بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أبريل 2010

نبذ من سيرة الامام سحنون/4

ومرت السنوات إلى أن نهض بهذه المهمة الجليلة وهذه الخدمة العلمية المستشار السيد علي بن السيد عبد الرحمان الهاشم وهو أحد علماء دولة الإمارات العربية المتحدة التي ينتشر فيها المذهب المالكي وتجد مدوناته الكبرى فيها العناية الكبيرة سواء كان ذلك في نشرها أو إعادة طبعها وتحقيقها في إطار خطة تهدف إلى تيسير الاستفادة منها.

لقد تحقق بهذا الإصدار الجديد للمدونة من قبل السيد علي ابن السيد عبد الرحمان الهاشم مستشار الشؤون القضائية والدينية في ديوان سمو رئيس الدولة الإمارات حلم راود العلماء لعقود طويلة وحالت دونه موانع أبى الله إلا إن يذللها وأن يجعل هذا العمل يرى النور ويخرج للناس وللمهتمين بالفقه عموما والفقه المالكي خصوصا حتى يستفيدوا به ويتمكنوا من النهل من معين هذا الأصل الأصيل والركن الأساسي في صرح مدونات المذهب المالكي.

وقد سبق هذا العمل “تحقيق وإخراج مدونة سحنون” إخراج كتب مالكية أخرى تعد عمدا في المذهب المالكي نذكر منها “الشرح الصغير على اقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك لأبي البركات سيدي أحمد الدردير، وكتاب كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للشيخ علي بن خلف المنوفي وشرح الخريدة البهية للعلامة أبي السعود محمد السباعي على منظومة ابن عاشر، وكتاب مشروعية السدل في الفرض للشيخ مختار بن محيمدات الداودي، وكتاب الجواهر المضيئة شرح العزية للعلامة عبد السميع الآبي الأزهري وكتاب الجواهر الزكية في حل ألفاظ العشماوية للعلامة احمد بن تركي المالكي” وكل هذه الكتب هي من أمهات الفقه المالكي صدرت بإشراف ومراجعة الشيخ السيد علي الهاشمي جازاه الله خيرا.

ويأتي تحقيق المدونة تتويجا لهذه الأعمال الجليلة إذ تعتبر مدونة سحنون أصل المذهب المالكي حيث فصلت ما ورد مجملا في الموطأ للإمام مالك. والإمام سحنون الذي يأتي ترتيبه الثالث في سلم المذهب بعد صاحب المذهب ومؤسسه الإمام مالك بن انس وتلميذه ابن القاسم. هو أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب بن حسان بن هلال بن بكار أبي ربيعة التنوخي القيرواني الملقب بسحنون “160هـ - 240هـ” أخذ العلم من كبار علماء القيروان ثم رحل إلى تونس وخرج إلى مصر حيث سمع من عبد الرحمان بن القاسم وعبد الله بن وهب وأشهب وعبد الله بن الحكم وغيرهم. وقد قال رحمه الله، “قبح الله الفقر فلولاه لأدركنا مالكا” كان سحنون قوي الحافظة قال إني حفظت هذه الكتب حتى صارت في صدري كأم القرآن".

ألزمه الأمير أبو العباس ولاية القضاء فقبلها بشروطه وعندما تولاها دخل على ابنته خديجة وكانت من الصالحات وقال لها “اليوم ذبح أبوك بغير سكين”.

يعتبر الإمام سحنون وعلي بن زياد والبهلول بن راشد وابن غانم هم الذين أسسوا المدرسة المالكية في الغرب الإسلامي تونس وما وراءها.

قال أشهب: ما قدم إلينا من المغرب مثله

وقال ابن قاسم : ما قدم إلينا من افريقية مثله

أهم آثار سحنون المدونة يقول عنها ابن رشد “فحصلت يعني-المدونة- أصل علم المالكيين وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ مالك”.

تمثل العمل الذي قام به السيد علي بن السيد عبد الرحمان الهاشم في إخراج هذه الموسوعة في نشرة محققة مضبوطة رسم منهجها في المقدمة الواقعة بين صفحتي 21 و45 من المجلد الأول حيث تضمنت التنويه بالعلم والفقه في الدين وتبين منزلة إمام دار الهجرة ومؤسس المذهب الإمام مالك بن انس ومكانته في عصره وإشادة العلماء به وتسليمهم له بالرئاسة العلمية وبين المحقق المصادر التي يقوم عليها فقه الإمام مالك “الكتاب والسنة والإجماع والقياس وقول الصحابة والمصادر الفرعية التي هي عمل أهل المدينة وسد الذرائع والمصالح المرسلة والعرف والاستحسان”.

وعرف المحقق بأمهات كتب المذهب المالكي والتي أتى في طليعتها المدونة الكبرى للإمام سحنون والواضحة لعبد الملك بن حبيب والعتبية أو المستخرجة لعبد العزيز العشي الأندلسي والموازية لابن المواز وهي كلها أمهات بعد الموطأ.

ويعرف المحقق بالمؤلف “بصاحب المدونة: الإمام سحنون” ويورد شهادات العلماء فيه ويعرف بالمدونة حيث يأتي بالمعلومات والمعطيات التي ترسخ في الأذهان وتقنع الجميع بأهمية المدونة ومنزلتها وإنها المرجع الذي يعود إليه كل من يريد أن يدقق ويتوسع.

ويستعرض المحقق المراحل التي تم قطعها للوصول بالمدونة إلى ما آلت إليه، ويتوقف عند من اختاره الإمام سحنون ليروي عنه المدونة ألا وهو عبد الرحمان ابن القاسم: افقه أصحاب مالك، ويستعرض المحقق المنهج الذي وقع توخيه وإتباعه من قبل ابن القاسم وسحنون في جمع وتحقيق مسائل المدونة.

يقول المحقق “ولم يقف الأمر بسحنون فيما يتعلق بكتبه الموثقة المصوبة التي سماها المدونة عند هذا الحد بل رتبها وهذبها وزاد عليها ما رأى انه ضروري لكي تكون مرجعا أساسيا يعتمد عليه في فقه الإمام مالك رضي الله عنه خاصة وفقه الشريعة الإسلامية بوجه عام فزاد عليها المسائل التي اختلف فيها أصحاب مالك”.

ويمضي السيد علي بن السيد عبد الرحمان الهاشم في تتبع مسيرة المدونة وما نالته من عناية واهتمام غدت به “أصل المذهب المالكي وفقهائه في القضاء والإفتاء وروايتها مرجحة على ما في سائر الأمهات وهي الأصل الثاني بعد الموطأ في الفقه المالكي...” فالمدونة عند أهل الفقه بمنزلة كتاب سيبويه عند أهل اللغة ويقف عند عناية المالكيين بالمدونة شرحا وتعليقا وجلاء للمشكلات واختصارا وتهذيبا “انظر الصفحات 35 و36 و37 و38 و39 و40 من المجلد الأول” لقد خرج المحقق الآيات والأحاديث والآثار وعرف بالأعلام وعلق بما يسمح به المقام على ما ورد في المدونة وما انتهى إليه المحققون من متاخري المالكية.

ويستعرض المحقق مضامين أجزاء المدونة الستة عشر. وقد كتب مقدما لهذا العمل كل من الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وسماحة الشيخ محمد بن الشيخ احمد ابن الشيخ حسن الخزرجي وزير العدل والشؤون الإسلامية سابقا والأستاذ الدكتور عزالدين إبراهيم المستشار الثقافي لرئيس دولة الإمارات وقد اجمعوا على التنويه بهذا العمل العلمي الجاد الذي تولاه باقتدار السيد علي بن السيد عبد الرحمان الهاشم جازاه الله خيرا. وانه لعمل جليل وإنها لإضافة تذكر فتتشكر قام بها المحقق وقد ظل يتمناها للمدونة كل من اطلع على طبعاتها ونشراتها السابقة التي ظلت تصور وتنسخ دون تحقيق المرة تلو المرة. إنه عمل سد فراغا وكمل نقصا تمنى القيام به عديد العلماء فجاء هذا الانجاز العظيم لموسوعة الفقه المالكي “المدونة” في اثني عشرة مجلدا “احد عشرة مجلدا” لمحتوى المدونة “تعليقا وتحقيقا وإحالة وضبطا للنص وشرحا لبعض المسائل” وجاء في آخرها تعريف ضاف بالإمام مالك والإمام ابن القاسم والإمام سحنون وأضواء على المدونة وتاريخ المذهب المالكي وانتشاره “علم أهل المدينة” بالإضافة إلى خاتمة تضمنت مجموعة من الملاحظات والاستنتاجات المفيدة في حين اشتمل المجلد الثاني عشر على الفهارس العامة “فهرس الآيات القرآنية، فهرس الأحاديث النبوية، فهرس الآثار، فهرس الأعلام، فهرس الفرق والديانات، فهرس الأماكن والبلدان، مصادر التحقيق وفهرس الفهارس للمدونة الكبرى” ولا ينسى أن يقدم بخالص الشكر لمن كان سببا في إخراج هذه الطبعة محققة مدققة وعمم الاستفادة منها لطلبة العلم وأهل الذكر سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله رئيس دولة الإمارات المتحدة وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

ولا يسعنا في خاتمة هذا التعريف الموجز بهذا العمل العلمي الجاد والجليل الذي أسداه للمذهب المالكي ولمدونة الإمام سحنون السيد علي بن السيد عبد الرحمان الهاشم إلا أن نشكر لفضيلته هذا الجهد داعين الله إن يجازيه عنه خير الجزاء وآملين إن تتواصل على يديه وعلى أيدي أمثاله من العلماء مثل هذه الخدمات الجليلة للثقافة الإسلامية وللفقه عموما والفقه المالكي خصوصا إذ لا تزال الكثير من الكتب المطبوعة والمخطوطة تحتاج إلى مثل هذه الخدمة الميسرة ولعلنا من هنا من تونس القيروان، تونس الزيتونة، تونس موطن سحنون وابن زياد وابن أبي زيد رواد المالكية نكون الأسبق في التكريم والتنويه بمثل هذه الأعمال العلمية الرائدة التي يمكن أن تتكامل فيها الجهود بين الأشقاء سواء هنا في تونس أو هناك في دول الخليج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"