الباب ما قرعته غير الريح في الليل العميق | |
الباب ما قرعته كفك | |
أين كفك و الطريق | |
ناء بحار بيننا مدن صحارى من ظلام | |
الريح تحمل لي صدى القبلات منها كالحريق | |
من نخلة يعدو إلى أخرى و يزهو في الغمام | |
الباب ما قرعته غير الريح | |
آه لعل روحا في الرياح | |
هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار | |
لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح | |
يمشي على قدمين و هو اليوم يزحف في انكسار | |
هي روح أمي هزها الحب العميق | |
حب الأمومة فهي تبكي | |
آه يا ولدي البعيد عن الديار | |
ويلاه كيف تعود وحدك لا دليل و لا رفيق | |
أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار | |
لا باب فيه لكي أدق و لا نوافذ في الجدار | |
كيف انطلقت على طريق لا يعود السائرون | |
من ظلمة صفراء فيه كأنها غسق البحار | |
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون | |
يتراكضنون على الطريق و يفزعون فيرجعون | |
و يسائلون الليل عنك و هم لعودك في انتظار | |
الباب تقرعه الرياح لعل روحا منك زار | |
هذا الغريب هو ابنك السهران يحرقه الحنين | |
أماه ليتك ترجعين | |
شبحا و كيف أخاف منه و ما امحت رغم السنين | |
قسمات وجهك من خيالي | |
أين أنت أتسمعين | |
صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين إلى العراق | |
الباب تقرعه الرياح تهب من أبد الفراق |
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الأحد، 30 مايو 2010
"الباب تقرعه الرياح"/لبدر شاكر السياب
" سفرُ أيّوبَ "/ لبدر شاكر السيّاب
" سفرُ أيّوبَ " لبدر شاكر السيّاب :
لكَ الحمْدُ مهْما استطالَ البلاءْ ومهما استبدَّ الألمْ،
لكَ الحمدُ، إنَّ الرزايا عطاءْ
وإنَّ المصيباتِ بعضُ الكَرمْ.
ألَمْ تُعْطِني أنْتَ هذا الظَّلامْ
وأعطيْتني أنتَ هذا السَّحَرْ ؟
فهلْ تشكُرُ الأرضُ قطْرَ المطَرْ
وتغضبُ إنْ لمْ يجُدْها الغَمامْ ؟
شهورٌ طِوالٌ وهذي الجِراحْ
تُمزِّقُ جنبيَّ مثلَ المُدى
ولا يهْدأُ الدَّاءُ عندَ الصباحْ
ولا يمسحُ الليْلُ أوْجاعَهُ بالرّدى
ولكنَّ أيوبَ إنْ صاحَ صاحْ:
"لكَ الحمْدُ، إنَّ الرزايا ندى،
وإنَّ الجراحَ هدايا الحبيبْ
أضمُّ إلى الصَّدْرِ باقاتِها،
هداياكَ في خافقي لا تغيبْ،
هداياكَ مقبولةٌ . هاتِها!"
أشُدُّ جراحي وأهتفُ بالعائدينْ:
"ألا فانظروا واحسدوني ، فهذي هدايا حبيبي"
وإنْ مسَّتِ النارُ حُرَّ الجبينْ
توهَّمتُها قُبلةً منكَ مجبولةً من لهيبِ
جميلٌ هو السُّهْدُ أرعى سماكَ
بعيْنيَّ حتَّى تغيبَ النجومْ
ويلمسَ شباكَ داري سناكْ.
جميلٌ هو الليلُ: أصْداءُ بومْ
وأبواقُ سيّارةٍ منْ بعيدْ
وآهاتُ مرْضى، وأُمٌّ تُعيدْ
أساطيرَ آبائها للوليدْ
وغاباتُ ليْلِ السُّهادِ، الغيومْ
تُحجِّبُ وجهَ السماءْ
وتجلوهُ تحتَ القمرْ.
وإنْ صاح أيوبُ كان النداءْ:
"لكَ الحمدُ يا رامياً بالقدرْ
ويا كاتباً ـ بعدَ ذاكَ ـ الشفاء!".
فعلاً لا شيءَ من نعيم ِ الدّنيا يُعادلُ نعمة َ الأنس ِ باللهِ ، والتواصل ِ بذكرهِ والانطراح ِ بينَ يديهِ ، في لحظاتِ الفقر ِ والحاجةِ إليه سُبحانهُ ، وأكملُ ما يكونُ العبدُ من مقام ٍ وطريقةٍ في سيرهِ إلى اللهِ هو مقامُ التذلل ِ والانكسار ِ وإظهار ِ الحاجةِ المُلحّةِ إليهِ .
"غريب على الخليج"/لبدر شاكر السياب
و على القلوعِ تظلُّ تُطوى أو تنشَّر للرحيل
زحم الخليجُ بهنَّ مكتدحون جوَّابو بحارِ
من كل حافٍ نصفِ عاري
وعلى الرمالِ ، على الخليج
جلس الغريبُ، يسرِّح البصرَ المحيَّرَ في الخليج
و يهدُّ أعمدةَ الضياءِ بما يصعِّدُ من نشيج
أعلى من العُبَّابِ يهدرُ رغوُهُ و من الضجيج
صوتٌ تفجَّر في قرارة نفسيَ الثكلى : عراق
كالمدِّ يصعدُ ، كالسحابةِ ، كالدموعِ إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموجُ يعْوِلُ بي : عراقُ ، عراقُ ، ليس سوى عراق
البحرُ أوسعُ ما يكون و أنتُ أبعدُ ما يكون
و البحرُ دونَكَ يا عراق
.. بالأمس حين مررتُ بالمقهى ، سمعتُكَ يا عراق
وكنتَ دورةَ أسطوانة
هي دورةُ الأفلاكِ في عمري، تكوِّر لي زمانَه
في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدتْ مكانَه
هي وجهُ أمي في الظلام
وصوتُها، يتزلَّقان مع الرؤى حتى أنام
و هيَ النخيل أخافُ منه إذا ادلهمَّ مع الغروب
فاكتظَّ بالأشباحِ تخطفُ كلَّ طفلٍ لا يؤوب
من الدروب... وهي المفلِّيةُ العجوزُ وما توشوشُ عن حزام
وكيف شُقَّ القبرُ عنه أمام عفراء الجميلة
فاحتازها .. إلا جديلة
زهراءُ أنتِ .. أتذكرين
تنورنَا الوهَّاج تزحمه أكفُّ المصطلين ؟
وحديثَ عمتيَ الخفيضَ عن الملوك الغابرين ؟
ووراء بابٍ كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أيدٍ تُطاعُ بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
كان الرجالُ يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداءَ كنا قانعين
بذلك القصصِ الحزينِ لأنه قصصُ النساء
حشدٌ من الحيواتِ و الأزمانِ، كنا عنفوانَه
كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانة ؟
إن كان هذا كلَّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟
أحببتُ فيك عراقُ روحي أو حببتُك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
و الليل أطبق ، فلتُشِعَّا في دجاهُ فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلىَّ ما كمُلَ اللقاء
الملتقى بك و العراقُ على يديَّ...هو اللقاء
شوقٌ يخضُّ دمي إليه ، كأنَّ كلَّ دمي اشتهاء
جوعٌ إليه .. كجوعِ كلِّ دمِ الغريقِ إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأبَّ من الظلام إلى الولادة
إني لأَعجبُ كيف يمكنُ أن يخون الخائنون
أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟
إن خان معنى أن يكونَ, فكيف يمكنُ أن يكون ؟
الشمسُ أجملُ في بلادي من سواها, و الظلام
حتى الظلامُ - هناكَ - أجملُ ، فهْوَ يحتضنُ العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحسُّ أنَّ على الوسادةِ
ليلَك الصيفيَّ طلاً فيه عطرُك يا عراق ؟
بين القرى المتهيِّبات خطايَ, و المدنِ الغريبة
غنَّيتُ تربتَكِ الحبيبة
وحملتُها
فسمعتُ وقعُ خطى الجياعِ تسيرُ ، تدمي من عثار
فتذرُّ في عينيَّ ، منكِ ومن مناسمها ، غبار
ما زلت أضربُ متربَ القدمين أشعثَ ، في الدروب
تحت الشموس الأجنبية
متخافقَ الأطمارِ ، أبسطُ بالسؤال يدا نديَّة
صفراء من ذلٍّ و حمَّى : ذلِّ شحاذٍ غريب
بين العيون الأجنبية
بين احتقارٍ ، و انتهارٍ ، و ازورارٍ .. أو خطيَّة
و الموتُ أهون من خطيَّة
من ذلك الإشفاقِ تعصرُهُ العيونُ الأجنبية
قطراتِ ماءٍ ..معدنية
فلتنطفئ ، يا أنتَ ، يا قطراتُ ، يا دمُ ، يا .. نقود
يا ريحُ ، يا إبرا تَخيط ليَ الشراعَ ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنَّحهنَّ مجدافٌ يرود
بيَ الخليجَ ، ويا كواكبَهُ الكبيرةَ...يا نقود
ليت السفائنَ لا تقاضي راكبيها عن سَفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلتُ أحسبُ يا نقودُ ، أعدُّكنَّ و أستزيد
ما زلتُ أنقصُ ، يا نقودُ ، بكنَّ من مددِ اغترابي
ما زلتُ أوقدُ بالتماعتكنَّ نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك. فحدثيني يا نقود
متى أعودُ ، متى أعود ؟
أتُراه يأزفُ ، قبل موتي ، ذلك اليومُ السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباحِ ، و في السماء من السحاب
كِسَرٌ، وفي النسمات بردٌ مشبعٌ بعطورِ آب
و أزيح بالثؤباء بُقيا من نعاسي كالحجاب
من الحرير ، يشفُ عما لا يبين...وما يبين
عما نسيتُ وكدت لا أنسى ، وشكٍّ في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي
ما كنتُ أبحثُ عنه في عتمات نفسي من جوابِ
لِمَ يملأُ الفرحُ الخفيُّ شعابَ نفسي كالضبابِ ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقودُ ؟ وكيف تُدَّخرُ النقود
و أنتَ تأكل إذ تجوعُ ؟ و أنتَ تنفق ما يجود
به الكرامُ ، على الطعام ؟
لتبكيَنَّ على العراقِ
فما لديك سوى الدموع
وسوى انتظارِكَ ، دون جدوى ، للرياحِ...وللقلوع
"سوسنة اسمها القدس"/لنازك الملائكة
سوسنة إسمها القدس/"كلما أبصرتك يا قدس بكيتك....."
= 450) this.width = 450; return false;" border="0" width="450">
اذا نحن مُتنا وحاسبنا اللهُ:
قال: ألم أعطكم موطنا؟
أما كنت رقرقتُ فيه المياه مرايا؟
وحليته بالكواكب؟ زينتُهُ بالصبايا؟
وعرشت فيه العناقيد ، بعثرت فيه الثمر؟
ولونت حتى الحجر؟
اما كنتُ انهضت فيه الذُرى والجبال؟
فرشت الظلال؟
وغلفتُ وديانهُ بالشجر؟
أما كنتُ فجرتُ فيه الينابيع، كللتُهُ سوسنا؟
سكبتُ التآلق والاخضرار على المنحنى؟
جعلتُ الثرى عابقاً ليناً؟
أما كنت ضوأت بالأنجم المُنحدر؟
وفي ظلماتٍ لياليكمو ، أما قد زرعتُ القمر؟
فماذا صنعتم به؟ بالروابي؟ بذاك الجنى ؟
بما فيه من سكرٍ وسنا ؟
سيسألنا اللهُ يوماً ، فماذا نقولُ؟
نعم ! قد مُنحنا الذُرى السواقي ومجد التلول
وهُدب النجوم ، وشعر الحقول
ولكننا لم نصُنها
ولم ندفع الريح والموت عنها
فباتت كزنبقةٍ في هدير السيول
نعم ! ودفعنا بأقمارها للأفول
وقامر جُهالنا بالضحى
بالربى
بالسهول
بسوسنةٍ اسمها القدسُ ، نامت على ساقية
الى جانب الرابية
وتُمطر فيها السماءُ خُشُوعاً ، تُصلي الفصول
ويركعُ سُنبلها، تتهجدُ فيها الحقول
وعبر مساجدها العنبرية أسرى الرسول
فماذا صنعنا بوردتنا الناصعة؟
الهي تعلم أنت ، ونعلمُ، ماذا صنعنا
بوردتنا ، قد نزعنا، نزهنا
وُريقاتها ودلقنا شذاها الخجول
وهبنا صباها لأذرع عول
لأشداع عقربةٍ جائعة
فكيف اليها الوصول؟
ونخشى غداّ ان يجيء الضبابُ
وليلُ الضباب يطول
ويفصل ما بين أقدامنا والوصول
وقد تتمطى عصور الضباب بنا ، وتزول
كواكبُنا ثم تأتي السيول
وتجرف شتلاتنا، وتطول
ظلالُ الكآبةْ تغرقُ في غمرات الذُهُول
وتأتي الرياح وتمسحُ جنتنا الضائعة
وتخبو امانينا ، وأمتداداتها الشاسعة
ويطوي الذبول
سنابلنا رب عفوك ، ماذا نقول
وفي عتباتك كيف تُرى سيكون المثول؟
فأنت منحت الجناح الطليق ، ونحن اخترعنا القيود
وهبت لنا القُدس ، ونحنُ
دفعنا بها لليهود..
شرح قصيدة "أنشودة المطر"
لبدر شاكر السياب
أعدَّ الشرحَ: الكاتبُ: محمد عبده، من كتّاب: (المنتدى التربوي).
* التعريف بالشاعر
بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر
المفردات :
السحر : قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .
الشرح
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :
· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
2- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر :
تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود ..."
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرِّفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر
أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفالِ ، كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار
أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى
كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"
المفردات :
تثاءب : تصنّع الثوباء ، الثوباء حركة للفم لا إرادية من هجوم النوم أو الكسل ، تسح : تنزل وتنصب ، الثقال : الشيء الكريه للنفس ، يهذي : تكلم بغير معقول لمرض ، أفاق : تنبه ، لج : ألح ولزم الشيء ولم ينصرف عنه ، تهامس : تكلم بصوت منخفض ، التل : ما علا من الأرض (ج) تلال ، اللحود : مفردها لحد وهو القبر ، تسف : تأكل ، يلعن : يسب ، القدر : قضاء الله ، ينثر : ينشر ، يأفل : يغيب ، تنشج : ونَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجاً ونَشيجاً، إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، المزاريب : مفردها مزراب وهي مجاري للماء ، انهمر : سال بشدة ، الضياع : الفقد والهلاك ، المراق : المسال ، مقلتاك : عيناك ، تطيفان : تأتيان كالخيال ، المحار : حيوان بحري ينتج اللؤلؤ ، تهم : تشرع ، دثار : ما يتدثر به ( يتغطى به) الإنسان من كساء أو غيره ، واهب : معطي ، الردى : الموت والهلاك ، الصدى : رجع الصوت .
الشرح :
يستمر الشاعر في تداعي الذكريات التي تربطه بالوطن في تعبيرات رمزية رائعة ، فيرى دخول الليل وما زالت الغيوم تنزل المطر الذي أثقل كاهلها فيرى أبناء العراق الذين استفاقوا من غفوتهم للتحرر يحملون معهم الأمل الذي سيتحقق طالما أصروا عليه وقد أخذ بعض الرفاق البعيدين عن الوطن يتكلمون همسا أن العراق ما زالت في رقادها وذلها وهوانها فالشعب يعاني فيها في يأس وحزن ينعى حظه وقدره يحاول أن يتغلب على قهره بالغناء عندما يغيب القمر منشدا " مطر... مطر .."
ثم يوضح الشاعر أن المطر يبعث الحزن في نفسه ، فعندما ينهمر المطر ويسمع صوت وقع الماء من المزاريب وكأنه بكاء عنيف يشعر الإنسان الوحيد بالضياع والهلاك ولا ينتهي هذا الشعور كالشعور الناجم من رؤية الدم المسال والناس الجوعى أو الشعور بالحب المتجدد والحنين للوطن والشعور النابع من رؤية طفل أو ميت ، فالمطر يطلق هذا الشعور باستمرارية .
تمر علي هذه الأطياف أطياف الوطن مع هطول المطر فأقف أتأمل أمواج الخليج التي تحمل معها الأمل من جديد وقد رأيت الأحرار الذين يعدون أنفسهم لتخليص العراق من الظلم واسترداد ثرواتها المسلوبة وكأنهم سيشرقون بعراق جديد ولكن هذه المحاولات انتهت بالفشل وسالت دماء هؤلاء الأحرار ومن بقى منهم لاجئا بعيدا عن وطنه ليس له إلا أن ينادي على الخليج الذي يهب الخير والعطاء وكذلك الهلاك لصعوبة الحصول على خيراته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتفشل هذه الحركات التحررية .
مواطن الجمال :
· تثاءب المساء : استعارة مكنية شبه المساء إنسانا يتثاءب
· الغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال : استعارة مكنية شبه الغيوم بالمرأة التي تبكي بشدة .
· دموعها الثقال : كناية عن شدة ما يعانيه الوطن من ظلم وقهر .
· كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : : يربط الشاعر صورة الغيوم التي تذرف الدمع بصورة الطفل الذي فقد أمه ويبكي سألا عنها
· يستخدم الشاعر الطفل رمزا للمستقبل الذي يحمل الأمل في الحرية
· ويستخدم الشاعر الأم رمزا للوطن المستعمر .
· حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لا بد أن تعود : نلمح إصرار الشاعر وتحدي المناضل الطريد على تحرير الوطن وعودة العراق حرة كما كان.
· وإن تهامس الرفاق : الهمس هنا يدل على مدي الخوف والقلق الذي يملأ النفوس .
· تنام نومة اللحود : كناية عن الموت والخراب الذي حل بالوطن.
· تسف من ترابها وتشرب المطر: كناية عن الذل الذي تعيش فيه العراق.
· كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر : ربط الشاعر حال العراق بحال الصياد الذي نصب شباكه للصيد وأتى المطر وخرب عليه الصيد فأخذ يجمع شباكه لاعناً القدر الذي لم يمكنه من صيده .
· فالصياد رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة .
· وينثر الغناء حيث يأفل القمر : كناية عن الألم الذي يعانيه الشعب في وجود الظلم والاحتلال .
· تكرار كلمة " مطر " يدل على الثورة العارمة والصراع .
· أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
أساليب إنشائية استفهام غرضها التقرير .
· كالدم المراق .. كالجياع.. كالحب .. كالأطفال .. كالموتى : كلمات تحمل ترسبات الماضي في نفس الشاعر مما يوحي بالمفارقات الكامنة بنفسه .
· تمسح البروق سواحل العراق : استعارة مكنية شبه البروق بالإنسان الثائر ضد الظلم .
· النجوم والمحار : كناية عن الثروات الموجودة بالعراق .
· كأنها تهم بالشروق : كناية عن الأمل في زوال المستعمر .
· فيسحب الليل عليها من دم دثار : شبه الليل بالإنسان الذي يغطي ، والدم بالغطاء ، دلالة على العنف المتواجد في العراق .
· يا خليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى : أسلوب نداء يدل على بعد الشاعر وغربيه عن الوطن
· اللؤلؤ والمحار والردى : اللؤلؤ والمحار كناية عن مهنة الغوص والتي ارتبطت بالموت للدلالة على صعوبة العيش في العراق
· كأنه النشيج : كناية عن الألم الذي يعتصر العراق من المستعمر.
· عودة الصدى " يا واهب المحار والردى " تحمل دلالة ضياع خيرات العراق وثرواته .
الهم الذي يؤرق السياب :
أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر
المفردات :
يذخر : خبأ لوقت الحاجة ، الرعود : صوت السحاب المصطدم المحمل بالمطر ، البروق : مفردها برق وهوا للمعان الناتج من اصطدام السحب ببعضها ، فضّ : فض الشيء فرقه ، ختمها : ختم النحل أي ملأ خليته عسلا ، واختم الشيء أي أتمه ، ثمود : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة ، تئن : تتألم ، المهاجرين : المستعمرين ، يصارعون : يقاتلون ، المجاذيف : مفردها مجذاف وهو ما تتحرك به السفينة ، القلوع : مفردها قلع وهو الشراع ، عواصف : مفردها عاصفة وهي الريح الشديدة .
الشرح
في هذا المقطع يوضح السياب الهم الذي سبب له الأرق وهو المستعمر الذي غزا بلاده فنجده يعايش الموقف بالعراق فالثورة قائمة والعراقيون يستعدون للقاء المستعمر وحربه ولكن تفرقوا وتشتت أمرهم فلم يبق إلا صوت المطر الذي يضفي الحزن في النفس وكذلك القرى التي لحقها الدمار من جراء الصراع الذي دار بينهم وبين المستعمر لاقتلاع خيرات الخليج .
مواطن الجمال
· اسمع العراق : شخص الشاعر العراق بالإنسان الذي يتكلم .
· يذخر الرعود ، يخزن البروق : أساليب خبرية تدل على الثورة الموجودة داخل العراق .
· لم تترك الرياح من ثمود
في الوادي من أثر : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة وقد التبس الأمر على الشاعر بين قوم عاد وثمود فعاد هم من أخذوا بالريح الباردة " وهنا لجأ الشاعر إلى استخدام معاني القرآن الكريم "
· أكاد أسمع النخيل يشرب المطر : استعارة مكنية شبه النخيل بالإنسان الذي يشرب .
· أسمع القرى تئن : استعارة مكنية شبه القرى بالإنسان الذي يئن .
· المهاجرين يصارعون عواصف الخليج : شبه أهل العراق بالعواصف في ثورتهم .
نقد القصيدة
التمهيد ..
يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .
ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .
الأفكار :
أفكار القصيدة مترابطة ، وقد ابرز الشاعر أفكاره من خلال التشخيص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده يبدأ القصيدة بذكرياته الجميلة في العراق ثم يبين المناحي التي تبعث السرور في حياته والمناحي التي تثير الحزن فيها والأسى ، فينطلق مباشرة إلى الهم الذي يؤرقه ويؤرق العراق كلها وهو طمع المستعمر فيها .
العاطفة :
عاطفة الشاعر في هذه القصيدة إنسانية عامة ، فهو يريد أن يدفع الخطر عن وطنه المتمثل في المستعمر الغاصب لخيرات بلاده فحب الوطن والانتماء إلى الأرض يشترك فيه جميع الناس ، فالعاطفة صادقة " بين الألم والحزن والأمل والفرحة " نابعة من حب الشاعر لوطنه وأرضه وشعبه المقهور .
الألفاظ :
استخدم الشاعر الألفاظ السهلة الواضحة موحية فجاءت ملائمة للموضوع ، وقد استخدم الشاعر الرمز للتعبير عما يريد دون خوف مثل:
الطفل : رمز للمستقبل الذي يبشر بالأمل ، والأم : رمز للوطن ، والصياد : رمز للشعب اليائس الذي يصارع الحياة ، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات العراق .
الأساليب
تنوعت الأساليب في القصيدة بين الخبرية والإنشائية التي توحي بالصراع المرير والحزن
فمن الأساليب الإنشائية أكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة للأساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون والهدوء و يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها .
وكذلك استعان الشاعر بأسلوب التقديم لما حقه التأخير مثل تقديم الحال
كما ضمن الشاعر بعض الأساليب القرآنية ويعاب عليه الخلط بين عاد وثمود .
الصور والأخيلة :
جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر فنجده يفصّل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل : " عيناك حين تبسمان " صورة كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل :" ترقص الأضواء كالأقمار في نهر ، كأنما تنبض في غوريهما النجوم ، وتغرقان في ضباب من أسى شفيف ، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء "
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشداً هائلا من الصور المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة إشعاعات تومض بصفة دورية.
المحسنات البديعية :
غير متكلفة وقد استخدم الشاعر بعض المتناقضات للتعبير عما بداخله من إحساس
كالموت والميلاد ، والظلام والضياء ، دفء وارتعاشة
الموسيقا
في القصيدة نوعان من الموسيقى :
1- خارجية ظاهرة : حيث تعتمد هذه القصيدة في بناء الموسيقا الخارجية على تفعيلة بحر الرجز " مُسْتَفْعِلُنْ " وصورها :" مُتَفْعِلُنْ ، مُسْتَعِلُن ، مُسْتَفْعِلْ ، مُتَفْعي " المتكررة مرات غير متساوية في كل سطر .
2- داخلية : الموسيقى الداخلية نوعان :
أ – ظاهرة : وتتمثل في المحسنات البديعية والمتناقضات .
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية التي تعبر عن الحالة الوجدانية ، والمتواليات الصوتية التي تحدث إيقاعاً يتوافق مع الجو النفسي والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .
الوحدة العضوية :
تتحقق الوحدة العضوية حيث نرى أن حب الوطن والانتماء إليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن بلاده ، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل إليه الوطن الجريح .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- عدم الالتزام بقافية واحدة .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص والاهتمام بالصورة الشعرية.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- البناء على وحدة التفعيلة
7- استخدام الرمز في قصائده .
8- التأثر بالآداب الغربية والصينية .
9- استخدام الأسطورة أو الحكايات المروية من التراث .
أنشودة المطر/للسياب
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كَالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كنشوةِ الطفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ - التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. " -
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ - كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى - هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول … حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا - خَوْفَ أَنْ نُلامَ – بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ - حِينَ يُعْشُب الثَّرَى- نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أوْ حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ..
المصدر : عن ديوانه " أنشودة المطر " ، ضمن مجموعته الكاملة المجلد الأول ص 474 . دار العودة - بيروت - 1997 .
قلب الأم
قــال أأتنـي بفـؤاد أمــك يافتــى *** ولــك الـــــدراهــــــم والــــــــــــــدرر
ومضى وأغرز خنجرا في صدرها *** والقلب أخـــرجه وعاد عــلــى الاثــر
لــكنه من فــرط سرعـــته هـوى *** فــتـدحـرج القلـب المــعــفـر اذ عثـر
نـــاداه قلــب الام وهــو مـعـــفـر *** ولدي حبيـبي هل أصابـك مـن ضـرر
لــكن هــذا الـصوت رغـم حنــوه *** غضب السماء به على الولـد أنهمـر
وارتــد نحـو القلب يغـسله بـــما *** فاضت به عيــنـاه مـن سيـل العــبـر
وأســتل خنجــــره ليـــطعن قلبه *** طـعنـا ويــبــقـى عبـرة لمـن أعتبـر
ويـــقــول ياقـــــلـب أنــتــــقــــــم *** منـي فــأن جــريـــمــتـي لا تغتـفـر
ناداه قـلب الام ..باللـــــه كف يدا *** لاتجرح فـؤادي مرتــين علـى الاثـــر