كتاب أشرف المسالك
المقدمة [ بقلم المعلق ]
- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وشفيع المسلمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فإن هذا الكتاب ( إرشاد السالك ) في الفقه المالكي من أخصر المتون وأجمعها للأحكام الفقهية فقد اشتمل على أحكام كثيرة لا توجد إلا في المطولات كما أنه ترك أحكاما أخرى زدتها عليه في هامشه حتى تكون فائدته تامة واستيعابه شاملا ولا شك أن القارئ سيجد في كثير من مواضع الكتاب غموضا كان يجب أن يوضح بالشرح ولكني مقيد بالوقت القصير وبالرغبة في الاختصار على ما كان ولولا ذلك لشرحته شرحا واسعا يجعله في مصاف الكتب الكبيرة التي لا يحتاج الناظر فيها إلى الاطلاع على غيرها ولعل الله يوفق في وقت قريب إلى تحقيق ما أصبو إليه ويصبو إليه كل محب للدين عامل على نشره بنشر كتبه إنه نعم المولى ونعم المعين ونعم النصير
طريقة الكتاب : يسير هذا الكتاب على طريقة مالكية العراق . ولهم آراء في الفقه تخالف آراء غيرهم من مالكية الأقطار الأخرى فقد ترى فيه الرأي راجحا قويا وهو ضعيف عند غير العراقيين وقد ترى فيه الرأي ضعيفا وهو مشهور قوي عند غيرهم أيضا غير أن هذه الآراء المذكورة في هذا الكتاب مع مخالفتها لغيرها قد تكون قوية في الواقع مؤيدة بالدليل الذي تأويله إلا بعد التمحل والتخريج غير السديد وقد تكون ضعيفة لا سند لها يمكن التعويل عليه إلا الرغبة في حملها على ما يرى أصحابها وهم في سبيل ذلك يركبون الشطط ويبعدون عن سواء السبيل
ومن أمثلة الآراء القوية في الواقع المؤيدة بالدليل قول المؤلف في باب الحيض في الاستمتاع بالحائض ( ولا بأس بالاستمتاع بأعاليها شادة عليها إزارها ) فإن المعتمد في مذهب مالك أنه يجوز للزوج الاستمتاع بأعالي بدن زوجته وأسافله حتى مباشرة ما بين السرة والركبة ما عدا الجماع ولكن رأي المؤلف هو الأرجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه أثناء الحيض بلبس الإزار ويقصر تمتعه على غير ذلك قالت عائشة رضي الله عنها في هذه المسألة ( وكان يأمرنا أن نأتزر ) أي نلبس الإزار ولأن مباشرة ما بين السرة والركبة ربما أدت إلى الجماع المحرم فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ومن أمثلة الآراء الضعيفة التي لا يسندها دليل قوي قوله في الصوم في المفطر أن ( لا بدخول ذباب وغبار أو حقنة إلخ ) أي لا يفطر الصائم بدخول ذلك جوفه فقد جعل الحقنة غير مفطرة وأطلق ذلك والصحيح أن الحقنة الشرجية مفطرة وأن الحقنة التي لا تفطر هي الحقنة في إحليل الذكر لأنها لا تصل إلى المعدة والأمعاء وكذلك في قبل المرأة على رأي في المذهب
وهذا شأن أكثر الكتب فيها القوي والضعيف والغث والسمين . والمؤلف الأجر ( 1 ) إن شاء الله مادام يقصد بعمله وجه الله ويخلص وجهه إلى الله نسأله تعالى أن يبصرنا بالصواب وأن يرعانا بعنايته وأن يهدينا سواء السبيل
طه الزيني
_________
( 1 ) [ " والمؤلف الأجر " : هكذا في نسخة الشركة الإفريقية ولعله " وللمؤلف الأجر . . . " وهو سياق المعنى . دار الحديث ]
ترجمة المؤلف
- هو : عبد الرحمن بن محمد بن عسكر شهاب الدين البغدادي المالكي مدرس المدرسة المستنصرية كان فقيها عالما زاهدا سالكا طريق الزهد والصلاح والعبادة وله في ذلك تأليف حسن وله التصانيف الحسنة المفيدة منها كتاب المعتمد في الفقه . غزير العلم ذكر فيه مشهور الأقوال غالبا وكتاب العمدة في الفقه . وكتاب الإرشاد أبدع فيه كل الإبداع جعله مختصرا وحشاه بمسائل وفروع لم تحوها المطولات مع إيجاز بليغ وله في الحديث وغيره تآليف مشهورة . كان مشاركا في علوم جمة وكتبه تدل على فضله توفي سنة 732 رحمه الله تعالى وإيانا تلقى عنه ولداه القاضيان الفضلان أحمد ومحمد وقد شرح قاضي المالكية في وقته تاج الدين بهرام بن عبد الله الدميري المتوفي سنة 805 كتاب الإرشاد هذا بشرح واسع في ستة مجلدات كما شرح العلامة الشيخ زروق المتوفي سنة 899 بشرح جيد مفيد
( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) ( حديث شريف )
[ مقدمة المؤلف ]
- بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما
قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ العالم العلامة المحقق شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي رحمه الله آمين :
الحمد لله الهادي إلى سبيل الرشاد العالم بما بطن وظهر من أحوال العباد جاعل العلماء ( 1 ) واسطة في بيان الأحكام ( 2 ) فارقين بما علمهم بين الحلال والحرام فالرابح من فاز بمتابعتهم والخاسر من حاد عن مصاحبتهم وصلواته وسلامه على عبده ورسوله محمد الداعي إلى دار السلام المبشر بما فيها من التفضيل والإكرام وعلى آله وأصحابه البررة الكرام صلاة توجب لهم مزيد الفضل والإنعام
وبعد : فإن الولد السعيد وفقه الله تعالى لما راهق سن الرشاد وناهز أن ينتظم في سلك أهل السداد سألني أن أضع له كتابا يكون مع كثرة معانيه وجيز اللفظ سهل التناول والحفظ فاستخرت الله تعالى وجمعت له هذا المختصر وأودعته جزيلا من الجواهر والدرر وسميته :
إرشاد السالك إلى أشرف المسالك
على مذهب ( 3 ) الإمام الأعظم أبي عبد الله مالك قدس الله روحه ونور ضريحه وعلى الله المعتمد في بلوغ التكميل وهو حسبي ونعم الوكيل
_________
( 1 ) العلماء جمع عالم والعالم في عرف الشرع هو المجتهد لأن به تقوم الحجة وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح . أما المقلد فليس بعالم وإنما هو مجرد ناقل فيعتبر في قبول نقله ما يعتبر في قبول الراوي من الشروط . حسبما بين في كتب الأصول وأغلب الناس اليوم يعتقدون فيمن أخذ شهادة من الأزهر أو غيره أنه عالم تنطبق عليه الأحاديث الواردة في فضل العلماء وهو اعتقاد خطأ لا يسنده الواقع ولا يؤيده الدليل
( 2 ) الأحكام جمع حكم بضم الحاء وهو خطاب الله تعالى بأفعال المكلفين
فان تعلق بطلب على سبيل التحتم نحو { أقيموا الصلاة } فالخطاب إيجاب والفعل المطلوب وهو الصلاة واجب
وإن تعلق بطلب الفعل من غير تحتيم نحو { وافعلوا الخير } فندب والفعل المطلوب مندوب
وإن تعلق بطلب مترك تحتما نحو { ولا تقربوا الزنا } فتحريم والفعل المطلوب تركه وهو الزنا محرم
وإن تعلق بطلب الترك من غير تحتيم نحو { ولا يأتل أولو الفضل منكم } فكراهة والفعل المطلوب تركه وهو الائتلاء على حرمان الأقارب مكروه
وإن أجاز الخطاب الفعل والترك فإباحة والفعل مباح
وذلك كسائر المباحات المعروفة
فهذه أقسام الحكم الخمسة التي يتكلم عنها علم الفقه . زاد ابن السبكي قسما سادسا سماه خلاف الأولى وهو داخل في المكروه ويعبر عنه المتقدمون بالمكروه الخفيف
( تنبيه ) يسمى الواجب فرضا وحتما ومكتوبا ويسمى المحرم حراما ومحظورا وممنوعا ويسمى المندوب سنة ونفلا وتطوعا ومرغبا فيه ورغيبة وحسنا ويسمى المباح جائزا وحلالا
( 3 ) مذهب اسم مكان الذهاب وهو هنا مجاز إذ المراد به ما ذهب إليه مالك رحمه الله تعالى من الأحكام الفقهية وما رآه فيها بحسب اجتهاده على أساس الأصول التي اختارها وبنى اجتهاده عليها وهي سبعة عشر أصلا : نص الكتاب وظاهره أي العموم ودليله - أي مفهوم المخالفة - ويسمى دليل الخطاب ومفهوم الكتاب وهو مفهوم الموافقة الأولوي وشبهه - أي الكتاب وهو للتنبيه على العلة . ومثل هذه الخمسة من السنة . والإجماع والقياس وعمل أهل المدينة وقول الصحابي والاستحسان وسد الذرائع والاستصحاب
أما مراعاة الخلاف فلا يعتبرها دائما بل بحسب ما تدعو إليها الحاجة
وقد توسع متأخروا المالكية في الاستحسان وسد الذرائع وفي دعوى عمل أهل المدينة توسعا خارجا عن حد المعقول كما تبين من مراجعة كتب العمليات والنوازل
كتاب الطهارة ( 1 )
- لا يرفع الحدث ( 2 ) والخبث إلا الماء المطلق . وهو ما كان على خلقته أو تغير بما لا ينفك غالبا كقراره ( 3 ) والمتولد منه ( 4 ) ويكره الوضوء بالمستعمل ( 5 ) ويسير حلته نجاسة لم تغيره ( 6 ) وسؤر ما لا يتوقى النجاسة لا ما أفضلته البهائم أو تطهرت منه امرأة خلت به وما تغير بمخالطة أجنبي كالخل والبول سلبه الطهورية وأكسبه حكمه ويكره من آنية عظام الميتة وجلدها ( 7 ) ويحرم من النقدين ويجزئ ( 8 ) ويجب التحري في اشتباه الطاهر بالنجس فيتوضأ بما يغلب على ظنه طهارته وقيل يتوضأ من أحدهما ويصلي ويغسل أعضاءه من الثاني ثم يتوضأ به ويصلي فإن كثرت زاد على عدد النجاسة واحدة ( 9 ) وإذا مات بري ذو نفس ( 10 ) سائلة في بئر فإن تغير وجب نزحه حتى يزول التغير فإن زال بنفسه فالظاهر عوده إلى أصله وإن لم يتغير استحب النزح بحسب الماء والميتة
_________
( 1 ) الطهارة بفتح الطاء معناها التطهير وأما بضمها فهي الماء أو التراب الذي يتطهر به وأما بكسرها فهي ما يضاف إلى الماء من صابون ونحوه وبدأ المؤلف بالطهارة لأنها مفتاح الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
( 2 ) الحدث وصف يقوم بالجسم أو بأعضاء الوضوء يمنع صحة صلاة قبل زواله وسببه الجنابة أو الحيض والنفاس أو خروج شيء من السبيلين أو غير ذلك كما سيأتي في أسباب الحدث والخبث هو النجاسة ومعنى رفعها تطهيرها بإزالة عينها وطعمها وريحها بالماء أو في الاستنجاء
( 3 ) قرار الماء الأرض أو قاع الحوض ونحوه مما يحوي الماء
( 4 ) والمتولد منه كبعض النباتات الخضراء التي تتولد بنفسها من وجود الماء كالطحلب والأعشاب الصغيرة والسمك والدود ونحوها
( 5 ) يكره أن يتوضأ الشخص بالماء المستعمل بشروط ثلاثة :
- 1 - أن يكون الماء يسيرا لا كثيرا فلو كان كثيرا واستعمل قبل ذلك في رفع حدث فلا يضر ويجوز الوضوء به . - 2 - أن يكون استعمل في رفع حدث سابق على الاستعمال الثاني . - 3 - أن يكون استعماله ثانيا في رفع حدث أيضا فلو استعمل الماء المستعمل أولا في رفع حدث لإزالة حكم نجس جاز ذلك ولم يضره الاستعمال الأول
( 6 ) أي يكره الوضوء بالماء القليل الذي فيه نجاسة لم تغيره فإذا غيرته لم يصح به الوضوء
( 7 ) أي يكره الوضوء بالماء الموضوع في آنية من عظام الميتة أو من جلدها
( 8 ) أي يحرم الوضوء من آنية الذهب والفضة ولكنه يجزئ الوضوء به يرفع الحدث
( 9 ) هذا ما مشى عليه خليل حيث قال : وإذا اشتبه طهور بمتنجس أو نجس صلى بعدد النجس وزيادة إناء أ ه
( 10 ) أي له دم يسيل فإذا لم يكن الميت له دم يسيل كالجراد والذباب فلا يضر موته الماء إذا كثر كثرة تغير الماء وقوله بري خرج البحري كالسمك ونحوه مما لا يعيش إلا في الماء فلا تضر ميتته
( فصل ) الميتات والمسكرات
- الميتات والمسكرات كلها نجسة إلا دواب وما ليس له نفس سائلة ( 1 ) وأجزاء الميتة نجسة إلا الشعور ومشبهها من الريش وفي طرف القرن والظلف والعاج خلاف ( 2 ) . وما أبين ( 3 ) من حي فهو ميتة وفي طهارة جلدها بالدباغ خلاف ( 4 ) وسؤر ( 5 ) الحيوان وعرقه طاهر إلا ما يتناول النجاسة فيكره إلا ما كان على فيه نجاسة ظاهرة فيكون حكم سؤره حكم ما حلته ويجب غسل الإناء من ولوغ الكلب في الماء سبعا وفي إلحاق الخنزير به وإناء غير الماء والانتفاع : بما فيه خلاف ولا خلاف في نجاسة الدم المسفوح ( 6 ) والأرواث والأبوال والمني توابع ( 7 ) إلا أن يتغذى المأكول بنجاسة فينجس روثه وبوله لا لحمه وفي لبنه وبيضه ورماد النجاسة والمستحجر من الخمر في أوانيها خلاف وفي الآدمي لا خلاف في نجاسة البول والعذرة والدم وشبهه والقيء المتغير عن حال الطعام ولا خلاف في طهارة الدمع والبصاق والمخاط واللبن والمشهور نجاسة منيه وهل ينجس بالموت قولان ( 8 ) والمسك طاهر وإذا ماتت فأرة ونحوها في زيت أو سمن جامد ونحوه طرحت وما حولها وفي مائع ينجس ولا تطهر أواني الخمر بغسلها ويكفي في الصقيل كالسيف مبالغة المسح
_________
( 1 ) مثل ذلك ميتة الآدمي فهي طاهرة على الصحيح ولو كان الميت كافرا لقوله تعالى { ولقد كرمنا بني آدم }
( 2 ) أظهره النجاسة . وقيل يكره تنزيها
( 3 ) أي ما قطع من الحي كرجل وذراع أو قطعة من لحمه وهو حي فهو ميتة يحكم لها بما يحكم للحيوان بعد موته
( 4 ) الراجح في المذهب عدم طهارة الجلد بالدباغ وأما قوله صلى الله عليه وسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر " والإهاب الجلد فمحمول على الطهارة اللغوية وبعض أهل المذهب جمله على الطهارة الشرعية حملا لألفاظ الشارع على الحقائق الشرعية وعلى هذا الرأي بالطهارة أبو حنيفة والشافعي وأحمد ولكنه ضعيف عند المالكية
( 5 ) سؤر الحيوان أي ما يبقى بعد شربه
( 6 ) أي السائل أما الدم الجامد كالكبد والطحال فهي طاهرة
( 7 ) فهي من مأكول اللحم المباح طاهرة ومن المحرم والمكروه نجسة
( 8 ) الصحيح أن الإنسان طاهر في حياته وبعد موته لأن أحد الصحابة قابل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب فاستخفى منه إلى أن اغتسل ثم لقيه صلى الله عليه وسلم فقال الصحابي : قابلتك وأنا أجنب فكرهت لقاءك وأنا نجس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله إن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا "
( فصل ) آداب الحاجة
- مريد البراز ( 1 ) في الصحراء يطلب موضعا مطمئنا رخوا بعيدا عن الناس لا يستقبل ولا يستدبرها ولا يكشف عورته حتى يدنو من الأرض ويتقي الظل والشاطئ الراكد ( 2 ) والحجر وفي الكنيف يزيل عنه اسم الله تعالى يقدم رجله اليسرى قائلا : بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث ومن الرجس النجس ومن الشيطان الرجيم واليمنى في الخروج قائلا : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ويجتهد في الاستبراء ويستجمر بثلاثة أحجار وفي معناها كل جامد طاهر غير محترم ويجزئ الواحد إن أنقى ( 3 ) ويزيد عليها إن احتاج والماء أفضل كجمعهما ويتعين في المذي على المشهور وهل يغسل منه جميع الذكر أو المخرج قولان ( 4 ) ويستجمر بشماله يصب عليها الماء قبل ملاقاتها الأذى يبتدئ بقبله فإن كان فيها خاتم فيه ذكر الله نقله إلى اليمنى
_________
( 1 ) البراز بفتح الباء قضاء الحاجة أما بكسر الباء فهو مصدر بارزه برازا ومبارزة إذا خرج للقائه في الحرب
( 2 ) أي الماء الراكد الذي لا يجري لأن البراز فيه يسبب انتشار الأمراض التي تفتك بصحة بني الإنسان كالبلهارسيا والأسكارس ونحوهما مما أخر صحة الفلاحين وجعلهم قليلي العمل والإنتاج
( 3 ) أي يكفي الحجر الواحد في الاستنجاء إذا أزال النجاسة وجعل موضعها نقيا منها
( 4 ) أرجحهما الأول
( فصل ) فروض الوضوء
- فروض الوضوء غسل الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى آخر الذقن أو اللحية ( 1 ) ومن الأذن إلى الأذن وغسل اليدين مع المرفقين ومسح جميع الرأس مباشرة وغسل الرجلين مع الكعبين وفي تخليل الأصابع خلاف ( 2 ) والموالاة ( 3 ) مع الذكر والقدرة ففي النسيان مطلقا وفي العجز ما لم يطل الفصل والنية شرط . ففي طهارة الحدث ( 4 ) ينوي به رفع الحدث أو استباحة ما يمنعه عند غسل الوجه وقيل عند المضمضة واستدامتها شرط إلى آخره ولا يضره اختلاسها ما لم يقصد رفضها والدلك في المغسول كانت صغرى أو كبرى والغسل مرة يسقط الفرض إن أوعب وسننه : غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء ما لم يكن بهما أذى فيجب والمضمضة والاستنشاق ويستنثر بشماله ويجزيان بغرفة وإفراد كل بغرفة أفضل ومسح الأذنين بماء جديد ظاهرا وباطنا والترتيب على المشهور فمن نكس أعاد ما نكسه ( 5 ) والبدء بمقدم الرأس والرد إليه . وفضائله التسمية والسواك وبالأراك الأخضر ( 6 ) أفضل لغير الصائم وفي عدمه يستاك بأصبعه ومن نسي فرضا أتى به وبالصلاة وسنة جعلها لما يستقبل
_________
( 1 ) هذا حد الوجه طولا وعرضا ما ذكره المؤلف بقوله من الأذن إلى الأذن
( 2 ) الراجح الوجوب في أصابع اليدين والندب في أصابع الرجلين
( 3 ) الموالاة هي عدم الفصل بين غسل العضو والذي يليه فصلا طويلا
( 4 ) أما طهارة الخبث فلا تجب فيها النية لأنها إزالة نجاسة إلا المذي ففي وجوب النية في غسله قولن أرجحهما الوجوب
( 5 ) التنكيس هو مخالفة الترتيب الوارد في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين } فمن غسل يديه قبل وجهه وجب عليه العود إلى غسل وجهه ثم غسل يديه بعد ذلك فغسل العضو في غير محله يعتبر لاغيا ويعاد
( 6 ) الأراك شجر معروف تؤخذ منه عيدان السواك
( فصل ) نواقض الوضوء
- ينقضه الخرج المعتاد من السبيلين على وجه العادة لا النادر والسلس ( 1 ) وسلس المذي لطول العزبة كالمعتاد ومس الذكر بباطن الكف والأصابع لا الدبر وفي مس امرأة فرجها خلاف ( 2 ) ولمس النساء للذة ولو محرما أو من وراء حائل لا يمنعها اللذة ولو ظفرا أو سنا أو شعرا اللامس والملموس سواء وبزوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر أو نوم مستثقل ولو في الصلاة أو جالسا غير مستند والمشهور أن الردة مبطل والشك في الحدث بعد تيقن الطهارة موجب ( 3 ) والحدث يمنع فعل كل ما يشترط له الطهارة وحمل المصحف ولو بحائل أو علاقة لا بين أمتعة قصد حملها
_________
( 1 ) السلس خروج الشيء باستمرار أو مع القطع بفاصل قليل جدا
( 2 ) الراجح عدم النقض إلا إن ألطفت وقيل ولو ألطفت . والإلطاف أن تدخل المرأة يدها بين شفري فرجها
( 3 ) أي موجب للطهارة وهذا إذا لم يكثر الشك عند الشخص بحيث يصير عادة له وهو المعروف عند الناس في هذه الأيام بالموسوس فإنه لا يتطهر وينهى عن الاسترسال في شكه ومذهب الأئمة الثلاثة عدم وجوب الطهارة ويبنى على الأصل ما دام متيقنا الطهارة قبل الشك وهذا أرجح مما عليه المالكية
( فصل ) الغسل
- الغسل يوجبه خروج المني على العادة ( 1 ) ولو في النوم وإيلاج الحشفة أو قدرها في فرج وإن كان غير بالغ لم يلزمها ( 2 ) إلا أن تنزل أو يكون مراهقا وهل يؤمر به تمرينا قولان : ولو عزل ( 3 ) أو وطئ بين الفخذين فسبق الماء إلى فرجها فأنزلت أو التذت لزمها ( 4 ) وانقطاع دم الحيض والنفاس وخروج الولد وإن لم تر دما وإسلام الكافر ويجزيه عند اعتقاده قبل التلفظ به ينوي رفع الجنابة فإن عدم الماء تيمم يبدأ بغسل يديه والأذى عن بدنه
ومسنونه المضمضة والاستنشاق والوضوء ينوي به سنة الغسل ويخلل أصول شعر رأسه حتى يروي بها ويعم سائر جسده فإن بقيت لمعة لم يجزه ولا يلزم المرأة نقض ضفائرها بل تحركه حتى ترويه ويجزئ عن الحدث الأصغر وإن لم ينوه ويجزئها للحيض والجنابة غسل واحد إذا نوتهما : وصفة الواجب وغيره سواء ويجزئ الواجب عن غيره بخلاف عكسه ولا حد لقدر الماء بل بحسب حاله وللجنب الأكل وتكرار الجماع والنوم قبل غسله لكن يستحب الوضوء للنوم ( 5 ) وله تلاوة الآيات ويستحب الوضوء للنوم ويمنع الحدث الأكبر ما يمنعه الأصغر ودخول المسجد وتلاوة القرآن إلا أن تخاف الحائض النسيان ومن رأى في ثوبه منيا ولم يذكر أحلاما اغتسل وأعاد ما صلى فيه ما بين نومه ( 6 ) ورؤيته
_________
( 1 ) أي بغير مرض فلو مرض شخص وصار خروج المني منه أمرا عاديا لا تصحبه لذة ولا تدفق فلا يكون موجبا للغسل والمراد خروجه من الحشفة أما خروجه من الخصيين إلى قصبة الذكر فلا يوجب غسله
( 2 ) أي لم يلزم المرأة الغسل إلا إذا أنزلت هي أو كان غير البالغ مرهقا أي قربيا من البلوغ فيجب الغسل على المرأة المجامعة هذا رأي المؤلف والمعتمد أنه لا يجب الغسل ولو كان غير مراهق إلا في حالة إنزالها فقط ومع ذلك فيندب لغير البالغ الغسل كما يندب للصغيرة التي جومعت أن تغتسل تمرينا لها على هذه العبادة الفضلى
( 3 ) أي أخرج ذكره عند إرادة الإنزال من الفرج لينزل خارجه
( 4 ) المراد لزمها الغسل وهو راجح إلى الإنزال والالتذاذ ومعلوم أن المؤلف ذكر مسألتين هما : العزل والوطء بين الفخذيين أما مسألة العزل فيجب فيها الغسل على المرأة مطلقا سواء أنزلت أو لم تنزل وسواء التذت لأم لم تلتذ لأن دخول الحشفة أو قدرها موجب للغسل على الرجل والمرأة البالغين وأما مسألة الوطء بين الفخذين وسبق الماء إلى فرج المرأة فلا يجب عليها الغسل إلا إذا أنزلت سواء التذت أم لا أما إذا التذت ولم تنزل فالمعتمد عدم وجوب الغسل عليها
( 5 ) أي يستحب للجنب إذا أراد النوم بعد جماعه أن يتوضأ وضوءا كاملا كوضوء الصلاة وهذا الوضوء لا ينقضه إلا الجماع بخلاف وضوء الصلاة فتنقضه نواقض الوضوء المعروفة وبهذا يلغز فيقال لا ينقضه بول ولا غائط
( 6 ) من آخر نومة نامها إن لم يتأكد نزول المني قبل ذلك وأما من ذكر احتلاما ولم ير منيا فلا غسل عليه
( فصل ) المسح على الجبائر
- جريح أكثر جسده أو أعضاء وضوئه فرضه التيمم لا يجزيه غسل الصحيح والمسح ( 1 ) بخلاف الجرح اليسير فإنه يمسح على الجبائر والعصائب المضطر إليهما وإن شدهما محدثا أو تجاوزت المجروح فإن نزعهما للتداوي بادر إلى مسحهما بعد شدهما ولغائه غسل موضعهما وإن سقطت في الصلاة قطع وفعل ما لزمه وابتدأ وفي حكم الجبيرة عصابة الفصاد يخاف انفجاره وقرطاس الصدغ وكسوة الظفر ودواء أو غشاوة وما تعذر ملاقاته بغسل أو مسح أو تيمم سقط فرضه
_________
( 1 ) الراجح الإجزاء
( فصل ) مسح الخف
- مسح الخف جائز سفرا أو حضرا بشرط إمكان متابعة المشي به وستر محل الفرض ولبسه بعد كمال الطهارة بالماء من غير تقييد بمدة على المشهور ( 1 ) لكن يستحب كل جمعة نزعه للغسل ( 2 ) وإدخال إحدى الرجلين فهل غسل الأخرى يمنعه حتى ينزعها ويلبسها بعد غسل الأخرى والخرق اليسير لا يمنعه بخلاف الكثير وهو ما يظهر منه أكثر القدم ولا يجوز على غير الخف وفي مسح الجورب المجلد والخف الأعلى قولان ( 3 ) فإن نزعه بعد مسحه بادر إلى مسح الأسفل فإن نزعه بادر إلى غسل رجليه فإن أخرج إحداهما أو أكثر قدمه إلى ساق الخف نزعهما وغسل والأفضل مسح أعلى القدم وأسفله فإن اقتصر على أعلاه أجزأه بخلاف عكسه
_________
( 1 ) وفي كتاب السر : للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة واختاره ابن عبد السلام لموافقة حديث علي عليه السلام وإن كان كتاب السر منكرا عند شيوخ المذهب . وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام وسكت عن المقيم . قال ابن عبد السلام فيحتمل أن يقول بما في كتاب السر ويحتمل أن يقول بعدم المسح للمقيم اه " تنبيه " قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير : وقفت على كتاب السر في كراسة لطيفة من رواية الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن ابن القاسم عن مالك وهو يشتمل على نوادر من المسائل وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء . ولأجل هذا سمي كتاب السر اه . وقال الشيخ خليل في التوضيح كتاب السر إلى هارون الرشيد أنكره الأبهري وابن القاسم وغيرهما : أبو بكر نظرت فيه فوجدته ينقض بعضه بعضا لو سمع مالك من تكلم بما فيه لأوجعه ضربا وقد سئل ابن القاسم عنه فقال لا يعرف لمالك كتاب سرا اه . عبارة أبي بكر الأبهري : ومالك رضي الله عنه اتقى الله أن يخص أحدا في دين الله تعالى أو يراعي في ذلك أحد ولقد نظرت فيه فوجدته . إلخ وذلك ردا لما قيل إن مالكا كتب كتاب السر إلى الرشيد وخص له فيه أشياء ولا شك أن مقام مالك أعلى من أن يلصق به هذا الكتاب المشتمل على بعض الطامات
( 2 ) روى ابن نافع : للمقيم من الجمعة لمثلها اه فأطلقه الأكثر وحمله ابن يونس على الندب لغسل الجمعة ووافقه المصنف
( 3 ) الراجح يسمح عليهما
( فصل ) التيمم
- ينتقل إلى التيمم سفرا أو حضرا لعدم الماء أو تعذر استعماله لمرض أو خوف زيادته أو تأخر برئه أو حدوثه أو سقوط عضو لشدة البرد ( 1 ) أو عدم مناول ( 2 ) أو خوف عطش متوقع ولو على غيره ولو وجده بوقت لو تشاغل باستعماله لخرج الوقت الضروري فمذهب المغاربة لزومه ومذهب العراقيين يتيمم وحكاه الأبهري رواية ويتيمم بجميع أنواع وجه الأرض حتى الصلد ( 3 ) والمعادن ما لم تتغير عن أصلها ويلزم العادم الطلب ما لم يتيقن العدم أو يكن على مسافة تشق على مثله أو يخاف تلف نفس أو مال ويطلبه المسافر من رفقته ويلزم شراؤه بما لا يجحف بماله وقبوله لا قبول ثمنه وأكمله بضربتين تعم وجهه ويراعى الوترة وحجاج العينين وموضع العنقفة إن لم يكن عليه شعر ويديه إلى المرفقين على المنصوص ينزع خاتمه ويخلل أصابعه وأجازه ابن القاسم إلى الكوعين ينوي به استباحة الصلاة لا رفع الحدث : الأصغر والأكبر سواء ( 4 ) ويجزئ قبل دخول الصلاة يتيمم اليائس أوله والراجي آخره والمتردد وسطه ووجود الماء قبل الشروع يبطله وفي أثنائها أو بعد الفراغ منها لا يلزمه إعادة إلا من نسيه في رحله ولا يجمع فريضين ( 5 ) بتيمم واحد بخلاف النوافل في فور أو تابعة الفرض وفي الفوائت قولان ( 6 ) ومن عدم الماء والصعيد حتى خرج الوقت الضروري فالمنصوص سقوطها وعن ابن القاسم يصلي ويقضي وقال أشهب : لا يقضي وقال أصبغ لا يصلي حتى يجد أحدهما ( 7 )
_________
( 1 ) يعرف ذلك بالعادة بأن يكون مجربا أن من استعمل الماء في هذه الحالة مرض أو زاد مرضه أو تأخر شفاؤه . أو بإخبار عارف بذلك
( 2 ) هذا يعتبر فاقد الماء حكما لأنه يجده ويقدر على استعماله بدون ضرر ولكنه لا يجد من يناوله إياه أو لا يجد آلة إخراجه من بئر مثلا كأن لا يجد دلوا أو نحوهما فله أن يتيمم مع وجود الماء
( 3 ) أي يجوز للشخص التيمم على الحجارة الصلبة والمعادن غير الذهب والفضة والجواهر بشرط ألا تتغير عن أصلها . كأن تحرق الحجارة أو الجير ونحوها وتعد للاستعمال أو تصير المعادن مصنوعات من أوان ونحوها . وبشرط أن لا تنتقل الحجارة والمعادن من مواضعها وتصير أموالا للناس فإذا انتقلت فلا يجوز التيمم عليه
( 4 ) يعني أن التيمم في النية بسبب الحدث الأصغر أو الأكبر سواء وهي نية استباحة الصلاة . وكذلك طريقة التيمم واحدة وهي مسح الوجه واليدين فقط سواء بدل الوضوء أو الغسل
( 5 ) [ " فريضين " : هكذا في نسخة الشركة الإفريقية ولعله " فرضين " وهو المعنى المقصود . دار الحديث ]
ولا يتيمم للجمعة الشخص الحاضر غير المسافر الصحيح الذي ليس عنده مانع من استعمال الماء ولا تجزئه الجمعة بهذا التيمم لأن الجمعة بدل وهو الظهر فينتظر إلى قرب صلاة العصر فربما وجد الماء والقول بأن الظهر بدل الجمعة ضعيف ومع ذلك بني عليه هذا الحكم وهو مشهور مبني على ضعيف
( 6 ) المشهور لا يجمع بينهما . وروى أبو الفرج البغدادي عن مالك فيمن ذكر صلوات أن يصليها بتيمم واحد
( 7 ) وهذه الأقوال مجموعة في قول القائل :
ومن لم يجد ماء ولا متيمما ... فأربعة الأقوال يحكين مذهبا
يصلي ويقضي عكسه قال مالك ... وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
واقتصر في المختصر على قول مالك
( فصل ) الحيض
- لا حد لأقل الحيض ( 1 ) كالنفاس وأكثره خمسة عشر يوما كمشهور أقل الطهر وتعتبر المبتدئة ( 2 ) بأترابها فإن تجاوزتهن فرواية ابن القاسم في المدونة تتمادى أكثره وروى ابن وهب تستظهر بثلاثة أيام ما لم تجاوز أكثره وروي عن ابن زياد تقتصر على عوائدهن وفي تجاوز المعتادة عادتها روايات ثم هي مستحاضة وهي مستمرة الطهارة إلا أن تكون مميزة فتعمل على ما تقدم عند تغير الدم وبعده طهر فاصل ومن تقطع دمها فإن كان الثاني بعد طهر فحيض مؤتنف وإلا فهما حيضة فتلفق حتى تبلغ أكثره فإن زاد فمستحاضة وتغتسل وتصلي وتصوم أيام انقطاعه وتوطأ وعلامة الطهر الجفوف أو القصة ( 3 ) البيضاء ويمنع وطؤها قبل غسلها ( 4 ) فإن فعل أثم ولا كفارة عليه ولا بأس بالاستمتاع بأعاليها شادة عليها إزارها ( 5 ) وتجبر الكتابية على الغسل لزوجها المسلم والحامل تحيض فإن تجاوزت عادتها فالمشهور عن ابن القاسم إن كان بعد ثلاثة أشهر تمادت إلى خمسة عشر يوما وبعد ستة أشهر عشرين يوما وأجراها المغيرة وأشهب مجرى الحائل
_________
( 1 ) الحيض لغة السيلان من قولهم حاض الوادي إذا سال ويطلق عليه الضحك كما فسر به قوله تعالى { وامرأته قائمة فضحكت } أي حاضت مقدمة للحمل الذي بشر الله به إبراهيم عليه السلام وشرعا دم أو صفرة أو كدرة خرج بنفسه من قبل من تحمل عادة فهو ثلاثة أنواع : إما دم وهو الأصل أو صفرة كالصديد الأصفر أو كدرة وهو سائل كدر ليس على ألوان الدماء ومعنى خرج بنفسه أي لا بسبب ولادة ولا فض بكارة لا جرح ولا علاج ولا علة وفساد بالبدن ومعنى من قبل امرأة تحمل عادة أنه لو خرج من الدبر أو من قبل صغيرة لا تحمل أو كبيرة بلغت سن اليأس لا يسمى حيضا
( 2 ) المبتدئة التي يأتيها الحيض لأول مرة وأترابها مثيلاتها من النساء
( 3 ) القصة البيضاء : ماء أبيض يخرج بعد الحيض يدل على انقطاعه وهو نجس
( 4 ) فلا يجوز الاستمتاع بها بالوطء قبل الغسل ولو تيممت ولو كانت من أهل التيمم إلا أن يخاف الزوج ضررا بعدم الوطء
( 5 ) المعتمد في مذهب مالك أنه يجوز للزوج الاستمتاع بأعالي بدن زوجته وأسافله حتى ما بين السرة والركبة ما عدا الجماع فيجوز له تقبيلها واستمناؤه بيدها وثديها وساقيها مباشرة ما بين السرة والركبة بأي نوع من أنواع الاستمتاع ما عدا الجماع ومذهب غير المالكية تحريم الاستمتاع بما بين السرة والركبة بغير الجماع لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولقول عائشة رضي الله عنها ( وكان يامرنا أن نأتزر ) أي انه صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه في حيضهن أن يلبسن الإزار حتى لا يتمتع بمباشرة ما بين السرة والركبة فالذي مشى عليه المؤلف هنا قوي في الواقع وإن كان ضعيفا عند المالكية
( فصل ) النفاس ( 1 )
- والصحيح أن أكثر النفاس معتبر بالعوايد ما لم يجاوز ستين يوما والظاهر أن المتخلل بين الوضعين حيض وقيل نفاس فتضم إليه ما بعده وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة ( 2 ) والنفساء مثلها فيما يجب ويمتنع ويجوز والله أعلم
_________
( 1 ) النفاس دم خرج الولادة ولو سقطا معها . فلو خرج قبل الولادة لأجلها فنفاس عند الأكثر كما في الحطاب . وإن خرج الولد جافا بلا دم ففي وجوب اغتسالها قولان المشهور منهما الوجوب وهو الراجح من روايتين حكاهما ابن الحاجب
( 2 ) إنما أمرت الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة نظرا لقلة مدة الصيام التي ( تصادفها الحائض ) ولكثرة أوقات الصلاة ومشقة قضائها لقول عائشة رضي الله عنها ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )
كتاب الصلاة ( 1 )
- يدخل وقت الظهر بالزوال وهي زيادة الظل بعد غاية نقصه وآخر الاختياري إذا صار ظل الشخص مثله بعد الزوال وهو أول وقت العصر وآخره مثليه والمغرب بالغروب مقدر بفعلها بعد تحصيل شروطها والعشاء بغروب الحمرة إلى منتهى الثلث . والصبح بالفجر الصادق إلى الإسفار الأعلى والأفضل التغليس بها وتعجيل المغرب وتأخير البواقي بمساجد الجماعات قدرا لا يضر بهم والإبراد بالظهر في الحر وفي إبراد المنفرد قولان ومن شك في دخول الوقت لم يصل ويؤخر حتى يتحقق أو يغلب على ظنه دخوله فإن تبين الوقوع قبله أعاد ويدرك المعذور والحائض إن تطهرت والمجنون والمغمى عليه يفيقان والصبي يحتلم والكافر يسلم الظهرين لبقاء خمس ركعات بعد الطهارة والستر ولثلاث في السفر ولدونهن إلى ركعة الثانية فقط ولأربع قبل الفجر والعشاءين ولدونهن الأخيرة وتسقط الأوليان والصبح لبقاء ركعة قبل الطلوع وطرو العذر لمثل ذلك مسقط إلا النوم والنسيان والبلوغ في الوقت يوجب الإعادة فرضا وقبل فوات الجمعة يوجب إتيانها ومن تطهر وأدرك الوقت فأحدث لزمه ما كان أدرك وقته وكذلك من ذكر صلاة منسية وإن خرج الوقت
_________
( 1 ) الصلاة لغة الدعاء وهي في الشرع عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم . فرضت ليلة الإسراء والمعراج فوق السموات إيذانا بفضلها وعظم قدرها . والوقت هو الزمان المقدر للباعدة شرعا وهو نوعان : موسع كوقت الصلاة فإنه يسعها وغيرها . ومضيق كأيام رمضان فانها لا تسع غير الصوم . وما ذكره المصنف في وقت المغرب هو المشهور . وقال ابن مسلمة يمتد وقتها إلى العشاء واستخرجه ابن عبد البر وابن رشد واللخمي والمازري من كلام الإمام في الموطأ . ابن العربي : هو القول المنصور إذ قاله مالك في كتابه الذي ألفه بيده وقرئ عليه طول عمره ورواه الآلاف من الخلق وهذا هو الراجح وقولهم : المغرب جوهرة فالتقطوها . ليس بحديث
( فصل ) الأذان
- الأذان ( 1 ) سنة مؤكدة للمصلين الفرض في وقته جماعة ولا يؤذن ولا يقيم إلا مسلم ذكر مكلف عارف بالأوقات يشفع كلماته إلا الأخيرة ويرجع في الشهادتين ويزيد التثويب في الصبح ولا يجوز قبل الوقت إلا لها والإقامة آكد فيقيم القاضي والمنفرد ويوتر كلماته إلا التكبير صيتا متطهرا على علو مستقبلا ولا بأس بتصفحه يمينا وشمالا ولا يشتغل بالأكل والكلام ويبني ليسيره والأعمى يقلد عارفا بالوقت ولا يؤذن للقضاء لا المنفرد والنساء ويقمن لأنفسهن ويندب لسامعه حكايته ويبدل الحوقلة من الحيعله وفي النافلة يحكي إلى منتهى الشهادتين ويقول : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسلة والفضلة والدرجة الرفيعة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد . اللهم اسقنا من حوضه بكأسه مشربا هنيئا سائغا رويا غير خزايا ولا ناكثين برحمتك يا أرحم الراحمين
_________
( 1 ) يجب الأذان كفاية على أهل البلد فلو اتفقوا على تركه قوتلوا ويجب للجمعة لوجوب السعي إليها . ويستحب للفذ المسافر للحديث الصحيح في ذلك وفضل الأذان عظيم وثوابه كبير حتى قال عمر رضي الله عنه : لولا الخليفي لأذنت وهل هو أفضل من الإمامة أو العكس قولن الراجح أن الإمامة أفضل وما ذكره المصنف في حكاية الأذان ورد إلا قوله والدرجة الرفيعة فإنه لم يرد واشتهر عند بعض الناس ورد إلا قوله المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله يقبلون إبهامهم ويمرون بها على أعينهم قائلين : مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبد الله وهذا لم يرد في حديث
( فصل ) استقبال القبلة
- استقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في شدة الخوف والنافلة في سفر القصر على الدابة فيلزم معاينها إصابتها وغيره جهتها فإن أشكلت تحرى فإن تحر تخير جهة وقيل يصلي أربعا إلى أربع جهات فإن تبين الخطأ في أثنائها استدار وبعدها لا إعادة وغير المجتهد يقلد عارفا جهتها كالأعمى وداخل القرية المسلمة يعمل على محرابها
( فصل ) ستر العورة
- ستر العورة شرط وهي من الرجل ما بين السرة إلى الركبة فإن لم يجد إلا إزارا اتزر به أو ثوبا واسعا التحف به وخالف بين ظرفيه وعقدهما على عاتقه وتكره السراويل بانفرادها والمحدد لرقته والأمة كالرجل ويستحب ستر بدنها لا رأسها وتغطية المستولدة والمبعضة العنق والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها والساتر الحصيف لا الشاف ومن لم يجد إلا حريرا أو نجسا صلى به وفي اجتماعها يقدم النجس وقيل الحرير ومن عدم الساتر صلى عريانا بموضع ساتر قائما راكعا ساجدا . وفي جماعة العراة في الظلمة يتقدم إمامهم ويصلون كذلك وفي نهار أو ليل مقمر قيل ينفرد كل بموضع وقيل جماعة غاضين ( 1 ) ويمنع التلثم في الصلاة ويكره كف الكم والشعر وشد الوسط لها وإزالة النجاسة شرط وقيل فرض مع الذكر والقدرة
_________
( 1 ) صفا واحدا إمامهم وسطهم كما في المختصر
( فصل ) أركان الصلاة
- أركانها النية مقترنة بالتكبير . فإن قدمها بالكثير لم يجزه إلا يستصحبها ذكرا ومحلها القلب بغير تلفظ فإن تلفظ بها فواسع ولو اختلف العقد واللفظ ( 1 ) فالمعتبر العقد والأحوط الإعادة يقصد أداء فرض الوقت مستقبلا غير مقنع رأسه ولا مطأطئ له وتكبيرة الإحرام يتعين الله أكبر والقيام لها والفاتحة يفتحها بالحمد لله رب العالمين والمشهور وجوبها في أكثرها وقال القاضي أبو محمد بل في كل ركعة ( 2 ) والركوع وأكمله تمكين راحتيه من ركبتيه معتدلا رأسه وظهره ولا ينزح والرفع منه والسجود على جبهته وفي الأنف خلاف والرفع منه للفصل يجلس واضعا يديه على فخذيه مبسوطتين وقدر السلام من الجلسة الأخيرة والسلام وهو متعين معرف ( 3 ) وهل ينوي به الخروج قولان ( 4 ) والطمأنينة ويجزئ منها أدنى اللبث وترتيب الأداء وسننها قراءة ما تيسر بعد الفاتحة إلا في آخرتي الرباعية وثالثة المغرب والصبح والجمعة وأوليي المغرب والعشاء والسر في الظهر والعصر وثالثة المغرب وآخرتي العشاء والجلوس للتشهد ولفظه : التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يسلم ( 5 ) منه والتكبير سوى تكبيرة الإحرام وهل كل تكبيرة أو الجمع قولان واختلف في سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد ولفظ التشهد فقيل سنة وقيل فضلة . وفضائلها رفع اليدين مع الإحرام حذو منكبيه وهل على صفة الراهب أو النابذ ؟ قولان ( 6 ) وهل الأفضل عقدهما تحت صدره أو إرسالهما قولان ( 7 ) وهل يرفعهما عند الركوع والرفع منه خلاف وكمال السورة وتطويل القراءة في الصبح والظهر قدرا غير شاق وتقصيرها في المغرب وتأمين المؤتم والمنفرد سرا والإمام يؤمن في السرية ويقول إذا رفع رأسه : سمع الله لمن حمده والمأموم ربنا ولك الحمد والمنفرد يجمعهما والتسبيح في الركوع والسجود والقنوت في ثانية الصبح سرا وقبل الركوع أفضل ويكبر قائما من اثنتين إذا استوى قائما ولا بأس بالدعاء في جمع هيئات الصلاة إلا في الركوع
_________
( 1 ) غلطا أو سبق لسان . فإن كان تلاعبا بطلت الصلاة
( 2 ) وهو الراجح
( 3 ) أي يقول المصلي السلام عليك بأل ولا يقول سلام عليكم
( 4 ) الراجح ينوي ندبا لا وجوبا
( 5 ) أي في التشهد الأخير أما التشهد الأول فليس فيه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
( 6 ) صفة الراهب : أن يبسط يديه ويجعل ظهورهما مما يلي السماء وبطونهما مما يلي الأرض وهو اختيار سحنون وصفة التابذ للدنيا : أن يرفعهما قائمتين بطول أصابعهما مما يلي السماء وهو اختيار ابن عبد السلام وخليل في شرحيهما على ابن الحاجب
( 7 ) المشهور الارسال لكن الذي رجحه من أئمة المذاهب المتقدمين المتأخرين هو القبض ولأبي عبد الله المسناوي في ترجيحه تأليف خاص وكذا سيدي محمد بن جعفر الكتاني والشيخ المكي بن عزوز التونسي وغيرهم وأوسع هذه الكتب كتاب المتنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن الآثار رد به الحافظ أبو الفيض السيد الشيخ أحمد علي محمد الخضر الشنقيطي
( فصل ) السترة
- من لا يأمن المرور بين يديه يصلي إلى السترة ولا تبطل بمرور شيء بين يديه وأقلها ذراع في غلظ الرمح لا بخط أو أجنبية ولا صغير لا يثبت ولا دابة ولا نائم وحلق ( 1 ) المتكلمين بخلاف الطائفين يدنو منها ولا ينصبها قبالة وجهه ويدرأ ( 2 ) المار برفق
_________
( 1 ) حلق المتكلمين : جمع حلقة أي الجالسون في المسجد على شكل حلقة مستديرة يتكلمون فيدنو المصلي منها أي يقرب ولا يجعلها قبالة وجهه بل يجعلها إلى يساره أو إلى يمينه
( 2 ) أي يدفع المصلي الشخص الذي يريد المرور أمامه برفق ولين فإذا لم يندفع دفعه بشدة
( فصل ) العاجز عن القيام
- والعاجز عن القيام معتمدا يصلي جالسا مستقبلا فإن لم يستطع استند إلى طاهر فإن عجز فعلى يمينه فإن عجز فعلى يساره فإن عجز فمستلقيا يأتي بما يمكنه ويومئ بما يعجز عنه ويخفض للسجود عن الركوع ولا تسقط عنه وهو يعقل فإن عجز عن جميع الحركات فقيل يقصد بقلبه وقيل تسقط عنه وفي خوفه الغلبة على عقله يجمع بين الصلاتين وفي طلب الرفقة ( 1 ) يؤخر الأولى إلى آخر وقتها الاختياري ويصليها
_________
( 1 ) يعني أن المسافر الذي يريد للحاق برفقة سبقوه يجد في السير ويؤخر الصلاة الأولى من صلاتي الجمع إلى آخر وقتها الاختياري قبل وقت الكراهة والحرمة
فصل : في الجمع ( 1 )
- ويجمع بين العشاءين للمطر أو الوحل مع الظلمة في مساجد الجماعات لا المنفرد في بيته أو مسجده يؤخر الأولى ويقدم الأخيرة ويصليان في وسط الوقت يؤذن في الأولى خارج المسجد وهل يؤذن في الأخرى داخله أو خارجه قولان ويقيم لهما ويتنفل بينهما فإن انقطع في أثنائهما تمادى ومن أدرك الثانية معهم وقد صلى الأولى فهل يجمع معهم قولان ( 2 )
_________
( 1 ) اقتصر المؤلف على حكم الجمع بسبب المطر والوحل مع الظلمة ولم يتعرض للجمع بسبب السفر وغيره إلا تعرضا يسيرا في كتاب صلاة المسافر فذكر الجمع بين الظهرين فقط دون العشائين وهو رخصة جائزة للمسافر فيجوز له أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير فإذا كان سائرا في وقت الظهر أخرها إلى آخر وقتها الاختياري ويصلي العصر معها وإن كان نازلا وقت الظهر وسيكون سائرا وقت العصر إلى الغروب صلى الظهر في وقتها والعصر معهما جمع تقديم ومثل ذلك المغرب والعشاء يجمعها جمع تقديم أو تأخير بحسب حاله من النزول في وقت الأولى وسيره في وقت الثانية أو العكس ومن أسباب الجمع أيضا سير الحاج إلى عرفة ومزدلفة ومما ينبغي التنبه له أن المالكية يجيزون الجمع في السفر برا فقط لا يجيزونه في البحر تمسكا بما حدث فيه الجمع أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفائه ولكن الشافعية يجيزونه في البحر أيضا وهو أقرب لغرض الشارع من التسهيل على المسافر فان المسافر بحرا قد يشغله السفر في وقت الأولى أو الثانية كما يشغل السفر المسافر برا
( 2 ) قال ابن القاسم في المدونة : إن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد فوجدهم في العشاء ليلة الجمع فله الدخول معهم اه . وفي المبسوط خلافه
( فصل ) الجماعة
- الجماعة سنة مؤكدة ولا يوم إلا مسلم عدل ذكر عالم بما لا تصح الصلاة إلا به بالغ في الفريضة مميز في النافلة وكره كون العبد وولد الزنا راتبا ويستحب كونه أكملهم زيا وخلقا فيكره الأغلف والأقطع والأشل والأعمى والمتيمم للمتوضئين وذو سلس والجروح السائلة للأصحاء وبدوي للحاضرين ومسافر للمقيمين ولا تقدم على الحاكم ورب المنزل إلا بإذنهما وفي اجتماع الأهل يقدم الأفقه فإن استووا فالقرعة يحرم بعد استواء الصفوف ولا يلزمه نية الإمامة ويرجو لمن خلفه ويشركهم في دعائه ولا ينتظر إدراك الداخل وموقف الواحد عن يمينه والواحدة خلفه ولا تبطل بقيامه إلى جنبه ويقف الإثنان فصاعدا خلفه والنساء خلفهم ويجوز وقوف الواحد وراء الصف ولا يجذب إليه أحدا ولادراك الركوع إن وجد مدخلا إن قرب ويلزم المأموم نية الاقتداء ومساواته في عين الصلاة فلا يأتم قاض بمؤد ولا مفترض بمتنفل بخلاف عكسه والصحيح صحة صلاة المسمع ( 1 ) والصلاة به ولو قام بين يدي الإمام وأمكنه الاقتداء جاز
_________
( 1 ) المسمع هو الذي يبلغ المأمومين انتقالات الإمام فصلاته صحيحة وصلاة من يسمعه فيتحرك مع الإمام من المأمومين صحيحة أيضا وينبغي تقيده بأن تدعو الضرورة إلى ذلك أما إذا كان لا ضرورة فالأولى عدمه وهل يلزم في المبلغ أن يكون مستوفيا شروط الإمامة أو لا يلزم قولان فعلى أن المبلغ علامة لا يلزم استيفاؤه شروط الإمامة فيجوز تبليغ الصبي والمرأة والمحدث والكافر وغيره وعلى القول بأنه نائب الإمام يشترط أن يستوفي شروط الإمام فلا يجوز تبليغ من ذكروا
( فصل ) إعادة المنفرد
- المنفرد بصلاة يندب إلى الإعادة في جماعة إلا المغرب ويعيد بنية الفرض . ويكره لغير الراتب إقامة الجماعة لا بالعكس ولا تكرارها بمسجد لا راتب له ومن أدرك بعض الصلاة لم يقم إلا بعد سلام إمامه فإن قام قبله لم يعتد بما فعل وعاد ليقوم بعده ليقضي ما فاته على صفته وتدرك الصلاة بركعة لا بدونها لكنه يبني على إحرامه فإن أدركه راكعا أو ساجدا كبر للإحرام ثم للهوي وقائما للإحرام فقط
( فصل ) ترتيب الفوائت اليسيرة
- يجب ترتيب الفوائت مع الذكر خمس فما دونها تقدم على الحاضرة وتبطل بذكرها فيها وبعدها في الوقت وليأت بعدد ما يبرئه ففي نهارية مجهولة يصلي النهاريات وفي ليلا كذلك العشاءين وفي جهلة من أيهما الخمس وفي اثنتين لا يدري السابقة ثلاثا يعيد المبتدأ بها . ومتواليتين مجهولتي العين والسبق ستا كذلك ولثلاث سبعا وأربع ثماني وخمس تسعا وما لا يحصيهن يصلي حتى يغلب على ظنه براءته ولا يمنع القضاء في وقت الكراهة ولا في غيره وتارك الصلاة تهاونا لخروج وقتها الضروري يضرب ويهدد بعد أمره ثلاثا فإن فعل أو وعد والمشهور لو قال أنا أفعل يقبل وإلا قتل حدا ( 1 ) وجحدا يكفر وتكره الصلاة في متعبدات الكفار والمزبلة والمجزرة وقارعة الطريق والمقبرة القديمة وقيل مطلقا والحمام إلا أن يكون موضعا طاهرا مستورا والدار المغضوبة والحجر والكعبة وعلى ظهرها أشد وقيل بإباحة النافلة دون الفريضة وتشترط طهارة موضعها كالثوب فإن ستر النجاسة بما لا يحركها صحت كما لو كانت في طرف بساط وصلى على الأخرى والشمس لا تطهر ( 2 ) ويعفى عن يسير ما عدا الأخبتين وهو قدر الدرهم فدونه ويطهر المحل بانفصال الغسالة غير متغيرة
_________
( 1 ) هذه العبارة غير محررة وعبارة خليل في المختصر : ومن ترك فرضا آخر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري وقتل بالسيف حدا ولو قال أنا أفعل وصلى عليه فاضل ولا يطمس بره لا فائتة على الأصح والجاحد كافر اه
( 2 ) وقولهم كل ناشف طاهر لا أصل له
( فصل ) سجود السهو
- سجود السهو يجزئ عن ترك السنن وهو للزيادة بعد السلام وللنقص أو اجتماعهما قبله ( 1 ) ولا يتكرر ويحرم للتين بعد السلام ويتشهد ويسلم ومن سها عنهما فعلهما متى ما ذكر وهل يتشهد للتين قبله قولان فإن سها عنهما فعلهما بعده فإن طال الفصل أو انتقلت طهارته فقيل تبطل وقيل لا . إلا أن يترك فعلا كالجلوس الأول ويرجع تاركه ما لم يستقل عن الأرض فإن عاد بعده بطلت في الأصح إلا أن يرجع ساهيا أو جاهلا أما الأركان فلا يجزى إلا الإتيان بها ما لم يفت محل التلافي فإن فات بطلت الركعة ومن ذكر في آخر صلاته سجدة لم يعلم محلها سجد وأتى بركعة عند ابن القاسم وقال أشهب بركعة فقط وفي كونها من الأخيرة يسجد لا غير . ومن جهل كم صلى بنى على الأقل فإن ترك الفاتحة من ركعة أجزأه سجود على الأشهر إلا أن تكون ثنائية فتبطل على قول القاضي وإن ترك تكبيرة الإحرام ابتدأ والمؤتم يحرم ويدرك ما لم يركع إمامه وقيل ما لم يرفع فإن أدركه راكعا فأمكنه أن يحرم ويدركه وقبل رفعه صحت وبعد رفعه الصحيح أنه يبتدئ وقيل إن كبر للركوع مضى وأعاد إيجابا وقال ابن الماجشون استحبابا ويسجد المؤتم لسهو إمامه فأما المسبوق إن قبل سجد معه وقام للقضاء بعد سلامه : وإن سجد بعد السلام لم يسجد وهل يقوم للقضاء بعد سلامه من الصلاة أو من السجود قولان ويسجد المؤتم بعد قضائه والإمام يحمل سهو المؤتم وفي تعمد ترك سنة بالسجود وعدمه قولان ولا سجود لترك فضيلة وعدمه الكلام لإصلاحها مبطل وإن قل لا السهو إلا أن يكثر وسعال وعطاس وغلبة البكاء ويبطلها سهو الحدث وغلبته والقهقهة لا التبسم وهل يسجد له قولان والتنحنح إن ظهر منه مقاطع الحروف فكالكلام وإلا فلا ولو تباعد بحيث يغير نظم الصلاة أبطلها وإن وجب
_________
( 1 ) هذا مشهور المذهب . وقال عبد العزيز بن الماجشون في اجتماع النقص والزيادة : يسجد قبل وبعد قال ابن ناجي . ونفسي إليه أميل ومذهب الشافعي أن السجود كله قبلي . ومذهب أبي حنيفة عكسه وقال أحمد بن حنبل أسجد لكل سهو حيث سجد له عليه السلام ولا أسجد في غيره اه . قال أبو محمد الشبيني : صور السهو ثمانية اثنان يسجد فيهما بعد السلام وهما الزيادة المتقنة والزيادة المشكوكة وستة يسجد فيها قبل السلام وهي تيقن النقص والشك فيه وتيقن النقص والشك والزيادة معا . والشك فيهما وتيقن النقص والشك في الزيادة وتيقن الزيادة والشك في النقص اه وقال زروق : وتأمل ذلك
( فصل ) الرعاف
- الرعاف ( 1 ) إن كان قبل عقد ركعة وأمكن التمادي معه مضى في صلاته وإلا قطع وغسل الدم وإن كان بعد عقد ركعة بنى : فإن كان إماما استحب أن يستخلف كغلبة الحدث فلو أتموا فرادى جاز إلا في الجمعة فيجب الاستخلاف والمؤتم يخرج عليه حرمة الصلاة فيغسل الدم في أقرب المواضع إليه ثم إن ظن إدراك البقية من الصلاة رجع وبنى بشرط عدم الكلام ووطئه نجاسة وتجاوز أقرب المواضع وحدثه وإلا أتم مكانه إلا في الجمعة فيرجع على كل حال . والصحيح أن الإمام إذا رجع ليس له إخراج المستخلف ليتم هو
_________
( 1 ) الرعاف سيلان الدم من الأنف يقال رعف يرعف كنصر ينصر ورعف يرعف كنفع ينفع . ورعف بضم الراء مبنيا للمجهول لغة . وأصل الرعف السبق ومنه قيل فرس راعف أي سابق ثم ما ذكره المنف من أحكام الرعاف هو بالنسبة للإمام والمؤتم وظاهر كلامه أن الفذ لا يبني في الرعاف وهو قول ابن حبيب وروى عن مالك وهو المشهور بناء على أن البناء لحرمة الجماعة . وقال اصبغ وغيره يبني بناء على أن البناء لحرمة الصلاة . واختلاف في البناء للإمام والمأموم على أقوال المشهور منها أنه مستحب وأن القطع جائز . قال زروق : وقد رجح قوم القطع على البناء وهو أولى بالعامي ومن لا يحكم التصرف بالعلم لجهله اه
( فصل ) صلاة النافلة
- يباح التنفل في سائر الأوقات إلا بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس . وبعد العصر حتى تغرب وفيه عند الزوال خلاف ( 1 ) وليس مع الصلوات رواتب محدودة وهي في الليل والنهار مثنى والأفضل الجهر في الليل والسر في النهار وتكثير الركوع والسجود وفعلها خلوة وفي نصف الليل الأخير ويجوز الجلوس مع القدرة على القيام وعلى رحلة في سفر القصر حيثما توجهت به وفي السفينة يستدير ومفتتحها جالسا وبالعكس والشروع ملزم في سائر النوافل . فإن أبطلها قضاها لا إن بطلت وداخل المسجد في غير وقت كراهة يحييه بركعتين قبل جلوسه ومنها التراويح ثماني عشرة تسليمة وقيل عشر ما بين العشاء والوتر ولا بأس بالتنفل في جلسات الإمام بين الإشفاع ومدرك الناس فيها لا يصلي العشاء معهم والوتر سنة مؤكدة ركعة عقب شفع منفصل يدخل وقته بعد العشاء في وقتها المختار والأفضل لذي الورد تأخيره إلى آخر الليل وغيره لا ينام إلا عن وتر يقرأ في الشفع بسبح اسم ربك الأعلى والكافرون وفي الوتر بالإخلاص والمعوذتين ولا قنوت فيه على المشهور وركعتا الفجر سنة وقيل نافلة ووقتها بعد طلوع الفجر ومن دخل المسجد وقبل أن يركع فيه أقيمت عليه الصلاة يركع خارجه ثم يدركه والنائم عن ورده إن تصبح لانتظار الجماعة صلاها وإلا بادر إلى فرضه وعن الوتر ففي سعة الوقت يصلي الجميع وفي ضيقه يقتصر على الوتر ويصلي ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس
_________
( 1 ) في الموطأ عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فأنا زالت فإذا دبت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وفي صحيح مسلم وغيره عن عقبة بن عامر قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " قال الباجي : اتفق العلماء على المنع من النوافل التي لا سبب لها بعد الصبح إلى طلوع الشمس وأما عند الزوال فالنظر من مذهب مالك وغيره إباحة الصلاة فيه وفي المبسوط عن ابن وهب سئل مالك عن الصلاة نصف النهار فقال : أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار وقد جاء في بعض الحديث نهى عن ذلك فأنا لا أنهى عنه للذي أدركت الناس عليه : ولا أحبه للنهي عنه . فعلى هذا القول فيه بعض الكراهة وأما التنفل بعد العصر إلى غروب الشمس فمنع منه مالك والشافعي وقال داود لا بأس بالصلاة بعد العصر ما لم تقرب الشمس من الغروب اه ملخصا ومذهب الشافعي منع النافلة عند الزوال في سائر الأيام إلا يوم الجمعة لأحاديث ضعيفة وردت باستثناء هذا اليوم من النهي وهي في سنن البيهقي ( ج 2 ص 464 و 465 )
( فصل ) سجود التلاوة
- عزائم السجدات إحدى عشرة منها ص لا آخر الحج وليس في المفصل منها شيء ( 1 ) وأثبت ابن وهب الجميع وشروطها كالصلاة يكبر لخفضها ورفعها يغير إحرام ولا سلام ويتجاوزها وقت الكراهة والحدث ويتلو ما بعدها ولا يسجد والمستمع كالتالي لا السامع ويكره تعمدها في الصلاة فإن تلاها سجد ويجهر الإمام بها في السر والله أعلم
_________
( 1 ) قال مالك : الأمر عندنا أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء اه وقول المصنف : وأثبت ابن وهب وضع يعني سجدات المفصل وسجدة الحج الثانية وكذلك قال ابن حبيب أيضا . قال الباجي وقول ابن وهب أظهر عندي اه لأن السنة تؤيده ففي الصحيح عن أبي هريرة قال ( سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك ) وأبو هريرة أسلم في غزوة خيبر وفي الموطأ أن عمر ابن الخطاب قرأ سورة الحج فيها سجدتين ثم قال : هذه السورة فضلت بسجدتين . وفي الموطأ عن ابن عمر سجد في سورة الحج سجدتين وفيها أيضا عن ابن عمر أنه قرأ والنجم إذا هوى فسجد فيها ثم قام فقرأ بسورة أخرى . والأحاديث والآثار في هذا كثيرة صحيحة . ومنها أخذ جمهور السلف
كتاب صلاة المسافر والخوف والجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف
صلاة المسافر
- مسافة القصر ستة عشر فرسخا ( 1 ) غير ملفقة وفي البحر يوم وليلة وقيل إن سار مع الساحل فكالبدء في اللجة بالزمان فإن مر في أثنائها بأهل فالعبرة بما وراءهم والمسهور أن القصر سنة في الرباعية فيقصر إذا جاوز بساتين المصر غير منتظر رفقة وفي العود إلى حيث ابتدأ فإن أجمع إقامة أربعة أيام أتم لا في قصر قضاء حوائجه فلو عزم عليها بعد صلاته فلا إعادة وفي أثنائها يجعلها نافلة ويجوز الجمع بين الظهرين لجد السير لا بمجرد الرخص ويستحب تعجيل الإياب إلى أهله ودخوله صدر النهار لا طروقهم ليلا
_________
( 1 ) وهي أربعة برد . ثمانية وأربعون ميلا لقول ابن عباس : لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان . رواه الدارقطني وفي الموطأ عن عبد الله بن عمر أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيرة ذلك . قال مالك نحو من أربعة برد وقيل في مسافة القصر أقل من هذا فروى أبو زيد عن ابن قاسم : من قصر في ستة وثلاثين ميلا فإنه لا يعيد ومسيرة يوم وليلة هي مسيرة أربعة برد كما نقله القاضي عبد الوهاب عن بعض الأصحاب
تنبيه
أطلق المصنف القصر في السفر وظاهر إطلاقه أن المسافر يقصر ولو كان سفر معصية وهي رواية زياد ابن عبد الرحمن عن مالك وهو قول أبي حنيفة وأهل الظاهر ومشهور المذهب أن العاصي لا يقصر وفي المدونة : لا يقصر من سافر للهو
فصل : في حكم صلاة الخوف ( 1 )
- يقسم الإمام من معه فرقتين : فرقة تحرس وفرقة تصلي معه ففي الثانية يصلي بكل طائفة ركعة فإذا فرغ منها أشار قائما إليهم فأتموا وانصرفوا يحرسون وتأتي الأخرى فيصلي بهم الأخرى وهل يسلم أو ينتظر إتمامهم ليسلم بهم قولان وفي غيرها يصلي بالأولى ركعتين فإذا تشهد أشار إليهم جالسا فأتموا وانصرفوا يحرسون ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم ما بقي وفي تسليمه وانتظارهم قولان وإن اشتد البأس صلوا بحسب الإمان مشاة أو ركبانا أو إيماء طاردين أو مسابقين حيثما توجهوا لا يلزمهم طرح ما تلطخ بالدم فإن آمنوا في أثنائها أتموها صلاة أمن
_________
( 1 ) صلاة الخوف رخصة والمشهور بعد ذلك أنها سنة وهو قول ابن يونس وجمهور العلماء على أنها غير مختصة به E والمشهور أنها مشروعة في الحضر كالسفر . قال ابن الماجشون تختص بالسفر ولها صفات كثيرة . قال ابن العربي : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف مرارا عدة بهيئات مختلفة قيل مجموعها أربع وعشرون صفة ثبت منها ست عشرة صفة ثم ذكر منها ثماني صفات انظرها في كناب أحكام القرآن والصفة التي ذكرها المصنف توافق ظاهر القرآن ورواها مالك في الموطأ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع وقول المصنف : وإن اشتد البأس صلوا بحسب الإمكان إلخ . أي وحدانا وهذا في حال شدة الخوف وتسمى صلاة المسايفة لالتحام الجيشين بسيوفهم
( فصل ) صلاة الجمعة
- تلزم الجمعة ( 1 ) كل مسلم حر مكلف مستوطن وهي ركعتان يجهر فيهما يخطب قبلهما خطبتين قائما متوكئا يفصل بينهما بجلسة خفيفة يختم الأولى بآيات من القرآن والثانية باذكروا الله يذكركم أو غير ذلك وأقلها ثناء على الله وصلاة على رسوله وتحذير وتبشير وهل يشترط الطهارة قولان ويجب الإنصات لها والبعيد يتحرى وقتها وينصت والداخل والإمام يخطب لا يحيي المسجد ولا يسلم وليؤم الخاطب فإن أم غيره فالمشهور بطلانها ويستحب لها الطيب والتجمل والغسل متصلا بالغدو والمشي والتجهير به وتلزم من منزله على دون ثلاثة أميال لوقت يدركها والأعمى يمكنه إتيانها ولو بقائد وتسقط عن المريض والممرض وبالمطر وكثرة الوحل وخوف ظالم أو لص لا خوف حبس في حق وهو ملي ولا بشهور العبد وشروط صحتها إمام ومسجد وخطبة وموضع لاستيطان وجماعة يمكنهم المثوى به من غير عدد محصور ولها أذانان ( 2 ) : الأول على المنارة والآخر بين يدي الإمام إذا جلس على المنبر فإذا فرغ أخذ في الخطبة ومن أدرك منها ركعة فقد أدركها فإن أدرك دونها صلى ظهرا وهل يبني على إحرامه قولان ومن لا تلزمه تنوب عن ظهره وتاركها لغير عذر لا يصلي الظهر جماعة . وقدوم المسافر والعتق والبلوغ والإفاقة لوقت يدركها يوجب إتيانها ومن زالت عليه الشمس وهو يريد سفرا لزمته ولا يقام في مصر جمعتان ( 3 ) ووقتها كالظهر
_________
( 1 ) الجمعة بضم الميم وإسكانها وفتحها نقله الواحدي عن الفراء وحكى الزجاج كسرها أيضا والمشهور الضم وسمي بذلك لأن خلق آدم جمع فيه ورد ذلك من حديث سلمان في رواية أحمد وابن خزيمة وغيرهما أثناء حديث وله شاهد عن أبي هريرة موقوفا بإسناد قوي ومرفوعا بإسناد ضعيف . قال الحافظ ابن حجر : وهذا أصح الأقوال اه والأكثر على أنها فرضت بالمدينة ولها خصائص اوصلها ابن القيم في الهدي النبوي إلى اثنين وثلاثين خصوصية عليه في بعضها مؤاخذة وفي حديث أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي " قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرممت ؟ - يعني بليت - فقال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد النبياء " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم
( 2 ) في صحيح البخاري عن السائب بن يزيد قال : كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء . وسمي ثالثا باعتبار الأذان الأول والإقامة وروى ابن أبي شيبة عن عمر قال : الأذان الأول يوم الجمعة بدعة . يعني الذي زاده عثمان رضي الله عنه وفي العتبية : سئل مالك عن أي الندائين يمنع فيه المسلمون من البيع فقال : الذي ينادى به والامام جالس على المنبر وقال : الأذان بين يدي الإمام من الأمر القديم اه . ومنه يعلم أن الأذان الذي على المنارة محدث لكن لا بأس به لما فيه من المصلحة
( 3 ) فان كان في المصر جمعتان فالصحيحة منها جمعة الجامع العتيق وإن تأخر أداء . هذا هو المشهور . ورجح المتأخرون جواز تعدد الجمعة . وعليه اعمل الآن : وهو الصواب إذ لا دليل على منع التعدد لا من الكتاب ولا من السنة . وقولهم ( الجمعة لمن سبق ) ليس بحديث وإنما هو من كلام الشافعية . بناء على مذهبهم في ذلك ولهذا تجد المعة في بلاد المغرب ومعظمهم يتبع المذهب المالكي مع تعددها متعاقبة فأول جمعة تصلى عند الزوال ثم تليها الثانية في مسجد ثان بعد نصف ساعة . وهكذا على الترتيب إلى الساعة الثانية الثانية فتأتي لجميع أهل البلد من سائر الطبقات أداء الجمعة . ولا يصلون ظهرا ولا غيرها
( فصل ) صلاة العيدين
- صلاة العيدين ( 1 ) سنة وهي ركعتان بغير أذان يفتتح الأولى بسبع تكبيرات مع الإحرام والثانية بست مع القيام يخطب بعدها خطبتين يفتتح كلا بتسع تكبيرات نسقا ( 2 ) وفي أثنائها ويكبر الناس بتكبيرة ومستحباتها كالجمعة ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الخروج ويوم الأضحى بعد الرجوع ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال وفعلها في المصلى أفضل ولا يتنفل قبلها ولا بعدها يخرجون مكبرين بطريق ويرجعون بغيرها ويستحب التكبير أيام النحر عقيب خمس عشرة صلاة : أولاهن ظهر العيد ولفظه : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ومن أراد أن يصليها وحده صلاها على صفتها
_________
( 1 ) سمي العيد عيد العودة وتكررة كل سنة أو لعود الناس فيه على أقاربهم بالاتفاق أو لعود الله فيه على عباده بالمغفرة قال زروق : جرت سنة الله في سائر الدهر طبعا باتخاذ يوم أو أيام يألف الناس فيها على حال سرور ولم يخل الله من ذلك خلقا من خلقه ولا أرضا من أرضه فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجد لهم يومين يلعبون فيهما فابدلهم الله منهما يوم الفطر والأضحى اه
( 2 ) قال ابن ناجي : ويستفتح الخطبة بسبع تكبيرات متواليات واستحب مطرف وابن الماجشون تسعا في الأولى وسبعا وكلما تمت كلمات كبر ثلاثا قال : وبذلك استمر العمل عندنا ولم يجد مالك التكبير في أول الخطبتين ولا خلالهما لعدم وروده اه . وقال أيضا : في تكبير الحاضرين بتكبيرة قولان : لمالك والمغيرة فمالك يقول يكبرون والمغيرة لا . لأنه يمنع الإنصات المطلوب . ويستحب للإمام في الأضحى أن يخرج أضحيته إلى المصلى فيذبحها هناك ليعلم الناس ويذبحوا بعده
( تنبيه ) قال ابن حبيب : سئل مالك من قول الرجل للرجل في العبد تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك فقال : ما أعرفه ولا أنكره . قال ابن حبيب : أي لا يعرفه سنة ولا ينكره لأنه قول حسن ورأيت من أدركت من أصحابنا لا يبدأون به ولا ينكرونه على ما قاله لهم ويردون عليه مثله ولا بأس عندي أن يبدأ به اه . كذا في شرح زروق على الرسالة وفي شرح الباجي على الموطأ سئل مالك أيكره للرجل أن يقول لأخيه في العيد تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال لا يكره اه . وللحافظ السيوطي رسالة اسمها " حصول الأماني بحصول التهاني " وهي مطبوعة مع تعليقات عليها كما أن للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني رسالة في التهاني مطبوعة أيضا
( فصل ) صلاة الاستسقاء
- يسن الصلاة لطلب الغيث ( 1 ) ويستحب تقدمها بصيام وصدقة ونحو ذلك وهي ركعتان بالمصلى يخرجون ضحوة متبذلين متخاشعين يظهرون الندم والتوبة يصلى بهم قبل الخطبة ويكثرون الاستغفار حال الخطبة والأفضل أن يخطب بالأرض فإذا فرغ استقبل القبلة وحول رداءه وحولوا أرديتهم ما على اليمين على اليسار ويسألون الله تعالى ويستحب : اللهم اسقنا من بركات السماء ما تنبت لنا به الزرع وتدر لنا به الضرع وتدفع عنا به الجهد ولا تجعلنا مع القوم القانطين . اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت : فإن أجيبوا وإلا عادوا ولو مرارا . ولا بأس بخروج الأطفال والبهائم والقواعد وأهل الذمة منعزلين عن المسلمين لا منفردين بيوم
_________
( 1 ) طلب الغيث هو الاستسقاء وعرفه ابن عرفة بأنه طلب السقيا من الله الذي كبد رطبة أو نبات بالدعا وحده أو بالصلاة اه . والاجتماع على طلبه بالدعا . وذهب أبو حنيفة إلى أن الصلاة له بدعة وهو محجوج بالحديث ثم الاستسقاء لجدب أو شرب ولو لدواب بصحراء أو سفينة ولقلة النهر سنة ولسعة الخصب مباح ولنزول الجدب بغيرهم مندوب لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } قاله اللخمي ورده المازري بأن الاستسقاء للغير يكون بالدعاء لا بالصلاة . زاد ابن الحاجب وفي استسقاء المخصبين بالصلاة لزيادة الخصب نظراه . يعني إنما يستسقون بالدعاء ويستحب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة لما في صحيح البخاري عن أنس أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بعم نبينا قال فيسقون وروى ابن أبي شيبة باسناد صحيح كما قال الحافظ في فتح الباري عن مالك الدار - وكان خازن عمر - قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فانهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام فقال له ائت عمر وأخبره أنهم مسقون وقيل له عليك الكيس الكيس فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال اللهم ما آلوا إلا ما أعجزت عنه والرجل المذكور هو بلال بن الحارث المزني الصحابي قاله الحافظ في فتح الباري
( فصل ) صلاة الكسوف
- صلاة كسوف الشمس ( 1 ) ركعتان يجمع لها بالمسجد بغير أذان ولا خطبة في كل ركعة ركوعان وقراءتان يطيل القراءة سرا والركوع نحوها ثم يرفع ويقرأ دون الأولى ويركع نحوها . وهل يطيل السجود قولان . وهل يفتتح كل قراءة بالفاتحة أو يختص بالأولى والثالثة قولان فإذا سلم أقبل على الناس فوعظهم وذكرهم وتدرك بركوعها الرابع ويقضي الركعة الأولى دون القيام الثالث . وصلاة كسوف القمر كالنوافل ولا تجمع لها
_________
( 1 ) قيل إن الكسوف والخسوف واحد وهو ذهاب نور أحد النيرين أو بعضه وقيل الكسوف للشمس والخسوف للقمر وقال بعض أهل اللغة عكسه ورد عليه بقوله تعالى { وخسف القمر } وقيل الكسوف ذهاب بعض النور والخسوف ذهاب جميعه وصلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة باتفاق وفي صلاة كسوف القمر قولان سنة أيضا وبه قال ابن الحلاب واللخمي وقيل فضيلة فقط روى عن مالك وقال به أشهب وصاحب التلقين والصحيح أن صلاة الكسوفين واحدة في الكيفية لتسوية الحديث بينهما وبه أخذ عبد الملك بن الماجشون وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود وسائر أهل الحديث " تنبيه " في المدونة كره مالك سجود الزلازل قال اللخمي : ورأى - يعني مالكا - أن يفزع الناس إلى الصلاة عند الحادث الذي يخاف أن يكون عقوبة . وهو قول أشهب في الظلمة والريح الشديدتين اه . نقله في شرح الرسالة
كتاب الجنائز
- يوجه المحتضر إلى القبلة ويلقن الشهادتين ( 1 ) ويقرأ عنده يس فإذا قضى أغمض وشد لحياه وسجي ثم يؤخذ في غسله فيرفع على سرير ويجرد الرجل وتستر عورته ويوضأ ويغسل كالجنب يكرر وترا إحداهن بالماء القراح ويجعل في بعضهن سدر ( 2 ) إن احتاج إلى ذلك وفي الأخيرة كافور
ولا تباشر عورته إلا لضرورة ويعصر بطنه برفق ولا يؤخذ له ظفر
ولا يحضره إلا من يساعد في غسله يتولى ذلك الغسل في الرجل الرجال وفي المرأة النساء فإن لم تكن فالمحارم وراء الثوب فإن لم تكن يممته أجنبية إلى المرفقين وييممها إلى الكوعين
وإباحة الاستمتاع إلى حين الموت يبيح الغسل من الجانبين فلم مات فوضعت جاز لها غسله ولو أبانها فمات امتنع وفي الرجعية خلاف فإذا فرغ نشف بخرقة وأدرج في أكفانه وكفنه ومؤنته واجبان في ماله وسطا بالمعروف مقدما على الديون والوصايا فإن كان عديما ففي بيت المال فإن لم يكن فعلى المسلمين
وأقله ثوب يدرج فيه وأكمله للرجل خمسة : قميص وعمامة وإزار ولفافتان
وللمرأة سبعة : حقو وقميص وخمار وأربع لفائف وهو تابع للنفقة وفي الزوجة الموسرة قولان قيل عليها وقيل عليه ويستحب تجميره
ويذر الحنوط على كل لفافة وعلى مفاصله ومساجده ويلصق على منافذه قطن محنط فإذا أدرج شد عند رأسه ووسطه ورجليه
ثم يحمل على نعشه إلى المصلى . والمشي أمامه أفضل فيصلى عليه وهي فرض كفاية أربع تكبيرات ليس فيها قراءة بل يثني على الله تعالى عقب الأولى : ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الثانية ويدعو عقب الثالثة والمستحب : اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك . وأنت أعلم به . اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده . وفي المرأة اللهم إنها أمتك وفي الطفل اللهم اجعله سلفا وفرطا وذخرا وشفعا لوالديه ولمن شيعه ومن صلى عليه وألحقه بنبيه صلى الله عليه وسلم عقب الرابعه
ولا يصلى على سقط لم يستهل صارخا ولا قتيل في سبيل الله ولا يغسل ولا على قبر ولا غائب ولا تكرر ويكره الصلاة لأهل الفضل على أهل البدع والأهواء ومقتول في حد ويصلى على أكثر الجسد وفي أقله خلاف ( 3 ) وتكره عند الطلوع والغروب إلا أن يخاف تغيره ومن دفن بغير صلاة أخرج لها ما لم يظن تغيره ويقدم الموصى إليه رجاء دعائه ثم الحاكم ثم العصبة وأولاهم أقواهم تعصيبا فإن اجتمعوا وتشاحوا فبالقرعة وإذا اجتمع جنائز في صلاة جعل الرجل مما يلي الإمام ثم الصبي ثم الخنثى ثم الحرة ثم العبد ثم الأمة ومن أدرك بعض الصلاة فإن تركت له الجنازة أتمها وإلا كبر نسقا ثم يحمل إلى القبر فيدفن في حفرة تكتم رائحته وتمنعه من السباع ويسل من قبل رأسه فيوضع في اللحد أفضل من الشق ويحل شد رأسه ووسطه ورجليه ويطبق باللبن وسد خلله بالطين ويهال عليه التراب . ويستحب لمن دنا منه أن يحثو فيه ثلاث حثوات ويكره بناؤه وتجصيصه وتحرم النياحة وإظهار الجزع واللطم والشق ويستحب التعزية فيقال أحسن الله عزاءك وألهمك الصبر وغفر الله لميتك أو غير ذلك مما يحضره
_________
( 1 ) معنى التلقين أن تذكر عند الشهادتين على وجه يسمعهما به ولا يلح عليه ولا يقال له قل ويلقنه أرفق الناس به وأحبهم له وقال بعض الشافعية يلقنه غير وراثه وهل يلقن الميت بعد الدفن قال عز الدين بن عبد السلام لا يلقن . وجزم النووي باستحبابه ونقله عن القاضي حسن وأبي الفتح الزاهد وأبي رافع وسئل عنه أبو بكر بن الطلاع فقال هذا الذي نختاره ونعمل به وقد روينا فيه حديثا عن أبي أمامة ليس بقائم السند لكنه اعتضد بالشواهد وبعمل أهل الشام قديما وللمئيوي نحوه وحديث أبي أمامة رواه الطبراني وضعفه قريب بل قال الحافظ اسناده صالح وقد استحب التلقين أيضا أحمد وجماعة من المالكية كما بين في غير هذا الموضوع
( 2 ) هو الغاسول . وقوله بعد في كفن المرأة حقو . معناه الإزار
( 3 ) قيل يصلي على ما وجد منه وإن قل . قال ابن حبيب وابن مسلمة وابن الماجشون . وقال عبد الملك إذا كان رأسا صلى عليه وإلا فلا وقيل إن بلغ النصف صلى عليه . والمنع مطلقا قول وهذا الخلاف يجري على الخلاف في الصلاة على الغائب فالمشهور منعها وحكى ابن القصار جوازها عن مالك وبه قال ابن وهب والشافعية لصلاته صلى الله عليه وآله وسلم على النجاشي واحتمال الخصوصية بعيد
كتاب الزكاة ( 1 )
- نصاب الذهب عشرون مثقالا والورق مائتا درهم . فيجب ربع عشره . والزائد بحسابه . ويلفق بينهما بالأجزاء وشروط وجوبها الحول والنصاب في ملك كامل متحد . ويكمل النصاب بربحه لحوله ويجب في أوانيها وحلي التجارة . وما لا يجوز تحليته . والمتخذ ذخيرة لا لبس المباح جيد الجنس ورديئه . وتبره ومضروبه وصحيحه ومغشوشه ومكسوره سواء . وتلفه قبل تمكنه من الأداء يسقطها وبعده يوجب ضمانها . فإن تلف البعض لزمه من الباقي وبعد إفرادها يلزمه دفعها . فإن أتلفها ضمن لا إن تلفت . والصحيح أنه لا يخرجها قبل وجوبها وينويها زكاة وأخذ الإمام العادل ينوب عنه وغيره إن صرفها في وجوهها أجزأته وإلا لزمته الإعادة ويخرج الولي عن الصبي والمجنون ويزجئ أحد النقدين عن الآخر بقيمته ما لم تنقص عن قدر الواجب . ومن ابتاع بنصاب بعد حوله وقبل تزكيته فربح زكاه للأول وزكاهما للحول الثاني إلا جزء زكاة النصاب إلا أن تكون له عرض يساويه وتضم أولى الفائدتين إلى الثانية كانت نصابا أو أكملته فإن كانت الأولى أو كل نصابا استقلت بحولها ومن مكث دينه أحوالا فلا زكاة عليه حتى يقبضه أو نصابا منه فيزكيه إمام واحد فإن قبض دونه لم يزك حتى يقبض تمامه أبقى الأولى أو أتلفها كثمن عرض التجارة وإن استفاده فلا زكاة حتى يحول الحول بعد قبضه ويعتبر في القبض ما تقدم ويعين المدير شهرا يقوم فيه عروضه ويضم دينه وناضه ولو درهما فإن كان لا ينض له شيء فلا زكاة والمرصع إن علم وزن نقده زكاه وانتظر بجواهره البيع وإن جهله ولم يمكن نزعه فلأظهر التحري وقيل المقصود منهما متبوع ويشترط في المعادن اتصال النيل وكمال النضاب لا الحول فإن أخرج دونه فلا زكاة حتى يخرج تمامه أو يكون عنده ما يكمله قد حان حوله وتضم المعادن وإن تناءت محالها كالزرع وغيرها بشرط اتصال النيل وإلا استقل كل بحكمه والأظهر أن النذرة كغيرها وقيل بل تخمس والأصح تخميس قليل الركاز وكثيره وعروضه ثم أربعة أخماسه إن كان بفيفاء في الجاهلية فلواحده وأما في أرض الصلح فلأهلها وأرض العنوة لمفتتحها وما علم أنه لمسلم فهو لقطة والدين إن استغرق أو أبقى ما لا زكاة فيه أسقطها عن النقد الحولي لا المعدني والماشية والمعشرات إلا أن يكون له عرض يساويه ويجعل بإزائه ما يباع عليه في قلبه كدينه وكتابته وخدمة مدبره ونحو ذلك
_________
( 1 ) الزكاة في اللغة النماء وزكا الزرع نما وفي الشرع قال ابن عرفة اسم لجزء من المال شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابا ومصدرا إخراج جزء من المال إلخ اه . قال الباجي ولما يخرج من المال على هذا الوجه أسماء منها الزكاة ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ومنها الحق ( وآتوا حقه يوم حصاده ) والنفقة ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) نقله ابن سحنون عن ابن نافع عن مالك والصدقة ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ) والعفو ( خذ العفو وأمر بالعرف ) اه . ملخصا وفي الموطأ قال مالك السنة التي لا خلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا كما تجب في مائتي درهم اه . ولا خلاف في ذلك بين فقهاء الأمصار كما قال الباجي فالمثقال في كلام المصنف معناه الدينار
( فصل ) زكاة الإبل
- لا زكاة فيما دون خمس من الإبل ( 1 ) وفيها شاة جذعة أو ثنية . وفي العشرين أربع . وفي خمس وعشرين بنت مخاض فإن عدمها فابن لبون وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وإحدى وتسعين حقتان وفي مائة وإحدى وعشرين يخير الساعي بين حقتين أو ثلاث بنات لبون فإن وجد أحدهما تعين وما زاد ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ما بين ذلك أوقاص . ونصاب البقر ثلاثون فيها تبيع وفي أربعين مسنة وفي مائة وعشرين يخير الساعي بين ثلاث مسنات وأربعة والجواميس نوعها . ويكمل النصاب بالعجاجيل كالفصلان ويؤخذ السن الواجب فلو ماتت الأمهات وبقيت الأولاد نصابا زكيت وتزكى العوامل والهوامل ( 2 ) ونصاب الغنم أربعون وفيها شاة كالتي في الإبل وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وشاة ثلاث ثم في كل مائة شاة ولا تؤخذ هرمة ولا هزيلة ولا فحل ولا كريمة الضأن والمعز جنس حكم الأولاد ما تقدم وتزكى السائمة والمعلوفة ومبدل نصابا بجنسه يبني وبخلافه المشهور الاستئناف إلا أن يفعله فرارا ومستفيد نصاب أو دونه من جنس ماشيته يبنه على حولها والخلطاء كالمالك الواحد بشرط كمال النصاب في ملك كل واجتماعهم على وصغين كالراعي والفحل والدلو المراح والمبيت وطلب المصلحة ولو آخر الحول ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وتؤثر التخفيف كمالكي مائة وعشرين أو التثقيل كمالكي مائتين وشاة فإن ظهر قصد الفرار أخذوا بحال الانفراد ويصدقون في قصد المصلحة فإن اتهموا حلفوا والنصاب المؤلف إن أخذ منه متأولا ترادوا بحسب أملاكهم كما لو زاد الفرض بخلط دونه وإلا فهي من مالكها كالمأخوذة من دون النصاب ولا خلطة في غير الماشية ولا زكاة في حيوان غيرها ولا ضمان لتلفها قبل مجيء الساعي فإن نقصها فرارا ضمن
_________
( 1 ) في الموطأ عن ابن سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس فيما دون خمس ذود صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " الذود بفتح الذال المعجمة جماعة الإبل ولا يزكى مال من غيره عند الجمهور ير أول مراتب الإبل المذكورة حيث يجب فيها إخراج الشياه إلى خمس وعشرين ولو أخرج عن الشاة بعيرا فالأصح الإجزاء وقال الباجي وابن العربي لا يجزئ قال زروق والمزكي بالغنم من الابل يسمى مشنق - بفتح الشين والنون - لأن المزكي يشنق صاحب الإبل فيما ليس عنده اه . وقيل الشنق ما بين الفريضتين كالوقص بفتح الواو وسكون القاف . والصحيح أن الشنق ما تقدم وأن الوقص هو ما بين النصابين
( 2 ) يعني المعلوفة والسائمة والمذهب أن الصدقة تجب في معلوفة الماشية وسائمتها لقول مالك في الموطأ : إنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب في الصدقة فوجد فيه : في أربع وعشرين من الابل فما دونها الغنم في كل خمس شاة وهذا عموم . ولأن النماء في المعلوفة يوجد في الدر والنسل كالسائمة ولأن كثرة النفقات وقلتها إذا أثرت فإنما تؤثر في تخفيف الزكاة وتثقيلها ولا تؤثر في إسقاطها وإثباتها كالخلطة والتفرقة والسقي النضح والسيح . وقال الشافعية والحنفية وجوب الزكاة في السائمة فقط لحديث ( في سائمة الغنم الزكاة ) فالشافعية تمسكوا بدليل خطابه والحنفية النافون لدليل الخطاب تمسكوا بأن الأصل عدم وجوب الزكاة وحيث وجبت في السائمة بالنص بقي ماعداها على الأصل قال ابن عبد السلام مذهب المخالف هو الذي تركن إليه النفس اه . وأقول : إن سلم مذهب أن التقييد بالسائمة خرج للغالب فالتعيم هو الراجح وإلا فالقول ما قاله الشافعية والحنفية
( فصل ) زكاة الحبوب والثمار
- نصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق ( 1 ) وهي ثلاثمائة صاع بالمدني فيجب العشر فيما سقي سيحا أو بعلا ونصفه فيما سقي نضحا فإن اجتمعا وتساويا فثلاثة أرباعه فإن تفاوتا فالمشهور اعتبار المأخوذ بهما وقيل الأقل تابع ويضم إلى البر الشعير والثلت والعلس ويخرج من كل بحسابه كالقطاني بخلاف الذرة والأرز والدخن فيجب في الحب بيبسه وفي التمر بزهوها وتؤخذ بعد التصفية والجذاد من عينه لا تجزي قيمته كان جيدا أو رديئا فإن اجتمعا وتساويا ففي كل بحسابه وإن تفاوتا فالظاهر أنه كذلك وقيل الأقل تابع ومن المتبوع الوسط ويخرص النخل والكرم إذا أزهيا بالحاصل جافا فإن أكلوا أو باعوا ضمنوا وإن تركوا وتبين خطؤه وهو عارف فالظاهر الأخذ بما خرص وإن خرص جماعة واختلفوا أخذ بقول أعرفهم وإن استووا وزع الواجب بحسب اختلافهم فإن أجيحت بعده فلا ضمان فإن بقي نصاب لزم منه ومن باع بعد الزهو ضمن فإن أفلس فهل يتبع أو تؤخذ من يد المشتري قولان وهل يرجع بقدر الثمن أو يكلف شراء الجنس قولان كالذي لا يتناهى وما يعتصر يوسق حبا ويؤخذ من دهنه . ولا زكاة في شيء من النبات غير ما ذكرنا
_________
( 1 ) خمسة أوسق توازي بالكيل المصري أربعة أرادب وويبة حسبما حرر العلامة الطحلاوي سنة 1165 هجرية وجملة ما تجب الزكاة فيه من الحبوب والثمار عشرون نوعا القطاني السبعة : الحمص والفول والوبيا والعدس والترمس والجلبان والبسلة وذوات الزيت وهي الزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر لا الأبيض والقمح والشعير والسلت والعلس والذرة والدخن والأرز والزبيب والتمر
( فصل ) صدقة الفطر
- صدقة الفطر ( 1 ) تلزم من فضل عن قوته ودينه ومؤونة عياله عنه وعن من تلزمه نفقته من المسلمين قدرها وهو صاع وزنه خمسة أرطال وثلث بالبغدادي حبا من غالب قوت بلده وتجزئ من البر والشعير والسلت والتمر والزبيب والأقط وعن العبد المشترك عن كل بقدر ملكه كمن بعضه حر والمشهور تعلق الواجب بطلوع الفجر يوم الفطر ومصرفها الفقراء والمساكين بالاجتهاد فيدفع صاع لجماعة وآصع لواحد
_________
( 1 ) ويقال لها زكاة الفطر فرضت في السنة الثانية من الهجرة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صح في الحديث قال العدوي حاشية الخرشي من أنكر مشروعيتها يكفر ومن أنكر وجوبها لا يكفر اه . وروى أبو داود عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات صححه الحاكم وروى ابن شاهين في فضائل رمضان عن جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صوم شهر رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر " قال ابن شاهين حديث غريب جيد الاسناد اه . وقدرها بالكيل المصري قدح وثلث كما حققه العلامة الأجهوري ويجوز إخراجها قبل يوم الفطر بيوم أو اثنين كما قال ابن القاسم في المدونة ونقله عن فعل ابن عمر وأجاز الشافعية والحنفية إخراجها من أول رمضان
( فصل ) مصارف الزكاة
- مصارف الزكاة الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى وقد سقط نصيب المؤلفة قلوبهم والعاملين ( 1 ) ويجوز صرفها إلى صنف واحد منه بقدر كفايته وإن زاد على النصاب . ولا يشترط عدم قدرته على الكسب ولا تنقل عن بلدها مع وجود المستحق فمن فعل كره وأجزأه خلافه الأجرة عليه ولا تصرف في شيء من وجوه البر غير مصارفها وتبين الخطإ يوجب الإعادة إلا أن يتولاها الإمام العادل ولا يخص بها أقاربه فإن كانوا في عياله لم يجزه والله أعلم
_________
( 1 ) أما سقوط المؤلفة قلوبهم فمبني على أن المقصود باعطائهم الزكاة استئلافهم وتحبيب الإيمان إليهم وكف أذيتهم عن المسلمين . وقد سقط هذا بفشوا الإسلام وكثرته وقيل نصيبهم باق لم يسقط وعليه مشى خليل في المختصر . بناء على أن المقصود إنقاذهم من النار وهو باق إلى نزول عيسى عليه السلام . والأول رجحه الرماصي في حاشية التتائي وأما العاملون عليها فهم الذين يبعثهم الإمام لأن الصدقة من أصحاب الحبوب والمواشي . وقد فقدد هذا منذ زمان فلم يبق إلا أن الانسان زكاته بنفسه على الموجوين من الأصناف الثمانية أو بعضهم حسب اجتهاه فيمن يراه أحق والأفضل لمن يعطي الزكاة ألا يذكرها للفقير بأن يقول خذ هذا الزكاة لئلا ينكسر خاطره بل ينوي الزكاة بقلبه من غير تلفظ بلسانه
كتاب الصيام
- صيام رمضان فرض عين يلزم برؤية ظاهرة أو شهادة عدلين فإن غم فبكمال عدة شعبان . وتجب لهث النية وتجزئ من الليل لا بعد طلوع الفجر . ونية لكل متتابع ( 1 ) وتبيت لغيره كل ليلة . ويلزم المنفرد برؤيته فإن أفطر فعليه القضاء والكفارة إلا أن يعذر بجهل أو تأويل والشاك يمسك حتى يتبين . ولا يجزئ صومه مترددا بخلافه تطوعا أو يصادف وردا أو نذرا أو قضاء ورؤيته نهارا للمستقبل ولو قبل الزوال وثبوته يوجب إمساك بقيته وعيد يوجب الفطر
_________
( 1 ) الصوم المتتابع هو الذي يجب تتابعه وموالاته بحيث لو فرق لم يجزئ كرمضان وكفارة الإفطار العمد مع الجماع فيه مثلا وكفارة القتل والظهار والنذر المتتابع فيكفي الصائم أن يقول مرة واحدة عند أول صومه نويت صوم رمضان أو نويت صوم ستين يوما أو نويت صوم كفارة القتل والظهار أو نحو ذلك أما الصوم الذي لا يجب تتابعه ويجوز تفريقه كقضاء رمضان وكفارة اليمين وفدية الأذى هم الحج ونحو ذلك فيلزم لكل يوم نية منفردة والقول بإجزاء نية للمجتمع هو مشهور مذهب مالك وقال ابن عبد الحكم لا بد من نية لكل يوم نظرا إلى أنه كالعبادات المتعددة من حيث عدم فساد بعض لأيام بفساد بعضها الآخر والقول المشهور نظرا إلى أنه كالعبادة الواحدة من حيث ارتباطها ببعضها ببعض وعدم جواز التفريق
( فصل ) قضاء الصوم
- يجب القضاء بالفطر ولو سهوا ( 1 ) أو جهلا أو مكرها أو لمرض أو حيض أو سفر أو نوي رمضان تطوعا أو نذرا أو قضاء أو ظن بقاء الليل أو دخوله فتبين خلافه أو ابتلع ما يمكنه طرحه أو رمي إلى حلقه بذوق أو اكتحال أو وضوء أو سقوط أو تقطير في أذن لا بدخول ذباب أو غبار أو حقنة ( 2 ) أو احتلام أو تصبح بغسل جنابة أو حيض إن طهرت ونوت قبل فجر ويكره الفصد والحجامة والقبلة ( 3 ) والملاعبة والكفارة ( 4 ) بتعمد الفطر ( 5 ) أو الجماع أو استدعاء المني بدوام النظر أو تذكر أو تحريك دابة ( 6 ) على المشهور تنوعها وأنها على التخيير فيعتق رقبة مؤمنة كاملة الرق غير معيبة ولا مستحقة العتق أو يصوم شهرين متتابعين فإن قطع لعذر بنى وإلا استأنف أو يطعم ستين مسكينا مدا مدا والعدد شرط ولا يلفق من نوعين وتتعدد بتعدد الأيام والأظهر عدم تعددها في اليوم الواحد . وعدم وجوبها بالجماع سهوا وقيل يلزمه ورفض نية ( 7 ) وتعجيل فطر لتوقع مباح والمكرهة تلزم المكره عنها
_________
( 1 ) وجوب القضاء على المفطر سهوا في رمضان قوله في مذهب مالك جعله بعضهم مشهور المذهب والصحيح خلافه فلا يجب على الصحيح عند المالكية القضاء على من أفطر سهوا وقال الشافعية والحنفية لا يقضي الناس لحديث الصحيحين ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) وحالول ابن العربي الجواب عن هذا الحديث بما لا يسلم من خدش . فما ذهب إليه الشافعية أقوى
( 2 ) أطلق المؤلف عدم القضاء بدخول الحقنة والواقع أن في الحقنة تفصيلا فإذا وصلت إلى الأمعاء بأن كانت من الدبر فإنها تفطر ويجب القضاء على المحتقن وأما إذا لم تصل إلى الأمعاء كحقنة في إحليل أي في ثقب الذكر فلا تفطر ولا قضاء على المحتقن لأنها لا تصل إلى الأمعاء . واختلف في قبل المرأة فقيل إن الحقنة فيه مفطرة ويجب بها القضاء كالدبر وقيل لا قضاء لأن قبل المرأة كاحليل الذكر لا يصل شيء منهما إلى الأمعاء وقال بعضهم إن الإحليل يطلق على ذكر الرجل وقبل المرأة وكلاهما لا قضاء بدخول الحقنة فيه وقال مالك في المدونة أكره الحقنة للصائم فإن احتقن في فرج بشيء يصل إلى جوفه فالقضاء ولا يكفر من هذا أن المدار في الإفطار والقضاء عند مالك على الوصول إلى الجوف وعدمه وكلمة الجوف على معناها داخل الجسم سواء كان معدة أو أمعاء أو غيرهما ولكن علماء المذهب حملوا الجوف على المعدة والأمعاء ولولا ذلك لكان كلام مالك مقيدا للافطار والقضاء بالحقن في الإحليل والقبل لأن الحقنة في كل منهما تصل إلى الجوف
( 3 ) محل كراهة القبلة إذا لم تؤد إلى الإنزال فإذا أدت إليه فهي حرام ومفطرة وعلى فاعلها القضاء والكفارة ومثل القبلة كل عمل من مقدمات الجماع كالملاعبة والملامسة بالبشرة ونحوها إذا أدى إلى الإنزال وهذا قول مالك في المدونة وقال أشهب فيها القضاء فقط إلا أن يستمر فيها فيجب القضاء والكفارة وقال ابن القاسم في المدونة يلزم القضاء والكفارة فيها . لا أن يكون الانزال بسبب نظر وفكر غير مستدامين
( 4 ) تبنى الكفارة عند المالكية : على التعمد أي تعمد الفطر بأي نوع من أنواع المفطرات سواء كان جماعا أو أكلا أو شربا أو حقنة في منفذ موصل إلى المعدة أو رفع نية الصوم مهارا أو ليلا أو غير ذلك قالوا لأن علة الوجوب انتهاك حرمة الصوم الواجب في الشهر المعظم رمضان والشافعية خصوا وجوب الكفارة بالجماع عمدا في نهار رمضان واستدلوا على ذلك بحديث الرجل الذي وقع على امرأته في رمضان ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له هلكت يا رسول الله فقال له ما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم فقال صلى الله عليه وسلم هل تجد ما تعتق به رقبة قال لا قال هل تجد ما تطعم به ستين مسكينا قال لا قال تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا فمكث عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال الرجل أعلى أفقر منا يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر إليه منا فقال صلى الله عليه وسلم قم فأطعمه أهلك فأخذه الرجل وانصرف والمالكية طردوا علة الوجوب وهي انتهاك حرمة الشهر لما تقدم فأوجبوا الكفارة في كل إفطار متعمد
( 5 ) شروط وجوب الكفارة للمكلف خمسة :
- 1 - العمد فلا كفارة على الناسي
- 2 - الاختيار فلا كفارة على مكره أو من أفطر غلبة كمن غلب عليه القيء
- 3 - الانتهاك فلا كفارة على متأول تأولا قريبا
- 4 - أن يكون عالما بالحرية فجاهلها لا كفارة عليه كشخص حديث عهد بالاسلام ظن أن الصوم لا يحرم معه الجماع فلا كفارة عليه
- 5 - أن يكون في رمضان لا في قضائه ولا في صيام كفارة أو نذر أو غيرهما ويشترط في وجوب الكفارة بالأكل والشرب أن يكون بالفم فقط وأن يصل إلى المعدة
( 6 ) معنى رفض النية العزم على عدم الصيام فإذا رفضها وأتبعها بالفطر وجبت عليه الكفارة وإذا رفضها بقلبه أو بلسانه أو بهما معا ولم يتبع الرفض بالفطر كفارة عليه فقول المؤلف " ورفض النية " أيلا تجب الكفارة برفض النية لأنه عطفه على ما لا تجب فيه الكفارة وهو الجماع سهوا . يجب حمله على رفض النية الذي لم يتبعه الفطر وإلا وجبت الكفارة
( فصل ) تعجيل القضاء
- يستحب تعجيل القضاء وتتابعه فإن أخره أو بعضه لغير عذر متصل حتى دخل رمضان آخر فعليه القضاء مع الكفارة ( 1 ) إطعام مساكين مدا عن كل يوم ويلزم المرضع تفطر خوفا على الرضيع لا الحامل وفيها خلاف ويستحب للعاجز لكبر أو عطش ولا قضاء عليهما ومن جن أو أغمي عليه أكثر يومه لزمه القضاء إذا جن من الليل أو طرأ عليه بلغ مجنونا أو صحيحا لا باليسير ويلزم الكافر إمساك بقية يوم إسلامه ويستحب للصبي يبلغ الإمساك لا بقية يوم الشفاء والطهر وقدوم المسافر مفطرا . ثم السفر المبيح للقصر والصوم أفضل وإذا أجمع إقامة أربعة أيام لزمه والمتطوع إن أفطر ساهيا لزمه إمساك بقية يومه لا قضاؤه ويحرم صيام العيد ويكره أيام التشريق إلا لمتمتع ونحوه ويستحب صوم أيام البيض ويوم عرفة وعاشوراء والإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر والله أعلم
_________
( 1 ) ودليل ذلك ما في الموطأ عن القاسم بن محمد أنه كان يقول : من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا مدا حنطة وعليه مع ذلك القضاء . قال مالك : وبلغني عن سعيد بن جبير مثل ذلك
باب الاعتكاف ( 1 )
- الاعتكاف ملازمة المسجد ليلا ونهارا مع النية والصوم مشتغلا بالعبادات تاركا للأسباب الدنيوية إلا لضرورة تحصيل طعامه واشتراطه الخروج ملغى ويبطل بالخروج إلا لحاجة الإنسان أو طعامه ولو لعبادة أو صلاة جنازة أو جمعة ويستحب أن لا ينقص عن عشرة أيام ( 2 ) ويجوز في كل مسجد إلا من تلزمه الجمعة ( 3 ) فيتعين الجامع ويدخل معتكفه قبل الفجر فإن دخل بعده بطل ومعتكف العشر الأواخر لا ينصرف إلى أهله إلا بعد شهود العيد والمرأة كالرجل فلا يصح في بيتها ومن عرض له ما يمنعه من مرض أو حيض ولم يمكنه المقام خرج وعليه حرمة الاعتكاف فإذا زال عذره عاد في الفور وإن شرط عدم القضاء لمرض أو غيره لم يفده على المشهور ويحرم على المعتكف الاستمتاع ليلا أو نهارا لا عقد نكاح والله أعلم
_________
( 1 ) مأخوذ من العكوف وهو اللزوم ومنه قوله تعالى { العاكف فيه والباد - الذي ظللت عليه عاكفا - لن نبرح عليه عاكفين } هذه حقيقته اللغوية وحقيقته الشرعية ما ذكره المصنف واختلف في حكمه فقيل مندوب وقال ابن العربي سنة وقال ابن عبد البر في الكافي سنة في رمضان وفي غيره جائز والراجح الثاني لمواظبته صلى الله عليه وآلاه وسلم على فعله
( 2 ) وأقله يوم وليلة ولا حد لأكثره
( 3 ) قوله إلا من تلزمه الجمعة . معناه أنه يجوز الاعتكاف في كل مسجد سواء كان جامعا أو غيره والجامع هو الذي تقام فيه الجمعة وغيره الذي لا تقام فيه إلا إذا كان المعتكف تلزمه الجمعة أي ذكر حر بالغ عاقل مستوف لشروط الجمعة وكان يوم الجمعة واقعا في أيام اعتكافه بأن نوى الاعتكاف سبعة أيام أو ثلاثا أولها الأربعاء أو الخميس أو نوى مدة أكثر من ذلك فلا بد من وقوع الجمعة فيها فهذا يجب عليه أن يعتكف في المسجد الجامع فإذا اعتكف في غيره وجب عليه الخروج للجمعة وبطل اعتكافه بمجرد خروجه من المسجد ويقضيه وجوبا أما لو كان اعتكافه أياما ليس فيها يوم الجمعة أو كان المعتكف لا تلزمه الجمعة فيجوز اعتكافه في الجامع وغيره
( كتاب الحج ) ( 1 )
- يلزم كل مسلم حر مكلف مستطيع على الفور ( 2 ) مرة في العمر والاستطاعة إمكان الوصول مع الأمن كيفما تيسر والمرأة مع محرم أو رفقة مأمونة والميت الضرورة ( 3 ) إن أوصى به يلزمه في ثلثه فليستأجر من يحج عنه ثم الإجارة ضربان : بلاغ وهي دفع مال بحسب كفايته ذهابا وإيابا فما فضل لزمه رده فإن تلف قبل إحرامه فله الترك فإن مضى لم يكن له رجوع بنفقته وبعده يلزمه وله الرجوع بالنفقة قال ابن القاسم على المستأجر وقال ابن حبيب في بقية الثلث فإن لم يكن فعلى المستأجر الثاني مضمونة وفيها يتعين قدر الأجرة وصفة الحج وموضع الابتداء والمشهور اشتراط تعين السنة وقيل بل تتعين السنة الأولى بالإطلاق ثم ما فضل أو أعوز فله وعليه ولا يستأجر له عبد أو صبي بخلاف غيره إلا أن يمنع من ذلك فلو عين شخصا فأبى عاد المال ميراثا كما لو عين قدرا فوجد من يرضى بدونه إلا إن قصد دفعه إليه ولو عين صفة فأحرم بغيرها لم يجزه فلو أحرم عن نفسه انفسخت الإجارة ومن تطوع أو حج عن غيره قبل فرضه كره ووقع على ما نواه
_________
( 1 ) الحج لغة القصد ومن ذلك رجل محجوج أي مقصود وشرعا القصد إلى مكة للنسك والنسك إما حج وإما عمرة ولكل منهما أركان أي أفعال إذا أداها الحاج أو المعتمر فقد أدى الفرض في الحج والسنة في العمرة وبرئت ذمته من مطالبة الله له بهما
( 2 ) هذا قول العراقيين وقاله مالك أيضا وشهر وعليه لو أخر عن أول سني الاستطاعة فهل يكون قضاء وهو قول ابن القصار أو أداء وهو قول غيره . وقال الماربة هو على التراخي ما لم يخف الفوات وشهر أيضا ولذا قال خليل في المختصر . وفي المغاربة هو على التراخي الفوات خلاف
( 3 ) الضرورة هو من عليه حجة الاسلام
( فصل ) المواقيت : الزماني والمكاني
- الميقات زماني : شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة ومكاني : ذو الحليفة ) ( 1 ) والجحفة ويلملم وقرن المنازل وذات عرق فهي لأهلها ومن مر بها فمن تجاوزه حلالا لزمه دم إلا أن يرجع غير محرم ومن منزله بعد ميقات فهو ميقاته ومكة ميقات أهلها والمعتمر يخرج منها إلى أدنى الحل وفي قران المكي منها خلاف ولا يدخل آفاقي مكة إلا محرما
_________
( 1 ) في الموطأ عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن " قال ابن عمر وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " ويهل أهل اليمن من يلملم " قلت وهذا رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروت عائشة وجابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق . وقال صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المواقيت هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن وقد جمع بعضهم المواقيت المكانية لغير المكي في قوله :
عرق العراق يلملم اليمن ... وبذي الحليفة يحرم امدني
والشام جحفة إن مررت بها ... ولأهل نجد قرن فاستبن
( فصل ) أركان الحج
- أركان الحج أربعة : الإحرام والوقوف ( 1 ) والطواف ( 2 ) والسعي ( 3 )
فالإحرام ثلاثة أضرب : إفراد وهو أفضلها وتمتع وهو أن يأتي الآفاقي بالعمرة أو بعضها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل رجوعه إلى أفقه أو مثل مسافته ويلزمه الهدي إلا لحاضري المسجد الحرام وقران وهو جمع العمرة والحج في إحرام مقدما للعمرة لفظا أو نية أو يردف الحج عليها في أثنائها ويلزم الهدي وتدخل العمرة في الحج فمريد الإحرام إذا أتى الميقات إن كان معه هدي قلده وأشعره واغتسل ( 4 ) وصلى ركعتين نافلة استحبابا ويتجرد من مخيط في إزار ورداء ونعلين ثم ينوي ما يريد عقده ملبيا ومتوجها ولفظها لبيك اللهم لبيك لبيك اللهم لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك يعادوها في كل صعود وهبوط وتلقي الرفاق ودبر الصلوات ويلزم الدم بتركها جملة
ثم إن كان الوقت واسعا أتى مكة لطواف القدوم فيدخلها من الثنية العليا حتى يأتي المسجد فيدخل من باب بني شيبة وإذا رأى البيت قطع التلبية وقال : اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما فيأتي الحجر الأسود فيقبله ( 5 ) ويقول : اللهم إيمانا بك ووفاء بعهدك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك ويبتدئ الطواف منه فيطوف سبعة أشواط من وراء الحجر جاعلا البيت عن يسارة الثلاثة الأولى خببا كلما مر بالحجر قبله وبالركن اليماني لمسه بيده واستيفاء العدد شرط كالطهارة فإذا فرغ صلى ركعتين والأفضل وراء المقام ثم يخرج إلى الصفا فيرقى عليها حتى يرى البيت فيتوجهه ويكبر ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ثم ينزل فيسعى حتى يجاوز الميلين الأخضرين ثم يمشي حتى يأتي المروة فيعمل عليها كالصفا وذلك شوط ثم يأتي بتمام سبعة أشواط كذلك
وهذا السعي هو الركن فإن لم يأت بطواف القدوم أو أخره عنه سعى مع طواف الإفاضة وشروطه أن يكون عقيب طواف ثم يخرج في اليوم الثامن إلى منى ويعاود التلبية . ويستحب المبيت بها فإذا صلى الصبح دفع إلى عرفة فينزل بها فإذا زالت الشمس قطع التلبية وجمع بين الصلاتين ثم وقف وعرفة كلها موقف إلا بطن عرفة فإذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب دفع إلى المزدلفة ومن خرج من عرفة قبل تواريها بطل حجه إلا أن يعود فيقف جزءا من الليل ومن تركه نهارا متمكنا فعليه دم فإذا أتى المزدلفة جمع بين العشاءين فإن لم ينزلها لزمه الدم والأفضل المبيت . ويلتقط منها حصاة الجمار فإذا طلع الفجر أتى المشعر الحرام فصلى الصبح ووقف ذاكرا ثم يدفع قبل الطلوع إلى منى فيرمي بها جمرة العقبة بعد الطلوع بسبع حصيات ثم ينزل فيحلق أو يقصر وينحر هديه ثم يأتي مكة فيطوف طواف الإفاضة وهذا هو الركن ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق لرمي الجمار فيرمي الأيام الثلاثة كل يوم بعد الزوال لا يجزئ قبله ولا ليلا ويبدأ بالجمرة السفلى فيرميها بسبع حصيات رميا لا وضعا ويكبر مع كل حصاة ويتقدم أمامها فيتوجه العقبة ويبتهل بدعاء ثم يأتي العليا فيرميها والترتيب شرط فإن نكس أعاد ما نكس ولا يرمي بما قد رمى به ومن ترك المبيت ولو ليلة والرمي في كل جمرة حصاة لزمه الدم ولو فضل في يده حصاة لا يدري من أيهن ؟ يرمي في كل جمرة حصاة حصاة على الترتيب ثم يدفع إلى مكة لطواف الوداع وهو آخر المناسك
_________
( 1 ) هو الحضور بعرفة ودة زمنية مهما قلت وقوفا أو جلوسا ومرورا أو اضطجاعا ليلة النحر
( 2 ) والطواف بالبيت العتيق سبعا
( 3 ) والسعي بين الصفا والمرة سبعا أيضا . وعمال العمرة الطواف والسعي والإحرام فليس فيها وقوف وسيأتي للمؤلف بيانها
( 4 ) هذا أحد اغتسالات الحج المسنونة وهو الاغتسال للإحرام والثاني لدخول مكة ولا تفعله الحائض والنفساء والثالث للوقوف بعرفة والغسل الأول لا بد فيه من الدلك والثاني والثالث قيل لا بد فيهما أيضا من ذلك لكنه خفيف وقال مياسرة في شرح متن ابن عاشر لا دلك فيهما ويستحب الغسل أيضا لدخول المدينة
( 5 ) ولا يقبله إلا متوضئ لأنه كالجزء من الطواف المشترط فيه الطهارة وفي ذلك ألغز الشيخ التادي بن سودة بقوله :
أيها العالم المفيد البرايا ... ما مقالك في جواب سؤالي
قبلة لم تجز بدون وضوء ... وهي لا تنقض الوضوء بحال
( فصل ) الفدية
- تلزم المحرم الفدية ( 1 ) بلبس المخيط لبسا معتادا ولو بإدخال كتفيه القباء ولبس الخف إلا أن يقطعه أسفل من الكعب والترفه بحلق شعر وتقليم ظفر وإزالة شعث وتطيب وتغطية الرجل رأسه أو وجهه والمرأة وجهها وكفيها واكتحالها لغير ضرورة ولها لبس المخيط والخف وسدل ثوب على وجهها غير مربوط خوف فتنتها وبلف خرقة على ذكره وشد تعويذ على عضده وتكة أو خيط فوق إزاره لا بحمل متاعه للضرورة وشد نفقته تحت إزاره وتساقط شعر بحكة أو ركاب أو بتخليل وضوء وهي إطعام ستة مساكين مدين أو صيام ثلاثة أيام أو ينسك بشاة فما فوقها غير مختصة بمكان وتعددت بتعدد موجبها لا بفعلها في فور واحد
_________
( 1 ) الفدية ثلاثة أنواع :
- 1 - شاة من ضأن أو معز أو أعلى منها من إبل وبقر وقيل الشاة أفضل من البقر والإبل فالبقر أفضل من ابل ويشترط فيها من السن والشمن وغيرهما ما يشترط في الضحية والهدي
- 2 - إطعام ستة مساكين من غالب قوت المحل الذي أخرجه فيه لكل مسكين مدان بمده صلى الله عليه وسلم فجملتها ثلاثة آصع والصاع قدحان مصريان وأربعة أمداد ويجزي غذاء وعشاء لكل مسكين حيث بلغ الغذاء أو العشاء المدين والمدان أفضل
- 3 - صيام ثلاثة أيام ولو أيام منى ولا تختص الفدية بأنواعها بمكان أو زمان فيجوز تأخيرها لبلده وغيره في أي وقت شاء بخلاف الهدي فإن محله منى أو مكة وتعدد الكفارة بتعدد موجبها فلكل من اللبس والحلق والتطيب وتقليم الظفر فدية خاصة إذا فعلت متفرقة أو نوى الحاج فعل كل واحد منفردا عن الآخر أما إن فعله دفعة واحدة كأن حلق وتطيب وقلم أظافره ولبس المخيط دفعة واحدة فعليه فدية واحدة وشرط وجوب الفدية في اللبس الانتفاع به بأن يلبس مدة تكون مظنة للانتفاع فان نزع الملبوس عن قرب فلا فدية عليه
( فصل ) ممنوعات الإحرام
- يحرم على المحرم اصطياد جميع الصيد البري طائرا كان أو غيره وقتله لا ما صاده حلال لغير محرم فإن صاده أو أحرم وهو معه لزمه إرساله فإن عطب لزمه جزاءه كما لو نقره أو تعلق بحبالته أو سقط في بئر حفرها لسبع ونحو ذلك فإن أكله فجزاء واحد ولو كسره وتركه مخوفا لزمه جزاؤه فإن تلف فجزاءان لا إن برئ ولحق بالصيد . ثم مثل الصيد من الأنعام أو ما يقاربه خلقة ففي النعامة بدنة وفي الظبي شاة كحمام الحرم وفي حمام الحل حكومة وفي حمار الوحش بقرة كالإبل أو قيمة الصيد حيا طعاما يطعمه المساكين مدا وللكسر مسكينا لا يلزمه تكميله أو يصوم عن كل مد ولكسره ويحكم به ذو عدل وفيما لا مثل له إطعام أو صوم وصغير الصيد ككبيره وفي بيضه عشر ما في أمه ويجوز قتل ما يخاف كالسباع والحية والعقرب والزنبور والفأرة والحدأة والأبقع ودفع الصائل ولا يحل صيد الحرم لحلال ولا لمحرم ولو رماه من الحل وفي العكس خلاف كفرع شجر الحل في الحرم وبالعكس ولا يجوز قطع شجره وكره الاحتشاش بخلاف الرعي وقطع الإذخر والسنا وما غرس وحرم المدينة كحرم مكة وفي جزاء صيده خلاف
( فصل ) الهدي
- دماء الحج كلها هدي إلا نسك الأذى وأعلاه بدنة وأدناه شاة وتقليده تعليق نعل ( 1 ) في عنقه وإشعاره شق صفحة سنامه اليسرى وهو في السلامة والسن كالأضحية فيوقفه وينحره بمنى وما لم يوقف منحره مكة وسبيل ولدها كسبيلها ومن عدمه صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ويجوز قبل رجوعه والمعتمر يتطوع به ثم يصير قارنا يلزمه آخر لقرانه ويجوز الأكل منه إلا جزاء الصيد ونذر المساكين وقدية الأذى وهدي التطوع يعطب قبل محله ومن أكل مما ليس له أكله ضمن وهل لحما أو قيمة قولان ولا يركب ولا يحمل عليه إلا لضرورة فإن زالت بادر إلى النزول والحط عنه ولا تجوز الشركة في الهدي ويفسد الحج بوطء واستدعاء المنى ما بين الإحرام ورمي جمرة العقبة ويلزمه إتمامه والقضاء والهدي يسوقه في حجه القضاء ويفارق الموطوءة فيها من حين إحرامه إلى التحلل ويقضي على صفة ما أفسد ولا ينكح المحرم ولا ينكح حتى يتحلل ويحل بالإفاضة جميع محظورات الإحرام
_________
( 1 ) في الموطأ عن ابن عمر أنه كان إذا أهدى هديا من المدينة قلده وأشعر من ذي الحليفة يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو متوجه إلى القبلة يقلده بنعلين ويشعره من الشق الأيسر إلخ قال الباجي في المنتقى هذا هو المستحب أن يقلده بنعلين ي رقبته للحديث المقدم حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ( قلدها بنعلين ) وإن قلدها بنعل واحدة فقد قال مالك تجزئه النعل الواحدة اه . ومنه يعلم أن ما ذكره المصنف خلاف المستحب
( فصل ) حج الصبي والعبد
- حج الصبي والعبد نافلة وإن عتق أو بلغ في أثنائها وليس له الإحرام بغير إذن سيده . وله تحليله كالزوجة في التطوع فإن كان الصبي قويا يتعقل باشر الأفعال وإلا أحرم وطاف وسعى به وليه فإن كان وصيا وخاف عليه ضيعة فنفقته من ماله وإلا ضمن الزائد على نفقة الحضر ومن أسلم أو عتق أو بلغ يوم عرفة فأحرم ووقف سقط فرضه والمحصر بعدو يتحلل مكانه ولا قضاء عليه ولا يسقط فرضه المحصر بمرض لا يحللهث إلا البيت
( فصل ) العمرة
- العمرة سنة ( 1 ) مرة في العمر ومحظوراتها كالحج وأركانها الإحرام والطواف والسعي ويحل بالحلاق أو التقصير ويصح الإحرام بها في جميع السنة إلا أيام التشريق ومن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا دخل الحرم ومن الجعرانة إذا دخل مكة ومن التنعيم إذا دخل المسجد وإذا حاضت المعتمرة قبل طوافها انتظرت الطهر فإن ضاق الوقت أو دفت الحج وسقط عمل العمرة والمستحاضة تغتسل وتحرم وتقف وتنتظر الطهر للطواف والله أعلم
_________
( 1 ) قال في الموطأ سنة ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها اه . وقال الشافعي هي فرض كالحج ووافقه من المالكية ابن حبيب وأبو بكر ابن الجهم ثم هي لا تكرر عند مالك بل تفعل مرة في السنة وقال مطروف وابن المواز لا بأس أن يعتمر في السنة مرارا وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي
( تنبيه ) لم يتعرض المصنف للزيارة النبوية وهي كما قال القاضي عياض مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها قال الشيخ أبو عمران الفارسي إنها واجبة قال عبد الحق الاشبيلي يعني وجوب السنن المؤكدة فينبغي للحاج إذا فرغ من نسكه أن يتوجه نحو المدينة المنورة لزيارة الروضة الشريفة والمسجد النبوي المعظم ثم يزور البقيع والشهداء أحد ويكثر من الدعاء في تلك الأماكن الطاهرة كما قال ابن عاشر :
واعلم بأن ذا المقام يستجاب ... فيه الدعاء فلا تمل من طلاب
ما يفسد النسك
- يفسد الجماع الموجب للغسل الحج والعمرة سواء أنزل أم لا عامدا أو ناسيا أو مكرها في آدمي أو غيره . وقولنا الموجب للغسل أي جماع البالغ امرأة مطيقة للجماع فخرج الصبي وجماع البالغ غير المطيقة فلا إفساد للحج بذلك إذا لم ينزل . وخرج بالجماع وضع الذكر في هواء الفرج أو مع لف خرقة كثيفة عليه إذا لم ينزل أيضا فلا فساد بذلك . ومثل الجماع في إفساد الحج الاستنماء ولو باستدامة نظر أو فكر فخروج المني مفسد للحج مطلقا . وشرط إفساد كل ما تقدم أن يقع قبل يوم النحر أو في يوم النحر قبل جمرة العقبة وطواف الإفاضة أو يقع في حالة الإحرام بالعمرة قبل تمام سعيها فإن وقع بعد يوم النحر أو فيه جمرة العقبة وطواف الإفاضة أو في العمرة بعد تمام سعيها فلا فساد ويلزم هدي
كتاب الجهاد ( 1 )
- إذا نزل الكفار دار الإسلام تعين على كل من أمكنه النصرة حتى العبيد والمرأة ولا منع للسيد والزوج والولد وإلا ففرض كفاية ويلزم الإمام حراسة الثغور والبعث إلى دار الحرب في كل وقت يمكنه فيدعوهم إلى الإسلام فإن أبوا فإلى الجزية والدخول في ذمة الإسلام فإن أبوا قاتلهم ولا يقتلون قبل الدعوة إلا أن يتعجلوا ويجوز التنكيل بهم بقطع أشجارهم ومنع المياه عنهم وإرسالها عليهم ورميهم بالمجانيق وعقر دوابهم ونهب أموالهم وبكل ما فيه نكاية ومن أجاب إلى الجزية أقر على دينه وقبلت منه وهي في كل سنة أربعون درهما على أهل الورق من كل كافر أصلي حر ذكرمكلف غير مترهب ولا عتيق مسلم ولا يؤخذ ملي بمعدم ولا حي بميت مع ضيافة المجتاز من المسلمين ثلاثة أيام وتسقط بالإسلام ولو عن أحوال لا بانتقاله إلى ملة أخرى ويؤخذ ممن تجر إلى غير بلده عشر ما يبيع حرا كان أو عبدا فإن باع ببلد واشترى بغيره فعشران ونصفه مما حملوه إلى الحرمين من الأقوات ونحوها والحربي بغيره إلا أن يشترط عليه أكثر ويمنعون شراء ما فيه ضرر على المسلمين كالسلاح والحديد وتنقص كنائس بلاد العنوة لا الصلح لكن يمنع رم دائرها ويعلمون بما يميزهم عن المسلمين ومن أظهر صليبا أو خمرا أدب وكسر وأريقت ويمنعون ضرب الناقوس ورفع أصواتهم بالقراءة وشراء الرقيق وركوب نفائس الدواب وجادة الطريق ولا يكنون ولا تشيع جنائزهم ولا يستعان بهم
_________
( 1 ) قال ابن رشد في المقدمات الجهاد مأخوذ من الجهد وهو التعب فمعنى الجهاد المبالغة في اتعاب الأنفس في ذات الله تعالى وهو ينقسم أربعة أقسام جهاد بالقلب وهو جهاد الشيطان ومجاهدة النفس عن الشهوات وجهاد اللسان وهو بالقلب بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد باليد وهو تغيير المنكرات وتعزيز أهلها بما يقتضيه وجهاد الاجتهاد السيف وهو قتال المشركين وقد ورد في حديث ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة في عودتهم من غزوة تبوك ( رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر مجاهدة العبد هواه ) وأما جهاد المشركين والكفار ففضله عظيم وقدره جسيم نوه به في غير آية من كتابه الكريم وفي الموطأ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لايفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع ) وحديث ( ما جميع أعمال الجهاد إلا كبصقة في بحر ) منكر باطل ولا يصح ذكره إلا للتنبيه على بطلانه
والجهاد كما يكون بالمقاتلة والمجالدة يكون بانفاق المال في ذلك وكل مايعلي شأن الدين وباللسان أيضا بأن يبين بطلان عقائد النصارى وفساد ما هم عليه لحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم " صححه النسائي ومن الجهاد أيضا الرد على مبتدعة العصر وملاحدته وبيان بطلان آرائهم لئلا يغتر بها عوام المسلمين وضعفه أهل العلم فهذا من أهم الواجبات في هذا العصر والله المستعان
( فصل ) الغنائم
- للجيش انتفاع بما وجدوا من أموال الحربيين قبل الغنيمة ومن غل من المغنم أدب ورده ويأخذ الإمام خمسه ويقسم باقيه في القائمين ولا يختص قاتل بسلب إلا أن ينفله الإمام من الخمس كتنفيل غيره ممن ظهر منه زيادة اجتهاد وتستحق الأسهام بشهود الوقيعة للراجل سهم وللفارس ثلاثة والمراهق كالبالغ ولا يرضخ للنساء والعبيد والصبيان وسهم من مات لوارثه والأجير لمستأجره ولا تقسم أرض العنوة بل تصير وفقا بالاستيلاء وإذا غنم الكفار مال المسلمين فمن أسلم على شيء ملكه وما غنمه المسلمون فما علم لم يقسم وما جهل فربه أحق به قبل القسمة مجانا وبعدها بالثمن والمأخوذ بغير إيجاف فهو لبيت المال كالخمس والجزية وميراث من لا وارث له . يأخذ الإمام كفايته بالمعروف ويصرف الباقي بالاجتهاد في مصالح المسلمين ويخير الإمام في الأسرى بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وعقد الذمة ويقتل من استحياه وامرأة وصبي وراهب ويؤخذ فضل ماله ويجوز أمان أدنى المسلمين للعدو من الكفار فأما بلد أو حصن ونحوه فإلى الإمام وتجوز الهدنة للضرورة بحسب ما يراه الإمام مصلحة ورد رهائنهم وإن أسلموا والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق