بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 6 مايو 2013



الأكاديمية الإسلامية المفتوحة
الدورة العلمية الثالثة
صفة الصلاة (3)
د. سعد الشثري


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد، فهذا اللقاء الثالث من لقاءاتنا في هذه الدورة المباركة نتحدث فيها عن صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لنكون بذلك ممن امتثل قوله -صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
وقد ذكرنا بالأمس كيفية صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الركعة الأولى حتى وصلنا إلى السجود الثاني في أواخر الركعة الأولى.
ونواصل الحديث في ذلك -بإذن الله عز وجل:
إذا فرغ الإنسان من سجوده الثاني في الركعة الأولى فإنه يقوم إلى الركعة الثانية، يقوم على أصابعه، وهل الأولى أن يرفع يديه أو أن يرفع ركبتيه؟
هذا من مواطن الخلاف بين الفقهاء يماثل الخلاف الذي يكون عند نزول الإنسان إلى السجود؛ هل يبتدئ بإنزال ركبتيه أولًا أو يبتدئ بإنزال يديه أولًا؟
وللعملاء في هذه المسألة قولان مشهوران بناءً على الاختلاف في فهم الحديث الوارد في هذا الباب حيث نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مشابهة البعير في نزلوه، ولذا وقع الخلاف في تفسير كيفية ذلك.
ثم ينبغي أن نلاحظ أن الركعة الأولى تماثلها الركعة الثانية إلا في عدد من المسائل:
أولها: أن الركعة الثانية ليس فيها تكبيرة إحرام، تكبيرة الإحرام إنما تكون في الركعة الأولى، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الصلاة: «تحريمها التكبير»، فدل هذا على أن تكبيرة الإحرام إنما تكون في الركعة الأولى.
الثاني: الركعة الثانية فيها تكبيرة انتقال من السجود إلى القيام، والمشروع أن تكون عند الانتقال، وليس فيها رفع لليدين. لماذا؟
لأن في أحد طرفي هذا الانتقال سجود، ومن ثَم لم يُشرع رفع اليدين فيه إلى المنكبين كما ورد ذلك في حال الركوع وحال الرفع منه.
ثالثًا: وهكذا أيضًا هناك فرق في دعاء الاستفتاح وفي التعوذ، فإنه في الركعة الثانية لا يُقال.
ويُفعل في الركعة الثانية كما يُفعل في الركعة الأولى، إلا أنه في آخر الركعة الثانية بعد السجود يجلس الإنسان للتشهد، والمشروع أن يجلس مفترشًا، بأن ينصب رجله اليمنى، وأن يفرش رجله اليسرى، وأن يجعل إليتيه على رجله اليسرى، هذا هو المشروع، سواء كان ذلك في الصلاة الثلاثية أو الصلاة الرباعية أو كان ذلك في الصلاة الثنائية على الصحيح، ففي صلاة الفجر الصواب أنه يفترش كما هو مذهب طائفة من أهل العلم.
وآخرون ذهبوا إلى أنه يتورك، لكن الراجح من القولين أنه يفترش في هذه الحال.
وإذا جلس الإنسان للتشهد وضع يديه على فخذيه، فلا يلقم بهما ركبتيه، وإنما يضعهما على الفخذين، تكون اليد اليسرى ممدودة الأصابع مضمومة الأصابع، ويكن طرف الأصابع عند مبتدأ الركبة.
وأما بالنسبة لليد اليمنى: فإنه يقبض أصابعه، فيقبض الخنصر والبنصر والوسطى، ويشير بالسبابة، وقد ورد في ذلك أحاديث كلها مشروعة.
- فيجوز له أن يقبض الخنصر والبنصر ويجعل الوسطى مع الإبهما كالدائرة.
- ويجوز أن يقبضها، فيجعلها ممسوكة الأطراف، ويشير بأصبعه السبابة.
والصواب: أن في إصبعه السباب يشير عند ذكر الله -عز وجل- وعند التوحيد كما ورد ذلك في الأحاديث، «كلما ذكر الله أشار بأصبعه».
والإشارة بالأصبع تكون برفع السبابة إلى الأعلى، بدون تحريكها إلى جهة اليمين واليسار على الصحيح من أقوال أهل العلم كما هو ظاهر الأحاديث الواردة في هذا الباب.
وبعد ذلك يُشرع له أن يقول التحيَّات، والتحيَّات قد ورد فيها أحديث كثيرة، حديث ابن مسعود، وحديث ابن عباس، وحديث غيرهما من الصحابة، فبأي حديث وبأي لفظ قرأ الإنسان التحيات من هذه الألفاظ الواردة فإنه جائز ولا حرج عليه في ذلك، وتعد صلاته كاملة.
ونحن نختار ما ورد في حديث ابن مسعود، فإنه قد قال: "علمني النبي -صلى الله عليه وسلم- التشهد كفي بكفه وركبتي بركبته كما يعلمنا السورة في القرآن"، ثم ذكر اللفظ: «التحيات لله، والصلوات والطيباب، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».
ثم قال في حديث ابن مسعود: «ثم ليدعُ بما شاء».
فيجوز للإنسان في هذا الحال أن يدعو، ويجوز له أن يدعو في صلاته بأي أمر يريده، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ثم ليدعُ بعدُ بما شاء».
فقهاء الحنفية يقولون بأن لا يدعو إلا بالمأثور الوارد في القرآن، أو الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
قالوا: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين».
وعلماء الحنابلة يقولون بأنه لا يدعو بأمر من ملاذِّ الدنيا، فلا يقول: اللهم ارزقني جارية حسناء، ولا يقول: اللهم أعطني مالًا وفيرًا.
هكذا قالوا.
والصواب: أنه يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثم ليدعُ بما شاء».
ثم إن كانت الصلاة ثنائية قرأ الصلاة الإبراهيمية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد سأله الصحابة وعرفوه بأنهم قد علموا السلام عليه، فكيف يصلون؟
فأرشدهم إلى الصلاة الإبراهيمية، والصلاة الإبراهيمية وردت بألفاظ متعددة، بأي لفظٍ ذكر الإنسان أجزأه، وقد اختار طائفة من أهل العلم أنه يقول: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد».
ويدعو بعد ذلك بما شاء من الأدعية.
وإن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية لم يذكر الصلاة الإبراهيمية في هذا الموطن وقام للركعة الثالثة، ويُشرع له حينئذٍ أن يكبِّر، ويُشرع له في هذه الحال أيضًا أن يرفع يديه إلى المنكبين على الصحيح كما ورد ذلك في صحيح البخاري، خلافًا لأكثر الفقهاء في هذه المسألة.
ورفع اليدين هنا كرفعها عند تكبيرة الإحرام.
ثم بعد ذلك يقرأ سورة الفاتحة ولا يقرأ سورة أخرى مع سورة الفاتحة في الركعة الثلاثية والرباعية. هذا هو الأصل، وإن قرأها في مرات قليلة فلا حرج عليه في ذلك، فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا بمثل ذلك.
ثم بعد ذلك في آخر صلاتية سواء كانت ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء يجلس متورِّكًا.
ما معنى كونه متورِّكًا؟
معناها: أن ينصب رجله اليمنى وتكون بجانبه الإيمنو ثم يُدخل رجله اليسرى من تحت رجله اليمنى، ويضع إليته على الأرض ويكون عقب رجله اليسرى تحت إليته اليمنى.
وإن قدَّم رجله لتكون تحت مقدَّم رجله اليمنى فأيضًا هذا وارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
ويلاحظ هنا أنه بعد ذلك يُشرع للإنسان أن يسلم، والتسليم قد ورد فيه صيغ متعددة، منها أن يُسلم يمينًا ويسارًا، فيقول: السلام عليكم ورحة الله -على اليمين.
ويقول: السلام عليكم ورحمة الله -على اليسار.
وقد ورد ذلك في أحاديث جماعة كثيرة من الصحابة.
وورد في السنن من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «كان يسلم تسليمة واحدة وجاه قبلته».
ولكن المعهود الغالب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يسلم التسليمتين، ولذلك قال العلماء بأن التسليمة الأولى متعيِّنة على العبد وهي من الواجبات، كما قال بذلك الجمهور خلافًا للحنفية، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وتحليلها التسليم»، وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وكان يُحافظ على التسليم.
وأما التسليمة الثانية فالصواب أنها سنة مستحبة وليست بواجبة متعينة، ومَن تركها لم يؤثر ذلك على صلاته على الصحيح من أقوال أهل العلم.
وبعد الصلاة يُشرع للإنسان أن يستغفر الله ثلاثًا، ثم يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام».
ويشرع له أن يهلل ثلاثًا لورود ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
جاء الفقراء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور -يعني أهل الأموال الكثيرة- بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها ويعتقون، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على أمر إذا فعلتموه أدركتم به من سبقكم، ولا يكون مثلكم إلا من فعل مثل فعلكم؟».
قالوا: بلى يا رسول الله.
فقال -صلى الله عليه وسلم: «تسبحون الله وتحمدونه وتكبرونه ثلاثًا وثلاثين دبر كل صلاة مكتوبة».
فسمع أهل الأموال مقالة إخوانهم ففعلوا مثل ذلك، فاشتكى الفقراء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى، فقال -صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لما سئل أي الدعاء أسمع، قال: «دبر الصلاة المكتوبة، وجوف الليل الآخر».
واختلف العلماء في لفظة «دبر الصلاة المكوبة»، فقال طائفة: المراد بها آخر الصلاة قبل التسليم، كما يُقال: دبر الدابة الذي هو جزء منها، وليس مواليًا لها بعدها.
وقال آخرون بأن المراد بعد السلام، لأنه قد ورد في الحديث السابق قال: «تسبحون الله وتحمدونه وتكبرونه دبر كل صلاة»، وقد وقع الاتفاق على أن المراد بالدبر هنا أن يكون بعد التسليم.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: «لا تدعن دبر كل صلاة مكتوبة أن تقول: اللهم أعني على شكرك وذكرك وحسن عبادتك».
وورد عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله «اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، واكفني بفضلك عمَّن سواك»، فهذه أدعية مشروعةفي هذا الموطن.
ولم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرفع يديه بعد الصلوات المكتوبة، وقد حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على نقل أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- كاملة، فنقلوا لنا كيف يضع يديه، وكيف يحرك أصابعه، ونقلوا لنا كل حركة من أجزاء بدنه، ولو كان -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاته يرفع يديه بالدعاء لنقل ذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- بل من دقتهم في هذا اللأمر أنهم نقلوا لنا ما يكون من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاة الليل، فقد جاء في حديث سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي -رضي الله عنه- قال: «إن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من صلاة الليل قال: سبحان الملك القدوس ثلاثًا يرفع صوته في الثالثة -أو قال: يمد صوته في الثالثة».
فانظر كيف نقلوا لنا تفاصيل كلامه -صلى الله عليه وسلم- حتى فيما يتعلق بصلاته في ليله مما يدلك على أنهم استوفوا نقل أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلواته.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الصلاة يذكر الله ويرفعه الصوت بالذكر، قال ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا برفع الصوت بالذكر"، وفي لفظ "بالتكبير".
ولكنهم لم يكونوا يذكرون الله ذكرًا جماعيًّا؛ بل كل واحد يذكر الله وحده بدون أن يتوافق القول منهم.
ومن الأمور التي ننبِّه عليها في هذا الباب أن هناك مكروهات في الصلاة على الإنسان أن يتعلمها ليجتنبها، من ذلك مثلًا: أن بعض الناس يعتقد أن تغميض العينين يحصل به الخشوع في الصلاة، وهذا فهم خاطئ، أخشع الناس في صلاته هو النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- يغمض عينيه، ولذلك يُقال لمن أغمض العينين: ليس هذا من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم.
وكذلك من الأمور المكروهة في الصلاة أن يعبث الإنسان في صلاته بأي نوع من أنواع العبث، وقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا كذلك فقال: «لو سكن قلب هذا لسكنت جوارحه».
وهكذا أيضًا يجتنب الإنسان فرقعة الأصابع في الصلاة أو تشبيك الأصابع، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن تشبيك الأصابع قبل الصلاة وقال: إن أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة، فلا يشبكنَّ أحدكم أصابعه»، فدل هذا على أن تشبيك الأصابع في الصلاة من المكروهات.
هكذا من المكروهات أن يصلي الإنسان هو مشتغل البال بأي نوع من أنواع أشغال الدنيا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان».
ومن الأمور المتعلقة بالصلاة: أن يتخذ الإنسان سترة في صلاته إذا صلى إمامًا أو صلى منفردًا، وأما بالنسبة للمأموم فإن سترة إمامه سترة له.
وهكذا بعد سلام الإمام فإن المسبوق بعد أن يقوم يجوز له أن يستتر بظهر مَن أمامه، فقد كان الناس يفعلون ذلك من عهد النبوة.
ومن الأمور التي ننبه عليها هنا: أن مَن سها في صلاته شُرع له أن يسجد سجود السهو، وسجود السهو سجدتنا يسجدهما المرء في أواخر الصلاة، يقول فيهما "سبحان ربي الأعلى" كما يقول في سجود الصلاة، وإن دعا فلا بأس في ذلك.
ويُكبر قبل كل سجدة وبعدها، والصواب أنه لا يُشرع أن يجلس للتشهد بعد سجود السهو لعدم ثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خلافًا لفقهاء الحنابلة.
والسهو يكون بثلاثة أنواع:
- إما بزيادة أشياء من الصلاة يظنها الإنسان من الصلاة.
- وإما بأن يسلم في أثناء صلاته.
- أو بنقصان واجب ليس بركن، كما لو نسي التشهد الأول.
- أو يكون بورود الشك على الإنسان.
إذا شك الإنسان فإن غلب على ظنه أحد الاحتمالين كما لو شك هل هي ثلاثة أو أربع فحينئذٍ يعمل بغالب ظنه إن كان عنده غالب ظن، فإن لم يكن عندهغالب ظن فإنه يعمل بالأقل. هذا هو مذهب الإمام مالك.
وأرجح الأقوال في هذه المسألة لما ورد من حديث ابن مسعود في الصحيحين وحديث أبي هريرة في السنن.
وبالنسبة لسجود السهو: الأصل أن يكون قبل السلام إلا في ثلاثة مواطن:
الأول: إذا سلم في أثناء صلاته.
والثاني: إذا كان شك في الصلاة وعمل بغالب ظنه.
والموطن الثالث: إذا نسي سجود السهو قبل السلام، فإنه يسجد بعد السلام.
ومن الأمور التي كان يحافظ عليها النبي -صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل.
فقد قال الله -جل وعلا: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ [الإسراء: 79].
وقال -جل وعلا- عن المؤمنين: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: 17].
وقال -جل وعلا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة 16، 17].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ على ثمان ركعاتو وبعد ذلك يصلي الشفع والوتر بإحدى عشرة ركعة.
وقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه زاد على ذلك، فثبت من حديث ابن عباس في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى ثلاث عشرة ركعة.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطيل في صلاة الليل، ويقرأ قراءة كثيرة.
قال حذيفة: "قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- البقرة، وآل عمران، والنساء".
ومن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم: المحافظة على السنن الرواتب.
قال ابن عمر: "حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وحدثتني حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين قبل الفجر".
فهذه سنن الرواتب تكمِّل النقص الحاصل في صلواتك بالسهو وبالغفلة وبعدم حضور القلب ونحو ذلك، وفيها زيادة أجر وتكثير ثواب.
مثال ذل: في سنة الفجر يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
وهناك قد ورد في حديث عائشة: «أربع ركعات قبل صلاة الظهر»، وبذلك يكون الإنسان قد صلى ثنتي عشر ركعة تطوعًا من غير الفريضة، فيُرجى أن يكون قد بُنيَ له قصر كما ورد ذلك في الحديث.
ومن الأمور التي يُشرع للناس أن يفعلوها: صلاة الوتر.
وقد قال الإمام أبو حنيفة بوجوبها، وجمهور أهل العلم على أنها من السنن المتأكدات وليست من الواجبات.
استدلوا على ذلك: بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «وأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة»، ولم يكن منها صلاة الوتر.
وصلاة الوتر يجوز أن تُفعل بركعة على الصحيح خلافًا للحنفية، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة»، ويجوز أن تفعل بثلاث وبخمس إلى إحدى عشرة ركعة، فقد ورد ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
ومن الصلوات التي يعظم أجرها وثوابها: صلاة الضحى.
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «على كل سلامى من ابن آدم صدقة»، ثم ذكر أنواع الصدقات، ثم قال -صلى الله عليه وسلم: «ويُجزئ من ذلك ركعتان يركعهما المرء من الضحى».
ومن الأعمال الصالحة: سجود التلاوة، فهناك آيات في القرآن يُشرع عند نهايتها أن يسجد الإنسان للتلاوة، وهذه السجدة فيها فضل عظيم وثواب جزيل، وجمهور العلماء على أن سجدة التلاوة صلاة يشترط لها شروط الصلاة، فلابد لها من وضوء، ولابد لها من استقبال القبلة، ولابد ان تغطي المرءة رأسها وجميع بدنها غير الوجه واليدين.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن سجود التلاوة ليس صلاة، وبالتالي لا تشترط له هذه الشروط، وورد ذلك عن ابن عمر وعن جماعة من التابعين.
ومن الأمور المتعلقة بهذا: أن نجتنب الصلوات النوافل في أوقات النهي، فهناك خمسة أوقات نهي عن الصلاة فيها:
أولها: من دخول وقت صلاة الفجر: فحينئذٍ إذا أذن للفجر فلا يشرع للناس أن يصلوا إلا سنة الفجر أو صلاة الفجر إلى بدء طلوع الشمس.
والوقت الثاني: من بدء طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح بحيث تستقل عن الأرض.
والوقت الثالث: من توسط الشمس في كبد السماء إلى زوالها.
والوقت الرابع: من بعد صلاة العصر إلى بدء غروب الشمس.
ولاوقت الخامس: من بدء غروب الشمس إلى تمام غروبها.
فهذه أوقات نهي عن الصلاة فيها.
واختلف الفقهاء في ذوات الأسباب هل تفعل في أوقات النهي أو لا تفعل:
- فذهب فقهاء المالكية إلى انها لا تفعل في أوقات انهي.
- وذهب فقهاء الشافعية إلى أنها تفعل في أوقات النهي.
وذوات الأسباب مثل تحية المسجد، فهي ذات سبب، ومثل سنة الوضوء.
- وذهب طائفة من العلماء إلى التفريق بين أوقات النهي، فقالوا بأن أوقات النهي المطولة وهي التي بعد الفجر وبعد العصر؛ يُفعل فيها ذوات الأسباب، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه أنه قضى سنة الظهر البعدية بعد العصر.
وأما أوقات النهي المغلظة، وهي الثلاثة أوقات القليلة فإنها لا تفعل فيها ذوات الأسباب.
واستدلوا على ذلك بما ورد في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عارم قال: «ثلاث ساعات نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا»، وذكر فيها هذه الساعات الثلاث المغلظة.
ومن الأمور المتعلقة بالصلوات: أن العبد المؤمن يحرص على أدء صلواته المكتوبة في المسجد، فقد قال الله -عز وجل: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [النور 36-38].
ومن الأمور التي وقع الاختلاف فيها: صلاة الجماعة، هل من الواجبات أو ليست من الواجبات المتحتمات؟
وللعلماء في ذلك أربعة اقوال مشهورة:
أولها: قول من يقول أن الجماعة شرط في صحة الصلاة، كما هو مذهب الظاهرية.
والقول الثاني: بأنها سنة، ومعنى كونها سنة: أن من تركها بالكلية فهو آثم، وأما إذا تركها في مرات قليلة فلا يأثم بذلك، وهذا هو مذهب مالك وطائفة.
والوقل الثالث: بأنها مستحبة.
والوقل الرابع: بانها واجبة، لكن تصح الصلاة بدونها. وهذا القول هو الذي تجتمع عليه الأقوال، وتجتمع عليه الأدلة، فإن الله تعالى قال: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الأعمى الذي جاء يستأذنه في الصلاة في منزله، قال: «هل تسمع النداء؟».
قال: نعم.
قال: «فأجب».
وقال -صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، فأتخلف إلى رجال لا يشهدون الصلاة معنا فأحرِّق عليهم بيوتهم»، فدل هذا على أن صلاة الجماعة من الواجبات.
ومن الأمور التي نرغب فيها أيضًا: أن يحرص الإنسان على أذكار دخول المسجد، إذا دخل المسجد قال: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم»، وقال: «بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك».
وإذا خرج من منزله للمسجد استُحبَّ له أن يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورًا، وعلى لساني نورًا، وعن يمين نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، وأعطني نورًا».
فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله عند خروجه للمسجد.
ويقول الإنسان أيضًا عند خروجه من المنز للمسجد ولغيره: «اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أذل أ أُذل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليَّ».
ويحرص الإنسان على التبكير لصلاة الجماعة ليكون في الصفوف الأولى، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عله لاستهموا».
ومن الأمور التي نرغب فيها: أن يحرص الناس على تسوية الصفوف، وعدم وجود انحراف فيها.
وهكذا أيضًا يحرصون على التصافِّ فيها، ويحرصون على وصل الصفوف الأولى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن وصل صفًّا وصله الله، ومَن قطع صفًّا قطعه الله»، وهكذا.
وأما بالنسبة لصحة الصلاة: فإن مَن صلى في المسجد فتصح صلاته ما دام في المسجد ولو كان بعيدًا عن المصلين، أما مَن صلى خارج المسجد فإنه لا تصح صلاته إلا إذا كانت الصفوف متصلة، فإنه لا يُقل عن الجماعة جماعة إلا لاجتماعهم، فمتى كانوا متفرقين لم يُسموا جماعة.
ويُلاحظ في هذا ألا يصلي الإنسان وحده خلف الصف، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا صلاة لفذٍّ خلف الصفِّ»، ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يصلي خلف الصف فأمره بالإعادة.
وجمهورأهل العلم يصححون صلاة مَن صلى خلف الصف خصوصًا إن كان محتاجًا.
وفي مذهب أحمد أن مَن صلى وحده خلف الصف فإنه يُعيد الصلاة، لهذه الأحاديث. ومذهب أحمد أسعد بالدليل.
ومن الصلوات التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرص عليها ويهتم بها: صلاة العيد.
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء بالخروج إلى صلاة العيد حتى الحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى.
وقالت له امرأة: المرأة لا تجد الجلباب.
قال: «لتُلبسها أختها من جلبابها».
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة العيد خارج البلد، وكان -صلى الله عليه وسلم- يبتدئ أول ما بتدئ بالصلاة، يبتدئ وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس، ونهاية صلاة العيد عند الجماهير بما قبل الزوال.
وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يؤذن لصلاة العيد، ولا يُقيم لها، يبتدئ مباشرة بالصلاة، وكان يصلي صلاة العيد بركعتين، وقد وقع الاختلاف في عدد التكبيرات في صلاة العيد.
- فعند الإمام أبي حنيفة: أنه يكبر في الركعة الأولى بخمس تكبيرات، وفي الركعة الثانية بثلاث تكبيرات.
- وعند الإمام الشافعي: أنه يكبر بثمان تكبيرات في الركعة الأولى تشمل على تكبيرة الإحرام، ويكبر خمس تكبيرات في الركعة الثانية.
- وعند الإمام مالك والإمام أحمد: أنه يُكبِّر سبع تكبيرات في الركعة الأولى، ويكبر خمس تكبيرات في الركعة الثانية، سبع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام، وخمس تكبيرات بدون تكبيرة الانتقال.
ولعل مذهب الإمام مالك أرجح الأقوال في هذه المسألة، لأنه هو الوارد في الأحاديث الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم.
وبعد الفراغ من الصلاة يخطب الناس، وجمهور أهل العلم أنه يخطب خطبتين، وقالوا إن الأحاديث التي فيها ذكر الخطبة مطلقة يفسرها عمل الناس المتناقل بالتواتر من عهد النبوة إلى زماننا الحاضر أنهم يخطبون خطبتين بعد صلاة العيد.
صلاة العيد اختلف العلماء في حكمها:
- فمنهم من رأى أنها من فروض الأعيان، كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة.
- ومنهم مَن رأى أنها من المستحبات.
- ومنهم مَن رأى أنها من فروض الكفايات.
ولعل هذا القول الأخير هو أرجح الأقوال في المسألة.
ومن الصلوات التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بها: صلاة الخسوف والكسوف.
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر أصحابه بذلك، قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة».
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يأمر أيضًا بالأعمال الصالحة، بالصدقة، والعتاقة، والدعاء، والذكر ؛ عند خسوف القمر وكسوف الشمس.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي الخسوف والكسوف بركعتين، في كل ركعة ركوعان، فتكون الصلاة مشتملة على أربع ركوعات وربعد سجدات.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يطيل القراءة في صلاة الكسوف، وخطب -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاة الكسوف، فدل هذا على أن هذه الخطبة من المشروعات كما هو قول الجمهور خلافًا لفقهاء الحنابلة.
ومن الصلوات التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر بها ويحث أصحابه عليها: صلاة الاستسقاء.
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى أن الناس قد جاءهم الجدب والقحط وقلَّ علهم المطر وعدهم يومًا في المصلى، فخرج صباحًا متخشِّعًا متزلِّلًا متبذِّلًا -صلى الله عليه وسلم- حتى وصل إلى المصلى، فصلى بهم ركعتين كهيئة صلاة العيد، ثم خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بهم وأكثر من الدعاء.
ومن الصلوات المشروعة أيضًا: صلاة الجنازة.
فإذا مات الميت فإنه يُكرم بالدعاء له، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «ما من ميت يموت فيصلي عليه جماعة من الناس يبلغون الأربعين -وفي لفظ: صلوا ثلاثة صفوف- إلا شفعهم الله -جل وعلا- فيه».
وصفة صلاة الجنازة: انها بأربعة الكبيرات:
التكبيرة الأولى: يُشرع أن يُقرأ بعدها بسورة الفاتحة بدون أن يكون هناك دعاء استفتاح، وبدون سورة أخرى غير سورة الفاتحة.
وبعد التكبيرة الثانية: تقال الصلاة الإبراهيمية "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
وبعد التكبيرة الثالثة يشرع أن يدعو الله -جل وعلا- ويخص الميت بأنواع الأدعية، ولا بأس أن يدعو في هذا الحال لغير الميت.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينوِّع أدعيته في صلاة الجنازة، ولذلك ليس هناك دعاء مخصوص، بأي دعاء تدعو به للميت تكون بذلك حققت المشروع في هذا الباب، ولكن إن دعوت بالأدعية الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أفضل، لثلاثة أمور:
- أنك بذلك أولًا تقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم.
وثانيًا: تكون قد دعوت بالأدعية الجوامع المشتملة على ألفاظ قليلة ومعانٍ كثيرة.
وثالثًا: تأمن من الخطا ومن الزلل في أدعيتك، فكم من إنسان يدعو بدعاء يكون مخالفًا لما ورد في الشرع.
وبعد التكبيرة الرابعة: يشرع للإنسان أن يسلم، وقد ورد عن بعض أهل الحديث أنه يقول: «اللهم لا تفتنَّا بعده»، ثم بعد ذلك يسلم.
وقد وقع الاختلاف بين أهل العلم في رفع اليدين عند تكبيرات الجنازة.
أما التكبيرة الأولى: فمحل اتفاق أنه ترفع الأيدي فيه إلى حذو المناكب، ولكن وقع الخلاف في التكبيرات الأخرى:
• فعند الإمام أحمد والشافعي أنه يستحب رفع اليدين عند هذه التكبيرات.
• وعند الإمام مالك وأبي حنيفة أنه لا يستحب رفع اليدين في هذه المواطن.
ولعل الأظهر هو القول باستحباب رفع اليدين، ولذلك لما ورد في الحديث: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صلى على النجاشي رفع يديه فكبَّر أربعًا»، فظاهر هذا اللفظ أنه رفع يديه في التكبيرات جميعًا.
ويدل عليه أيضًا ورود هذه التكبيرات عن عدد من الصحابة كابن عمر وزيد وغيرهم، ولم يرد عن غيرهم من الصحابة خلافهم في ذلك، فدل هذا على استحباب رفع الأيدي في هذه المواطن.
وأما بالنسبة للصلاة على الغائب: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على النجاشي وهو غائب لم يكن بين يديه.
ووقع الاختلاف بين أهل العلم:
- فقالت طائفة: يُصلى على كل غائب.
- وقال آخرون: لا يُصلى إلا على أهل الفضل والمكانة ممن لهم وقع في نشر دين الله.
- وقال آخرون بأنه إنما يصلي صلاة الغائب الولاة أو مَن أذن لهم الولاة، لأن ذلك لم يكن في عهد النبوة.
هذا شيء مما يتعلق بأحكام الصولات.
أسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة.
أنبه هنا إلى مسألة وهي: صحة الصلاة خلف المخالف في الفروع، فلو كنتُ أرى أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، ولكني رأيت فقيهًا مالكيًّا أكل لحم جزور فصلى فإنه يجوز لي أن أصلي خلفه، ولا حرج عليه في ذلك، وصلاتي تامَّة، وذلك لأنه تصح صلاته لنفسه، إن صلى باجتهاده فصحَّت إمامته لي.
وهكذا على الصحيح أنه يجوز أن يصلي الإنسان خلف الفاسق سواء بمعصية أو ببدعة، لأن الصحابة -رضوان الله عليهم- صلوا خلف الفسَّاق في زمانهم، وأقرُّوا ذلك ولم يقع بينهم خلاف.
أسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم من المحافظين على الصلوات، اللهم انشر الصلاة في الأمة، اللهم أعد الأمة إلى دينك عودًا حميدًا، اللهم يا حي يا قيوم نسألك أن تصلح قلوبنا، اللهم أصلح قلوبنا، اللهم املأها من التقوى، اللهم املأها من مخافتك، اللهم املأها من رجائك، اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع درجاتنا في الجنة، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى، اللهم يا حي يا قيوم اجمعني بإخواني وأحبتي هؤلاء عند نبيك -صلى الله عليه وسلم- في المقامات العلا من الجنة.
هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"