بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 يونيو 2011

الديون العربية هم وقيود

عندما سارت الدول العربية في طريق الاستدانة الوعر كانت تظن نفسها قادرة على تحقيق معادلة صعبة طرفها الأول هو الحصول على الديون واستغلالها في برامج التنمية المختلفة وطرفها الثاني هو سداد هذه الديون وفوائدها. لكن بعد مرور سنوات طويلة على السير في هذه الاتجاه وجدت نفسها في حيرة.. فلا هي حققت التنمية المطلوبة ولا هي أصبحت قادرة على سداد ديونها الخارجية أو الداخلية حتى أصبح مجموع هذه الديون مجتمعة 560 مليار دولار يدفع للقسم الخارجي منها فقط كل عام 40 مليارا.

وأمام العجز عن سداد الديون واستجابة لضغوط المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لجأت الدول العربية إلى مزيد من الاستدانة أو إعادة جدولة ديونها وفقا لشروط الدائنين الجدد في نادي باريس، مما يثير تساؤلات عن مدى الحاجة إلى اللجوء لمثل هذه الإجراءات.

والأسباب التي دفعت الدول العربية إلى الاستدانة كثيرة، بعضها داخلية كالعجز في الموازنات العامة والتضخم الذي أثر في قيمة العملات الوطنية والركود الاقتصادي المحلي والعالمي وعبء المديونية الخانق، وهو الأمر الذي انعكس على معدلات النمو حيث وصلت في بعض الأقطار العربية إلى ما دون الصفر، وهددت قطاعات حيوية كقطاع الغذاء التي أحدثت به فجوة بلغت قيمتها حوالي 20 مليار دولار.

يضاف ذلك إلى ما يعانيه معظم العرب -باستثناء الدول النفطية الغنية- من تدن كبير في مستويات الدخول حتى أصبح دخل الفرد لا يكفي سد احتياجاته الأساسية من غذاء ومسكن وخدمات صحية وتعليمية ومواصلات، وزادت نسب البطالة إلى أن وصلت لما بين 20 و25% من مجموع القوى العاملة البالغة 100 مليون نسمة.

وبعضها خارجية كالركود العالمي الحالي وانخفاض أسعار المواد الخام الأولية وارتفاع قيمة الفائدة وغيرها من الأسباب التي أصبحت مصطلحات شهيرة اليوم.

لكن التساؤل هنا.. هل كانت هذه الاختلالات الهيكلية في الاقتصاديات العربية سببا للاستدانة أم نتيجة لها؟ على أية حال وسواء أكانت سببا أم نتيجة فإن الدول العربية المدينة وجدت نفسها مضطرة إلى الرضوخ لـ شروط المؤسسات المالية المانحة سواء الدولية منها كـ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان يلزمان الدول المدينة باتباع سياسات اقتصادية واجتماعية معينة. أو المؤسسات المالية العربية التي لم تكتف بإخضاع الدول العربية المقترضة للشروط نفسها التي يطلبها صندوق النقد والبنك الدوليين فحسب وإنما أضافت إليها شروطها الخاصة والتي تحرص فيها عادة على ألا تتخذ الدول المقترضة مواقف سياسية تتعارض مع سياسات الدول الدائنة مما خلق معايير مختلفة في التعامل مع الدول العربية المقترضة كما حدث مع مصر وسوريا والأردن بعد حرب الخليج الثانية.

والآن بعد أن تعثرت الدول العربية المدينة في سداد أقساط ديونها وتراكمت فوائدها مما أثر في إرادتها السياسية، تثور تساؤلات عن أجدى الطرق للخروج من الأزمة، فهل يكون باللجوء إلى إعادة الجدولة عن طريق نادي باريس وتستجيب لشروطه كما استجابت من قبل لشروط مؤسسات التمويل الدولية والعربية حتى يعاد جدولة ديونها وتلتقط أنفاسها وتحاول ترتيب أوراقها من جديد، أم ربما يكون الحل في العمل على خلق استقرار تشريعي ودعم البنية التحتية وتحسين السياسات المالية لإيجاد مناخ صحي للاستثمار يشجع رؤوس الأموال العربية المهاجرة -والتي تقدر بما يتراوح بين 800 و2400 مليار دولار- على العودة إلى أوطانها حتى ولو كانت عودة جزئية.

ويبقى من الضروري استشراف آفاق المستقبل والتفكير في التخلص من مشكلة الديون وهو ما يحاول هذا الملف أن يلقي الضوء عليه بعد أن يستعرض جذور المشكلة ويتتبع تطوراتها.


الديون العربية الخارجية

ما حجم الديون العربية الخارجية؟ وما مقدار أعبائها؟ وماذا تقول هذه الأرقام عند مقارنتها بالمداخيل العامة للدول العربية؟ هذا المحور محاولة لتلمس الإجابة على هذه الأسئلة.

الدول العربية المدينة
لا تشمل الدول العربية المدينة سبع دول منتجة للنفط وهي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر والعراق وليبيا، لأن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا تعتبرها دولا مدينة من منظور الوضع الصافي للمديونية إذ إن الصعوبات المالية التي تمر بها هذه الدول مجرد صعوبات مؤقتة ترتبط بالتدفقات النقدية أكثر منها صعوبات جذرية في هياكلها الاقتصادية، كما أن هذه الدول تفضل الاقتراض المحلي نظرا لتوفر السيولة المحلية، ولكونه أقل حساسية من الاقتراض الخارجي.

الدين العام الخارجي
يشمل إجمالي الدين العام الخارجي في ذمة الدول العربية المقترضة الديون الطويلة والقصيرة الأجل من الجهات الرسمية والخاصة، وتسهيلات صندوق النقد الدولي، والديون الخاصة غير المضمونة.

بين المصادر الوطنية والدولية
تم الاعتماد على التقارير والإحصاءات الاقتصادية التي تصدر عن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل العالمي للتنمية وصندوق النقد العربي، ولم يتم الاستعانة بالمصادر الوطنية إلا في مواضع قليلة لأن هذه المصادر لم تقدم إحصاءات مكتملة وكافية تساعد في استخلاص المؤشرات المتعلقة بديونها الخارجية.

كما تم الاعتماد على التقارير والإحصاءات التي رصدت حجم الديون الخارجية لعام 2000 إذ لم تصدر حتى الآن عن هذه المؤسسات إحصاءات ترصد حجم هذه الديون لعام 2001.

دلالة فترة الرصد
رصد المحور مديونيات الدول العربية المقترضة في نهاية عامي 1995 و2000 بدلا من الاعتماد على رصد المديونيات في عام أو عامين كما جرت عليه العادة في التقارير الاقتصادية، وذلك بقصد الوقوف على الوضع الحقيقي للمديونية العربية ويسهم في استخراج مؤشرات دقيقة وليست وقتية لهذه المديونية. وسيحاول التقرير عرض مسألة الديون العربية الخارجية من خلات المحاور الآتية:

- الدين العام الخارجي
- إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي
- خدمة الدين العام
- نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات


الدين العام الخارجي

بلغ إجمالي الدين العام الخارجي في ذمة الدول العربية المقترضة في نهاية عام 2000 نحو 144 مليار دولار تقريبا، وانخفض إجمالي هذا الدين عن حجمه في عام 1995 بمقدار 15.5 مليار دولار تقريبا، أي أن وضع المديونية شهد تحسنا نسبيا في عام 2000 إذ انخفض حجم الدين الخارجي بنسبة 9.6% مقارنة بعام 1995.

لدين العام الخارجي

بلغ إجمالي الدين العام الخارجي في ذمة الدول العربية المقترضة في نهاية عام 2000 نحو 144 مليار دولار تقريبا، وانخفض إجمالي هذا الدين عن حجمه في عام 1995 بمقدار 15.5 مليار دولار تقريبا، أي أن وضع المديونية شهد تحسنا نسبيا في عام 2000 إذ انخفض حجم الدين الخارجي بنسبة 9.6% مقارنة بعام 1995.

الدين العام الخارجي بين عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt1.png

يتضح من الجدول التالي:

أن خمس دول عربية قد سجلت زيادة في إجمالي ديونها الخارجية هي: الأردن وتونس وجيبوتي وعمان ولبنان
وبلغت هذه الزيادة 6.5 مليارات دولار (29.8%).
كانت أدنى هذه الزيادات في تونس 645 مليون دولار (5.9%)، وأعلاها في لبنان 5.5 مليارات دولار (415%).
الدول العربية المقترضة
التي زادت مديونياتها بين عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt2.png

أما بقية الدول العربية فسجلت انخفاضا في حجم مديونياتها بنحو 22.4 مليار دولار (16.3%) بلغ أعلاها في موريتانيا 820 مليون دولار (35.3%)، وأدناها في سوريا 460 مليون دولار (0.2%).

الدول العربية المقترضة
التي انخفضت مديونياتها بين عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt3.png

إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي

توضح نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عبء المديونية الخارجية في الدول العربية المقترضة، وتشير إلى قدرة اقتصادياتها على تحمل أعباء هذا الدين، ومدى استمراريتها على الالتزام بذلك.

ففي عام 2000 بلغت هذه النسبة 49.9% في حين كانت 73.3% في عام 1995، وبذلك حققت الدول العربية المقترضة نجاحا في انخفاض نسبة هذا المؤشر بنحو 23.4% عام 2000 مقارنة بما كانت عليه عام 1995.

نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
ما بين عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt4.png

يلاحظ من الجدول التالي:

- زيادة المؤشر في جيبوتي بمقدار 18.8% ولبنان بمقدار 29.7%.
- وانخفض في بقية الدول العربية المقترضة
- وبلغ ذروته في موريتانيا (67.6%).

وبغرض المقارنة بين أوضاع الدول العربية المقترضة وفقا لمؤشر نسبة الدين العام الخارجي القائم إلى الناتج المحلي الإجمالي في عامي 1995 و2000، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات هي:

المجموعة الأولى:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها معتدلا نسبيا حيث تقل نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عن 50%
المجموعة الثانية:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها مرتفعا حيث تتراوح النسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها ما بين 50 و100%.
المجموعة الثالثة:
وتضم الدول التي يعتبر عبء المديونية فيها عاليا نسبيا حيث تزيد فيها نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 100%.

الدين العام الخارجي للدول العربية في عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt5.png

يتضح أن أداء هذه المجموعات الثلاث يشهد تحسنا في بعض مؤشرات عبء المديونية فيها، كما يلاحظ وجود تباين في بعض هذه المؤشرات في عامي 1995 و2000، وهنا أهم هذه الملاحظات:

- فبالنسبة لحجم الديون الخارجية يلاحظ أنه شهد انخفاضا متفاوتا في المجموعات الثلاث بنحو 12.608 مليار دولار و48 مليونا و2.531 مليار دولار على التوالي.
- وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا في المجموعات الثلاث بمقدار 21.3% و 12.8% و 32.7% على التوالي، كما انخفضت خدمة الدين في المجموعة الأولى بنحو 383 مليون دولار، وزادت في المجموعتين الثانية والثالثة بنحو 446 مليون دولار و1.163 مليار دولار على التوالي.
- وسجلت نسبة خدمة الدين العام الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات في المجموعة الأولى انخفاضا بمقدار 6.2%، وارتفعت هذه النسبة في المجموعتين الثانية والثالثة بمقدار 0.9% و11.9% على التوالي.

خدمة الدين العام

سجلت خدمة الدين العام -بما تشمله من سداد أقساط الديون الخارجية والفوائد التي تترتب عليها- في الدول العربية المقترضة عام 2000 نحو 13.7 مليار دولار محققا ارتفاعا مقارنة بعام 1995 بمقدار 1.2 مليار دولار وبنسبة 10.2%. ففي الأردن على سبيل المثال انخفضت خدمة الدين بمقدار 169 مليون دولار، وفي مصر بمقدار 397 مليون دولار، وفي المغرب بمقدار 1.228 مليار دولار، وموريتانيا بمقدار مليوني دولار، في حين زادت هذه الخدمة في بقية الدول العربية المقترضة وبلغت ذروتها في سوريا بمقدار 975 مليون دولار.

خدمة الدين العام الخارجي ما بين عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt6.png

نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات

يوضح مؤشر نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات ما يستهلكه سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي من التدفقات المالية بالعملة الصعبة في الدول العربية المقترضة والتي تتحصل عليها من حصيلة ما تصدره من سلع وخدمات، وبذلك يمكن أن تقف خدمة الدين عقبة أمام الحفاظ على هذه التدفقات التي تلجأ إليها الدول -مع وسائل أخرى- في وقت الأزمات.

كما أنها تعمل على تحسين سعر صرف عملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار اقتصادياتها ويعمل على جلب رؤوس الأموال إليها.

وإذا نظرنا إلى هذا المؤشر في الدول العربية المقترضة نلاحظ أنه في عام 2000 حقق 15.6%، مسجلا انخفاضا عن عام 1995 بمقدار 2.5%.

نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات
السلع والخدمات في عامي 1995 و2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt7.png

ووفقا للجدول نلاحظ التالي:

- ارتفعت هذه النسبة في الأردن بمقدار 0.6%، وفي تونس بمقدار 2.0%، وفي السودان بمقدار 8.9%، وفي سوريا بمقدار 13.8%، وفي لبنان بمقدار 7.4%، وفي موريتانيا بمقدار 3.0%، وفي اليمن بمقدار 2.5%.

- انخفضت هذه النسبة في باقي الدول العربية المقترضة.
وبلغت ذروتها في الجزائر بمقدار 7.9%.

الخاتمة

مما سبق يلاحظ أن إجمالي حجم الدين العام الخارجي بالنسبة للدول العربية المقترضة ككل انخفض في نهاية عام 2000 بنحو 15.5 مليار دولار مقارنة بعام 1995. وتزامن هذا الانخفاض مع ارتفاع قيمة إجمالي الناتج المحلي وإجمالي صادرات السلع والخدمات في الدول العربية ومنها الدول المقترضة، ويرجع ذلك إلى العوامل الآتية:

- برامج الإصلاح الاقتصادي والهيكلي التي اتبعتها هذه الدول وكان لها الأثر الإيجابي في استقرارها الاقتصادي الذي حفز جانب العرض من السلع والخدمات وساعد على ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها.

- ارتفاع أسعار النفط العالمية وكميات تصديره من هذه الدول.

- ارتفاع قيمة الدولار الذي تسعر به المبادلات النفطية مقابل العملات الدولية الأخرى.

- أثرت هذه العوامل إيجابيا في مؤشرات قياس عبء المديونية الأخرى -فيما عدا مؤشر خدمة الدين- إذ انخفضت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 23.4% في عام 2000 مقارنة بعام 1995، كما انخفضت نسبة الدين إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات بمقدار 2.5% في عام 2000 مقارنة بعام 1995.

- لم يكن هناك اختلاف في المنظور الفردي عن المنظور الكلي للدول العربية المقترضة، فتأثرت الدول العربية بالعوامل التي سبقت الإشارة إليها، فارتفع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول العربية المقترضة في حين انخفض في المغرب وموريتانيا.

- ارتفعت القيمة الإجمالية للصادرات العربية ومنها صادرات الدول المقترضة التي يسهم قطاع النفط بنسب مؤثرة في ناتجها المحلي الإجمالي، فتوضح البيانات أن الصادرات السلعية في الدول العربية المقترضة المصدرة للنفط ارتفعت في الجزائر بحوالي 76% وفي اليمن بحوالي 65.2% وفي سوريا بحوالي 35.2% وفي مصر بحوالي 34.8%، وبلغت ذروتها في السودان بحوالي 132% بسبب بدئه في تصدير النفط في عام 1999 والذي تزايد في عام 2000، فحقق الميزان التجاري للسودان فائضا وصف بأنه الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين، وذلك رغم تراجع الصادرات غير النفطية فيه بسبب الحظر الذي كان مفروضا على صادراته من الثروة ال*****ية في عدد من الأسواق المجاورة.

- اتسم في المقابل أداء الصادرات السلعية في الأردن ولبنان بالنمو المحدود، كما حدث تراجع في القيمة الإجمالية بالدولار لصادرات تونس والمغرب رغم أن قيمة هذه الصادرات بالدينار التونسي والدرهم المغربي ارتفعت بنسبة 15% و7% على التوالي في عام 2000، ويرجع ذلك إلى تأثر صادرات البلدين بانخفاض اليورو مقابل الدولار إذ يتجه جزء كبير منها إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة لموريتانيا وجيبوتي فقد تواصل فيهما ارتفاع قيمة الصادرات في عام 2000 في ظل جهودهما الإصلاحية.

- انخفض حجم الديون الخارجية في ثماني دول عربية مقترضة بنحو 22.5 مليار دولار تقريبا، في حين ارتفع حجم هذه الديون في خمس دول عربية مقترضة بنحو 6.5 مليارات دولار تقريبا.

- تحسنت مؤشرات قياس عبء المديونية في العدد الأكبر من الدول العربية فيما عدا مؤشر خدمة الدين العام الذي شهد ارتفاعا في غالبية هذه الدول، فقد استطاعت الأردن ومصر والمغرب وموريتانيا فقط خفض خدمة ديونها العامة، في حين ارتفعت هذه الخدمة في باقي الدول العربية المقترضة، ويرجع ذلك إلى أن أعباء الديون الخارجية لهذه الدول ارتفعت بنسب تفوق نسبة الزيادة في القيمة الإجمالية لصادراتها.

يمكن القول إن تصنيف الدول العربية المقترضة إلى مجموعات وفقا لمؤشر نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي أظهر التباين بين هذه الدول من حيث حجم وطبيعة مشكلة المديونية ومستويات النمو الاقتصادي بها، لذا فإن مشكلة الدين العام الخارجي التي تعاني منها هذه الدول لا تتطلب اتخاذ سياسات ذات صبغة واحدة، بل يجب اتخاذ سياسات تتناسب مع طبيعة المشكلة في كل دولة عربية على حدة.


الديون العربية الداخلية

الدين العام الداخلي هو إجمالي الديون القائمة في ذمة الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة تجاه الاقتصاد الوطني، ويشمل هذا الإجمالي ديون 16 دولة عربية باستثناء العراق والسودان والصومال وموريتانيا، وذلك لعدم توافر بيانات عن الديون الداخلية لهذه الدول.



وقد بلغت المديونية العامة الداخلية القائمة في ذمة الدول العربية في نهاية عام 2000 حوالي 304 مليارات دولار، وارتفع هذا الدين عن حجمه في عام 1999 بمقدار 28.1 مليار دولار، أي أن وضع المديونية الداخلية للدول العربية شهد ارتفاعا نسبيا في عام 2000، فقد زاد حجم الدين الداخلي بنسبة 10.1% مقارنة بعام 1999.



المديونية العامة الداخلية للدول العربية
في عامي 1999 - 2000
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt8.png

نسبة الدين العام الداخلي إلى الناتج المحلي الإجمالي
شهدت نسبة الدين العام الداخلي إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا في عام 2000 بمقدار 0.4% مقارنة بعام 1999، ففي عام 2000 بلغت هذه النسبة 55.7% في حين كانت 56.1% في عام 1999، ويرجع ذلك إلى أن نسبة نمو الدين العام الداخلي كانت أقل من نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000.

وإذا انتقلنا إلى المنظور الفردي للدول العربية نلاحظ أن هذه النسبة شهدت انخفاضا في عام 2000 -كما هو الحال في المنظور الكلي للدول العربية- مقارنة بعام 1995 في معظم الدول العربية التي سجلت فوائض في موازناتها العامة وارتفاعا في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ هذا الانخفاض أعلاه في الكويت بنسبة 12.8% واليمن بنسبة 11.0% وقطر بنسبة 9.2%، كما انخفضت في الدول التي شهدت تراجعا في عجز موازناتها العامة كالبحرين والجزائر وجيبوتي وعمان.

وسجلت هذه النسبة تزايدا في الأردن وتونس وسوريا والمغرب وبلغت ذروتها في لبنان بحوالي 7.2% مقارنة بعام 1999 لتبلغ هذه النسبة حوالي 109.3% في عام 2000 مع ثبات الناتج المحلي الإجمالي.


الهيكل العام للدين الداخلي
اتسم هيكل الدين العام الداخلي للدول العربية في عام 2000 بالاتجاه نحو زيادة حصة أدوات الدين العام القابلة للتداول (كأذونات وسندات الخزينة والسندات الحكومية الأخرى) على حساب التسهيلات المصرفية والأدوات الأخرى، فزادت حصة أدوات الدين العام القابلة للتداول بمقدار 0.9% في عام 2000 مقارنة بعام 1999، في حين انخفضت حصة التسهيلات المصرفية بمقدار 0.9% في عام 2000 مقارنة بعام 1999.

الهيكل العام للمديونية الداخلية
للدول العربية حسب الأدوات (%)
http://www.thegulfbiz.com/vbimages/debt9.png

ويظهر هذا التوجه بوضوح في الأردن والسعودية ولبنان والمغرب واليمن، في حين تراجع في عمان وقطر ومصر، وظل الأمر ثابتا في باقي الدول العربية.

حصة القطاعات غير المصرفية
كما سجل هذا الهيكل ارتفاعا في حصة القطاعات غير المصرفية من أدوات الدين العام القابلة للتداول، فزادت هذه الحصة في اليمن بنحو 13.3% وفي الكويت بنحو 6.7% وفي الأردن بنحو 5.5%.


التطورات الاقتصادية العربية وتأثيرها في حجم الدين
تمكنت الدول العربية التي حققت فائضا في موازناتها العامة في عام 2000 وهي السعودية وقطر والكويت وليبيا وموريتانيا واليمن من الاستفادة من هذه الفوائض لتخفيف المديونيات.

أما الدول التي حققت عجزا في موازناتها العامة فقد عملت على تمويل هذا العجز عن طريق إصدار أدوات الدين العام القابلة للتداول في الأسواق المحلية كما هو الحال في الأردن والبحرين وتونس والجزائر وعمان ولبنان، أو الاقتراض من المصارف الوطنية مثل مصر، أو الاعتماد على عوائد الاستثمار الحكومية والسحب من الاحتياطات العامة كالإمارات، أو على مصادر التمويل المحلي التقليدية كسوريا وجيبوتي، كما لجأت لبنان وتونس إلى إصدار السندات الدولية -بالإضافة إلى إصدار أدوات الدين القابلة للتداول- فطرحت الأولى ستة إصدارات بقيمة 1825 مليون دولار، وطرحت الثانية إصدارا واحدا بقيمة 460 مليون دولار.


إدارة الدين العام الداخلي
يحسب لمعظم الدول العربية اتخاذ عدد من الإجراءات لتحسين كفاءة إدارة الدين العام الداخلي بهدف تخفيف أعبائه.

فلبنان مثلا لجأت إلى زيادة حصة الديون بالعملات الأجنبية الأقل فائدة -السندات الدولية- والميل نحو القروض ذات الشروط الميسرة، والسعي إلى تحسين هيكل آجال الدين الداخلي للاستفادة من الهامش القائم بين أسعار الفائدة على فترات الاستحقاق المختلفة، والعمل على استحداث إدارة نشطة للدين العام وتفعيل السوق الثانوية لأدواته، وتفعيل سوق اتفاقيات إعادة الشراء، وتطوير آليات الحفظ والتسوية لأدوات الدين العام.

أما المغرب فقد عملت على تطوير أسواق أدوات الدين العام و***ي إجراءات لتطوير إدارة هذا الدين كتحسين آليات وضوابط عمليات الإصدار، وتجميع الإصدارات لتوسيع السوق، ووضع قواعد تنظم عمليات التداول في السوق الثانوية لهذه الأدوات، وتحسين كفاءة عمليات التسوية والحفظ المركزي لها.

وسارعت الأردن وتونس ومصر واليمن لاتخاذ إجراءات لتنشيط السوق الثانوية لأدوات الدين العام كإدخال وتطوير نظام القيود الدفترية والحفظ المركزي لعمليات تداول السندات الحكومية وتطوير سوق اتفاقيات إعادة الشراء.

الخاتمة
من خلال استعراضنا لموقف المديونية الداخلية في الدول العربية في عام 2000 يمكننا استخلاص الآتي:

- مالت الدول العربية في عام 2000 إلى زيادة الاقتراض الداخلي وتقليل الاقتراض الخارجي، ويؤيد ذلك زيادة حجم الدين العام الداخلي للدول العربية بنسبة 10.1% مقارنة بعام 1999، في حين انخفض حجم الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة بنسبة 4.9% في عام 2000 مقارنة بعام 1999.

- هناك علاقة عكسية بين وضع التطورات الاقتصادية للدول العربية وموقف مديونياتها الداخلية، فظهر في عام 2000 أن الدول التي حققت فائضا في موازناتها العامة استطاعت أن تخفف من عبء مديونياتها الداخلية عبر الاستفادة من هذه الفوائض، أما الدول التي حققت عجزا في موازناتها العامة فقد عملت على تمويل هذه العجوزات عبر الاقتراض الداخلي.

- اتسم هيكل الدين العام الداخلي للدول العربية في عام 2000 بالاتجاه نحو زيادة حصة القطاعات والتسهيلات غير المصرفية من إجمالي دينها العام الداخلي.

- الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية لتحسين كفاءة إدارة دينها العام الداخلي كانت ضرورية، ولكنها ليست كافية لتخفيف عبء هذه الديون طالما بقيت العلاقة عكسية بين التطورات الاقتصادية للدول العربية وموقف مديونياتها الداخلية، فالعمل يجب أن يكون على محور إحداث نمو اقتصادي بمعدلات مرتفعة بما يسمح بسداد أعباء الديون الداخلية ويقلل من الاقتراض الداخلي، كما يجب تصحيح العلاقة العكسية بين التطورات الاقتصادية وموقف المديونية الداخلية عبر العمل على زيادة الصادرات غير النفطية بنسب كبيرة في إجمالي صادرات الدول العربية حتى تحرير اقتصاديات هذه الدول من تقلبات أسعار النفط والطلب العالمي عليه.

أسباب الديون

بدأت أزمة الديون على المستوى العالمي في الخمسينيات، واتضحت معالمها بشكل بارز في عقد التسعينيات عندما تفاقم حجم القروض نظرا لسوء توظيفها، لتنفجر عام 1982 حينما توقفت المكسيك وتشيلي والأرجنتين عن دفع أعباء ديونها الخارجية، ثم تبع ذلك عمليات إعسار مالي لعدد كبير من البلاد النامية، وشكل إعلان هذه الدول وقف دفع أعباء ديونها مؤشرا لانهيار نظام الائتمان الدولي.

وفي الدول العربية بلغ حجم الديون الخارجية حوالي 144 مليار دولار عام 2000 وفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد.

ويقدم المقال إجابة على مجموعة من التساؤلات الضرورية مثل ما أسباب هذه الديون؟ هل هي أسباب هيكلية أم أنها أسباب ظرفية لا تعدو أن تكون اختلالات مالية؟ وذلك من خلال المحاور التالية:

- أزمة الديون كجزء من أزمة هيكلية متعددة الأبعاد
- الاستدانة.. الأسباب الخاصة

أزمة الديون كجزء من أزمة هيكلية متعددة الأبعاد

تعيش البلدان العربية أزمة اقتصادية خانقة منذ عقود عديدة، وهي أزمة بنيوية في طبيعتها، فلا هي أزمة ظرفية عابرة، ولا هي أزمة قطاعية أو دورية، بل أزمة هيكلية متعددة الأبعاد ازدادت تشابكا وتعقيدا منذ السبعينيات مع بروز العديد من الأزمات مثل أزمة النظام النقدي وأزمة المديونية وأزمة الطاقة وأزمة الغذاء وأزمة البطالة.. هذه الأزمة الهيكلية طال أمدها حتى أصبح الخروج منها أصعب بكثير من ذي قبل.

وتنعكس هذه الأزمة بصفة خاصة في عجز الموازنات العامة وميل إلى التضخم مع الركود وأزمة مديونية خانقة. ويعتقد العديد من المسؤولين والمهتمين بالأوضاع الاقتصادية الدولية أن الأزمة لا تكمن في نمو السكان إذ إن زيادة السكان ما هي إلا زيادة بطيئة، لكن الخلل يكمن في بطء الزيادة في حجم الإنتاج وتدنيه.

فكل مولود يعتبر وحدة استهلاكية لكنه في الوقت نفسه وحدة إنتاجية ومن المفروض أن هذا الفرد له دخل يخصص جزءا منه للاستهلاك وجزءا للادخار وجزءا للاستثمار. فزيادة السكان لا تكون عقبة في طريق التنمية إلا عندما تكون حوافز الأفراد ونوعية مهاراتهم لا تتفاعل على النحو الذي يزيد الزيادة الكافية في حجم الإنتاج وهذا جوهر الأزمة الاقتصادية.

ولا سبيل إلى فهم الأزمة الممتدة منذ السبعينيات إلا بإمعان النظر في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, فالسمات البارزة للأزمة والتي تشكل قاسما مشتركا بين الأقطار العربية يمكن حصرها حسب المفكر الاقتصادي المتميز محمد النوري في الظواهر التالية:

1- أزمة نمو:
برزت هذه الأزمة في وسط السبعينيات في بعض الأقطار العربية وبداية الثمانينيات في أقطار أخرى، وتمثلت في تباطؤ معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وهبوطها إلى مستويات دنيا وصلت دون الصفر في بعض الأحيان. وقد أنتج هذا الوضع هبوطا في الإنتاج ولاسيما في الإنتاج الزراعي الذي تحكمه عادة في هذه المنطقة العوامل الطبيعية أكثر من العوامل البشرية، إذ زادت الفجوة الغذائية (19 مليار دولار) نتيجة تخلف هياكل الملكية الزراعية وأساليب الاستغلال الزراعي من جهة، وسيطرة الدول الكبرى على التجارة الدولية للغذاء من جهة أخرى. وبرزت الأزمة الغذائية معززة أزمة النمو العام لتكريس التخلف والتبعية في هذه البلدان.

2- تدهور مستوى الدخل الحقيقي للفرد:
تميل مستويات المعيشة في البلدان العربية نحو الهبوط بين الغالبية العظمى لسكانها، وتتضح هذه الحقيقة ليس فقط بين الدول الفقيرة (دول العجز كما يسمونها) مقارنة ببعضها بعضا، وإنما أيضا بين الفقراء والأغنياء داخل القطر الواحد. ويعتمد الاقتصاديون معيارا متوسط الدخل الحقيقي للفرد كمقياس لدرجة التخلف الاقتصادي في بلد ما، فإذا كان هذا المعيار في انخفاض فإن ذلك تعبير عن تدهور مستوى المعيشة للأفراد كما وكيفا ويترجم ذلك في صورة دخل حقيقي منخفض (قياسا بالمؤشر العام للأسعار) وسكن غير ملائم وصحة متدهورة وتعليم متواضع ومعدلات وفيات أطفال مرتفعة ومتوسط عمر قصير وبصفة عامة إحساس مختلط من عدم الارتياح واليأس معا.

وحتى لا تكون الصورة قاتمة تماما فإن متوسط دخل الفرد الحقيقي في أغلب البلدان العربية لم يشهد النمو المطلوب قياسا بالتطور المستمر للأسعار وتكاليف المعيشة من جهة وتدهور القوة الشرائية نتيجة التخفيض المتواصل في قيمة العملات المحلية. وإن كان الأمر متباينا بعض الشيء من قطر لآخر, فإن الاتجاه العام هو تدني مستوى دخول الأفراد باستثناء الدول النفطية, الشيء الذي يعكس مستويات معيشة منخفضة، إذ أصبح دخل الفرد لا يكفي لمواجهة الاحتياجات الأساسية للغالبية العظمى من السكان (الغذاء، السكن، الصحة، التعليم، المواصلات، الخدمات الأساسية..).

3- أزمة تضخم:
اصطحبت أزمة النمو في السنوات الأخيرة بتسارع معدلات التضخم واتجاه الأسعار الارتفاعي التصاعدي مع ركود الإنتاج والتجارة وانتشار البطالة. وليس بخفي ما للتضخم من آثار وخيمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي, فهو يؤثر سلبا في ميزان المدفوعات لأنه يضعف من الموقف التنافسي لصادرات الدول في السوق العالمية, إذ يؤدي التضخم إلى ارتفاعات شديدة في أسعار واردات هذه الدول في الوقت الذي تتدهور فيه حصيلة صادراتها من المواد الأولية. وفي الوقت نفسه يدفع إلى مزيد من الاستيراد حينما تصبح أسعار السلع المستوردة التي لها مثيل محلي منخفضة عن الأسعار المحلية وبالتالي يحدث الاختلال في التجارة الخارجية بانخفاض الصادرات وتزايد الواردات من جراء التضخم ويتفاقم عندئذ عجز الميزان التجاري.

بالإضافة إلى ذلك فإن التضخم يؤدي إلى تدهور سعر الصرف للعملة المحلية ويشجع على هروب الأموال المحلية إلى الخارج ويضع العراقيل أمام قدوم الاستثمارات الأجنبية الخاصة, ونتيجة لذلك تتسع الفجوة المالية الدولية فتضطر هذه الدول للاستدانة الخارجية.

كما أن للتضخم آثارا اجتماعية لا تقل خطورة عن آثاره الاقتصادية، وهو العدو الأول للعدالة الاجتماعية بما يسببه من تدهور للمقدرة الشرائية للأفراد نتيجة اشتعال الأسعار وهبوط قيمة العملة المحلية. ولعل من أفدح آثار التضخم الاجتماعية ما يلحقه بالفئات المتوسطة الدخول عن طريق ابتلاعه مدخراتها.

إن انتشار ظاهرة التضخم في بلداننا وتحولها من خلل طارئ في بعض الظروف إلى معضلة مزمنة تنخر جسم الاقتصاد يشير إلى أن التضخم أصبح سياسة مقصودة ومنصوحا بها من خبراء المؤسسات المالية الدولية باعتبارها إحدى آليات هيكلة الاقتصاد لصالح المجموعات الاحتكارية دون اعتبار تكلفتها الاجتماعية وتناسيها لضروريات العيش لشرائح هامة من المجتمع.

4- أزمة بطالة:
سجلت السنوات الأخيرة ارتفاعا لمعدلات البطالة بلغ ما بين 15 و20% في أغلب البلدان العربية -خصوصا غير النفطية- نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وانسداد الآفاق وبروز ظاهرة الهجرة المضادة.

والملاحظ في هذا الصدد شيوع ما يسمى بالبطالة الهيكلية وهي ذلك الشكل من البطالة الذي يظهر في عدم التناسب (أو الإخلال) بين الوفرة المتزايدة لليد العاملة مقابل ندرة العوامل الاقتصادية الإنتاجية الأخرى مثل الموارد الطبيعة ورأس المال والتنظيم.

5- أزمة عجز في ميزان المدفوعات:
هذه معضلة أخرى من المعضلات الهيكلية التي تعاني منها الاقتصاديات العربية والتي لم تستطع الاختيارات الاقتصادية مواجهتها. إننا في حقيقة الأمر إزاء حلقة دائرية خبيثة، فأزمة النمو تنتج حالة من الركود مصحوبة بموجة تضخمية حادة, ينعكس التضخم بدوره في تردي شروط التبادل التجاري مع الخارج وهذا يزيد عجز ميزان المدفوعات ويدفع إلى مزيد من الاستدانة الخارجية ويزيد التضخم الذي يؤدي إلى الركود ومن ثم إلى هبوط معدلات النمو وهكذا.

إن استمرار عجز موازين المدفوعات إنما يعبر عن الخلل الهيكلي الكامن في اقتصاديات تلك البلدان التي تعتمد على تصدير المواد الأولية أساسا واستيراد المواد الاستهلاكية الأساسية والسلع والآلات الرأسمالية الوسيطة للإنتاج.

هذا الخلل لا بد أن يؤدي إلى تراكم التدهور لشروط التبادل التجاري مع الخارج نتيجة ميل أسعار المواد الأولية للانخفاض والارتفاع المستمر في أسعار الواردات الاستهلاكية والصناعية.

وهذا هو جوهر قضية التنمية المطروحة على البلدان المتخلفة بإلحاح بصورة عامة. لقد وقعت أغلبيتها الساحقة في فخ التنمية ذات التوجه نحو الخارج، بمعنى تحويل هياكل الإنتاج المحلي نحو التصدير وتوجيهها كليا لاحتياجات الأسواق الخارجية بهدف الحصول على مزيد من العملات الأجنبية لتحسين ميزان المدفوعات. ولكن نظرا لتخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية بتلك الدول وقلة الموارد التقليدية لتمويل الإنفاق العام لجأت هذه البلدان إلى الإسراع بالتنمية وتغطية عجز ميزان المدفوعات عن طريق التمويل الخارجي.

6- أزمة غذائية:
نتيجة لتخلف قطاعات الإنتاج من جانب, والنمو المتسارع في استهلاك الغذاء من جانب آخر, شهدت اقتصاديات الدول العربية أزمة هائلة في المجال الغذائي تمثلت في تفاقم العجز الغذائي وحصول فجوة غذائية حادة وانتشار ظاهرة الجوع وسوء التغذية في البعض من هذه الأقطار.

والمقصود بالفجوة الغذائية الفرق بين الحاصل من إنتاج المواد الغذائية والطلب عليها من أجل الاستهلاك، وهو تعبير عن عدم قدرة البلد أو البلدان على تأمين المواد الغذائية اللازمة لتغذية السكان بشكل يلبي الاحتياجات الضرورية والأساسية لنمو السكان وبقائهم في صحة جيدة.

ونظرا لخطورة الأزمة لم تعد مشكلة العجز الغذائي مجرد مشكلة اقتصادية زراعية بل تعدت ذلك لتصبح قضية سياسية إستراتيجية ترتبط بالأمن الوطني والإقليمي. وأصبح الغذاء سلاحا إستراتيجيا في يد الدول المنتجة والمصدرة للحبوب تضغط به على الدول المستوردة لتحقيق أهداف سياسية.

ولا شك في أن هذه المساعدات الغذائية تجعل الدول التي تحصل عليها في تبعية غذائية من شأنها أن تربطها بسياسة الدول المحتكرة للغذاء وتمنعها من ممارستها حقها في الاختيار.

وقد تفاقمت نسبة الفجوة الغذائية وانخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي في معظم الدول العربية في السنوات الأخيرة ولم تستطع خطط التنمية الزراعية في العقود الماضية تحقيق تقدم يذكر في الإنتاج الزراعي في أغلب الدول العربية يمكّن من تقليص العجز الغذائي والقضاء نسبيا على الفجوة الغذائية كما فعلت بعض البلدان النامية الأخرى (الهند مثلا).

وقد أدى هذا الظرف إلى ازدياد الاعتماد على استيراد المواد الغذائية من المصادر الأجنبية بنسب متصاعدة، فبينما لم يتجاوز معدل نمو الإنتاج الزراعي السنوي في الأقطار العربية مثلا 2.5% في العقدين الماضيين, كان معدل نمو الطلب على المنتجات الزراعية نحو 6% سنويا في المتوسط، وقد أدى هذا التفاوت بين معدلي نمو الإنتاج والطلب إلى فجوة غذائية خانقة.

7- أزمة مديونية:
لقد ترتب على الاختلال المزمن في موازين المدفوعات للدول العربية تراكم المديونية الخارجية وتفاقم أعبائها بشكل يثير الانتباه ويدعو للفزع، فقد بلغ حجم الدين القائم في ذمة الدول العربية المقترضة حوالي 156 مليار دولار عام 2000 (التقرير الاقتصادي العربي الموحد, سبتمبر/أيلول 2001).

وأدى انفجار أزمة الديون على صعيد دولي إلى تفاقم حدة هذه المديونية في بداية الثمانينيات, ووجد صندوق النقد الدولي مبررا أساسيا للتدخل بشراسة في الشؤون الداخلية للعديد من البلدان المدينة ذات الأوضاع الحرجة, ومن بينها بعض الدول العربية. فاستجابت تلك الدول الواحدة تلو الأخرى لنصائح صندوق النقد الدولي وتوجيهاته وسعت لتطبيق سياساته بكل إخلاص وأمانة.

الاستدانة.. الأسباب الخاصة

لماذا الاستدانة حسب الفكر الاقتصادي؟ تعتبر الكتب الاقتصادية المقررة في المناهج التربوية أن الأفراد أو العائلات والمنشآت وكذلك الدول (الحكومات) تستدين للأسباب نفسها، فعندما لا تكفي الموارد المالية المتاحة لتلبية الغايات وعندما تكون تكلفة الدين أقل من الربح المتوقع أو الذي يجنى منه, تنشأ المديونية. غير أننا نعتبر أن هذا التبسيط مخل، ونعتبر كذلك أن مفهوم التكلفة والربح يختلف بالنسبة للعناصر الثلاثة السابق ذكرها. وإذا ما حاولنا التركيز على أسباب استدانة الدول وخصوصا الاقتراض من الخارج فيمكن القول إن الدول تستدين من أجل تمويل العجز في ميزان مدفوعاتها، هذا بصفة عامة. أما بالنسبة للدول العربية فإن هناك عوامل عديدة تضافرت منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي لتأزيم وضع الديون وتفاقمها وانفجارها في السنوات الأخيرة في معظم الدول ذات الأوضاع الحرجة أصلا. ومن أهم تلك الأسباب:

أولاً: الأسباب الداخلية

1- الميل إلى الاستثمار من أجل التنمية
ويتطلب كثافة رأس مالية وتكنولوجيا متقدمة وهو ما تفتقر إليه تلك الدول, مما اضطرها إلى الاقتراض الخارجي لشراء الآلات والمعدات والتعاقد مع الخبراء الأجانب وشراء براءات الاختراع وحقوق الصنع.

2- سوء توظيف القروض
لقد كانت المبالغة الملحوظة في اللجوء إلى الاقتراض الخارجي هي سمة السبعينيات وذلك على أمل السداد من مشروعات طموحة تم الاقتراض من أجلها, لكن سوء التخطيط وتغير السياسات الاقتصادية وتخبطها من فلسفة اشتراكية إلى ليبرالية ومن ليبرالية إلى اشتراكية أدى إلى فشل الكثير من المشروعات. وقد اقترنت عملية الاقتراض في العديد من الأحيان بزيادة كبيرة في الاستهلاك الترفي وفساد الحكومات التي تقترض كثيرا للرفع من مستوى معيشة شعوبها بشكل مصطنع كرشوة لشراء ولاء الشعب وسكوته.

فإذا ما قمنا بمقارنة بين توظيف الأموال الأجنبية في الدول الرأسمالية وبين توظيفها في الدول العربية سنلاحظ أن الأولى ركزت على استيراد المواد الخام الأولية ذات الأسعار المنخفضة اللازمة للتنمية الصناعية وأخذت بتصدير السلع ذات الأسعار المرتفعة, لتنتقل في مرحلة لاحقة إلى تصدير رأس المال الأجنبي إلى الدول النامية، فقد أدركت أن الدول النامية تعتبر أرضية خصبة لاستثماراتها. أما الدول العربية فقد ركزت على استيراد السلع الاستهلاكية والرأسمالية ذات الأسعار المرتفعة وأخذت بتصدير الكثير من مواردها الطبيعية على شكل مواد خام وبأسعار زهيدة. هذا التخصص في إنتاج المواد الأولية أدى إلى تعريضها إلى آثار الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها أسواق هذه المواد والتناقضات التي شهدتها الأنظمة الاقتصادية.

3- تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج
في الوقت الذي كانت فيه سياسة الإقراض على قدم وساق لسد الفجوة التمويلية للمشروعات التنموية, كان الفساد الإداري والمالي والسياسي يعم أجهزة الدولة ومؤسساتها في معظم الدول العربية. وقد نجم عن هذا الفساد نهب جانب كبير من القروض الخارجية وتهريبها إلى الخارج وتم إيداعها في البنوك الأجنبية لحساب أصحاب النفوذ والسلطة ورجال الأعمال القريبين منهم, وأدت هذه الظاهرة إلى تراكم الديون وفشل التنمية.

4- الاهتمام بالصناعة على حساب الزراعة
أدى هذا التوجه إلى تزايد الحاجة إلى الواردات الغذائية وإهمال الزراعة كدعامة هامة لاقتصاديات تلك الدول, والاهتمام بالصناعة التي تتطلب بطبيعتها كثافة رأسمالية تفوق طاقات أغلب الدول العربية –غير النفطية خاصة- مما أدى للجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل هذه الصناعات.

5- العجز المتزايد في ميزان المدفوعات
أدى العجز المستمر لموازين المدفوعات في معظم الأقطار العربية الناجم عن تزايد الواردات السلعية على حساب الصادرات إلى اختلال تجاري واضح تسبب باللجوء إلى الاقتراض الخارجي وتفاقم المديونية.

ثانياً: الأسباب الخارجية

1- ارتفاع أسعار الفائدة
كان للارتفاع الشديد الذي طرأ على أسعار الفائدة في أسواق المال الدولية دورا حاسما في استفحال أزمة المديونية, إذ تجاوزت في العديد من البلدان الفوائد الزائدة المدفوعة قيمة التمويل الإضافي الصافي وتكبدت البلدان المدينة مبالغ متزايدة عبر السنين وأصبح بند خدمة الدين يمثل نصيبا هاما من صافي الديون ويستحوذ على مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي.

2- انخفاض الأسعار العالمية للمواد الخام
أدى انخفاض أسعار المواد الأولية المصدرة إلى الأسواق العالمية (كالبترول والمواد الخام الأخرى) إلى تدهور شروط التبادل التجارية للبلدان المصدرة لهذه المواد، مما أدى إلى تفاقم عجز ميزان المدفوعات الذي يزيد من الميل إلى الاستدانة الخارجية.

3- آثار الركود التضخمي السائد في معظم الدول الرأسمالية
نظرا لاندماج معظم الدول النامية -ومنها الدول العربية- في النظام الاقتصادي العالمي وتبعيتها له تجاريا وغذائيا ونقديا وتكنولوجيا فضلا عن التبعية العسكرية والسياسية, فإن ما يحدث في هذا النظام من تقلبات وأزمات يؤثر تلقائيا في الأوضاع الاقتصادية لهذه البلدان.

ومنذ بداية الثمانينيات أفرزت السياسات الانكماشية التي طبقتها معظم الدول الرأسمالية الصناعية حالة من الركود الاقتصادي مصحوبة بالتضخم أصبحت تعرف بالتضخم الركودي الذي أثر كثيرا في الأوضاع المالية وانخفض حجم العملات الأجنبية فيها, في الوقت الذي تزايدت فيه مدفوعات خدمة الدين وتفاقمت صعوبات الاقتراض الخارجي وخاصة بعد انفجار أزمة الديون الخارجية عام 1982.

خلاصة

نخلص مما سبق إلى أن أزمة المديونية للدول العربية هي أزمة بنيوية خطيرة وعميقة نابعة من عدم ملاءمة السياسات الاقتصادية المتبعة في الواقع الاقتصادي العربي مع خصوصيات هذه الدول. وهي حقيقة أكدتها التقارير الاقتصادية الدولية والدراسات القطرية الخاصة بتحليل أوضاع هذه الدول.

فالتوجهات الاقتصادية لأي أمة من الأمم يجب أن تكون نابعة من التوجهات الكبرى لمنهجها الحضاري وأن تستمد منهجها الاقتصادي من خصوصيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يخصها.

إضافة إلى هذا السبب المركزي تضافرت عوامل داخلية وأخرى خارجية عملت على تفاقم الأزمة، فعلى المستوى الداخلي أدى سوء توظيف الأموال المقترضة وتهريبها والاهتمام بالصناعة على حساب الزراعة إضافة إلى العجز المستمر في ميزان المدفوعات إلى تفاقم الأزمة.

أما على المستوى الخارجي فتتمثل أهم أسباب المديونية في ارتفاع سعر الفائدة في الأسواق المالية الدولية وانخفاض أسعار المواد الأولية التي تعتبر أهم صادرات الدول النامية عموما -ومنها الدول العربية- إضافة إلى التضخم الركودي.

غير أنه يجب أن نشير إلى أن أزمة الديون الخارجية يجب ألا نحصرها ونفسرها بأنها مجرد مشكلة سيولة دولية, فهي ذات علاقة وثيقة بصميم الهيكل الاقتصادي والاجتماعي السائد في تلك البلدان.

فهل تستغل هذه الأموال المقترضة في تمويل الاستهلاك التجاري أم الاستثمار؟ وما معايير الاستفادة من القروض الخارجية؟ وهل يمكن أن تسهم في تحقيق التمويل الذاتي في المستقبل؟

وفي الأخير إذا ظلت الدول العربية تقترض لشراء السلع الاستهلاكية الضرورية والإنفاق على شراء الأسلحة التي يبدو أنها في الأزمات والتحديات الكبرى لا تفتك بالعدو ولا تشكل حتى رادعا له -وما الأحداث الأخيرة في فلسطين عنا ببعيد- فإن الدول العربية ستظل في حاجة إلى الاستدانة الخارجية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"