كتاب المدونة الكبرى
كتاب الوضوء
ماجاء في الوضوء
قال سحنون : قلت لعبدالرحمن بن القاسم : أرأيت الوضوء أكان مالك يوقت فيه واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ؟ قال : لا إلا ما أسبغ ولم يكن مالك يوقت وقد اختلفت الآثارفي التوقيت قال ابن القاسم : لم يكن مالك يوقت في الوضوء مرة ولا مرتين ولا ثلاثا
وقال : إنما قال الله تبارك وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } ( المائدة : 6 ) فلم يوقت تبارك وتعالى واحدة من ثلاث قال ابن القاسم : ما رأيت عند مالك في الغسل والوضوء توقيتا لا واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثا ولكنه كان يقول : يتوضأ أو يغتسل ويسبغهما جميعا قال ابن وهب عن مالك بن أنس عن عمروبن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازني عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل عبد الله بن زيد بن عاصم وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جد عمرو بن يحيى : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه يتوضأ قال عبد الله : نعم قال : فدعا عبد الله بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل وأدبر بهما بدأ من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع بهما إلى المكان الذي منه بدأ ثم غسل رجليه قال مالك : وعبد العزيزبن أبي سلمة أحسن ما سمعنا في ذلك وأعمه عندنا في مسح الرأس هذا قال سحنون : وذكر ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد الليثي أخبره أن حمران مولى عثمان بن عفان أخبره أن عثمان بن عفان دعا يوما بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنثر ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى أيضا إلى المرفق ثلاث مرات ثم مسح رأسه وأذنيه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعب ثلاث مرات ثم غسل رجله اليسرى إلى الكعب ثلاث مرات وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ] قال ابن وهب عن ابن شهاب وكان علماؤنا بالمدينة يقولون : هذا الوضوء أسبغ ما توضأ به أحد للصلاة قال سحنون عن علي بن زياد عن سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه قال : ألا أخبركم بوضوء رسول اللة صلى الله عليه وسلم قال : فدعا بماء فأراهم مرة مرة فجعل في يده اليمنى ثم صب بها على يده اليسرى فتوضأ مرة مرة حدثنا وكيع عن علي عن سفيان عن عبد الله بن جابر أنه بلغه عن إبراهيم النخعي قال : حدثني من رأى عمر بن الخطاب يتوضأ مرتين مرتين قال سحنون عن وكيع عن سفيان عن عبد الله بن جابر قال : سألت الحسن البصري عن الوضوء فقال : يجزيك مرة أو مرتان أو ثلاث قال وكيع عن سفيان عن جابر بن يزيد الجعفي عن الشعبي قال : يجزيك مرة إذا أسبغت قال سحنون عن ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنثر من غرفة واحدة
في الوضوء بماء الخبز والنبيذ والإدام والماء الذي يقع فيه الخشاش وغير ذلك
قال : وقال مالك : لا يتوضأ من الماء الذي يبل فيه الخبز قلت : فما قوله في الفول والعدس والحنطة وما أشبه ذلك ؟ قال : إنما سألناه عن الخبز و هذا مثل الخبز قال ابن القاسم : وأخبرنا بعض أصحابنا أن سائلا سأل مالكا عن الجلد يقع في الماء فيخرج مكانه أو الثوب هل ترى بأسا أن يتوضأ بذلك الماء ؟ قال : فقال مالك : لا أرى به بأسا قال فقال له : فما بال الخبز ؟ فقال له مالك : أرأيت إذا أخذ رجل جلد فأنقعه أياما في ماء أيتوضأ بذلك الماء وقد ابتل الجلد في ذلك الماء ؟ فقال : لا فقال مالك : هذا مثل الخبز ولكل شيء وجه قال : وقال مالك : لا يتوضأ بشيء من الأنبذة ولا العسل الممزوج بالماء قال : والتيمم أحب إلي من ذلك قال : وقال مالك : لا يتوضأ من شيء من الطعام والشراب ولا يتوضأ بشيء من أبوال الإبل ولا من ألبانها قال : ولكن أحب إلي أن يتمضمض من اللبن واللحم ويغسل الغمر إذا أراد الصلاة قال : وقال مالك : لا يتوضأ بماء قد توضأ به مرة ولا خير فيه قلت : فإن أصاب ما قد توضأ به مرة ثوب رجل ؟ قال : إن كان الذي توضأ به طاهر فإنه لا يفسد عليه ثوبه قلت : فلو لم يجد رجل إلا ماء قد توضأ به مرة أيتيمم أم يتوضأ بما قد توضأ به مرة ؟ قال : يتوضأ بذلك الماء الذي قد يتوضأ به مرة أحب إلي إذا كان الذي توضأ به طاهرا قال : وقال مالك في النخاعة والبصاق والمخاط يقع في الماء قال : لا بأس بالوضوء منه قال : وقال مالك : كل ما وقع من خشاش الأرض في إناء فيه ماء أو في قدر فيه طعام فإنه يتوضأ بذلك الماء ويؤكل ما في القدور وخشاش الأرض الزلبور والعقرب والصرار والخنفساء وبنات وردان وما أشبه هذا من الأشياء قال : وقال مالك : في بنات وردان والعقرب والصرصار الخنفساء وخشاش الأرض ودواب الماء مثل السرطان والضفدع ما مات من هذا في طعام أو شراب فإنه لا يفسد الطعام ولا الشراب قال : وقال مالك : لا أرى بأسا بأبوال ما يؤكل كل لحمه مما لا يأكل الجيف وأرواثها إذا أصاب الثوب قال ابن القاسم : وأرى أنه إن وقع في الماء فإنه لا ينجسه قال : وسئل مالك عن حيتان ملحت فأصيبت فيها ضفادع قد ماتت قال : لا أرى بأكلها بأسا لأن هذا من صيد البحر
في الوضوء بسؤر الدواب والدجاج والكلاب
قال وسألت مالكا عن سؤر الحمار والبغل فقال : لا بأس به قلت : أرأيت إن أصاب غيره ؟ قال : هو وغيره وسواه قال : وقال مالك : لا بأس بعرق البرذون والبغل والحمار قال وقال مالك : في الإناء يكون فيه الماء يلغ فيه الكلب يتوضأ به رجل ؟ قال : قال مالك : إن توضأ به وصلى أجزأه قال : ولم يكن يرى الكلب كغيره قال : وقال مالك : إن شرب من الإناء ما يأكل الجيف من الطير والسباع لم يتوضأ به قال : قال مالك : إن ولغ الكلب في إناء فيه لبن فلا بأس بأن يؤكل ذلك اللبن قلت : هل كان مالك يقول يغسل الإناء سبع مرات إذا ولغ الكلب في الإناء في اللبن وفي الماء ؟ قال : قال مالك : قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته قال : وكأنه كان يرى أن الكلب كأنه من أهل البيت وليس كغيره من السباع وكان يقول : إن كان يغسل ففي الماء وحده وكان يضعفه وكان يقول : لا يغسل من سمن ولا لبن ويؤكل ما ولغ فيه من ذلك وأراه عظيما أن يعمد إلى رزق من رزق الله فيلقى الكلب ولغ فيه قلت : أرأيت إن شرب من اللبن ما يأكل الجيف من الطير والسباع والدجاج التي تأكل النتن أيؤكل اللبن أم لا ؟ قال : أما ما تيقنت أن في منقاره قدرا فلا يؤكل وما لم تره في منقاره فلا بأس به وليس هو مثل الماء لأن الماء يطرح ولا يتوضأ به قال سحنون : أخبرني ابن وهب عن عمروبن الحارث عن يحيى بن سعيد وبكير بن عبد الله بن الأشج أنهما كانا يقولان : لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل سؤر الحمير والبغال وغيرهما من الدواب وقال ابن شهاب : مثله في الحمار وقال عطاء بن أبي رباح وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو الزناد في الحمار والبغل مثله وتلا عطاء قول الله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } ( النحل : 8 ) وقاله مالك من حديث ابن وهب
قال علي بن زياد عن مالك : في الذي يتوضأ بماء قد ولغ فيه الكلب ثم صلى قال لا أرى عليه إعادة وإن علم في الوقت ولا غيره قال علي وابن وهب عن مالك ولا يعجبني الوضوء بفضل الكلب إذا كان الماء قليلا قال : ولا بأس به إذا كان الماء كثيرا كهيئة الحوض يكون فيه ماء كثير أو بعض ما يكون فيه من الماء الكثير قال ابن وهب عن ابن جريج : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ورد ومعه أبو بكر وعمر على حوض فخرج أهل الحوض فقالوا : يا رسول الله إن الكلاب والسباع تلغ في هذا الحوض فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شرابا وطهورا وأخبرنا عبد الرحمن بن زيد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال عمر : لا تخبرنا يا صاحب الحوض فإنا نرد على السباع وترد علينا فالكلب أيسر مؤنة من السباع والهر أيسرهما لأنه مما يتخذه الناس قال ابن القاسم وقال مالك : لا بأس بلعاب الكلب يصيب الثوب وقاله ربيعة وقال ابن شهاب : لا بأس إذا اضطررت إلى سؤر الكلب أن يتوضأ به وقال مالك : يؤكل صيده فكيف يكره لعابه ؟ قلت : فالدجاج المخلاة التي تأكل الجيف إن شربت من إناء فتوضأ به رجل أعاد ما دام في الوقت فإن مضى فلا إعادة عليه قال : نعم وإن كانت الدجاج مقصورة فهي بمنزلة غيرها من الحمام وما أشبه ذلك لا بأس بسؤرها ؟ قال : نعم قال : وقد سألنا مالكا عن الخبز من سؤر الفأرة قال : لا بأس به قال : فقلنا له : هل يغسل بول الفأرة يصيب الثوب ؟ قال : نعم قال : وسألنا مالكا عن الدجاج والأوز تشرب في الإناء أيتوضأ به ؟ قال : لا إلا أن تكون مقصورة لا تصل إلى النتن وكذلك الطير التي تأكل الجيف قال ابن القاسم : ولا أرى يتوضأ به وإن لم يجد غيره وليتيمم إذا علم أنها تأكل النتن قال : وقال مالك : وإن كانت مقصوره فلا بأس بسؤرها قال : وسألت ابن القاسم عن خرء الطير والدجاج التي ليست بمخلاة تقع في الإناء فيه الماء ما قول مالك فيه ؟ قال : كل ما لا يفسد الثوب مسعود ذرق عليه طائر فنفضه بإصبعه من حديث وكيع عن سفيان بن عيينة عن عاصم عن أبي عثمان النهدي قال ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أنه كان يكره فضل الدجاج قال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب في الإوز والدجاج مثله وقال الليث بن سعد مثله وقال مالك : إذا كانت بمكان تصيب فيه الأذى فلا خير فيه وإذا كانت بمكان لا تصيب فيه الأذى فلا بأس به قال وكيع عن حنظلة بن أبي سفيان الجحمي : رأيت طائرا ذرق على سالم بن عبد الله فمسحه عنه من حديث ابن وهب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق