بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 فبراير 2010

شيخ الاسلام الامام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور

شيخ الاسلام الامام الأكبرمحمد الطاهر بن عاشور
1-مولده:
ولد الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ببلدي تونس في 1296 هجري الموافق لسنة:1879 م في أسرة عظيمة عريقة تمتمد أصولها الى بلاد الأندلس.وقد استقرت هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش التى تعرض لها مسلمو الأندلس.وقد نبغ من هذه الأسرة عدد من العلماء الذين تعلموا بجامع الزيتونة :تلك المؤسسة العلمية الدينية العريقة التي كانت منارة للعلم والهداية في الشمال الافريقي.وكان من هؤلاء العلماء الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وابنه الذي مات في حياته :الفاضل بن عاشور.
وجاء ميلاد الشيخ محمد الطاهر في عصر يموج بالدعوات الاصلاحية التجديدية التي تريد الخروج بالدين وعلومه من حيز الجمود والتقليد الى التجديد والاصلاح والخروج بالوطن من التخلف والاستعمار الى ساحة التقدم والحرية والاستقلال .فكانت لأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا صداها المدوي حتى ان رجال الزيتونة بدؤوا باصلاح جامعهم من الناحية التعليمية قبل جامع الأزهر.مما أثار اعجاب الامام محمد عبده الذي قال:"ان مسلمي الزيتونة سبقونا الى اصلاح التعليم حتى ما كانوا يجرون عليه في جامع الزيتونة خيرا مما عليه أهل الأزهر".وأثمرت جهود التجديد والاصلاح في تونس التي قامت في الأساس على الاهتمام بالتعليم وتطويره عن انشاء مدرستين كان لهماأكبر الأثر في النهضة الفكرية في تونس .وهما :المدرسة الصادقية التي أنشأها الوزير خير الدين التونسي سنة:1291هجري الموافق لسنة 1874م والتي احتوت على منهج متطور امتزجت فيه العلوم العربية باللغات الأجنبية اضافة الى تعليم الرياضيات والطبيعة و العلوم الاجتماعية.وقد أقيمت هذه المدرسة على أن تكون تعضيدا وتكميلا للزيتونة.أما المدرسة الأخرى.فهي المدرسة الخلدونية التي تأسست سنة 1314هجري الموافق لسنة1896م.وقد كانت مدرسة علمية تهتم بتكميل ما يحتاج اليه دارسو العلوم الاسلامية من علوم لم تدرج في برامجهم التعليمية أو أدرجت لكن لم يهتم بها وبمزاولتها فآللت الى الاهمال.
وتواكبت هذه النهضة الاصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي.فكانت أطروحات تلك الحقبة من التاريخ ذات صبغة اصلاحية شاملة تنطلق من الدين نحواصلاح الوطن والمجتمع .وهو ما انعكس على تفكير رواد الاصلاح ومنهجهم في تلك الفترة التي تدعمت بتأسيس الصحافة وصدور المجلات والصحف التي خلقت مناخا ثقافيا وفكريا كبيرا ينبض بالحياة والوعي والرغبة في التحرر والتقدم.
حفظ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور القرآن الكريم.وتعلم اللغة الفرنسية.والتحق بجامع الزيتونة سنة1310هجري الموافق لسنة 1892م.وهو في سن الرابعة عشرة من عمره.فدرس علوم الزيتونة.ونبغ فيها.وأظهر همةعالية في التحصيل .وساعده على ذلك ذكاؤه النادر والبيئة العلمية الدينية التي نشأ فيها وشيوخه العظام في الزيتونة الذين كان لهم الأثر البالغ في النهضة العلمية والفكرية في تونس .وملك هاجس الاصلاح نفوسهم وعقولهم.فبثوا هذه الروح الخلاقة التجديدية في نفس الشيخ محمد الطاهر .و كان منهجهم أن الاسلام دين فكر وحضارة و علم ومدنية.
2-سفير الدعوة:
تخرج الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في الزيتونة سنة1317هجري الموافق لسنة 1896م.والتحق بسلك التدريس في هذا الجامع العريق.ولم تمض الا سنوات قليلة حتى عين مدرسا من الطبقة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة 1324هجري الموافق لسنة 1903م.وكان الشيخ قد اختيرللتدريس في المدرسة الصادقية سنة 1321هجري الموافق لسنة 1900م.وكان لهذه التجربة المبكرة في التدريس بين الزيتونة والصادقية أثرها في حياته.وفي سنة 1321هجري قام الامام محمد عبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثانية الى تونس التي كانت حدثا ثقافيا دينيا كبيرا في الأوساط التونسية.والتقاه في تلك الزيارة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.فتوطدت العلاقة بينهما .وسماه محمد عبده:"سفير الدعوة"في جامع الزيتونة.اذ وجدت بين الشيخين صفات مشتركة :أبرزها ميلهما الى الاصلاح التربوي والاجتماعي الذي صاغ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور أهم ملامحه في كتابه"أصول النظام الاجتماعي في الاسلام".وقد توطدت العلاقة بينه وبين رشيد رضا.وكتب الشيخ في مجلة المنار.
3-آراء ومناصب
عين الشيخ محمد الطاهر بن عاشور نائبا لدى النظارة العلمية بجامع الزيتونةسنة 1325هجري الموافق لسنة 1907م.فبدأ في تطبيق رؤيته الاصلاحية العلمية والتربوية.وأدخل بعض الاصلاحات على الناحية التعليمية .وحرر لائحة في اصلاح التعليم.وعرضها على الحكومة آنذاك.فنفذت بعض ما فيها .وسعى الى احياء بعض العلوم العربية .فأكثر من دروس الصرف في مراحل التعليم وكذلك دروس اللغة والأدب.ودرس بنفسه شرح ديوان الحماسة لأبي تمام.وأدرك الشيخ أن الاصلاح التعليمي يجب أن ينصرف بطاقته القصوى نحو اصلاح العلوم ذاتها.ثم ان الشيخ قد اختير في لجنة اصلاح التعليم الأولى بالزيتونة في صفر 1328هجري الموافق لسنة 1910م.واختير في لجنة الاصلاح الثانية سنة1342هجري الموافق لسنة1924م.ثم اختير شيخا لجامع الزيتونة في 1351هجري الموافق لسنة 1932م.ثم أعيد تعيينه لجامع الزيتونة سنة 1364هجري الموافق لسنة 1945م.وفي هذه المرحلة أدخل اصلاحات كبيرة في نظام التعليم الزيتوني.فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين.وزادت عدد المعاهد التعليمية.وشملت عناية الشيخ اصلاح الكتب الدراسية و أساليب التدريس ومعاهد التعليم.فاستبدل كثيرا من الكتب القديمة التي كانت تدرس وصبغ عليها الزمان صبغة القداسة بدون مبرر.واهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات.كما راعى في المرحلة التعليمية العالية التبحر في أقسام التخصص.وبدأ التفكير في ادخال الوسائل التعليمية المتنوعة.وحرص الشيخ على أن يصطبغ التعليم الزيتوني بالصبغة الشرعية والعربية .اذ يدرس الطالب الزيتوني الكتب التي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من التبحر في المعاني .لذلك دعا الى التقليل من الالقاء والتلقين والى الاكثار من التطبيق لتنمية ملكة الفهم التي يستطيع الطالب من خلالها أن يعتمد على نفسه في تحصيل العلم.
وعند استقلال بلدي تونس أسندت الى الشيخ رئاسة الجامعة الزيتونية سنة 1374هجري الموافق لسنة1956م.
4-بعض الكتب التي تركها الشيخ
*التحرير والتنوير:كان الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عالما مصلحا مجددا لايستطيع الباحث في شخصيته وعلمه أن يقف على جانب واحد فقط .الا أن القضية الجامعة في حياته وعلمه ومؤ لفاته هي التجديد والاصلاح من خلال الاسلام.وليس بعيدا عنه.ومن ثمة جاءت آراؤه و كتاباته ثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري.يعد الشيخ من كبار مفسري الق رآن الكريم في العصر الحديث.ولقد احتوى تفسيره "التحرير والتنوير"على خلاصة آرائه الاجتهادية والتجديدية.اذ استمر في هذا التفسير ما يقرب من خمسين عاما.وأشار في بدايته الى منهجه هو أن يقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وأخرى عليها."فالاقتصار على الحديث المعاد في التفسير هو تعطيل لفيض القرآن الكريمالذي ما له من نفاذ" .ووصف تفسيره بأنه"احتوى أحسن ما في التفاسير وأن فيه أحسن مما في التفاسير"
*مقاصد الشريعة:كان الشيخ فقيها مجددا يرفض ما يردده بعض أدعياء الفقه من أن باب الاجتهاد قد أغلق في أعقاب القرن الخامس الهجري ولاسبيل لفتحه مرة ثانية.وكان يرى أن ارتهان المسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سيصيبهم بالتقاعس والتكاسل وسيعطل اعمال العقل لايجاد الحلول لقضاياهم التي تحدث لهم في حياتهم.واذا كان علم أصول الفقه هو المنهج الضابط لعملية الاجتهاد في فهم نصوص القرآن الكريم واستنباط الأحكام منه فان الاختلال في هذا العلم هو السبب في تخلي العلماء عن الاجتهاد.ورأى أن هذا الاختلال يرجع الى توسيع العلم بادخال ما لا يحتاج اليه المجتهد وأن قواعد الأصول دونت بعد أن دون الفقه.لذلك كان هناك بعض التعارض بين القواعد والفروع في الفقه -كذلك الغفلة عن مقاصد الشريعة.اذ لم يدون منها الا القليل .وكان الأولى أن تكون الأصل الأول للأصول لأن بها يرتفع خلاف كبير.ويعتبر كتاب "مقاصد الشريعة"من أفضل ما كتب الشيخ في هذا المجال :وضوحا في الفكر ودقة في التعبير.سلامة في المنهج واستقصاء للموضوع.
5-وفاة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:وقد توفي الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في 13رجب 1393هجري الموافق لسنة1973م بعد حياة حافلة بالعلم والاصلاح و التجديد على مستوى بلدي العزيز تونس وعلى مستوى العالم الاسلامي.والى اليوم تكتب عنه الدراسات ويستفاد من كتبه وآرائه.
شيخ الاسلام الامام الأكبر محمد الطاهر بن عاشور
رحمك الله .وجازاك عنا الله خير ما اجتهدت وقدمت الى هذه البلاد.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم "قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"