بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 مايو 2010

" سفرُ أيّوبَ "/ لبدر شاكر السيّاب

" سفرُ أيّوبَ " لبدر شاكر السيّاب :


لكَ الحمْدُ مهْما استطالَ البلاءْ ومهما استبدَّ الألمْ،

لكَ الحمدُ، إنَّ الرزايا عطاءْ


وإنَّ المصيباتِ بعضُ الكَرمْ.


ألَمْ تُعْطِني أنْتَ هذا الظَّلامْ


وأعطيْتني أنتَ هذا السَّحَرْ ؟


فهلْ تشكُرُ الأرضُ قطْرَ المطَرْ


وتغضبُ إنْ لمْ يجُدْها الغَمامْ ؟


شهورٌ طِوالٌ وهذي الجِراحْ


تُمزِّقُ جنبيَّ مثلَ المُدى


ولا يهْدأُ الدَّاءُ عندَ الصباحْ


ولا يمسحُ الليْلُ أوْجاعَهُ بالرّدى


ولكنَّ أيوبَ إنْ صاحَ صاحْ:


"لكَ الحمْدُ، إنَّ الرزايا ندى،


وإنَّ الجراحَ هدايا الحبيبْ


أضمُّ إلى الصَّدْرِ باقاتِها،


هداياكَ في خافقي لا تغيبْ،


هداياكَ مقبولةٌ . هاتِها!"


أشُدُّ جراحي وأهتفُ بالعائدينْ:


"ألا فانظروا واحسدوني ، فهذي هدايا حبيبي"


وإنْ مسَّتِ النارُ حُرَّ الجبينْ


توهَّمتُها قُبلةً منكَ مجبولةً من لهيبِ


جميلٌ هو السُّهْدُ أرعى سماكَ


بعيْنيَّ حتَّى تغيبَ النجومْ


ويلمسَ شباكَ داري سناكْ.


جميلٌ هو الليلُ: أصْداءُ بومْ


وأبواقُ سيّارةٍ منْ بعيدْ


وآهاتُ مرْضى، وأُمٌّ تُعيدْ


أساطيرَ آبائها للوليدْ


وغاباتُ ليْلِ السُّهادِ، الغيومْ


تُحجِّبُ وجهَ السماءْ


وتجلوهُ تحتَ القمرْ.


وإنْ صاح أيوبُ كان النداءْ:


"لكَ الحمدُ يا رامياً بالقدرْ


ويا كاتباً ـ بعدَ ذاكَ ـ الشفاء!".


فعلاً لا شيءَ من نعيم ِ الدّنيا يُعادلُ نعمة َ الأنس ِ باللهِ ، والتواصل ِ بذكرهِ والانطراح ِ بينَ يديهِ ، في لحظاتِ الفقر ِ والحاجةِ إليه سُبحانهُ ، وأكملُ ما يكونُ العبدُ من مقام ٍ وطريقةٍ في سيرهِ إلى اللهِ هو مقامُ التذلل ِ والانكسار ِ وإظهار ِ الحاجةِ المُلحّةِ إليهِ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"