-والنظر في التدبير: في أركانه، وفي أحكامه. أما الأركان فهي أربعة: المعنى، واللفظ، والمدبِر، والمدبَر. وأما الأحكام فصنفان: أحكام العقد، وأحكام المدبر.
-(
فأما مماذا يخرج المدبر إذا مات المدبر، فإن العلماء اختلفوا في ذلك؟ فذهب الجمهور إلى أنه يخرج من الثلث؛ وقالت طائفة: هو من رأس المال معظمهم أهل الظاهر؛ فمن رأى أنه من الثلث شبهه بالوصية، لأنه حكم يقع بعد الموت. وقد روي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "المدبر من الثلث" إلا أنه أثر ضعيف عند أهل الحديث، لأنه رواه علي بن طيبان عن نافع عن عبد الله بن عمر، وعلي بن طيبان متروك الحديث عند أهل الحديث. ومن رآه من رأس المال شبهه بالشيء يخرجه الإنسان من ماله في حياته فأشبه الهبة. واختلف القائلون بأنه من الثلث في فروع، وهو إذا دبر الرجل غلاما له في صحته، وأعتق في مرضه الذي مات عنه غلاما آخر فضاق الثلث عن الجمع بينهما؛ فقال مالك: يقدم المدبر لأنه كان في الصحة؛ وقال الشافعي: يقدم المعتق المبتل، لأنه لا يجوز له رده، ومن أصله أنه يجوز عنده رد التدبير، وهذه المسألة هي أحق بكتاب الوصايا.
فأشهر مسألة فيه هي هل للمدبر أن يبيع المدبر أم لا؟ فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة: ليس للسيد أن يبيع مدبره؛ وقال الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور: له أن يرجع فيبيع مدبره؛ وقال الأوزاعي: لا يباع إلا من رجل يريد عتقه. واختلف أبو حنيفة ومالك من هذه المسألة في فروع وهو إذا بيع فأعتقه المشتري، فقال مالك: ينفذ العتق؛ وقال أبو حنيفة والكوفيون البيع مفسوخ سواء أعتقه المشتري أو لم يعتقه وهو أقيس من جهة أنه ممنوع عبادة. فعمدة من أجاز بيعه ما ثبت من حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا" وربما شبهوه بالوصية. وأما عمدة المالكية فعموم قوله تعالى
فأما ما يتبعه في التدبير مما لا يتبعه، فإن مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في ولد المدبرة الذين تلدهم بعد تدبير سيدها من نكاح أو زنى، فقال الجمهور: ولدها بعد تدبيرها بمنزلتها يعتقون بعتقها ويرقون برقها: وقال الشافعي في قوله المختار عند أصحابه إنهم لا يعتقون بعتقها. وأجمعوا على أنه إذا أعتقها سيدها في حياته أنهم يعتقون بعتقها. وعمدة الشافعية أنهم إذا لم يعتقوا في العتق المنجز فأحرى أن لا يعتقوا في العتق المؤجل بالشرط. واحتج أيضا بإجماعهم على أن الموصي لها بالعتق لا يدخل فيه بنوها؛ والجمهور رأوا أن التدبير حرمة ما، فأوجبوا اتباع الولد تشبيها بالكتابة، وقول الجمهور مروي عن عثمان وابن مسعود وابن عمر، وقول الشافعي مروي عن عمر ابن عبد العزيز وعطاء بن أبي رباح ومكحول. وتحصيل مذهب مالك في هذا أن كل امرأة فولدها تبع لها، إن كانت حرة فحرة، وإن كانت مكاتبة فمكاتب وإن كانت مدبرة فمدبر، أو معتقة إلى أجل فمعتق إلى أجل، وكذلك أم الولد ولدها بمنزلتها، وخالف في ذلك أهل الظاهر، وكذلك المعتق بعضه عند مالك. وأجمع العلماء على أن كل ولد من تزويج فهو تابع لأمه في الرق والحرية وما بينهما من العقود المفضية إلى الحرية إلا ما اختلفوا فيه من التدبير ومن أمة زوجها عربي. وأجمعوا على أن كل ولد من ملك يمين أنه تابع لأبيه، إن حرا فحرا، وإن عبدا فعبدا، وإن مكاتبا فمكاتبا. واختلفوا في المدبر إذا تسرى فولد له فقال مالك: حكمه حكم الأب: يعني أنه المدبر؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة: ليس يتبعه ولده في التدبير. وعمدة مالك الإجماع على أن الولد من ملك اليمين تابع للأب ما عدا المدبر، وهو من باب قياس موضع الخلاف على موضع الإجماع. وعمدة الشافعية أن ولد المدبر مال من ماله، ومال المدبر للسيد انتزاعه منه وليس يسلم له أنه مال من ماله، ويتبعه في الحرية ماله عند مالك.
وأما النظر في تبعيض التدبير فقد قلنا فيمن دبر له حظا في عبده دون أن يدبر شريكه ونقله إلى هذا الموضع أولا، فلينقل إليه. وأما من دبر جزءا من عبد هو له كله، فإنه يقضي عليه بتدبير الكل، قياسا على من بعض العتق عند مالك.
-
فمن هذا الباب اختلافهم في إبطال الدين للتدبير؛ فقال مالك والشافعي: الدين يبطله؛ وقال أبو حنيفة: ليس يبطله ويسعى في الدين، وسواء كان الدين مستغرقا للقيمة أو لبعضها. ومن هذا الباب اختلافهم في النصراني يدبر عبدا له نصرانيا، فيسلم العبد قبل موت سيده، فقال الشافعي: يباع عليه ساعة يسلم ويبطل تدبيره؛ وقال مالك: يحال بينه وبين سيده ويخارج على سيده النصراني، ولا يباع عليه حتى يبين أمر سيده، فإن مات عتق المدبر ما لم يكن عليه دين يحيط بماله؛ وقال الكوفيون: إذا أسلم مدبر النصراني قوِّم وسعى العبد في قيمته، ومدبر الصحة يقدم عند مالك على مدبر المرض إذا ضاق الثلث عنهما.
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما).
-وأصول هذا الكتاب النظر في هل تباع أم الولد أم لا؟ وإن كانت لا تباع فمتى تكون أم ولد، وبماذا تكون أم ولد، وما يبقى فيها لسيدها من أحكام العبودية، ومتى تكون حرة؟.
-(أما المسألة الأولى) فإن العلماء اختلفوا فيها سلفهم وخلفهم، فالثابت عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بأنها لا تباع وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا مات. وروي مثل ذلك عن عثمان، وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار، وكان أبو بكر الصديق وعلي رضوان الله عليهما وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري يجيزون بيع أم الولد، وبه قالت الظاهرية من فقهاء الأمصار. وقال جابر وأبو سعيد: "كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي عليه الصلاة والسلام فينا لا يرى بذلك بأسا" واحتجوا بما روي عن جابر أنه قال "كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم نهانا عمر عن بيعهن" ومما اعتمد عليه أهل الظاهر في هذه المسألة النوع من الاستدلال الذي يعرف باستصحاب حال الإجماع، وذلك أنهم قالوا: لما انعقد الإجماع على أنها مملوكة قبل الولادة، وجب أن تكون كذلك بعد الولادة إلى أن يدل الدليل على غير ذلك، وقد تبين في كتب الأصول قوة هذا الاستدلال، وأنه لا يصح عند من يقول بالقياس، وإنما يكون ذلك دليلا بحسب رأي من ينكر القياس، وربما احتج الجمهور عليهم بمثل احتجاجهم، وهو الذي يعرفونه بمقابلة الدعوى بالدعوى، وذلك أنهم يقولون: أليس تعرفون أن الإجماع قد انعقد على منع بيعها في حال حملها، فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب حال هذا الإجماع بعد وضع الحمل، إلا أن المتأخرين من أهل الظاهر أحدثوا في هذا الأصل نقضا، وذلك أنهم لا يسلمون منع بيعها حاملا. ومما اعتمده الجمهور في هذا الباب من الأثر ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في مارية سريته لما ولدت إبراهيم "أعتقها ولدها" ومن ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "أيما امرأة ولدت من سيدها فإنها حرة إذا مات" وكلا الحديثين لا يثبت عند أهل الحديث، حكى ذلك أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله، وهو من أهل هذا الشأن، وربما قالوا أيضا من طريق المعنى أنها قد وجبت لها حرمة وهو اتصال الولد بها وكونه بعضا منها، وحكو هذا التعليل عن عمر رضي الله عنه حين رأى أن لا يبعن فقال: خالطت لحومنا لحومهن، ودماؤنا دماؤهن. وأما متى تكون أم ولد، فإنهم اتفقوا على أنها تكون أم ولد إذا ملكها قبل حملها منه. واختلفوا إذا ملكها وهي حامل منه أو بعد أن ولدت منه، فقال مالك: لا تكون أم ولد إذا ولدت منه قبل أن يملكها ثم ملكها وولدها؛ وقال أبو حنيفة: تكون أم ولد. واختلف قول مالك إذا ملكها وهي حامل، والقياس أن تكون أم ولد في جميع الأحوال إذ كان ليس من مكارم الأخلاق أن يبيع المرء أم ولده، وقد قال عليه الصلاة والسلام "بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وأما بماذا تكون أم ولد؟ فإن مالكا قال: كل ما وضعت مما يعلم أنه ولد كانت مضغة أو علقة؛ وقال الشافعي: لابد أن يؤثر في ذلك شيء مثل الخلقة والتخطيط. واختلافهم راجع إلى ما ينطلق عليه اسم الولادة أو ما يتحقق أنه مولود. وأما ما يبقى فيها من أحكام العبودية، فإنهم اتفقوا على أنها في شهادتها وحدودها وديتها وأرش جراحها كالأمة. وجمهور من منع بيعها ليس يرون ههنا سببا طارئا عليها يوجب بيعها إلا ما روي عن عمر بن الخطاب أنها إذا زنت رقت. واختلف قول مالك والشافعي هل لسيدها استخدامها طول حياته واغتلاله إياها؟ فقال مالك: ليس له ذلك، وإنما له فيها الوطء فقط؛ وقال الشافعي: له ذلك وعمدة مالك أنه لما لم يملك رقبتها بالبيع لم يملك إجارتها، إلا أنه يرى أن إجارة بنيها من غيره جائزة، لأن حرمتهم عنده أضعف. وعمدة الشافعي انعقاد الإجماع على أنه يجوز له وطؤها. فسبب الخلاف تردد إجارتها بين أصلين: أحدهما وطؤها. والثاني بيعها. فيجب أن يرجح أقوى الأصلين شبها. وأما متى تكون حرة، فإنه لا خلاف بينهم أن آن ذلك الوقت هو إذا مات السيد، ولا أعلم الآن أحدا قال تعتق من الثلث، وقياسها على المدبر ضعيف على قول من يقول: إن المدبر يعتق من الثلث.
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما).
-والجنايات التي لها حدود مشروعة أربع جنايات على الأبدان والنفوس والأعضاء وهو المسمى قتلا وجرحا، وجنايات على الفروج وهو المسمى زنى وسفاحا، وجنايات على الأموال، وهذه ما كان منها مأخوذا بحرب سمى حرابة إذا كان بغير تأويل، وإن كان بتأويل سمى بغيا مأخوذا على وجه المغافصة [قال في القاموس: غافَصَهُ: فاجأَهُ، وأخَذَهُ على غِرَّة. وقال (في باب "هزؤ"): ... غافص الرجل مغافصة وغفاصا: أخذه على غرة بمساءة. دار الحديث] من حرز يسمى سرقة، وما كان منها بعلو مرتبة وقوة سلطان سمى غصبا؛ وجنايات على الأعراض، وهو المسمى قذفا؛ وجنايات بالتعدي على استباحة ما حرمه الشرع من المأكول والمشروب، وهذه إنما يوجد فيها حد في هذه الشريعة في الخمر فقط، وهو حد متفق عليه بعد صاحب الشرع صلوات الله عليه، فلنبتدئ منها بالحدود التي في الدماء فنقول: إن الواجب في إتلاف النفوس والجوارح هو إما قصاص وإما مال، وهو الذي يسمى الدية، فإذا النظر أولا في هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: النظر في القصاص، والنظر في الدية. والنظر في القصاص ينقسم إلى القصاص في النفوس، وإلى القصاص في الجوارح. والنظر أيضا في الديات ينقسم إلى النظر في ديات النفوس، وإلى النظر في ديات قطع الجوارح والجراح. فينقسم أولا هذا الكتاب إلى كتابين: أولهما يرسم عليه كتاب القصاص. والثاني يرسم عليه كتاب الديات.
-وهذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: الأول: النظر في القصاص في النفوس. والثاني: النظر في القصاص في الجوارح، فلنبدأ من القصاص في النفوس.
-والنظر أولا في هذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: إلى النظر في الموجب، أعني الموجب للقصاص. وإلى النظر في الواجب، أعني القصاص وفي إبداله إن كان له بدل. فلنبدأ أولا بالنظر في الموجب، والنظر في الموجب يرجع إلى النظر في صفة القتل والقاتل التي يجب بمجموعها والمقتول القصاص، فإنه ليس أي قاتل اتفق يقتص منه، ولا بأي قتل اتفق، ولا من أي مقتول اتفق، بل من قاتل محدود بقتل محدود ومقتول محدود، فإذ كان المطلوب في هذا الباب إنما هو العدل. فلنبدأ من النظر في القاتل، ثم في القتل، ثم في المقتول.
-فنقول: إنهم اتفقوا على أن القاتل الذي يقاد منه يشترط فيه باتفاق أن يكون عاقلا بالغا مختارا للقتل مباشرا غير مشارك له فيه غيره واختلفوا في المكرَه والمكرِه، وبالجملة الآمر والمباشر، فقال مالك والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وجماعة: القتل على المباشر دون الآمر، ويعاقب الآمر؛ وقالت طائفة: يقتلان جميعا، وهذا إذا لم يكن هنالك إكراه ولا سلطان للآمر على المأمور. وأما إذا كان للآمر سلطان على المأمور، أعني المباشر، فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال قوم: يقتل الآمر دون المأمور، ويعاقب المأمور، وبه قال داود وأبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي. وقال قوم: يقتل المأمور دون الآمر وهو أحد قولي الشافعي وقال قوم: يقتلان جميعا، وبه قال مالك. فمن لم يوجب حدا على المأمور اعتبر تأثير الإكراه في إسقاط كثير من الواجبات في الشرع، لكون المكره يشبه من لا اختيار له. ومن رأى عليه القتل غلب عليه حكم الاختيار، وذلك أن المكره يشبه من جهة المختار، ويشبه من جهة المضطر المغلوب، مثل الذي يسقط من علو، والذي تحمله الريح من موضع إلى موضع. ومن رأى قتلهم جميعا لم يعذر المأمور بالإكراه ولا الآمر بعدم المباشرة. ومن رأى قتل الآمر فقط شبه المأمور بالآلة التي لا تنطق. ومن رأى الحد على غير المباشر اعتمد أنه ليس ينطلق عليه اسم قاتل إلا بالاستعارة. وقد اعتمدت المالكية في قتل المكره على القتل بالقتل بإجماعهم على أنه لو أشرف على الهلاك من مخمصة لم يكن له أن يقتل إنسانا فيأكله. وأما المشارك للقاتل عمدا في القتل، فقد يكون القتل عمدا وخطأ، وقد يكون القاتل مكلفا وغير مكلف، وسنذكر العمد عند قتل الجماعة بالواحد. وأما إذا اشترك في القتل عامد ومخطئ أو مكلف وغير مكلف، مثل عامد وصبي أو مجنون، أو حر وعبد في قتل عبد عند من لا يقيد من الحر بالعبد، فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فقال مالك والشافعي: على العامد القصاص، وعلى المخطئ والصبي نصف الدية؛ إلا أن مالكا يجعله على العاقلة؛ والشافعي في ماله على ما يأتي، وكذلك قالا في الحر والعبد يقتلان العبد عمدا أن العبد يقتل، وعلى الحر نصف القيمة، وكذلك الحال في المسلم والذمي يقتلان جميعا. وقال أبو حنيفة إذا اشترك من يجب القصاص عليه مع من لا يجب عليه القصاص، فلا قصاص على واحد منهما وعليهما الدية، وعمدة الحنفية أن هذه شبهة، فإن القتل لا يتبعض وممكن أن تكون إفاتة نفسه من فعل الذي لا قصاص عليه كإمكان ذلك ممن عليه القصاص، وقد قال عليه الصلاة والسلام "ادرءوا الحدود بالشبهات" وإذا لم يكن الدم وجب بدله، وهو الدية. وعمدة الفريق الثاني النظر إلى المصلحة التي تقتضي التغليظ لحوطة الدماء، فكأن كل واحد منهما انفرد بالقتل فله حكم نفسه، وفيه ضعف في القياس. وأما صفة الذي يجب به القصاص، فاتفقوا على أنه العمد، وذلك أنهم أجمعوا على أن القتل صنفان: عمد، وخطأ. واختلفوا في هل بينهما وسط أم لا؟ وهو الذي يسمونه شبه العمد، فقال به جمهور فقهاء الأمصار. والمشهور عن مالك نفيه إلا في الابن مع أبيه؛ وقد قيل أنه يتخرج عنه في ذلك رواية أخرى، وبإثباته قال عمر ابن الخطاب وعلي وعثمان وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري والمغيرة، ولا مخالف لهم من الصحابة؛ والذين قالوا به فرقوا فيما هو شبه العمد مما ليس بعمد، وذلك راجع في الأغلب إلى الآلات التي يقع بها القتل، وإلى الأحوال التي كان من أجلها الضرب؛ فقال أبو حنيفة: كل ما عدا الحديد من القضب أو النار وما يشبه ذلك فهو شبه العمد؛ وقال أبو يوسف ومحمد: شبه العمد ما لا يقتل مثله؛ وقال الشافعي: شبه العمد ما كان عمدا في الضرب خطأ في القتل: أي ما كان ضربا لم يقصد به القتل فتولد عنه القتل. والخطأ ما كان خطأ فيهما جميعا. والعمد ما كان عمدا فيهما جميعا، وهو حسن. فعمدة من نفى شبه العمد أنه لا واسطة بين الخطأ والعمد، أعني بين أن يقصد القتل أو لا يقصده. وعمدة من أثبت الوسط أن النيات لا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالى وإنما الحكم بما ظهر. فمن قصد ضرب آخر بآلة لا تقتل غالبا كان حكمه كحكم الغالب، أعني حكم من قصد القتل فقتل بلا خلاف. ومن قصد ضرب رجل بعينه بآلة لا تقتل غالبا كان حكمه مترددا بين العمد والخطأ هذا في حقنا لا في حق الآمر نفسه عند الله تعالى. أما شبهة العمد فمن جهة ما قصد ضربه. وأما شبهه للخطأ فمن جهة أنه ضرب بما لا يقصد به القتل. وقد روي حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن قتل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا والحجر ديته مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها" إلا أنه حديث مضطرب عند أهل الحديث لا يثبت من جهة الإسناد فيما ذكره أبو عمر بن عبد البر، وإن كان أبو داود وغيره قد خرجه، فهذا النحو من القتل عند من لا يثبته يجب به القصاص، وعند من أثبته تجب به الدية، ولا خلاف في مذهب مالك أن الضرب يكون على وجه الغضب والنائرة يجب به القصاص.
واختلف في الذي يكون عمدا على جهة اللعب، أو على جهة الأدب لمن أبيح له الأدب. وأما الشرط الذي يجب به القصاص في المقتول، فهو أن يكون مكافئا لدم القاتل. والذي به تختلف النفوس هو الإسلام والكفر والحرية والعبودية والذكورية والأنوثية والواحد والكثير. واتفقوا على أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتل في هذه الأربعة أنه يجب القصاص. واختلفوا في هذه الأربعة إذا لم تجتمع. أما الحر إذا قتل العبد عمدا، فإن العلماء اختلفوا فيه، فقال مالك والشافعي والليث وأحمد وأبو ثور: لا يقتل الحر بالعبد؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقتل الحر بالعبد إلا عبد نفسه؛ وقال قوم: يقتل الحر بالعبد سواء كان عبد القاتل أو عبد غير القاتل، وبه قال النخعي؛ فمن قال لا يقتل الحر بالعبد احتج بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى
ومن الحجة أيضا لمن قال: يقتل الحر بالعبد ما رواه عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من قتل عبده قتلناه به" ومن طريق المعنى قالوا: ولما كان قتله محرما كقتل الحر، وجب أن يكون القصاص فيه كالقصاص في الحر، وأما قتل المؤمن بالكافر الذمي، فاختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: فقال قوم: لا يقتل مؤمن بكافر، وممن قال به الشافعي والثوري وأحمد وداود وجماعة. وقال قوم: يقتل به، وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى. وقال مالك والليث: لا يقتل به إلا أن يقتله غيلة، وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه وبخاصة على ماله. فعمدة الفريق الأول ما روي من حديث علي أنه سأله قيس بن عبادة والأشتر هل عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس قال: لا، إلا ما في كتابي هذا، وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" خرجه أبو داود. وروي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يقتل مؤمن بكافر" واحتجوا في ذلك بإجماعهم على أنه لا يقتل مسلم بالحربي الذي أمن.
وأما أصحاب أبي حنيفة فاعتمدوا في ذلك آثارا منها حديث يرويه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن السلماني قال "قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أهل القبلة برجل من أهل الذمة وقال: أنا أحق من وفى بعهده" ورووا ذلك عن عمر، قالوا: وهذا مخصص لعموم قوله عليه الصلاة والسلام "لا يقتل مؤمن بكافر" أي أنه أريد به الكافر الحربي دون الكافر المعاهد، وضعف أهل الحديث حديث عبد الرحمن السلماني وما رووا من ذلك عن عمر. وأما من طريق القياس فإنهم اعتمدوا على إجماع المسلمين في أن يد المسلم تقطع إذا سرق من مال الذمي، قالوا: فإذا كانت حرمة ماله كحرمة مال المسلم فحرمة دمه كحرمة دمه، فسبب الخلاف تعارض الآثار والقياس. وأما قتل الجماعة بالواحد، فإن جمهور فقهاء الأمصار قالوا تقتل الجماعة بالواحد، منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وأبو ثور وغيرهم، سواء كثرت الجماعة أو قلت، وبه قال عمر حتى روي أنه قال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا. وقال داود وأهل الظاهر لا تقتل الجماعة بالواحد، وهو قول ابن الزبير، وبه قال الزهري، وروي عن جابر. وكذلك عند هذه الطائفة لا تقطع أيد بيد، أعني إذا اشترك اثنان فما فوق ذلك في قطع يد؛ وقال مالك والشافعي: تقطع الأيدي باليد؛ وفرقت الحنفية بين الأنفس والأطراف فقالوا: تقتل الأنفس بالنفس، ولا يقطع بالطرف إلا طرف واحد، وسيأتي هذا في باب القصاص من الأعضاء. فعمدة من قتل بالواحد الجماعة النظر إلى المصلحة، فإنه مفهوم أن القتل إنما شرع لنفي القتل كما نبه عليه الكتاب في قوله تعالى
وعمدة من قتل الواحد بالواحد قوله تعالى
وسبب اختلافهم ما رووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنا له بالسيف فأصاب ساقه، فنزى جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر ابن الخطاب فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول، فقال: ها أنا ذا، قال: خذها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لقاتل شيء" فإن مالكا حمل هذا الحديث على أنه لم يكن عمدا محضا، وأثبت منه شبه العمد فيما بين الابن والأب. وأما الجمهور فحملوه على ظاهره من أنه عمد لإجماعهم أن من حذف آخر بسيف فقتله فهو عمد. وأما مالك فرأى ما للأب من التسلط على تأديب ابنه ومن المحبة له أن حمل القتل الذي يكون في أمثال هذه الأحوال على أنه ليس بعمد، ولم يتهمه إذ كان ليس بقتل غيلة، فإنما يحمل فاعله على أنه قصد القتل من جهة غلبة الظن وقوة التهمة، إذ كانت النيات لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فمالك لم يتهم الأب حيث اتهم الأجنبي، لقوة المحبة التي بين الأب والابن. والجمهور إنما عللوا درء الحد عن الأب لمكان حقه على الابن، والذي يجيء على أصول أهل الظاهر أن يقاد، فهذا هو القول في الموجب.
-فاتفقوا على أن لولي الدم أحد شيئين: القصاص، أو العفو إما على الدية وإما على غير الدية. واختلفوا هل الانتقال من القصاص إلى العفو على أخذ الدية هو حق واجب لولي الدم دون أن يكون في ذلك خيار للمقتص منه، أم لا تثبت الدية إلا بتراضي الفريقين، أعني الولي والقاتل، وأنه إذا لم يرد المقتص منه أن يؤدي الدية لم يكن لولي الدم إلا القصاص مطلقا أو العفو، فقال مالك: لا يجب للولي إلا أن يقتص أو يعفو عن غير دية إلا أن يرضى بإعطاء الدية للقاتل، وهي رواية ابن القاسم عنه، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجماعة؛ وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيره: ولي الدم بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية، رضي القاتل أو لم يرض، وروى ذلك أشهب عن مالك، إلا أن المشهور عنه هي الرواية الأولى. فعمدة مالك في الرواية المشهورة حديث أنس ابن مالك في قصة سن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كتاب الله القصاص" فعلم بدليل الخطاب أنه ليس له إلا القصاص. وعمدة الفريق الثاني حديث أبي هريرة الثابت "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين بين أن يأخذ الدية وبين أن يعفو" هما حديثان متفق على صحتهما، لكن الأول ضعيف الدلالة في أنه ليس له إلا القصاص. والثاني نص في أن له الخيار والجمع بينهما يمكن إذا رفع دليل الخطاب من ذلك، فإن كان الجمع واجبا وممكنا فالمصير إلى الحديث الثاني واجب؛ والجمهور على أن الجمع واجب إذا أمكن وأنه أولى من الترجيح، وأيضا فإن الله عز وجل يقول
والنظر في هذا الباب هو في قسمين: في العفو والقصاص. والنظر في العفو في شيئين: أحدهما فيمن له العفو ممن ليس له، وترتيب أهل الدم في ذلك، وهل يكون له العفو على الدية أم لا؟ وقد تكلمنا في: هل له العفو على الدية. وأما من لهم العفو بالجملة فهم الذين لهم القيام بالدم، والذين لهم القيام بالدم هم العصبة عند مالك وعند غيره: كل من يرث، وذلك أنهم أجمعوا على أن المقتول عمدا إذا كان له بنون بالغون فعفا أحدهم أن القصاص قد بطل ووجبت الدية. واختلفوا في اختلاف البنات مع البنين في العفو أو في القصاص. وكذلك الزوجة أو الزوج والأخوات، فقال مالك: ليس للبنات ولا الأخوات قول مع البنين والإخوة في القصاص أو ضده، ولا يعتبر قولهن مع الرجال، وكذلك الأمر في الزوجة والزوج؛ وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد والشافعي كل وارث يعتبر قوله في إسقاط القصاص وفي إسقاط حظه من الدية، وفي الأخذ به قال الشافعي الغائب منهم والحاضر والصغير والكبير سواء. وعمدة هؤلاء اعتبارهم الدم بالدية. وعمدة الفريق الأول أن الولاية إنما هي للذكران دون الإناث. واختلف العلماء في المقتول عمدا إذا عفا عن دمه قبل أن يموت هل ذلك جائز على الأولياء؟ وكذلك في المقتول خطأ إذا عفا عن الدية، فقال قوم: إذا عفا المقتول عن دمه في العمد مضى ذلك، وممن قال بذلك مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، وهذا أحد قولي الشافعي؛ وقالت طائفة أخرى: لا يلزم عفوه، وللأولياء القصاص أو العفو، وممن قال به أبو ثور وداود، وهو قول الشافعي بالعراق. وعمدة هذه الطائفة أن الله خير الولي في ثلاث: إما العفو، وإما القصاص، وإما الدية. وذلك عام في كل مقتول سواء عفا عن دمه قبل الموت أو لم يعف. وعمدة الجمهور أن الشيء الذي جعل للولي إنما هو حق المقتول، فناب فيه منابه وأقيم مقامه، فكان المقتول أحق بالخيار من الذي أقيم مقامه بعد موته. وقد أجمع العلماء على أن قوله تعالى
وأما اختلافهم في عفو المقتول خطأ عن الدية فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجمهور فقهاء الأمصار: إن عفوه من ذلك في ثلثه إلا أن يجيزه الورثة؛ وقال قوم: يجوز في جميع ماله، وممن قال به طاوس والحسن. وعمدة الجمهور أنه واهب مالا له بعد موته فلم يجز إلا في الثلث، أصله الوصية. وعمدة الفرقة الثانية أنه إذا كان له أن يعفو عن الدم فهو أحرى أن يعفو عن المال، وهذه المسألة هي أخص بكتاب الديات.
واختلف العلماء إذا عفا المجروح عن الجراحات، فمات منها هل للأولياء أن يطالبوا بدمه أم لا؟ فقال مالك: لهم ذلك إلا أن يقول عفوت عن الجراحات وعما تئول إليه؛ وقال أبو يوسف ومحمد إذا عفا عن الجراحة ومات فلا حق لهم، والعفو عن الجراحات عفو عن الدم؛ وقال قوم: بل تلزمهم الدية إذا عفا عن الجراحات مطلقا، وهؤلاء اختلفوا، فمنهم من قال: تلزم الجارح الدية كلها، واختاره المزني من أقوال الشافعي؛ ومنهم من قال: يلزم من الدية ما بقي منها بعد إسقاط دية الجرح الذي عفا عنه، وهو قول الثوري. وأما من يرى أنه لا يعفو عن الدم فليس يتصور معه خلاف في أنه لا يسقط ذلك طلب الولي الدية، لأنه إذا كان عفوه عن الدم لا يسقط حق الولي، فأحرى أن لا يسقط عفوه عن الجرح. واختلفوا في القاتل عمدا يعفى عنه، هل يبقى للسلطان فيه حق أم لا؟ فقال مالك والليث: إنه يجلد مائة ويسجن سنة، وبه قال أهل المدينة، وروي ذلك عن عمر؛ وقالت طائفة: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يجب عليه ذلك؛ وقال أبو ثور: إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الإمام على قدر ما يرى. ولا عمدة للطائفة الأولى إلا أثر ضعيف. وعمدة الطائفة الثانية ظاهر الشرع وأن التحديد في ذلك لا يكون إلا بتوقيف، ولا توقيف ثابت في ذلك.
-والنظر في القصاص هو في صفة القصاص، وممن يكون؟ ومتى يكون؟ فأما صفة القصاص في النفس، فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: يقتص من القاتل على الصفة التي قتل، فمن قتل تغريقا قتل تغريقا، ومن قتل بضرب بحجر قتل بمثل ذلك، وبه قال مالك والشافعي، قالوا: إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح. واختلف أصحاب مالك فيمن حرق آخر، هل يحرق مع موافقتهم لمالك في احتذاء صورة القتل؟ وكذلك فيمن قتل بالسهم؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأي وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف. وعمدتهم ما روى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لاقود إلا بحديدة". وعمدة الفريق الأول حديث أنس "أن يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر، فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بحجر، أو قال: بين حجرين" وقوله
كمل كتاب القصاص في النفس.
(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما).
-والجراح صنفان: منها ما فيه القصاص أو الدية أو العفو. ومنها ما فيه الدية أو العفو. ولنبدأ بما فيه القصاص، والنظر أيضا ها هنا في شروط الجارح والجرح الذي به يحق القصاص والمجروح، وفي الحكم الواجب الذي هو القصاص، وفي بدله إن كان له بدل.
-ويشترط في الجارح أن يكون مكلفا كما يشترط ذلك في القاتل، وهو أن يكون بالغا عاقلا، والبلوغ يكون بالاحتلام والسن بلا خلاف، وإن كان الخلاف في مقداره، فأقصاه ثمانية عشر سنة، وأقله خمسة عشر سنة، وبه قال الشافعي، ولا خلاف أن الواحد إذا قطع عضو إنسان واحد اقتص منه إذا كان مما فيه القصاص. واختلفوا إذا قطعت جماعة عضوا واحدا، فقال أهل الظاهر: لا تقطع يدان في يد؛ وقال مالك والشافعي: تقطع الأيدي باليد الواحدة، كما تقتل عندهم الأنفس بالنفس الواحدة؛ وفرقت الحنفية بين النفس والأطراف، فقالوا: لا تقطع أعضاء بعضو، وتقتل أنفس بنفس، وعندهم أن الأطراف تتبعض، وإزهاق النفس لا يتبعض. واختلف في الإنبات، فقال الشافعي: هو بلوغ بإطلاق. واختلف المذهب فيه في الحدود، هل هو بلوغ فيها أم لا؟ والأصل في هذا كله حديث بني قريظة "أنه صلى الله عليه وسلم قتل منهم من أنبت وجرت عليه المواسي" كما أن الأصل في السن حديث ابن عمر أنه عرضه يوم الخندق وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يقبله وقبله يوم أحد وهو ابن خمس عشرة سنة.
-وأما المجروح فإنه يشترط فيه أن يكون دمه مكافئا لدم الجارح والذي يؤثر في التكافؤ العبودية والكفر. أما العبد والحر فإنهم اختلفوا في وقوع القصاص بينهما في الجرح كاختلافهم في النفس؛ فمنهم من رأى أنه لا يقتص من الحر للعبد، ويقتص للحر من العبد كالحال في النفس؛ ومنهم من رأى أنه يقتص لكل واحد منهما من كل واحد، ولم يفرق بين الجرح والنفس؛ ومنهم من فرق فقال: يقتص من الأعلى للأدنى في النفس والجرح؛ ومنهم من قال: يقتص من النفس دون الجرح، وعن مالك الروايتان. والصواب كما يقتص من النفس أن يقتص من الجرح، فهذه هي حال العبيد مع الأحرار. وأما حال العبيد بعضهم مع بعض، فإن للعلماء فيهم ثلاثة أقوال: أحدها أن القصاص بينهم في النفس وما دونها، وهو قول الشافعي وجماعة، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وهو قول مالك. والقول الثاني أنه لا قصاص بينهم لا في النفس ولا في الجرح وأنهم كالبهائم، وهو قول الحسن وابن شبرمة وجماعة. والثالث أن القصاص بينهم في النفس دون ما دونها، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وروي ذلك عن ابن مسعود. وعمدة الفريق الأول قوله تعالى {والعبد بالعبد} . وعمدة الحنفية ما روي عن عمران بن الحصين "أن عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقتص منه" فهذا هو حكم النفس.
-وأما الجرح فإنه يشترط فيه أن يكون على وجه العمد، أعني الجرح الذي يجب فيه القصاص، والجرح لا يخلو أن يكون يتلف جارحة من جوارح المجروح أو لا يتلف، فإن كان مما يتلف جارحة فالعمد فيه هو أن يقصد ضربه على وجه الغضب بما يجرح غالبا. وأما إن جرحه على وجه اللعب أو اللعب بما لا يجرح به غالبا أو على وجه الأدب، فيشبه أن يكون فيه الخلاف الذي يقع في القتل الذي يتولد عن الضرب في اللعب والأدب بما لا يقتل غالبا، فإن أبا حنيفة يعتبر الآلة حتى يقول إن القاتل بالمثقل لا يقتل وهو شذوذ منه، أعني بالخلاف هل فيه القصاص أو الدية إن كان الجرح مما فيه الدية. وأما إن كان الجرح قد أتلف جارحة من جوارح المجروح، فمن شرط القصاص فيه العمد أيضا بلا خلاف، وفي تمييز العمد منه من غير العمد خلاف. أما إذا ضربه على العضو نفسه فقطعه وضربه بآلة تقطع العضو غالبا، أو ضربه على وجه النائرة فلا خلاف أن فيه القصاص. وأما إن ضربه بلطمة أو سوط أو ما أشبه ذلك مما الظاهر منه أنه لم يقصد إتلاف العضو مثل أن يلطمه فيفقأ عينه، فالذي عليه الجمهور أنه شبه العمد ولا قصاص فيه، وفيه الدية مغلظة في ماله وهي رواية العراقيين عن مالك، والمشهور في المذهب أن ذلك عمد وفيه القصاص إلا في الأب مع ابنه؛ وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أن شبه العمد إنما هو في النفس لا في الجرح. وأما إن جرحه فأتلف عضوا على وجه اللعب ففيه قولان: أحدهما وجوب القصاص، والثاني نفيه. وما يجب على هذين القولين ففيه القولان قبل الدية مغلظة، وقيل دية الخطأ، أعني فيما فيه دية، وكذلك إذا كان على وجه الأدب ففيه الخلاف. وأما ما يجب في جراح العمد إذا وقعت على الشروط التي ذكرناها فهو القصاص لقوله تعالى {والجروح قصاص} وذلك فيما أمكن القصاص فيه منها، وفيما وجد منه محل القصاص ولم يخش منه تلف النفس، وإنما صاروا لهذا لما روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القود في المأمومة والمنقلة والجائفة" فرأى مالك ومن قال بقوله أن هذا حكم ما كان في معنى هذه من الجراح التي هي متالف، مثل كسر عظم الرقبة والصلب والصدر والفخذ وما أشبه ذلك. وقد اختلف قول مالك في المنقلة، فمرة قال بالقصاص، ومرة قال بالدية؛ وكذلك الأمر عند مالك فيما لا يمكن فيه التساوي في القصاص مثل الاقتصاص من ذهاب بعض النظر أو بعض السمع، ويمنع القصاص أيضا عند مالك عدم المثل مثل أن يفقأ أعمى عين بصير. واختلفوا من هذا في الأعور يفقأ عين الصحيح عمدا، فقال الجمهور: إن أحب الصحيح أن يستقيد منه فله القود، واختلفوا إذا عفا عن القود، فقال قوم: إن أحب فله الدية كاملة ألف دينار، وهو مذهب مالك، وقيل ليس له إلا نصف الدية، وبه قال الشافعي، وهو أيضا منقول عن مالك، ويقول الشافعي قال ابن القاسم، وبالقول الآخر قال المغيرة من أصحابه وابن دينار. وقال الكوفيون: ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا القود أو ما اصطلحا عليه؛ وقد قيل لا يستقيد من الأعور وعليه الدية كاملة، روي هذا عن ابن المسيب وعن عثمان. وعمدة صاحب هذا القول أن عين الأعور بمنزلة عينين، فمن فقأها في واحدة فكأنه اقتص من اثنين في واحدة، وإلى نحو هذا ذهب من رأى أنه إذا ترك القود أنه له دية كاملة، ويلزم حامل هذا القول أن لا يستقيد ضرورة؛ ومن قال بالقود وجعل الدية نصف الدية فهو أحرز لأصله، فتأمله فإنه بين بنفسه والله أعلم. وأما هل المجروح مخير بين القصاص وأخذ الدية، أم ليس له إلا القصاص فقط إلا أن يصطلحا على أخذ الدية ففيه القولان عن مالك مثل القولين في القتل، وكذلك أحد قولي مالك في الأعور يفقأ عين الصحيح: أن الصحيح يخير بين أن يفقأ عين الأعور أو يأخذ الدية ألف دينار أو خمسمائة على الاختلاف في ذلك.
وأما متى يستقاد من الجرح؟ فعند مالك أنه لا يستقاد من جرح إلا بعد اندماله، وعند الشافعي على الفور؛ فالشافعي تمسك بالظاهر، ومالك رأى أن يعتبر ما يئول إليه أمر الجرح مخافة أن يفضي إلى إتلاف النفس. واختلف العلماء في المقتص من الجرح يموت المقتص من ذلك الجرح، فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد لا شيء على المقتص، وروي عن علي وعمر مثل ذلك، وبه قال أحمد وأبو ثور وداود؛ وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وجماعة: إذا مات وجب على عاقلة المقتص الدية؛ وقال بعضهم: هي في ماله. وقال عثمان البتي: يسقط عنه من الدية قدر الجراحة التي اقتص منها، وهو قول ابن مسعود. فعمدة الفريق الأول إجماعهم على أن السارق إذا مات من قطع يده أنه لا شيء على الذي قطع يده. وعمدة أبي حنيفة أنه قتل خطأ وجبت فيه الدية؛ ولا يقاد عند مالك في الحر الشديد ولا البرد الشديد، ويؤخر ذلك مخافة أن يموت المقاد منه؛ وقد قيل إن المكان شرط في جواز القصاص وهو غير الحرم، فهذا هو حكم العمد في الجنايات على النفس وفي الجنايات على أعضاء البدن، وينبغي أن نصير إلى حكم الخطأ في ذلك، ونبتدئ بحكم الخطأ في النفس.
-والأصل في هذا الباب قوله تعالى
وأما قدرها ونوعها، فإنهم اتفقوا على أن دية الحر المسلم على أهل الإبل مائة من الإبل، وهي في مذهب مالك ثلاث ديات: دية الخطأ، ودية العمد إذا قبلت، ودية شبه العمد. وهي عند مالك في الأشهر عنه مثل فعل المدلجي بابنه. وأما الشافعي فالدية عنده اثنان فقط: مخففة ومغلظة. فالمخففة دية الخطأ، والمغلظة دية العمد ودية شبه العمد. وأما أبو حنيفة فالديات عنده اثنان أيضا: دية الخطأ، ودية شبه العمد، وليس عنده دية في العمد، وإنما الواجب عنده في العمد ما اصطلحا عليه وهو حال عليه غير مؤجل، وهو معنى قول مالك المشهور، لأنه إذا لم تلزمه الدية عنده إلا باصطلاح فلا معنى لتسميتها دية إلا ما روي عنه أنها تكون مؤجلة كدية الخطأ فههنا يخرج حكمها عن حكم المال المصطلح عليه، ودية العمد عنده أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وهو قول ابن شهاب وربيعة، والدية المغلظة عنده أثلاثا: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة وهي الحوامل، ولا تكون المغلظة عنده في المشهور إلا في مثل فعل المدلجي بابنه؛ وعند الشافعي أنها تكون في شبه العمد أثلاثا أيضا، وروى ذلك أيضا عن عمر وزيد بن ثابت؛ وقال أبو ثور: الدية في العمد إذا عفا ولي الدم أخماسا كدية الخطأ. واختلفوا في أسنان الإبل في دية الخطأ، فقال مالك والشافعي: هي أخماس: عشرون ابنة مخاض، وعشرون ابنة لبون، وعشرون ابن لبون ذكرا، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وهو مروي عن ابن شهاب وربيعة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، أعني التخميس، إلا أنهم جعلوا مكان ابن لبون ذكر ابن مخاض ذكرا، وروي عن ابن مسعود الوجهان جميعا؛ وروي عن سيدنا علي أنه جعلها أرباعا، أسقط منها الخمس والعشرين بني لبون. وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز، ولا حديث في ذلك مسند، فدل على الإباحة - والله أعلم - كما قال أبو عمر بن عبد البر. وخرج البخاري والترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "في دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض ذكور وعشرون بنات لبون وعشرون جذعة وعشرون حقة"
واعتل لهذا الحديث أبو عمر بأنه روى عن حنيف ابن مالك عن ابن مسعود وهو مجهول قال: وأحب إلي في ذلك الرواية عن علي، لأنه لم يختلف في ذلك عليه كما اختلف على ابن مسعود. وخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة، وعشرة بني لبون ذكر" قال أبو سليمان الخطابي هذا الحديث لا أعرف أحدا من الفقهاء المشهورين قال به وإنما قال أكثر العلماء إن دية الخطأ أخماس، وإن كانوا اختلفوا في الأصناف؛ وقد روي أن دية الخطأ مربعة عن بعض العلماء وهم الشعبي والنخعي والحسن البصري، وهؤلاء جعلوها: خمسا وعشرين جذعة، وخمسا وعشرين حقة، وخمسا وعشرين بنات لبون، وخمسا وعشرين بنات مخاض، كما روي عن علي وخرجه أبو داود، وإنما صار الجمهور إلى تخميس دية الخطأ: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض ذكر، وإن كان لم يتفقوا على بني المخاض لأنها لم تذكر في أسنان فيها، وقياس من أخذ بحديث التخميس في الخطأ وحديث التربيع في شبه العمد إن ثبت هذا. النوع الثالث أن يقول في دية العمد بالتثليث كما قد روي ذلك الشافعي، ومن لم يقل بالتثليث شبه العمد بما دونه. فهذا هو مشهور أقاويلهم في الدية التي تكون من الإبل على أهل الإبل. وأما أهل الذهب والورق فإنهم اختلفوا أيضا فيما يجب من ذلك عليهم؛ فقال مالك: على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم؛ وقال أهل العراق: على أهل الورق عشرة آلاف درهم؛ وقال الشافعي بمصر: لا يؤخذ من أهل الذهب ولا من أهل الورق إلا قيمة الإبل بالغة ما بلغت، وقوله بالعراق مثل قول مالك. وعمدة مالك تقويم عمر بن الخطاب المائة من الإبل على أهل الذهب بألف دينار، وعلى أهل الورق باثني عشر ألف درهم. وعمدة الحنفية ما رووا أيضا عن عمر أنه قوم الدينار بعشرة دراهم، وإجماعهم على تقويم المثقال بها في الزكاة.
وأما الشافعي فيقول: إن الأصل في الدية إنما هو مائة بعير، وعمر إنما جعل فيها ألف دينار على أهل الذهب، واثني عشر ألف درهم على أهل الورق، لأن ذلك كان قيمة الإبل من الذهب والورق في زمانه، والحجة له ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال كانت الديات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت، ففرضها عمر على أهل الورق اثني ألف درهم، وعلى أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، وترك دية أهل الذمة لم يرفع فيها شيئا. واحتج بعض الناس لمالك لأنه لو لو كان تقويم عمر بدلا لكان دينا بدين، لإجماعهم أن الدية في الخطأ مؤجلة لثلاث سنين؛
ومالك وأبو حنيفة وجماعة متفقون على أن الدية لا تؤخذ إلا من الإبل أو الذهب أو الورق. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والفقهاء السبعة المدنيون: يوضع على أهل الشاة ألفا شاة، وعلى أهل البقر مائتا بقرة، وعلى أهل البرود مائتا حلة، وعمدتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده المتقدم، وما أسنده أبو بكر بن أبي شبية عن عطاء "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت على أهل الإبل مائة بعير، وعلى أهل الشاة ألفا شاة، وعلى أهل البقر مائتا بقرة، وعلى أهل البرود مائتا حلة" وما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى الأجناد أن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير. قال: فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق، فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل فعد لها من الشاة ألف شاة. ولأن أهل العراق أيضا رووا عن عمر مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نصا. وعمدة الفريق الأول أنه لو جاز أن تقوم بالشاة والبقر لجاز أن تقوم بالطعام على أهل الطعام، وبالخيل على أهل الخيل، وهذا لا يقول به أحد. والنظر في الدية كما قلت هو في نوعها، وفي مقدارها، وعلى من تجب، وفيما تجب، ومتى تجب؟. أما نوعها ومقدارها فقد تكلمنا فيه في الذكور الأحرار المسلمين. وأما على من تجب؟ فلا خلاف بينهم أن دية الخطأ تجب على العاقلة وأنه حكم مخصوص من عموم قوله تعالى
وسبب اختلافهم تردد فعل الصبي بين العامد والمخطئ؛ فمن غلب عليه شبه العمد أوجب الدية في ماله؛ ومن غلب عليه شبه الخطأ أوجبها على العاقلة، وكذلك اختلفوا إذا اشترك في القتل عامد وصبي، والذين أوجبوا على العامد القصاص وعلى الصبي الدية اختلفوا على من تكون؟ فقال الشافعي: على أصله في مال الصبي؛ وقال مالك: على العاقلة؛ وأما أبو حنيفة فيرى أن لا قصاص بينهما. وأما متى تجب؟ فإنهم اتفقوا على أن دية الخطأ مؤجلة في ثلاث سنين، وأما دية العمد فحالة إلا أن يصطلحا على التأجيل. وأما من هم العاقلة، فإن جمهور العلماء من أهل الحجاز اتفقوا على أن العاقلة هي بالقرابة من قبل الأب، وهم العصبة دون أهل الديوان، وتحمل الموالي العقل عند جمهورهم إذا عجزت عنه العصبة، إلا داود فإنه لم ير الموالي عصبة، وليس فيما يجب على واحد واحد منهم حد عند مالك؛ وقال الشافعي: على الغني دينار وعلى الفقير نصف دينار، وهي عند الشافعي مرتبة على القرابة بحسب قربهم، فالأقرب من بني أبيه، ثم من بني جده، ثم من بني أبية؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: العاقلة هم أهل ديوانه إن كان من أهل ديوان. وعمدة أهل الحجاز أنه تعاقل الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمان أبي بكر ولم يكن هناك ديوان؛ وإنما كان الديوان في زمن عمر بن الخطاب. واعتمد الكوفيون حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا قوة". وبالجملة فتمسكوا في ذلك بنحو تمسكهم في وجوب الولاء للحلفاء.
واختلفوا في جناية من لا عصبة له ولا موالي وهم السائبة إذا جنوا خطأ هل يكون عليه عقل أم لا؟، وإن كان فعلى من يكون؟ فقال من لم يجعل لهم موالي: ليس على السائبة عقل، وكذلك من لم يجعل العقل على الموالي، وهو داود وأصحابه. وقال: من جعل ولاءه لمن أعتقه عليه عقله، وقال: من جعل ولاءه للمسلمين عقله في بيت المال، ومن قال إن للسائبة أن يوالي من شاء جعل عقله لمن ولاه، وكل هذه الأقاويل قد حكيت عن السلف. والديات تختلف بحسب اختلاف المودى فيه، والمؤثر في نقصان الدية هي الأنوثة والكفر والعبودية. أما دية المرأة فإنهم اتفقوا على أنها على النصف من دية الرجل في النفس فقط. واختلفوا فيما دون النفس من الشجاج والأعضاء على ما سيأتي القول فيه في ديات الجروح والأعضاء. وأما دية أهل الذمة إذا قتلوا خطأ، فإن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها ديتهم على النصف من دية المسلم ذكرانهم على النصف من ذكران المسلمين، ونساؤهم على النصف من نسائهم، وبه قال مالك وعمر بن عبد العزيز، وعلى هذا تكون دية جراحهم على النصف من دية المسلمين. والقول الثاني أن ديتهم ثلث دية المسلم، وبه قال الشافعي، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان، وقال به جماعة من التابعين. والقول الثالث: أن ديتهم مثل دية المسلمين، وبه قال أبو حنيفة والثوري وجماعة، وهو مروي عن ابن مسعود، وقد روي عن عمر وعثمان، وقال به جماعة من التابعين. فعمدة الفريق الأول ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "دية الكافر على النصف من دية المسلم" وعمدة الحنفية عموم قوله تعالى
-والأصل في هذا الباب قوله تعالى {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة
وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال قوم: عليه قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر، وبه قال مالك والشافعي وأبو يوسف، وهو قول سعيد ابن المسيب وعمر بن عبد العزيز. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يتجاوز بقيمة العبد الدية؛ وقالت طائفة من فقهاء الكوفة: فيه الدية، ولكن لا يبلغ به دية الحر ينقص منها شيئا. وعمدة الحنفية أن الرق حال نقص، فوجب أن لا تزيد قيمته على دية الحر. وعمدة من أوجب فيه الدية ولكن ناقصة عن دية الحر أنه مكلف ناقص، فوجب أن يكون الحكم ناقصا عن الحر لكن واحدا بالنوع أصله الحد في الزنى والقذف والخمر والطلاق، ولو قيل فيه إنها تكون على النصف من دية الحر لكان قولا له وجه: أعني في دية الخطأ، لكن لم يقل به أحد. وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة، أصله سائر الأموال. واختلف في الواجب في العبد على من يجب؟ فقال أبو حنيفة: هو على عاقلة القاتل، وهو الأشهر عن الشافعي؛ وقال مالك: هو على القاتل نفسه. وعمدة مالك تشبيه العبد بالعروض. وعمدة الشافعي قياسه على الحر. ومما يدخل في هذا الباب من أنواع الخطأ دية الجنين، وذلك لأن سقوط الجنين عن الضرب ليس هو عمدا محضا، وإنما هو عمد في أمه خطأ فيه. والنظر في هذا الباب هو أيضا في الواجب في ضروب الأجنة وفي صفة الجنين الذي يجب فيه الواجب، وعلى من تجب، ولمن يجب، وفي شروط الوجوب. فأما الأجنة فإنهم اتفقوا على أن الواجب في جنين الحرة وجنين الأمة من سيدها هو غرة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها" فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة" واتفقوا على أن قيمة الغرة الواجبة في ذلك عند من رأى أن الغرة في ذلك محدودة بالقيمة وهو مذهب الجمهور هي نصف عشر دية أمه؛ إلا أن من رأى أن الدية الكاملة على أهل الدراهم هي عشرة آلاف درهم قال: دية الجنين خمسمائة درهم؛ ومن رأى أنها اثنا عشر ألف درهم قال: ستمائة درهم؛
والذين لم يحدوا في ذلك حدا أو لم يحدوها من جهة القيمة وأجازوا إخراج قيمتها عنها قالوا: الواجب في ذلك قيمة الغرة بالغة ما بلغت؛ وقال داود وأهل الظاهر: كل ما وقع عليه اسم غرة أجزأ، ولا يجزئ عنده القيمة في ذلك فيما أحسب. واختلفوا في الواجب في جنين الأمة وفي جنين الكتابية؛ فذهب مالك والشافعي إلى أن جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى يوم يجنى عليه؛ وفرق قوم بين الذكر والأنثى، فقال قوم: إن كان أنثى فيه عشر قيمة أمه، وإن كان ذكرا فعشر قيمته لو كان حيا، وبه قال أبو حنيفة، ولا خلاف عندهم أن جنين الأمة إذا سقط حيا أن فيه قيمته؛ وقال أبو يوسف: في جنين الأمة إذا سقط ميتا منها ما نقص من قيمة أمه. وأما جنين الذمية، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: فيه عشر دية أمه، لكن أبو حنيفة على أصله في أن دية الذمي دية المسلم، والشافعي على أصله في أن دية الذمي ثلث دية المسلم، ومالك على أصله في أن دية الذمي نصف دية المسلم. وأما صفة الجنين الذي تجب فيه فإنهم اتفقوا على أن من شروطه أن يخرج الجنين ميتا ولا تموت أمه من الضرب. واختلفوا إذا ماتت أمه من الضرب ثم سقط الجنين ميتا، فقال مالك والشافعي: لا شيء فيه؛ وقال أشهب: فيه الغرة، وبه قال الليث وربيعة والزهري. واختلفوا من هذا الباب في فروع، وهي العلامة التي تدل على سقوطه حيا أو ميتا. فذهب مالك وأصحابه إلى أن علامة الحياة الاستهلال بالصياح أو البكاء؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأكثر الفقهاء: كل ما علمت به الحياة في العادة من حركة أو عطاس أو تنفس فأحكامه أحكام الحي، وهو الأظهر. واختلفوا من هذا الباب في الخلقة التي توجب الغرة، فقال مالك: كل ما طرحته من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة، وقال الشافعي: لا شيء فيه حتى تستبين الخلقة. والأجود أن يعتبر نفخ الروح فيه، أعني أن يكون تجب فيه الغرة إذا علم أن الحياة قد كانت وجدت فيه.
وأما على من تجب؟ فإنهم اختلفوا في ذلك؛ فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي والحسن البصري: هي في مال الجاني؛ وقال آخرون: هي على العاقلة، وممن قال بذلك الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة. وعمدتهم أنها جناية خطأ فوجبت على العاقلة. وما روي أيضا عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الجنين غرة على العاقلة الضارب وبدأ بزوجها وولدها". وأما مالك فشبهها بدية العمد إذا كان الضرب عمدا. وأما لمن تجب؟ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: هي لورثة الجنين، وحكمها حكم الدية في أنها موروثة؛ وقال ربيعة والليث: هي للأم خاصة، وذلك أنهم شبهوا جنينها بعضو من أعضائها، ومن الواجب الذي اختلفوا فيه في الجنين مع وجوب الغرة وجوب الكفارة، فذهب الشافعي إلى أن فيه الكفارة واجبة؛ وذهب أبو حنيفة إلى أنه ليس فيه كفارة واستحسنها مالك ولم يوجبها. فأما الشافعي فإنه أوجبها لأن الكفارة عنده واجبة في العمد والخطأ. وأما أبو حنيفة فإنه غلب عليه حكم العمد، والكفارة لا تجب عنده في العمد. وأما مالك فلما كانت الكفارة لا تجب عنده في العمد وتجب في الخطأ، وكان هذا مترددا عنده بين العمد والخطأ استحسن فيه الكفارة ولم يوجبها. ومن أنواع الخطأ المختلف فيه، اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد؛ فقال الجمهور: هم ضامنون لما أصابت الدابة، واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر بالعقل. وقال أهل الظاهر: لا ضمان على أحد في جرح العجماء، واعتمدوا الأثر الثابت فيه عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال عليه الصلاة والسلام "جرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس" فحمل الجمهور الحديث على أنه لم يكن بالدابة راكب ولا سائق ولا قائد، لأنهم رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق، فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ.
واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها، فقال مالك: لا شيء فيه إن لم يفعل صاحب الدابة بالدابة شيئا يبعثها به على أن ترمح برجلها؛ وقال الشافعي: يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو برجلها، وبه قال ابن شبرمة وابن أبي ليلى، وسويا بين الضمان برجلها أو بغير رجلها، وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه استثنى الرمحة بالرجل أو بالذنب، وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي عنه صلى الله عليه وسلم "الرجل جبار" ولم يصح هذا الحديث عند الشافعي ورده. وأقاويل العلماء فيمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان متقاربة؛ قال مالك: إن حفر في موضع جرت العادة الحفر في مثله لم يضمن وإن تعدى في الحفر ضمن؛ وقال الليث: إن حفر في أرض يملكها لم يضمن وإن حفر فيما لا يملك ضمن، فمن ضمن عنده فهو من نوع الخطأ. وكذلك اختلفوا في الدابة الموقوفة، فقال بعضهم: إن أوقفها بحيث يجب له أن يوقفها لم يضمن، وإن لم يفعل ضمن، وبه قال الشافعي؛ وقال أبو حنيفة: يضمن على كل حال، وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه، كما لا يبرئه ركوبها من ضمان ما أصابته وإن كان الركوب مباحا. واختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما؛ فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة: على كل واحد منهما دية الآخر وذلك على العاقلة؛ وقال الشافعي وعثمان البتي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه، لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه. وأجمعوا على أن الطبيب إذا أخطأ لزمته الدية، مثل أن يقطع الحشفة في الختان، وما أشبه ذلك، لأنه في معنى الجاني خطأ؛ وعن مالك رواية: أنه ليس عليه شيء، وذلك عنده إذا كان من أهل الطب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنه يضمن لأنه متعد، وقد ورد في ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من تطبب ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن" والدية فيما أخطأه الطبيب عند الجمهور على العاقلة، ومن أهل العلم من جعله في مال الطبيب، ولا خلاف أنه إذا لم يكن من أهل الطب أنها في ماله على ظاهر حديث عمرو بن شعيب.
ولا خلاف بينهم أن الكفارة التي نص الله عليها في قتل الحر خطأ واجبة. واختلفوا في قتل العمد هل فيه كفارة؟ وفي قتل العبد خطأ، فأوجبها مالك في قتل الحر فقط في الخطأ دون العمد وأوجبها الشافعي في العمد من طريق الأولى والأحرى؛ وعند مالك أن العمد في هذا حكمه حكم الخطأ. واختلفوا في تغليظ الدية في الشهر الحرام وفي البلد الحرام؛ فقال مالك وأبو حنيفة وابن أبي ليلى: لا تغلظ الدية فيهما؛ وقال الشافعي: تغلظ فيهما في النفس وفي الجراح. وروي عن القاسم بن محمد وابن شهاب وغيرهم أنه يزاد فيها مثل ثلثها، وروي ذلك عن عمر، وكذلك عن الشافعي من قتل ذا رحم محرم. وعمدة مالك وأبي حنيفة عموم الظاهر في توقيت الديات، فمن ادعى في ذلك تخصيصا فعليه الدليل مع أنهم قد أجمعوا على أنه لا تغلظ الكفارة فيمن قتل فيهما. وعمدة الشافعي أن ذلك مروي عن عمر وعثمان وابن عباس، وإذا روي عن الصحابة شيء مخالف للقياس وجب حمله على التوقيف، ووجه مخالفته للقياس أن التغليظ فيما وقع خطأ بعيد عن أصوال الشرع، وللفريق الثاني أن يقول إنه قد ينقدح في ذلك قياس لما ثبت في الشرع من تعظيم الحرم واختصاصه بضمان الصيود فيه.
-والأشياء التي تجب فيها الدية فيما دون النفس هي شجاج وأعضاء، فلنبدأ بالقول في الشجاج، والنظر في هذا الباب في محل الوجوب وشرطه وقدره الواجب، وعلى من تجب؟ ومتى تجب؟ ولمن تجب؟ فأما محل الوجوب فهي الشجاج أو قطع الأعضاء، والشجاج عشرة في اللغة والفقه: أولها الدامية وهي التي تدمي الجلد، ثم الخارصة وهي التي تشق الجلد، ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم: أي تشقه، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم، ثم السمحاق وهي التي تبلغ السمحاق وهو الغشاء الرقيق بين اللحم والعظم ويقال لها: الملطاء بالمد والقصر، ثم الموضحة وهي التي توضح العظم: أي تكشفه، ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم، ثم المنقلة وهي التي يطير العظم منها، ثم المأمومة وهي التي تصل أم الدماغ، ثم الجائفة وهي التي تصل إلى الجوف، وأسماء هذه الشجاج مختصة بما وقع بالوجه منها والرأس دون سائر البدن، واسم الجرح يختص بما وقع في البدن، فهذه أسماء هذه الشجاج. فأما أحكامها أعني الواجب فيها، فاتفق العلماء على أن العقل واقع في عمد الموضحة وما دون الموضحة خطأ. واتفقوا على أنه ليس فيما دون الموضحة خطأ عقل، وإنما فيها حكومة، قال بعضهم: أجرة الطبيب، إلا ما روي عن عمر وعثمان أنهما قضيا في السمحاق بنصف دية الموضحة، وروي عن علي أنه قضى فيها بأربع من الإبل، وروي عن زيد بن ثابت أنه قال: في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة، والجمهور من فقهاء الأمصار على ما ذكرنا؛ وذلك أن الأصل في الجراح الحكومة إلا ما وقتت فيه السنة حدا؛ ومالك يعتبر في إلزام الحكومة فيما دون الموضحة أن تبرأ على شين، والغير من فقهاء الأمصار يلزم فيها الحكومة برئت على شين أو لم تبرأ فهذه هي أحكام ما دون الموضحة. فأما الموضحة فجميع الفقهاء على أن فيها إذا كانت خطأ خمسا من الإبل، وثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه لعمرو بن حزم، ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "في الموضحة خمس" يعني من الإبل. واختلف العلماء في موضع الموضحة من الجسد بعد اتفاقهم على ما قلنا، أعني على وجوب القصاص في العمد ووجوب الدية في الخطأ منها، فقال مالك: لا تكون الموضحة إلا في جهة الرأس والجبهة والخدين واللحى الأعلى، ولا تكون في اللحى الأسفل لأنه في حكم العنق ولا في الأنف؛ وأما الشافعي وأبو حنيفة فالموضحة عندهما في جميع الوجه والرأس؛ والجمهور على أنها لا تكون في الجسد وقال الليث وطائفة: تكون في الجنب؛ وقال الأوزاعي: إذا كانت في الجسد كانت من دينها في الوجه والرأس. وروي عن عمر أنه قال: في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو. وغلظ بعض العلماء في موضحة الوجه تبرأ على شين، فرأى فيها مثل نصف عقلها زائدا على عقلها، وروى ذلك مالك عن سليمان بن يسار، واضطرب قول مالك في ذلك، فمرة قال بقول سليمان بن يسار، ومرة قال: لا يزاد فيها على عقلها شيء، وبه قال الجمهور؛ وقد قيل عن مالك إنه قال: إذا شانت الوجه كان فيها حكومة من غير توقيف، ومعنى الحكومة عند مالك ما نقص من قيمته أن لو كان عمدا. وأما الهاشمة ففيها عند الجمهور عشر الدية، وروي ذلك عن زيد بن ثابت، ولا مخالف له من الصحابة ؛وقال بعض العلماء: الهاشمة هي المنقلة وشذ. وأما المنقلة فلا خلاف أن فيها عشر الدية ونصف العشر إذا كانت خطأ، فأما إذا كانت عمدا، فجمهور العلماء على أن ليس فيها قود لمكان الخوف. وحكي عن ابن الزبير أنه أقاد منها ومن المأمومة. وأما الهاشمة في العمد. فروى ابن القاسم عن مالك أنه ليس فيها قود. ومن أجاز القود من المنقلة كان أحرى أن يجيز ذلك من الهاشمة. وأما المأمومة فلا خلاف أنه لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية إلا ما حكي عن ابن الزبير. وأما الجائفة فاتفقوا على أنها من جراح الجسد لا من جراح الرأس وأنها لا يقاد منها وأن فيها ثلث الدية وأنها جائفة متى وقعت في الظهر والبطن. واختلفوا إذا وقعت في غير ذلك من الأعضاء فنفذت إلى تجويفه، فحكى مالك عن سعيد بن المسيب أن في كل جراحة نافذة إلى تجويف عضو من الأعضاء - أي عضو كان - ثلث دية ذلك العضو. وحكى ابن شهاب أنه كان لا يرى ذلك وهو الذي اختاره مالك لأن القياس عنده في هذا لا يسوغ؛ وإنما سنده في ذلك الاجتهاد من غير توقيف وأما سعيد فإنه قاس ذلك على الجائفة على نحو ما روي عن عمر في موضحة الجسد. وأما الجراحات التي تقع في سائر الجسد فليس في الخطأ منها إلا الحكومة.
-والأصل فيما فيه من الأعضاء إذا قطع خطأ مال محدود، وهو الذي يسمى دية، وكذلك من الجراحات والنفوس حديث عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول "إن في النفس مائة من الإبل، وفي الأنف إذا استوعب جدعا مائة من الإبل، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون، وفي اليد خمسون، وفي الرجل خمسون، وفي كل أصبع مما هناك عشر من الإبل، وفي السن والموضحة خمس" وكل هذا مجمع عليه إلا السن والإبهام، فإنهم اختلفوا فيها على ما سنذكره، ومنها ما اتفقوا عليه مما لم يذكر ههنا قياسا على ما نذكر فنقول: إن العلماء أجمعوا على أن في الشفتين الدية كاملة، والجمهور على أن في كل واحدة منهما نصف الدية؛ وروي عن قوم من التابعين أن في السفلى ثلثي الدية لأنها تحبس الطعام والشراب، وبالجملة فإن حركتها والمنفعة بها أعظم من حركة الشفة العليا، وهو مذهب زيد بن ثابت. وبالجملة فجماعة العلماء وأئمة الفتوي متفقون على أن في كل زوج من الإنسان الدية ما خلا الحاجبين وثديي الرجل. واختلفوا في الأذنين متى تكون فيهما الدية؟ فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث: إذا اصطلمتا كان فيهما الدية، ولم يشترطوا إذهاب السمع، بل جعلوا في ذهاب السمع الدية مفردة. وأما مالك فالمشهور عنده أنه لا تجب في الأذنين الدية إلا إذا ذهب سمعهما، فإن لم يذهب ففيه حكومة. وروي عن أبي بكر أنه قضى في الأذنين بخمس عشرة من الإبل وقال: إنهما لا يضران السمع ويسترهما الشعر أو العمامة. وروي عن عمر وعلي وزيد أنهم قضوا في الأذن إذا اصطلمت نصف الدية. وأما الجمهور من العلماء فلا خلاف عندهم أن في ذهاب السمع الدية. وأما الحاجبان ففيهما عند مالك والشافعي حكومة؛ وقال أبو حنيفة: فيهما الدية، وكذلك في أشفار العين؛ وليس عند مالك في ذلك إلا حكومة. وعمدة الحنفية ما روي عن ابن مسعود أنه قال: في كل اثنين من الإنسان الدية وتشبيههما بما أجمعوا عليه من الأعضاء المثناة. وعمدة مالك أنه لا مجال فيه للقياس وإنما طريقه التوقيف، فما لم يثبت من قبل السماع فيه دية فالأصل أن فيه حكومة، وأيضا فإن الحواجب ليست أعضاء لها منفعة ولا فعل بين، أعني ضروريا في الخلقة. وأما الأجفان فقيل في كل جفن منها ربع الدية، وبه قال الشافعي والكوفي، لأنه لا بقاء للعين دون الأجفان، وفي الجفنين الأسفلين عند غيرهما الثلث وفي الأعليين الثلثان. وأجمعوا على أن من أصيب من أطرافه أكثر من ديته أن له ذلك، مثل أن تصاب عيناه وأنفه فله ديتان. وأما الأنثيان فأجمعوا أيضا على أن فيهما الدية، وقال جميعهم: إن في كل واحدة منهما نصف الدية، إلا ما روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: في البيضة اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يكون منها وفي اليمنى ثلث الدية،
فهذه مسائل الأعضاء المزدوجة. وأما المفردة فإن جمهورهم على أن في اللسان خطأ الدية، وذلك مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك إذا قطع كله أو قطع منه ما يمنع الكلام، فإن لم يقطع منه ما منع الكلام ففيه حكومة. واختلفوا في القصاص فيه عمدا؛ فمنهم من لم ير فيه قصاصا وأوجب الدية، وهم مالك والشافعي والكوفي، لكن الشافعي يرى الدية في مال الجاني، والكوفي ومالك على العاقلة؛ وقال الليث وغيره: في اللسان عمدا القصاص. وأما الأنف فأجمعوا على أنه إذا أوعب جدعا على أن فيه الدية على ما في الحديث وسواء عند مالك ذهب الشم أو لم يذهب، وعنده أنه إذا ذهب أحدهما ففيه الدية، وفي ذهاب أحدهما بعد الآخر الدية الكاملة. وأجمعوا على أن في الذكر الصحيح الذي يكون به الوطء الدية كاملة. واختلفوا في ذكر العنين والخصي، كما اختلفوا في لسان الأخرس وفي اليد الشلاء؛ فمنهم من جعل فيها الدية؛ ومنهم من جعل فيها حكومة؛ ومنهم من قال: في ذكر الخصي والعنين ثلث الدية؛ والذي عليه الجمهور أن فيه حكومة. وأقل ما تجب فيه الدية عند مالك قطع الحشفة؛ ثم في باقي الذكر حكومة وأما عين الأعور فللعلماء فيه قولان أحدهما أن فيه الدية كاملة، وإليه ذهب مالك وجماعة من أهل المدينة، وبه قال الليث، وقضى به عمر بن عبد العزيز وهو قول ابن عمر؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري: فيها نصف الدية كما في عين الصحيح وهو مروي عن جماعة من التابعين. وعمدة الفريق الأول أن العين الواحدة للأعور بمنزلة العينين جميعا لغير الأعور. وعمدة الفريق الثاني حديث عمرو ابن حزم: أعني عموم قوله "وفي العين نصف الدية، وقياسا أيضا على إجماعهم أنه ليس على من قطع يد من له يد واحدة إلا نصف الدية. فسبب اختلافهم في هذا معارضة العموم للقياس، ومعارضة القياس للقياس
ومن أحسن ما قيل فيمن ضرب عين رجل فأذهب بعض بصرها ما روي من ذلك عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالذي أصيب بصره بأن عصبت عينه الصحيحة، وأعطى رجلا بيضة فانطلق بها وهو ينظر إليها حتى لم يبصرها، فخط عند أول ذلك خطا في الأرض ثم أمر بعينه المصابة فعصبت وفتحت الصحيحة، وأعطى رجلا البيضة بعينها فانطلق بها وهو ينظر إليها حتى خفيت عنه، فخط أيضا عند أول ما خفيت عنه في الأرض خطا، ثم علم ما بين الخطين من المسافة، وعلم مقدار ذلك من منتهى رؤية العين الصحيحة، فأعطاه قدر ذلك من الدية. ويختبر صدقه في مسافة إدراك العين العليلة والصحيحة بأن يختبر ذلك منه مرارا شتى في مواضع مختلفة، فإن خرجت مسافة تلك المواضع التي ذكر واحدة علمنا أنه صادق.
واختلف العلماء في الجناية على العين القائمة الشكل التي ذهب بصرها؛ فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: فيها حكومة؛ وقال زيد بن ثابت: فيها عشر الدية مائة دينار؛ وحمل ذلك الشافعي على أنه كان ذلك من زيد تقويما لا تقويتا. وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما قضيا في العين القائمة الشكل واليد الشلاء والسن السوداء في كل واحدة منهما ثلث الدية. وقال مالك: تتم دية السن باسودادها ثم في قلعها بعد اسودادها دية. واختلف العلماء في الأعور يفقأ عين الصحيح عمدا؛ فقال الجمهور: فله القود، وإن عفا فله الدية، وقال قوم: كاملة؛ وقال قوم: نصفها، وبه قال الشافعي وابن القاسم، وبكلا القولين قال مالك، وبالدية كاملة قال المغيرة من أصحابه وابن دينار. وقال الكوفيون: ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا القود أو ما اصطلحوا عليه. وعمدة من رأى جميع الدية عليه إذا عفا عن القود أنه يجب عليه دية ما ترك له وهي العين العوراء، وهي دية كاملة عند كثير من أهل العلم. ومذهب عمر وعثمان وابن عمر أن عين الأعور إذا فقئت وجب فيها ألف دينار، لأنها في حقه في معنى العينين كليتهما إلا العين الواحدة، فإذا تركها له وجبت عليه ديتها. وعمدة أولئك البقاء على الأصل؛ أعني أن في العين الواحدة نصف الدية. وعمدة أبي حنيفة أن العمد ليس فيه دية محدودة، وهذه المسألة قد ذكرت في باب القود في الجراح.
وقال جمهور العلماء وأئمة الفتوى: مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وغيرهم: إن في كل أصبع عشرا من الإبل وإن الأصابع في ذلك سواء وإن في كل أنملة ثلث العشر إلا ماله من الأصابع أنملتان كالإبهام؛ ففي أنملته خمس من الإبل، وعمدتهم في ذلك ما جاء في حديث عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل" وخرج عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الأصابع بعشر العشر" وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس وهي عندهم على أهل الورق بحسب ما يرى واحد واحد منهم في الدية من الورق، فهي عند من يرى أنها اثنا عشر ألف درهم عشرها، وعند من يرى أنها عشرة آلاف عشرها. وروي عن السلف المتقدم اختلاف في عقل الأصابع، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في الإبهام والتي تليها بعقل نصف الدية، وفي الوسطى بعشر فرائض، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست. وروي عن مجاهد أنه قال في الإبهام خمسة عشر من الإبل، وفي التي تليها عشر، وفي الوسطى عشر، وفي التي تليها ثمان، وفي الخنصر سبع وأما الترقوة والضلع، ففيهما عند جمهور فقهاء الأمصار حكومة، وروي عن بعض السلف فيها توقيت. وروي عن مالك أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل، والضلع بجمل، وفي الترقوة بجمل. وقال سعيد بن جبير في الترقوة بعيران. وقال قتادة: أربعة أبعرة. وعمدة فقهاء الأمصار أن ما لم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيت فليس فيه إلا حكومة. وجمهور فقهاء الأمصار على أن في كل سن من أسنان الفم خمسا من الإبل، وبه قال ابن عباس. وروى مالك عن عمر أنه قضى في الضرس بجمل وذلك فيما لم يكن منها في مقدم الفم. وأما التي في مقدم الفم فلا خلاف أن فيها خمسا من الإبل. وقال سعيد بن المسيب: في الأضراس بعيران. وروي عن عبد الملك بن مروان أن مروان بن الحكم اعترض في ذلك على ابن عباس فقال: أتجعل مقدم الأسنان مثل الأضراس؟ فقال ابن عباس: لو لم يعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء،
وعمدة الجمهور في مثل ذلك ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال "في السن خمس" وذلك من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، واسم السن ينطلق على التي في مقدم الفم ومؤخره، وتشبيهها أيضا بالأصابع التي استوت ديتها وإن اختلفت منافعها. وعمدة من خالف بينهما أن الشرع يوجد فيه تفاضل الديات لتفاضل الأعضاء مع أنه يشبه أن يكون من صار إلى ذلك من الصدر الأول إنما صار إليه عن توقيف، وجميع هذه الأعضاء التي تثبت الدية فيها خطأ فيها القود في قطع ما قطع وقلع ما قلع.
واختلفوا في كسر ما كسر منها مثل الساق والذراع هل فيه قود أم لا؟ فذهب مالك وأصحابه إلى أن القود في كسر جميع العظام إلا الفخذ والصلب، وقال الشافعي والليث: لا قصاص في عظم من العظام يكسر، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه استثنى السن. وروي عن ابن عباس أنه لا قصاص في عظم، وكذلك عن عمر. قال أبو عمر بن عبد البر: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد في السن المكسورة من حديث أنس قال: وقد روي من حديث آخر أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقدر من العظم المقطوع في غير المفصل إلا أنه ليس بالقوي. وروي عن مالك أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أقاد من كسر الفخذ. واتفقوا على أن دية المرأة نصف دية الرجل في النفس. واختلفوا في ديات الشجاج وأعضائها؛ فقال جمهور فقهاء المدينة: تساوي المرأة الرجل في عقلها من الشجاج والأعضاء إلى أن تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغت ثلث الدية عادت ديتها إلى النصف من دية الرجل، أعني دية أعضائها من أعضائه، مثال ذلك أن في كل أصبع من أصابعها عشرا من الإبل، وفي اثنين منها عشرون، وفي ثلاثة ثلاثون، وفي أربعة عشرون، وبه قال مالك وأصحابه والليث بن سعد، ورواه مالك عن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير، وهو قول زيد بن ثابت ومذهب عمر بن عبد العزيز؛ وقالت طائفة: بل دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلى الموضحة، ثم تكون ديتها على النصف من دية الرجل وهو الأشهر من قولي ابن مسعود، وهو مروي عن عثمان، وبه قال شريح وجماعة؛ وقال قوم: بل دية المرأة في جراحها وأطرافها على النصف من دية الرجل في قليل ذلك وكثيره، وهو قول علي رضي الله عنه، وروي ذلك عن ابن مسعود، إلا أن الأشهر عنه ما ذكرناه أولا، وبهذا القول قال أبو حنيفة والشافعي والثوري. وعمدة قائل هذا القول أن الأصل هو أن دية المرأة نصف دية الرجل فواجب التمسك بهذا الأصل حتى يأتي دليل من السماع الثابت، إذ القياس في الديات لا يجوز وبخاصة لكون القول بالفرق بين القليل والكثير مخالفا للقياس ولذلك قال ربيعة لسعيد ما يأتي ذكره عنه، ولا اعتماد للطائفة الأولى إلا مراسيل، وما روي عن سعيد بن المسيب حين سأله ربيعة بن أبي عبد الرحمن كم في أربع من أصابعها؟ قال عشرون، قلت حين عظم جرحها واشتدت بليتها نقص عقلها، قال: أعراقي أنت؟ قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم، قال: هي السنة.
وروي أيضا عن النبي عليه الصلاة والسلام من مرسل عمرو ابن شعيب عن أبيه وعكرمة. وقد رأى قوم أن قول الصحابي إذا خالف القياس وجب العمل به، لأنه يعلم أنه لم يترك القول به إلا عن توقيف، لكن في هذا ضعف إذ كان يمكن أن يترك القول به إما لأنه لا يرى القياس، وإما لأنه عارضه في ذلك قياس ثان أو قلد في ذلك غيره. فهذه حال ديات جراح الأحرار والجنايات على أعضائها الذكور منها والإناث. وأما جراح العبيد وقطع أعضائهم، فإن العلماء اختلفوا فيها على قولين: فمنهم من رأى أن في جراحهم وقطع أعضائهم ما نقص من ثمن العبد؛ ومنهم من رأى أن الواجب في ذلك من قيمته قدر ما في ذلك الجراح من ديته، فيكون في موضحته نصف عشر قيمته، وفي عينه نصف قيمته، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وهو قول عمر وعلي؛ وقال مالك: يعتبر في ذلك كله ما نقص من ثمنه إلا موضحته ومنقلته ومأمومته، ففيها من ثمنه قدر ما فيها في الحر من ديته. وعمدة الفريق الأول تشبيهه بالعروض. وعمدة الفريق الثاني تشبيهه بالحر إذ هو مسلم ومكلف ولا خلاف بينهم أن دية الخطأ من هذه إذا جاوزت الثلث على العاقلة. واختلف فيما دون ذلك، فقال مالك وفقهاء المدينة السبعة وجماعة: إن العاقلة لا تحمل من ذلك إلا الثلث فما زاد؛ وقال أبو حنيفة: تحمل من ذلك العشر فما فوقه من الدية الكاملة؛ وقال الثوري وابن شبرمة: الموضحة فما زاد على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي: تحمل العاقلة القليل والكثير من دية الخطأ. وعمدة الشافعي هي أن الأصل هو أن العاقلة هي التي تحمل دية الخطأ فمن خصص من ذلك شيئا فعليه الدليل، ولا عمدة للفريق المتقدم إلا أن ذلك معمول به ومشهور، وهنا انقضى هذا الكتاب والحمد لله حق حمده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق