أيها الأخوة الكرام ، من كتب الحديث المعتمدة الترغيب والترهيب ، ولهذا الكتاب اختصارات كثيرة ، وتهذيبات كثيرة ، من بين هذه التهذيبات تهذيب الترغيب والترهيب لحبيب الرحمن الأعظمي .
اخترت هذا الكتاب لندرس أحاديثه حديثاً حديثاً ، فالسنة كما تعلمون الأصل الثاني لهذا الدين العظيم ، كتاب الإخلاص ، الترغيب في الإخلاص .
1 ـ رجل آتاه الله مالاً وعلماً :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( مثل هذه الأمة كأربعة نفر ، رجل آتاه الله مالاً وعلماً ، فهو يعمل بعلمه في ماله ، فينفقه في حقه )) .
[ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] .
أي يكسبه من طريق مشروع ، وينفقه في الوجه المشروع ، هو عالم وغني ينفق المال وفق ما أراد الله ، ويكسبه من الطرق التي سمح الله بها .
2 ـ و رجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً :
(( ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً ، فهو يقول : لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل ، قال عليه الصلاة والسلام : فهما في الأجر سواء )) .
[ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] .
أن تتمنى أن تعمل عملاً صالحاً ، صادقاً ، مخلصاً ، هذه النية الطيبة كأنك فعلت هذا العمل ، رجل آتاه الله علماً ، ولم تؤته مالاً ، يقول :
(( لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل )) .
ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم : " لو كان لي مثل أُحد ذهباً لأنفقته في ثلاثة أيام في سبيل الله" .
أحياناً كثيرة تنوي أن تعمل عملاً طيباً لا يتاح لك أن تعمله ، يجب أن تتأكد أن الله كتب لك هذا العمل ، عملته أو لم تعمله ، هذا فقط عند الله ، أما عند الناس لا يمكن أن تأخذ ثمن شيء إلا إذا قدمته ، يكفي أن أقول لكم : لو وضعت قدمك في أول طريق الإيمان وجاءت المنية كأنك وصلت إلى آخره .
زيد الخير تمنى أن يغزو الروم ، بين إسلامه وبين موته أقل من يومين ، يقول له النبي الكريم : لله ذرك أي رجل أنت ؟ ما وصف لي رجل فرأيته إلا رأيته دون ما وصف إلا أنت يا زيد ، فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله ، الأناة والصمت .
3 ـ و رجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً :
الرجل ثالث :
(( ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً ، فهو يخبط في ماله ، ينفقه في غير حقه )) .
[ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] .
والمال من دون علم خطر جداً ، لأنه يزيد العاصي معصية .
للإمام الشافعي كلمة أعجبتني ، قال : " السفر يزيد التقي تقى ، والفاجر فجوراً ".
إذا سافر إنسان تقي فيلتقي بالعلماء ، يتسع أفقه ، يتعلم منهم ، يطلع على نشاطات لا يعرفها هو ، يزداد علمه ، ويزداد أفقه اتساعاً ، وتزداد معرفته ، وقد يعطي ، وقد يأخذ ، يعطي ، ويأخذ ، فالسفر زاده تقى ، وزاده علماً .
بل إن الإمام الشافعي يقول : " من لم يعهد منه سفر لم يعهد منه علم " .
الإنسان إذا سافر يرى موقعه الحقيقي من بين المواقع الأخرى ، يرى وضع بلده من بين البلاد الأخرى ، يقتبس ، يعطي ، ويأخذ ، قال : " والسفر أيضاً يزيد الفاجر فجوراً " ببلده يوجد رقابة ، بينما في السفر لا يوجد رقابة ، لو فعل شيئاً منكراً في بلده شوهت سمعته، أما هناك لا أحد يعرفه ، فالسفر يزيد التقي تقى ، والفاجر فجوراً ، قال :
(( هذا ينفق ماله فهو يخبط في ماله )) .
معنى يخبط أي يتصرف فيه تصرف الأحمق ، ينفقه في الباطل ، من صفات أهل الدنيا أنهم ينفقون الألوف المؤلفة ، بل والملايين المملينة ـ إن صحّ التعبير ـ على شهواتهم، أما إذا دعوا إلى عمل صالح أحجموا ، إن أمسكوه أمسكوه بخلاً وتقتيراً ، وإن أنفقوه أنفقوه إسرافاً وتبذيراً .
4 ـ ورجل لم يؤته الله علماً ولا مالاً :
(( قال : فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه ، ورجل لم يؤته الله علماً ، ولا مالاً ، فهو يقول : لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ، قال : فهم في الوزر سواء )) .
[ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] .
لا علم ولا مال ، لكنه يتمنى أن يعمل كما يعمل هذا الفاسق ، قال : فهم في الوزر سواء .
لذلك : من شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عن معصية فأقرها ـ رغب فيها ـ كان كمن شهدها ، يجوز ألا تصدق ، قال لك إنسان : هناك شخص يعيش بكندا ، يفعل من المعاصي ما يشتهي ، والله دبر حاله فهنيئاً له ، أنت هل تعرف أنك بهذه الكلمة التي لا تعبأ بها كسبت مثل وزره تماماً ، لأنك أقررته على ذلك ، وتمنيت أن تكون مثله ، هناك الكثير من المعاصي والآثام في بلاد الغرب ، الفاسق يتمناها ، والمؤمن يقول : معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين .
(( قال : فهما في الوزر سواء )) .
[ أخرجه الترمذي وصححه ، وأحمد وابن ماجه واللفظ له عن أبي كبشة الأنماري] .
معنى ذلك أنك إذا تمنيت طاعة كتبت لك طاعة ، وإذا تمنيت معصية كتبت لك معصية ، فالتمني خطير .
الشيء الثاني ، ما أجمل العلم والمال إذا اجتمعا ، وما أخطر المال إذا انفرد من دون علم ، لأن صاحبه يتكبر ، يتكبر من جهة أن صاحبه يكتسب نفسية مقيتة ، ثم إنه ينفقه في الوجوه التي لا ترضي الله عز وجل .
أنا أقول لكم دائماً : إياكم أن تظنوا أن المال إكرام من الله ، إلا في حالة واحدة إلا إذا مكنك الله من إنفاقه في الحق ، ينقلب إلى نعمة ، وقبل أن تنفقه بالحق ليس نعمة وليس نقمة ، هو حيادي ، اسمه ابتلاء ، المال ابتلاء ، أُنفق في المعصية صار نقمة ، أُنفق في الطاعة صار نعمة ، وقس على هذا كل حظوظ الدنيا ، الزوجة الجيدة إذا أخذت بيدها إلى الله ورسوله أصبحت نعمة ، وإن أطلقتها و فعلت ما تشاء ، أو أرخيت لها الحبل ، حققت منها مصالحك ، ولم تعبأ بدينها ، انقلبت إلى نقمة ، فكل حظوظ الدنيا سمّها ابتلاء ، إن وظفتها بالحق فهي نعمة ، وإن وظفتها بالباطل فهي نقمة .
لذلك عندما قال قارون :
( سورة القصص ) .
لمجرد أن تقول : يا ليتني مثل فلان يمكن أن تأخذ صفراً بالإيمان ، إذا فلان فاسق لكنه غني ، رأيت إنساناً غنياً ، ماله كله حرام ، يسكن في أجمل بيت ، يركب أجمل مركبة ، يلبس أجمل ثياب ، يأكل أطيب الطعام ، إذا قلت هنيئاً له ، هذا كلام يقوله معظم الناس : ليتني مثله .
دققوا أيها الأخوة ، تعرف أن ماله حرام ، كسبه حرام ، باني ثروته على الربا ، من طريق غير مشروع ، من معاصٍ وآثام ، يقول لك : انظر هذا البيت ـ صاحبه عنده ملهى ـ والله هذا البيت جميل ، هنأه الله ، لا ، هذا من مال حرام ، اسكن بغرفة برأس الجبل من مال حلال تهنأ بها ، لا تطمع بالحرام أبداً ، أما المؤمن يغبط مؤمناً آخر ، يغبط مؤمناً ماله حلال لا يوجد مشكلة ، يا ليتني مثله لا يوجد مانع ، لعل الله يرزقني مثلما رزقه ، إذا كان المؤمن دخله حلال ، وإنفاقه حلال ، وتمنيت أن تكون مثله لا يوجد مانع ، هذه اسمها غبطة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل :
(( إنَّ الله تعالى كَتَبَ الحسناتِ والسيئاتِ ، ثم بيَّن ذلك ، فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ] .
أي لم يندم على أنه غير رأيه ، لا ، لم يتح له أن يعملها .
(( فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هَمَّ بها وعَمِلها ، كَتَبَها الله له عنده عَشْرَ حسنات إلى سبعمائة ضِعْف ، إلى أضعاف كثيرة ، ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ] .
لم يستطع أن يفعلها .
(( كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) .
لكن ندم ، راجع نفسه ، قال : معاذ الله ، أنا كنت على خطأ .
(( ومنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها ، كَتَبَها الله عنده حسنة ، وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ] .
دقق في همومك ، هممت بحسنة لم تعملها ، لم يتح لك أن تعملها ، كتبت حسنة ، إن عملتها كتبت عشر حسنات ، هممت بسيئة ـ لا سمح الله ـ ندمت على هذا ، استرجعت واستغفرت ، كتبت لك حسنة ، هي سيئة ، لأنك استحييت من الله ، لأنك خشيت الله ، لأنك راجعت نفسك ، لأنك ندمت على ما فعلت كتبت حسنة ، أما في حال إذا همّ الإنسان بسيئة فلم يتح له أن يعملها ، ذاهب لصفرة حمراء ، أصدقاؤه لم يأتوا ، والبيت مغلق ، عليه وزر كأنه فعلها ، فلم يعملها خوفاً من الله ، مراجعة لنفسه ، توبةً ، ندماً ، قال :
(( وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها ، كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) .
[ متفق عليه عن ابن عباس ] .
آخر فكرة ، أن الله عز وجل جعل ملك اليمين أميراً على ملك الشمال ، فالحسنة لمجرد أن تعملها كتبت حسنة ، أما لو عملت سيئة لا يكتب ملك الشمال هذه السيئة إلا إذا أمر ملك اليمين ، ملك اليمين ينتظر هل ندم على فعله ؟ هل استرجع ؟ هل استغفر ؟ هل أقلع هل استحى من الله ؟ لم يسترجع ، ولم يستغفر ، ولم يستحِ ، ولم يندم ، وذكرها للناس ، بل افتخر بها عندئذً يقول ملك اليمين لملك الشمال اكتبها عليه سيئة .
موضوع اليوم الإخلاص ، الإخلاص عمل القلب ، الإخلاص عبادة القلب .
( سورة الزمر ) .
الجوارح تعبد ، تصلي ، تصوم ، تحج ، تزكي ، الجوارح تغض البصر ، تضبط اللسان ، هذا عمل الجوارح ، أما القلب تبتغي بهذا وجه الله عز وجل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق