بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 6 أبريل 2010

نبذ من "الجواب الكافي" لابن القيم/2

قال الله تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يوتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضى الله عنها قالت سألت رسول الله عن هذه الآية فقلت أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرفون فقال لا يا إبنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات وقد روى من حديث أبى هريرة أيضا والله سبحانه وصف أهل السعادة بالاحسان مع الخوف ووصف الاشقياء بالاساءة مع الامن ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والامن فهذا الصديق يقول وددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن ذكره أحمد عنه وذكر عنه أيضا انه كان يمسك بلسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان يبكى كثيرا ويقول أبكوا فان لم تبكوا فتباكوا وكان اذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله تعالى واتي بطائر يقلبه ثم قال ما صيد من صيد ولا قطعت من شجرة الا بما ضيعت من التسبيح ولما احتضر قال لعائشة يا بنية اني أصبت من مال المسلمين هذه العبادة وهذه الحلاب وهذا العبد فاسرعى به إلى بن الخطاب وقال والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد وقال قتادة بلغني ان أبا بكر قال ليتني خضرة تأكلني الدواب وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله إن عذاب ربك لواقع فبكى وإشتد بكاؤه حتي مرض وعادوه وقال لابنه وهو في الموت ويحك ضع خدي على الأرض عاد ! أن يرحمني ثم قال ويل أمي إن لم يغفر الله لي ثلاثا ثم قضى وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتختفه فيبقى في البيت أياما ويعاد ويحسبونه مريضا وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء وقال له ابن عباس مصر الله بك الامصار وفتح بك الفتوح وفعل وفعل فقال وددت اني أنجو لا أجر ولا وزر وهذا عثمان بن عفان كان اذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال لو اننى بين الجنة والنار لا أدري الى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه وكان يشتد خوفه من أثنتين طول الامل واتباع الهوي قال فاما طول الامل فينسي الآخرة وأما إتباع الهوي فيصد عن الحق ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولاتكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولا عمل وهذا أبو الدرداء

كان يقول إن أشد ما أخاف على نفسى يوم القيامة أن يقال يا أبا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت وكان يقول لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ولادخلتم بيتا تستظلون فيه ولخرجتم الى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل وهذا عبد الله بن عباس كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع وكان أبو ذر يقول ياليتني كنت شجرة تعضد وودت أني لم أخلق وعرضت عليه النفقة فقال عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ومحرر يخدمنا وفضل عباءة وإني أخاف الحساب فيها وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتي على هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات جعل يرددها ويبكى حتي أصبح وقال أبو عبيدة بن الجراح وددت أني كبش فذبحني أهلى وأكلوا لحمي وحسوا مرقى وهذا باب يطول تتبعه قال البخاري في صحيحه باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر وقال ابراهيم التيمي ما عرضت قولي على عملي الاخشيت أن أكون مكذبا وقال بن أبي مليكة ادركت ثلثين من اصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول انه على ايمان جبريل وميكائيل ويذكر عن الحسن ماخافه الا مؤمن ولا أمنه الا منافق وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة أنشدك الله هل سمانى لك رسول الله يعني في المنافقين فيقول لا ولا أزكى بعدك احدا فسمعت شيخنا يقول مراده اني لا أبرىء غيرك من النفاق بل المراد انى لا أفتح على هذا الباب فكل من سألني هل سمانى لك رسول الله فأزكيه قلت وقريب من هذا قول النبي للذي سأله ان يدعو له أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب سبقك بها عكاشة ولم يرد أن عكاشة أن وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ولكن لو دعا لقام آخر وآخر وانفتح الباب وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم فكان الامساك أولى والله أعلم
فصل فلنرجع الى ما كنا فيه مما ذكرنا من ذكر دواء الداء الذي إن
استمر أفسد دنيا العبد وآخرته فما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصى تضر ولا شك أن ضررها فى القلوب كضرر السموم في الابدان على إختلاف درجاتها في الضرر وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء الأسببه الذنوب والمعاصى فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور الى دار الآلام والاحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء

وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالايمان كفرا وبموالات الولى الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فاهواه ومقته أكبر المقت فأرداه فصار قوادا لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وإرتكاب نهيك وماالذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى القتهم موتي على وجه الارض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت مامر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للامم الى يوم القيامة وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتي قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم وماالذي رفع قرى اللوطية حتي سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فاهلكم جميعا ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم ولاخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد وما الذي أرسل علي قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤسهم أمطر عليهم نارا تلظى وما الذى أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالاجساد للغرق والارواح للحرق وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بانواع العقوبات ودمرها تدميرا وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتي خمدوا عن آخرهم وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا وما لذي سلط عليهم بانواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال الامام أحمد ثنا الوليد بن مسلم ثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم الى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكى فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله تعالى إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا الي ما ترى وقال على بن الجعذنا شعبة عن عمرو ابن مرة قال سمعت

ابا البختري يقول اخبرني من سمع النبي يقول لن يهلك الناس حتي يعذروا من أنفسهم وفي مسند أحمد من حديث أم سلمة قالت سمعت رسول يقول اذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال بلى قلت كيف يصنع باؤلئك قال يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون الى مغفرة من الله ورضوان وفي مراسيل الحسن عن النبي لاتزال هذه الامه تحت يد الله وفى كنفه ما لم يمال قراؤها امراءها وما لم يزك صلحاؤها فجارها وما لم يهن خيارها شرارها فاذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسومونهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر وفي المسند من حديث ثوبان قال قال رسول الله إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وفيه أيضا عنه قال قال رسول الله يوشك أن تداعي عليكم الامم من كل أفق كما تداعي الأكلة على قصعتها قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهابة من قلوب عدوكم وتجعل في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن قال حب الحياة وكراهة الموت وفى المسند من حديث أنس قال قال رسول لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوهم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاءالذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وفى جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى أبي تغترون وعلي تجترون في حلفت لابعثن على اؤلئك فتنة تدع الحليم منهم حيرانا وذكر أبن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال على يأتي على الناس زمان لا يبقى من الاسلام إلا إسمه ولا من القرآن إلا رسمه مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى علماؤهم أشر من تحت أديم السماء منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود وذكر من حديث سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه اذا ظهر الربا والزنا في قربة أذن الله تعالى بهلاكها وفى مراسيل الحسن اذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل وتحابوا بالالسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا بالارحارم لعنهم الله تعالى عند ذلك فاصمهم وأعمى أبصارهم وفي سنن ابن ماجة من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب قال كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله فا قبل علينا رسول الله بوجهه فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال وأعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والاوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين

مضوا ولانقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة اموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم من غير فاخذوا بعض ما في ايديهم وما لم تعمل ائمتهم بما انزل الله فى كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبى عيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول ان من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيرا فقال يا هذا اتق الله فاذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كانه لم يره على خطيئة بالامس فلما رأي الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذى نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق اطرا او ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال أوحي الله الى يوشع بن نون اني مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم قال يارب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال بعث الله تعالى ملكين الى قرية ان دمراها بمن فيها فوجدا فيها رجلا قائما يصلى فى مسجد فقالا يا رب ان فيها عبدك فلانا يصلي فقال الله تعالى دمراها ودمراه معهم فانه ما يتمعر وجهه في قط وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة قال حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر ان ملكا أمر أن يخسف قرية فقال يا رب ان فها فلانا العابد فاوحي الله اليه ان به فابدأ فانه لم يتمعر وجهه في ساعة قط وذكر ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال لما أصاب داود الخطيئة قال يا رب اغفر لي قال قد غفرت لك والزمت عارها بني اسرائيل قال يارب كيف وأنت الحكم العدل لاتظلم احدا أنا أعمل الخطيئة وتلزم علوها غيرى فاوحي الله اليه انك لما عملت الخطيئة لم يعجلوا عليك بالانكار وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل يا ام المؤمنين حدثينا عن الزلزلة فقالت إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا بالمعازف غار الله تعالى في سمائه فقال للارض تزلزلى بهم فان تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم قال يا أم المؤمنين أعذابا لهم قالت بل موعظة ورحمة للمؤمنين ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين فقال أنس ما سمعت حديثا بعد رسول أنا أشد فرحا مني بهذا الحديث وذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا ان الارض تزلزت على عهد رسول الله

فوضع يده عليها ثم قال اسكني فانه لم يأن لك بعد ثم التفت الى أصحابه فقال إن ربكم ليستعتبكم فاعتبره ثم تزلزلت بالناس على عهد عمر بن الخطاب فقال يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة الا عن شيء أحدثتموه والذى نفسي بيده لان عادت لا أساكنكم فيها ابدا وفي مناقب عمر لابن أبي الدنيا إن الارض تزلزلت على عهد عمر فضرب يده عليها وقال مالك مالك أما انها لو كانت القيامة حدثت أخبارها سمعت رسول الله يقول اذا كان يوم القيامة فليس فيها ذراع ولا شبر الا وهو ينطق وذكر الامام احمد عن صفية قالت زلزلت المدينة على عهد فقال ياليها الناس ما هذا اسرع ما أحدثتم لان عادت لا تجدوني فيها وقال كعب انما زلزلت الارض اذا عمل فيها بالمعاصي فترعدا فرقا من الرب تعالى أن يطلع عليها وكتب عمر بن عبد العزيز الى الامصار أما بعد فان هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد وقد كتبت إلى سائر الامصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فان الله تعالى قال قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقولوا كما قال آدم ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لتكونن من الخاسرين وقولوا كما قال نوح وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين وقولوا كما قال يونس لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين وقال الامام أحمد حدثنا اسود بن عامر ثنا ابو بكر عن الاعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر سمعت رسول الله يقولاذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا اذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتي يراجعوا دينهم ورواه أبو داود بإسناد حسن وذكر ابن أبى الدنيا من حديث ابن عمر قال لقد رأيتنا وما أحد أحق بديناره ودرهمه من اخيه المسلم ولقد سمعت رسول الله يقول اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد في سبيل الله وأخذوا اذناب البقرة أنزل الله عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم وقال الحسن أن العينة والله ما هي الا عقوبة من الله تعالى على الناس ونظر بعض أنبياء بني إسرائيل الى ما يصنع بهم بختنصر فقال بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا وقال بخت نصر لدانيال ما الذي سلطني على قومك قال عظم خطيئتك وظلم قومي أنفسهم وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عمار بن ياسر وحذيفة عن النبي إن الله تعالى إذا أياد بالعباد نقمة أمات الاطفال

وأعقم أرحام النساء فتنزل النقمة وليس فيهم مرحوم وذكر عن مالك بن دينار قال قرأت في الحكمة يقول الله تعالى أنا الله مالك الملوك قلوب الملوك بيدى فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا يشغلوا انفسكم بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطنهم عليكم وفي مراسيل الحسن إذا أراد الله بقوم خيرا جعل أمرهم الى حلمائهم وفيئهم عند سمحائهم واذا أراد بقوم شرا جعل أمرهم الى سفائهم وفيئهم عند بخلائهم وذكر الامام أحمد وغيره عن قتادة قال يونس يا رب أنت في السماء ونحن في الارض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو من علامة رضائي عليكم وإذا استعملت عليكم شراركم فهو من علامة سخطي عليكم وذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال أوحى الله الى بعض الانبياء إذا عصاني من يعرفنى سلطت عليه من لا يعرفني وذكر أيضا من حديث ابن عمر يرفعه والذى نفسي بيده لا تقوم الساعة حتي يبعث الله أمراء كذبه ووزراء فجرة وأعوانا خونة وعرفاء ظلمة وقراء فسقة سيماهم سيما الرهبان وقلوبهم أنتن من الجيف أهواؤهم مختلفة فيتيح الله لهم فتنة غبراء مظلمة فيتهاوكون فيها والذى نفس محمد بيده لينقضن الاسلام عروة عروة حتي لا يقال الله الله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم أشراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم وفي معجم الطبراني وغيره من حديث سعيد بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله ما طفف قوم كيلا ولا بخسوا ميزانا الا منعهم الله تعالى القطر وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضا إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف وما ترك قوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الالم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم ورواه ابن أبي الدنيا من حديث ابراهيم بن الاشعث عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن سعيد به وفى المسند وغيره من حديث عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وقد حفزه النفس فعرفت في وجهه أن قد حفزه شىء فما تكلم حتى توضأ وخرج فلصقت بالحجرة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس اتقوا ربكم إن الله تعالى يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتستنصروني فلا أنصركم وتسألوني فلا أعطيكم وقال العمرى الزاهد أن من غفلتك عن نفسك وإعراضك عن الله أن تري ما يسخط الله فتتجاوزه ولا تأمر فيه

ولا تنهى عنه خوفا ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وقال من ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة من المخلوقين نزعت منه الطاعة ولو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف بحفه وذكر الامام أحمد في مسنده من حديث قيس بن أبي حازم قال قال أبو بكر الصديق يايها الناس أنكم تتلون هذه الآية وأنكم تضعونها على غير مواضعها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه وفي لفظ إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده وذكر الاوزاعى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا أخفيت الخطيئة فلا تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تضر غير العامة وذكر الامام احمد عن عمر بن الخطاب يوشك القري أن تخرب وهي عامرة قيل وكيف تخرب وهي عامرة قال إذا علا فجارها على أبرارها وساد القبيلة منافقها وذكر الاوزاعي عن حسان بن أبي عطية أن النبي قال ستظهر شرار أمتى على خيارها حتي يستخفى المؤمن فيهم كما يستخفى المنافق فينا اليوم وذكر ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس يرفعه قال ياتي زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح فى الماء قيل بما ذاك يا رسول الله قال بما يري من المنكر لا يستطيع تغييره وذكر الامام أحمد من حديث جرير أن النبي قال ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى هم أعز وأكثر ممن يعمله فلم يغيروه الا عمهم الله بعقاب وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق اقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون اي فلان ما شأنك ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آنيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وذكر الامام أحمد عن مالك بن دينار قال كان حبر من أحبار بني اسرائيل يغشي منزله الرجال والنساء فيعظهم ويذكرهم بأيام الله فرأى بعض بنيه يوما يغمز النساء فقال مهلا يا بني فسقط من سريره فانقطع نخاعه وأسقطت امرأته وقتل بنوه فاوحي الله الى نبيهم أن أخبر فلانا الحبران لا أخرج من صلبك صديقا أبدا ما كان غضبك لى إلا أن قلت مهلا يا بني مهلا يا بني وذكر الامام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال إياكم ومحقرات الذنوب فانهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وان رسول الله ضرب لهن مثل كمثل القوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجى بالعود حتي جمعوا سوادا وأججوا نارا وانضجوا ما قذفوا فيها وفي صحيح البخاري عن

عن أنس بن مالك قال إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر وإنا كنا لنعدها على زمن رسول الله من الموبقات وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال عذبت إمرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت النار لاهي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الارض وفي الحلية لأبي نعيم عن حذيفة انه قيل له في يوم واحد تركت بنوا إسرائيل دينهم قال لا ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نهوا عن شيء فعلوه حتي انسخلوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه ومن ههنا قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر كما ان القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وفي الحلية أيضا عن ابن عباس أنه قال يا صاحب الذنب لا تأمن فتنة الذنب وسوء عاقبة الذنب ولما تتبع الذنب أعظم من الذنب إذا علمت فله حبا بك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب وضحكك وأنت لم تدر ما لله صانع بك أعظم من الذنب وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ويحك هل تدري ما كان ذنب ايوب عليه السلام فابتلاه بالبلاء في جسده وذهاب ماله استغاث به مسكين على ظالم يدرءه عنه فلم يغثه ولم ينه الظالم عن ظلمه فابتلاه الله وقال الامام أحمد حدثنا الوليد قال سمعت الاوزاعي يقول سمعت هلال بن سعد يقول لا تنظر الى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيت وقال الفضيل بن عياض بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله وقيل أوحي الله تعالى الى موسي يا موسى إن أول من مات من خلقي إبليس وذلك لانه أول من عصاني وإنما أعد من عصاني من الاموات وفي المسند وجامع الترمذي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الترمذي هذا حديث صحيح وقال حذيفة إذا أذنب ذنبا العبد نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الرمداء وقال الامام أحمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال أما بعد يا معشر قريش فانكم أهل لهذا الامر ما لم تعصوا الله فاذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحي هذا القضيب لقضيب في يده ثم لحى قضيبه فاذا هو أبيض يصلد وذكر الامام أحمد

عن وهب قال أن الرب تعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل انى إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتى نهاية وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتى تبلغ السابع من الولد وذكر أيضا عن وكيع ثنا زكريا عن عامر قال كتبت عائشة الى معاوية أما بعد فان العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما ذكر أبو نعيم عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال ليحذر إمرأ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري مم هذا قلت لا قال إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لابيه عن محمد بن سيرين انه لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال إني لا أعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي إنهم لا يرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسي ويظن العبد إنه لا يغير بعد ذلك وإن الامر كما قال القائل
اذا لم يغبر حائط في وقوعه ... فليس له بعد الوقوع غبار
وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلا عن الجهال ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل وقد ذكر الامام أحمد عن أبي الدرداء أعبدوا الله كانكم ترونه وعدوا أنفسكم في الموتى واعلموا أن قليل يكفيكم خير من كثير يلهيكم واعلموا أن البر لا يبلى وان الاثم لا ينسى ونظر بعض العباد الى صبي فتأمل محاسنه فأتى في منامه وقيل له لتجدن غبها بعد أربعين سنة هذا مع أن للذنب نقدا معجل لا يتأخر عنه قال سليمان التميمي أن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته وقال يحيي بن معاذ الرازي عجبت من ذي عقل يقول في دعائه اللهم لا تشمت بي الاعداء ثم هو يشمت بنفسه كل عدو له قيل وكيف ذلك قال يعصي الله فيشمت به في القيامة قال ذي النون من خان الله في السر هتك ستره في العلانية فصل
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله فمنها حرمان العلم فان العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفيء ذلك النور ولما جلس الامام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية وقال الشافعي

شكوت الى وكيع سوء حفظي ... فارشدني الى ترك المعاصي
وقال اعلم بان العلم فضل ... وفضل الله لايؤتاه عاصي
ومنها حرمان الرزق وفي المسند ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد تقدم وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي ومنها وجشية يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة اصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لايحس به الامن في قلبه حياة وما لجرح بميت ايلام فلو لم ترك الذنوب الاحذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها وشكى رجل الى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له اذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فانه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين إمرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه وقال بعض السلف إني لأعصي الله فارى ذلك في خلق دابتي وإمرأتي ومنها تعسير اموره عليه فلا يتوجه لامر الا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما إن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا ويالله العجب كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى ومنها ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فان الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والامور المهلكة وهو لايشعر كاعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا في الوجه حتى يراه كل أحد قال عبد الله بن عباس ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فامر ظاهر بل لايزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه وكلما قوى قلبه قوى بدنه وأما الفاجر فانه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه فتأمل قوة

أبدان فارس والروم كيف خانهم عند أحوج ما كانوا اليها وقهرهم أهل الايمان بقوة أبدانهم وقلوبهم ومنها حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن طاعة تكون بدله ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فان البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقص وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده قالوا ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالارزاق والاجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغني والفقر وإن كانت بقضاء الله تعالى فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها وقالت طائفة أخرى تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن تفوته حقيقة الحياة وهي حياة القلب ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي كما قال تعالى أموات غير أحياء فالحيوة في الحقيقة حيوة القلب وعمر الانسان مدة حياته فليس عمره الا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره فالبر والتقوي والطاعة تزيد في هذه الاوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول ياليتني قدمت لحياتي فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع الى مصالحه الدنيوية والأخروية أو لا فان لم يكن له تطلع الى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله وذهبت حياته باطلا وإن كان له تطلع الى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق وتعسرت عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها وذلك نقصان حقيقي من عمره وسر المسألة أن عمر الانسان مدة حياته ولا حيوة له إلا باقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته فصل
ومنها ان المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى الى جنبها أعملني أيضا فاذا عملها قالت الثانية كذلك وهلم جرا فيتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك كانت السيئات أيضا حتي تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة فلو عطل المحسن الطاعة

لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الارض بما رحبت وأحسن من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتي يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتي يعاودها حتي أن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية اليها إلا لما يجد من الالم بمفارقتها كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هانيء حيث يقول
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها وقال الآخر
وكانت دوائى وهي دائي بعينه ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ولايزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكة تأزه اليها أزا وتحرضه عليها وتزعجه عن فراشه ومجلسه اليها ولايزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتي يرسل الله اليه الشياطين فتأزه اليها أزا فالأول قوي جند الطاعة بالمدد فكانوا أكثر من أعوانه وهذا قوي جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه فصل
ومنها وهو من أخوفها على العبد أنها لضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا الى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب الى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان لشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متي أمكنه وهذا من أعظم الامراض وأقربها إلى الهلاك فصل
ومنها أنه ينسلخ من القلب إستقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه وهو عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتي يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها فيقول ياقلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لايعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي كل أمتي معافا إلا المجاهرين وإن من الاجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فلان عملت يوم كذا وكذا وكذا فتهتك نفسه وقد بات يستره ربه ومنها أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الامم التي أهلكها الله
تعالى فاللوطية ميراث عن قوم لوط وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب والعلو في الارض والفساد ميراث عن فرعون وقوم فرعون والتكبر والتجبر ميراث

عن قوم هود فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الامم وهم أعداء الله وقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لابيه عن مالك بن دينار قال أوحي الله الى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي فتكونوا أعدائي كماهم أعدائي وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي قال بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتي يعبد الله وحده لاشريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم فصل
ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري هانوا عليه فصعوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى ومن يهن الله فماله من مكرم وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم اليهم أو خوفا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه ومنها أن العبد لايزال يرتكب الذنوب حتي يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فان الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال إن المؤمن يري ذنوبه كانها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار فصل
ومنها أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم قال أبو هريرة إن الحباري لتموت في وكرها من ظلم الظالم وقال مجاهد إن الهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا أشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية ابن ادم وقال عكرمة دواب الارض وهوامها حتي الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم فلا يكفيه عقاب ذنبه حتي يبوء بلعنه من لا ذنب له فصل
ومنها ان المعصية تورث الذل ولا بد فان العز كل العزفى طاعة الله تعالى قال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها الا في طاعته وكان من دعاء بعض السلف اللهم أعزاني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك قال الحسن البصري انهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا تفارق قلوبهم أبى الله

الان أيذل من عصاه وقال عبد الله بن المبارك
رأيت الذنوب تميت القلو ... ب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب ... ب وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين الا الملو ... ك واحبار سؤ ورهبانها
فصل ومنها إن المعاصي تفسد العقل فان للعقل نورا والمعصية نطفيء نور
العقل ولابدوادا طفىء نوره ضعف ونقص وقال بعض السلف ما عصي الله أحد حتي يغيب عقله وهذا طاهر فانه لو حضر عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى أو نجهر به هو مطلع عليه وفي داره على بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون اليه وواعظ القرآن نهاه ولفظ الايمان ينهاه وواعظ الموت ينهاه وواعظ النار ينهاه والذي يفوته بامعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم فصل
ومنها أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى كلا بل ران ! على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال هو الذنب بعد الذنب وقال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب وقال غيره لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم وأصل هذا أن القلب يصدي من المعصية فاذا زادت غلب الصدي حتي يصيررانا ثم يغلب حتي يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فاذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد فصل
ومنها أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول فانه لعن على معاصى والتي غيرها اكبر منها فهي اولى بدخول فاعلها تحت اللعنة فلعن الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة ولعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده ولعن المحلل والمحلل له ولعن السارق ولعن شارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة اليه ولعن من غير منار الارض

وهي إعلامها وحددوها ولعن من والديه ولعن من إتخذ شيئا فيه الروح غرضا يرميه بسهم ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ولعن من ذبح بغير الله ولعن من أحدث حدثا أو آوي محدثا ولعن المصورين ولعن من عمل عمل قوم لوط ولعن من سب أباه وأمه ولعن من كمه أعمي عن الطريق ولعن من أتى بهيمة ولعن من رسم دابة في وجهها ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ولعن من أفسد امرأة على زوجها أو مملوكا على سيده ولعن من أتى امرأة في دبرها وأخبر أن من باتت مهاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ولعن من انتسب الى غير أبيه وأخبر أن من أشار الى أخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه ولعن من سب الصحابة وقد لعن الله من أفسد فى الارض وقطع رحمه وأذاه وأذى رسوله ولعن من كتم ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى ولعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة ولعن من جعل سبيل الكافر اهدي من سبيل المسلم ولعن رسول الله الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ولعن الراشي والمرتشي والرائش وهو الواسطة في الرشوة ولعن على أشياء أخرغير هذه فلو لم يكن فى فعل ذلك الا رضاء فاعله بان يكون ممن يعلنه الله ورسوله وملائكته لكان في ذلك ما يدعو الى تركه فصل
ومنها حرمان دعوة رسول الله ودعوة الملائكة فان الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيآت فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التابعين المتبعين لكتابه وسنة رسوله الذين لا سبيل لهم غيرهما فلا يطمع غير هؤلاء باجابة هذه الدعوة اذا لم يتصف بصفات المدعو له بها فصل
ومن عقوبات المعاصي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب قال كان النبي مما يكثر أن يقول لاصحابه هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وأنه قال لناذات غداة أنه أتاني الليلة آتيان وأنهما أنبعثا لى

وأنهما قالا لى إنطلق وإنى إنطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلع رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع اليه حتي يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل فى المرة الاولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان قالا لي إنطلق فانطلقا فاتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقى وجهه فيشرشر شدقه الى قفاه ومنخره الى قفاه وعينه الى قفاه ثم يتحول الى الجانب الاخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الاول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الاولى قال قلت سبحان الله ما هذان فقالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا على مثل التنور وإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فاذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فاذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا فقال قلت من هؤلاء قال فقالا لي إنطلق إنطلق قال فانطلقنا فاتينا على نهر أحمر مثل الدم فاذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق فيسبح ثم يرجع اليه كما رجع إليه فيغفر له فاه فالقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا على رجل كريه المرأى كاكره ما أنت رأىء رجلا مرا وإذا هو عنده تاريخها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا على روضة مغيمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهراني الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت ما هذا وما هؤلاء قال قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا الى دوحة عظيمة لم أرى دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي أرق فيها فارتقينا فيها الى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة قال فاتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا رجال شطر من خلقهم كاحسن ما أنت رايء وشطر منهم كاقبح ما أنت رايء قال قالا لهم إذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كان ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا الينا وقد ذهب ذلك السوء عنهم قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسمي بصرى صعدا فاذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لى هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما فذراني فادخله قالا أما الآن فلا وأنت داخلة قال قلت لهما فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما انا سنخبرك أما الرجل الاول الذي أتيت عليه يثلع رأسه بالحجر فانه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلوة المكتوبة وأما الرجل الذي

أتيت عليه يشرشر شدقه الى قفاه ومنخره الى قفاه وعينه الى قفاه فانه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فانهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فانه آكل الربا وأما الرجل الكريه المنظر الذي عند النار يحثها ويسعى حولها فانه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فانه ابراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة وفي رواية البرقاني ولد على الفطرة فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فانهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم فصل
ومن آثار الذنوب والمعاصي إنها تحدث في الارض أنواعا من الفساد في المياه والهوى والزرع والثمار والمساكن قال تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قال مجاهد اذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ثم قال أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر وقال عكرمة ظهر الفساد في البر والبحر أما إني لا أقول لكم بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء وقال قتادة أما البر فاهل العمود وأما البحر فاهل القرى والريف قلت وقد سمي الله تعالى الماء العذب بحرا فقال هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وليس في العالم بحر حلو واقفا وإنما هي الانهار الجارية والبحر المالح هو الساكن فتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه وقال ابن زيد ظهر الفساد في البر والبحر قال الذنوب قلت أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها فيكون قوله ليذيقهم بعض الذي عملوا لام العاقبة والتعليل وعلى الاول فالمراد بالفساد والنقص والشر والالآم التي يحدثها الله فى الارض بمعاصي العباد فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة كما قال بعض السلف كل ما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة والظاهر والله أعلم إن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا وإنما إذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا

لما ترك على ظهرها من دابة ومن تأثير معاصي الله في الارض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها وقد مر رسول الله على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم الا وهم باكون ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من أبيارهم حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الابل لتأثير شؤم المعصية في الماء وكذلك شؤم تأثير الذنوب فى نقص الثمار وما ترى به من الآفات وقد ذكر الامام أحمد فى مسنده فى ضمن حديث قال وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي في صرة مكتوب عليها كان هذا ينبت في زمن من العدل وكثير من هذه الأفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء انهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها وإنما حدثت من قرب وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق فقد روي الترمذي في جامعه عن النبي انه قال خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعا ولم يزل الخلق ينقص حتى الآن فاذا أراد الله أن يطهر الارض من الظلمة والخونة والفجرة ويخرج عبدا من عباده من أهل بيت نبيه فيملأ الارض قسطا كما ملئت جورا ويقتل المسيح اليهود والنصارى ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله وتخرج الارض بركاتها وتعود كما كانت حتى ان العصابة من الناس ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير ولبن اللقحة الواحدة يكفي الفئام من الناس وهذا لان الارض لما طهرت من المعاصي ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى التي محقتها الذنوب والكفر ولاريب ان العقوبات التي أنزلها الله في الارض بقية آثارها سارية في الارض تطلب ما يشاء كلها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الامم فهذه الآثار في الارض من آثار العقوبات كما ان هذه المعاصي من آثار الجرائم فتناسب كلمة الله وحكمة الكوني أولا وآخرا وكان العظيم من العقوبة للعظيم من الجناية والأخف للأخف وهذا يحكم سبحانه بين خلقه في دار البرزخ ودار الجزاء وتأمل مقارنة الشيطان ومحله وداره فانه لما قارن العبد واستولى عليه نزعت البركة من عمره وعمله وقوله ورزقه ولما أثرت طاعته في الارض ما أثرت نزعت البركة من كل محل ظهرت فيه طاعته وكذلك مسكنه لما كان الجحيم لم يكن هناك شيء من الروح والرحمة والبركة فصل
ومن عقوباتها انها تطفي من القلب نار الغيرة التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية

لحياة جميع البدن فان الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كمال يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديث وأشرف الناس وأعلاهم قدر وهمة أشدهم غيرة علي نفسه وخاصته وعموم الناس ولهذا كان النبي أغير الخلق علي الامة والله سبحانه أشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه انه قال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني وفي الصحيح أيضا عنه انه قال في خطبة الكسوف يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو ترني أمته وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب اليه المدح من الله من أجل ذلك أثنى على نفسه فجمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبنضها وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والاحسان والله سبحانه مع شدة غيرته يحب إن يعتذر اليه عبده ويقبل عذر من اعتذر اليه وانه لايؤاخذ عبده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر اليهم ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا وهذا غاية المجد والاحسان ونهاية الكمال فان كثيرا ممن تشتد غيرته من المخلوقين تحمله شدة الغيرة على سرعة الايقاع والعقوبة من غير إعذار منه ومن غير قبول العذر ممن إعتذر اليه بل قد يكون له فى نفس الامر عذر ولاتدعه شدة الغيرة ان يقبل عذره وكثير ممن تقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة الغيرة حتى يتوسع في طريق المعاذير ويرى عذرا ما ليس بعذر حتى يعذر كثير منهم بالعذر وكل منهما غير ممدوح على الاطلاق وقد صح عن النبي انه قال أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله فالتي يبغضها الله الغيرة من غير ريبة وذكر الحديث وانما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر فيغار في محل الغيرة ويعذر في موضع العذر ومن كان هكذا فهر الممدوح حقا ولما جمع سبحانه صفات الكمال كلها كان أحق بالمدح من كل أحد ولايبلغ أحد إن يمدحه كما ينبغي له بل هو كما مدح نفسه وأثنى على نفسه فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة اليه بزمامه وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوبا له فانه سبحانه رحيم يحب الرحماء كريم يحب الكرماء عليم يحب العلماء قوى يحب المؤمن القوي وهو أحب اليه من المؤمن الضعيف حتى يحب أهل الحياء جميل يحب أهل الجمال وتر يحب أهل الوتر ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي الا انها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفي بها عقوبة فان الخطر تنقلب وسوسة

والوسوسة تصير إرادة والارادة تقوي فتصير عزيمة ثم نصير فعلا ثم تصير صفة لازمة وهيئة ثابتة راسخة وحينئذ يتعذر الخروج منهما كما يتعذر عليه الخروج من صفاته القائمة به والمقصود انه كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس وقد تضعف في القلب جدا لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره واذا وصل الى هذا الحد فقد دخل في باب الهلاك وكثير من هؤلاء لا يقتصر على عدم الاستقباح بل يحسن الفواحش والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه اليه ويحثه عليه ويسعي له فى تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق الله والجنة عليه حرام وكذلك محلل الظلم والبغي لغيره ومزينه لغيره فانظر ما الذي حملت عليه قلة الغيرة وهذا يدلك على أن أصل الدين الغيرة ومن لا غيرة له لا دين له فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش وعدم الغيرة تميت القلب فتموت الجوارح فلا يبقى عندها دفع البتة ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه فاذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلا ولم يجد دافعا فتمكن فكان الهلاك ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وعن ولده فاذا تكسرت طمع فيها عدوه فصل
ومن عقوباتها ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير وذهاب كل خير بأجمعه وفى الصحيح عنه انه قال الحياء خير كله وقال ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستح فاصنع ماشئت وفيه تفسيران أحداهما انه على التهديد والوعيد والمعنى من لم يستح فانه يصنع ما شاء من القبائح اذا لحامل على تركها الحياء فاذا لم يكن هناك حياء نزعه من القبائح فانه يواقعها وهذا تفسير أبي عبيدة والثاني ان الفعل اذا لم تستح فيه من الله فافعله وانما الذى ينبغي تركه ما يستحي فيه من الله وهذا تفسير الامام أحمد في رواية ابن هاني فعلى الاول يكون تهديدا كقوله إعملوا ما شئتم وعلى الثاني يكون إذنا وإباحة فان قيل فهل من سبيل الى حمله على المعنيين قلت لاولا على قول من يحمل المشترك على جميع لما بين الاباحة والتهديد من المنافات ولكن اعتبار أحد المعنيين يوجب إعتبار الآخر والمقصود ان الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية حتى ربما انه لايتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعله والحامل على ذلك انسلاخه من الحياء وإذا وصل العبد الى هذه الحالة لم يبق في صلاحه مطمع واذا رأى ابليس طلعة وجهه

حياء وقال فديت من لايفلح والحياء مشتق من الحياة والغيث يسمى حيا بالقصر لان به حياة الارض والنبات والدواب وكذلك سميت بالحياة حياة الدنيا والآخرة فمن لا حياء فيه ميت في الدنيا شقى في الآخرة وبين الذنوب وبين قلة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطرفين وكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا ومن استحي من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه ومن لم يستح من الله تعالى من معصيته لم يستح الله من عقوبته
فصل ومن عقوباتها أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعيف
وقاره في قلب العبد ولابد شاء أم أبى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرء على معاصيه وربما اغتر المغتر وقال إنما يحملنى على المعاصى حسن الرجاء وطمعي فى عفوه لا ضعف عظمته في قلبي وهذا من مغالطة النفس فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد وتعظيم حرمانه يحول بينه وبين الذنوب والمتجرؤن على معاصيه ما قدروه حق قدره وكيف يقدره حق قدره أو يعظمه أو يكبره أو يرجو وقاره ويجله من يهون عليه أمره ونهيه هذا من أمحل المحال وأبين الباطل وكفى بالعاصى عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله
تعالى مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفون به كما هان عليه أمره واستخف به فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس وعلى قدر تعظيمه الله وحرماته يعظم الناس حرماته وكيف ينهك عبد حرمات الله ويطمع أن لا ينهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولايهونه الله على الناس أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق وقد أشار سبحانه إلى هذا فى كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب وأنه أركس أربابها بما كسبوا وغطي على قلوبهم وطبع عليها بذنوبهم وأنه نسيهم كما نسوه وأهانهم كما أهانوا دينه وضيعهم كما ضيعوا أمره ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له ومن يهن الله فماله من مكرم فانهم لما هان عليهم السجود له واستخفوا به ولم يفعلوه أهانهم فلم يكن لهم من مكرم بعد إن أهانهم ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم فصل
ومن عقوباتها انها تستدعى نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهنالك الهلاك الذي لا يرجي معه نجاة قال الله يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله ولتنظر نفس

ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولاتكونوا كالذين نسوا الله فانساهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون فامر بتقواه ونهي أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه واخبر أنه عاقب من ترك التقوي بان أنساه نفسه أي أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه وما يوجب له الحياة الابدية وكمال لذتها وسرورها ونعيمها فانساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه والقيام بأمره فترى العاصى مهملا لمصالح نفسه مضيعا لها قد أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته وقد فرط في سعادته الابدية واستبدل بها أدني ما يكون من لذة إنما هي سحابة صيف أو خيال طيف
أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه وإهمال لها وإضاعته حظها ونصيبها من الله وبيعها ذلك بالضن والهوان وأبخس الثمن فضيع من لا غني له عنه ولا عوض له منه واستبدل به من عنه كل الغني أو منه كل العوض
من كل شيء إذا ضيعته عوض ... وليس في الله أن ضيعت من عوض فالله سبحانه يعوض عن كل شيء ما سواه ولا يعوض منه شيء ويغني عن كل شيء ولايغني عنه شيء ويمنع من كل شىء ولا يمنع منه شىء ويجبير من كل شيء ولا يجير منه شى كيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين وكيف ينسى ذكره ويضيع أمره حتي ينسبه نفسه فيخسرها ويظلمها أعظم الظلم فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه فصل
ومن عقوباتها أنها تخرج العبد من دائرة الاحسان وتمنعه من ثواب المحسنين فان الاحسان إذا باشر القلب منعه عن المعاصي فان من عبد الله كانه يراه لم يكن كذلك الالاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه علي قلبه بحيث يصير كانه يشاهده وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعاصى فضلا عن مواقتها فاذا خرج من دائرة الاحسان فاته صحبه رفقته الخاصة وعيشهم الهنيء ونعيمهم التام فان أراد الله به خيرا أقره فى دائرة عموم المؤمنين فان عصاه بالمعاصى التى تخرجه من دائرة الايمان كما قال النبي لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع اليه الناس فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن إياكم إياكم والتوبة معروضة بعد

فصل ومن فاته رفقةالمؤمنين وخرج عن دائرة الايمان فاته حسن دفاع الله عن المؤمنين فان الله يدافع عن الذين آمنوا وفاته كل خير رتبه الله في كتابه على الايمان وهو نحو مائة خصلة كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها فمنها الاجر العظيم وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما ومنها الدفع عنهم شرور الدنيا والآخرة إن الله يدافع عن الذين آمنوا ومنها استغفار حملة العرش لهم الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ومنها موالات الله لهم ولايذل من والاه الله قال الله تعالى الله ولى الذين آمنوا ومنها أمره ملائكته بتثبيتهم إذ يوحي ربك الى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا ومنها إن لهم الدرجات عند ربهم والمغفرة والرزق الكريم ومنها العزة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ومنها معية الله لأهل الايمان وإن الله لمع المؤمنين ومنها الرفعه في الدنيا والآخرة يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ومنها أعطاهم كفلين من رحمته وأعطاهم نورا يمشون به ومغفرة ذنوبهم ومنها الود الذي يجعله سبحانه لهم وهو انه يحبهم يحبهم الى ملائكته وأنبيائه وعباده الصالحين ومنها أمانهم من الخوف يوم يشتد الخوف فمن آمن وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ومنها انهم المنعم عليهم الذين أمرنا ان نسأله ان يهدينا الى صراطهم في كل يوم وليلة سبع عشرة مرة ومنها ان القرآن انما هو هدى لهم وشفاء قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد والمقصود ان الايمان سبب جالب لكل خير وكل خير فى الدنيا والآخرة فسببه الايمان فكيف يهون على العبد ان يرتكب شيئا يخرجه من دائرة الايمان ويحول بينه وبينه ولكن لا يخرج من دائرة عموم المسلمين فان استمر علي الذنوب وأصر عليها خيف عليه ان يرين علي قلبه فيخرجه عن الاسلام بالكلية ومن هنا أشتد خوف السلف كما قال بعضهم أنتم تخافون الذنوب وأنا أخاف الكفر
فصل ومن عقوبتها أنها تضعف سير القلب الى الله والدار الآخرة أو تعوقه
وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطوا الى الله خطوة هذا إن لم ترده عن وجهته الى ورائه فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب والقلب انما يسير الى الله بقوته فاذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تسيره فان زالت بالكلية إنقطع عن الله إنقطاعا يبعد تداركه

والله المستعان فالذنب أما يميت القلب أو يمرضه مرضا مخوفا أو يضعف قوته ولا بد حتى ينتهي ضعفه الى الاشياء الثمانية التي إستعاذ منها النبي وهي الهم والحزن والكسل والعجز والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجل وكل اثنين منها قرينان فالهم والحزن قرينان فان المكروه والوارد على القلب إن كان من أمر مستقبل يتوقعه احدث الهم وإن كان من أمر ماض قد وقع احدث الحزن والعجز والكسل قرينان فان تخلف العبد عن أسباب الخير والفلاح ان كان لعدم قدرته فهو العجز وإن كان لعدم إرادته فهو الكسل والجبن والبخل قرينان فان عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن وان كان بماله فهو البخل وضلع الدين وقهر الرجال قرينان فان إستيلاء الغير عليه إن كان بحق فهو من ضلع الدين وإن كان بباطل فهو من قهر الرجال والمقصود إن الذنوب من أقوى الاسباب الجالبة لهذه الثمانية كما إنها من أقوى الاسباب الجالبة لجهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء ومن أقوى الاسباب الجالبة لزوال نعم الله تعالي وتقدس وتحول عافيته وفجاءة نقمته وجميع سخطه
فصل ومن عقوبات الذنوب إنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد
نعمة الا لسبب ذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة وقد قال تعالى وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير وقال تعالى ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها علي قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فأخبر الله تعالى إنه لايغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه باسباب سخطه فاذا غير غير عليه جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد فأن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز قال تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ومالهم من دونه من وال وفي بعض الآثار الألهية عن الرب تبارك وتعالى إنه قال وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا إنتقلت له مما يجب عبيدي الى ما يكره ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه الى ما أحب الا إنتقلت له مما يكره الى ما يحب وقد أحسن القائل
إذا كنت في نعمة فارعها ... فان الذنوب تزيل النعم
وخطها بطاعة رب العباد ... فرب العباد سريع النقم

وإياك والظلم مهما إستطعت ... فظلم العباد شديد الوحم
وسافر بقلبك بين الورى ... لتبصرى آثار من قد ظلم
فتلك مساكنهم بعدهم ... شهود عليهم ولاتتهم
وما كان شىء عليهم اضر ... من الظلم وهو الذي قد تصم
فكم تركوا من جنان ومن ... قصور وأخرى عليهم اطم
صلوا بالجحيم وفات النعم ... وكان الذي نالهم كالحلم فصل
ومن عقوباتها ما يلقيه الله سبحانه من الرعب والخوف في قلب العاصي فلا تراه الا خائفا مرعوبا فان الطاعة حصن الله الاعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب فمن أطاع الله إنقلبت المخاوف في حقه أمانا ومن عصاه إنقلبت مأمنه مخاوف فلا تجد العاصي إلا وقلبه كانه بين جناحي طائران حركت الريح الباب قال جاء الطلب وان سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب يحسب كل صيحة عليه وكل مكروه قاصد اليه فمن خاف الله آمنه من كل شيء ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء
بدا قضاء الله بين الخلق مذ خلقوا ... إن المخاوف والاجرام في قرن ومن عقوباتها انها توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه مستوحشا قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبينه وبين الخلق وبينه وبين نفسه وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين وأطيب العيش عيش المستأنسين فلو نظر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما تولد فيه من الخوف والوحشة لعلم سوء حاله وعظيم غبنه اذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف
اذا كنت قد أوحشتك الذنوب ... فدعها اذا شئت واستأنس وسر المسألة ان الطاعة توجب القرب من الرب سبحانه وكلما اشتد القرب قوى الانس والمعصية توجب البعد من الرب وكلما زاد البعد قويت الوحشة ولهذا يجد العبد وحشة بينه وبين عدوه للبعد الذي بينهما وإن كان ملابسا له قريبا منه ويجد أنسا قويا بينه وبين من يجب وإن كان بعيدا عنه والوحشة سببها الحجاب وكلما غلظ الحجاب زادت الوحشة فالغفلة توجب الوحشة واشد واشد منها وحشة المعصية واشد منها وحشة الشرك الكفر ولا تجد أحدا يلابس شيئا من ذلك إلا ويعلوه من الوحشة بحسب مالابسه منه فتعلوا الوحشة وجهه وقلبه فيستوحش ويستوحش منه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"