لحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . أيها الأخوة الكرام : (( ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد ، والآخر عالم ، فقال عليه الصلاة والسلام : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . هو سيد الخلق ، هو في قمة المجتمع البشري ، هو في قمة ولد آدم ، وانظر إلى أدنى إنسان في الأرض ، المسافة بين رسول الله وبين أدنى إنسان هي المسافة نفسها بين العالم والعابد ، كل إنسان طبق أوامر الله فهو عابد ، فكل إنسان تعرف إلى الله فهو عالم ، العابد مقاومته هشة ، امرأته تفتنه ، تهديد يخرجه عن طاعته لله ، فتنة تصرفه عن الدين ، مقاومته هشة جداً ، إذا أفلح العابد قبل مئة عام يوم كان الناس منضبطين ، يوم كان الناس على شيء من الدين ، العابد الآن لا يفلح أبداً ، لأن الفتن مستعرة ، والشهوات متقدة ، والباطل له جولة كبيرة ، فالتقليد لا ينفع الآن لو أردت أن تقلد أهل الدنيا لرأيتهم غارقون فيها. لذلك النبي عليه الصلاة والسلام فرّق بين العابد والعالم ، وقال : (( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . (( وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . أضرب لكم مثلاً : حاجب أو آذن في جامعة ، يقف على مدخل الجامعة ، مهمته أن يبقى على الباب ، كل يوم يدخل بعض الأساتذة ، يقف لهم ، ويرحب بهم ويجلس ، هذا الأستاذ الكبير يدخل إلى القاعة ويلقي درساً ، أنا أوازن بين طالب يستمع إلى دروس الأستاذ وبين الآذن الذي يقف على الباب ، كلاهما يحترم الأستاذ ، لكن الآذن سنة ، وسنتان ، وثلاث سنوات يقول لك : أنا بالجامعة من ثلاثين سنة ، لكن معرفته بهذا الأستاذ لا تزيد ولا شعرة ، هو أديب مع الأستاذ ، وكلما دخل يقف له ، أما هذا الذي يستمع إلى محاضراته ، محاضرة تلوى المحاضرة ، يرى من علمه الغزير ، من فهمه العميق ، يرى من ثقافته العالية ، يرى من دقة محاكمته ، يرى من عمق تفكيره ، يرى من صواب آرائه ، يرى من سعة إطلاعه ، إذاً الموازنة كبيرة بين كل طالب يتلقى كل يوم علماً جديداً من هذا الأستاذ ، ويزداد حجمه عنده ، وبين المستخدم الذي يرحب به كل يوم ، ولا يزيد علمه شعرة ولا درجة ، طوال ثلاثين عاماً . قلت لكم من قبل : إن النبي عليه الصلاة والسلام ما حبذا أن يقبع الإنسان في المسجد ليصلي ويدع العمل ، فلما رأى شاباً يصلي ، سأله من يطعمك ؟ قال : أخي ، قال : أخوك أعبد منك . النبي الكريم وقف موقفاً يناقض هذا الموقف مع إنسان آخر ، إنسان اشتكى للنبي أن شريكه لا يقدم الجهد الكافي ، شريكه كان طالب علم ، فقال عليه الصلاة والسلام : لعلك تُرزق به ، كأنه رحب بهذا الذي يطلب العلم ، ووعد الشريك الذي يتعب أن رزق هذه الشركة بسبب هذا الطلب ، لعلك ترزق به ، بينما لم يرحب بالأول الذي قبع في المسجد وترك العمل . أيها الأخوة الكرام : (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . يروى أن رجلاً أراد أن يبين للناس هشاشة العبادة وعمق العمل ، فارتدى جبة ولفة خضراء ، وطرق باب أحد العباد ، قال له : من أنت ؟ قال له : أنا الخضر ، فهذا العابد اختل توازنه ، وبكى ، وفرح ، قال له : أنا أعطيك بشارة أولى رفعت عنك الصلاة ، فازداد إعجاباً ، وازداد بكاء ، وازداد ثناء ، فلما ذهب هذا الرجل ذي العمامة الخضراء إلى بيت العالم وقال له : رفعت عنك الصلاة ، ذهب وأتى بقضيب ليضربه . الدجال يضحك على مليون عابد ، ولكن لا يستطيع أن يمرر كذبة واحدة على عالم ، لا أقول أن يكون كل واحد منا عالماً بالمعنى المألوف ، لا ، يجب أن يفقه أمر دينه ، يجب أن يعرف أن أحداً في الأرض لا يستطيع أن يلغي أي عبادة . أحياناً تذهب إلى بلاد طويلة عريضة ألغيت فيها عبادة من العبادات الكبرى التي ودر فيها صفحة في كتاب الله ، لأنه لا يوجد علم ، صفحة في كتاب الله تقرر عبادة أساسية تلغى ؟ يلغيها إنسان ؟ العلم لا بد منه . إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم . تجد العابد أحياناً يحكي ألف قصة كلها ليس لها أصل إطلاقاً ، تتناقص مع كتاب الله ، لأنه لم يطلب العلم ، الآن يأتي إنسان ويفتري فرية في الإسلام ، يصدقها عامة الناس ، يقول : هكذا قال فلان من الناس ، أما الميزان الدقيق ، معك كتاب ، معك سنة ، الكتاب يفهم وفق علم الأصول ، السنة تفهم وفق علم الفقه ، أما كل من قال كلمة في الدين نصدقه ؟. أنا أقول مرة : لو جمعنا ما قيل في الإسلام منذ أن ظهر وحتى الآن ، لوجدنا ركاماً من المقولات ـ لا أقول حقائق ـ لا تحصى ، كيف السبيل إلى معرفة الصواب منها ؟ تحتاج مقياساً ، العلم يعطيك المقياس ، هذه القصة ساقطة لأنها تناقض هذه الآية ، هذا العمل خطأ لأن النبي نهى عنه ، فأنت حينما تعلم الكتاب والسنة تملك المقياس ، المنهج ، يسمى منهج التلقي لا تقبل إلا حقاً ، ولا تصدق إلا حقاً ، لا تقبل إلا بالدليل ، ولا ترفض إلا بالدليل. فلذلك أيها الأخوة ، العالم قلّما يخطئ لأن معه منهجاً ، والعابد قلّما يصيب لأنه بلا منهج ، يتحرك بحركة عاطفية هوجاء انفعالية ، عندنا مشكلة ، يأتي شخص إلى مسجد يتأثر تأثراً لا حدود له ، ويبكي ، ويصلي ، وينتكس فجأة ، ينتكس فيدع الصلاة ، وينغمس في الملهيات ، ما تفسير ذلك ؟ هذا عابد وليس عالم ، العالم لا يتأثر . أنا أعرف إنساناً لأنه وقعت له مشكلة مع أخ في المسجد ترك الدين كله ، ترك الاستقامة ، هذا عابد ، أدق كلمة العابد هش المقاومة ، سريع العطب ، أقل ضغط يخرجه عن طاعته لله ، أقل إغراء يخرجه عن استقامته . (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . (( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . (( وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب )) . [أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء ] . أيها الأخوة ، العلم خير من المال لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق . أنا سمعت قصة عن سائق سيارة استوقفته امرأة ، و عندما وقف سألها إلى أين تريدين أن تذهبي ؟ قالت : إلى حيث تريد ، فهم ، وقضى حاجته ، وأعطته ظرفين ، بالأول رسالة ، وفي الثاني مبلغ من المال كبير ، خمسة آلاف دولار ، هذا لجهله ، ولأنه لم يطلب العلم ، ولأن العلم الذي ينبغي أن يطلبه يحرسه ، فرح فرحاً شديداً قضى حاجته منها ، ونال هذين الظرفين ، في الأول مبلغ كبير ، ذهب ليصرف المبلغ فإذا به مبلغ مزور ، فأدخل إلى السجن ، أما الرسالة الثانية تقول له : مرحباً بك في نادي الإيدز ، المرأة مصابة ، هذا لو طلب العلم ، لو عرف حدود الإنسان ، لو عرف أن الزنا محرم ، كان قد ركلها بقدمه ، العلم يحرس ، الآن تجد أكثر من في السجن خالف منهج الله عز وجل ، لو لم يخالف لما وقع في هذه المشكلة . الآن أكثر الخيانات الزوجية سببها مخالفة لمنهج الله ، أطلق لها العنان ، يغيب عنها كثيراً ، لا يلتفت إليها ، يأتي بأصدقائه إلى البيت ، يجلسون معاً ، فصار هناك خيانة ، العالِم في حصن حصين ، أقول العلم الحقيقي ، تعرف الحدود ، الحلال والحرام ، الخير والشر ، الآن أكثر الناس يدخل عليهم موضوع الاستثمار بربح ثابت ، ربا مئة بالمئة ، ماذا تعطيني على الألف ؟ مرتاح ، قال لي : أنا لا أحب الحسابات ، أنا أريد مبلغاً ثابتاً ، لو طلب العلم يوماً واحداً بالسنة لرفض هذا الأسلوب ، لأن هذا ربا ، كالبنك تماماً ، ساعة ربح ثابت، ساعة اختلاط ، هذه مثل أختي إن شاء الله ، من قال لك مثل أختك ؟ هل أنت مشرع ؟ في العلاقات الاجتماعية هناك تجاوزات ، هذه تنتهي بالطلاق ، بالخيانة الزوجية ، لأن هناك جهل ، أو ينتهي بكسب المال الحرام ، أما العالم : (( ولفقيه واحدٌ أشد على الشيطان من ألف عابد )) . [ابن عساكر عن أبي هريرة] . الدرس الذي قبل البارحة ، الإنسان عندما يلبس ثيابه ، ويخرج من بيته ، ليرتاد أحد مساجد الله ليطلب العلم ، هو لا يدري أن هذا الطريق ينتهي به إلى الجنة ، له تفسير دقيق لأنك تطلب العلم ، تحب ذاتك ، تحب وجودك ، تحب سلامة وجودك ، هذه حرام ، هذه حلال ، هذه تجوز ، هذه لا تجوز ، وأنت لا تدري ، تلاحظ مؤمناً قديماً في المسجد ، كلامه مضبوط ، بيته مضبوط ، هناك استقامة ، و سرور ، و سعادة ، ناتجة من طلب العلم ، الإنسان من دون علم بهيمة ، أو دابة فلتانة ، إذا كان دابة فلتانة ، أو بقرة مجنونة ماذا يفعل ؟ لذلك عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال : (( ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد ، والآخر عالم ، فقال عليه الصلاة والسلام : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم )) . [الترمذي عن أبي أمامة] . مثلاً النبي قال : (( الحَمْوُ : الموتُ )) . [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عقبة بن عامر ] . الآن معظم الناس لا يعبؤون بهذا ، الأقارب ، المرأة القريبة الأجنبية أشد خطراً من المرأة البعيدة الأجنبية . أنا حدثني رجل قال لي : أخي ترك أخوين له ، وزوجته ، وسافر إلى مصر ، الأخ الصغير يكاد ينفجر من شدة القلق ، قال لي : أخي الكبير يأتي إلى غرفة زوجة أخيه الذي سافر إلى مصر بالليل كل يوم والزوجة شابة ، هذا يجهل كل شيء عن الدين . أنا أذكر ، وقلت هذا كثيراً : أول ما خطبت في هذا المسجد ، عقب إحدى الخطب استوقفني رجل وصار يبكي ، لفت نظري بكاؤه ، قال لي : زوجتي تخونني منذ خمس سنوات قلت : مع من ؟ قال : مع جاري ، قلت له : كيف عرفت هذا الجار ؟ قال : مرة زارنا فقلت لها : تعالي واجلسي معنا ، هذا الجار كأخيك ، من هنا بدأت المشكلة ، قلت له : لو حضرت مجلس علم لما وقعت في هذا ، لو عرفت أن هذا لا يجوز لما فعلت هذا ، فالبارود بارود ، والنار نار ، فإذا قربت النار من البارود صار هناك انفجار ، والناس يركبون رؤوسهم . فيا أيها الأخوة الكرام ، معرفة كلام الله ، معرفة سنة النبي ، معرفة أحكام الفقه ، هناك ألف طريق لكسب المال الحرام . البارحة سألني أخ ، أنه يبيع سلعة ديناً بثمن مرتفع ، ثم يشتريها نقداً بثمن منخفض ، السلعة هي هي ، وهو مرابٍ بأسلوب شرعي ، سجادة يبيعها بألف ليرة ديناً ويشتريها بثمانمئة نقداً ، سجل ألف ودفع ثمانمئة ، هذا إنسان مرابٍ ، يقول : هذا بيع وشراء، هو فعلاً بيع وشراء ، لكن هذا البيع والشراء أراد منه القرض الربوي ، الحاجة نفسها والبيع شكلي ، فالبيع ليس حقيقياً . آلاف الفتاوى ، آلاف الأخطاء ، في الزواج ، في كسب المال ، في العلاقات الاجتماعية ، في السفر ، في البيع والشراء . الآن تجد إنساناً يصلي ، يحرم البنات ، ما قيمة عبادتك طول عمرك ؟ ستون سنة تعبد الله ، لماذا حرمت البنات ؟ أنت خالفت منهج الله عز وجل . اتصلت بي زوجة ، قالت : لا أسامح أبي ، أتمنى له كل شر ، لأنه حرمها كلياً وأعطى أولاده الشباب ، بنت هذه لها حق عندي ، هناك جهل ، الأب يصلي و يحرم ورثته؟! يا أيها الأخوة ، عليكم بطلب العلم كما قال الإمام الشافعي : "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، لكن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ". أنا كان عمري بالعشرين سنة تقريباً ، صاحبت رجلاً من أقربائنا و هو إنسان راقٍ جداً في مسير ، وصلنا إلى بيت ابنه ، طرق الباب ، فخرجت زوجة ابنه ، قال لها : هنا فلان ؟ قالت له : لا ، فمشى ، والطريق طويل ، أنا تمنيت أن ندخل لنرتاح ، بيت ابنه ، قال لي : لا يجوز أن ندخل في غيبة ولدي ، أنا ما عرفت ، هذا بيت ابنه ! وهذه امرأة ابنه ! ثم قرأت في كتب الفقه أنه لا يجوز الخلوة بالصهرة الشابة ، ثم بلغني عن بعض الأشخاص أنه يتحرش بزوجة ابنه في غيبته ، فالفقهاء عندما يجتهدون أن هذا الشيء لا يجوز فهذا لحكمة بالغة ، إذاً هناك محارم كالأم ، والأخت ، والبنت ، هؤلاء صنف ، وهناك محارم من صنف ثان ، لكن لا يجوز الخلوة بها . أحد أخواننا قال لي : أنا كل يوم آتي وأصلي الفجر عندك ـ القصة قديمة ـ وابني يخونني مع زوجتي ، طبعاً زوجته الثانية ، كل يوم ، ما هذا الكلام ؟ لأن الابن شاب ، والزوجة شابة ، والزوج كبير ، و صلاة الصبح ثابتة ، وقت مضمون ، طبعاً طلقها ، هناك خلوة ، الخلوة خطيرة جداً ، فزوجة الأب ، زوجة الابن ، هذه محارم ، لكن من نوع ثان ، ليست مثل الأم ، والأخت ، والبنت ، هذه لا يجوز الخلوة بها . أنا لا أريد أن أعطي تفاصيل ، أريد أن نعلم أن هذا الشرع من عند خالق الإنسان، وهو وحده الخبير به ، فالإنسان عليه أن يطبقه كي يسلم ، قلت كلمة : تطبق الشرع فتسلم ، تقترب من الله فتسعد ، السعادة بالقرب منه ، والسلامة بتطبيق أمره ، هناك شخص يطبق أمره لكن لا يسعد ، مشغول في الدنيا ومهموم ، مستقيم ، تطبيق شرعه تسلم من كل عطب ، والقرب منه تسعد أيما سعادة . والحمد لله رب العالمين |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق