وسئل سحنون عن القرآن فأجاب بحضور رؤوس الاعتزال الذين كانون محيطين بالأمير ( أما شيء أبتديه من نفسي فلا ولكني سمعت من تعلمت منه وأخذت عنه كلهم يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق ).
فقال ابن أبي الجواد: كفر فاقتله ودمه في عنقي وقال غيره مثله وقال آخرون: يقطع أربعا ويجعل كل ربع بموضع من المدينة ويقال هذا جزاء من لم يقل بكذا.
ورأى بعض أصحاب السلطان من رجال السنة أن يلزم داره فلا يفتي ولا يسمع أحدا فوقع الاتفاق على ذلك.
وتعرض سحنون وهو في طريقه إلى قصر الأمير إلى محاولات مبيتة لقتله بطرق مختلفة ولكن الله نجاه منها.
لقد كان سحنون ورعا تقيا عالما عازفا عن الحياة الدنيا وبهارجها مؤثرا ما بين يدي الله قال حمديس:
دخلت عليه يوما وهو يأكل خبزا يبلله في الماء ويغطسه في الملح فقال: أما إني لم أكله زهادة في الدنيا ولكن لئلا احتاج إلى هؤلاء فأهون عليهم ثم صاح بجارية فاتت بصرة فيها عشرون دينارا فقال: ادفعه لثلاثة رجال صالحين ممن يسكن عندهم فان لم تجد فإلى اثنين فان لم تجدهما فإلى واحد.
ولو نحن واصلنا استعراض مواقفه لاستغرق ذلك منا الحيز الواسع لكننا لن ننهي الكلام دون أن نذكر ان سحنون يرجع إليه الفضل في هذه الديار الإفريقية إلى توحيد وتركيز مذهب الإمام مالك ونشره في هذه الربوع بعد ان تلقاه عن تلاميذ الإمام. إذ ان الفقر هو الذي أقعده عن إدراك الإمام مالك. وضمنه في موسوعته الخالدة المدونة الكبرى أساس المذهب المالكي وعموده الفقري واللائحة المبينة والمفصلة للموطأ أول كتاب دون بعد كتاب الله العزيز والإمام سحنون يرجع إليه الفضل في تكوين من تخرج من القيروان وافريقية وما وراءهما من علماء أعلام نشروا الإسلام وحافظوا على أصوله وأناروا للأمة الطريق المستقيم حتى غذت بحمد الله ولا تزال على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
رحم الله الإمام سحنون وجازاه الله عن أمته ودينه وأهل افريقية خير الجزاء.
وكانت وفاة سحنون في سنة أربعين ومائتين للهجرة ودفن بالقيروان وقبره معروف هناك.
مدونة الإمام سحنون في طبعة محققة مدققة:
كان مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان عقد قبل سنوات قلائل ندوة حول الإمام سحنون تم نشر أعمالها تضمنت عدة بحوث قدمها مختصون في المذهب المالكي حول هذا العلم التونسي “الإمام سحنون” رحمه الله وحول آثاره العلمية ودوره الريادي والتأسيسي للمذهب المالكي. وقد تمنى الباحثون آنذاك لو أن مركز الدراسات الإسلامية ينهض بإعداد طبعة جديدة لمدونة سحنون تكون محققة مدققة تيسر على الدارسين سبل الاستفادة من هذه الموسوعة الفقهية المالكية التي جمع الإمام سحنون مادتها وحقق مسائلها ورحل في سبيل تأليفها من القيروان إلى الحجاز ومصر حيث عرض محفوظاته ومروياته وما دونه من مضامينها على أشهر تلاميذ الإمام مالك وألصقهم به وأكثرهم الماما بمسائل مذهب إمام دار الهجرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق