بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبدالله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر عرف بابن القيم الجوزية رضي الله عنه ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها وما الطريق إلى كشفها فرحم الله من أعان مبتلى والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين
فكتب الشيخ رضي الله عنه تحت السؤال الجواب الحمد لله أما بعد فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ باذن الله وفي مسند الامام أحمد من حديث أسامة بن شريك عن النبي قال إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله وفي لفظ إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله ما هو قال الهرم قال الترمذي هذا حديث صحيح وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها وقد جعل النبي الجهل داء وجعل دواءه سؤال العلماء فروى أبو داوود في سننه من حديث جابر ابن عبد الله قال خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأله أصحابه فقال هل تجدون لى رخصة في التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله إلا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه بخرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده فأخبر أن الجهل داء وأن شفاءه السؤال وقد أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء فقال الله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدي وشفاء وقال وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ومن ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض فإن القرآن كله
شفاء كما قال في الآية الأخرى فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أشجع في إزالة الداء من القرآن وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد قال انطلق نفر من أصحاب النبي في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم لو أنيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فاتوهم فقالوا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم شيء فقال بعضهم نعم والله إني لأرقى ولكن والله استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم إقتسموا فقال الذي رقالا نفعل حتى نأتي النبي فنذكر له الذي كان فننظر بما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له ذلك فقال وما يدريك إنها رقية ثم قال قد أصبتم اقتسموا وأضربوا لى معكم سهما فقد أثر هذا الدواء في هذا الداء وأزاله حتى كأن لم يكن وهو أسهل دواء وأيسره ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأي لها تأثيرا عجيبا في الشفاء ومكثت بمكة مدة تعتريني أدواء ولا أجد طبيبا ولا دواء فكنت أعالج نفسي بالفاتحة فأري لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما وكان كثير منهم يبرأ سريعا ولكن ههنا أمر ينبغي التفطن له وهو أن الأذكار والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقابها هي في نفسها نافعة شافية ولكن تستدعى قبول المحل وقوة همة الفاعل وتأثيره فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل أو لعدم قبول المنفعل أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه أثره فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء لقبول تام كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول وكذلك القلب إذا أخذ الرقاء والتعاويذ بقبول تام وكان للراقى نفس فعالة وهمة مؤثرة في إزالة الداء وكذلك الدعاء فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا وإما لحصول المانع من الاجابة من أكل الحرام والظلم ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها كما في صحيح الحاكم من حديث
أبى هريرة عن النبي أدعو الله وأنتم موقنون بالاجابة واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه فهذا دواؤنا نافع مزيل للداء ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله أيها الناس إن الله طيب لايقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده الى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا مخرجا فأوحى الله تعالى الى نبيهم أن أخبرهم إنكم تخرجون الى الصعيد بابدان نجسة وترفعون الي أكفا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من الحرام الآن حين اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني الابعدا وقال ابو ذر يكفى من الدعاء البرأ ما يكفى الطعام من الملح
فصل والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلأ يدافعه ويعالجه ويمنع
نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه قال قال رسول الله الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض وله مع البلاء ثلاث مقامات أحدها أم يكون أقوي من البلاء فيدفعه الثاني أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفا الثالث أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه وقد روي الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله لا يغنى حذر من قدر والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان الى يوم القيامة وفيه أيضا من حديث ابن عمر عن النبي قال الدعاء ينفع بما نزل ومما ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء وفيه أيضا من حديث ثوبان لا يرد القدر الا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه
فصل ومن أنفع الادوية الالحاح فى الدعاء وقد روى ابن ماجة في سننه
من حديث أبي هريرة
قال قال رسول الله من لم يسئل الله يغضب عليه وفي صحيح الحاكم من حديث أنس عن النبي لاتعجزوا فى الدعاء فانه لايهلك مع الدعاء أحد وذكر الاوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله إن الله يحب الملحين فى الدعاء وفى كتاب الزهد للامام أحمد عن قتادة قال قال مورق ما وجدت للمؤمن مثلا الا رجل في البحر على خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله تعالى أن ينجيه فصل
ومن الآفات التى تمنع ترتب أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ويستبطي الاجابة فيستحسر ويدع الدعاء وهو بمنزلة من بذر بذرا أو غرس غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله وفى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال يستجاب لاحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي وفي صحيح مسلم عنه لايزال يستجاب للعبد ما لم يدع بأثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لى فيستحسر عند ذاك ويدع الدعاء وفي مسند أحمد من حديث أنس قال قال رسول الله لايزال العبد بخير ما لم يستعجل قالوا يا رسول الله كيف يستعجل قال يقول قد دعوت لربي فلم يستجب لى فصل
واذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب وصادف وقتا من أوقات الاجابة الستة وهي الثلث الاخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والاقامة وادبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الامام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلوة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وصادف خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وذلاله وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلوة على محمد عبده ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله والح عليه في المسئلة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل اليه باسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ولا سيما ان صادف الادعية التي أخبر النبي أنها مظنة الاجابة أو أنها متضمنة للأسم الأعظم فمنها ما في السنن وفي صحيح بن حبان من
حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رسول الله سمع رجلا يقول اللهم إني أسالك باني أشهد أنك أنت الله لا إله الا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد فقال لقد سأل الله بالأسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعى به أجاب وفي لفظ لقد سألت الله باسمه الاعظم وفي السنن وصحيح أبي حاتم بن حبان أيضا من حديث أنس بن مالك أنه كان مع رسول الله جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله الا أنت المنان بديع السموات والارض يا ذا الجلال والاكرام يا حى يا قيوم فقال النبي لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى وأخرج الحديثين أحمد فى مسنده وفى جامع الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أن النبي قال إسم الله الاعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وفاتحة آل عمران آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفى مسند أحمد وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وربيعة بن عامر عن أنه قال أنطوا بياذ الجلال والاكرام يعنى تعلقوا والزموها وداوموا عليها وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه الى السماء وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حى يا قيوم وفيه أيضا من حديث أنس بن مالك قال كان النبي إذا كربه أمر قال يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث وفى صحيح الحاكم من حديث أبي أمامة عن النبي قال اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن البقرة وآل عمران وطه قال القاسم فالتمستها فاذا هي آية الحي القيوم وفي جامع الترمذي وصحيح الحاكم من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي قال دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إنه لم يدع بها مسلم في شى قط الا استجاب الله له قال الترمذي حديث صحيح وفى صحيح الحاكم أيضا من حديث سعد عن النبي ألا أخبركم بشىء إذا نزل برجل منكم أمرمهم فدعا به يفرج الله عنه دعاء ذي النون وفي صحيحه أيضا عنه أنه سمع النبي وهو يقول هل أدلكم على اسم الله الاعظم دعاء يونس فقال رجل يا رسول الله هل كان ليونس خاصة فقال ألا تسمع قوله فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك نجيني ! المؤمنين فأيما مسلم دعا بها في مرضه اربعين مرة فمات في مرضه ذلك أعطى أجر شهيد وان برأ برأ مغفور له وفي الصحيحين من حديث بن عباس أن رسول الله كان يقول عند الكرب لا إله الا الله العظيم الحليم لا إله الا الله رب العرش العظيم
لا إله الا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم وفى مسند الامام أحمد من حديث على بن أبي طالب طالب رضي الله عنه قال علمني رسول الله اذا نزل بي كرب أن أقول لا إله الا الله الحليم الكريم سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين وفي مسنده ايضا من حديث عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها قال بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها وقال ابن مسعود كا كرب نبي من الانبياء الا استغاث بالتسبيح وذكرا ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن قال كان رجل من أصحاب النبي من الانصار يكني أبا مغلق وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فاني قاتلك قال فما تريد الادمي فشأنك والمال قال أما المال فلى ولست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني اصلى أربع ركعات قال صلى ما بد الك فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه فى آخر سجدة أن قال يا ودود ياذ العرش المجيد يا فعال لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام وبملكك الذي لايضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك ان تكفيني شر هذا اللص يا مغيت اغثني يا مغيث اغثني يا مغيث اغثني ثلاث مرات فاذا هو بفارس أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل اليه فقال قم فقال من أنت بابي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم فقال أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت فسمعت لأبواب السماء قعقعة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لاهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله ان يوليني قتله قال الحسن فمن توضي وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
فصل وكثيرا ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم فيكون قد اقترن
بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله أو حمنة تقدمت منه جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكرا لحسنته أو صادف الدعاء وقت إجابة ونحو ذلك فاجيبت دعوته فيظن الظان ان السر في لفظ ذلك الدعاء فيأخذه
مجردا عن تلك الامور التي قارنته من ذلك الداعي وهذا كما اذا استعمل رجل دواء نافعا في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي فانتفع به فظن غيره ان استعمال هذا الدواء مجردا كاف في حصول المطلوب كان غالطا وهذا موضع يغلط فيه كثير من الناس ومن هذا قد يتفق دعاؤه باضطرار عند قبر فيجاب فيظن الجاهل ان السر للقبر ولم يعلم ان السر للاضطرار وصدق اللجاء الى الله فاذا حصل ذلك في بيت من بيوت الله كان افضل وأحب الى الله فصل
والادعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه لا بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح أو الداعى لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثم مانع من الاجابة لم يحصل الأثر
فصل وههنا سؤال مشهور وهو ان المدعو به إن كان قد قدر لم
يكن بد من وقوعه دعا به العبد أو لم يدع وان لم يكن قد قدر لم يقع سواء سأله العبد أو لم يسأله فظنت طائفة صحة هذا السؤال فتركت الدعاء وقالت لا فائدة فيه وهؤلاء مع فرط جهلهم وضلالهم متناقضون فأن اطرد مذهبهم لوجب تعطيل جميع الأسباب فيقال لأحدهم ان كان الشبع والري قد قدرا لك فلا لا بد من وقوعها أكلت أو لم تأكل وإن لم يقدرا لم يقعا أكلت أو لم تأكل وإن كان الولد قدر لك فلابد منه وطأت الزوجة والامة أو لم تطأها وإن لم يقدر لم يكن فلا حاجة الى التزويج والتسري وهلم جرا فهل يقال هذا عاقل أو آدمي بل الحيوان البهيم مفطور على مباشرة الاسباب التي بها قوامه وحياته فالحيوانات أعقل وأفهم من هؤلاءالذين هم كالانعام بل هم أضل سبيلا وتكايس بعضهم وقال الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحض يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما ولا فرق عند هذا الكيس بين الدعاء والامساك عنه بالقلب واللسان في التأثير في حصول المطلوب وارتباط الدعاء عندهم به كارتباط السكوت ولا فرق وقالت طائفة أخري أكيس من هؤلاء بل الدعاء علامة مجردة نصبها الله سبحانه أمارة على قضاء الحاجة فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وأمارة على أن حاجته قد قضيت وهذا كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء فان ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر قالوا وهكذا حكم الطاعات مع الثواب والكفر والمعاصي مع العقاب هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب لانها أسباب له
وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار والحرق مع الاحراق والازهاق ومع القتل ليس شيء من ذلك سببا ألبتة ولا إرتباط بينه وبين ما يترتب عليه الا بمجرد الاقتران لا التأثير السببي وخالفوا بذلك الحس والعقل والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء بل أضحكوا عليهم العقلاء والصواب ان ههنا قسما ثالثا غير ما ذكره السائل وهو أن هذا المقدور قدر بأسباب ومن أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردا عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتي العبد بالسبب وقع المقدور ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالاكل والشرب وقدر الولد بالوطيء وقدر حصول الزرع بالبذر وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه وكذلك قدر دخول الجنة بالاعمال ودخول النار بالاعمال وهذا القسم هو الحق وهذا الذي حرمه السائل ولم يوفق له وحينئذ فالدعاء من أقوى الاسباب فاذا قدر وقوع المدعو به بالدعاء لم يصح أن يقال لا فائدة في الدعاء كما لا يقال لا فائدة في الاكل والشرب وجميع الحركات والاعمال وليس شيء من الأسباب أنفع من الدعاء ولا أبلغ في حصول المطلوب ولما كان الصحابة رضى الله عنهم أعلم الامة بالله ورسوله وأفقههم في دينه كانوا أقوم بهذا السبب وشروطه وآدابه من غيرهم وكان عمر رضى الله عنه يستنصر به على عدوه وكان أعظم جنده وكان يقول للصحابه لستم تنصرون بكثرة وانما تنصرون من السماء وكان يقول اني لا أحمل هم الاجابة ولكن هم الدعاء فاذا ألهمت الدعاء معه فان الاجابة معه وأخذ هذا الشاعر فنظمه فقال
لو لم ترد نيل ما أرجوه وأطلبه ... من جود كفيك ما علمتنى الطلبا
فمن ألهم الدعاء فقد أريد به الاجابة فان اله سبحانه يقول إدعوني أستجب لكم وقال وإذا سألك عبادي عنى فأني قريب أجيب دعوة الداع أذا دعان وفى سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من لم يسأل الله يغضب عليه وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته وإذا رضى الرب تبارك وتعالى فكل خير فى رضاه كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه وقد ذكر الامام أحمد في كتاب الزهد أثرا أنا الله لا إله إلا أنا إذا رضيت باركت وليس لبركتي منتهى وإذا غضبت لعنت ولعنتى تبلغ السابع من الولد وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الامم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب الى رب العالمين وطلب مرضاته والبر والاحسان الى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير واضدادها من أكبر الاسباب الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم الله واستدفعت نقمة الله بمثل طاعته والتقرب اليه والاحسان الى خلقه وقد رتب الله سبحانه حصول الخيرات في الدنيا والآخرة وحصول السرور في الدنيا والآخرة في كتابه على الاعمال ترتيب الجزاء
على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرآن يزيد على ألف موضع فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني والأمر الشرعى على الوصف المناسب له كقوله تعالى فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وقوله فلما آسفونا انتقمنا منهم وقوله والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا وقوله ان المسلمين والمسلمات الى قوله والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما وهذا كثير جدا وتارة ترتبه عليه بصيغة الشرط والجزاء كقوله تعالى ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيآتكم ويغفر لكم وقوله وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا وقوله فان تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فاخوانكم في الدين ونظائره وتارة يأتي بلام التعليل كقوله ليتدبروا آياته وليتذكر أولوا الالباب وقوله لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وتارة يأتي باداة كى التي للتعليل كقوله كيلا يكون دولة بين الاغنياء منكم وتارة يأتي بباء السببية كقوله تعالى ذلك بما قدمت أيديكم وقوله بما كنتم تعملون وبما كنتم تكسبون وقوله ذلك بأنهم كفروا بآياتنا وتارة يأتى بالمفعول لاجله ظاهرا أو محذوفا كقوله فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وكقوله تعالى أن تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين وقوله أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا أى كراهة أن تقولوا وتارة يأتي بفاء السببية كقوله فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها وقوله فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية وقوله فكذبوهما فكانوا من المهلكين ونظائره وتارة يأتي باداة لما الدالة على الجزاء كقوله فلما آسفونا انتقمنا منهم ونظائره وتارة يأتي بأن وما علمت فيه كقوله انهم كانوا يسارعون في الخيرات وقوله فى ضد هؤلاء إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين وتارة يأتي بأداة لولا الدالة على ارتباط ما قبلها بما بعدها كقوله فلولاانه كان من المسيحين للبث وفي بطنه الى يوم يبعثون وتارة يأتي بلو الدالة على الشرط كقوله ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وبالجملة فالقرآن من أوله الى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر والاحكام الكونية والامرية على الاسباب بل ترتب احكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الاسباب والاعمال ومن تفقه في هذه المسئلة وتأملها حق التأمل انتفع بها غاية النفع ولم يتكل على القدر جهلا منه وعجزا وتفريطا وإضاعة فيكون توكله عجزا وعجزه توكلا بل الفقيه كل الفقيه الذي يرد القدر بالقدر ويدفع القدر بالقدر ويعارض القدر بالقدر بل لا يمكن الانسان ان يعيش الا بذلك فان الجوع والعطش والبرد وأنواع المخاوف والمحاذير هي من القدر والخلق كلهم ساعون في دفع هذا القدر بالقدر وهكذا من وفقه الله وألهمه
رشده يدفع قدر العقوبة الاخروية بقدر التوبة والايمان والاعمال الصالحة فهذا وزن المخوف في الدنيا وما يضاده فرب الدارين واحد وحكمته واحدة لا يناقض بعضها بعضا ولا يبطل بعضها بعضا فهذه المسألة من اشرف المسائل لمن عرف قدرها ورعاها حق رعايتها والله المستعان لكن يبقى عليه أمران بهما تتم سعادته وفلاحه أحدهما أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه من أخبار الامم قديما وحديثا ومن أنفع ما في ذلك تدبر القرآن فإنه كفيل بذلك على أكمل الوجوه وفيه أسباب الخير والشر جميعا مفصلة مبينة ثم السنة فإنها شقيقة القرآن وهي الوحي الثاني ومن صرف إليهما عنايته اكتفى بهما من غيرهما وهما يريانك الخير والشر وأسبابهما حتى كانك تعاين ذلك عيانا وبعد ذلك فإذا تأملت أخبار الامم وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته طابق ذلك ما علمته من القرآن والسنة ورأيته بتفاصيل ما أخبر الله به ووعد به وعلمت من آياته في الآفاق ما يدلك على أن القرآن حق وأن الرسول حق وأن الله ينجز وعده لا محالة فالتاريخ تفصيل لجزئيات ما عرفنا الله ورسوله من الأسباب الكلية للخير والشر
فصل الأمر الثاني أن يحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب وهذا من أهم
الأمور فان العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا جد ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة وبالتشويف بالتوبة والاستغفار باللسان تارة وبفعل المندوبات تارة وبالعلم تارة وبالاحتجاج بالقدر تارة وبالاحتجاج بالاشباه والنظراء تارة وبالاقتداء بالأكابر تارة وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال أستغفر الله زال أثر الذنب وراح هذا بهذا وقال لى رجل من المنتسبين الى الفقه أنا أفعل ما أفعل ثم أقول سبحان الله وبحمده مائة مرة وقد غفر ذلك أجمعه كما صح عن النبي أنه قال من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر وقال لي آخر من أهل مكة نحن أحدنا إذا فعل ما فعل ثم اغتسل وطاف بالبيت أسبوعا قد محي عنه ذلك وقال لي آخر قد صح عن النبي أنه قال أذنب عبد ذنبا فقال أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر الله ذنبه ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فقال الله تعالى علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليصنع ما شاء وقال أنا لا أشك أن لي ربا يغفر الذنب ويأخذ به وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء واتكل عليها
وتعلق بها بكلتا يديه واذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغرته ونصوص الرجاء وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب كقول بعضهم وكثر مااستطعت من الخطايا اذا كان القدوم على كريم وقول بعضهم التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله وقال الآخر ترك الذنوب جراءة على مغفرة الله واستصغارا لها وقال محمد بن حزم رأيت بعض هؤلاء من يقول في دعائه اللهم اني أعوذ بك من العصمة ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبروان العبد لافعل له البتة ولا إختيار وإنما هو مجبور على فعل المعاصي ومن هؤلاء من يغتر بمسألة الا رجاء وأن الايمان هو مجرد التصديق والاعمال ليست من الايمان وأن ايمان أفسق الناس كايمان جبريل وميكائيل ومن هؤلاء من يغتر بمحبة الفقراء والمشايخ والصالحين وكثرة التردد إلي قبورهم والتضرع إليهم والاستشفاع بهم والتوسل الى الله بهم وسؤاله بحقهم عليه وحرمتهم عنده ومنهم من يغتر بآبائه وأسلافه وأن لهم عند الله مكانة وصلاحا فلا يدعون أن يخلصوه كما يشاهد في حضرة الملوك فإن الملوك تهب لخواصهم ذنوب أبنائهم وأقاربهم وإذا وقع أحد منهم في أمر مفظع خلصه أبوه وجده بجاهه ومنزلته ومنهم من يغتر بان الله تعالى غنى عن عذابه وعذابه لايزيد في ملكه شيئا ورحمته له لاينقص من ملكه شيئا فيقول أنا مضطر إلى رحمته وهو أغني الاغنياء ولو أن فقيرا مسكينا مضطرا الى شربة ماء عند من في داره شط يجري لما منعه منها فالله أكرم وأوسع فالمغفرة لاتنقصه شيئا والعقوبة لاتزيد في ملكه شيئا ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا عليه كاتكال بعضهم على قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قال وهو لايرضى أن يكون في النار أحد من أمته وهذا من أقبح الجهل وأبين الكذب عليه فانه يرضى بما يرضى به ربه تعالى والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر فحاشا رسوله أن يرضى بما لايرضى به ربه تبارك وتعالى وكاتكال بعضهم على قوله تعالى ان الله يغفر الذنوب جميعا وهذا أيضا من أقبح الجهل فان الشرك داخل في هذه الآية فانه رأس الذنوب وأساسها ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين فانه يغفر ذنب كل تائب أي ذنب كان ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة وهذا إنما أوتي صاحبه من قلة علمه وفهمه فانه سبحانه ههنا عمم وأطلق فعلم أنه أراد التائبين وفي سورة النساء خصص وقيد فقال إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فاخبر الله سبحانه أنه لايغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره وكاغترار بعض الجهال بقوله
تعالى يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم فيقول كرمه وقد يقول بعضهم انه لقن المغتر حجته وهذا جهل قبيح وانما غره بربه الغرور وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسؤ وجهله وهواه وأني سبحانه بلفظ الكريم وهو السيد العظيم المطاع الذي لاينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه فوضع هذا المغتر الغرور فى غير موضعه واغتر بمن لاينبغي الاغترار به وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار لايصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقوله أعدت للكافرين ولم يدر هذا المغتر ان قوله فأنذرتكم نارا تلظى هي النار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لايدخلها بل قال لايصلاها الا الاشقى ولا يلزم من عدم صليها عدم دخولها فان الصلى أخص من الدخول ونفي الاخص لا يستلزم نفى الأعم ثم هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها فلا يكون مضمونا له ان يجنبها وأما قوله في النار أعدت للكافرين فقد قال في الجنة أعدت للمتقين ولا ينافى إعداد النار للكافرين أن تدخلها الفساق والظلمة ولا ينافى إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من فى قلبه أدني مثقال ذرة من ايمان ولم يعمل خيرا قط وكأغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتي يقول بعضهم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الاجر ولم يدر هذا المغتران صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما اذا اجتنبت الكبائر فرمضان والجمعة الى الجمعة لايقويا على تكفير الصغائر الا مع انضمام ترك الكبائر اليها فيقوي مجموع الامرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لايمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فاذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الاصرار وتعاونا على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعلم أن جعل الشىء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل وكاتكال بعضهم على قوله حاكيا عن ربه أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء يعني ما كان في ظنه فانا فاعله به ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الاحسان فان المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وابما المسىء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فان وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه
من حسن الظن بربه وهذا موجود فى الشاهد فان العبد الآبق المسي الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ولا يجامع وحشة الاساءة إحسان الظن ابدا فان المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري ان المؤمن أحسن الظن بربه فاحسن العمل وان الفاجر أساء الظن بربه فاساء العمل فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه حال مرتحل في ساخطه ! وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فاضاعه وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه وكيف يحسن الظن به من بارزه بالمحاربة وعادى اولياءه ووالى اعداءه وجحد صفات كما له وأساء الظن بما وصف به نفسه ووصفته به رسله وظن بجهله ان ظاهر ذلك ضلال وكفر وكيف يحسن الظن ببه من يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات وهو السر من القول وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أراداكم فاصبحتم من الخاسرين فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا اساءة لظنهم بربهم فارداهم ذلك الظن وهذا شأن كل من جحد صفات كما له ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به فاذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه وتسويلا من الشيطان الاحسان ظن بربه فتأمل هذا الموضوع وتأمل شدة الحاجة اليه وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بانه ملاقى الله وأن الله يسمع ويري مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لاوامره معطل لحقوقه وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا الامن خدع النفوس وغرور الاماني وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حليف دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت لو رأيتما رسول الله في مرض له وكانت عندي ستة دنانير أو سبعة فأمرني رسول الله أن أفرقها قالت فشغلني وجع رسول الله حتي عافاه الله ثم سألني عنها فقال ما فعلت أكنت فرقت الستة الدنانير فقلت لا والله لقد شغلني وجعك قالت فدعا بها فوضعها في كفه فقال ما ظن نبى الله لو لقي الله وهذه عنده وفي لفظ ما ظن محمد بربه لو لقى الله وهذه عنده فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله اذا لقوه ومظالم العباد عندهم فان كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك لم يعذب ظالم ولا فاسق فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فان النار لا تمسه فسبحان الله ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال ابراهيم لقومه إفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن
بالله هو حسن العمل نفسه فان العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقلها منه فالذي حمله على العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه حسن عمله والا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز كما في الترمذي والمسند من حديث شداد ابن أوس عن النبي الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز معن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وإما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي احسان الظن فان قيل بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وان رحمته سبقت غضبه وانه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل الامر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فانه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته واوقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن والاول غرور والله المستعان ولا تستبطل هذا الفصل فان الحاجة اليه شديدة لكل أحد ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغرة به قال الله تعالى ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله فجعل هؤلاء أهل الرجا لا الظالمين والفاسقين وقال تعالى ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم فاخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه
فصل وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه وضيعوا أمره
ونهيه ونسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ومن اعتمد على العفو مع الاصرار على الذنب فهو كالمعاند وقال معروف رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق وقال بعض العلماء من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا وقيل للحسن نراك طويل البكاء فقال أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي وسأل رجل الحسن فقال يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تنقطع فقال والله لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى
تلحقك المخاوف وقد ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق اقتاب بطنه فيدور في النار كما يدور الحمار برحاه فيطوف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وذكر الامام أحمد من حديث أبي رافع قال مر رسول الله بالبقيع فقال أف لك أف لك فظننت أنه يريدني قال لا ولكن هذا قبر فلان بعثته ساعيا الى آل فلان فغل نمرة فدرع الآن مثلها من نار وفي مسنده أيضا من حديث أنس بن مالك قال قال رسول الله مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء قالوا خطباء من أمتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم أفلا يعقلون وفيه أيضا من حديثه قال قال رسول الله لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وفيه أيضا عنه قال كان رسول الله يكثر أن يقول يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال نعم ان القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء وفيه أيضا عنه أن رسول الله قال لجبريل مالي لم أر ميكائيل ضاحكا قط قال ما ضحك منذ خلقت النار وفي صحيح مسلم عنه قال قال رسول الله يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له يابن آدم هل رأيت خيرا قط هل مربك نعيم قط فيقول لا والله يارب ويؤتي باشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبح في الجنة صبغة فيقال له يابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يارب ما مربي بؤس قط ولا رأيت شدة قط وفي المسند من حديث البراء بن عاذب قال خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الانصار فانتهينا الى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأن على رؤسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الارض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلثا ثم قال ان العبد المؤمن اذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل اليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كان وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان أهل الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجىء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أخرجي ايتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فيأخذها فاذا أخذها
لم يدعوها في يده طرفة عين حتي يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفخة مسك وجدت على وجه الارض فيصعدون بها فلايمرون بها على ملأ من الملائكة ألا قالوا ماهذه الروح الطيبة فيقولون فلان بن فلان باحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها حتي ينتهي به الي السماء السابعة فيقول الله تعالى أكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه الى الارض فاني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخري قال فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله تعالى فيقولان له مادينك فيقول ديني الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو محمد رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله تعالى فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة والبسوه من الجنة وأفتحوا له بابا الى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قال ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر يسرك بالذي هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة سقط ثم رب أقم الساعة حتي أرجع الي أهلي ومالي قال وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل اليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجىء ملك الموت حتي يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبتل فيأخذها فاذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذه الروح الخبيثة فيقولون فلان بن فلان باقبح أسمائه التى كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله لاتفتح لهم أبواب السماء ولايدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط فيقول الله تعالى أكتبوا كتابه في سجين في الارض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي منا دمن السماء أن كذب عبدي فافرشوا له من النار والبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه
قبره حتي تختلف فيه اضلاعه ويأتيه رجل قبيح الرجل قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذى كنت توعد فيقول ومن أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا نقم الساعة وفي لفظ لاحمد ايضا ثم يقبض له أعمي أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبلا كان ترابا فيضربه ضربة فيصير ترابا ثم يعيده الله تعالى كما كان فيضربه ضربة أخري فيصيح صيحة يسمعها كل شيء الا الثقلين قال البراء ثم يفتح له باب الى النار ويمهد له من فرش النار وفي المسند أيضا عنه قال بينما نحن مع رسول الله إذا أبصرا بجماعة فقال على ما اجتمع هؤلاءقيل على قبر يحفرونه ففزع رسول الله فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتي انتهي الي القبر فجثي على ركبتيه فاستقبلته من بين يديه لأنظر مايصنع فبكى حتي بل الثري من دموعه ثم أقبل علينا فقال أي إخواني لمثل هذا اليوم فاعدوا وفي المسند من حديث بريدة قال خرج الينا رسول الله يوما فنادى ثلاث مرات يا أيها الناس أتدرون ما مثلى ومثلكم فقالوا الله ورسوله أعلم فقال إنما مثلى ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فابصر العدو فاقبل لينذرهم وخشى أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فاهوي بثوبه أيها الناس أتيتم أيها الناس أتيتم ثلاث مرات وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال قال رسول الله كل ماأسكر حرام وإن على الله عزوجل عقدا لمن شرب المسكر ان يسقيه من طينة الخبال قيل وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار وفي المسند أيضا من حديث أبي ذر قال قال رسول الله أري مالاترون وأسمع مالا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع الا وعليه ملك يسبح الله ساجدا لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجاورن الى الله تعالى قال أبو ذر والله لوددت أني شجرة تعضد وفي المسند أيضا من حديث حذيفة قال كنا مع رسول الله في جنازة فلما انتهينا الي القبر قعد على ساقيه فجعل يردد بصره فيه ثم قال يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر نارا والحمائل عروق الأنثيين وفي المسند أيضا من حديث جابر قال خرجنا مع رسول الله الى سعد بن معاذ حين توفى فلما صلى عليه رسول الله ووضع في قبره وسوى عليه سبح رسول الله فسبحنا طويلا ثم كبر فكبرنا فقيل يا رسول الله لما سبحت ثم كبرت فقال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على
أعناقهم فان كانت صالحة قالت قدموني وان كانت غير صالحة قالت ياويلها أين تذهبون بها يسمع صوتها كل شىء الا الانسان ولو سمعها الانسان لصعق وفي مسند أحمد من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله تدنوا الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها كذا وكذا تغلي منها الرؤس كما تغلي القدور يعرقون فيها على قدر خطاياهم منهم من يبلغ الى كعبة ومنهم من يبلغ الى ساقيه ومنهم من يبلغ الى وسطه ومنهم من يلجمه العرق وفيه عن ابن عباس عن النبي قال كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ فقال أصحابه كيف نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا وفي المسند أيضا عن ابن عمر يرفعه من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقى الله وهو عليه غضبان وفي الصححين عنه قال قال رسول الله ان المصورين يعذبون يوم القيامة ويقال لهم احيوا ما خلقتم وفيه أيضا عنه عن النبي إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الغداة والعشى إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتي يبعثك الله تعالى يوم القيامة وفيهما أيضا عنه عن النبي إذا صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار جيء بالموت حتي يوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت فيزداد أهل الجنة فرحا الي فرحهم ويزداد أهل النار حزنا الي حزنهم وفي المسند عنه قال من اشتري ثوبا بعشرة دراهم فيها درهم حرام لم يقبل الله له صلوة مادام عليه ثم أدخل أصبعيه في أذنيه ثم قال صمتا إن لم أكن سمعت النبي يقول وفيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ومن ترك الصلوة سكرا أربع مرات كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل وما طينة الخبال يارسول الله قال عصارة أهل جهنم وفيه أيضا عنه مرفوعا من شرب الخمر شربة لم تقبل له صلوة أربعين صباحا فان تاب تاب الله عليه فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال فان عاد كان حقا على الله أن يسقيه من روغة الخبال يوم القيامة وفي المسند أيضا من حديث أبي موسى قال قال رسول الله من مات مدمنا للخمر سقاه الله من نهر الغوطة قيل وما نهر الغوطة قال نهر يجري من فروج المؤمنات يؤذي أهل النار ريح فروجهن وفيه أيضا عنه قال قال رسول الله تعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فاما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الايدي فأخذ بيمينه وآخذ بشماله وفي المسند أيضا من
حديث بن مسعود أن رسول الله قال إياكم ومحقرات الذنوب فانهن يجتمعن علي الرجل حتي يهلكنه وضرب لهن رسول الله مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا وانضجوا ماقذفوا فيها وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله يضرب الجسر على جهنم فأكون أول من يجوز ودعوى الرسول يومئذ اللهم سلم سلم وحافتيه كلاليب مثل شوك السعدان ان يختطف الناس باعمالهم فمنهم الموثق بعمله ومنهم المخدوش ثم ينجوا حتى اذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد ان يخرج من النار من أراد أن يرحم ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوه فيعرفونه بعلامة أثر السجود وحرم الله على النار ان تأكل من ابن آدم أثر السجود فيخرجونهم وقد امتحشوا فيصب عليهم من ماء يقال له ماء الحيوة فينبتون نبات الحبة في حميل المسيل وفي صحيح مسلم عنه قال سمعت رسول الله يقول ان اول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة رجل استشهد فاني به فعرفه نعمة فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فيك حتي قتلت قال كذبت ولكن قاتلت ليقال هو جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتي ألقى في النار ورجلي تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علملت فيها قال تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن فقال كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قاريء فقد قيل ثم أمر به فسخب على وجهه حتي ألقي في النار ورجل وسع الله عليه رزقه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها الا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار وفي لفظ فهؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة وسمعت شيخ الاسلام يقول كما أن خير الناس الانبياء فشر الناس من تشبه بهم من الكذابين وأدعي أنه منهم وليس منهم فخير الناس بعدهم العلماء والشهداء والصديقون والمخلصون فشر الناس من تشبه بهم يوهم أنه منهم وليس منهم وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي من كانت عنده لأخيه مظلمة في مال أو عرض فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده دينار ولا درهم فان كانت له حسنات أخذ من حسناته فاعطيها هذا والا أخذ من سيئات هذا فطرحت عليه ثم طرح في النار وفي الصحيح من حديث أبي هريرة عنه من أخذ شبرا من الارض بغير حقه خسف به يوم القيامة الى سبع أرضين وفي الصحيحين عنه قال قال
رسول الله ناركم هذه التي توقد بنوا آدم جزء واحد من سبعين جزأ من نار جهنم قالوا والله ان كانت الكافية قال فانها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزأ كلهن مثل حرها وفي المسند عن معاذ قال أوصاني رسول الله فقال لاتشرك بالله شيئا وان قتلت أو حرقت ولاتعقن والديك وان أمراك ان تخرج من مالك وأهلك ولاتتركن صلوة مكتوبة متعمدا فان من ترك صلوة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ولاتشرب خمرا فانه رأس كل فاحشة وإياك والمعصية فان المعصية تحل سخط الله والاحاديث في هذا الباب أضعاف أضعاف ماذكرنا فلا ينبغي لمن نصح نفسه أن يتعامى عنها ويرسل نفسه في المعاصي ويتعلق بحسن الرجاء وحسن الظن قال أبو الوفاء بن عقيل أحذر ولا تغتر فانه قطع اليد في ثلاثة دراهم وجلد الحد في مثل رأس الابرة من الخمر وقد دخلت المرأة النار في هرة واشتعل الشملة نارا على من غلها وقد قتل شهيدا وقال الامام أحمد ثنا معاوية ثنا الاعمش عن سليمان بن مسيرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال دخل رجل الجنة في ذباب ودخل رجل النار في ذباب قالوا وكيف ذلك يا رسول الله قال مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتي يقرب له شيئا فقال لأحدهما قرب فقال ليس عندي شيء قالوا قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلو سبيله فدخل النار وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت أقرب شيئا دون الله تعالى فضربوا عنقه فدخل الجنة وهذه الكلمة الواحدة يتكلم بها العبد يهوى بها فى النار أبعد مابين المشرق والمغرب وربما اتكل بعض المغترين على ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا وأنه يغتربه ويظن أن ذلك من محبة الله له وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك فهذا من الغرور قال الامام أحمد ثنا يحي بن غيلان ثنا رشد بن سعد عن حرملة بن عمران النحبيبي ! عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي قال إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فانما هو استدراج ثم تلى قوله عزوجل فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتي إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون وقال بعض السلف إذا رأيت الله تعالى يتابع عليك نعمة وأنت مقيم علي معاصيه فاحذره فانما هو استدراج منه يستدرجك به وقد قال تعالى ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين وقد رد سبحانه على من يظن هذا الظن بقوله فاما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقد عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا أي ليس كل من أنعمته ووسعت
عليه رزقه أكون قد أكرمته وليس كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه أكون قد اهنته بل أبتلى هذا بالنعم وأكرم هذا بالابتلاء وفي جامع الترمذي عنه إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الايمان إلا من يحب وقال بعض السلف رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم فصل
وأعظم الخلق غزورا من اغتر بالدنيا وعاجلها فأثرها على الآخرة ورضي بها من الآخرة حتى يقول بعض هؤلاء الدنيا نقد والآخر نسيئة والنقد أنفع من النسيئة ويقول بعضهم درة منقودة ولادرة موعودة ويقول آخر منهم لذات الدنيا متيقنة ولذات الآخرة مشكوك فيها ولا أدع اليقين للشك وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله والبهائم العجم أعقل من هؤلاء فان البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر اليه وهو بين مصدق ومكذب فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم وإن لم يؤمن بالله ورسوله فا بعد له وقول هذا القائل النقد خير من النسيئة فجوابه انه اذا تساوي النقد والنسيئة فالنقد خير وان تفاوتا وكانت النسيئة أكبر وأفضل فهي خير فكيف والدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال رسول الله ما الدنيا في الآخرة الا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع فايثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل واذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها الى الآخرة فما مقدار عمر الانسان بالنسبة الى الآخرة فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ولانهاية لعدده ولاغاية لأمده وأما قول الآخر لا أترك متيقنا لمشكوك فيه فيقال له إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله أو تكون على اليقين من ذلك فان كنت على اليقين فما تركت الا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب لأنه متيقن لأشك فيه ولا انقطاع له وان كنت على شك فتأمل آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به عنه وتجرد وقمم لله ناظرا أو مناظرا حتي يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لاشك فيه وان خالق هذا العالم هو رب
السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما اخبرت به رسله عنه ومن نسبه الى غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه اذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليسة أن يكون الملك الحق عاجزا أو جاهلا لا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهي ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ولا يعتني باحوال رعيته بل يتركهم سدي ويخليهم هملا ولهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولايليق به فكيف يجوز نسبه الملك الحق المبين اليه واذا تأمل الانسان حاله من مبدأ كونه نطفة الى حين كماله واستوائه تبين له ان من عني به هذه العناية ونقله الى هذه الأحوال وصرفه في هذه الأطوار لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى لا يأمر ولا ينهاه ولا يعرفه بحقوقه عليه ولا يثيبه ولا يعاقبه ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره دليلا له على التوحيد والنبوة والمعاد وأن القرآن كلامه وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب إيمان القرآن عند قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول رسول كريم وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وأن الانسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده وصدق رسله وإثبات صفات كماله فقد بان بان المضيع مغرور على التقديرين تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه فان قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذى لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل وهل في الطباع البشرية ان يعلم العبد انه مطلوب غدا الى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة أو يكرمه أتم كرامة ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ولا يستعد له ولا يأخذ له أهبة قيل هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق واجتماع هذين الامرين من أعجب الاشياء وهذا التخلف له عدة أسباب أحدها ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الاقوال وأبطلها وقد سأل ابراهيم الخليل ربه أن يريه أحياء الموتي عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة وقد روى أحمد في مسنده عن النبي انه قال ليس الخبر كالمعاين فاذا اجتمع الى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب كثيرا من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم الى ذلك تقاضي الطبع وغلبات الهوي واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد وطول الامل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل والف العوائد فهناك لا يمسك الايمان في القلب الا الذي يمسك السموات والارض أن تزولا وبهذا السبب يتفاوت الناس في الايمان والاعمال حتى ينتهي الى أدني مثقال ذرة في القلب وجماع هذه الاسباب يرجع الى ضعف
البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
فصل وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور وان حسن الظن ان حمل
على العمل وحث عليه وساعده وساق اليه فهو صحيح وان دعا الى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور وحسن الظن هو الرجاء فمن كان رجاؤه جاذبا له على الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فاهملها ولم يبذرها ولم يحرثها وأحسن ظنه بأنه يأتى من مغلها ما يأتي من غير حرث وبذر وسقي وتعاهد الارض لعده الناس من أسفه السفهاء وكذلك لو حسن ظنه وقوى رجاءه بانه يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام عليه وأمثال ذلك فكذلك من حسن ظنه وقوى رجاؤه في الفوز بالدرجات العلي والنعيم المقيم من غير طاعة ولا تقرب الى الله تعالى بأمتثال أوامره واجتناب نواهيه وبالله التوفيق وقد قال الله تعالى أن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله فتأمل كيف جعل رجاءهم باتيانهم بهذه الطاعات وقال المغترون ان المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لاوامره الباغين على عباده المتجزئين على محارمه أولئك يرجون رحمة الله وسر المسئلة ان الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الاتيان بالاسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ويرجوه أن لايكله إليها وأن يجعلها موصلة الى ما ينفعه ويصرف ما يعرضها ويبطل أثرها
فصل ومما ينبغي أن يعلم أن من رجا شيئا رجاؤه ثلاثة أمور أحدها
محبته ما يرجوه الثاني خوفه من فواته الثالث سعيه في تحصيله بحسب الامكان وأما رجاء لايقارنه شيء من ذلك فهو من باب الاماني والرجاء شيء والاماني شيء آخر فكل راج خائف والسائر على الطريق اذا خاف أسرع السير مخافة الفوات وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله من خاف أدلج ومن آدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالبة ألا إن سلعة الله الجنة وهو سبحانه كما جعل الرجاء لاهل الاعمال الصالحة فكذلك جعل الخوف لاهل الاعمال الصالحة فعلم ان الرجاء والخوف النافع هو ما اقترن به العمل
قال الله تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يوتون ما أتوا وقلوبهم وجلة إنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون وقد روى الترمذي في جامعه عن عائشة رضى الله عنها قالت سألت رسول الله عن هذه الآية فقلت أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرفون فقال لا يا إبنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات وقد روى من حديث أبى هريرة أيضا والله سبحانه وصف أهل السعادة بالاحسان مع الخوف ووصف الاشقياء بالاساءة مع الامن ومن تأمل أحوال الصحابة رضى الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والامن فهذا الصديق يقول وددت اني شعرة في جنب عبد مؤمن ذكره أحمد عنه وذكر عنه أيضا انه كان يمسك بلسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان يبكى كثيرا ويقول أبكوا فان لم تبكوا فتباكوا وكان اذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله تعالى واتي بطائر يقلبه ثم قال ما صيد من صيد ولا قطعت من شجرة الا بما ضيعت من التسبيح ولما احتضر قال لعائشة يا بنية اني أصبت من مال المسلمين هذه العبادة وهذه الحلاب وهذا العبد فاسرعى به إلى بن الخطاب وقال والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد وقال قتادة بلغني ان أبا بكر قال ليتني خضرة تأكلني الدواب وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله إن عذاب ربك لواقع فبكى وإشتد بكاؤه حتي مرض وعادوه وقال لابنه وهو في الموت ويحك ضع خدي على الأرض عاد ! أن يرحمني ثم قال ويل أمي إن لم يغفر الله لي ثلاثا ثم قضى وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتختفه فيبقى في البيت أياما ويعاد ويحسبونه مريضا وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء وقال له ابن عباس مصر الله بك الامصار وفتح بك الفتوح وفعل وفعل فقال وددت اني أنجو لا أجر ولا وزر وهذا عثمان بن عفان كان اذا وقف على القبر يبكى حتى تبل لحيته وقال لو اننى بين الجنة والنار لا أدري الى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير وهذا على بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه وكان يشتد خوفه من أثنتين طول الامل واتباع الهوي قال فاما طول الامل فينسي الآخرة وأما إتباع الهوي فيصد عن الحق ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولاتكونوا من أبناء الدنيا فان اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولا عمل وهذا أبو الدرداء
كان يقول إن أشد ما أخاف على نفسى يوم القيامة أن يقال يا أبا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت وكان يقول لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ولادخلتم بيتا تستظلون فيه ولخرجتم الى الصعدات تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل وهذا عبد الله بن عباس كان أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع وكان أبو ذر يقول ياليتني كنت شجرة تعضد وودت أني لم أخلق وعرضت عليه النفقة فقال عندنا عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ومحرر يخدمنا وفضل عباءة وإني أخاف الحساب فيها وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتي على هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات جعل يرددها ويبكى حتي أصبح وقال أبو عبيدة بن الجراح وددت أني كبش فذبحني أهلى وأكلوا لحمي وحسوا مرقى وهذا باب يطول تتبعه قال البخاري في صحيحه باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر وقال ابراهيم التيمي ما عرضت قولي على عملي الاخشيت أن أكون مكذبا وقال بن أبي مليكة ادركت ثلثين من اصحاب النبي كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول انه على ايمان جبريل وميكائيل ويذكر عن الحسن ماخافه الا مؤمن ولا أمنه الا منافق وكان عمر بن الخطاب يقول لحذيفة أنشدك الله هل سمانى لك رسول الله يعني في المنافقين فيقول لا ولا أزكى بعدك احدا فسمعت شيخنا يقول مراده اني لا أبرىء غيرك من النفاق بل المراد انى لا أفتح على هذا الباب فكل من سألني هل سمانى لك رسول الله فأزكيه قلت وقريب من هذا قول النبي للذي سأله ان يدعو له أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب سبقك بها عكاشة ولم يرد أن عكاشة أن وحده أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ولكن لو دعا لقام آخر وآخر وانفتح الباب وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم فكان الامساك أولى والله أعلم
فصل فلنرجع الى ما كنا فيه مما ذكرنا من ذكر دواء الداء الذي إن
استمر أفسد دنيا العبد وآخرته فما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصى تضر ولا شك أن ضررها فى القلوب كضرر السموم في الابدان على إختلاف درجاتها في الضرر وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء الأسببه الذنوب والمعاصى فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور الى دار الآلام والاحزان والمصائب وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء
وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع وبدل بالقرب بعدا وبالرحمة لعنة وبالجمال قبحا وبالجنة نارا تلظى وبالايمان كفرا وبموالات الولى الحميد أعظم عداوة ومشاقة وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان فهان على الله غاية الهوان وسقط من عينه غاية السقوط وحل عليه غضب الرب تعالى فاهواه ومقته أكبر المقت فأرداه فصار قوادا لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وإرتكاب نهيك وماالذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى القتهم موتي على وجه الارض كأنهم أعجاز نخل خاوية ودمرت مامر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم حتى صاروا عبرة للامم الى يوم القيامة وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتي قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم وماالذي رفع قرى اللوطية حتي سمعت الملائكة نبيح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فاهلكم جميعا ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم ولاخوانهم أمثالها وما هي من الظالمين ببعيد وما الذي أرسل علي قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل فلما صار فوق رؤسهم أمطر عليهم نارا تلظى وما الذى أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالاجساد للغرق والارواح للحرق وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بانواع العقوبات ودمرها تدميرا وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتي خمدوا عن آخرهم وما الذي بعث على بنى إسرائيل قوما أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فاهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علو تتبيرا وما لذي سلط عليهم بانواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ومرة بجور الملوك ومرة بمسخهم قردة وخنازير وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال الامام أحمد ثنا الوليد بن مسلم ثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم الى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكى فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله تعالى إذا أضاعوا أمره بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا الي ما ترى وقال على بن الجعذنا شعبة عن عمرو ابن مرة قال سمعت
ابا البختري يقول اخبرني من سمع النبي يقول لن يهلك الناس حتي يعذروا من أنفسهم وفي مسند أحمد من حديث أم سلمة قالت سمعت رسول يقول اذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده فقلت يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون قال بلى قلت كيف يصنع باؤلئك قال يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون الى مغفرة من الله ورضوان وفي مراسيل الحسن عن النبي لاتزال هذه الامه تحت يد الله وفى كنفه ما لم يمال قراؤها امراءها وما لم يزك صلحاؤها فجارها وما لم يهن خيارها شرارها فاذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسومونهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر وفي المسند من حديث ثوبان قال قال رسول الله إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وفيه أيضا عنه قال قال رسول الله يوشك أن تداعي عليكم الامم من كل أفق كما تداعي الأكلة على قصعتها قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل تنزع المهابة من قلوب عدوكم وتجعل في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن قال حب الحياة وكراهة الموت وفى المسند من حديث أنس قال قال رسول لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوهم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاءالذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم وفى جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى أبي تغترون وعلي تجترون في حلفت لابعثن على اؤلئك فتنة تدع الحليم منهم حيرانا وذكر أبن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال على يأتي على الناس زمان لا يبقى من الاسلام إلا إسمه ولا من القرآن إلا رسمه مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى علماؤهم أشر من تحت أديم السماء منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود وذكر من حديث سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه اذا ظهر الربا والزنا في قربة أذن الله تعالى بهلاكها وفى مراسيل الحسن اذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل وتحابوا بالالسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا بالارحارم لعنهم الله تعالى عند ذلك فاصمهم وأعمى أبصارهم وفي سنن ابن ماجة من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب قال كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله فا قبل علينا رسول الله بوجهه فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال وأعوذ بالله أن تدركوهن ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والاوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين
مضوا ولانقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة اموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم من غير فاخذوا بعض ما في ايديهم وما لم تعمل ائمتهم بما انزل الله فى كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبى عيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول ان من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيرا فقال يا هذا اتق الله فاذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كانه لم يره على خطيئة بالامس فلما رأي الله تعالى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذى نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق اطرا او ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال أوحي الله الى يوشع بن نون اني مهلك من قومك أربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم قال يارب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار قال إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران قال بعث الله تعالى ملكين الى قرية ان دمراها بمن فيها فوجدا فيها رجلا قائما يصلى فى مسجد فقالا يا رب ان فيها عبدك فلانا يصلي فقال الله تعالى دمراها ودمراه معهم فانه ما يتمعر وجهه في قط وذكر الحميدي عن سفيان بن عيينة قال حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر ان ملكا أمر أن يخسف قرية فقال يا رب ان فها فلانا العابد فاوحي الله اليه ان به فابدأ فانه لم يتمعر وجهه في ساعة قط وذكر ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال لما أصاب داود الخطيئة قال يا رب اغفر لي قال قد غفرت لك والزمت عارها بني اسرائيل قال يارب كيف وأنت الحكم العدل لاتظلم احدا أنا أعمل الخطيئة وتلزم علوها غيرى فاوحي الله اليه انك لما عملت الخطيئة لم يعجلوا عليك بالانكار وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر فقال لها الرجل يا ام المؤمنين حدثينا عن الزلزلة فقالت إذا استباحوا الزنا وشربوا الخمر وضربوا بالمعازف غار الله تعالى في سمائه فقال للارض تزلزلى بهم فان تابوا ونزعوا وإلا أهدمها عليهم قال يا أم المؤمنين أعذابا لهم قالت بل موعظة ورحمة للمؤمنين ونكالا وعذابا وسخطا على الكافرين فقال أنس ما سمعت حديثا بعد رسول أنا أشد فرحا مني بهذا الحديث وذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا ان الارض تزلزت على عهد رسول الله
فوضع يده عليها ثم قال اسكني فانه لم يأن لك بعد ثم التفت الى أصحابه فقال إن ربكم ليستعتبكم فاعتبره ثم تزلزلت بالناس على عهد عمر بن الخطاب فقال يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة الا عن شيء أحدثتموه والذى نفسي بيده لان عادت لا أساكنكم فيها ابدا وفي مناقب عمر لابن أبي الدنيا إن الارض تزلزلت على عهد عمر فضرب يده عليها وقال مالك مالك أما انها لو كانت القيامة حدثت أخبارها سمعت رسول الله يقول اذا كان يوم القيامة فليس فيها ذراع ولا شبر الا وهو ينطق وذكر الامام احمد عن صفية قالت زلزلت المدينة على عهد فقال ياليها الناس ما هذا اسرع ما أحدثتم لان عادت لا تجدوني فيها وقال كعب انما زلزلت الارض اذا عمل فيها بالمعاصي فترعدا فرقا من الرب تعالى أن يطلع عليها وكتب عمر بن عبد العزيز الى الامصار أما بعد فان هذا الرجف شيء يعاتب الله عزوجل به العباد وقد كتبت إلى سائر الامصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به فان الله تعالى قال قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقولوا كما قال آدم ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لتكونن من الخاسرين وقولوا كما قال نوح وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين وقولوا كما قال يونس لا إله إلا انت سبحانك إني كنت من الظالمين وقال الامام أحمد حدثنا اسود بن عامر ثنا ابو بكر عن الاعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر سمعت رسول الله يقولاذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا اذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتي يراجعوا دينهم ورواه أبو داود بإسناد حسن وذكر ابن أبى الدنيا من حديث ابن عمر قال لقد رأيتنا وما أحد أحق بديناره ودرهمه من اخيه المسلم ولقد سمعت رسول الله يقول اذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد في سبيل الله وأخذوا اذناب البقرة أنزل الله عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم وقال الحسن أن العينة والله ما هي الا عقوبة من الله تعالى على الناس ونظر بعض أنبياء بني إسرائيل الى ما يصنع بهم بختنصر فقال بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا وقال بخت نصر لدانيال ما الذي سلطني على قومك قال عظم خطيئتك وظلم قومي أنفسهم وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عمار بن ياسر وحذيفة عن النبي إن الله تعالى إذا أياد بالعباد نقمة أمات الاطفال
وأعقم أرحام النساء فتنزل النقمة وليس فيهم مرحوم وذكر عن مالك بن دينار قال قرأت في الحكمة يقول الله تعالى أنا الله مالك الملوك قلوب الملوك بيدى فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة فلا يشغلوا انفسكم بسب الملوك ولكن توبوا إلي أعطنهم عليكم وفي مراسيل الحسن إذا أراد الله بقوم خيرا جعل أمرهم الى حلمائهم وفيئهم عند سمحائهم واذا أراد بقوم شرا جعل أمرهم الى سفائهم وفيئهم عند بخلائهم وذكر الامام أحمد وغيره عن قتادة قال يونس يا رب أنت في السماء ونحن في الارض فما علامة غضبك من رضاك قال إذا استعملت عليكم خياركم فهو من علامة رضائي عليكم وإذا استعملت عليكم شراركم فهو من علامة سخطي عليكم وذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض قال أوحى الله الى بعض الانبياء إذا عصاني من يعرفنى سلطت عليه من لا يعرفني وذكر أيضا من حديث ابن عمر يرفعه والذى نفسي بيده لا تقوم الساعة حتي يبعث الله أمراء كذبه ووزراء فجرة وأعوانا خونة وعرفاء ظلمة وقراء فسقة سيماهم سيما الرهبان وقلوبهم أنتن من الجيف أهواؤهم مختلفة فيتيح الله لهم فتنة غبراء مظلمة فيتهاوكون فيها والذى نفس محمد بيده لينقضن الاسلام عروة عروة حتي لا يقال الله الله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم أشراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم وفي معجم الطبراني وغيره من حديث سعيد بن جبير عن بن عباس قال قال رسول الله ما طفف قوم كيلا ولا بخسوا ميزانا الا منعهم الله تعالى القطر وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضا إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف وما ترك قوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الالم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم ورواه ابن أبي الدنيا من حديث ابراهيم بن الاشعث عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن سعيد به وفى المسند وغيره من حديث عروة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله وقد حفزه النفس فعرفت في وجهه أن قد حفزه شىء فما تكلم حتى توضأ وخرج فلصقت بالحجرة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس اتقوا ربكم إن الله تعالى يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتستنصروني فلا أنصركم وتسألوني فلا أعطيكم وقال العمرى الزاهد أن من غفلتك عن نفسك وإعراضك عن الله أن تري ما يسخط الله فتتجاوزه ولا تأمر فيه
ولا تنهى عنه خوفا ممن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وقال من ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة من المخلوقين نزعت منه الطاعة ولو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف بحفه وذكر الامام أحمد في مسنده من حديث قيس بن أبي حازم قال قال أبو بكر الصديق يايها الناس أنكم تتلون هذه الآية وأنكم تضعونها على غير مواضعها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله يقول ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه وفي لفظ إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده وذكر الاوزاعى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا أخفيت الخطيئة فلا تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تضر غير العامة وذكر الامام احمد عن عمر بن الخطاب يوشك القري أن تخرب وهي عامرة قيل وكيف تخرب وهي عامرة قال إذا علا فجارها على أبرارها وساد القبيلة منافقها وذكر الاوزاعي عن حسان بن أبي عطية أن النبي قال ستظهر شرار أمتى على خيارها حتي يستخفى المؤمن فيهم كما يستخفى المنافق فينا اليوم وذكر ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس يرفعه قال ياتي زمان يذوب فيه قلب المؤمن كما يذوب الملح فى الماء قيل بما ذاك يا رسول الله قال بما يري من المنكر لا يستطيع تغييره وذكر الامام أحمد من حديث جرير أن النبي قال ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصى هم أعز وأكثر ممن يعمله فلم يغيروه الا عمهم الله بعقاب وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله يقول يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتندلق اقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون اي فلان ما شأنك ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر قال كنت آمركم بالمعروف ولا آنيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وذكر الامام أحمد عن مالك بن دينار قال كان حبر من أحبار بني اسرائيل يغشي منزله الرجال والنساء فيعظهم ويذكرهم بأيام الله فرأى بعض بنيه يوما يغمز النساء فقال مهلا يا بني فسقط من سريره فانقطع نخاعه وأسقطت امرأته وقتل بنوه فاوحي الله الى نبيهم أن أخبر فلانا الحبران لا أخرج من صلبك صديقا أبدا ما كان غضبك لى إلا أن قلت مهلا يا بني مهلا يا بني وذكر الامام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال إياكم ومحقرات الذنوب فانهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وان رسول الله ضرب لهن مثل كمثل القوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجى بالعود حتي جمعوا سوادا وأججوا نارا وانضجوا ما قذفوا فيها وفي صحيح البخاري عن
عن أنس بن مالك قال إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر وإنا كنا لنعدها على زمن رسول الله من الموبقات وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله قال عذبت إمرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت النار لاهي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الارض وفي الحلية لأبي نعيم عن حذيفة انه قيل له في يوم واحد تركت بنوا إسرائيل دينهم قال لا ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه وإذا نهوا عن شيء فعلوه حتي انسخلوا من دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه ومن ههنا قال بعض السلف المعاصي بريد الكفر كما ان القبلة بريد الجماع والغناء بريد الزنا والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت وفي الحلية أيضا عن ابن عباس أنه قال يا صاحب الذنب لا تأمن فتنة الذنب وسوء عاقبة الذنب ولما تتبع الذنب أعظم من الذنب إذا علمت فله حبا بك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب وضحكك وأنت لم تدر ما لله صانع بك أعظم من الذنب وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ويحك هل تدري ما كان ذنب ايوب عليه السلام فابتلاه بالبلاء في جسده وذهاب ماله استغاث به مسكين على ظالم يدرءه عنه فلم يغثه ولم ينه الظالم عن ظلمه فابتلاه الله وقال الامام أحمد حدثنا الوليد قال سمعت الاوزاعي يقول سمعت هلال بن سعد يقول لا تنظر الى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى من عصيت وقال الفضيل بن عياض بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله وقيل أوحي الله تعالى الى موسي يا موسى إن أول من مات من خلقي إبليس وذلك لانه أول من عصاني وإنما أعد من عصاني من الاموات وفي المسند وجامع الترمذي من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال الترمذي هذا حديث صحيح وقال حذيفة إذا أذنب ذنبا العبد نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الرمداء وقال الامام أحمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله قال أما بعد يا معشر قريش فانكم أهل لهذا الامر ما لم تعصوا الله فاذا عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحي هذا القضيب لقضيب في يده ثم لحى قضيبه فاذا هو أبيض يصلد وذكر الامام أحمد
عن وهب قال أن الرب تعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل انى إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتى نهاية وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتى تبلغ السابع من الولد وذكر أيضا عن وكيع ثنا زكريا عن عامر قال كتبت عائشة الى معاوية أما بعد فان العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما ذكر أبو نعيم عن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال ليحذر إمرأ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ثم قال أتدري مم هذا قلت لا قال إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر وذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لابيه عن محمد بن سيرين انه لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال إني لا أعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة وهاهنا نكتة دقيقة يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي إنهم لا يرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسي ويظن العبد إنه لا يغير بعد ذلك وإن الامر كما قال القائل
اذا لم يغبر حائط في وقوعه ... فليس له بعد الوقوع غبار
وسبحان الله ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق وكم أزالت من نعمة وكم جلبت من نقمة وما أكثر المغترين بها من العلماء والفضلاء فضلا عن الجهال ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السهم وكما ينقض الجرح المندمل على الغش والدغل وقد ذكر الامام أحمد عن أبي الدرداء أعبدوا الله كانكم ترونه وعدوا أنفسكم في الموتى واعلموا أن قليل يكفيكم خير من كثير يلهيكم واعلموا أن البر لا يبلى وان الاثم لا ينسى ونظر بعض العباد الى صبي فتأمل محاسنه فأتى في منامه وقيل له لتجدن غبها بعد أربعين سنة هذا مع أن للذنب نقدا معجل لا يتأخر عنه قال سليمان التميمي أن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته وقال يحيي بن معاذ الرازي عجبت من ذي عقل يقول في دعائه اللهم لا تشمت بي الاعداء ثم هو يشمت بنفسه كل عدو له قيل وكيف ذلك قال يعصي الله فيشمت به في القيامة قال ذي النون من خان الله في السر هتك ستره في العلانية فصل
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله فمنها حرمان العلم فان العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفيء ذلك النور ولما جلس الامام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية وقال الشافعي
شكوت الى وكيع سوء حفظي ... فارشدني الى ترك المعاصي
وقال اعلم بان العلم فضل ... وفضل الله لايؤتاه عاصي
ومنها حرمان الرزق وفي المسند ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد تقدم وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي ومنها وجشية يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة اصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لايحس به الامن في قلبه حياة وما لجرح بميت ايلام فلو لم ترك الذنوب الاحذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها وشكى رجل الى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له اذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس وليس على القلب أمر من وحشة الذنب على الذنب فالله المستعان ومنها الوحشة التي تحصل له بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فانه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بعد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين إمرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه وقال بعض السلف إني لأعصي الله فارى ذلك في خلق دابتي وإمرأتي ومنها تعسير اموره عليه فلا يتوجه لامر الا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما إن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا ويالله العجب كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى ومنها ظلمته يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا أدلهم فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فان الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والامور المهلكة وهو لايشعر كاعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا في الوجه حتى يراه كل أحد قال عبد الله بن عباس ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فامر ظاهر بل لايزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه وكلما قوى قلبه قوى بدنه وأما الفاجر فانه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه فتأمل قوة
أبدان فارس والروم كيف خانهم عند أحوج ما كانوا اليها وقهرهم أهل الايمان بقوة أبدانهم وقلوبهم ومنها حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا إنه يصد عن طاعة تكون بدله ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فان البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقص وقد اختلف الناس في هذا الموضع فقالت طائفة نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي وقالت طائفة بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده قالوا ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالارزاق والاجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغني والفقر وإن كانت بقضاء الله تعالى فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها وقالت طائفة أخرى تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن تفوته حقيقة الحياة وهي حياة القلب ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي كما قال تعالى أموات غير أحياء فالحيوة في الحقيقة حيوة القلب وعمر الانسان مدة حياته فليس عمره الا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره فالبر والتقوي والطاعة تزيد في هذه الاوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم يقول ياليتني قدمت لحياتي فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع الى مصالحه الدنيوية والأخروية أو لا فان لم يكن له تطلع الى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله وذهبت حياته باطلا وإن كان له تطلع الى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق وتعسرت عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها وذلك نقصان حقيقي من عمره وسر المسألة أن عمر الانسان مدة حياته ولا حيوة له إلا باقباله على ربه والتنعم بحبه وذكره وإيثار مرضاته فصل
ومنها ان المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى الى جنبها أعملني أيضا فاذا عملها قالت الثانية كذلك وهلم جرا فيتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك كانت السيئات أيضا حتي تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة فلو عطل المحسن الطاعة
لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الارض بما رحبت وأحسن من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتي يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتي يعاودها حتي أن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية اليها إلا لما يجد من الالم بمفارقتها كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هانيء حيث يقول
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها وقال الآخر
وكانت دوائى وهي دائي بعينه ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ولايزال العبد يعاني الطاعة ويألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه برحمته عليه الملائكة تأزه اليها أزا وتحرضه عليها وتزعجه عن فراشه ومجلسه اليها ولايزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتي يرسل الله اليه الشياطين فتأزه اليها أزا فالأول قوي جند الطاعة بالمدد فكانوا أكثر من أعوانه وهذا قوي جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه فصل
ومنها وهو من أخوفها على العبد أنها لضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا الى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب الى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان لشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متي أمكنه وهذا من أعظم الامراض وأقربها إلى الهلاك فصل
ومنها أنه ينسلخ من القلب إستقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه وهو عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتي يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها فيقول ياقلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لايعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي كل أمتي معافا إلا المجاهرين وإن من الاجهار أن يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فلان عملت يوم كذا وكذا وكذا فتهتك نفسه وقد بات يستره ربه ومنها أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الامم التي أهلكها الله تعالى فاللوطية ميراث عن قوم لوط وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب والعلو في الارض والفساد ميراث عن فرعون وقوم فرعون والتكبر والتجبر ميراث
عن قوم هود فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الامم وهم أعداء الله وقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لابيه عن مالك بن دينار قال أوحي الله الى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي فتكونوا أعدائي كماهم أعدائي وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي قال بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتي يعبد الله وحده لاشريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم فصل
ومنها أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري هانوا عليه فصعوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى ومن يهن الله فماله من مكرم وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم اليهم أو خوفا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه ومنها أن العبد لايزال يرتكب الذنوب حتي يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فان الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال إن المؤمن يري ذنوبه كانها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار فصل
ومنها أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم قال أبو هريرة إن الحباري لتموت في وكرها من ظلم الظالم وقال مجاهد إن الهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا أشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا بشؤم معصية ابن ادم وقال عكرمة دواب الارض وهوامها حتي الخنافس والعقارب يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم فلا يكفيه عقاب ذنبه حتي يبوء بلعنه من لا ذنب له فصل
ومنها ان المعصية تورث الذل ولا بد فان العز كل العزفى طاعة الله تعالى قال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها الا في طاعته وكان من دعاء بعض السلف اللهم أعزاني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك قال الحسن البصري انهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا تفارق قلوبهم أبى الله
الان أيذل من عصاه وقال عبد الله بن المبارك
رأيت الذنوب تميت القلو ... ب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب ... ب وخير لنفسك عصيانها
وهل أفسد الدين الا الملو ... ك واحبار سؤ ورهبانها
فصل ومنها إن المعاصي تفسد العقل فان للعقل نورا والمعصية نطفيء نور
العقل ولابدوادا طفىء نوره ضعف ونقص وقال بعض السلف ما عصي الله أحد حتي يغيب عقله وهذا طاهر فانه لو حضر عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى أو نجهر به هو مطلع عليه وفي داره على بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون اليه وواعظ القرآن نهاه ولفظ الايمان ينهاه وواعظ الموت ينهاه وواعظ النار ينهاه والذي يفوته بامعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم فصل
ومنها أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى كلا بل ران ! على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال هو الذنب بعد الذنب وقال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يعمي القلب وقال غيره لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم وأصل هذا أن القلب يصدي من المعصية فاذا زادت غلب الصدي حتي يصيررانا ثم يغلب حتي يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فاذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد فصل
ومنها أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول فانه لعن على معاصى والتي غيرها اكبر منها فهي اولى بدخول فاعلها تحت اللعنة فلعن الواشمة والمستوشمة والواصلة والموصولة والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة ولعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهده ولعن المحلل والمحلل له ولعن السارق ولعن شارب الخمر وساقيها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وحاملها والمحمولة اليه ولعن من غير منار الارض
وهي إعلامها وحددوها ولعن من والديه ولعن من إتخذ شيئا فيه الروح غرضا يرميه بسهم ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ولعن من ذبح بغير الله ولعن من أحدث حدثا أو آوي محدثا ولعن المصورين ولعن من عمل عمل قوم لوط ولعن من سب أباه وأمه ولعن من كمه أعمي عن الطريق ولعن من أتى بهيمة ولعن من رسم دابة في وجهها ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ولعن من أفسد امرأة على زوجها أو مملوكا على سيده ولعن من أتى امرأة في دبرها وأخبر أن من باتت مهاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح ولعن من انتسب الى غير أبيه وأخبر أن من أشار الى أخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه ولعن من سب الصحابة وقد لعن الله من أفسد فى الارض وقطع رحمه وأذاه وأذى رسوله ولعن من كتم ما أنزل الله سبحانه من البينات والهدى ولعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة ولعن من جعل سبيل الكافر اهدي من سبيل المسلم ولعن رسول الله الرجل يلبس لبس المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ولعن الراشي والمرتشي والرائش وهو الواسطة في الرشوة ولعن على أشياء أخرغير هذه فلو لم يكن فى فعل ذلك الا رضاء فاعله بان يكون ممن يعلنه الله ورسوله وملائكته لكان في ذلك ما يدعو الى تركه فصل
ومنها حرمان دعوة رسول الله ودعوة الملائكة فان الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شىء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيآت فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التابعين المتبعين لكتابه وسنة رسوله الذين لا سبيل لهم غيرهما فلا يطمع غير هؤلاء باجابة هذه الدعوة اذا لم يتصف بصفات المدعو له بها فصل
ومن عقوبات المعاصي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب قال كان النبي مما يكثر أن يقول لاصحابه هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وأنه قال لناذات غداة أنه أتاني الليلة آتيان وأنهما أنبعثا لى
وأنهما قالا لى إنطلق وإنى إنطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلع رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع اليه حتي يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل فى المرة الاولى قال قلت لهما سبحان الله ما هذان قالا لي إنطلق فانطلقا فاتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقى وجهه فيشرشر شدقه الى قفاه ومنخره الى قفاه وعينه الى قفاه ثم يتحول الى الجانب الاخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الاول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الاولى قال قلت سبحان الله ما هذان فقالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا على مثل التنور وإذا فيه لغط وأصوات قال فاطلعنا فيه فاذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فاذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا فقال قلت من هؤلاء قال فقالا لي إنطلق إنطلق قال فانطلقنا فاتينا على نهر أحمر مثل الدم فاذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق فيسبح ثم يرجع اليه كما رجع إليه فيغفر له فاه فالقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا على رجل كريه المرأى كاكره ما أنت رأىء رجلا مرا وإذا هو عنده تاريخها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا على روضة مغيمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهراني الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت ما هذا وما هؤلاء قال قالا لي إنطلق إنطلق فانطلقنا فاتينا الى دوحة عظيمة لم أرى دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي أرق فيها فارتقينا فيها الى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة قال فاتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا رجال شطر من خلقهم كاحسن ما أنت رايء وشطر منهم كاقبح ما أنت رايء قال قالا لهم إذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كان ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا الينا وقد ذهب ذلك السوء عنهم قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسمي بصرى صعدا فاذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لى هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما فذراني فادخله قالا أما الآن فلا وأنت داخلة قال قلت لهما فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما انا سنخبرك أما الرجل الاول الذي أتيت عليه يثلع رأسه بالحجر فانه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلوة المكتوبة وأما الرجل الذي
أتيت عليه يشرشر شدقه الى قفاه ومنخره الى قفاه وعينه الى قفاه فانه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فانهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فانه آكل الربا وأما الرجل الكريه المنظر الذي عند النار يحثها ويسعى حولها فانه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فانه ابراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة وفي رواية البرقاني ولد على الفطرة فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فانهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم فصل
ومن آثار الذنوب والمعاصي إنها تحدث في الارض أنواعا من الفساد في المياه والهوى والزرع والثمار والمساكن قال تعالى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قال مجاهد اذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس بذلك القطر فيهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ثم قال أما والله ما هو بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر وقال عكرمة ظهر الفساد في البر والبحر أما إني لا أقول لكم بحركم هذا ولكن كل قرية على ماء وقال قتادة أما البر فاهل العمود وأما البحر فاهل القرى والريف قلت وقد سمي الله تعالى الماء العذب بحرا فقال هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج وليس في العالم بحر حلو واقفا وإنما هي الانهار الجارية والبحر المالح هو الساكن فتسمى القرى التي على المياه الجارية باسم تلك المياه وقال ابن زيد ظهر الفساد في البر والبحر قال الذنوب قلت أراد أن الذنب سبب الفساد الذي ظهر وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها فيكون قوله ليذيقهم بعض الذي عملوا لام العاقبة والتعليل وعلى الاول فالمراد بالفساد والنقص والشر والالآم التي يحدثها الله فى الارض بمعاصي العباد فكل ما أحدثوا ذنبا أحدث لهم عقوبة كما قال بعض السلف كل ما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة والظاهر والله أعلم إن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا وإنما إذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا
لما ترك على ظهرها من دابة ومن تأثير معاصي الله في الارض ما يحل بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها وقد مر رسول الله على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم الا وهم باكون ومن شرب مياههم ومن الاستسقاء من أبيارهم حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الابل لتأثير شؤم المعصية في الماء وكذلك شؤم تأثير الذنوب فى نقص الثمار وما ترى به من الآفات وقد ذكر الامام أحمد فى مسنده فى ضمن حديث قال وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة الحبة بقدر نواة التمرة وهي في صرة مكتوب عليها كان هذا ينبت في زمن من العدل وكثير من هذه الأفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء انهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها وإنما حدثت من قرب وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق فقد روي الترمذي في جامعه عن النبي انه قال خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعا ولم يزل الخلق ينقص حتى الآن فاذا أراد الله أن يطهر الارض من الظلمة والخونة والفجرة ويخرج عبدا من عباده من أهل بيت نبيه فيملأ الارض قسطا كما ملئت جورا ويقتل المسيح اليهود والنصارى ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله وتخرج الارض بركاتها وتعود كما كانت حتى ان العصابة من الناس ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها ويكون العنقود من العنب وقر بعير ولبن اللقحة الواحدة يكفي الفئام من الناس وهذا لان الارض لما طهرت من المعاصي ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى التي محقتها الذنوب والكفر ولاريب ان العقوبات التي أنزلها الله في الارض بقية آثارها سارية في الارض تطلب ما يشاء كلها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الامم فهذه الآثار في الارض من آثار العقوبات كما ان هذه المعاصي من آثار الجرائم فتناسب كلمة الله وحكمة الكوني أولا وآخرا وكان العظيم من العقوبة للعظيم من الجناية والأخف للأخف وهذا يحكم سبحانه بين خلقه في دار البرزخ ودار الجزاء وتأمل مقارنة الشيطان ومحله وداره فانه لما قارن العبد واستولى عليه نزعت البركة من عمره وعمله وقوله ورزقه ولما أثرت طاعته في الارض ما أثرت نزعت البركة من كل محل ظهرت فيه طاعته وكذلك مسكنه لما كان الجحيم لم يكن هناك شيء من الروح والرحمة والبركة فصل
ومن عقوباتها انها تطفي من القلب نار الغيرة التي هى لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية
لحياة جميع البدن فان الغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كمال يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديث وأشرف الناس وأعلاهم قدر وهمة أشدهم غيرة علي نفسه وخاصته وعموم الناس ولهذا كان النبي أغير الخلق علي الامة والله سبحانه أشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه انه قال أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني وفي الصحيح أيضا عنه انه قال في خطبة الكسوف يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو ترني أمته وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب اليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب اليه المدح من الله من أجل ذلك أثنى على نفسه فجمع في هذا الحديث بين الغيرة التي أصلها كراهة القبائح وبنضها وبين محبة العذر الذي يوجب كمال العدل والرحمة والاحسان والله سبحانه مع شدة غيرته يحب إن يعتذر اليه عبده ويقبل عذر من اعتذر اليه وانه لايؤاخذ عبده بارتكاب ما يغار من ارتكابه حتى يعذر اليهم ولأجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه إعذارا وإنذارا وهذا غاية المجد والاحسان ونهاية الكمال فان كثيرا ممن تشتد غيرته من المخلوقين تحمله شدة الغيرة على سرعة الايقاع والعقوبة من غير إعذار منه ومن غير قبول العذر ممن إعتذر اليه بل قد يكون له فى نفس الامر عذر ولاتدعه شدة الغيرة ان يقبل عذره وكثير ممن تقبل المعاذير يحمله على قبولها قلة الغيرة حتى يتوسع في طريق المعاذير ويرى عذرا ما ليس بعذر حتى يعذر كثير منهم بالعذر وكل منهما غير ممدوح على الاطلاق وقد صح عن النبي انه قال أن من الغيرة ما يحبها الله ومنها ما يبغضها الله فالتي يبغضها الله الغيرة من غير ريبة وذكر الحديث وانما الممدوح اقتران الغيرة بالعذر فيغار في محل الغيرة ويعذر في موضع العذر ومن كان هكذا فهر الممدوح حقا ولما جمع سبحانه صفات الكمال كلها كان أحق بالمدح من كل أحد ولايبلغ أحد إن يمدحه كما ينبغي له بل هو كما مدح نفسه وأثنى على نفسه فالغيور قد وافق ربه سبحانه في صفة من صفاته ومن وافق الله في صفه من صفاته قادته تلك الصفة اليه بزمامه وأدخلته على ربه وأدنته منه وقربته من رحمته وصيرته محبوبا له فانه سبحانه رحيم يحب الرحماء كريم يحب الكرماء عليم يحب العلماء قوى يحب المؤمن القوي وهو أحب اليه من المؤمن الضعيف حتى يحب أهل الحياء جميل يحب أهل الجمال وتر يحب أهل الوتر ولو لم يكن في الذنوب والمعاصي الا انها توجب لصاحبها ضد هذه الصفات وتمنعه من الاتصاف بها لكفي بها عقوبة فان الخطر تنقلب وسوسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق