يا أمة الله اتق الله واصبرى قالت يا عبد الله لو كنت مصابا عذرتنى قال يا أمة الله اتق الله واصبرى قالت يا عبد الله قد أسمعت فانصرف عنى فمضى رسول الله واتبعه رجل من أصحابه فوقف على المرأة فقال لها ما قال لك الرجل الذاهب قالت قال لى كذا وكذا وأجبته بكذا وكذا قال هل تعرفينه قالت لا قال ذلك رسول الله قال فوثبت سرعة نحوه حتى انتهت اليه وهى تقول أنا أصبر أنا أصبر يا رسول الله فقال الصبر عند الصدمة الأولى الصبر عند الصدمة الأولى
قال ابن أبى الدنيا حدثنا بشر بن الوليد وصالح الكندى بن مالك قالا حدثنا سعيد بن زربى فذكره فهذا السياق يبين معنى الحديث قال أبو عبيد معناه ان كل ذى رزبة فإن قصاراه الصبر ولكنه انما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها
قلت وفي الحديث أنواع من العلم أحدها وجوب الصبر على المصائب وأنه من التقوى التى أمر العبد بها الثانى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وان سكر المصيبة وشدتها لا يسقطه عن الآمر الناهى الثالث تكرار الامر والنهى مرة بعد مرة حتى يعذر المرء إلى ربه الرابع احتج به على جواز زيارة النساء للقبور فانه لم ينكر عليها الزيارة وانما أمرها بالصبر ولو كانت الزيارة حراما لبين لها حكمها وهذا كان في آخر الامر فإن أبا هريرة انما اسلم بعد السنة السابعة وأجيب عن هذا بأنه قد أمرها بتقوى الله والصبر وهذا انكار منه لحالها من الزيارة والبكاء ويدل عليه أنها لما علمت أن الآمر لها من تجب طاعته انصرفت مسرعة وأيضا فأبو هريرة لم يخبر أنه شهد هذه القصة فلا يدل الحديث على أنها بعد السلامه ولو شهدها فلعنته لزائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج كان بعد هذا في مرض موته وفي عدم تعريفه لها بنفسه في تلك الحال التى لا تملك فيها نفسها شفقة منه ورحمة بها اذا عرفها بنفسه في تلك الحال فربما لم تسمع منه فتهلك وكان معصيتها له وهى لا تعلم أنه رسول الله أخف

من معصيتها له لو علمت فهذا من كمال رأفته صلوات الله وسلامه عليه
وفي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله يقول ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا اليه راجعون اللهم اجرنى في مصيبتى واخلف لى خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة قلت أى المسلمين خير من أبى سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله ثم إنى قلتها فأخلف الله لى رسوله فأرسل إلى رسول الله حاطب بن ابى بلتعة يخطبنى له فقلت ان لى بنتا وأنا غيور فقال أما بنتها فادعو الله أن يغنيها عنها وادعو الله أن يذهب بالغيرة فتزوجت رسول الله
وعند أبى داود في هذا الحديث عنها قالت قال رسول الله اذا أصابت أحدكم مصيبة قليقل إنا لله وإنا اليه راجعون اللهم عندك أحتسب مصيبتى فاءجرنى فيها وابدلنى خيرا منها فلما احتضر أبو سلمة قال اللهم اخلفنى في أهلى خير منى فلما قبض قالت أم سلمة إنا لله وانا اليه راجعون عند الله أحتسب مصيبتى فانظر عاقبة الصبر والاستراجاع ومتابعة الرسول والرضاء عن الله إلى ما آلت إليه وأنالت أم سلمة نكاح أكرم الخلق على الله
وفي جامع الترمذي ومسند الامام أحمد وصحيح ابن حبان عن ابي موسى الأشعري قال قال رسول الله اذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجعك فيقول ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد
وفي صحيح البخاري من حديث أنس أن رسول الله قال اذا ابتليت عبدي بحبيتيه ثم صبر عوضته منهما الجنه يريد عينيه وعند الترمذي في الحديث اذا أخذت كريمتي عبدي في الدنبا لم يكن له جزاء عندي الا الجنة وفي الترمذي أيضا عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله يقول الله تعالى من أذهبت حبيتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة
وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله لا يرضى الله لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الارض واحتسبه بثواب دون

الجنة وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن جزاء اذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه الا الجنة وفي صحيحه أيضا عن عطاء بن أبي رباح قال قال لي ابن عباس ألا أريك امرأة من أهل الجنة قلت بلى قال هذه المرأة السوداء أتت النبي فقالت يا رسول الله اني أصرع واني أتكشف فادع الله لي قال ان شئت صبرت ولك الجنة وان شئت دعوت الله تعالى ان يعافيك فقالت أصبر فقالت أني أتكشف فادع الله ان لا أتكشف فدعا لها
وفي الموطأ من حديث عطاء بن يسار أن رسول الله قال اذا مرض العبد بعث اليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو اذ جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله وهو أعلم فيقول ان لعبدي علي ان توفيته ان أدخله الجنة وان أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته وفي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله اذا جمع الله الخلائق نادى مناد أين أهل الصبر فيقوم ناس وهم قليلون فينطلقون سراعا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون انا نراكم سراعا إلى الجنة فمن أنتم فيقولون نحن أهل الفضل فيقولون ما كان فضلكم فيقولون كنا اذا ظلمنا صبرنا واذا أسيء الينا غفرنا واذا جهل علينا حلمنا فيقال لهم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين
وفي الصحيحين أن رسول الله قسم مالا فقال بعض الناس هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فأخبر بذلك رسول الله فقال رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر
وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها قالت قال رسول الله ما من مصيبة تصيب المسلم الا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها وفيهما أيضا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي قال ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله بها من خطاياه
وفي صحيح مسلم من حديث عائشة عن النبي أنه قال لا يصيب المؤمن

من شوكة فما فوقها الا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة وفي المسند من حديث أبي هريرة عن النبي قال لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فان كان في دينه صلابة زيد في بلائه وان كان في دينه رقة خفف عنه وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الارض وليس عليه خطيئة
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال دخلت على النبي وهو يوعك وعكا شديدا قال فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى لأوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ان لك لأجرين قال نعم والذى نفسى بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه الا حط الله عنه به خطاياه كما تحط الشجرة ورقها وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة رضى الله عنها قالت ما رأيت الوجع اشد منه على رسول الله
وفي بعض المسانيد مرفوعا ان الرجل لتكون له الدرجة عند الله لا يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسسمه فيبلغها بذلك ويروى عن عائشة رضى الله عنها عنه اذا اشتكى المؤمن أخلصه ذلك من الذنوب كما يخلص الكير الخبث من الحديد وفي صحيح البخارى من حديث خباب بن الارت قال شكونا إلى رسول الله وهو متوسد ببردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الارض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون
وفي لفظ للبخارى أتيت رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان الرجل ليمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه

وقد حمل أهل العلم قول خباب شكونا إلى رسول الله حر الرمضاء فلم يشكنا على هذا المحمل وقال شكوا اليه حر الرمضاء الذى كان يصيب جباههم وأكفهم من تعذيب الكفار فلم يشكهم وانما دلهم على الصبر
وهذا الوجه أنسب من تفسير من فسر ذلك بالسجود على الرمضاء واحتج به على وجوب مباشرة المصلى بالجبهة لثلاثة أوجه
أحدها انه لا دليل في اللفظ على ذلك الثانى انهم قد أخبروا أنهم كانوا مع النبي فكان أحدهم اذا لم يستطع أن يسجد على الأرض يبسط ثوبه فسجد عليه والظاهر أن هذا يبلغه ويعلم به وقد أقرهم عليه
الثالث ان شدة الحر في الحجاز تمنع من مباشرة الجبهة والكف للأرض بل يكاد يشوى الوجه والكف فلا يتمكن من الطمأنينة في السجود ويذهب خشوع الصلاة ويتضرر البدن ويتعرض للمرض والشريعة لا تأتى بهذا فتأمل رواية خباب لهذا والذى قبله واجمع بين اللفظين والمعنيين والله أعلم ولا تستوحش من قوله فلم يشكنا فانه هو معنى إعراضه عن شكايتهم واخباره لهم بصبر من قبلهم والله أعلم
وفي الصحيح من حديث أسامة بن زيد قال أرسلت ابنة النبي اليه ان ابنا لى احتضر فاءتنا فأرسل يقريها السلام ويقول ان لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب فأرسلت اليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت ورجال فرفع الصبى إلى رسول الله فأقعده في حجره ونفسه تقعقع كأنها شن ففاضت عيناه فقال سعد يا رسول الله ما هذا قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب من يشاء من عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء
وفي سنن النسائى عن ابن عباس قال احتضرت ابنة لرسول الله صغيرة فأخذها رسول الله وضمها إلى صدره ثم وضع يده عليها وهى بين يدى رسول الله فبكت أم أيمن فقلت لها أتبكين ورسول الله عندك فقالت

مالى لا أبكى ورسول الله يبكى فقال رسول الله انى لست أبكى ولكنها رحمة ثم قال رسول الله المؤمن بخير على كل حال تنزع نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عزوجل
وفي صحيح البخارى من حديث أنس رضى الله عنه قال اشتكى ابن لأبى طلحة فمات وأبو طلحة خارج فلما رأت امرأته انه قد مات هيأت شيئا وسجته في جانب البيت فلما جاء أبو طلحة قال كيف الغلام قالت قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح فظن أبو طلحة انها صادقة قال فبات معها فلما أصبح اغتسل فلما أراد أن يخرج أعلمته انه قد مات فصلى مع رسول الله ثم أخبره بما كان منهما فقال رسول الله لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما قال ابن عيينة فقال رجل من الانصار فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرأو القرآن وفي موطأ مالك عن القاسم بن محمد قال هلكت امرأة لى فأتانى محمد بن كعب القرظى يعزينى فيها فقال انه قد كان في بنى اسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد وكانت له امرأة وكان بها معجبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا حتى خلى في بيت وأغلق على نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن يدخل عليه أحد ثم ان امرأة من بنى اسرائيل سمعت به فجاءته فقالت ان لى اليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزينى إلا أن أشافهه بها فذهب الناس ولزمت الباب فأخبر فأذن لها فقالت أستفتيك في أمر قال وما هو قالت انى استعرت من جارة حليا فكنت ألبسه وأعيره زمانا ثم انها أرسلت إلى فيه أفأرده اليها قال نعم قالت والله انه مكث عندي زمانا فقال ذلك أحق لردك إياه فقالت له يرحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها
وفي جامع الترمذى عن شيخ من بنى مرة قال قدمت الكوفة فأخبرت عن بلال ابن أبى بردة فقلت ان فيه لمعتبرا فأتيته وهو محبوس في داره التى كان بنى واذا كل شئ منه قد تغير من العذاب والضرب واذا هو في قشاش فقلت له الحمد لله يا بلال لقد رأيتك تمر بنا وأنت تمسك أنفك من غير غبار وأنت في حالتك هذه فكيف صبرك اليوم فقال ممن أنت قلت من بنى مرة بن عباد

قال ألا أحدثك حديثا عسى أن ينفعك الله به قال هات قال حدثنى أبو بردة عن أبى موسى أن رسول الله قال لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها الا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر قال وقرأ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه كأنى أنظر إلى رسول الله يحكى أن نبيا من الانبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون فتضمنت هذه الدعوة العفو عنهم والدعاء لهم والاعتذار عنهم والاستعطاف بقوله لقومى وفي الموطأ من حديث عبد الرحمن بن القاسم قال قال رسول الله ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بى وفي الترمذي من حديث يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب رسول الله قال قال رسول الله الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم قال الترمذى كان شعبة يرى أن الشيخ ابن عمر
وفي الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبي أنه قال ما أعطى أحد عطاء خير وأوسع من الصبر وفي بعض المسانيد عنه أنه قال قال الله عزوجل اذا وجهت إلى عبد من عبيدى مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا
وفي جامع الترمذى عنه اذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط وفي بعض المسانيد عنه مرفوعا اذا أراد الله بعبد خيرا صب عليه البلاء صبا وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رسول الله دخل على امرأة فقال مالك ترفرفين قالت الحمى لا بارك الله فيها قال لا تسبى الحمى فإنها تذهب خطايا بنى آدم كما يذهب الكير خبث الحديد
ويذكر عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي أنه قال من وعك ليلة فصبر ورضى عن الله تعالى خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وقال الحسن أنه ليكفر

عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة وفي المسند وغيره عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال دخلت على النبي وهو محموم فوضعت يدى من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت ما أشد حماك يا رسول الله قال انا كذلك معاشر الانبياء يضاعف علينا الوجع ليضاعف لنا الاجر قال قلت يا رسول الله فأى الناس أشد بلاء قال الانبياء قلت ثم من قال الصالحون ان كان الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد الا العباء فيجوبها فيلبسها وان كان الرجل ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل وكان ذلك أحب اليهم من العطاء اليكم
وقال عقبة بن عامر الجهنى قال رسول الله ليس من عمل الا وهو يختم عليه فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة يا ربنا عبدك فلان قد حبسته عن العمل فيقول الرب تعالى اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت وقال أبو هريرة إذا مرض العبد المسلم نودى صاحب اليمين أن أجر على عبدى صالح ما كان يعمل وهو صحيح ويقال لصاحب الشمال أقصر عن عبدى ما دام في وثاقى فقال رجل عند أبى هريرة يا ليتنى لا أزال ضاجعا فقال أبو هريرة كره العبد الخطايا ذكره ابن أبى الدنيا
وذكر ايضا عن هلال بن بساق قال كنا قعودا عند عمار بن ياسر فذكروا الاوجاع فقال أعرابى ما اشتكيت قط فقال عمار ما أنت منا أو لست منا ان المسلم يبتلى بلاء فتحط عنه ذنوبه كما يحط الورق من الشجر وان الكافر أو قال الفاجر يبتلى ببلية فمثله مثل البعير ان أطلق لم يدر لم أطلق وان عقل لم يدر لم عقل وذكر عن أبى معمر الازدى قال كنا اذا سمعنا من ابن مسعود شيئا نكرهه سكتنا حتى يفسره لنا فقال لنا ذات يوم ألا ان السقم لا يكتب له أجر فساءنا ذلك وكبر علينا فقال ولكن يكفر به الخطيئة فسرنا ذلك وأعجبنا
وهذا من كمال علمه وفقهه رضى الله عنه فإن الاجر انما يكون على الاعمال الاختيارية ومما تولد منها كما ذكر الله سبحانه النوعين في آخر سورة التوبة في قوله في المباشر من الانفاق وقطع الوادى الا كتب لهم وفي المتولد من اصابة الظمأ والنصب والمخمصة في سبيله وغيظ الكفار الا كتب لهم به عمل صالح فالثواب مرتبط

بهذين النوعين وأما الاسقام والمصائب فإن ثوابها تكفير الخطايا ولهذا قال تعالى
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم والنبي انما قال في المصائب كفر الله بها من خطاياه كما تقدم ذكر الفاظه وكذا قوله المرض حطة فالطاعات ترفع الدرجات والمصائب تحط السيئات ولهذا قال من يرد الله به خيرا يصب منه وقال من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فهذا يرفعه وهذا يحط خطاياه
وقال يزيد بن ميسرة ان العبد ليمرض المرض وما له عند الله من عمل خير فيذكره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله فيبعثه الله ان يبعثه مطهرا أو يقبضه ان قبضه مطهرا ولا يرد على هذا حديث أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه في ثواب من قبض الله ولده وثمرة فؤاده بأن يبنى له بيتا في الجنة ويسميه بيت الحمد
وقال زياد بن زياد مولى ابن عباس رضى الله عنه وعن أصحاب النبي قال دخلنا على النبي وهو ممعوك اى محموم فقلنا اح اح بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ما أشد وعكك قال انا معاشر الانبياء يضاعف علينا البلاء تضعيفا قال قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان كان النبي من الانبياء ليقتله القمل قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل قلنا سبحان الله قال أفعجبتم ان كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء
أح بالحاء المهملة هو المعروف من كلامهم ومن قال بالخاء المعجمة فقد غلط وذكر النسائى عن عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة قالت أتيت النبي في نسوة نعوده فاذا سقاء معلقة يقطر ماؤها من شدة ما كان يجد من الحمى فقلنا لو دعوت الله يا رسول الله أن يذهبها عنك فقال ان أشد الناس بلاء الانبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
وقال مسروق عن عائشة رضى الله عنها ما رأيت أحدا أشد وجعا من رسول الله كان يشدد عليه اذا مرض حتى انه لربما مكث خمس عشرة لا ينام

وكان يأخذه عرق الكلية وهو الخاصرة فقلنا يا رسول الله لو دعوت الله فيكشف عنك قال إنا معاشر الانبياء يشدد علينا الوجع ليكفر عنا
وفي المسند والنسائى من حديث أبى سعيد قال قال رجل يا رسول الله ارأيت هذه الامراض التى تصيبنا مالنا بها قال كفارات فقال أبى بن كعب يا رسول الله وان قلت قال شوكة فما فوقها قال فدعا ابى على نفسه عند ذلك أن لا يفارقه الوعك حتى يموت ولا يشغله عن حج ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله وصلاة مكتوبة في جماعة قال فما مس رجل جلده بعدها الا وجد حرها حتى مات وقال عبد الله بن عمر قال رسول الله ان العبد اذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به أكتب له مثل عمله اذا كان طلقا أو أكفته إلى ناقة طلق بضم الطاء واللام اذا حل عقالها ويقال كفته اليه اذا ضمه اليه ذكره ابن أبى الدنيا
وذكر أيضا عن ابى أمامة الباهلى قال قال رسول الله ان الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار فمنهم من يخرج كالذهب الابريز فذلك الذى نجاه الله من السيئات ومنهم من يخرج كالذهب دون ذلك فذلك الذى يشك بعض الشك ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذى قد أفتتن وذكر أيضا من مراسيل الحسن البصرى عن النبي ان الله ليكفر عن المؤمن خطاياه كلها بحمى ليلة
قال ابن أبى الدنيا قال ابن المبارك هذا من الحديث الجيد قال وكانوا يرجون في حمى ليله كفارة ما مضى من الذنوب
وذكر عن أنس أن رسول الله دخل على رجل وهو يشتكى فقال قل اللهم انى أسألك تعجيل عافيتك وصبرا على بليتك وخروجا من الدنيا إلى رحمتك وقالت عائشة رضى الله عنها قال رسول الله ان الحمى تحط الخطايا كما تحط الشجرة ورقها وقال أبو هريرة وقد عاد مريضا فقال له ان رسول الله قال ان الله
تعالى يقول هى نارى أسلطها على عبدى المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة

وقال مجاهد الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ وان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا وهذا لم يرد به مجاهد تفسير الورود الذى في القرآن فإن السياق يأبى حمله على الحمى قطعا وانما مراده أن الله سبحانه وعد عباده كلهم بورود النار فالحمى للمؤمن تكفر خطاياه فيسهل عليه الورود يوم القيامة فينجو منها سريعا والله أعلم
ويدل عليه حديث أبى ريحانة عن النبي الحمى كير من كير جهنم وهى نصيب المؤمن من النار وقال أنس رضى الله عنه قال رسول الله مثل المؤمن اذا برأ وصح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائها ولونها ذكره ابن أبى الدنيا
وذكر أيضا عن أبى أمامة يرفعه ما من مسلم يصرع صرعة من مرض الا بعث منها طاهرا وذكر عنه مثل المؤمن حيث يصيبه الوعك مثل الحديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها وذكر أيضا عنه مرفوعا ان العبد اذا مرض أوحى الله إلى ملائكته يا ملائكتى أنا قيدت عبدى بقيد من قيودي فإن أقبضه أغفر له وان أعافه فجسد مغفور لا ذنب له
وذكر عن سهل بن أنس الجهنى عن أبيه عن جده قال دخلت على أبى الدرداء في مرضه فقلت يا أبا الدرداء انا نحب أن نصح ولا نمرض فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله يقول ان الصداع والمليلة لا يزالان بالمؤمن وان كان ذنبه مثل أحد حتى لا يدعان عليه من ذنبه مثقال حبة من خردل المليلة فعيلة من التململ وأصلها من الملة التى يخبز فيها
وقالت أم سلمة عن النبي ما ابتلى الله عبدا بلاء وهو على طريق يكرهها الا جعل الله ذلك البلاء له كفارة وطهورا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله أو يدعو غير الله يكشفه وقال عطيه بن قيس مرض كعب فعاده رهط من أهل دمشق فقالوا كيف تجدك يا أبا اسحاق قال بخير جسد أخذ بذنبه ان شاء ربه عذبه وان شاء رحمه وان بعثه بعثه خلقا جديدا لا ذنب له وقال سعيد ابن وهب دخلنا مع سلمان الفارسى على رجل من كنده نعوده فقال سلمان

إن المسلم يبتلى فيكون كفارة لما مضى ومستعتبا فيما بقى وان الكافر يبتلى فمثله كمثل البعير أطلق فلم يدر لم أطلق وعقل فلم يدر لم عقل
وذكر أيضا عن أبى أيوب الانصارى قال عاد رسول الله رجلا من الأنصار وأكب عليه فسأله فقال يا نبى الله ما غمضت منذ سبع فقال رسول الله أى أخى أصبر أى أخى أصبر تخرج من ذنوبك كما دخلت فيها ثم قال رسول الله ساعات الأمراض يذهبن ساعات الخطايا
وفي النسائى من حديث أبى هريرة أن رسول الله قال لأعرابى هل أخذتك أم ملدم قال يا رسول الله وما أم ملدم قال حر يكون بين الجلد والدم قال ما وجدت هذا قال يا أعرابى هل أخذك الصداع قال يا رسول وما الصداع قال عرق يضرب على الإنسان في رأسه قال ما وجدت هذا فلما ولى قال رسول الله من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا وقالت أم سليم مرضت فعادنى رسول الله فقال يا أم سليم أتعرفين النار والحديد وخبث الحديد قلت نعم يا رسول الله قال أبشرى يا أم سليم فإنك إن تخلصى من وجعك هذا تخلصى منه كما يخلص الحديد من النار من خبثه وخرج بعض الصحابة زائر لرجل من إخوانه فبلغه أنه شاك قبل أن يدخل عليه فقال أتيتك زائرا و أتيتك عائدا ومبشرا قال كيف جمعت هذا قال خرجت وأنا أريد زيارتك فبلغى شكاتك فصارت عيادة وأبشرك بشيء سمعته من رسول الله قال اذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها أو قال لم ينلها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ولده أو في ماله ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التى سبقت له من الله
تعالى
وقال الحسن وذكر الوجع أما والله ما هو بشر أيام المسلم أيام نورت له فيها مراحله وذكر فيها ما نسى من معاده وكفر بها عنه من خطاياه وقال بعض السلف لولا مصائب الدنيا لو لوردنا الآخرة مفاليس
وقال أنس بن مالك رضى الله عنه انتهى رسول الله إلى شجرة فهزها حتى سقط من ورقها ما شاء الله ثم قال المصائب والاوجاع في إحباط ذنوب أمتى

أسرع منى في هذه الشجرة وذكر ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة رضى الله عنه يرفعه ما من مسلم إلا وكل الله به ملكين من ملائكته لا يفارقانه حتى يقضى الله بأمره بإحدى الحسنيين اما بموت واما بحياة فإذا قال له العواد كيف نجدك قال أحمد الله أجدنى والله المحمود بخير قال له الملكان أبشر بدم هو خير من دمك وصحة هى خير من صحتك وان قال أجدنى مجهودا في بلاء شديد قال له الملكان ابشر بدم هو شر من دمك وبلاء أطول من بلائك
ولا يناقض هذا قول النبي في وجعه واراساه وقول سعد يا رسول الله قد اشتد بى الوجع وأنا ذو مال وقول عائشة وارأساه فإن هذا انما قيل على وجه الاخبار لا على وجه شكوى الرب تعالى إلى العواد فإذا حمد المريض الله ثم أخبر بعلته لم يكن شكوى منه وان أخبر بها تبرما وتسخطا كان شكوى منه فالكلمة الواحدة قد يثاب عليها وقد يعاقب بالنية والقصد
وقال ثابت البنانى انطلقنا مع الحسن إلى صفوان بن محرز نعوده فخرج الينا ابنه وقال هو مبطون لا تستطيعون أن تدخلوا عليه فقال الحسن ان أباك ان يؤخذ اليوم من لحمه ودمه فيوجد فيه خير من أن يأكله التراب
وقال ثابت أيضا دخلنا على ربيعة بن الحارث نعوده وهو ثقيل فقال انه من كان في مثل حالتى هذه ملأت الآخرة قلبه كانت الدنيا أصغر في عينيه من ذباب ويذكر عن أنس عن النبي قال اذا مرض العبد ثلاث أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ويذكر عنه لا ترد دعوة المريض حتى يبرأ
وذكر ابن أبى الدنيا عن ابن مسعود رضى الله عنه قال كنت مع رسول الله جالسا فتبسم فقلنا يا رسول الله مم تبسمت قال تعجبا للمؤمن من جزعه من السقم ولو كان يعلم ماله في السقم أحب أن يكون سقيما حتى يلقى الله ثم تبسم ثانية ورفع رأسه إلى السماء قلنا يا رسول الله مم تبسمت ورفعت رأسك إلى السماء قال عجبت من ملكين نزلا من السماء يلتمسان عبدا مؤمنا كان في مصلاه يصلى فلا يجداه فعرجا إلى الله فقالا يا رب عبدك فلان المؤمن كنا نكتب له من العمل في يوم وليلة كذا وكذا فوجدنا قد حبسته في حبالك فلم نكتب له

شيئا من عمله فقال اكتبوا لعبدى عمله الذى كان يعمله في يومه وليلته ولا تنقصوا منه شيئا فعلى أجر ما حبسته وله أجر ما كان يعمل
ويذكر عنه من وعك ليلة فصبر ورضى بها عن الله
تعالى خرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ومن مراسيل يحيى بن كثير قال فقد رسول الله سلمان فسأل عنه فأخبر أنه عليل فأتاه يعوده فقال شفى الله سقمك وعظم أجرك وغفر ذنبك ورزقك العافية في دينك وجسمك إلى منتهى أجلك إن لك من وجعك خلالا ثلاثا أما الأولى فتذكرة من ربك يذكرك بها وأما الثانية فتمحيص لما سلف من ذنوبك وأما الثالثة فادع بما شئت فإن المبتلى مجاب الدعوة
وقال زياد بن الربيع قلت لابى بن كعب آية من كتاب الله قد أحزنتنى قال ما هى قلت من يعمل سوءا يجز به قال ما كنت أراك إلا افقه مما أرى إن المؤمن لا يصيبه عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وسئلت عائشة عن هذه الآية فقالت ما سألنى عنها أحد منذ سألت رسول الله فقال النبي يا عائشة هذه معاقبة الله تعالى لعبده بما يصيبه من الحمى والمليله والشوكة وانقطاع شسعه حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج الذهب الأحمر من الكير ضبن الانسان ما تحت يده يقال اضطبن كذا اذا حمله تحت يده وقال وهب بن مغبه لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء
وفي بعض كتب الله سبحانه ان الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه وانه ليحبه لينظر كيف تضرعه إليه
وقال كعب أجد في التوراة لولا أن يحزن عبدى المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبدا وقال معروف الكرخى ان الله ليبتلى عبده المؤمن بالأقسام والاوجام فيشكو إلى أصحابه فيقول الله تبارك وتعالى وعزتى وجلالى ما ابتليتك بهذه الاوجاع والاسقام الا لأغسلك من الذنوب فلا تشكنى

وذكر ابن أبى الدنيا أن رجلا قال يا رسول الله ما الاسقام قال أو ما سقمت قط قال لا فقال قم عنا فلست مؤمنا
وكان عبد الله بن مسعود قد اشتدت به العلة فدخل عليه بعض اصحابه يعوده وأهله تقول نفسى فداك ما نطمعك ما نسقيك فأجابها بصوت ضعيف بليت الحرافيف وطالت الضجعة والله ما يسرنى ان الله نقصنى منه قلامه ظفر
وطلق خالد بن الوليد امرأة له ثم أحسن عليها الثناء فقيل له يا أبا سليمان لأى شيء طلقتها قال ما طلقتها لأمر رابنى منها ولا ساءنى ولكن لم يصبها عندى بلاء ويذكر عنه ما ضرب على مؤمن عرق الا كتب الله له به حسنة وحط به عنه سيئة ورفع له به درجة
ولا ينافي هذا ما قدمناه من أن المصائب مكفرات لا غير لأن حصول الحسنة انما هو بصبره الاختيارى عليها وهو عمل منه وعاد رجل من المهاجرين مريضا فقال ان للمريض اربعا يرفع عنه القلم ويكتب له من الاجر مثل ما كان يعمل في صحته ويتبع المرض كل خطيئة من مفصل من مفاصله فيستخرجها فإن عاش عاش مغفورا له وان مات مات مغفور له فقال المريض اللهم لا أزال مضطجعا
وفي المسند عنه والذى نفسى بيده لا يقضى الله للمؤمن قضاء الا كان خيرا له ان أصابته سرا شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك الا للمؤمن وفي لفظ ان أمر المؤمن كله عجيب ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له
الباب السابع عشر في الآثار الواردة عن الصحابة ومن بعدهم في فضيلة
الصبر
قال الامام أحمد حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن السفر قال مرض أبو بكر رضى الله عنه فعادوه فقالوا ألا ندعو لك الطبيب فقال قد رآنى الطبيب قالوا فأى شئ قال لك قال انى فعال لما أريد

وقال الامام احمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مجاهد قال قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وجدنا خير عيشنا بالصبر وقال أيضا أفضل عيش أدركناه بالصبر ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه ألا ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسم ثم رفع صوته فقال ألا انه لا ايمان لمن لا صبر له وقال الصبر مطية لا تكبو
وقال الحسن الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده وقال عمر بن عبد العزيز ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر الا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه وقال ميمون بن مهران ما بال أحد شيئا من ختم الخير فما دونه الا الصبر وقال سليمان بن القاسم كل عمل يعرف ثوابه الا الصبر قال الله تعالى إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال كالماء المنهمر
وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل وقت ينظر فيها وفيها واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين لم أبال أيهما ركبت وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال سحابة صيف ثم تنقشع وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا لما أخذوا برأس الأمر جعلناهم رءوسا وقيل للأحنف بن قيس ما الحلم قال أن تصبر على ما تكره قليلا وقال وهب مكتوب في الحكمة قصر السفه النصب وقصر الحلم الراحة وقصر الصبر الظفر وقصر الشيء وقصاراه غايته وثمرته
وقدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه ابنه محمد وكان من أحسن الناس وجها فدخل يوما على الوليد في ثياب وشيء وله غديرتان وهو يضرب بيده فقال الوليد هكذا تكون فتيان قريش فعانه فخرج من عنده متوسنا فوقع في اصطبل الدواب فلم تزل الدواب تطأه بأرجلها حتى مات ثم ان الآكلة وقعت في رجل عروة فبعث اليه الوليد الأطباء فقالوا إن لم تقطعها سرت إلى باقى الجسد فتهلك

فعزم على قطعها فنشروها بالمنشار فلما صار المنشار إلى القصبة وضع راسه على الوسادة ساعة فغشى عليه ثم أفاق والعرق يتحدر على وجهه وهو يهلل ويكبر فأخذها وجعل يقبلها في يده ثم قال أما والذى حملنى عليك انه ليعلم انى ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضى الله ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت في قطيفة ثم بعث بها إلى مقابر المسلمين فلما قدم من عند الوليد المدينة تلقاه أهل بيته وأصدقاؤه يعزونه فجعل يقول لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ولم يزد عليه ثم قال لا أدخل المدينة انما أنا بها بين شامت بنكية أو حاسد لنعمة فمضى إلى قصر بالعقيق فأقام هنالك فلما دخل قصره قال له عيسى بن طلحة لا أبا لشانئيك أرني هذه المصيبة التي نعزيك فيها فكشف له عن ركبته فقال له عيسى أما والله ما كنا نعدك للصراع قد أبقى الله أكثرك عقلك ولسانك وبصرك ويداك وإحدى رجليك فقال له يا عيسى ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به ولما أرادوا قطع رجله قالوا له لو سقيناك شيئا كيلا تشعر بالوجع فقال إنما ابتلاني ليرى صبري أفأعارض أمره وسئل ابنه هشام كيف كان أبوك يصنع برجله التي قطعت إذا توضأ قال كان يمسح عليها
وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا سلام قال سمعت قتادة يقول قال لقمان وسأله رجل اى شئ خيرا قال صبر لا يتبعه أذى قال فأى الناس خيرا قال الذى يرضى بما أوتى قال فأى الناس أعلم قال الذى يأخذ من علم الناس إلى علمه قيل فما خير الكنز من المال أو من العلم قال سبحان الله بل المؤمن العالم الذى ان ابتغى عنده خيرا وجد وان لم يكن عنده كف نفسه وبحسب المؤمن أن يكف نفسه وقال حسان بن أبى جبلة من بث فلم يصبر ورواه ابن أبى الدنيا مرفوعا إلى النبي وان صح فمعناه إلى المخلوق لا من بث إلى الله وقال حسان ابن أبى جبلة أيضا في قوله تعالى فصبر جميل قال لا شكوى فيه ورفعه ابن أبى الدنيا أيضا
وقال مجاهد فصبر جميل في غير جزع وقال عمرو بن قيس فصبر جميل قال الرضا بالمصيبة والتسليم وقال بعض السلف فصبر جميل لا شكوى فيه وقال همام

عن قتادة في قوله تعالى وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم قال كظم على حزن فلم يقل إلا خيرا وقال يحيى بن المختار عن الحسن الكظيم الصبور وقال همام عن قتادة في قوله تعالى وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم أى كميد أى كمد الحزن وقال الحسن ما جرعتين أحب إلى الله من جرعة مصيبة موجعة محزنة ردها صاحبها بحسن عزاء وصبر وجرعة غيظ ردها بحلم
وقال عبد الله بن المبارك أخبرنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار أن سعيد ابن جبير قال الصبر اعتراف العبد لله بما اصابه منه واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو يتجلد لا يرى منه الا الصبر فقوله اعتراف العبد لله بما اصاب منه كأنه تفسير لقوله انا لله فيعترف أنه ملك لله يتصرف فيه مالكه بما يريد وقوله راجيا به ما عند الله كأنه تفسير لقوله
وانا اليه راجعون أى ترد اليه فيجزينا على صبرنا ولا يضيع أجر المصيبة وقوله وقد يجزع الرجل وهو يتجلد أى ليس الصبر بالتجلد وانما هو حبس القلب عن التسخط على المقدور ورد اللسان عن الشكوى فمن تجلد وقلبه ساخط على القدر فليس بصابر
وقال يونس بن يزيد سألت ربيعة بن أبى عبد الرحمن ما منتهى الصبر قال أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه وقال قيس بن الحجاج في قول الله فاصبر صبرا جميلا قال أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يعرف من هو وكان شمر اذا عزى مصابا قال اصبر لما حكم ربك وقال أبو عقيل رأيت سالم بن عبدالله بن عمر بيده سوط وعليه ازار في موت واقد بن عبدالله بن عمر لا يسمع صارخة ينالها بالسوط الا ضربها
قال ابن أبى الدنيا حدثنى محمد بن جعفر بن مهران قال قالت امرأة من قريش
أما والذى لا خلد الا لوجهه ... ومن ليس في العز المنيع له كفو
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه ... لقد يجنى من غبه الثمر الحلو قال وأنشدنى عمرو بن بكير
صبرت فكان الصبر خير مغبة ... وهل جزع يجدى على فأجزع
ملكت دموع العين حتى رددتها ... إلى ناظرى فالعين في القلب تدمع

قال وأنشدنى أحمد بن موسى الثقفي
نبئت خولة أمس قد جزعت ... من أن تنوب نوائب الدهر
لا تجزعى يا خول واصبرى ... ان الكرام بنوا على الصبر
قال وحدثنى عبد الله بن محمد بن اسماعيل التيمى أن رجلا عزى رجلا في ابنه فقال انما يستوجب على الله وعده من صبر له بحقه فلا تجمع إلى ما أصبت به من المصيبة الفجيعة بالأجر فإنها أعظم المصيبتين عليك وأنكى الرزيتين لك والسلام وعزى ابن أبى السماك رجلا فقال عليك بالصبر فيه يعمل من احتسب واليه يصير من جزع وقال عمر بن عبد العزيز أما الرضاء فمنزلة عزيزة أو منيعة ولكن جعل الله في الصبر معولا حسنا ولما مات عبد الملك ابنه صلى عليه ثم قال رحمك الله لقد كنت لى وزيرا وكنت لى معينا قال والناس يبكون وما يقطر من عينيه قطرة وأصيب مطرف بن عبد الله في ابن له فأتاه قوم يعزونه فخرج اليهم أحسن ما كان بشرا ثم قال انى لأستحى من الله أن أتضعضع لمصيبة وقال عمرو بن دينار قال عبيد بن عمير ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيء والظن السيء
وقال ابن أبى الدنيا حدثنى الحسين بن عبد العزيز الحروزى قد مات ابن لى نفيس فقلت لأمه اتق الله واحتسبيه واصبرى فقالت مصيبتى أعظم من أن افسدها بالجزع قال ابن أبى الدنيا وأخبرنى عمر بن بكير عن شيخ من قريش قال مات الحسن بن الحصين أبو عبيد الله بن الحسن وعبيد الله يومئذ قاض على البصرة وأميرا فكثر من يعزيه فتذاكروا ما يتبين به جزع الرجل من صبره فأجمعوا أنه اذا ترك شيئا مما كان يصنعه فقد جزع
وقال خالد بن أبى عثمان القرشى كان سعيد بن جبير يعزينى في ابنى فرآنى أطوف بالبيت متقنعا فكشف القناع عن رأسى وقال الاستكانة من الجزع
فصل وأما قول كثير من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا بأس أن يجعل المصاب
على رأسه ثوبا يعرف به قالوا لأن التعزية سنة وفي ذلك تيسير لمعرفته حتى يعزيه ففيه نظر وانكره شيخنا ولا ريب أن السلف لم يكونوا

يفعلوا شيئا من ذلك ولا نقل هذا عن أحد من الصحابة والتابعين والآثار المتقدمة كلها صريحة في رد هذا القول وقد أنكر اسحق بن راهوايه أن يترك لبس ما عادته لبسه وقال هو من الجزع
وبالجملة فعادتهم أنهم لم يكونوا يغيرون شيئا من زيهم قبل المصيبة ولا يتركون ما كانوا يعملونه فهذا كله مناف للصبر والله سبحانه أعلم
الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب وشق
الثياب ودعوى الجاهلية ونحوها
فمنها البكاء على الميت ومذهب أحمد وأبى حنيفة أجازاه قبل الموت وبعده واختاره أبو اسحاق الشيرازى وكرهه الشافعى وكثير من أصحابه بعد الموت ورخصوا فيه قبل خروج الروح واحتجوا بحديث جابر بن عتيك أن رسول الله جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجب فاسترجع وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال رسول الله دعهن فاذا وجب فلا تبكين باكية قالوا وما الوجوب يا رسول الله قال الموت رواه أبو داود والنسائى
قالوا وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله قال ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه وهذا انما هو بعد الموت وأما قبله فلا يسمى ميتا وعن ابن عمر أن رسول الله لما قدم من أحد سمع نساء بنى عبد الاشهل يبكين على هلكاهن فقال لكن حمزة لا بواكى له فجئن نساء الانصار فبكين على حمزة عنده فاستيقظ فقال ويحهن أتين هاهنا يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم رواه الامام أحمد وهذا صريح في نسخ الاباحة المتقدمة
والفرق بين ما قبل الموت وبعده أنه قبل الموت يرجى فيكون البكاء عليه حذرا فاذا مات انقطع الرجاء وأبرم القضاء فلا ينفع البكاء

قال المجوزون قال جابر بن عبدالله أصيب أبى يوم أحد فجعلت أبكى فجعلوا ينهوننى ورسول الله لا ينهانى فجعلت عمتى فاطمة تبكى فقال النبي تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه متفق عليه
وفي الصحيحين أيضا عن ابن عمر قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ابى وقاص وعبد الله بن مسعود فلما دخل عليه وجده في غشية فقال قد قضى قالوا لا يا رسول الله فبكى رسول الله فلما رأى القوم بكاءه بكوا فقال ألا تسمعون ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم
وفي الصحيحين أيضا من حديث أسامه بن زيد أن رسول الله انطلق إلى إحدى بناته ولها صبى في الموت فرفع اليه الصبى ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال سعد ما هذا يا رسول الله قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء
وفي مسند الامام أحمد من حديث بن عباس قال ماتت رقية ابنة رسول الله فبكت النساء فجعل عمر يضربهن بسوطه فقال النبي دعهن يا عمر يبكين وإياكن ونعيق الشيطان ثم قال انه مهما كان من العين ومن القلب فمن الله ومن الرحمة وما كان من اليد ومن اللسان فمن الشيطان وفي المسند أيضا عن عائشة أن سعد بن معاذ لما مات حضره رسول الله وأبو بكر وعمر قالت فوالذى نفسى بيده انى لأعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتى وفي المسند أيضا عن أبى هريرة قال مر على النبي بجنازة يبكى عليها وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب فانتهر عمر اللاتى يبكين عليها فقال النبي دعهن يا ابن الخطاب فان النفس مصابة وان العين دامعة والعهد قريب
وفي جامع الترمذى عن جابر بن عبدالله قال أخذ النبي بيد عبد الرحمن ابن عوف فانطلق إلى ابنه ابراهيم فوجده يجود بنفسه فأخذه النبي فوضعه في حجره فبكى فقال له أتبكى أو لم تكن نهيت عن البكاء قال لا ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش الوجه وشق الجيوب

ورثة الشيطان قال الترمذى هذا حديث حسن وقد صح عنه أنه زارقير أمه فبكى وأبكى من حوله وقد صح عنه أنه قبل عثمان بن مظعون حتى سالت دموعه على وجهه وصح عنه أنه نعى جعفر وأصحابه وعيناه تذرفان وصح عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه أنه قبل النبي وهو ميت وبكى
فهذه إثنا عشرة حجة تدل على عدم كراهة البكاء فتعين حمل أحاديث النهى على البكاء الذى معه ندب ونياحة ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه وفي بعضها يعذب بما ينح عليه وقال البخارى في صحيحه قال عمر دعهن يبكين على أبى سليمان يعنى خالد بن الوليد ما لم يكن نقع أو لقلقة والنقع حث التراب واللقلقة الصوت
وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح اذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أحد
ويدل على ذلك أن نصوص الاباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبى هريرة إذ اسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء على سعد بن معاذ وكان موته في الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في الثامنة
وقولهم انما جاز قبل الموت حذرا بخلاف ما بعد الموت جوابه أن الباكى قبل الموت يبكى حزنا وحزنه بعد الموت أشد فهو أولى برخصة البكاء من الحالة التى يرجى فيها وقد أشار النبي إلى ذلك بقوله تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وانا بك يا ابراهيم لمحزونون فصل وأما الندب والنياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعى وغيرهم النوح حرام وقال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد يكره تنزيها وهذا لفظ أبى الخطاب في الهداية قال ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي والصواب القول بالتحريم لما في

الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي قال ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية وفي الصحيحين أيضا عن أبى بردة قال وجع أبو موسى وجعا فغشى عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا فلما أفاق قال أنا بريء مما يريء منه رسول الله فان رسول الله برئ من الصالقة والحالقة والشاقة وفي الصحيحين أيضا عن المغيرة بن شعبة قال سمعت رسول الله يقول إن من ينح عليه يعذب بما نيح عليه وفي الصحيحين أيضا أم عطية قالت أخذ علينا رسول الله في البيعة ألا ننوح فما وفت منا امرأة الا خمس نسوة
وفي صحيح البخارى عن ابن عمر أن النبي قال الميت يعذب في قبره بما ينح عليه وفي صحيح مسلم عن أبى مالك الأشعرى أن النبي قال أربع في أمتى من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالاحساب والطعن في الانساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب
وفي سنن ابى داود عن أسيد بن أبي أسيد عن امرأة من المبايعات قالت كان فيما أخذ علينا رسول الله في المعروف الذى أخذ علينا أن لا نعصيه فيه أن لا نخمش وجها ولا ندعو ويلا ولا نشق جيبا ولا ننفش شعرا وفي المسند عن انس قال أخذ النبي على النساء حين بايعهن أن لا ينحن فقلن يا رسول الله ان نساء أسعدتنا في الجاهلية أفنسعدهن في الاسلام فقال لا إسعاد في الاسلام وقد تقدم قوله ما كان من اليد واللسان فمن الشيطان وقوله نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان
وفي مسند الامام أحمد من حديث أبى موسى أن رسول الله قال الميت يعذب ببكاء الحى اذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسياه جبذ الميت وقيل له أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسيها وفي صحيح البخارى عن النعمان ابن بشير قال أغمى على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكى وتقول واجبلاه

واكذا واكذا تعدد عليه فقال حين أفاق ما قلت لى شيئا إلا قيل لى أنت كذا فلما مات لم تبك عليه
وكيف لا تكون هذه الخصال محرمة وهى مشتملة على التسخط على الرب وفعل ما يناقض الصبر والاضرار بالنفس من لطم الوجه وحلق الشعر ونتفه والدعاء عليها بالويل والثبور والتظلم من الله سبحانه وإتلاف المال بشق الثياب وتمزيقها وذكر الميت بما ليس فيه ولا ريب أن التحريم الشديد يثبت ببعض هذا
وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له قد روى حرب عن وائلة بن الأسقع وأبى وائل أنهما كانا يسمعان النوح ويسكتان
قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية قالت لما نزلت هذه الآية يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا إلى قوله ولا يعصينك في معروف كان منه النياحة فقلت يا رسول الله الا آل فلان فإنهم كانوا أسعدونى في الجاهلية فلا بد لى من أن أسعدهم فقال الا آل فلان وفي رواية لهما أنها قالت بايعنا رسول الله فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت فلانة أسعدتنى فأنا أريد أن أجزيها قالت فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها قالوا وهذا الاذن لبعضهن في فعله يدل على أن النهى عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة
قال المحرمون لا تعارض سنة رسول الله بأحد من الناس كائنا من كان ولا نضرب سننه بعضها ببعض وما ذكرنا من النصوص صحيحة صريحة لا تحتمل تأويلا وقد انعقد عليها الاجماع وأما المرأة التى قال لها الا آل فلان والمرأة التى سكت عنها فذلك خاص بهما لوجهين
أحدهما أنه قال لغيرهما لما سألته ذلك لا اسعاد في الاسلام
والثانى أنه أطلق لهما ذلك وهما حديثا عهد بالاسلام وهما لم يميزا بين الجائز من ذلك وبين المحرم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فعلم أن الحكم لا يعدوهما إلى غيرهما

وأما الكلمة اليسيرة اذا كانت صدقا لا على وجه النوح والتسخط فلا تحرم ولا تنافي الصبر الواجب نص عليه أحمد في مسنده من حديث أنس أن أبا بكر رضى الله عنه دخل على النبي بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يده على صدغيه وقال وانبياه واخليلاه واصفياه
وفي صحيح البخارى عن أنس أيضا قال لما ثقل على النبي جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه فلما دفن قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب وقال النبي وانا بك يا ابراهيم لمحزنون وهذا ونحوه من القول الذى ليس فيه تظلم للمقدور ولا تسخط على الرب ولا اسخاط له فهو كمجرد البكاء فصل وأما قول النبي ان الميت ليعذب بالنياحة عليه فقد ثبت عنه من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والمغيرة بن شعبة وروى نحوه عن عمران بن حصين وأبى موسى رضى الله عنهم فاختلفت طرق الناس في ذلك فقالت فرقة يتصرف الله في خلقه بما يشاء وأفعال الله لا تعلل ولا فرق بين التعذيب بالنوح عليه والتعذيب بما هو منسوب اليه لأن الله خالق الجميع والله تعالى يؤلم الاطفال والبهائم والمجانين بغير عمل
وقالت فرقة هذه الاحاديث لا تصح عن رسول الله وقد أنكرتها عائشة أم المؤمنين واحتجت بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى ولما بلغها رواية عمر وابنه قالت انكم لتحدثون عن غير كاذبين ولا متهمين ولكن السمع يخطئ وقالت انما مر النبي على قبر يهودى فقال ان صاحب هذا القبر يعذب وأهله يبكون عليه
وفي رواية متفق عليها عنها انما قال رسول الله ان الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى
وقالت فرقة أخرى منهم المزنى وغيره ان ذلك محمول على من أوصى به اذا كانت عادتهم ذلك وهو كثير في أشعارهم كقول طرفة

اذا مت فانعينى بما أنا أهله ... وشقى على الجيب يا إبنة معبد وقول لبيد
فقوما فقولا بالذى قد علمتما ... ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر
وقولا هو المرء الذى لا صديقه ... أضاع ولا خان الامين ولا غدر
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقالت طائفة هو محمول على من سنته وسنة قومه ذلك اذا لم ينههم عنه لأن ترك نهيه دليل على رضاه به وهذا قول ابن المبارك وغيره قال أبو البركات ابن تيمية وهو أصح الاقوال كلها لأنه متى غلب على ظنه فعلهم ولم يوصهم بتركه فقد رضى به وصار كمن ترك النهى عن المنكر مع القدرة عليه فأما اذا أوصاهم بتركه فخالفوه فالله أكرم من أن يعذبه بذلك وقد حصل بذلك العمل بالآية مع اجراء الخير على عمومه في كثير من الموارد وانكار عائشة لذلك بعد رواية الثقات لا يعول عليه فإنهم قد يحضرون ما لا نحضره ويشهدون ما نغيب عنه واحتمال السهو والغلط بعيد خصوصا في حق خمسة من أكابر الصحابة
وقوله في اليهود لا يمنع أن يكون قد قال ما رواه عنه هؤلاء الخمسة في أوقات أخر ثم هى محجوجة بروايتها عنه أنه قال ان الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه فإذا لم يمنع زيادة الكافر عذابا بفعل غيره مع كونه مخالفا لظاهر الآية لم يمنع ذلك في حق المسلم ان الله سبحانه كما لا يظلم عبده المسلم لا يظلم الكافر والله أعلم فصل ولا تحتاج هذه الاحاديث إلى شئ من هذه التكلفات وليس فيها بحمد الله اشكال ولا مخالفة لظاهر القرآن ولا لقاعدة من قواعد الشرع ولا تتضمن عقوبة الانسان بذنب غيره فإن النبي لم يقل ان الميت يعاقب ببكاء أهله عليه ونوحهم وانما قال يعذب بذلك ولا ريب أن ذلك يؤلمه ويعذبه والعذاب هو الالم الذى يحصل له وهو أعم من العقاب والاعم لا يستلزم الاخص وقد قال النبي السفر قطعة من العذاب وهذا العذاب يحصل للمؤمن والكافر حتى ان الميت ليتألم بمن يعاقب في قبره في جواره ويتأذى بذلك كما يتأذى الانسان في الدنيا بما يشاهده من عقوبة جاره فإذا بكى أهل الميت عليه البكاء المحرم وهو

البكاء الذى كان أهل الجاهلية يفعلونه والبكاء على الميت عندهم اسم لذلك وهو معروف في نظمهم ونثرهم تألم الميت بذلك في قبره فهذا التألم هو عذابه بالبكاء عليه وهذه طريقة شيخنا في هذه الاحاديث وبالله التوفيق
الباب التاسع عشر في أن الصبر نصف الايمان والايمان نصفان نصف صبر
ونصف شكر قال غير واحد من السلف الصبر نصف الايمان وقال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور في سورة ابراهيم وفي سورة حمعسق وفي سورة سبأ وفي سورة لقمان وقد ذكر لهذا التنصيف اعتبارات
أحدها أن الايمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهى ترجع إلى شطرين فعل وترك فالفعل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر والترك هو الصبر عن المعصية والدين كله في هذين الشيئين فعل المأمور وترك المحظور
الاعتبار الثانى أن الايمان مبنى على ركنين يقين وصبر وهما الركنان المذكوران في قوله تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فباليقين يعلم حقيقة الامر والنهى والثواب والعقاب وبالصبر ينفذ ما أمر به ويكف نفسه عما نهى عنه ولا يحصل له التصديق بالامر والنهى انه من عند الله وبالثواب والعقاب الا باليقين ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن المحظور الا بالصبر فصار الصبر نصف الايمان والنصف الثانى الشكر بفعل ما أمر به وبترك ما نهى عنه
الاعتبار الثالث أن الايمان قول وعمل والقول قول القلب واللسان والعمل عمل القلب والجوارح وبيان ذلك أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمنا كما قال عن قوم فرعون وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وكما قال عن قوم

عاد وقوم صالح وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقال موسى لفرعون لقد علمت ما أنزل هؤلاء الا رب السموات والارض بصائر فهؤلاء حصل قول القلب وهو المعرفة والعلم ولم يكونوا بذلك مؤمنين وكذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمنا بل كان من المنافقين وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمنا حتى يأتى بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة فيحب الله ورسوله ويوالى أولياء الله ويعادى أعداءه ويستسلم بقلبه لله وحده وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهرا وباطنا واذا فعل ذلك لم يكف في كمال ايمانه حتى يفعل ما امر به
فهذه الاركان الاربعة هى أركان الايمان التى قام عليها بناؤه وهى ترجع إلى علم وعمل ويدخل في العمل كف النفس الذى هو متعلق النهى وكلاهما لا يحصل الا بالصبر فصار الايمان نصفين أحدهما الصبر والثانى متولد عنه من العلم والعمل
الاعتبار الرابع أن النفس لها قوتان قوة الاقدام وقوة الاحجام وهى دائما تتردد بين أحكام هاتين القوتين فتقدم على ما تحبه وتحجم عما تكرهه والدين كله اقدام واحجام اقدام على طاعة واحجام عن معاصى الله وكل منهما لا يمكن حصوله الا بالصبر
الاعتبار الخامس أن الدين كله رغبة ورهبة فالمؤمن هو الراغب الراهب قال تعالى انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وفي الدعاء عند النوم الذى رواه البخارى في صحيحه اللهم انى أسلمت نفسى اليك ووجهت وجهى اليك وفوضت امرى اليك وألجأت ظهرى اليك رغبة ورهبة اليك فلا تجد المؤمن أبدا الا راغبا وراهبا والرغبة والرهبة لا تقوم الا على ساق الصبر فرهبته تحمله على الصبر ورغبته تقوده إلى الشكر
الاعتبار السادس ان جميع ما يباشره العبد في هذه الدار لا يخرج عما ينفعه في الدنيا والآخرة أو يضره في الدنيا والاخرة أو ينفعه في أحد الدارين ويضره في الاخرى وأشرف الاقسام أن يفعل ما ينفعه في الاخرة ويترك ما يضره فيها وهو حقيقة الايمان ففعل ما ينفعه هو الشكر وترك ما يضره هو الصبر

الاعتبار السابع ان العبد لا ينفك عن أمر يفعله ونهى يتركه وقدر يجرى عليه وفرضه في الثلاثة الصبر والشكر ففعل المأمور هو الشكر وترك المحظور والصبر على المقدور هو الصبر
الاعتبار الثامن إن العبد فيه داعيان داع يدعوه إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها وداع يدعوه إلى الله والدار الآخرة وما أعد فيها لأوليائه من النعيم المقيم فعصيان داعى الشهوة والهوى هو الصبر وإجابة داعى الله والدار الآخرة هو الشكر
الاعتبار التاسع ان الدين مداره على أصلين العزم والثبات وهما الأصلان المذكوران في الحديث الذى رواه أحمد والنسائى عن النبي اللهم إنى أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأصل الشكر صحة العزيمة وأصل الصبر قوة الثبات فمتى أيد العبد بعزيمة وثبات فقد أيد بالمعونة والتوفيق
الاعتبار العاشر ان الدين مبنى على أصلين الحق والصبر وهما المذكوران في قوله تعالى
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ولما كان المطلوب من العبد هو العمل بالحق في نفسه وتنفيذه في الناس وكان هذا هو حقيقة الشكر لم يمكنه ذلك إلا بالصبر عليه فكان الصبر نصف الايمان والله سبحانه وتعالى أعلم
الباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر حكى
أبو الفرج ابن الجوزى في ذلك ثلاثة أقوال أحدها ان الصبر أفضل والثانى ان الشكر أفضل والثالث أنهما سواء كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت
ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وعليها في احتجاجها بعون الله وتوفيقه قال الصابرون قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والاخرة وقد ذكره الله في كتابه في نحو تسعين موضعا وقد تقدم من النصوص والأحاديث فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر ويكفي

في فضله قوله الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله مدمن الخمر كعابد وثن ونظائر ذلك قالوا وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر وجدنا نصوص الصبر اضعافها ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الاعمال كانت الاحاديث فيهما في سائر الابواب فلا تجد الاحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد قالوا وايضا فالصبر يدخل في كل باب بل في كل مسئلة من مسائل الدين ولهذا كان من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى علق على الشكر الزيادة فقال وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب وايضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال وسيجزى الله الشاكرين وقيد جزاء الصابرين بالاحسان فقال ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون قالوا وقد صح عن النبي أنه قال يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به
وفي لفظ كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى الا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به وما ذاك الا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها كما في الحديث نفسه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلى ولهذا قال النبي لمن سأله عن أفضل الاعمال عليك بالصوم فإنه لا عدل له ولما كان الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الهوى وكان هذا حقيقة الصوم فإنه حبس النفس عن اجابة داعى شهوة الطعام والشراب والجماع فسر الصبر في قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة أنه الصوم وسمى رمضان شهر الصبر وقال بعض السلف الصوم نصف الصبر وذلك أن الصبر حبس النفس عن اجابة داعى الشهوة والغضب فإن النفس تشتهى الشئ لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لنفرتها من المؤلم لها والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهى شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن اجابة داعى الامرين وقد أشار إلى ذلك النبي في الحديث الصحيح وهو قوله

إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يصخب فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل انى صائم فأرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن الصائم ينبغى له أن يحتمى من افسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الاخر من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه قالوا ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى أنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقال تعالى والله مع الصابرين لا شئ يعدل معيته لعبده كما قال بعض العارفين ذهب الصابرون بخير الدنيا والاخرة لأنهم نالوا معية الله وقال تعالى واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصبر لحكمه
وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد خير من الدنيا وماعليها وهى صلواته تعالى عليهم ورحمته لهم وتخصيصهم بالهداية في قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم وأخبر أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولى العزم من الرسل وقد تقدم ذكر ذلك
قالوا وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها مهما أمكن من الاستكثار منها والزهد فيها حال الصابر والاستكثار منها حال الشاكر قالوا وقد سئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما ولم يلتفت اليه وأخذه الاخر وأنفقه في طاعة الله تعالى أيهما أفضل فقال الذى لم يلتفت اليه وأعرض عنه أفضل عند الله
قالوا ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها وقال بل أجوع يوما وأشبع يوما ولو أخذها لأنفقها في مرضاة الله وطاعته فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها قالوا وقد علم أن الكمال الانسانى في ثلاثة أمور علوم يعرفها وأعمال يعمل بها وأحوال ترتب له على علومه وأعماله وأفضل العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله والعمل بمرضاته وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه

أشرف ما في الاخرة وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التى تطلب لذاتها وانما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة اذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الاخرة والا فهو في الدنيا وان شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملا للمعارضات التى عليه والمحن التى امتحن بها والا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب افضائها إلى هذه المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذى خلق له فهو أشرف مما دونه وكذلك الاعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب افضائها إلى المقصود وهكذا يجب أن يكون فإن كل ما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك واذا أشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصى في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها وتأثير الطاعات والمعاصى بحسب درجاتها
وها هنا أمر ينبغى التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره فالغنى الذى بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شئ منه فصدقته وايثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولى الامر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وانصاف المظلوم من الظالم واقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل

أفضل من عبادة سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية ابى ذر بل قال له إنى أراك ضعيفا وانى أحب لك ما أحب لنفسى لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم وأمره وغيره بالصيام وقال عليك بالصوم فانه لا عدل له وأمر آخر بأن لا يغضب وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالا وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له فاذا استفرغ وسعه على غيره وفاق الناس فيه كما قيل
ما زال يسبق حتى قال حاسده ... هذا طريق إلى العلياء مختصر
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا اذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به واذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه فالشح المطاع مثلا من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى والاعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد وانما يزيله اخراجه من القلب بضده ولو قيل ايما افضل الخبز أو الماء لكان الجواب أن هذا في موضعه أفضل وهذا في موضعه أفضل
واذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال فهو دواء للداء الذى في القلب يمنعه من المقصود وأما الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا فإن قيل فقد حث الشرع على الاعمال وانفصلوا عنه بأن قالوا الطبيب اذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به ولكن الاعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك
قالوا واذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال

الشاكر حال المتداوى بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم فصل قال الشاكرون لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذى هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة اليهما وعونا عليهما قال تعالى اذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون
وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم أى ان وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والايمان فما أصنع بعذابكم
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده فقال وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وقسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء اليه الكفر وأهله وأحب الأشياء اليه الشكر وأهله قال تعالى في الانسان إنا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا
وقال نبيه سليمان هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربى غنى كريم وقال تعالى وأذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم ان عذابى لشديد وقال تعالى ان تكفروا فان الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكر والكفر فهو ضده قال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الايمان فلم ينقلبوا على أعقابهم وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره وقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على المشيئة كقوله فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء وقوله في الاجابة فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وقوله

في الرزق يرزق من يشاء وفي المغفرة يغفر لمن يشاء والتوبة ويتوب الله على من يشاء وأطلق جزاء الشكر اطلاقا حيث ذكر كقوله وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين ولما عرف عدو الله ابليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ووصف الله سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى وقليل من عبادى الشكور
وذكر الامام أحمد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع رجلا يقول اللهم اجعلنى من الاقلين فقال ما هذا فقال يا أمير المؤمنين ان الله قال وما آمن معه الا قليل وقال تعالى وقليل من عبادى الشكور وقال الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم فقال عمر صدقت وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى أهل الارض بالشكر فقال ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا وفي تخصيص نوح ها هنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته اشارة إلى الاقتداء به فانه أبوهم الثانى فان الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلا الا من ذريته كما قال تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر فانه كان عبدا شكورا
وقد أخبر سبحانه انما يعبده من شكره فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون وأمر عبده موسى ان يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليم بالشكر فقال تعالى يا موسى انى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وأول وصية وصى الله بها الانسان بعد ماعقل عنه بالشكر له وللوالدين فقال ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير
وأخبر أن رضاه في شكره فقال تعالى وان تشكروا يرضه لكم وأثنى سبحانه على خليله ابراهيم بشكر نعمه فقال ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة أى قدوة يؤتم به في الخير وانه قانتا لله والقانت هو المطيع المقيم

على طاعته والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه ثم ختم له بهذه الصفات بأنه شاكر لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله
وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره بل هو الغاية التى خلق عبيده لأجلها والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون فهذه غاية الخلق وغاية الأمر فقال ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ويجوز أن يكون قوله لعلكم تشكرون تعليلا لقضائه لهم بالنصر ولأمره لهم بالتقوى ولهما معا وهو الظاهر فالشكر غاية الخلق والامر وقد صرح سبحانه بأنه غاية أمره وارساله الرسول في قوله تعالى كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون قالوا فالشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره والصبر انما حمد لافضائه وايصاله إلى الشكر فهو خادم الشكر وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا وثبت في المسند والترمذى أن النبي قال لمعاذ والله انى لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وقال ابن أبى الدنيا حدثنا اسحاق بن اسماعيل حدثنا أبو معاويه وجعفر بن عون عن هشام بن عروة قال كان من دعاء النبي اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
قال وحدثنا محمود بن غيلان حدثنا المؤمل بن اسماعيل حدثنا حماد بن سلمه حدثنا حميد الطويل عن طلق بن حبيب عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله قال أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا في ماله وذكر ايضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله الا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد

ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره وإن الرجل يشترى الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له
وقد ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله فيحمده عليها ويشرب الشربه فيحمده عليها فكان هذا الجزاء العظيم الذى هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى
ورضوان من الله أكبر في مقابلة شكره بالحمد وذكر ابن أبى الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشى عن أبيه قال قال رسول الله لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة لأن الله تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم وقال الحسن البصرى إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة وذكر ابن أبى الدنيا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال لرجل من همذان إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد
وقال عمر بن عبد العزيز قيدوا نعم الله بشكر الله وكان يقال الشكر قيد النعم وقال مطرف بن عبد الله لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن ابتلى فأصبر وقال الحسن أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال وأما بنعمة ربك فحدث والله تعالى يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال وقال على بن الجعدى سمعت سفيان الثورى يقول إن داود E قال الحمد لله حمدا كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله فأوحى الله اليه يا داود أتعبت الملائكة
وقال شعبة حدثنا المفضل بن فضالة عن أبى رجاء العطاردى قال خرج علينا عمران بن الحصين وعليه مطرف خز لم نره عليه قبل ولا بعد فقال ان رسول الله قال إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وفي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده

وذكر شعبة عن أبى اسحاق عن أبى الأحوص عن أبيه قال أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك من مال قال قلت نعم قال من أى المال قلت من كل المال قد آتانى الله من الابل والخيل والرقيق والغنم قال فإذا آتاك الله مالا فليرى عليك
وفي بعض المراسيل ان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه وروى عبد الله بن يزيد المقرى عن أبى معمر عن بكير بن عبد الله رفعه من أعطى خيرا فرؤى عليه سمى حبيب الله محدثا بنعمة الله ومن أعطى خيرا ولم ير عليه سمى بغيض الله معاديا لنعمة الله وقال فضيل بن عياض كان يقال من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة لقول الله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم وقال من شكر النعمة أن يحدث بها وقد قال تعالى يا ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتى وأنت تتقلب في معصيتى فاحذرنى لأصرعك بين معاصى يا ابن آدم اتقنى ونم حيث شئت
وقال الشعبى الكشر نصف الايمان واليقين الايمان كله وقال أبو قلابة لا تضركم دنيا شكرتموها وقال الحسن إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادرا على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادرا على أن يبعث نعمته عليهم عذابا وقد ذم الله سبحانه الكنود وهو الذى لا يشكر نعمه قال الحسن إن الانسان لربه لكنود يعد المصائب وينسى النعم وقد أخبر النبي إن النساء أكثر أهل النار بهذا السبب قال لو أحسنت إلى إحداههن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط فإذا كان هذا بترك شكر نعمة الزوج وهى في الحقيقة من الله فكيف بمن ترك شكر نعمة الله
يا أيها الظالم في فعله ... والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى ... تشكو المصيبات وتنسى النعم
ذكر ابن أبى الدنيا من حديث أبى عبد الرحمن السلمي عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة

عذاب وقال مطرف بن عبد الله نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة ولأن أعافى أعافي فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر ورأى بكر بن عبد الله المزنى حمالا عليه حمله وهو يقول الحمد الله أستغفر الله قال فأنتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له أما تحسن غير هذا قال بلى أحسن خيرا كثيرا أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب فأحمد الله على نعمه السابغة وأستغفره لذنوبى فقلت الحمال أفقه من بكر
وذكر الترمذى من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال خرج رسول الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم كنت كلما أتيت على قوله فبأى آلاء ربكما تكذبان قالوا لا بشئ من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد وقال مشعر لما قيل لآل داود اعملوا آل داود شكرا لم يأت على القوم ساعة الا وفيهم مصلى
وقال عون بن عبد الله قال بعض الفقهاء انى رأيت في أمرى لم أر خيرا الا شر معه الا المعافاة والشكر فرب شاكر في بلائه ورب معافى غير شاكر فإذا سألتم الله فاسألوهما جميعا وقال أبو معاويه لبس عمر بن الخطاب قميصا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذى كسانى ما أوارى به عورتى وأتجمل به في حياتى ثم مد يديه فنظر شيئا يزيد على يديه فقطعه ثم أنشأ يحدث قال سمعت رسول الله يقول من لبس ثوبا أحسبه جديدا فقال حين يبلغ ترقوته أو قال قبل أن يبلغ ركبتيه مثل ذلك ثم عمد إلى ثوبه الخلق فكسا به مسكينا لم يزل في جوار الله وفي ذمة الله وفي كنف الله حيا وميتا ما بقى من ذلك الثوب سلك
وقال عون بن عبد الله لبس رجل قميصا جديدا فحمد الله فغفر له فقال رجل ارجع حتى أشترى قميصا فألبسه وأحمد الله وقال شريح ما أصيب عبد بمصيبة الا كان لله عليه فيها ثلاث نعم ألا تكون كانت في دينه وألا تكون أعظم مما كانت وأنها لا بد كائنه فقد كانت
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى

نعمة أنعم الله بها عليه الا قال اللهم انى أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثنى بها وقال روح بن القاسم تنسك رجل فقال لا آكل الخبيص لا أقوم بشكره فقال الحسن هذا أحمق وهل يقوم بشكر الماء البارد
وفي بعض الآثار الالهية يقول الله عزوجل ابن آدم خيرى اليك نازل وشرك إلى صاعد أتحبب اليك بالنعم وتتبغض إلى بالمعاصى ولا يزال ملك كريم قد عرج إلى منك بعمل قبيح
قال ابن أبى الدنيا حدثنى أبو على قال كنت أسمع جارا لي يقول في الليل يا الهى خيرك على نازل وشرى اليك صاعد كم من ملك كريم قد صعد اليك منى بعمل قبيح وأنت مع غناك عنى تتحبب إلى بالنعم وأنا مع فقرى اليك وفاقتى أتمقت اليك بالمعاصى وأنت في ذلك تجبرنى وتسترنى وترزقنى وكان أبو المغيرة اذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد أصبحنا مغرقين في النعم عاجزين عن الشكر يتحبب الينا ربنا وهو غنى عنا ونتمقت اليه ونحن اليه محتاجون وقال عبد الله بن ثعلبة الهى من كرمك أنك تطاع ولا تعصى ومن حلمك أنك تعصى وكأنك لا ترى وأى زمن لم يعصك فيه سكان أرضك وأنت بالخير عواد وكان معاوية بن قرة اذا لبس ثوبا جديدا قال بسم الله والحمد لله وقال أنس بن مالك ما من عبد توكل بعبادة الله الا عزم الله السموات والارض تعبر رزقه فجعله في أيدى بنى آدم يعملونه حتى يدفع عنه اليه فإن العبد قبله أوجب عليه الشكر وان أباه وجد الغنى الحميد عبادا فقراء يأخذون رزقه ويشكرون له
وقال يونس بن عبيد قال رجل لأبى تميمة كيف أصبحت قال أصبحت بين نعمتين لا أدرى أيتهما أفضل ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يعيرنى بها أحد ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملى
وروى ابن أبى الدنيا عن سعيد المقبرى عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال يارب ما الشكر الذى ينبغى لك قال لا يزال لسانك رطبا من ذكرى وروى سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دعا

رجل من الأنصار من أهل قباء النبي فانطلقنا معه فلما طعم وغسل يديه قال الحمد لله الذى يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربى ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذى أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العرى وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير من خلقه تفضيلا الحمد لله رب العالمين
وفي مسند الحسن بن الصلاح من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت ويذكر عن عائشة رضى الله عنها أن النبي دخل عليها فرآى كسرة ملقاة فمسحها وقال يا عائشة أحسنى جوار نعم الله فإنها فلما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع اليهم ذكره ابن أبى الدنيا
وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا صالح عن أبى عمران الجونى عن أبى الخلد قال قرأت في مسألة داود أنه قال يا رب كيف لى أن أشكر وأنا لا أصل إلى شكرك الا بنعمك قال فأتاه الوحى يا داود أليس تعلم أن الذى بك من النعم منى قال بلى يا رب قال فإنى نرضى بذلك منك شكرا
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو موسى الانصارى حدثنا أبو الوليد عن سعيد ابن عبد العزيز قال كان من دعاء داود سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج الدعاء بالبلاء وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنى الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال أوحى الله إلى داود أحبنى وأحب عبادتى وحببنى إلى عبادى قال يا رب هذا حبك وحب عبادتك فكيف أحببك إلى عبادك قال تذكرنى عندهم فإنهم لا يذكرون منى إلا الحسن فجل جلال ربنا وتبارك اسمه وتعالى جده وتقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولا اله غيره
وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق بن عمران قال سمعت وهبا يقول وجدت في كتاب آل داود بعزتى ان من اعتصم بى فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإنى أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بى فإنى أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه

كفي بى لعبدى مالا اذا كان عبدى في طاعتى أعطيته قبل أن يسألنى وأجبته قبل أن يدعونى وإنى أعلم بحاجته التى ترفق به من نفسه
وقال أحمد حدثنا يسار حدثنا حفص حدثنا ثابت قال كان داود عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن ساعة من ليل أو نهار الا وانسان من آل داود قائم يصلى فيها قال فعمهم تبارك وتعالى في هذه الآية اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور
قال أحمد وحدثنا جابر بن زيد عن المغيرة بن عيينة قال داود يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك منى فأوحى الله اليه نعم الضفدع وأنزل الله عليه اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور قال يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم على ثم ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة فالنعم منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك قال الآن عرفتنى يا داود قال أحمد وحدثنا عبد الرحمن حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن قال نبى الله داود الهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر ما وفيت حق نعمة واحدة
وذكر ابن أبى الدنيا عن أبى عمران الجونى عن أبى الخلد قال قال موسى يا رب كيف لى أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندى من نعمك لا يجازى بها عملى كله قال فأتاه الوحى يا موسى الآن شكرتنى
قال بكر بن عبد الله ما قال عبد قط الحمد لله الا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فجزاء تلك النعمة أن يقول الحمد لله فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله وقال الحسن سمع نبى الله رجلا يقول الحمد لله بالاسلام فقال انك لتحمد الله على نعمة عظيمة وقال خالد بن معدان سمعت عبد الملك بن مروان يقول ما قال عبد كلمة أحب إلى الله وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول الحمد لله الذى أنعم علينا وهدانا للإسلام
وقال سليمان التيمى ان الله سبحانه أنعم على عبده على قدره وكلفهم الشكر على قدرتهم وكان الحسن اذا ابتدأ حديثه يقول الحمد لله اللهم ربنا لك الحمد بما

خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا لك الحمد بالاسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حى أو ميت أو شاهد أو غائب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت
وقال الحسن قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدى شكر ما صنعت اليه خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له فقال يا موسى علم أن ذلك منى فحمدنى عليه فكان ذلك شكر ما صنعت اليه وقال سعد بن مسعود الثقفي انما سمى نوح عبدا شكورا لأنه لم يلبس جديدا ولم يأكل طعاما الا حمد الله وكان على بن أبى طالب اذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها
وقال مخلد بن الحسين كان يقال الشكر ترك المعاصى وقال أبو حازم كان نعمة لا تقرب من الله فهى بلية وقال سليمان ذكر النعم يورث الحب لله وقال حماد بن زيد حدثنا ليث عن أبى بردة قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لى ألا تدخل بيتا دخله النبي ونطعمك سويقا وتمرا ثم قال ان الله اذا جمع الناس غدا ذكرهم بما أنعم عليهم فيقول العبد ما آية ذلك فيقول آية ذلك انك كنت في كربة كذا وكذا قد دعوتنى فكشفتها وآية ذلك أنك كنت في سفر كذا وكذا فاستصحبتنى فصحبتك قال يذكره حتى يذكر فيقول آية ذلك أنك خطبت فلانة بنت فلان وخطبها معك خطاب فزوجتك ورددتهم يقف عبده بين يديه فيعدد عليه نعمه فبكى ثم بكى ثم قال انى لأرجو الله أن لا يقعد الله عبدا بين يديه فيعذبه
وروى ليث بن أبى سليم عن عثمان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال قال رسول الله يؤتى بالنعم يوم القيامة والحسنات والسيئات فيقول الله عزوجل لنعمة من نعمه خذى حقك من حسناته فما تترك له من حسنة الا ذهبت بها

وقال بكر بن عبد الله المزنى ينزل بالعبد الامر فيدعو الله فيصرف عنه فيأتيه الشيطان فيضعف شكره يقول ان الامر كان أيسر مما تذهب اليه قال أو لا يقول العبد كان الامر أشد مما أذهب اليه ولكن الله صرفه عنى وذكر ابن أبى الدنيا عن صدقة بن يسار قال بينا داود عليه السلام في محرابه اذ مرت به ذره فنظر اليها وفكر في خلقها وعجب منها وقال ما يعبؤ الله بهذه فأنطقها الله فقالت يا داود أتعجبك نفسك فو الذى نفسى بيده لأنا على ما آتانى الله من فضله أشكر منك على ما آتاك الله من فضله
وقال أيوب ان من أعظم نعمة الله على عبده أن يكون مأمونا على ماجاء به النبي وقال سفيان الثورى كان يقال ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة والرخاء معصيبة وقال زازان مما يجب لله على ذى النعمة بحق نعمته أن لا يتوصل بها إلى معصية قال ابن أبي الدنيا أنشدنى محمود الوراق
اذا كان شكرى نعمة الله نعمة ... على له في مثلها يجب الشكر
فكيف وقوع الشكر الا بفضله ... وان طالت الايام واتصل العمر
اذا مس بالسراء عم سرورها ... وان مس بالضراء أعقبها الاجر
وما منهما الا له فيه منة ... تضيق بها الاوهام والبر والبحر
وقد روى الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله يعنى قال الله
تعالى ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عليك وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال قال أبو العاليه انى لأرجو أن لا يهلك عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة الشكر عليها مع المعصية بها فان في النعم حجة وفيها تبعة فأما الحجة بها فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها فعفى الله عنك كلما ضيعت من شكر أو ركبت من

ذنب أو قصرت من حق ومر الربيع بن أبى راشد برجل به زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل له ما يبكيك قال ذكرت أهل الجنة وأهل النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذى أبكانى
وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من فوقه قال عبد الله بن المبارك أخبرنى يحيى بن عبد الله قال سمعت أبى هريرة فذكره
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه قال ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس رضى الله قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه سلم على رجل فرد عليه السلام فقال عمر للرجل كيف أنت قال الرجل أحمد اليك الله قال هذا أردت منك قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضى الله عنهما قال لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عزوجل وقال مجاهد في قوله تعالى وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال لا إله الا الله وقال ابن عيينة ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله قال وان لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا
وقال بعض السلف في خطبته يوم عيد أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون واصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون واصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم
وقال عبد الله بن قرط الأزدى وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وانما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم
وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه ان رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه

فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش الا بارية قال فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله ويثني عليه وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية أرأيتك أنت على ما تحمد الله قال أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم اياه قال وما ذاك قال أرأيتك بصرك أرأيتك لسانك أرأيتك يديك أرايتك رجليك وجاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس أيسرك ببصرك هذه مائة ألف درهم قال الرجل لا قال فبيديك مائه ألف قال لا فبرجليك مائة الف قال لا قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الالوف وأنت تشكو الحاجه وكان ابو الدرداء يقول الصحة الملك
وقال جعفر بن محمد رضى الله عنه فقد ابى بغلة له فقال ان ردها الله على لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت الحمد كله لله
وروى ابن أبى الدنيا من حديث سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال بعث رسول الله بعثا من الانصار وقال ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك تقول ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال قد فعلت اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبى حازم يا أبا حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لى بالخير ما أعرفهم وما صنعت اليهم خيرا قط فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذى ذلك من قبله فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وقال على بن الجعد حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون حدثنى من أصدقه أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه كان يقول في دعائه أسألك تمام النعمة في الاشياء كلها والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع ميسر الامور كلها لا معسورها يا كريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"