قاعدة
طالب الله والدار الآخره لا يستقيم له سيره وطلبه الا بحبسين حبس قلبه فى طلبه ومطلوبه وحبسه عن الالتفات الى غيره وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه علي ذكر الله وما يزيد فى ايمانه ومعرفته وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن الى أوسع فضاء وأطيبه ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما الى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا اما متخلص من الحبس واما ذاهب الي الحبس وبالله التوفيق
ودع ابن عون رجلا فقال عليك بتقوي الله فأن المتقى ليست عليه وحشة وقال زيد بن أسلم كان يقال من أتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا وقال الثوري لابن أبي ذئب ان أتقيت الله كفاك الناس وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا وقال سليمان بن داود أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا وعلمنا مما علم الناس ومما لم يعلموا فلم نجد شيئا أفضل من تقوي الله فى السر والعلانية والعدل فى الغضب والرضا والقصد فى الفقر والغنى وفى الزهد للامام احمد أثر الهى ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دوني الا قطعت أسباب السموات والأرض دونه فان سألنى لم أعطه وان دعاني لم أجبه وان استغفرني لم أغفر له وما من مخلوق اعتصم بي دون خلقى الا ضمنت السموات والأرض رزقه فأن سألنى أعطيته وان دعاني أجبته وان استغفرني غفرت له
فائدة جليلة جمع النبى بين تقوي الله وحسن الخلق لان تقوى الله
يصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الي محبته
فائدة جليلة بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين خطوة عن
نفسه وخطوة عن الخلق فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله فلا يلتفت الا الى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة اليه
صاح بالصحابة واعظ اقترب للناس حسابهم فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون فسالت أودية بقدرها تزينت الدنيا لعلي فقال أنت طالق ثلاثا لا رجعة لي فيك وكانت تكفيه واحده للسن لكنه جمع الثلاث لئلا يتصور للهوى جواز المراجعه ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من المحلل كيف وهو أحد رواة حديث لعن الله المحلل
ما فى هذه الدار موضع خلوة فاتخذه فى نفسك لا بد ان تجذبك الجواذب فاعرفها وكن منها على حذر لا تضرك الشواغل اذا خلوت منها وأنت فيها نور الحق أضوأ من الشمس فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه الطريق الى الله خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات وهو معمور بأهل اليقين والصبر وهم على الطريق كالأعلام وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
قاعدة لشهادة ان لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم فى تكفير
السيئات واحباطها لانها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها واقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصا على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدى ربها وفاطرها ومولاها الحق اذل ما كانت له وارجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته وتجرد
منها التوحيد بانقطاع اسباب الشرك وتحقق بطلانه فزالت منها تلك المنازعات التى كانت مشغولة بها واجتمع همها علي من ايقنت بالقدوم عليه والمصير اليه فوجه العبد وجهه بكليته اليه واقبل بقلبه وروحه وهمه عليه فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته فقال لا اله الا الله مخلصا من قلبه وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره والالتفات الي ما سواه قد خرجت الدنيا كلها من قلبه وشارف القدوم على ربه وخمدت نيران شهوته وامتلأ قلبه من الآخره فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله فطهرته من ذنوبه وادخلته علي ربه لانه لقى ربه بشهادة صادقة خالصة وافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها فلو حصلت له الشهادة علي هذا الوجه فى أيام الصحة لاستوحش من الدنيا واهلها وفر الى الله من الناس وانس به دون ما سواه لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياه واسبابها ونفس مملوءه بطلب الحظوظ والالتفات الى غير الله فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبا آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمى والله المستعان
ماذا يملك من أمره من ناصيته بيد الله ونفسه بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بأذنه ومشيئته فلا يتحرك الا باذنه ولا يفعل الا بمشيئته ان وكله الى نفسه وكله الي عجز وضيعه وتفريط وذنب وخطيئة وان وكله الى غيره وكله الى من لا يملك له ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وان تخلى عنه استولى عليه عدوه وجعله اسيرا له فهو لا غنى له عنه طرفة عين بل هو مضطر اليه علي مدى الأنفاس فى كل ذرة من ذراته باطنا وظاهرا فاقته تامة اليه ومع ذلك فهو متخلف عنه معرض عنه يتبغض اليه بمعصيته مع شدة الضرورة اليه من كل وجه قد صار لذكره نسيا واتخذه وراءه ظهريا هذا واليه مرجعه وبين يديه موقفه
فرغ خاطرك للهم بما أمرت به ولا تشغله بما ضمن لك فان الرزق والأجل قرينان مضمونان فما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا واذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه فتح لك برحمته طريقا أنفع لك منه فتأمل حال الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطريق فتح له طريقين اثنين وأجرى له فيهما رزقا اطيب والذ من الأول لبنا خالصا سائغا فاذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقا اربعة أكمل منها طعامان وشرابان فالطعامان من الحيوان والنبات والشرابان من المياه والألبان وما يضاف اليهما من المنافع والملاذ فاذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيدا طرقا ثمانية وهى ابواب الجنة الثمانية يدخل من ايها شاء فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا الا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له وليس ذلك لغير المؤمن فأنه يمنعه الحظ الأدني الخسيس ولا يرضي له به ليعطيه الحظ الأعلى النفيس والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له بل هو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا وبقلة الرغبة في الآجل وان كان عليا ولو انصف العبد ربه وانى له بذلك لعلم أن فضله عليه فيما منعه من الدنيا ولذاتها ونعيمها أعظم من فضله عليه فيما آتاه من ذلك فما منعه الا ليعطيه ولا ابتلاه الا ليعافيه ولا امتحنه الا ليصافيه ولا أماته الا ليحييه ولا أخرجه الي هذه الدار الا ليتأهب منها للقدوم عليه وليسلك الطريق الموصلة اليه فجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر او أراد شكورا وأبى الظالمون الا كفورا والله المستعان من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالاخلاص وعن نفسك بشهود المنة فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق
دخل الناس النار من ثلاثة أبواب باب شبهة اورثت شكا في دين الله وباب شهوة اورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته وباب غضب أورث العدوان على خلقه
أصول الخطايا كلها ثلاثة الكبر وهو الذى أصار ابليس الي ما أصاره والحرص وهو الذى أخرج آدم من الجنة والحسد وهو الذى جرأ أحدا بني آدم علي أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر والمعاصى من الحرص والبغى والظلم من الحسد
جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ظاهرة وباطنة آلة لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله فالعين آلة للنظر والاذن آلة للسماع والأنف آلة للشم واللسان آلة للنطق والفرج للنكاح واليد للبطش والرجل للمشى والقلب للتوحيد والمعرفة والروح للمحبه والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الامور الدينية والدنيويه وايثار ما ينبغى ايثاره وأهمال ما ينبغى اهماله
أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس فى السنن من حديث أبي سعيد يرفعه اذا أصبح ابن آدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فأنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا قوله تكفر اللسان قيل معناه تخضع له وفى الحديث ان الصحابة لما دخلوا علي النجاشي لم يكفروا له أى لم يسجدوا ولم يخضعوا ولذلك قال له عمرو بن العاص أيها الملك انهم لا يكفرون لك وانما خضعت للسان لانه بريد القلب وترجمانه والواسطة بينه وبين الأعضاء وقولها انما نحن بك أي نجاتنا بك وهلاكنا بك ولهذا قالت فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا
فصل جمع النبى فى قوله فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب بين مصالح
الدنيا والآخرة ونعيمها ولذاتها انما ينال بتقوى الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء فى طلب الدنيا انما ينال بالاجمال في الطلب فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها ومن أجمل فى الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها فالله المستعان
قد نادت الدنيا علي نفسها ... لو كان فى ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته ... وجامع فرقت ما يجمع
فائدة جمع النبي بين المأثم والمغرم فان المأثم يوجب خسارة الآخرة
والمغرم يوجب خسارة الدنيا
فائدة قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا علق سبحانه الهداية
بالجهاد فاكمل الناس هداية أعظمهم جهادا وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوي وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الاربعة فى الله هداه الله سبل رضاه الموصلة الي جنته ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد قال الجنيد والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الاخلاص ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر الا من جاهد هذه الأعداء باطنا فمن نصر عليها نصر على عدوه ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه
فصل القى الله سبحانه العداوة بين الشيطان وبين الملك والعداوة بين
العقل وبين الهوى والعداوة بين النفس الأمارة وبين القلب وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء وأمد كل حزب بجنود وأعوان فلا تزال الحرب سجالا ودولا بين الفريقين الى أن يستولى أحدهما علي الآخر ويكون الآخر مقهورا معه فاذا كانت النوبة للقلب والعقل والملك فهنالك السرور والنعيم واللذة والبهجة والفرح وقرة العين وطيب الحياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم واذا كانت النوبة للنفس والهوي والشيطان فهنالك الغموم والهموم والأحزان وأنواع المكاره وضيق الصدر وحبس الملك فما ظنك بملك استولى عليه عدوه فانزله عن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرها له ومع هذا فلا يتحرك الملك لطلب ثأره ولا يستغيث بمن يغيثه ولا يستنجد بمن ينجده وفوق هذا الملك ملك قاهر لا يقهر وغالب لا يغلب وعزيز لا يذل فارسل اليه إن استنصرتنى نصرتك وان استغثت بي اغثتك وان التجأت الي أخذت بثأرك وان هربت الى واويت الي سلطتك علي عدوك وجعلته تحت أسرك فان قال هذا الملك المأسور قد شد عدوى وثاقى وأحكم رباطى واستوثق منى بالقيود ومنعني من النهوض اليك والفرار اليك والمسير الي بابك فان أرسلت جندا من عندك يحل وثاقى ويفك قيودى ويخرجنى من حبسه امكنني أن اوافى بابك والا لم يمكننى مفارقة محبسي ولا كسر قيودى فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان ودفعا لرسالته ورضا بما هو فيه عند عدوه خلاه السلطان الأعظم وحاله وولاه ما تولي وان قال ذلك افتقارا اليه واظهارا لعجزه وذله وانه أضعف واعجز أن يسير اليه بنفسه ويخرج من حبس عدوه ويتخلص منه بحوله وقوته وأن من تمام نعمته ذلك عليه كما أرسل اليه هذه الرسالة أن يمده من جنده
ومماليكه بمن يعينه على الخلاص ويكسر باب محبسه ويفك قيوده فأن فعل به ذلك فقد اتم انعامه عليه وان تخلى عنه فلم يظلمه ولا منعه حقا هوله وان حمده وحكمته اقتضي منعه وتخليته فى محبسه ولا سيما اذا علم أن الحبس حبسه وان هذا العدو الذى حبسه مملوك من مماليكه وعبد من عبيده ناصيته بيده لا يتصرف الا باذنه ومشيئته فهو غير ملتفت اليه ولا خائف منه ولا معتقد أن له شيئا من الامر ولا بيده نفع ولا ضر بل هو ناطر الي مالكه ومتولى أمره ومن ناصيته بيده قد افرده بالخوف والرجاء والتضرع اليه والالتجاء والرغبة والرهبة فهناك تأتيه جيوش النصر والظفر
أعلى الهمم فى طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل وأخس همم طلاب العلم قصر همته علي تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس وليس له همة الى معرفة الصحيح من تلك الأقوال وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه وأعلي الهمم فى باب الارادة أن تكون الهمة متعلقة بمحبة الله والوقوف مع مراده الدينى الأمرى واسفلها أن تكون الهمة واقفة مع مراد صاحبها من الله فهو انما يعبده لمراده منه لا لمراد الله منه فالاول يريد الله ويريد مراده والثاني يريد من الله وهو فارغ عن إرادته
علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون اليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بافعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصوره أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق اذا كان الله وحده حظك ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف إليك أى أنواعه تبدأ به واذا كان حظك ما تنال منه فالفضل موقوف عنك لانه بيده تابع له فعل من أفعاله فإذا حصل لك حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع واذا كان الفضل مقصودك لم يحصل الله بطريق الضمن والتبع فأن
كنت قد عرفته وأنست به ثم سقطت الى طلب الفضل حرمك اياه عقوبة لك ففاتك الله وفاتك الفضل
فصل لما خرج رسول الله من حصر العدو دخل فى حصر النصر
فعبثت أيدى سراياه بالنصر فى الأطراف فطار ذكره فى الآفاق فصار الخلق معه ثلاثة أقسام مؤمن به ومسالم له وخائف منه ألقى بذر الصبر فى مزرعة فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل فاذا أغصان النبات تهتز بخزامي والحرمات قصاص فدخل مكة دخولا ما دخله أحد قبله ولا بعده حوله المهاجرون والأنصار لا يبين منهم الا الحدق والصحابة على مراتبهم والملائكة فوق رؤوسهم وجبريل يتردد بينه وبين ربه وقد أباح له حرمه الذي لم يحله لاحد سواه فلما قايس بين هذا اليوم وبين يوم واذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك فاخرجوه ثاني اثنين
دخل وذقنه تمس قربوس سرجه خضوعا وذلا لمن ألبسه ثوب هذا العز الذى رفعت اليه فيه الخليقة رؤوسها ومدت اليه الملوك أعناقها فدخل مكة مالكا مؤيدا منصورا وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يجر فى الرمضاء على جمر الفتنة فنشر بزا طوى عن القوم من يوم قوله أحد أحد ورفع صوته بالاذان فأجابته القبائل من كل ناحية فاقبلوا يؤمون الصوت فدخلوا فى دين الله أفواجا وكانوا قبل ذلك يأتون آحادا فلما جلس الرسول على منبر العز وما نزل عنه قط مدت الملوك أعناقها بالخضوع اليه فمنهم من سلم اليه مفاتيح البلاد ومنهم من سأله الموادعة والصلح ومنهم من أقر بالجزيه والصغار ومنهم من أخذ فى الجمع والتأهب للحرب ولم يدر أنه لم يزد على جمع الغنائم وسوق الأسارى اليه فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وأدى الامانة وجاءه منشور انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك
الله نصرا عزيزا وبعده توقيع اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا جاءه رسول ربه يخبره بين المقام في الدنيا وبين لقائه فاختار لقاء ربه شوقا اليه فتزينت الجنان ليوم قدوم روحه الكريمة لا كزينة المدينه يوم قدوم الملك اذا كان عرش الرحمن فقد اهتز لموت بغض اتباعه فرحا واستبشارا بقدوم روحه فكيف بروح سيد الخلائق فيا منتسبا الى غير هذا الجناب ويا واقفا بغير هذا الباب ستعلم يوم الحشر اى سريرة تكون عليها يوم تبلى السرائر
فصل يا مغرورا بالاماني لعن ابليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحده
امر بها واخرج آدم من الجنه بلقمة تناولها وحجب القاتل عنها بعد ان رآها عيانا بملء كف من دم وامر بقتل الزاني اشنع القتلات بايلاج قدر الانملة فيما لا يحل وأمر بأيساع الظهر سياطا بكلمة قذف او بقطرة سكر وابان عضوا من اعضائك بثلاثة دراهم فلا تأمنه ان يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ولا يخاف عقباها دخلت امرأة النار في هرة وان الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالا يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب وان الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فأذا كان عند الموت جار في الوصيه فيختم له بسوء عمله فيدخل النار العمر بىخره والعمل بخاتمته من احدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا ومن أساء في آخر عمره لقى ربه في ذلك الوجه لو قدمت لقمه وجدتها ولكن يؤذيك الشره كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب سوف ولعل وعسى كيف الفلاح
بين ايمان ناقص وأمل زائد ومرض لا طبيب له ولا عائد وهوى مستيقظ وعقل راقد ساهيا في غمرته عمها في سكرته سابحا في لجة جهله مستوحشا من ربه مستأنسا بخلقه ذكر الناس فاكهته وقوته وذكر الله حبسه وموته لله منه جزء يسير من ظاهره وقلبه ويقينه لغيره
لا كان من سواك فيه بقية ... يجد السبيل بها اليه العذل
فصل كان أول المخلوقات القلم ليكتب المقادير قبل كونها وجعل آدم وآخر
المخلوقات وفي ذلك حكم أحدها تمهيد الدار قبل الساكن الثانية انه الغاية التي خلق لاجلها ما سواه من السموات والأرض والشمس والقمر والبر والبحر الثالثة ان احذق الصناع يختم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه باساسه ومبادئه الرابعة ان النفوس متطلعة الى النهايات والأواخر دائما ولهذا قال موسي للسحرة ولا القوا ما انتم ملقون فلما راى الناس فعلهم تطلعوا الى ما يأتي بعده الخامسة ان الله سبحانه أخر أفضل الكتب والانبياء والأمم الى آخر الزمان وجعل الآخرة خيرا من الأولى والنهايات أكمل من البدايات فكم بين قول الملك للرسول اقرا فيقول ما انا بقاريء وبين قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم السادسة ان سبحانه جمع ما فرقه في العالم في آدم فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير السابعة ان خلاصة الوجود وثمرته فناسب ان يكون خلقه بعد الموجودات الثامنة ان من كرامته علي خالقه أنه هيأ له مصالحه وحوائجه وآلات معيشته وأسباب حياته فما رفع رأسه الا وذلك كله حاضر عتيد التاسعة انه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق ولهذا قالت الملائكة ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا اكرم عليه منا فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة أن ذلك الفضل
قد نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنه فلما تاب الى ربه وأنى بتلك العبودية علمت الملائكة ان لله في خلقه سرا لا يعلمه سواه العاشرة انه سبحانه لما افتتح خلق هذا العالم بالقلم من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق الانسان فان القلم آلة العلم والانسان هو العالم ولهذا اظهر سبحانه فضل آدم على الملائكة بالعلم الذي خص به دونهم وتأمل كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه الى الأرض ونبه الملائكة على فضله وشرفه ونوه باسمه قبل ايجاده بقوله اني جاعل في الأرض خليفة وتأمل كيف وسمه بالخلافة وتلك ولاية له قبل وجوده وأقام عذره قبل الهبوط بقوله في الأرض والمحب يقيم عذر المحبوب قبل جنايته فلما صوره ألقاه على باب الجنة أربعين سنة لان داب المحب الوقوف على باب الحبيب رمى به في طريق ذل لم يكن شيئا لئلا يعجب يوم اسجدوا كان أبليس يمر على جسده فيعجب منه ويقول لأمر قد خلقت ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول لئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت علي لأعصينك ولم يعلم ان هلاكه على يده رأى طينا مجموعا فاحتقر فلما صور الطين صورة دب فيه داء الحسد فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد فلما بسط له بساط العز عرضت عليه المخلوقات فاستحضر مدعى
ونحن نسبح الي حاكم أنبئوني وقد أخفى الوكيل عنه بينة وعلم فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الاقرار فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادى اسجدوا فتطهروا من حديث دعوي ونحن بماء العذر في آنية لا علم لنا فسجدوا على طهارة التسليم وقام ابليس ناحية لم يسجد لانه خبث وقد تلون بنجاسة الاعتراض وما كانت نجاسته تتلافى بالتطهير لانها عينية فلما تم كمال آدم قال لا بد من خال جمال على وجه اسجدوا فجرى القدر بالذنب ليتبين اثر العبودية في الذل يا آدم لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة لولا نزولك ما تصاعدت صعداء الأنفاس ولا نزلت رسائل هل من وسائل ولا فاحت
روائح ولخلوف فم الصائم فتبين حينئذ ان ذلك التناول لم يكن عن شره يا آدم ضحكك في الجنة لك وبكاؤك في دار التكليف لنا ما ضر من كسره عزى اذا جبره فضلي انما تليق خلعة العز ببدن الانكسار أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي مازالت تلك الأكلة تعاده حتى استولى داؤه على أولاده فأرسل اليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي أطباء الوجود فاما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى فحماهم الطبيب بالمناهى وحفظ القوة بالأوامر واستفرغ اخلاطهم الرديئه بالتوبة فجاءت العافية من كل ناحية
فيا من ضيع القوة ولم يحفظها وخلط في مرضه وما احتمى ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك فالداء مترام الى الفساد لو ساعد القدر فاعنت الطبيب علي نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات ولك بخار الشهوة غطى عين البصيرة فظننت ان الحزم بيع الوعد بالنقد يالها بصيرة عمياء جزعت من صبر ساعة واحتملت ذل الأبد سافرت في طلب الدنيا وهى عنها زائلة وقعدت عن السفر الى الآخرة وهى اليها راحلة اذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم بانه سفيه
فصل لما سلم لآدم اصل العبودية لم يقدح فيه الذنب ابن آدم لو
لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة لما علم السيد ان ذنب عبده لم يكن قصدا لمخالفته ولا قدحا في حكمته علمه كيف يعتذر اليه فتلقى آدم م ربه كلمات فتاب عليه العبد لا يريد بمعصيته مخالفة سيده ولا الجرأة على محارمه ولكن غلبات الطبع وتزيين النفس والشيطان وقهر الهوى والثقة بالعفو ورجاء المغفرة هذا من جانب العبد وأما من جانب الربوبية فجريان الحكم واظهار عز الربوبيه وذل العبودية وكمال الاحتياج وظهور آثار الأسماء الحسنى
كالعفو والغفور والتواب والحليم لمن جاء تائبا نادما والمنتقم والعدل وذي البطش الشديد لمن أصر ولزم المجرة فهو سبحانه يريد أن يرى عبده تفرده بالكمال ونقص العبد وحاجته اليه ويشهده كمال قدرته وعزته وكمال مغفرته وعفوه ورحمته وكمال بره وستره وحلمه وتجاوزه وصفحه وان رحمته به احسان اليه لا معارضة وانه ان لم يتغمده برحمته وفضله فهو هالك لا محالة فلله كم من تقدير الذنب من حكمة وكم فيه مع تحقيق التوبة للعبد من مصلحة ورحمة التوبة من الذنب كشرب الدواء للعليل ورب علة كانت سبب الصحة
لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجساد بالعلل
لولا تقدير الذنب هلك ابن آدم من العجب ذنب يذل به احب اليه من طاعة يدل بها عليه شمعة النصر انما تنزل في شمعدان الانكسار لا يكرم العبد نفسه بمثل اهانتها ولا يعزها بمثل ذلها ولا يريحها بمثل تعبها كما قيل
سأتعب نفسي أو أصادف راحة ... فان هوان النفس في كرم النفس
ولا يشبعها بمثل جوعها ولا يؤمنها بمثل خوفها ولا يؤنسها بمثل وحشتها من كل ما سوى فاطرها وبارئها ولا يحييها بمثل امانتها كما قيل
موت النفوس جياتها ... من شاء أن يحيا يموت
شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرق من تذكر خنق الفخ هان عليه هجران الحبة يا معرقلا في شرك الهوى جمزة عزم وقد خرقت الشبكة لا بد من نفوذ القدر فاجنح للسلم لله ملك السموات والارض واستقرض منك حبة فبخلت بها وخلق سبعة ابحر وأحب منك دمعة فقحطت عينك بها اطلاق البصر ينقش قي القلب صورة المنظور والقلب كعبة والمعبود لا يرضى بمزاحمة
الأصنام لذات الدنيا كسوداء وقد غلبت عليك والحور العين يعجبن من سوء اختيارك عليهن غير أن زوبعة الهوى اذا ثارت سفت في عين البصيرة فخفيت الجادة سبحان الله تزينت الجنة للخطاب فجدوا في تحصيل المهر وتعرف رب العزة الي المحبين باسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وأنت مشغول بالجيف
لا كان من لسواك منه قلبه ... ولك اللسان مع الوداد الكاذب
المعرفة بساط لا يطأ عليه الا مقرب والمحبة نشيد لا يطرب عليه الا محب مغرم الحب غدير في صحراء ليست عليه جادة فلهذا قل وارده المحب يهرب الى العزلة والخلوة بمحبوبه والأنس بذكره كهرب الحوت الى الماء والطفل الى أمه
وأخرج من بين البيوت لعلنى ... أحدث عنك القلب بالسر خاليا
ليس للعابد مستراح الا تحت شجرة طوبي ولا للمحب قرار الا يوم المزيد اشتغل به في الحياة يكفك ما بعد الموت يا منفقا بضاعة العمر في مخالفة حبيبه والبعد منه ليس في أعدائك أضر عليك منك
ما تبلغ الأعداء من جاهل ... من يبلغ الجاهل من نفسه
الهمة العليه من استعد صاحبها للقاء الحبيب وقدم التقادم بين يدي الملتقى فاستبشر عند القدوم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين تالله ما عدا عليك العدو الا بعد ان تولى عنك الولى فلا تظن ان الشيطان غلب ولكن الحافظ أعرض احذر نفسك فما أصابك بلاء قط الا منها ولا تهادنها فوالله ما أكرمها من لم يهنها ولا أعزها من لم يذلها ولا جبرها من لم يكسرها ولا أراحها من لم يتبعها ولا أمنها من لم يخوفها ولا فرحها من لم يحزنها سبحان الله ظاهرك متجمل بلباس التقوى وباطنك باطية
لخمر الهوى فكلما طيبت الثوب فاحت رائحة المسكر من تحته فتباعد منك الصادقون وانحاز اليك الفاسقون يدخل عليك لص الهوى وأنت في زاوية التعبد فلايرى منك طردا له فلا يزال بك حتي يخرجك من المسجد أصدق في الطلب وقد جاءتك المعونة فقال رجل لمعروف علمنى المحبة فقال المحبه لا تجيء بالتعليم
هو الشوق مدلولا على مقتل الفنا ... اذا لم يعد صبا بلقيا حبيبه
ليس العجيب من قوله يحبونه انما العجب من قوله يحبهم ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا اليه أنما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا
فصل القرآن كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده وصفاته فتارة يتجلى في
جلباب الهيبة والعظمة والجلال فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الاصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الاسماء وجمال الصفات وجمال الافعال الدال على كمال الذات فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله فيصبح فؤاد عبده فارغا الا من محبته فاذا أراد منه الغيران يعلق تلك المحبة به ابى قلبه واحشاؤه ذلك كل الاباء كما قيل
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
فتبقى المحبة له طبعا لا تكلفا واذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والاحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه وسار الى ربه وحادى الرجاء يحدو ركاب سيره وكلما قوي الرجاء جد في العمل كما ان الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق ارضه بالبذر واذا ضعف رجاؤه قصر في البذر واذا تجلى بصفات العدل والانتقام
والغضب والسخط والعقوبة انقمعت النفس الأمارة وبطلت او ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص علي المحرمات وانقبضت أعنة رعوناتها فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر واذا تجلى بصفات الامر والنهي والعهد والوصية وارسال الرسل وانزال الكتب شرع الشرائع انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره والتبليغ لها والتواصي بها وذكرها وتذكرها والتصديق بالخبر والامتثال للطلب والاجتناب للنهى واذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم انبعث من العبد قوة الحياء فيستحي ربه ان يراه على ما يكره او يسمع منه ما يكره او يخفى في سريرته ما يمقته عليه فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسله تحت حكم الطبيعة والهوى واذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم اليهم ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم انبعثت من العبد قوة التوكل عليه والتفويض اليه والرضا به وما في كل ما يجريه علي عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله به ويختاره له واذا تجلى بصفات العز والكبرياء اعطت نفسه المطمئنة ما وصلت اليه من الذل لعظمته والانكسار لعزته والخضوع لكبريائه وخشوع القلب والجوارح له فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته ويذهب طيشه وقوته وحدته
وجماع ذلك انه سبحانه يتعرف الي العبد بصفات آلهيته تارة وبصفات ربوبيته تارة فيوجب له شهود صفات الآلهية المحبة الخاصة والشوق الى لقائه والانس والفرح به والسرور بخدمته والمنافسة في قربه والتودد اليه بطاعته واللهج بذكره والفرار من الخلق اليه ويصير هو وحده همه دون ما سواه ويوجب له شهود صفات الربوبية التوكل عليه والافتقار اليه والاستعانة به والذل والخضوع والانكسار له وكمال ذلك أن يشهد ربوبيته فى الهيته والهيته في ربوبيته وحمده في ملكه وعزه في عفوه
وحكمته في قضائه وقدره ونعمته في بلائه وعطاءه في منعه وبره ولطفه وأحسانه ورحمته في قيوميته وعذله في انتقامه وجوده وكرمه في مغفرته وستره وتجاوزه ويشهد حكمته ونعمته في أمره ونهيه وعزه في رضاه وغضبه وحلمه في إمهاله وكرمه فى إقباله وغناه في اعراضه
وانت اذا تدبرت القرآن واجرته من التحريف وأن تقضي عليه بآراء المتكلمين وافكار المتكلفين أشهدك ملكا قيوما فوق سماواته علي عرشه يدبر أمر عباده يأمر وينهي ويرسل الرسل وينزل الكتب ويرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل ويخفض ويرفع يرى من فوق سبع ويسمع ويعلم السر والعلانية فعال لما يريد موصوف بكل كمال منزه عن كل عيب لا تتحرك ذرة فما فوقها الا بأذنه ولا تسقط ورقه إلا بعلمه ولا يشفع زهد عنده إلا بأذنه ليس لعباده من دونه ولى ولا شفيع
فصل لما بايع الرسول أهل العقبة أمر أصحابه بالهجرة الي المدينة
فعلمت قريش أن أصحابه قد كثروا وأنهم سيمنعونه فاعلمت آراءها في استخراج الحيل فمنهم من رأى الحبس ومنهم من رأى النفي ثم اجتمع رأيهم على القتل فجاء البريد بالخبر من السماء وأمره أن يفارق المضجع فبات علي مكانه ونهض الصديق لرفقة السفر فلما فارقا بيوت مكة اشتد الحذر بالصديق فجعل يذكر الرصد فيسير أمامه وتارة يذكر الطلب فيتأخر وراءه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله الي أن انتهيا الى الغار فبدأ الصديق بدخوله ليكون وقاية له ان كان ثم موذ وأنبت الله شجرة لم تكن قبل فأظلمت المطلوب وأضلت الطالب وجاءت عنكبوت فحازت وجه الغار فحاكت ثوب نسجها علي منوال الستر فاحكمت الشقة حتى عمى على القائف المطلب وأرسل حمامتين فاتخذتا هناك عشا جعل
على أبصار الطالبين غشاوة وهذا أبلغ في الاعجاز من مقاومة القوم بالجنود فلما وقف القوم على رؤوسهم وصار كلامهم بسمع الرسول والصديق قال الصديق وقد اشتد به القلق يا رسول الله لو أن أحدهم نظر الي ما تحت قدميه لابصرنا تحت قدميه فقال رسول الله يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لما رأى الرسول حزنه قد اشتد لاكن علي نفسه قوي قلبه ببشارة لا تحزن ان الله معنا فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظا كما ظهر حكما ومعنى اذا يقال رسول الله وصاحب رسول الله فلما مات قيل خليفة رسول الله ثم انقطعت اضافة الخلافة بموته فقيل أمير المؤمنين فاقاما في الغار ثلاثا ثم خرجا منه ولسان القدر يقول لتدخلنها دخولا لم يدخله أحد قبلك ولا ينبغي لاحد من بعدك فلما استقلا علي البيداء لحقهما سراقة بن مالك فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء فساخت قوائم فرسه في الارض الى بطنها فلما علم انه لا سبيل له عليهما أخذ يعرض المال علي من قد رد مفاتيح الكنوز ويقدم الزاد الي شبعان أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني كان تحفة ثاني اثنين مدخرة للصديق دون الجميع فهو الثاني في الاسلام وفي بذل النفس وفي الزهد وفي الصحبة وفي الخلافة وفي العمر وفي سبب الموت لان الرسول مات عن أثر السم وأبو بكر سم فمات اسلم على يديه من العشرة عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكان عنده يوم أسلم أربعون الف درهم فانفقها أحوج ما كان الاسلام اليها فلهذا اجلبت نفقته عليه ما نفعنى مال ما نفعنى مال أبي بكر فهو خير من مؤمن آل فرعون لان ذلك كان يكتم ايمانه والصديق اعلن به وخير من مؤمن آل ياسين لان ذلك جاهد ساعة والصديق جاهد سنين عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فألقى له حب المال علي روض الرضا واستلقى على فراش الفقر فنقل الطائر الحب الى حوصلة المضاعفة ثم علا على افنان شجرة الصدق يغرد
بفنون المدح ثم قال في محاريب الاسلام يتلو وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى نطقت بفضله الآيات والاخبار واجتمع على بيعته المهاجرون والانصار فيا مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار أتري لم يسمع الروافض الكفار ثانى اثنين اذ هما فى الغار دعى الي الاسلام فما تلعثم ولا أبى وسار علي المحجة فما زل ولا كبا وصبر فى مدته من مدى العدى علي وقع الشبا واكثر فى الانفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا تالله لقد زاد علي السبك فى كل دينار دينار ثاني اثنين إذ هما فى الغار من كان قرين النبي في شبابه من ذا الذي سبق إلي الإيمان من أصحابه من الذى أفتى بحضرته سريعا في جوابه من أول من صلي معه من آخر من صلى به من الذي ضاجعه بعد الموت فى ترابه فاعرفوا حق الجار نهض يوم الردة بفهم واستيقاظ وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الالحاظ فالمحب يفرح بفضائله والمبغض يغتاظ حسرة الرافضي أن يفر من مجلس ذكره ولكن أين الفرار كم وقى الرسول بالمال والنفس وكان أخص به فى حياته وهو ضجيعه فى الرمس فضائله جليلة وهى خلية عن اللبس ياعجبا من يغطى عين ضوء الشمس في نصف النهار لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث فاستوحش الصديق من خوف الحوادث فقال الرسول ما ظنك باثنين والله الثالث فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث فزال القلق وطاب عيش الماكث فقام مؤذن النصر ينادى على رؤوس منائر الامصار ثاني اثنين اذ هما فى الغار حبه والله رأس الحنيفة وبغضه يدل على خبث الطوية فهو خير الصحابة والقرابة والحجة على ذلك قوية لولا صحة مامته ما قيل ابن الحنيفة مهلا فأن ذم الروافض قد فار والله ما أحببناه لهوانا ولا نعتقد في غيره هوانا ولكن أخذنا بقول على وكفانا رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا تالله لقد أخذت من الروافض بالثار
تالله لقد وجب حق الصديق علينا فنحن نقضي بمدائحه ونفر بما نقر به من السنى عينا فمن كان رافضيا فلا يعد الينا وليقل لي أعذار تنبيه
اجتنب من يعادى أهل الكتاب والسنة لئلا يعديك خسرانه احترز من عدوين هلك بهما أكثر الخلق صاد عن سبيل الله بشبهاته وزخرف قوله ومفتون بدنياه ورئاسته من خلق فيه قوة واستعداد لشيء كانت لذته فى استعمال تلك القوة فيه فلذة من خلقت منه قوه وأستعداد للجماع أستعمال قوته فيه ولذ1ة من خلقت فيه قوة الغضب والثواب باستعمال قوته الغضبية فى متعلقها ومن خلقت فيه قوة الاكل والشرب فلذته باستعمال قوته فيهما ومن خلقت فيه قوة العلم والمعرفة فلذته باستعمال قوته وصرفها الى العلم ومن خلقت فيه قوة الحب لله والانابة اليه والعكوف بالقلب عليه والشوق اليه والأنس به فلذته ونعيمه استعمال هذه القوة فى ذلك وسائر اللذات دون هذه اللذة مضمحلة فانية واحمد عاقبتها أن تكون لا له ولا عليه تنبيه
يا أيها الأعزلاحذر فراسة المتقى فانه يرى عورة عملك من وراء ستر أتقوا فراسة المؤمن سبحان الله فى النفس كبر ابليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون وبغى قارون وقحة هامان
وهوى بلعام وحيل اصحاب السبت وتمرد لوليد وجهل أبي جهل وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب وشره الكلب ورعونة الطاووس ودناءة الجعل وعقوق الضب وحقد الجمل ووثوب الفهد وصولة الاسد وفسق الفأرة وخبث الحية وعبث القرد وجمع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراش ونوم الضبع غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعته لعقد ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فما اشترى الا سلعة هذبها الايمان فخرجت من طبعها الى بلد سكانه التائبون العابدون سلم المبيع قبل أن يتلف في يدك فلا يقبله المشتري قد علم المشتري بعيب السلعة قبل أن يشتريها فسلمها ولك الامان من الرد قدر السلعة يعرف بقدر مشتريها والثمن المبذول فيه والمنادى عليها فاذا كان المشتري عظيما والثمن خطيرا والمنادى جليلا كانت السلعة نفيسة
يا بائعا نفسه بيع الهوان لو استرجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب
وبائعا طيب عيش ما له خطر ... بطيف عيش من الآلام منتهب
غبنت والله غبنا فاحشا ولدى ... يوم التغابن تلقى غاية الحرب
وواردا صفو عيش كله كدر ... أمامك الورد حقا ليس بالكذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصبا ... لكل داهية تدني من العطب
ترجوا الشفاء بأحداق بها مرض ... فهل سمعت ببرء جاء من عطب
ومفنيا نفسه في إثر أقبحهم ... وصفاللطخ جمال فيه مستلب
وواهبا نفسه من مثل ذا سفها ... لو كنت تعرف قدر النفس لم تهب
شاب الصبا والتصابي لم يشب ... وضاع وقتك بين اللهو واللعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها ... والفيء في الأفق الشرقي لم يغب
وفاز بالوصل من قد جدوا انقشعت ... عن أفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت ... ورسل ربك قد وافتك فى الطلب
ما فى الديار وقد سارت ركائب من ... تهواه للصب من شكر ولا أرب
فافرش الخد ذياك التراب وقل ... ما قاله صاحب الأشواق والحقب
ما ربع مية محفوفا يطيف به ... غيلان أشهى له من ربعك الخرب
منازلا كان يهواها ويألفها ... ايام كان منال الوصل عن كثب
ولا الخدود ولو أدمين من ضرج ... اشهى الى ناظرى من ربعك الخرب
وكلما جليت تلك الربوع له ... يهوى اليها هوى الماء فى الصبب
أحيى له الشوق تذكار العهود بها ... فلو دعى القلب للسلوان لم يجب
هذا وكم منزل فى الأرض يألفه ... وماله فى سواها الدهر من رغب
ما فى الخيام اخو وجدير يحك إن ... بثثته بعض شان الحب فاغترب
واسر فى غمرات الليل متهديا ... بنفحة الطيب لا بالعود والحطب
وعاد كل أخى جبن ومعجزة ... وحارب النفس لا تلقيك فى الحرب
وخذ لنفسك نورا تستضىء به ... يوم اقتسام الورى الانوار بالرتب
ان كان يوجب صبري رحمتي فرضا ... بسوء حالى وحل للضنا بدني
منحتك الروح لا أبغى لها ثمنا ... الا رضاك ووافقرى الا الثمن
أحن بأطراف النهار صبابه ... وبالليل يدعوني الهوى فأجيب
واذا لم يكن من العشق بد ... فمن عجز عشق غير الجميل
فلو أن ما أسعى لعيش معجل ... كفانى منه بعض ما أنا فيه
ولكنما أسمى لملك مخلد ... فوا أسفا إن لم أكن بملاقيه
يا من هو من أرباب الخبرة هل عرفت قيمة نفسك انما خلقت الأكوان كلها لك يا من غذى بلبان البر وقلب بأيدى الالطاف كل الأشياء شجرة وأنت الثمرة وصورة وأنت المعنى وصدف وأنت الدر ومخيض وأنت الزبد منشور اختيارنا لك واضح الخط ولكن استخراجك ضعيف متي رمت طلبى فاطلبني عندك اطلبني منك تجدني قريبا ولا تطلبني من غيرك فانا أقرب اليك منه لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي انما أبعدنا ابليس اذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك فوا عجبا كيف صالحته وتركتنا لو كان في قلبك محبة لبان أثرها علي جسدك
ولما ادعيت الحب قالت كذبتي ... ألست أري الأعضاء منك كواسيا
لو تغذى القلب بالمحبة لذهبت عنه بطنة الشهوات
ولو كنت عذري الصبابة لم تكن ... بطينا وأنساك الهوى كثرة الأكل
لو صحت محبتك لاستوحشت ممن لا يذكرك بالحبيب واعجبا لمن يدعى المحبة ويحتاج الي من يذكره بمحبوبة فلا يذكره الا بمذكر أقل ما في المحبة أنها لا تنسيك تذكر المحبوب
ذكرتك لا أني نستك ساعة ... وايسر ما في الذكر ذكر لساني
اذا سافر المحب للقاء محبوبه ركبت جنوده معه فكان الحب في مقدمة العسكر والرجاء يحدو بالمطى والشوق يسوقها والخوف يجمعها علي الطريق فاذا شارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم الحبيب باللقاء
فداو سقما بجسم انت متلفه ... وابرد غراما بقلب انت مضرمه
ولا تكلني على بعد الديار الي ... صبرى الضعيف فصبري أنت تعلمه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق