بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

التوبة : مبرراتها. مفهومها. مجالاتها. آثارها.

التوبة : مبرراتها.مفهومها. مجالاتها. آثارها

الحمد لله رب العالمين
الحمد لله الذي غفر لمن استغفر ذنوب المذنبين .
الحمد لله الذي شملت رحمته الناس أجمعين في العالمين. الحمد لله الذي عفا عن الجاهلين. وستر العاصين حكمة بالغة لتحقيق مقاصد هذا الدين...الحمد لله التواب الرحيم... أحمده حمد المنيب اللاجئ المعتصم المفوض الأمر كله عاجله وآجله... و أشهد أن لاالاه الا الله وحده لاشريك له شهادة موحد مخلص تائب الى الله تعالى ... اللهم أحينا عليها و أمتنا عليها يا رب العالمين... اللهم اجعلنا نلقاك بها يوم الدين... اللهم ثبتنا بها عند السؤال و يوم العرض يا أرحم الراحمين... اللهم اجعلها زادنا يوم المعاد. واجعلها أنيسناعند الوحشة و مراتع الدود في اللحود... ونشهد أن حبيبنا و مولانا وأسوتنا ونبينا وامامنا و قدوتنا وفرطنا على الحوض-ان شاء الله تعالى- محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم... اللهم صل عليه وعلى آله في السماوات والأرضين ومابينهما وما تحت الثرى و في الملأ الأعلى الى يوم الدين... اللهم صل عليه صلاة تليق بمقامك و مقامه يا رب العالمين...
أما بعد : أيها الاخوة المؤمنون أحييكم بتحية الاسلام .فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.موضوع خطبتنا اليوم هو: التوبة: مبرراتها. مفهومها. مجالاتها. آثارها.
ثم ان خير الكلام كلام رب العالمين وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم... من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونستعيذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
قال الله جل وعلا "انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب . فأولائك يتوب الله عليهم و كان الله عليما حكيما. و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولائك أعتدنا لهم عذابا أليما." سورة النساء17-18
أيها الاخوة الكرام أيتها الأخوات الكريمات أحبتى في الله يا من تسمعني .بين من هاتين الآيتين من سورة النساء أنهما قامتا على قصر يفيد التأكيد "انما" وعلى نفي يبين حدود التوية "وليست"... وهذه التوبة التي جعلها الله للعاصين الذين تابوا من قريب.قال أبو العالية "قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كل من عصى الله فهو جاهل. وكل من تاب قبل الموت تاب من قريب" . والحكمة من ذلك مفهومة من سياق الآية . من أن الذي خلق الانسان من عدم و قدر له حياته ورزقه وأجله وسعيدا أم شقيا...انما يعلم جل وعلا طريق عبده "عليما" محسن في تدبيره."حكيما". وأضرب مثالا على ذلك : مننزع الشيطان بينه وبين ربه ثم هداه الله تعالى. ترى كيف استشعر طعم المعصية؟ وهو الآن قريب من الله.كيف ينظر الى خطئه؟ أترى الله يمهله أم يهمله؟ أتراه نادما؟ أتراه ...أتراه يلج في البكاءعندما يتفكر ما ارتكبه وهو بعيد عن الرحمان جل جلاله؟
ونفى الله تعالى نفيا قاطعا قبول التوبة حالا انقطعت السبل فيها بالانسان. -مع أننا لا نتألى على الله في قبول توبة التائبين-فالأمر غيبي . وهو موكول الى الله جل وعلا.
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"ان الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر" رواه الترمذي. وأما متى وقع الاياس من الحياة وعاين ملك الموت العبد وخرجت الروح في الحلق وضاق بها الصدر. وبلغت الحلقوم. وغرغرت النفس صاعدة في الغلاصم. فلا توبة مقبولة حينئذ. ولات حين مناص. قال الله جل وعلا "كلا اذا بلغت التراقي وقيل من راق و ظن أنه الفراق .والتفت الساق بالساق. الى ربك يومئذ المساق..." سورة القيامة 25-29
ولقد حدث أبو ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان الله يقبل توبة عبده ما لم يقع الحجاب " قالوا وما الحجاب؟ قال "تخرج النفس وهي مشركة "... ولهذا قال تعالى "أولائك أعتدنا لهم عذابا عظيما "... أي موجعا شديدا. أما لم أتحدث عن التوبة اليوم فلئن الناس- الا ما رحم ربي-يؤجلون مواعيد الصلاة . ولا يؤجلون مواعيد المجالس التى لاتسمن ولا تغني من جوع.يؤجلون التكاليف الشرعية. بل يتملصون منها أحيانا. في حين لا يؤجلون صفقات التجارات والمبيعات.بنقطعون الى دنيا نحن مأمورون أن نجعلها في أيدينا لافي قلوبنا. وينسون نعم المنعم! لقد تألبت علينا الفتن. ونزعت بيننا وبين الله. فملأ قلوبنا الران: وهو ما يعلق بالقلب في بدايات البعد عن الله والعياذ بالله...قال تعالى " وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " فمنا من نزغ الشيطان بينه وبين الله فاعتقد في ذاته الكمال. وأصبح ينظر الى نفسه نظرة تفوق والى الناس نظرة دونية واهما أنه ألم بالعلوم و المعارف. ومنا من جعله الجاه والشرف متكبرا.ومنا من أخذ المال بلبه فتفنن في استثماره الى حد أن الله أنساه نفسه. فكان المال نقمة عليه لا نعمة. ومنا من ناقض معتقده عمله. لأجل ما ذكرت أتحدث عن التوبة.
فما هو مفهومها؟ و ماهي شروطها؟
تقول : "تاب. يتوب. توب. متاب. توبة. تواب. متاب. " أي رجع الى -عدل الى-فالتوبة تفترض تغيير وجهة الى وجهة أخرى أفضل . ونحن مأمورون بأمر الله أن نكون تائبين.
قال تعالى " ياأيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا...." سورة التحريم 8
ولقد وردت مفردتا "التواب الرحيم "في عشر مواضع من القرآن الكريم.فالتواب هو الذي يدفع الناس الى التوبة دفعا. فهي اذن واجبة من كل ذنب. وهي نوعان: توبة بين العبد وخالقه تستوحب ثلاثة شروط : 1-الاقلاع عن المعصية. 2-الندم. 3-أن يعزم أن لا يعود اليها أبدا.
فاذا فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. و ان كانت المعصية تتعلق بآدمي. فشروطها أربعة : الشروط الثلاة آنفة الذكر . وأن يبرأمن حق صاحبها.قال صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام : ماله و دمه وعرضه. " . وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " والله اني لأستغفر الله و أتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري
أما مجالاتها: فهي اما المعتقد (العقل) أو ( القلب) والقول والعمل. فقد يعتقد الانسان أن ما يعتقده سليم. وهو مع ذلك يجانب الصواب اما بوهم أو بظن أو بهوى أو بضلالة. سواء كان واعيا أو غير واع. قال جل وعلا "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..." سورة الكهف 99
فالاعتقاد في بركة الناس أو أن لهم قدرة خارقة عن بقية البشر. هذا يعتبر شركا.على الانسان أن يتوب منه. وكذا الأمر بالنسبة للقلوب. فلا تزال القلوب تنكت فيها المعاصي حتى لتعمى ويعلوها الران. وتنغلق.قال جل وعلا " فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "سورة الحج 46
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ان للحسنة لنورا في الوجه وسعة في الرزق و طولا في العمر.و ان للسيئة سوادا في الوجه وضيقا في الرزق وقصرا في العمر."
أما في حال القول والعمل فعلى المسلم أن يتوب من معاصي الله فيما يتعلق باللسان .فلا يمشى بالنميمة بين الناس. ولا يكون فاحشا بذاء. وعليه في عمله أن يصدق عمله قوله حتى يتجنب النفاق أو احدى خصلاته قال جل وعلا : "ياأيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم و مأواهم جهنم و بئي المصير "
قال صلى الله عليه وسلم " آية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب واذا اؤتمن خان واذا وعد أخلف".
فعليه أن يتوب من هذه المعاصي التى تشمل المعتقد والقلب و بقية الجوارح والملكات والعمل حتى تصبح هذه القوىفيه مؤمنة .فيكون على طريق الهداية. يراقب الله في ذاته.فالله يحول بين المرء و قلبه.لكن على الانسان المؤمن وهو يسير على درب طريق التوبة أن بنتبه الى أن الله قد جعل ضوابط مع ما ذكرناه . وهو وجوب وضع الزمن كحد مؤثر.
قال جل وعلا "حتى اذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه و أصلح لي في ذريتي . اني تبت اليك و اني من المسلمين. أولئك الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا. ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون " سورة الأحقاف 14-15
فسبحان من لوشاء لهدى الناس أجمعين. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
الحمد لله على حلمه بعد علمه وعلى عفوه بعد قدرته. وأشهد أن لاالاه الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. اللهم صل عليه وعلى آله و صحبه ومن والاه عدد خلقك وزنة عرشك و مداد كلماتك ورضا نفسك.
لعل من آثار التوبة ما يلي :
1- أن يكون الانسان في عناية الله ورفقه وحلمه. التوفيق في الدنيا. ونيل الجنة.بل مراتب لايعلمها الا الله. بل ان الله ليرفق بالعباد : الآباء والبنين.ويجعلهم في مرتبة واحدة اذا كانوا من أهل الجنة.قال جل وعلا " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذرياتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء "سورة الطور 19
2-الأمل في رحمة الله وعفوه ونبذ مشاعر الاحساس بالهلاك قال جل وعلا "قل ياعبادي الذين أسرفوا عل أنفسهم لا تقطنوا من رحمة الله .ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم " سورة الزمر 50
3-غفران الذنوب . بل ان قبول التوبة مظهر من مظاهر رحمة الله. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ان الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه مسلم
اللهم تب علينا. وارحمنا. واحفظنا. وبارك لنا. واجعل هذا العمل مخلصا لوجهك الكريم. واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين ..............وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"