الصفوف فلم يسمع البسملة وابن عباس أصغر سنا منه بلا شك وقدمتم عدم سماعه للجهر على من سمعه صريحا فهلا قلتم كان صغيرا فلعله صلى خلف الصف فلم يسمعه جهر
وأعجب من هذا قولكم إن أنسا كان صغيرا لم يسمع تلبية رسول الله ص - لبيك حجا وعمرة وقدمتم قول ابن عمر عليه أنه أفرد الحج وأنس إذ ذاك له عشرون سنة وابن عمر لم يستكملها وهو بسن أنس وقوله أفرد الحج مجمل وقول أنس سمعته يقول لبيك عمرة وحجا محكم مبين صريح لا يحتمل غير ما يدل عليه وقد قال ابن عمر تمتع رسول الله ص - بالعمرة إلى الحج وبدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فقدمتم على حديث أنس الصحيح الصريح المحكم الذي لم يختلف عليه فيه حديثا ليس مثله في الصراحة والبيان ولم يذكر رواية لفظ النبي ص - وقد اختلف عليه فيه
المثال الثاني والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الاكتفاء في بول الغلام الذي لم يطعم بالنضج دون الغسل كما في الصحيحين عن أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله ص - في حجره فبال عليه فدعا رسول الله ص - بماء فنضحه ولم يغسله
وفي الصحيحين أيضا عن عائشة أن رسول الله ص - كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه ولم يغسله وفي سنن أبي داود عن أمامة بنت الحارث قالت كان الحسين ابن علي عليهما السلام في حجر النبي ص - فبال عليه فقالت البس ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله فقال إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من
بول الذكر وفي المسند غيره عن علي عليه السلام قال قال رسول الله ص - بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل قال قتادة هذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا قال الحاكم أبو عبد الله هذا حديث صحيح الإسناد فإن أبا الأسود الدؤلي صح سماعه عن علي عليه السلام وقال الترمذي حديث حسن وفي سنن أبي داود من حديث أبو السمح خادم النبي ص - قال قال رسول الله ص - يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وفي المسند من حديث أم كرز الخزاعية قالت أتى النبي ص - بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتى بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل وعند ابن ماجه عن أم كرز الخزاعية أن النبي ص - قال بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل وصح الإفتاء عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة وأم سلمة ولم يأت عن صحابي خلافهما فردت هذه السنن بقياس متشابه على بول الشيخ وبعموم لم يرد به هذا الخاص وهو قوله إنما يغسل الثوب من أربع من البول والغائط والمني والدم والقيء والحديث لا يثبت فإنه من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ثابت بن حماد قال ابن عدي لا أعلم رواه عن علي بن زيد غير ثابت ابن حماد وأحاديثه مناكير معلومات ولو صح وجب العمل بالحديثين ولا يضرب أحدهما بالآخر ويكون البول فيه مخصوصا ببول الصبي كما خص منه بول ما يؤكل لحمه دون بأحديث هذه في الصحة والشهرة
المثال الثالث والخمسون رد السنة الثابته الصحيحة الصريحة المحكمة في
الوتر بواحدة مفصولة كما في الصحيحين عن ابن عمر أنه سأل رسول الله ص - عن صلاة الليل فقال مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى وفي الصحيحين أيضا من حديث عائشة كان رسول الله ص - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة وفي صحيح مسلم عن أبي مجلز قال سألت ابن عباس عن الوتر فقال سمعت رسول الله ص - يقول ركعة من آخر الليل وقد قال النبي ص - صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فإذا صلى القاعد ركعتين وجب بهذا النص أن تعدل صلاة القائم ركعة فلو لم تصح لكانت صلاة القاعد أتم من صلاة القائم والاعتماد على الأحاديث المتقدمة وصح الوتر بواحدة مفصولة عن عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبي أيوب ومعاوية بن أبي سفيان
وقال الحاكم أبو عبد الله ثنا عبد الله بن سليمان ثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله ابن وهب عن سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب أوتروا بخمس أو سبع رواه ابن حبان والحاكم في صحيحهيما وقال الحاكم رواته كلهم ثقات وله شاهد آخر بإسناد صحيح ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق ثنا ابن أبي الليث ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة فذكر مثله سواء وزاد أو وتروا بخمس أو سبع أو تسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك
فردت هذه السنن بحديثين باطلين وقياس فاسد أحدهما نهي عن البتراء وهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا ضعيف وليس في شيء من كتب الحديث المعتمد عليها ولو صح فالبتراء صفة للصلاة التي قد بتر ركوعها وسجودها فلم يطمئن
فيها الثاني حديث يروى عن ابن مسعود مرفوعا وتر الليل ثلاث كوتر النهار صلاة المغرب وهذا الحديث وإن كان أصح من الأول فإنه في سنن الدارقطني فهو من رواية يحيى بن زكريا قال الدارقطني يقال له ابن أبي الحواجب ضعيف ولم يروه عن الأعمش مرفوعا غيره ورواه الثوري في الجامع وغيره عن الأعمش موقوفا على ابن مسعود وهو الصواب
وأما القياس الفاسد فهو أن قالوا رأينا المغرب وتر النهار وصلاة الوتر وتر الليل وقد شرع الله سبحانه وتر النهار موصولا فهكذا وتر الليل وقد صحت السنة بالفرق بين الوترين من وجوه كثيرة أحدها الجمع بين الجهر والسر في وتر النهار دون وتر الليل الثاني وجوب الجماعة أو مشروعيتها فيه دون وتر الليل الثالث أنه ص - فعل وتر اليل على الراحلة دون وتر النهار الرابع أنه قال في وتر الليل إنه ركعة واحدة دون وتر النهار الخامس أنه أوتر بتسع وخمس موصولة دون وتر النهار السادس أنه نهى عن تشبيه وتر الليل بوتر النهار كما تقدم السابع أن وتر الليل اسم للركعة وحدها ووتر النهار اسم لمجموع صلاة المغرب كما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر وابن عباس أنهما سمعا رسول الله ص - يقول الوتر ركعة من آخر الليل الثامن أن وتر النهار فرض ووتر الليل ليس بفرض باتفاق الناس التاسع أن وتر النهار يقضى بالاتفاق وأما وتر الليل فلم يقم على قضائه دليل فإن المقصود منه قد فات فهو كتحية المسجد ورفع اليدين في محل الرفع والقنوت إذا فات وقد توقف الإمام أحمد في قضاء الوتر وقال شيخنا لا يقضى لفوات المقصود منه بفوات وقته قال وقد ثبت عن النبي ص - أنه كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ولم يذكر الوتر العاشر أن المقصود من وتر الليل جعل ما تقدمه من الأشفاع كلها وترا وليس المقصود منه إيتار الشفع الذي يليه خاصة وكان الأقيس ما جاءت به السنة أن يكون ركعة مفردة توتر جميع ما قبلها وبالله التوفيق
المثال الراربع والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة أنه لا يجوز التنقل إذا أقيمت صلاة الفرض كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ص - قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وقال الإمام أحمد في روايته إلا التي أقيمت وفي الصحيحين عن عبد الله بن مالك بن بحينة أن رسول الله ص - رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله ص - لاث به الناس وقال له رسول الله ص - الصبح أربعا الصبح أربعا وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن سرجس قال دخل رجل المسجد ورسول الله ص - في صلاة الصبح فصلى ركعتين قبل أن يصل إلى الصف فلما انصرف رسول الله ص - قال له يا فلان بأي صلاتيك اعتددت بالتي صليت وحدك أو بالتي صليت معنا وفي الصحيحين أن رسول الله مر برجل فكلمه بشيء لا ندري ما هو فلما انصرف أحطنا به نقول ماذا قال لك رسول الله ص - قال قال لي يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا وعند مسلم أقيمت صلاة الصبح فرأى رسول الله ص - رجلا يصلي والمؤذن يقيم الصلاة فقال أتصلي الصبح أربعا وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ثنا أبو عامر الخراز عن ابن مليكة عن ابن عباس قال كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي ص - فقال أتصلي الصبح أربعا وكان عمر بن الخطاب إذا رأى رجلا يصلي وهو يسمع الإقامة ضربه وقال حماد ابن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر رجلا يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال أتصلي الصبح أربعا
فردت هذه السنن كلها بما رواه حجاج بن نصر المتروك عن عباد بن كثير الهالك عن ليث عن عاطاء عن أبي هريرة أن رسول الله ص - قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وزاد إلا ركعتي الصبح فهذه الزيادة كاسمها زيادة في الحديث لا أصل لها
فإن قيل فقد كان أبو الدرداء يدخل المسجد والناس صفوف في صلاة الفجر فيصلي الركعتين في ناحية المسجد ثم يدخل مع القوم في الصلاة وكان ابن مسعود يخرج من داره لصلاة الفجر ثم يأتي فيصلي ركعتين في ناحية المسجد ثم يدخل معهم في الصلاة
قيل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله في مقابلة أبي الدرداء وابن مسعود والسنة سالمة لا معارض لها ومعها أصح قياس يكون فإن وقتها يضيق بالإقامة فلم يقبل غيرها بحيث لا يجوز لمن حضر أن يؤخرها ويصليها بعد ذلك والله الموفق
المثال الخامس والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في استحباب صلاة النساء جماعة لا منفردات كما في المسند والسنن من حديث عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن رسول الله ص - كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا كان يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها قال عبد الرحمن فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا وقال الوليد بن جميل حدثتني جدتي عن أم ورقة أن النبي ص - أمرها أو أذن لها ان تؤم أهل دارها وكانت قد قرأت القرآن على عهد رسول الله ص - وقال الإمام أحمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن ميسرة أبي حازم عن رائطة الحنفية ان عائشة امت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطا تابعه ليث عن عطاء عن عائشة وروى الشافعي عن أم سلمة أنها أمت نساء فقامت وسطهن ولو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله ص - تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لكفى وروى البيهقي من حديث يحيى بن يحيى أنا ابن لهيعة عن الوليد ابن أبي الوليد عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله ص - قال لا خير في جماعة النساء إلا في صلاة أو جنازة والاعتماد على ما تقدم فردت هذه السنن بالمتشابه من قوله ص - لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
وهذا إنما هو في الولاية والإمامة العظمى والقضاء وأما الرواية والشهادة والفتيا والإمامة فلا تدخل في هذا ومن العجب أن من خالف هذه السنة جوز للمرأة أن تكون قاضية تلي أمور المسلمين فكيف أفلحوا وهي حاكمة عليهم ولم يفلح أخواتها من النساء إذا أمتهن
المثال السادس والخمسون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة عن النبي ص - التي رواها عنه خمسة عشر نفسا من الصحابة أنه كان يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله منهم عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص وجابر بن سمرة وأبو موسى الأشعري وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر البراء بن عازب ووائل بن حجر وأبو مالك الأشعري وعدي بن عميرة الضمري وطلق بن علي وأوس بن أوس وأبو رمثة والأحاديث بذلك ما بين صحيح وحسن فرد ذلك بخمسة أحاديث مختلف في صحتها
أحدها حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسلم تسليمه واحدة رواه الترمذي
والثاني حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن سعد أن رسول الله ص - كان يسلم في آخر الصلاة تسليمة واحدة السلام عليكم
الثالث حديث عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله ص - يسلم تسلمية واحدة لا يزيد عليها رواه الدارقطني
الرابع حديث عطاء بن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة بن جندب كان رسول الله ص - يسلم مرة واحدة في الصلاة قبل وجهه فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره رواه الدارقطني
الخامس حديث يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع قال رأيت رسول الله ص - يسشلم مرة واحدة وهذه الأحاديث لا تقاوم تلك ولا تقاربها حتى تعارض بها
أما حديث عائشة فحديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث قال البخاري زهير بن محمد من أهل الشام يروي مناكير وقال يحيى ضعيف والحديث من رواية عمرو بن أبي سلمة عنه قال الطحاوي هو وإن كان ثقة فإن رواية عمرو ابن أبي سلمة عنه تضعف جدا وهكذا قال يحيى بن معين فيما حكي لي عنه غير واحد من أصحابنا منهم على بن عبد الرحمن بن المغيرة وزعم أن فيها تخليطا كثيرا قال والحديث أصله موقوف على عائشة هكذا رواه الحفاظ
فإن قيل فإذا ثبت ذلك عن عائشة فبمن نعارضها في ذلك من أصحاب النبي ص -
قيل له بأبي بكر وعمر وعلي بن أبي طالب عليهم السلام وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسهل بن سعد الساعدي وذكر الأسانيد عنهم بذلك ثم قال فهؤلاء أصحاب رسول الله ص - أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعمار ومن ذكرنا معهم يسلمون عن أيمانهم وعن شمائلهم ولا ينكر ذلك عليهم غيرهم على قرب عهدهم برؤية رسول الله ص - وحفظهم لأفعاله فما ينبغي لأحد خلافه لو لم يكن روى في ذلك عن النبي ص - فكيف وقد روى عنه ما يوافق فعلهم
وأما حديث سعد بن أبي وقاص فحديث معلول بل باطل والدليل على بطلانه أن الذي رواه هكذا الراوردي خاصة وقد خالف في ذلك جميع من رواه عن مصعب بن ثابت كعبد الله بن المبارك ومحمد بن عمرو ثم قد رواه إسماعيل ابن محمد عن عامر بن سعد عن سعد كما رواه الناس كان رسول الله ص - يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خذه وعن يساره حتى يرى بياض خده رواه مسلم في صحيحه فقد صح رواية سعد أن رسول الله ص
سلم تسليمتين ومعه من ذكرنا من الصحابة وبان بذلك بطلان رواية الدراوردي
وأما حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده فقال الدارقطني عبد المهيمن ليس بالقوي وقال ابن حبان بطل الاحتجاج به
وأما حديث عطاء بن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن فمن رواية روح ابنه عنه قال الإمام أحمد منكر الحديث وتركه يحيى
وأما حديث يحيى بن راشد عن يزيد مولى سلمة فقال يحيى بن معين يحيى ابن راشد ليس بشيءوقال النسائي ضعيف وقال أبو عمر بن عبد البر روى عن النبي ص - أنه كان يسلم تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث عائشة ومن حديث أنس إلا أنها معلولة لا يصححها أهل العلم بالحديث لأن حديث سعد أخطأ فيه الدراوردي فرواه على غير ما رواه الناس بتسليمة واحدة وغيره يروي فيه بتسليمتين ثم ذكر حديثه عن مصعب بن ثابت أن رسول الله ص - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة ثم قال وهذا وهم عندهم وغلط وإنما الحديث كما رواه ابن المبارك وغيره عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعيد بن أبي وقاص عن أبيه كان يسلم عن يمينه وعن يساره وقد روى هذا الحديث بالتسليمتين من طريق مصعب ثم ساق طرقه بالتسليمتين عن سعد ثم ساق من طريق ابن المبارك عن مصعب عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت رسول الله ص - يسلم عن يمينه وعن شماله وكأني أنظر إلى صفحة خده فقال الزهري ما سمعنا هذا من حديث رسول الله ص - فقال له إسماعيل بن محمد أكل حديث رسول الله ص - سمعت قال لا قال فنصفه قال لا قال فاجعل هذا النصف الذي لم تسمع
قال وأما حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ص - كان يسلم تسليمة واحدة فلم يرفعه أحد إلا زهير بن محمد وحده عن هشام بن عروة رواه عنه عمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد ضعيف عند الجميع كثير الخطأ لا يحتج به وذكر يحيى بن معين هذا الحديث فقال عمرو بن أبي سلمة وزهير ضعيفان لا حجة فيهما
وأما حديث انس فلم يأت إلا من طريق أيوب السختياني عن أنس ولم يسمع أيوب من أنس عندهم شيئا
قال وقد روى عن الحسن مرسلا أن النبي ص - وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة ذكره وكيع عن الربيع عنه قال والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة وهو عمل قد توارثه أهل المدينة كابرا عن كابر ومثله يصح فيه الاحتجاج بالعمل في كل بلد لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارا
قلت وهذا أصل قد نازعهم فيه الجمهور وقالوا عمل أهل المدينة كعمل غيرهم من أهل الأمصار ولا فرق بين عملهم وعمل أهل الحجاز والعراق والشام فمن كانت السنة معهم فهم أهل العمل المتبع وإذا اختلف علماء المسلمين لم يكن عمل بعضهم حجة على بعض وإنما الحجة اتباع السنة ولا تترك السنة لكون عمل بعض المسلمين على خلافها أو عمل بها غيرهم ولو ساغ ترك السنة لعمل بعض الأمة على خلافها لتركت السنن وصارت تبعا لغيرها فإن عمل بها ذلك الغير عمل بها وإلا فلا والسنة هي العيار على العمل وليس العمل عيارا على السنة ولم تضمن لنا العصمة قط في عمل مصر من الأمصار دون سائرها والجدران والمساكن والبقاع لا تأثير لها في ترجيح الأقوال وإنما التأثير لأهلها وسكانها ومعلوم أن أصحاب رسول الله ص - شاهدوا التنزيل
وعرفوا التأويل وظفروا من العلم بما لم يظفر به من بعدهم فهم المقدمون في العلم على من سواهم كما هم المقدمون في الفضل والدين وعملهم هو العمل الذي لا يخالف وقد انتقل أكثرهم عن المدينة وتفرقوا في الأمصار بل أكثر علمائهم صاروا إلى الكوفة والبصرة والشام مثل علي بن أبي طالب كرم الله وأبي موسى وعبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وعمرو ابن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ومعاذ بن جبل وانتقل إلى الكوفة والبصرة نحو ثلاثمائة صحابي ونيف وإلى الشام ومصر نحوهم فكيف يكون عمل هؤلاء معتبرا ما داموا في المدينة فإذا خالفوا غيرهم لم يكن عمل من خالفوه معتبرا فإذا فارقوا جدران المدينة كان عمل من بقي فيها هو المعتبر ولم يكن خلاف ما انتقل عنها معتبرا هذا من الممتنع وليس جعل عمل الباقين معتبرا أولى من جعل عمل المفارقين معتبرا فإن الوحي قد انقطع بعد رسول الله ص - ولم يبق إلا كتاب الله وسنة رسوله فمن كانت السنة معه فعمله هو العمل المعتبر حقا فكيف تترك السنة المعصومة لعمل غير معصوم
ثم يقال أرأيتم لو استمر عمل أهل مصر منالأمصار التي انتقل إليها الصحابة على ما أداه إليهم من صار إليهم من الصحابة ما الفرق بينه وبين عمل أهل المدينة المستمر على ما أداه إليهم من بها من الصحابة والعمل إنما استند إلى قول رسول الله ص - وفعله فكيف يكون قوله وفعله الذي أداه من بالمدينة موجبا للعمل دون قوله وفعله الذي أداه غيرهم هذا إذا كان النص مع عمل أهل المدينة فكيف إذا كان مع غيرهم النص وليس معهم نص يعارضه وليس معهم إلا مجرد العمل ومن المعلوم أن العمل لا يقابل النص بل يقابل العمل بالعمل ويسلم النص عن المعارض
وأيضا فنقول هل يجوز أن يخفى على أهل المدينة بعد مفارقة جمهور الصحابة
لها سنة من سنن رسول الله ص - ويكون علمها عند من فارقها أم لا فإن قلتم لا يجوز أبطلتم أكثر السنن التي لم يروها أهل المدينة وإن كانت من رواية إبراهيم عن علمقة عن عبد الله ومن رواية أهل بيت علي عنه ومن رواية أصحاب معاذ عنه ومن رواية أصحاب أبي موسى عنه ومن رواية أصحاب عمرو بن العاص وابنه عبد الله وأبي الدرداء ومعاوية وأنس بن مالك وعمار بن ياسر وأضعاف هؤلاء وهذا مما لا سبيل إليه وإن قلتم يجوز أن يخفى على من بقي في المدينة بعض السنن ويكون علمها عند غيرهم فكيف تترك السنن لعمل من قد اعترفتم بأن السنة قد تخفى عليهم
وأيضا فإن عمر بن الخطاب كان إذا كتب إليه بعض الأعراب بسنة عن رسول الله ص - عمل بها ولو لم يكن معمولا بها بالمدينة كما كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله ص - ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها فقضى به عمر
وأيضا فإن هذه السنة التي يعمل بها أهل المدينة لو جاء من رواها إلى المدينة وعمل بها لم يكن عمل من خالفه حجة عليه فكيف يكون حجة عليه إذا خرج من المدينة
وأيضا فإن هذا يوجب أن يكون جميع أهل الأمصار تبعا للمدينة فيما يعملون به وأنه لا يجوز لهم مخالفتهم في شيء فإن عملهم إذا قدم على السنة فلأن يقدم على عمل غيرهم أولى وإن قيل إن عملهم نفسه سنة لم يحل لأحد مخالفتهم ولكن عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء لم يأمر أحد منهم أهل الأمصار أن لا يعملوا بما عرفوه من السنة وعلمهم إياه الصحابة إذا خالف عمل أهل المدينة وأنهم لا يعملون إلا بعمل أهل المدينة بل مالك نفسه منع الرشيد من ذلك
وقد عزم عليه وقال له قد تفرق أصحاب رسول الله ص - في البلاد وصار عند كل طائفة منهم علم ليس عند غيرهم وهذا يدل على أن عمل أهل المدينة ليس عنده حجة لازمة لجميع الأمة وإنما هو اختيار منه لما رأى عليه العمل ولم يقل قط في موطئه ولا غيره لا يجوز العمل بغيره بل يخبر إخبارا مجردا أن هذا عمل أهل بلده فإنه رضي الله عنه وجزاه عن الإسلام خيرا ادعى إجماع أهل المدينة في نيف وأربعين مسألة ثم هي ثلاثة أنواع أحدها لا يعلم أن أهل المدينة خالفهم فيه غيرهم والثاني ما خالف فيه أهل المدينة غيرهم وإن لم يعلم اختلافهم فيه والثالث ما فيه الخلاف بين أهل المدينة أنفسهم ومن ورعه رضي الله عنه لم يقل إن هذا إجماع الأمة الذي لا يحل خلافه
وعند هذا فنقول ما عليه العمل إما أن يراد به القسم الأول أو هو والثاني أوهما والثالث فإن أريد الأول فلا ريب أنه حجة يجب اتباعه وإن أريد الثاني والثالث فأين دليله وأيضا فأحق عمل أهل المدينة أن يكون حجة العمل القديم الذي كان في زمن رسول الله ص - وأصحابه وزمن خلفائه الراشدين وهذا كعملهم الذي كأنه مشاهد بالحس ورأى عين من إعطائهم أموالهم التي قسمها رسول الله ص - على من شهد معه خبير فأعطوها اليهود على أن يعلموها بأنفسهم وأموالهم والثمرة بينهم وبين المسلمين يقرونهم ما أقرهم الله ويخرجونهم متى شاءوا واستمر هذا العمل كذلك بلا ريب إلى أن استأثر الله بنبيه ص - مدة أربعة أعوام ثم استمر مدة خلافة الصديق وكلهم على ذلك ثم استمر مدة خلافة عمر رضي الله عنهم إلى أن أجلاهم قبل أن يستشهد بعام فهذا هو العمل حقا فكيف ساغ خلافه وتركه لعمل حادث
ومن ذلك عمل الصحابة مع نبيهم ص - على الاشتراك في الهدي البدنة عن عشرة والبقرة عن سبعة فياله من عمل ما ألحقه وأولاه بالاتباع فكيف يخالف إلى عمل حادث بعده مخالف له
ومن ذلك عمل أهل المدينة الذي كأنه رأى عين في سجودهم في إذا السماء انشقت مع نبيهم ص - ومعهم أبو هريرة وإنما صحب النبي ص - ثلاثة أعوام وبعض الرابع وقد أخبر عن عمل الصحابة مع نبيهم في آخر أمره فهذا والله هو العمل فكيف يقدم عليه عمل من بعدهم بما شاء الله من السنين ويقال العمل على ترك السجود
ومن ذلك عمل الصحابة مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وقد قرأ السجدة على المنبر في خطبته يوم الجمعة ثم نزل عن المنبر فسجد وسجد معه أهل المسجد ثم صعد فهذا العمل حق فكيف يقال العمل على خلافه ويقدم العمل الذي يخالف ذلك عليه
ومن ذلك عمل الصحابة مع النبي ص - في اقتدائهم به وهو جالس وهذا كأنه رأي عين سواء كانت صلاتهم خلفه قعودا أو قياما فهذا عمل في غاية الظهور والصحة فمن العجب ان يقدم عليه رواية جابر الجعفي عن الشعبي وهما كوفيان أن رسول الله ص - قال لا يؤمن أحد بعدي جالسا وهذه من أسقط روايات أهل الكوفة
ومن ذلك أن سليمان بن عبد الملك عام حج جمع ناسا من أهل العلم فيهم عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد بن ثابت والقاسم بن محمد وسالم وعبيد الله ابنا عبد الله بن عمر ومحمد بن شهاب الزهري وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فسألهم عن الطيب قبل الإفاضة فكلهم أمره بالطيب وقال القاسم أخبرتني عائشة أنها طيبت رسول الله ص - لحرمه حين أحرم ولحله
قبل أن يطوف بالبيت ولم يختلف عليه أحد منهم إلا أن عبد الله بن عبيد الله قال كان عبد الله رجلا جادا مجدا كان يرمي الجمرة ثم يذبح ثم يحلق ثم يركب فيفيض قبل أن يأتي منزله قال سالم صدق ذكره النسائي فهذا عمل أهل المدينة وفتياهم فأي عمل بعد ذلك يخالفه يستحق التقديم عليه
ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن قاسم بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة اهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي وسعد ابن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين وعامل عمر بن الخطاب الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا وكذا فهذا والله هو العمل الذي يستحق تقديمه على كل عمل خالفه والذي من جعله بينه وبين الله فقد استوثق
فيالله العجب أي عمل بعد هذا يقدم عليه وهل يكون عمل يمكن أن يقال إنه إجماع أظهر من هذا وأصح منه
وأيضا فالعمل نوعان نوع لم يعارضه نص ولا عمل قبله ولا عمل مصر آخر غيره وعمل عارضه واحد من هذه الثلاثة فإن سويتم بين أقسام هذا العمل كلها فهي تسوية بين المختلفات التي فرق النص والعقل بينها وإن فرقتم بينها فلابد من دليل فارق بين ما هو معتبر منها وما هو غير معتبر ولا تذكرون دليلا قط إلا كان دليل من قدم النص أقوى وكان به أسعد
وأيضا فإنا نقسم عليكم هذا العمل من وجه آخر ليتبين به المقبول من المردود فنقول عمل أهل المدينة وإجماعهم نوعان أحدهما ما كان من طريق النقل والحكاية والثاني ما كان من طريق الاجتهاد والاستدلال فالأول على ثلاثة أضرب أحدها نقل الشرع مبتدأ من جهة النبي ص
وهو أربعة أنواع أحدها نقل قوله والثاني نقل فعله والثالث نقل تقريره لهم على أمر شاهدهم عليه أو أخبرهم به الرابع نقلهم لترك شيء قام سبب وجوده ولم يفعله الثاني نقل العمل المتصل زمنا بعد زمن من عهده ص - والثالث نقل لأماكن وأعيان ومقادير لم تتغير عن حالها
نقل قوله ص -
ونحن نذكر أمثلة هذه الأنواع فأما نقل قوله فظاهر وهو الأحاديث المدنية التي هي أم الأحاديث النبوية وهي أشرف أحاديث أهل الأمصار ومن تأمل أبواب البخاري وجده أول ما يبدأ في الباب بها ما وجدها ثم يتبعها بأحاديث أهل الأمصار وهذه كمالك عن نافع عن ابن عمر وابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وابن شهاب عن سالم عن أبيه وابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ويحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ومالك عن موسى بن عقبة عن كريب عن أسامة بن زيد والزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب وأمثال ذلك
نقل فعله ص -
أما نقل فعله فكنقلهم أنه توضأ من بئر بضاعة وأنه كان يخرج كل عيد إلى المصلى فيصلي به العيد هو والناس وأنه كان يخطبهم قائما على المنبر وظهره إلى القبلة ووجهه إليهم وأنه كان يزور قباء كل سبت ما شيا وراكبا وأنه كان يزورهم في دورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ونحو ذلك
نقل تقريره ص -
وأما نقل التقرير فكنقلهم إقراره لهم على تلقيح النخل وعلى تجاراتهم التي كانوا يتجرونها وهي على ثلاثة أنواع تجارة الضرب في الأرض وتجارة الإدارة وتجارة السلم فلم ينكر عليهم منها تجارة واحدة وإنما حرم عليهم فيها الربا الصريح ووسائله المفضية إليه أو التوسل بتلك المتاجر إلى الحرام كبيع
السلاح لمن يقاتل به المسلم وبيع العصير لمن يعصره خمرا وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان وكإرارهم على صنائعهم المختلفة من تجارة وخياطة وصياغة وفلاحة وإنما حرم عليهم فيها الغش والتوسل بها إلى المحرمات وكإقرارهم على إنشاد الأشعار المباحة وذكر أيام الجاهلية والمسابقة على الأقدام وكإقرارهم علىالمهادنة في السفر وكإقرارهم على الخيلاء في الحرب ولبس الحرير فيه وإعلام الشجاع منهم بعينه بعلامة من ريشة أو غيرها وكإقرارهم على لبس ما نسجه الكفار من الثياب وعلى إنفاق ما ضربوه من الدراهم وربما كان عليها صور ملوكهم ولم يضرب رسول الله ص - ولا خلفاؤه مدة حياتهم دينارا ولا درهما وإنما كانوا يتعاملون بضرب الكفار وكإقراره لهم بحضرته على المزاح المباح وعلى الشبع في الأكل وعلى النوم في المسجد وعلى شركة الأبدان وهذا كثير من أنواع السنن احتج به الصحابة وأئمة الإسلام كلهم وقد احتج به جابر في تقرير الرب في زمن الوحي كقوله كنا نعزل والقرآن ينزل فلو كان شيء ينهى عنه لنهي عنه القرآن وهذا من كمال فقه الصحابة وعلمهم واستيلائهم على معرفة طرق الأحكام ومداركها وهو يدل على أمرين أحدهما أن أصل الأفعال الإباحة ولا يحرم منها إلا ما حرمه الله على لسان رسوله الثاني أن علم الرب تعالى بما يفعلون في زمن شرع الشرائع ونزل الوحي وإقراره لهم عليه دليل على عفوه عنه والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله أنه في الوجه الأول يكون معفوا عنه استصحابا وفي الثاني يكون العفو عنه تقريرا لحكم الاستصحاب ومن هذا النوع تقريره لهم على أكل الزروع التي تداس بالبقر من غير أمر لهم بغسلها وقد علم ص - أنها لابد أن تبول وقت الدياس ومن ذلك تقريره لهم على الوقود في بيوتهم وعلى أطعمتهم بأرواث الإبل وأخثاء البقر وأنعار الغنم وقد علم أن دخانها ورمادها يصيب ثيابهم وأوانيهم ولم يأمرهم باجتناب ذلك وهو دليل
على أحد أمرين ولابد طهارة ذلك أو أن دخان النجاسة ورمادها ليس بنجس ومن ذلك تقريرهم على سجود أحدهم على ثوبه إذا اشتد الحر ولا يقال في ذلك إنه ربما لم يعلمه لأن الله قد علمه وأقرهم عليه ولم يأمر رسوله بإنكاره عليهم فتأمل هذا الموضع ومن ذلك تقريرهم على الأنكحة التي غقدوها في حال الشرك ولم يتعرض لكيفية وقوعها وإنما أنكر منها ما لا مساغ له في الإسلام حين الدخول فيه ومن ذلك تقريرهم على ما بأيديهم من الأموال التي اكتسبوها قبل الإسلام بربا أو غيره ولم يأمر بردها بل جعل لهم بالتوبة ما سلف من ذلك ومنه تقرير الحبشة باللعب في المسجد بالحراب وتقريره عائشة على النظر إليهم وهو كتقريره النساء على الخروج والمشي في الطرقات وحضور المساجد وسماع الخطب التي كان ينادى بالاجتماع لها وتقريره الرجال على استخدامهن في الطحن والغسل والطبخ والعجن وعلف الفرس والقيام بمصالح البيت ولم يقل للرجال قط لا يحل لكم ذلك إلا بمعاوضتهن أو استرضائهن حتى يتركن الأجرة وتقريره لهم على الإنفاق عليهن بالمعروف من غير تقدير فرض ولا حب ولا خبز ولم يقل لهم لا تبرأ ذممكم من الأنفاق الواجب إلا بمعاوضة الزوجات من ذلك على الحب الواجب لهن مع فساد المعاوضة من وجوه عديدة أو بإسقاط الزوجات حقهن من الحب بل أقرهم على ما كانوا يعتادون نفقته قبل الإسلام وبعده وقرر وجوبه بالمعروف وجعله نظير نفقة الرقيق في ذلك ومنه تقريرهم على التطوع بين أذان المغرب والصلاة وهو يراهم ولا ينهاهم ومنه تقريرهم على بقاء الوضوء وقد خفقت رؤوسهم من النوم في انتظار الصلاة ولم يأمرهم بإعادته وتطرق احتمال كونه لم يعلم ذلك مردود بعلم الله به وبأن القوم أجل وأعرف بالله ورسوله أن لا يخبروه بذلك وبأن خفاء مثل ذلك على رسول الله ص - وهو يراهم ويشاهدهم خارجا إلى الصلاة ممتنع ومنه تقريرهم على جلوسهم في المسجد وهو مجنبون إذا توضئوا ومنه تقريرهم على مبايعة عميانهم على
مبايعتهم وشرائهم بأنقسهم من غير نهي لهم عن ذلك يوما ما وهو يعلم أن حاجة الأعمى إلى ذلك كحاجة البصير ومنه تقريرهم على قبول الهدية التي يخبرهم بها الصبي والعبد والأمة وتقريرهم على الدخول بالمرأة التي يخبرهم بها النساء أنها امرأته بل الاكتفاء بمجرد الإهداء من غير إخبار ومنه تقريرهم على قول الشعر وإن تغزل أحدهم فيه بمحبوته وإن قال فيه ما لو أقر به في غيره لأخذ به كتغزل كعب بن زهير بسعاد وتغزل حسان في شعره وقوله فيه ... كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء ...
ثم ذكر وصف الشراب إلى أن قال ... ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء ...
فأقرهم على قول ذلك وسماعه لعلمه ببر قلوبهم ونزاهتهم وبعدهم عن كل دنس وعيب وأن هذا إذا وقد مقدمة بين يدي ما يحبه الله ورسوله من مدح الإسلام وأهله وذم الشرك وأهله والتحريض على الجهاد والكرم والشجاعة فمفسدته مغمورة جدا في جنب هذه المصلحة مه ما فيه من مصلحة هز النفوس واستمالة إصغائها وإقبالها على المقصود بعده وعلى هذا جرت عادة الشعراء بالتغزل بين يدي الأغراض التي يريدونها بالقصيد ومنه تقريرهم على رفع الصوت بالذكر بعد السلام بحيث كان من هو خارج المسجد يعرف انقضاء الصلاة بذلك ولا ينكره عليهم
فصل نقل الصحابة ما تركه ص -
وأما نقلهم لتركه ص - فهو نوعان وكلاهما سنة أحدهما تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله كقوله في شهداء أحد ولم يغسلهم ولم
يصل عليهم وقوله في صلاة العيد لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء وقوله في جمعه بين الصلاتين ولم يسبح بينهما ولا على أثر واحدة منهما ونظائره والثاني عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ولا حدث به في مجمع أبدا علم أنه لم يكن وهذا كتركه التلفظ بالبته عند دخوله في الصلاة وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائما بعد الصبح والعصر او في جميع الصلوات وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية وقوله اللهم اهدينا فيمن هديت يجهر بها ويقول المأمومين كلهم آمين ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يخل به يوما واحدا وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف ومن ههنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة فإن تركه ص - سنة كما أن فعله سنة فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق
فإن قيل من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم
فهذا سؤال بعيد جدا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح وقال من أين لكم أنه لم ينقل واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة وقال من أين لكم أنه لم ينقل واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الأذان للصلاة يرحمكم الله ورفع بها صوته وقال من أين لكم أنه لم ينقل واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح بين يديه ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر الله واسم رسوله جماعة وفرادى وقال
من أين لكم أن هذا لم ينقل واستحب لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال من أين لكم أن إحياءهما لم ينقل وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى بدعة من أين لكم أن هذا لم ينقل ومن هذا تركه أخذ الزكاة من الخضروات والمباطخ وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بزكاة ولا هم يؤدونها إليه
فصل نقل الصحابة الأعيان وتعيين الأماكن
وأما نقل الأعيان وتعيين الأماكن فكنقلهم الصاع والمد وتعيين موضع المنبر وموقفه للصلاة والقبر والحجرة ومسجد قباء وتعيين الروضة والبقيع والمصلى ونحو ذلك ونقل هذا جار مجرى نقل مواضع المناسك كالصفا والمروة ومنى ومواضع الجمرات ومزدلفة وعرفة ومواضع الإحرام كذي الحليفة والجحفة وغيرهما
فصل نقل الصحابة العمل المستمر
وأما نقل العمل المستمر فكنقل الوقوف والمزارعة والأذان على المكان المرتفع والأذان للصبح قبل الفجر وتثنية الأذان وإفراد الإقامة والخطبة بالقرآن وبالسنن دون الخطبة الصناعية بالتسجيع والترجيع التي لا تسمن ولا تغني من جوع فهذا النقل وهذا العمل حجة يجب اتباعها وسنة متلقاة بالقبول على الرأس والعينين وإذا ظفر العالم بذلك قرت به عينه واطمأنت إليه نفسه
فصل الاختلاف في العمل الذي طريقه الاجتهاد
وأما العمل الذي طريقه الاجتهاد والاستدلال فهو معترك النزال ومحل الجدال قال القاضي عبد الوهاب وقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه
أحدها أنه ليس بحجة أصلا وأن الحجة هي إجماع أهل المدينة من طريق النقل ولا يرجح به أيضا أحد الاجتهادين على الآخر وهذا قول أبي بكر وأبي يعقوب الرازي والقاضي أبي بكر بن منتاب والطيالسي والقاضي أبي الفرج والشيخ أبي بكر الأبهري وأنكروا أن يكون هذا مذهبا لمالك أو لأحد من معتمدي أصحابه
والوجه الثاني أنه وإن لم يكن حجة فإنه يرجح به اجتهادهم على اجتهاد غيرهم وبه قال بعض أصحاب الشافعي
والثالث أن إجماعهم من طريق الاجتهاد حجة وإن لم يحرم خلافه كإجماعهم من طريق النقل وهذا مذهب قوم من أصحابنا وهو الذي عليه كلام أحمد بن المعدل وأبي بكر وغيرهما وذكر الشيخ أن في رسالة مالك إلى الليث بن سعيد ما يدل عليه وقد ذكر أبو مصعب في مختصره مثل ذلك والذي صرح به القاضي أبو الحسين بن أبي عمر في مسألته التي صنفها على أبي بكر الصيرفي نقضا لكلامه على أصحابنا في إجماع أهل المدينة وإلى هذا يذهب جل أصحابنا المغاربة أو جميعهم
فأما حال الأخبار من طريق الآحاد فلا تخلو من ثلاثة أمور إما أن يكون صحبها عمل أهل المدينة مطابقا لها أو أن يكون عملهم بخلافها أو أن لا يكون منهم عمل أصلا لا بخلاف ولا بوفاق فإن كان عملهم موافقا لها كان ذلك آكد في صحتها ووجوب العمل بها إذا كان العمل من طريق النقل وإن كان من طريق
الاجتهاد كان مرجحا للخبر على ما ذكرنا من الخلاف وإن كان عملهم بخلافه نظر فإن كان العمل المذكور على الصفة التي ذكرناها فإن الخبر يترك للعمل عندنا لا خلاف بين أصحابنا في ذلك وهذا أكبر الغرض بالكلام في هذه المسألة وهذا كما نقوله في الصاع والمد وزكاة الخضروات وغير ذلك وإن كان العمل منهم اجتهادا فالخبر أولى منه عند جمهور أصحابنا إلا من قال منهم إن الإجماع من طريق الاجتهاد حجة وإن لم يكن بالمدينة عمل يوافق موجب الخبر أو يخالفه فالواجب المصير إلى الخبر فإنه دليل مفرد عن مسقط أو معارض
هذا جملة قول أصحابنا في هذه المسألة وقد تضمن ما حكاه أن عملهم الجاري مجرى النقل حجة فإذا أجمعوا عليه فهو مقدم على غيره من أخبار الآحاد وعلى هذا الحرف بنى المسألة وقررها وقال والذي يدل على ما قلناه أنهم إذا أجمعوا على شيء نقلا أو عملا متصلا فإن ذلك الأمر معلوم بالنقل المتواتر الذي يحصل العلم به وينقطع العذر فيه ويجب ترك أخبار الآحاد له لأن المدينة بلدة جمعت من الصحابة من يقع العلم بخبرهم فيما أجمعوا على نقله فما هذا سبيله إذا ورد خبر واحد بخلافه كان حجة على ذلك الخبر وترك له كما لو روى لنا خبر واحد فيما تواتر به نقل جميع الأمة لوجب ترك الخبر للنقل المتواتر من جميعهم فيقال من المحال عادة أن يجمعوا على شيء نقلا أو عملا متصلا من عندهم إلى زمن رسول الله ص - وأصحابه وتكون السنة الصحيحة الثابتة قد خالفته هذا من أبين الباطل وإن وقع ذلك فيما أجمعوا عليه من طريق الاجتهاد فإن العصمة لم تضمن لاجتهادهم فلم يجمعوا من طريق النقل ولا العمل المستمر على هذه الشريطة على بطلان خيار المجلس ولا على التسليمة الواحدة ولا على القنوت في الفجر قبل الركوع ولا على ترك الرفع عند الركوع والرفع منه ولا على ترك السجود في المفصل ولا على ترك الاستفتاح والاستعاذة قبل
الفاتحة ونظائر ذلك كيف وقدماؤهم الذين نقلوا العلم الصحيح الثابت الذي كأنه رأي عين عن النبي ص - وأصحابه بخلاف ذلك فكيف يقال إن تركه عمل مستمر من عهد رسول الله ص - إلى الآن هذا من المحال بل نقلهم للصاع والمد الوقوف والأخاير وترك زكاة الخضروات حق ولم يأت عن رسول الله ص - سنة تخالفه البتة ولهذا رجع أبو يوسف إلى ذلك كله بحضرة الرشيد لما ناظره مالك وتبين له الحق فلا يلحق بهذا عملهم من طريق الاجتهاد ويجعل ذلك نقلا متصلا عن رسول الله ص - وتترك له السنن الثابتة فهذا لون وذلك لون وبهذا التمييز والتفصيل يزول الاشتباه ويظهر الصواب
ومن المعلوم أن العمل بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين والصحابة بالمدينة كان بحسب من فيها من المفتين والأمراء والمحتسبين على الأسواق ولم تكن الرعية تخالف هؤلاء فإذا أفتى المفتون نفذه الوالي وعمل به المحتسب وصار عملا فهذا هو الذي لا يلتفت إليه في مخالفة السنن لا عمل رسول الله ص - وخلفائه والصحابة فذاك هو السنة فلا يخلط أحدهما بالآخر فنحن لهذا العمل أشد تحكيما وللعمل الآخر إذا خالف السنة أشد تركا وبالله التوفيق
وقد كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يفتي وسليمان بن بلال المحتسب ينفذ فتواه فتعمل الرعية بفتوى هذا وتنفيذ هذا كما يطرد العمل في بلد أو إقليم ليس فيه إلا قول مالك على قوله وفتواه ولا يجوزن العمل هناك بقول غيره من أئمة الإسلام فلو عمل به أحد لاشتد نكيرهم عليه وكذلك كل بلد أو إقليم لم يظهر فيه إلا مذهب أبي حنيفة فإن العمل المستمر عندهم على قوله وكل طائفة اطرد عندهم عمل من وصل إليهم قوله ومذهبه ولم يألفوا غيره ولا فرق في هذا
العمل بين بلد وبلد العمل الصحيح ما وافق السنة وإذا أردت وضوح ذلك فانظر العمل في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جهره بالاستفتاح في الفرض في مصلى النبي ص - وعمل الصحابة به ثم العمل في زمن مالك بوصل التكبير بالقراءة من غير استفتاح ولا تعوذ وانظر العمل في زمن الصحابة كعبد الله بن عمر في اعتبار خيار المجلس ومفارقته لمكان التبايع ليلزم العقد ولا يخالفه في ذلك صحابي ثم العمل به في زمن التابعين وإمامهم وعالمهم سعيد بن المسيب يعمل به ويفتي به ولا ينكره عليه منكر ثم صار العمل في زمن ربيعة وسليمان بن بلال بخلاف ذلك وانظر إلى العمل في زمن رسول الله ص - والصحابة خلفه وهم يرفعون أيديهم في الصلاة في الركوع والرفع منه ثم العمل في زمن الصحابة بعده حتى كان عبد الله بن عمر إذا رأى من لا يرفع يديه حصبه وهو عمل كان رأي عين وجمهور التابعين يعمل به بالمدينة وغيرها من الأمصار كما حكاه البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما عنهم ثم صار العمل بخلافه وانظر إلى العمل الذي كأنه رأي عين من صلاة رسول الله ص - على ابني بيضاء سهيل وأخيه في المسجد والصحابة معه وصلت عائشة على سعد بن أبي وقاص في المسجد وصلى على عمر بن الخطاب في المسجد ذكره مالك عن نافع عن عبد الله قال الشافعي ولا نرى أحدا من الصحابة حضر موته فتخلف عن جنازته فهذا عمل مجمع عليه عندكم قاله لبعض المالكية وروى هشام عن أبيه أن أبا بكر صلى عليه في المسجد فهذا العمل حق ولو تركت السنن للعمل لتعطلت سنن رسول الله ص - ودرست رسومها وعفت آثارها وكم من عمل قد اطرد بخلاف السنة الصريحة على تقادم الزمان وإلى الآن وكل وقت تترك سنة ويعمل بخلافها ويستمر عليها العمل فتجد يسيرا من السنة معمولا به على نوع تقصير وخذ بلا حساب
ما شاء الله من سنن قد أهملت وعطل العمل بها جملة فلو عمل بها من يعرفها لقال الناس تركت السنة فقد تقرر أن كل عمل خالف السنة الصحيحة لم يقع من طريق النقل البتة وإنما يقع من طريق الاجتهاد إذا خالف السنة كان مردودا وكل عمل طريقه النقل فإنه لا يخالف سنة صحيحة البتة
فلنرجع إلى الأمثلة التي ترك فيها المحكم للمتشابه فنقول
المثال السابع والخمسون ترك السنة المحكمة الصحيحة في الجهر بآمين في الصلاة كقوله في الصحيحين إذا أمن الأمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ولولا جهره بالتأمين لما أمكن المأموم أن يؤمن معه ويوافقه في التأمين وأصرح من هذا حديث سفيان الثوري عن سلمة ابن كهيل عن حجر عن عنبس عن وائل بن حجر قال كان رسول الله ص - إذا قال ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته وفي لفظ وطول بها رواه الترمذي وغيره وإسناده صحيح وقد خالف شعبة سفيان في هذا الحديث فقال وخفض بها صوته وحكم أئمة الحديث وحفاظه في هذا لسفيان فقال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل يقول حديث سفيان الثوري عن سلمة ابن كهيل في هذا الباب أصح من حديث شعبة أخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع فقال عن حجر أبي العنبس وإنما كنيته أبو السكن وزاد فيه علقمة بن وائل وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ليس فيه علقمة وقال وخفض بها صوته والصحيح أنه جهر بها قال الترمذي وسألت أبا زرعة عن حديث سفيان وشعبة هذا فقال حديث سفيان أصح من حديث شعبة وقد روى العلاء بن صالح عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان وقال الدارقطني كذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال إنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا ورفع صوته بآمين وهو الصواب وقال البيهقي لا أعلم اختلافا بين أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا
فالقول قول سفيان وقال يحيى بن سعيد ليس أحد أحب إلي من شعبة ولا يعدله عندي أحد وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان وقال شعبة سفيان أحفظ مني فهذا ترجيح لرواية سفيان وترجيح ثان وهو متابعة العلاء ابن صالح ومحمد بن سلمة بن كهيل له وترجيح ثالث وهو أن أبا الوليد الطيالسي وحسبك به رواه عن شعبة بوفاق الثوري في متنه فقد اختلف على شعبة كما ترى قال البيهقي فيحتمل أن يكون تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه وترك ذكر ذلك علقمة في إسناده وترجيح رابع وهو أن الروايتين لو تقاومتا لكانت رواية الرفع متضمنه لزيادة وكانت أولى بالقبول وترجيح خامس وهو موافقتها وتفسيرها لحديث أبي هريرة وإذا أمن الإمام فأمنوا فإن الإمام يقول آمين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له وترجيح سادس وهو ما رواه الحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال كان رسول الله ص - إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته بآمين ولأبي داود بمعناه وزاد بيانا فقال قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول وفي رواية عنه كان النبي ص - إذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال آمين يرفع بها صوته ويأمر بذلك وذكر البيهقي عن علي كرم الله وجهه قال سمعت رسول الله ص - يقول آمين إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين وعنه أيضا رضي الله عنه أن النبي ص - كان إذا قرأ ولا الضالين رفع صوته بآمين وعند أبي داود عن بلال أنه قال للنبي ص - لا تسبقني بآمين قال الربيع سئل الشافعي عن الإمام هل يرفع صوته بآمين قال نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم فقلت وما الحجة فقال أنبأنا مالك وذكر حديث أبي هريرة المتفق على صحته ثم قال ففي قول رسول الله ص - إذا أمن الإمام فأمنوا دلالة على أنه أمر الإمام أن يجهر بآمين لأن من خلفه لا يعرفون وقت تأمينه إلا بأن يسمع تأمينه ثم بينه
ابن شهاب فقال كان رسول الله ص - يقول آمين فقلت للشافعي فإنا نكره الإمام أن يرفع صوته بآمين فقال هذا خلاف ما روى صاحبنا وصاحبكم عن رسول الله ص - ولو لم يكن عندنا وعندهم علم إلا هذا الحديث الذي ذكرناه عن مالك فينبغي أن يستدل بأن النبي ص - كان يجهر بآمين وأنه أمر الإمام أن يجهر بها فكيف ولم يزل أهل العلم عليه وروى وائل بن حجر أن النبي ص - كان يقول آمين يرفع بها صوته ويحكي مدة إياها وكان أبو هريرة يقول للإمام لا تسبقني بآمين وكان يؤذن له أنبأنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعده يقولون آمين ومن خلفهم آمين حتى إن للمسجد للجة وقوله كان أبو هريرة يقول للإمام لا تسبقني بآمين يريد ما ذكره البيهقي بإسناده عن أبي رافع ان أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم فاشترط عليه أن لايسبقه بالضالين حتى يعلم أنه قد وصل إلى الصف فكان مروان إذا قال ولا الضالين قال أبو هريرة آمين يمد بها صوته وقال إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل السماء غفر لهم وقال عطاء أدركت مائتين من أصحاب رسول الله ص - في هذا المسجد إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بآمين
فرد هذا كله بقوله تعالى وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا والذي أنزلت عليه هذه الآية هو الذي رفع صوته بالتأمين والذين أمروا بها رفعوا به أصواتهم ولا معارضة بين الآية والسنة بوجه ما
المثال الثامن والخمسون ترك القول بالسنة الصحيحة الصريحة المحكمة في أن الصلاة الوسطى صلاة العصر بالمتشابه من قوله وقوموا لله قانتين وهذا عجب من العجب وأعجب منه تركها بأن في مصحف عائشة وصلاة العصر
وأعجب منهما تركها بأن صلاة الظهر تقام في شدة الحر وهي في وسط النهار فأكدها الله تعالى بقوله والصلاة الوسطى وأعجب من ذلك تركها بأن المغرب الوسطى بين الثنائية والرباعية فهي أحق بهذا الاسم من غيرها وأعجب منه تركها بأن صلاة العشاء قبلها صلاة آخر النهار وبعدها صلاة أول النهار وهي وسطى بينهما فهي أحق بهذا الاسم من غيرها وقول رسول الله ص - ونصه الصريح المحكم الذي لا يحتمل إلا ما دل عليه أولى بالاتباع والله الموفق
المثال التاسع والخمسون ترك السنة الصحيحة الصريحة في قول الإمام ربنا ولك الحمد كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة كان رسول الله ص - إذا قال سمع الله لمن حمده قال اللهم ربنا ولك الحمد وفيهما أيضا عنه كان رسول الله ص - يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي ص - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ملء ما شئت من شيء بعد وعن أبي سعيد أن رسول الله ص - كان إذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملءالسماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد
المثال الستون رد السنة الصحيحة المحكمة في إشارة المصلى في التشهد بأصبعه كقول ابن عمر كان رسول الله ص - إذا جلس في الصلاة
وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام رواه مسلم وعنده أيضا عنه ان رسول الله ص - كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ووضع أصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها وعنده أيضا عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله ص - كان إذا قعد في الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبعه ورواه خفاف ابن إيماء بن رحضة ووائل بن حجر وعبادة بن الصامت ومالك بن بهز الخزاعي عن أبيه كلهم عن النبي ص - أنه فعل ذلك وسئل ابن عباس عنه فقال هو الإخلاص فردوا ذلك كله بحديث لا يصح وهو ما رواه محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن أبي غطفان المري عن أبي هريرة مرفوعا التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ومن أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها قال الدارقطني قال لنا ابن أبي داود أبو غطفان هذا مجهول وآخر الحديث زيادة في الحديث ولعله من قول ابن إسحاق والصحيح عن النبي ص - أنه كان يشير في الصلاة
المثال الحادي والستون رد السنة الصحيحة الصلريحة في ضفر رأس المرأة الميتة ثلاث ضفائر كقوله في الصحيحين في غسل ابنته اجعلن رأسها ثلاثة قرون قالت أم عطية ضفرنا رأسها وناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها فدر ذلك بأنه يشبه زينة الدنيا وإنما يرسل شعرها شقين على ثدييها وسنة رسول الله ص - أحق بالاتباع
المثال الثاني والستون ترك السنة الصحيحة الصريحة التي رواها الجماعة عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله ص - فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ولم يقل على صدره غير مؤمل بن إسماعيل وفي صحيح مسلم عنه أنه رأى النبي ص - رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم كبر ثم التحف
بثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما وكبر فرفع فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه فلما سجد سجد بين كفيه وزاد أحمد وأبو داود ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد وفي صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم ولا أعلمه إلا ينهي ذلك إلى النبي ص - وفي السنن عن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى فرآه النبي ص - فوضع يده اليمنى على اليسرى وقال علي من السنة في الصلاة وضع الكف على الكف تحت السرة رواه أحمد وقال مالك في موطئه وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ثم ذكر حديث سهل بن سعد وذكر عن عبد الكريم ابن أبي المخارق البصري أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت ووضع إحدى اليدين على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى ةتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور
وذكر أبو عمر في كتابه من حديث الحارث بن غطيف أو غطيف بن الحارث قال مهما رأيت شيئا فنسيته فإني لم أنس أني رأيت رسول الله ص - واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وعن قبيصة بن ثابت عن أبيه قال رأيت رسول الله ص - واضعا يمينه على شماله في الصلاة وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من السنة وضع اليمين على الشمال في الصلاة وعنه أيضا أنه كان إذا قام إلى الصلاة وضع يمينه على رسغه فلا يزال كذلك حتى يركع إلا أن يصلح ثوبه أو يحك جسده وقال علي عليه السلام في قوله تعالى فصل لربك وانحر أنه وضع اليمين على الشمال في الصلاة تحت صدره وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر الصديق أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة
وقال أبو الدرادء من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة وقال ابن الزبير صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة ذكر هذه الآثار أبوعمر بأسانيدها وقال هي آثار ثابتة وقال وهب بن بقية ثنا محمد بن المطلب عن أبان بن بشير المعلم ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - ثلاث من النبوة تعجيل الفطر وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة وقال سعيد بن منصور ثنا هشيم أنا منصور بن زاذان عن محمد بن أبان الأنصاري عن عائشة قالت ثلاث من النبوة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فردت هذه الآثار برواية ابن القاسم عن مالك قال تركه أحب إلى ولا أعلم شيئا قط ردت به سواه
المثال الثالث والستون رد السنة المحكمة الصريحة في تعجيل الفجر وأن النبي ص - كان يقرأ فيها بالستين إلى المائة ثم ينصرف منها والنساء لا يعرفن من الغلس وإن صلاته كانت التغليس حتى توفاه الله وإنه إنما أسفر بها مرة واحدة وكان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية فرد ذلك بمجمل حديث رافع بن خديج أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار بها دواما لا ابتداء فيدخل فيها مغلسا ويخرج منها مسفرا كما كان يفعله ص - فقوله موافق لفعله لا مناقض له وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه
المثال الرابع والستون رد السنة الثابتة المحكمة الصريحة في امتداد وقت المغرب إلى سقوط الشفق كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن النبي ص - قال وقت صلاة الظهر ما لم تحضر صلاة العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس
وفي صحيحه أيضا عن أبي موسى أن سائلا سأل رسول الله ص - عن المواقيت فذكر الحديث وفيه ثم أمره فأقام المغرب حين وجبت الشمس فلما كان في اليوم الثاني قال ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق وفي لفظ فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق ثم قال الوقت ما بين هذين وهذا متأخر عن حديث جبريل لأنه كان بمكة وهذا قول وذلك فعل وهذا يدل على الجواز وذلك يدل على الاستحباب وهذا في الصحيح وذلك في السنن وهذا يوافق قوله ص - وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي بعدها وإنما خص منه الفجر بالإجماع فما عداها من الصلوات داخل في عمومه والفعل إنما يدل على الاستحباب فلا يعارض العام ولا الخاص
المثال الخامس والستون رد السنة الصريحة المحكمة الثابتة في وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله وأنهم كانوا يصلونها مع النبي ص - ثم يذهب أحدهم إلى العوالي قدر أربعة أميال والشمس مرتفعة وقال أنس صلى بنا رسول الله ص - العصر فأتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله إنا نريد أن ننحر جزورا لنا وإنا نحب أن تحضرها قال نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجد الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس ومحال أن كون هذا بعد المثلين وفي صحيح مسلم عنه وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر ولا معارض لهذه السنن لا في الصحة ولا في الصراحة والبيان فردت هذه السنن بالمجمل من قوله ص - مثلكم ومثل أهل الكتاب قبلكم كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي
إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فعملتم أنتم فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا فقال هل ظلمتم من أجركم شيئا قالوا لا قال فذلكم فضلي أوتيه من أشاء ويالله العجب أي دلالة في هذا على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثلين بنوع من أنواع الدلالة وإنما يدل على أن صلاة العصر إلى غروب الشمس أقصر من نصف النهار إلى وقت العصر وهذا لا ريب فيه
المثال السادس والستون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في المنع من تخليل الخمر كما في صحيح مسلم عن أنس سئل رسول الله ص - عن الخمر تتخذ خلا قال لا وفي المسند وغيره من حديث أنس قال جاء رجل إلى النبي ص - وفي حجره يتيم وكان عنده خمر حين حرمت الخمر فقال يا رسول الله أصنعها خلا قال لا فصبها حتى سال الوادي وقال أحمد ثنا وكيع ثنا سفيان عن السدي عن أبي هريرة عن انس أن أبا طلحة سأل النبي ص - عن أيتام ورثوا خمرا فقال أهرقها فقال أفلا نجعلها قال لا وروى الحاكم والبيهقي من حديث أنس أيضا قال كان في حجر أبي طلحة يتامى فاشترى لهم خمرا فلما أنزل الله تحريم الخمر أتى النبي ص - فذكر ذلك له فقال أأجعله خلا قال لا قال فأهرقه وفي الباب عن أبي الزبير عن جابر وصح ذلك عن عمر ابن الخطاب ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف فردت بحديث مجمل لا يثبت وهو ما رواه الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة أنها كانت لها شاة تحلبها ففقدها النبي ص - فقال ما فعلت بشاتك فقلت ماتت قال أفلا انتفعتم بإهابها قلت إنها ميتة قال فإن دباغها يحل كما يحل الخل الخمر قال الحاكم تفرد به الفرج بن فضالة عن يحيى والفرج
ممن لا يحتج بحديثه ولم يصح تحليل خل الخمر من وجه وقد فسر رواية الفرج فقال يعني أن الخمر إذا تغيرت فصارت خلا حلت فعلى هذا التفسير الذي فسره راوي الحديث يرتفع الخلاف وقد قال الدارقطني كان عبد الرحمن ابن مهدي لا يحدث عن فرج بن فضالة ويقول حدث عن يحيى بن سعد الأنصاري أحاديث مقلوبة منكرة وقال البخاري الفرج بن فضالة منكر الحديث
وردت بحديث واه من رواية مغيرة بن زياد عن أبي الزبير عن جابر يرفعه خير خلكم خل خمركم ومغيرة هذا يقال له أبو هشام المكفوف صاحب مناكير عندهم ويقال إنه حدث عن عطاء بن أبي رباح وأبي الزبير بجملة من المناكير وقد حدث عن عبادة بن نسي بحديث غريب موضوع فكيف يعارض بمثل هذه الرواية الأحاديث الصحيحة المحفوظة عن رسول الله ص - في النهي عن تخليل الخمر ولم يزل أهل مدينة رسول الله ص - ينكرون ذلك قال الحاكم سمعت أبا الحسن علي بن عيسى الحيري يقول سمعت محمد بن إسحاق يقول سمعت قتيبة بن سعيد يقول قدمت المدينة أيام مالك فتقدمت إلى قاض فقلت عندك خل خمر فقال سبحان الله في حرم رسول الله ص - قال ثم قدمت بعد موت مالك فذكرت ذلك لهم فلم ينكر علي وأما ما روى عن علي من اصطباغه بخل الخمر وعن عائشة أنه لا بأس به فهو خل الخمر الذي تخللت بنفسها لا باتخاذها
المثال السابع والستون رد السنة الصحيحة الصريحة في تسبيح المصلى إذا نابه شيء في صلاته كما في الصحيحين من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ص - قال التسبيح في الصلاة للرجال والتصفيق للنساء وفي الصحيحين أيضا عن سهل بن سعد الساعدي أن النبي ص - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فذكر الحديث وقال
في آخره فقال النبي ص - مالي أراكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق لنساء وذكر البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق قال البيهقي رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات فردت هذه السنن بأنها معارضة لأحاديث تحريم الكلام في الصلاة وقد تعارض مبيح وحاظر فيقدم الحاظر والصواب أنه لا تعارض بين سنن رسول الله ص - بوجه وكل منها له وجه والذي حرم الكلام في الصلاة ومنع منه هو الذي شرع التسبيح المذكور وتحريم الكلام كان قبل الهجرة وأحاديث التسبيح بعد ذلك فدعوى نسخها بأحاديث تحريم الكلام محال ولا تعارض بينهما بوجه ما فإن سبحان الله ليس من الكلام الذي منع منه المصلي بل هو مما أمر به أمر إيجاب أو استحباب فكيف يسوى بين المأمور والمحظور وهل هذا إلا من أفسد قياس واعتبار
المثال الثامن والستون رد السنة في إثبات سجدات المفصل والسجدة الأخيرة من سورة الحج كما روى أبو داود في السنن حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيدعن الحارث بن سعيد العتقي عن عبج الله بن منير عن عمرو بن العاص أن النبي ص - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان تابعه محمد بن إسماعيل السلمي عن سعيد بن أبي مريم وقال ابن وهب أنا ابن لهيعة عن مشرح بن عاهان عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ص - فضلت سورة الحج بسجدتين فمن لم يسجد فيهما فلا يقرأهما وحديث
ابن لهيعة يحتج منه بما رواه عنه العبادلة كعبد الله بن وهب وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرى قال أبو زرعة ابن لهيعة كان ابن المبارك وابن وهب يتبعان أصوله وقال عمرو بن علي من كتب عنه قبل احتراق كتبه مثل ابن المبارك وابن المقرى أصح ممن كتب عنه بعد احتراقها وقال ابن وهب كان ابن لهيعة صادقا وقد انتقى النسائي هذا الحديث من جملة حديثه وأخرجه واعتمده وقال ما أخرجت من حديث ابن لهيعة قط إلا حديثا واحدا أخبرناه هلال ابن العلاء ثنا معافي بن سليمان عن موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن لهيعة فذكره
وقال ابن وهب حدثني الصادق البار والله عبد الله بن لهيعة وقال الإمام حمد من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه وقال ابن عيينة كان عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع وقال أبو داود سمعت أحمد يقول ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة وقال أحمد بن صالح الحافظ كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طالبا للعلم
وقال ابن حبان كان صالحا لكنه يدلس عن الضعفاء ثم احترقت كتبه وكان أصحابنا يقولون سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة ابن وهب وابن المبارك والمقرى والقعنبي فسماعهم صحيح وقد صح عن أبي هريرة أنه سجد مع النبي ص - في إذا السماء انشقت وصح عنه ص - أنه سجد في النجم ذكره البخاري
فردت هذه السنن برأي فاسد وحديث ضعيف أما الرأي فهو أن آخر الحج السجود فيها سجود الصلاة لاقتدانه بالركوع بخلاف الأولى فإن السجود فيها مجرد عن ذكر الركوع ولهذا لم يكن قوله تعالى يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين من مواضع السجدات بالاتفاق وأما الحديث
الضضعيف فما رواه أبو داود ثنا محمد بن رافع ثنا أزهر بن القاسم ثنا أبو قدامة عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي ص - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة
فأما الرأي فيدل على فساده وجوه منها أنه مردود بالنص ومنها أن اقتران الركوع بالسجود في هذا الموضع لا يخرجه عن كونه موضع سجدة كما أن اقترانه بالعبادة التي هي أعم من الركوع لا يخرجه عن كونه سجدة وقد صح سجوده ص - في النجم وقد قرن السجود فيها بالعبادة كما قرنه بالعبادة في سورة الحج والركوع لم يزده إلا تأكيدا ومنها أكثر السجدات المذكورة في القرآن متناولة لسجود الصلاة فإن قوله تعالى ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها يدخل فيه سجود المصلين قطعا وكيف لا وهو أجل السجود وأفرضه وكيف لا يدخل هو في قوله فاسجدوا لله واعبدوا وفي قوله كلا لا تطعه واسجد واقترب وقد قال قبل أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ثم قال كلا لا تطعه واسجد واقترب فأمره بأن يفعل هذا الذي نهاه عنه عدو الله فإرادة سجود الصلاة بآية السجدة لا تمنع كونها سجدة بل تؤكدها وتقويها يوضحه أن مواضع السجدات في القرآن نوعان إخبار وأمر فالإخبار خبر من الله تعالى عن سجود مخلوقاته له عموما أو خصوصا فسن للتالي والسامع وجوبا أو استحبابا أن يتشبه بهم عند تلاوة آية السجدة أو سماعها وآيات الأوامر بطريق الأولى وهذا لا فرق فيه بين أمر وأمر فكيف يكون الأمر بقوله فاسجدوا لله واعبدوا مقتضيا للسجود دون الأمر بقوله يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا فالساجد إما متشبه بمن أخبر عنه أو ممتثل لما أمر به وعلى التقديرين يسن له السجود في آخر الحج كما يسن له السجود في أولها فلما سوت السنة بينهما سوى القياس الصحيح والاعتبار الحق بينهما وهذا السجود شرعه الله ورسوله عبودية عند تلاوة هذه الآيات واستماعها وقربة إليه وخضوعا
لعظمته وتذللا بين يديه واقتران الركوع ببعض آياته مما يؤكد ذلك ويقويه لا يضعفه ويوهيه والله المستعان
وأما قوله تعالى يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فإنما لم يكن موضع سجدة لأنه خبر خاص عن قول الملائكة لامرأة بعينها أن تديم العبادة لربها بالقنوت وتصلي له بالركوع والسجود فهو خبر عن قول الملائكة لها ذلك وإعلام من الله تعالى لنا أن الملائكة قالت ذلك لمريم فسياق ذلك غير سياق آيات السجدات
وأما الحديث الضعيف فإنه من رواية أبي قدامة واسمه الحارث بن عبيد قال الإمام أحمد رضي الله عنه هو مضطرب الحديث وقال يحيى ليس بشيء وقال النسائي ليس بالقوي وقال الأزدي ضعيف وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد قلت وقد أنكر عليه هذا الحديث وهو موضع الإنكار فإن أبا هريرة رضي الله عنه شهد سجوده ص - في المفصل في إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك الذي خلق ذكره مسلم في صحيحه وسجد معه حتى لو صح خبر أبي قدامة هذا لوجب تقديم خبر أبي هريرة عليه لأنه مثبت فمعه زيادة علم والله أعلم
المثال التاسع والستون رد السنة الثابتة الصحيحة في سجود الشكر كحديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ص - خرج نحو أحد فخر ساجدا فأطال السجود ثم قال إن جبريل أتاني وبشرني فقال إن الله تعالى يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله تعالى شاكرا وكحديث سعد بن أبي وقاص في سجوده صلى الله عليه وسلم شاكرا لربه لما أعطاه ثلث أمته ثم سجد ثانية فأعطاه الثلث الآخر ثم سجد ثالثة فأعطاه الثلث الباقي وكحديث أبي بكر أن رسول الله ص - كان إذا جاءه أمر يسر به خر ساجدا شكرا لله تعالى وأتاه بشير
يبشره بظفر جند لهم على عدوهم فقام وخر ساجدا وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه وسجد أبو بكر حين جاءه قتل مسيلمة الكذاب وسجد علي كرم الله وجهه حين وجد ذا الثدية في الخوارج الذين قتلهم ولا أعلم شيئا يدفع هذه السنن والآثار مع صحتها وكثرتها غير رأي فاسد وهو أن نعم الله سبحانه وتعالى لا تزال واصلة إلى عبده فلا معنى لتخصيص بعضها بالسجود وهذا من أفسد رأي وأبطله فإن النعم نوعان مستمرة ومتجددة فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات والمتجددة شرع شرع لها سجود الشكر شكرا لله عليها وخضوعا له وذلا في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها وذلك من أكبر أدوائها فإن الله سبحانه لا يحب الفرحين ولا الأشرين فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين وكان سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره ونظير هذا السجود عند الآيات التي يخوف الله بها عباده كما في الحديث إذا رأيتم آية فاسجدوا وقد فزع النبي ص - عند رؤية انكساف الشمس إلى الصلاة وأمر بالفزع إلى ذكره ومعلوم أن آياته تعالى لم تزل مشاهدة معلومة بالحس والعقل ولكن تجددها يحدث للنفس من الرهبة والفزع إلى الله ما لا تحدثه الآيات المستمرة فتجدد هذه النعم في اقتضائها لسجود كتجدد تلك الآيات في اقتضائها للفزع إلى السجود والصلوات ولهذا لما بلغ فقيه الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس موت ميمونة زوج النبي ص - خر ساجدا فقيل له أتسجد لذلك فقال قال رسول الله ص - إذا رأيتم آية فاسجدوا وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي ص - من بين أظهرنا فلو لم تأت النصوص بالسجود عند تجدد النعم لكان هو محض القياس ومقتضى عبودية الرغبة كما أن السجود عند الآيات مقتضى عبودية الرهبة وقد أثنى الله سبحانه على الذين
يسارعون في الخيرات ويدعونه رغبا ورهبا ولهذا فرق الفقهاء بين صلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء بأن هذه الصلاة رهبة وهذه صلاة رغبة فصلوات الله وسلامه على من جاءت سنته وشريعته بأكمل ما جاءت به شرائع الرسل وسننهم وعلى آله
المثال السبعون رد السنة الثابتة الصحيحة بجواز ركوب المرتهن للدابة المرهونة وشربه لبنها بنفقته عليها كما روى البخاري في صحيحه ثنا محمد بن مقاتل أنا عبد الله أنا زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص - الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعن الذي يركب ويشرب النفقة وهذا الحكم من أحسن الأحاكم وأعدلها ولا أصلح للراهن منه وما عداه ففساده ظاهر فإن الراهن قد يغيب ويتعذر على المرتهن مطالبته بالنفقة التي تحفظ الرهن ويشق عليه أو يتعذر رفعه إلى الحاكم وإثبات غيبة الراهن وإثبات أن قدر نفقته عليه هي قدر حلبه وركوبه وطلبه منه الحكم له بذلك وفي هذا من العسر والحرج والمشقة ما ينافي الحنيفية السمحة فشرع الشارع الحكيم القيم بمصالح العبادللمرتهن أن يشرب لبن الرهن ويركب ظهره وعليه نفقته وهذا محض القياس لو لم تأت به السنة الصحيحة وهو يخرج على أصلين أحدهما أنه إذا أنفق على الرهن صارت النفقة دينا على الراهن لأنه واجب أداه عنه ويتعسر عليه الإشهاد على ذلك كل وقت واستئذان الحاكم فجوز له الشارع استيفاء دينه من ظهر الرهن ودره وهذا مصلحة محضة لهما وهي بلا شك أولى من تعطيل منفعة ظهره وإراقة لبنه أو تركه يفسد في الحيوان أو يفسده حيث يتعذر الرفع إلى الحاكم لا سيما ورهن الشاة ونحوها إنما يقع غالبا بين أهل البوادي حيث لا حاكم ولو كان فلم يول الله ولا رسوله الحاكم هذا الأمر الأصل الثاني أن
ذلك معاوضة في غيبة أحد المعاوضين للحاجة المصلحة الراجحة وذلك أولى من الأخذ بالشفعة بغير رضا المشتري لأن الضرر في ترك هذه المعاوضة أعظم من الضرر في ترك الأخذ بالشفعة وأيضا فإن المرتهن يريد حفظ الوثيقة لئلا يذهب ماله وذلك إنما يحصل ببقاء الحيوان والطريق إلى ذلك إما النفقة عليها وذلك مأذون فيه عرفا كما هو مأذون فيه شرعا
وقد أجرى العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع منها نقد البلد في المعاملات وتقديم الطعام إلى الضيف وجواز تناول اليسير مما يسقط من الناس من مأكول وغيره والشرب من خوابي السيل ومصانعه في الطرق ودخول الحمام وإن لم يعقد عقد الإجارة مع المحامي لفظا وضرب الدابة المستأجرة إذا حرنت في السير وإيداعها في الخان إذا قدم بلدة أو ذهب في حاجة ودفع الوديعة إلى من جرت العادة بدفعها إليه من امرأة أو خادم او ولد وتوكيل الوكيل لما لا يباشره مثله بنفسه وجواز التخلي في دار من أذن له بالدخول إلى داره والشرب من مائه والاتكاء على الوسادة المنصوبة وأكل الثمرة الساقطة من الغصن الذي على الطريق وإذن المستأجر للدار لمن شاء من أصحابه أو أضيافه في الدخول والمبيت والثوى عنده والانتفاع بالدار وإن لم يتضمنهم عقد الإجارة لفظا اعتمادا على الإذن العرفي وغسل القميص الذي استأجره للبس مدة يحتاج فيها إلى الغسل ولو وكل غائبا أو حاضرا في بيع شيء والعرف قبض ثمنه ملك ذلك ولو اجتاز بحرث غيره في الطريق ودعته الحاجة إلى التخلي فيه فله ذلك إن لم يجد موضعا سواه إما لضيق الطريق أو لتتابع المارين فيها فكيف بالصلاة فيه والتيمم بترابه ومنها لو رأى شاة غيره تموت فذبحها حفظا لماليتها عليه كان ذلك أولى من تركها تذهب ضياعا وإن كان من جامدي الفقهاء من يمنع من ذلك ويقول هذا تصرف في ملك الغير ولم يعلم هذا اليابس أن التصرف في ملك الغير
إنما حرمه الله لما فيه من الإضرار به وترك التصرف ههنا هو الإ ضرار
ومنها لو استأجر غلاما فوقعت الأكلة في طرفه فتيقن أنه إن لم يقطعه سرت إلى نفسه فمات جاز له قطعه ولا ضمان عليه ومنها لو رأى السيل يمر بدار جاره فبادر ونقب حائطه وأخرج متاعه فحفظه عليه جاز ذلك ولم يضمن نقب الحائط ومنها لو قصد العدو مال جاره فصالحه ببعضه دفعا عن بقيته جاز له ولم يضمن ما دفعه إليه ومنها لو وقعت في النار في دار جاره فهدم جانبا منها على النار لئلا تسري إلى بقيتها لم يضمن ومنها لو باعه صبرة عظيمة أو حطبا أو حجارة ونحو ذلك جاز له أن يدخل ملكه من الدواب والرجال ما ينقلها به وإن لم يأذن له في ذلك لفظا ومنها لو جذ ثماره أو حصد زرعه ثم بقي من ذلك ما يرغب عنه عادة جاز لغيره التقاطه وأخذه وإن لم يأذن فيه لفظا ومنها لو وجد هديا مشعرا منحورا ليس عنده أحد جاز له أن يقتطع منه ويأكل منه ومنها لو أتى إلى دار رجل جاز له طرق حلقه الباب عليه وإن كان تصرفا في بابه لم يأذن فيه لفظا ومنها الاستناد إلى جداره والاستظلال به ومنها الاستمداد من محبرته وقد أنكر الإمام أحمد على من استأذنه في ذلك
وهذا أكثر من أن يحصر وعليه يخرج حديث عروة بن الجعد البارقي حيث أعطاه النبي ص - دينارا يشتري له به شاة فاشترى شاتين بدينار فباع إحداهما بدينار وجاءه بالدينار والشاة الأخرى فباع وأقبض وقبض بغير إذن لفظي اعتماد امنه على الإذن العرفي الذي هو أقوى من اللفظي في أكثر المواضع ولا إشكال بحمد الله في هذا الحديث بوجه ما وإنما الإشكال في استشكاله فإنه جاز على محض القواعد كما عرفته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق