بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أبريل 2010

طلب العلم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

Text Box: من أعظم النشاطات وأقدس المهمات للإنسان أن يطلب العلم :

مازلنا أيها الأخوة في كتاب العلم ، وفي الترغيب في طلب العلم ، وبيان فضله ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( ما من رجل سلك طريقا يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

[ مسلم عن أبي هريرة] .

هذا الحديث يحتاج إلى شرح ، الإنسان له نشاطات كثيرة في حياته الدنيا ، قال تعالى :

( سورة الليل ) .

الإنسان له حركة في الحياة ، طبعاً هناك دوافع ، هناك دوافع إلى الطعام والشراب ، دوافع إلى الطرف الآخر ، دوافع إلى تأكيد الذات ، هذه الدوافع التي في داخل الإنسان تدفعه إلى الحركة ، الإنسان حركي ، وليس سكونياً ، حركته سببها الدوافع التي في داخله ، تدفعه إلى أن يأكل ، وإلى أن يشرب ، وإلى أن يتزوج ، وإلى أن يؤكد ذاته ، فبسبب الدوافع الإنسان له حركة ، هذه الحركة من أجل هذه الحركات ، من أعظم النشاطات ، من أقدس المهمات أن يطلب العلم ، أن يخرج من بيته لطلب العلم ، العلم بالله ، العلم بحقيقة العلم ، العلم بحقيقة الحياة الدنيا ، العلم بحقيقة الإنسان ، العلم بالشيء الذي ينفعه بالدنيا والآخرة ، العلم بالكليات ، بالجزئيات ميسر ، كل إنسان عنده حرفة ، عنده اختصاص ، يحمل شهادة ، هذا طبيب ، هذا صيدلي ، هذا مهندس ، هذا مدرس ، هذا العلم الذي تعلمه ليكسب قوته هذا نوع من الحرف ، أما العلم الذي يعرفه بحقيقة الكون ، بحقيقة الإنسان ، هذا هو العلم الحقيقي .

Text Box: طاعة الرحمن أهم شيء في الدين بعد الإيمان :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

[ مسلم عن أبي هريرة] .

خرج من بيته ، بحث عن خطبة جمعة ليستفيد منها ، هناك أناس كثيرون يريد أن يؤدي الفريضة ، ولو في الركعة الثانية من صلاة الجمعة ، وانتهى الأمر ، ولا يعنيه أن يستفيد من هذه الصلاة شيئاً ، لو إنسان بحث عن مسجد لينتفع من خطبته ، بحث عن مجلس علم لينتفع مما يلقى فيه من علم ، بحث عن إنسان يعينه على معرفة دينه ، بحث عن عمل صالح ، البحث عن علم يعرفك بذاتك ، هذه :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

فكيف إذا طريق ينتهي به إلى الجنة ؟ الذي يحصل أنت في هذا الدرس عرفت أن الإنسان مخير ، بهذا الدرس عرفت أن الإنسان مكلف ، بهذا الدرس عرفت أن الإنسان عليه أن يعبد الله ، بهذا الدرس عرفت أن أهم شيء في الإيمان ، أهم شيء في الدين بعد الإيمان طاعة الرحمن ، فكلما عرفت حقيقة ، وقنعت بها ، وتعمقت في نفسك ، انقلبت إلى عمل ، بعد حين دون أن تشعر ، دون أن تدري ، السلوك انضبط ، النوايا سمت ، الأعمال الصالحة بدأت ، هذا الذي تفعله من استقامة ، وعمل صالح ، وذكر ، وقرب من الله ، هذا الذي تفعله ينتهي بك إلى الجنة .

Text Box: الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل :

تصور إنساناً خرج من بيته ليتعلم ، تصور طريقاً مستمراً ، أوله في بيتك وآخره في الجنة ، الإنسان يأتيه الأجل ، وهذا الأجل لا مرد له من الله .

البارحة كنت في تعزية ، صديق لي ، وبيننا علاقة طيبة جداً قديمة وحميمة ، جالس في مكتبه في وزارة ، فجأة انحنى رأسه وسلّم الروح إلى الله عز وجل ، هو في الخمسينات ، الموت شيء مخيف ، أن الإنسان يغادر الدنيا فجأةً ، يا ترى أنهى حساباته ؟ أنهى الذمم ؟ هل هو مستعد لهذه الساعة ؟ الموت يأتي فجأةً ، والقبر صندوق العمل .

ذكرت مرة طرفة : أن شركة طيران ـ سأتصور لهذه الشركة خصائص نادرة جداً ـ عرضت عليك أنك إذا اشتريت بطاقة طائرة فيها ، لن تستطيع أن تسترجع الثمن إن لم تسافر ، لو أنك لم تسافر لخطأ ما لن تستطيع أن تسترجع ثمن البطاقة ، والبطاقة إلى أمريكا، ثمنها مئتا ألف ، وهذا الشركة هي التي تأخذك من بيتك ، ولا يقف سائق السيارة إلا دقيقة واحدة ، المواعيد من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء ، تصور هذه الشركة ! المبلغ مئتا ألف ، وأنت إنسان بحاجة إلى هذا المبلغ ، وإن تخلفت عن الرحلة لن تسترد هذا المبلغ ، هم يأخذونك من البيت ، هم لا ينتظرون إلا ثانية ، ولا دقيقة واحدة ، والموعد من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساء ، شيء بديهي جداً أن تقف وراء الباب الساعة الثامنة صباحاً ، وبيدك حقائبك .

هذا معنى الآية الكريمة :

( سورة آل عمران ) .

ما دام الموت لا نعرف متى يأتي ، من هذه اللحظة ، وفي أي وقت آخر يأتينا ملك الموت ، والإله العظيم يأمرنا أو ينهانا عن أن يأتينا الموت إلا ونحن مسلمون ، إذاً يجب أن تكون مستعداً في عباداتك ، في معاملاتك ، في ذممك ، في علاقاتك ، لملاقاة الله عز وجل، فالإنسان إذا حضر مجلس علم ، تعلم تفسير كلام الله عز وجل ، عرف سنة رسول الله، كلما عرف شيئاً ، وتعمق في فهمه ، وقنع به ، وتبناه ، من دون أن يدري انقلب هذا الشيء إلى عمل .

Text Box: الانضباط يفضي بالإنسان إلى العمل الصالح و منه إلى القرب  من الله عز وجل :

الملاحظ أن الإنسان يساق إلى مجلس علم دون أن يشعر ، يسمع كلاماً ، يسمع توجيهات ، تعليقات ، أحكاماً ، طموحات ، أهدافاً ، لو أنه راقب نفسه ، والأصح لو أن غيره راقبه ، لرأى أن هناك أمور قد تركها ، و كلمات لم يعد ينطق بها ، ونظرات غضّ بصره عنها ، ودخل تركه ، دون أن يشعر ، انضبط ، بعد الانضباط هناك عمل صالح ، بعد العمل الصالح هناك قرب من الله ، دون أن يدري سلك طريقاً ينتهي به إلى الجنة .

من أخطر الأعمال أن ترتدي ثيابك ، وأن تخرج من بيتك لتعرف الحقيقة ، أقدس عمل ، أجلّ عمل ، قد تنشئ أكبر جسر في العالم .

ذكرت لكم في اسطنبول جسر بين قارة أوربا وآسيا ، أحد أضخم الجسور في العالم ، جسر عملاق ، والذي أنشأه أحد عدة مهندسين في العالم ، محمول على حبال ، وهو عال جداً ، وأربع حارات ، حارتان للمشاة ، ارتفاعه خمسة و ستون متراً ، وتمر تحته أكبر باخرة ، وكل حباله فولاذية معلقة ، ومع ذلك هذا الذي صممه ، وأشرف على تنفيذه ، يوم الافتتاح ألقى بنفسه من الجسر إلى البحر فنزل ميتاً ، ذهبوا إلى الفندق فإذا به قد كتب رسالة قال فيها : لقد ذقت الحياة كلها ، فلم أجد لها طعماً ، أردت أن أذوق طعم الموت ، هذا لم يسلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، لم يعرف سرّ وجوده ، لم يعرف أن عليه رسالة ينبغي أن يؤديها ، لم يعرف قيمة الحياة الدنيا التي هي مزرعة الآخرة ، لم يعرف أن هذه الحياة حياة دنيا ، وهي إعداد لحياة عليا ، لم يعرف الله عز وجل ، ذاق كل شيء أكل ، وشرب ، والتقى بنساء ، وعلا في الأرض ، وتألق ، ولكنه لم يجد للحياة طعماً فأراد أن يذوق طعم الموت .

Text Box: على الإنسان أن يعرف الغاية من وجوده :

فيا أيها الأخوة الكرام ، احرصوا على طلب العلم ، احرصوا على معرفة الحقيقة، احرصوا على معرفة سرّ وجودكم ، احرصوا على معرفة كتاب الله ، وسنة رسول الله ، احرصوا على معرفة غاية وجود الإنسان ، هذا إذا الإنسان :

(( سلك طريقاً يطلب فيه علماً )) .

[مسلم عن أبي هريرة] .

هذا الطريق أوله من بيتك ، وآخره في الجنة ، ما عليك إلا أن تسلك هذا الطريق؛ طريق العلم ، انعكس هذا على بيتك ، أنت اسأل زوجة أحد أخواننا الكرام ، اسأل الزوجة كيف حال زوجك قبل أن يعرف الله ؟ لأجابتك بأنه لا يحتمل ، فظاظة ، قسوة بالغة ، انحراف ، كلام لا يليق به ، كسب للمال عشوائي ، إنفاق للمال عشوائي ، علاقات لا ترضي الله عز وجل ، اسأل هذه الزوجة كيف حال زوجك بعد أن عرف الله ؟ لأجابتك : صار ملكاً، انضبط ، أصبح هناك قيم و مبادئ تحكمه ، و يسعى إلى هدف مقدس .

الذي يلفت النظر أيها الأخوة أن المؤمن شاب ، بالتسعين شاب ، هدفه كبير ، غير المؤمن جالس في المقهى يلعب النرد ، حتى ساعة متأخرة من الليل ، جالس يتابع الأشياء الساقطة على الشاشة ، حياة الإنسان تافهة جداً من دون معرفة لله عز وجل .

الحياة من دون دين لا تعاش ، من دون هدف سامٍ لا تعاش ، من دون مبادئ لا تعاش ، من دون قيم لا تعاش ، من دون كتاب لا تقرأه وتتفاعل معه لا تعاش ، من دون قدوة عظيمة تتبعها كالنبي الكريم لا تعاش .

Text Box: الدين أصل في الحياة الدنيا :

أهل الدنيا إن تركوا الدين كل شيء يمُل في الحياة ، يدخل إنسان فقير لبيت غني، يتصور أن الغني غارق في السعادة ، وقد يكون بيت الفقير هو المليء بالسعادة .

حدثني أخ قبل يومين وهو عندي صادق ، دخل على رجل ، له حجم مالي لو دفع زكاة ماله لكفى نصف أهل الشام ، زكاة ماله فقط ، بمئات ، لا أقول مئة واحدة بل مئات الملايين ، لا من الليرات بل من الدولارات ، ومع ذلك شكا له همه ، ضيق ، سقم ، ضجر ، ملل ، لا يدري ماذا يفعل ، في بيته غير مرتاح ، في عمله غير مرتاح ، ذكر أشياء غير معقول أبداً ، قال هذا الأخ الكريم : في الوقت نفسه ، في اليوم نفسه ، جاءت إلى محله امرأة فقيرة ، تطلب منه مساعدة ألف ليرة بالشهر ، قال لها : من أين أنت يا أختي ؟ قالت : أنا من داريا ، لي زوج ، ولي أولاد ، وزوجي يكسب رزقاً حلالاً ، ورزقه يكفي مصروفنا ، نحن بحاجة إلى أجرة البيت ، فأخذ عنوان البيت ، كان عنده اجتماع بداريا لجمعية خيرية فحضر هذا الاجتماع وأعطاهم الاسم ، وطلب إليهم أن يدفعوا لها ألف ليرة كل أسبوع ، قال : نحن لا بد من التحقيق ، فذهبوا إلى التحقيق وكان معهم هذا الأخ الكريم ، يصف لي هذا البيت ، البيت غرفة ثلاثة أمتار ونصف بثلاثة أمتار ونصف ، ملحق بها مكان اسمه تحت الدرج بلا باب ، وهناك موقد و طاولة ، وبعض الحاجات ، هذا هو البيت ، والزوج كان مريضاً مضجعاً في سريره ، و في البيت أربعة أولاد ، الذي لفت نظره الأدب الجم في هذه الأسرة ، كيف حالكم يا أختي ؟ قالت : الحمد لله ؟ نحن سعداء جداً ، نحن مقصرون في شكر الله ، شيء غير معقول ، قبل ساعات كان مع رجل زكاة ماله تحل مشكلات نصف فقراء دمشق ، وهذه امرأة تسكن في غرفة واحدة ، ومطبخها تحت الدرج ، وتملك حاجات خشنة جداً ، فطلب من اللجنة أن تعطيها ألفي ليرة في الشهر ، قالت : لا ، نريد ألفاً ، أعطوا الألف الآخر لغيرنا ، لعله أكثر استحقاقاً .

عمل موازنة ، معقول أسرة بغرفة واحدة ، شاكرة ، حامدة ، سعيدة ، لكن ينقصها ألف ليرة ، أعطوها ألفاً ثانية لم تقبل ؟!

Text Box: الإنسان لا يحيا و لا يرقى إلا بالعلم :

أخواننا الكرام ، الإنسان بالعلم يحيا ، بالعلم يرقى ، بالعلم يسمو عمله ، بالعلم يعرف حقيقة وجوده ، بالعلم يصبح إنساناً راقياً جداً ، هذا الحديث دقيق جداً :

(( ما من رجل سلك طريقاً يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

أنا أحياناً والله أخجل من بعض الأخوان ، يأتون من مكان بعيد ، من أطراف المدينة ، من خارج دمشق ، ليحضروا صلاة الفجر .

واحد من الصحابة الكرام يسكن في مكان بعيد ، فتاقت نفسه أن يسكن إلى جانب المسجد النبوي ، فعرض على النبي رأيه ، أنه أنا سأبيع هذا البيت ، وسأشتري بيتاً إلى جانب المسجد ؟ عليه الصلاة والسلام بَشَّر كل هؤلاء الذين يأتون من مكان بعيد قال : " مكانكم تكتب آثاركم ".

ابقَ في مكانك و لك أجر مضاعف حينما تأتي تلتمس بهذا المجيء علماً .

Text Box: على الإنسان أن يلتمس العلم بالله والعلم بأمر الله والعلم  الذي ينفعه في الدنيا والآخرة :

أيها الأخوة :

(( ما من رجل سلك طريقا يطلب فيه علماً إلا سهل الله له به طريق الجنة )) .

لكن ما كل علم يلتمس ، النبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ، ومن أذن لا تسمع ، ما كل علم يلتمس ، التمس العلم بالله، والتمس العلم بأمر الله ، والتمس علماً ينفعك في دنياك وفي آخرتك ، والتمس علماً يعرفك بالله ، المقصود العلم النافع بالدين ، حتى في الدين هناك علوم في الهامش ، بعيدة جداً غير عملية ، العمر محدود ، يجب أن تضع يدك على أصل الدين ، وعلى جوهر الدين ، وعلى الأصول قبل الفروع ، وعلى الأشياء العملية قبل النظرية .

الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام :

(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو عمل ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )) .

[أخرجه مسلم وابن خزيمة عن أبي هريرة ] .

ولعلنا غداً إن شاء الله نقف عند الحديث وقفة متأنية إن شاء الله .

والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"