يجب على المكلف أن يعتقد أن الله تعالى متصف بالصفات الجليلة القديمة الثابتة بالأدلة التفصيلية قبل وجود شيء من الأكوان علوية أو سفلية ولا يقال إن صفاته اشتقت له بعد إيجاده للكائنات المتربة عليها فمن الواجبات في حقه تعالى:
1- الوجود – وهو صفة ثبوتية لا تحقق لها في الخارج ولا ارتباط لها بغير الذات والإجماع على أنه يجب الإيمان بوجود الله تعالى فهو تعالى موجود بلا ابتداء قبل وجود جميع الحوادث من عرش وكرسي وسموات وسائر العالم ( والدليل) على ذلك خلقه تعالى السموات وما فيها من الكواكب والملائكة، والأرض وما فيها من الجبال والرمال والأشجار والأحجار والبحار والأنهار والحيوانات والجمادات، لأن الصنعة لابد لها من صانع موجود. وقد قال الله عز وجل:"ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ"غافر:آية 62 وقال تعالى:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ " الأنعام:آية 1 وقال:"سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى"أعلى:آية 1-2 0 أى خلق كل شىء فسوى خلقه. وقال:"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ"إقرأ:آية 1-2 وقال:"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان:آية 2 ومن البديهي أن موجد الشيء لا يكون معدوماً، لأن المعدوم لا يعطى الوجود كما يقال فى المثل: إن فاقد الشيء لا يعطيه.
ومن هنا قال العلماء في برهان وجوده تعالى: أنه لو لم يكن موجوداً لكان معدوماً ولو كان معدوما لما وجد شيء من هذه المخلوقات وعدم وجودها باطل بالمشاهدة والحس فبطل ما أدى إليه وهو العدم وثبت ضده وهو الوجود وهو المطلوب.
2- القدم – يجب وصف القدم لله تعالى ومعناه أنه لا أول لوجوده تعالى وأنه لم يسبقه عدم، لقوله تعالى:"اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ" الزمر:آية 62 . إذ معناه أن كل شيء غير الله مخلوق لله، فلا يجوز أن يكون غيره خالقاً له، لأنه لو كان مخلوقا لكان محتاجا لغيره كيف وهو ذو الغنى المطلق. وفقر كل شيء إليه محقق ومن هنا ندرك أن إنكار بعض المتعالمين لصفة القدم من الجهل الفظيع وذلك لأن القـدم هو الأولية التي جاءت في قول الله تعالى:"هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"الحديد:آية 3.
وبرهان ذلك أنه تعالى لو لم يكن قديما لكان حادثاً ولو كان حادثا لاحتاج إلى محدث ولو احتاج إلى محدث لاحتاج محدثه إلى محدث ولو احتاج هذا إلى محدث لزم أحد أمرين يمنعهما العقل السليم وهما الدور والتسلسل بأن يكون كل واحد منهما أحدث صاحبه أو كل محدث له محدث إلى غير نهاية ومعلوم أن ما لا ينتهي لا يدخل في الوجود وكلا الغرضين باطل فما أدى إليهما وهو احتياجه إلى محدث باطل وما ترتب عليه وهو الحدوث في حقه تعالى باطل فثبت ضد الحدوث وهو القدم فهو المطلوب"هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"الحديد:آية 3
وعن عمران بن حصين رضى الله عنه قال:" إني عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال اقبلوا البُشرَي يا بني تميم فقالوا بشرتنا فاعطنا فدخل ناس من أهل اليمن فقال " اقبلوا البُشرَي يا أهل اليمـن إذ لم يقبلها بنو تميم " قالوا : قبلنا .جئناك لنتفقه فى الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض وكتب فى الذكر كل شيء " أخرجه البخارى ومسلم وفى رواية لأحمد : فاخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان قال: كان الله قبل كل شيء وكان عرشه على الماء وكتب فى اللوح المحفوظ ذكر كل شيء. قال الحافظ ابن كثير: وهذا الحديث مخرج فى صحيح البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة فمنها قالوا جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال: كان الله ولم يكن شيء قبله وفى رواية غيره وفى رواية معه وكان عرشه على الماء وكتب فى الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض
3- البقاء – يجب وصف البقاء لله تعالى ومعناه أنه تعالى دائم الوجود بلا انتهاء لا يفنى ولايبيد موصوف بصفاته كلها فى الأزل وهو كذلك لا يزال عليها إلى الأبد وإذا حققنا النظر في معنى هذه الصفة علمنا أنها تعنى ان الله تبارك وتعالى لا يحكمه الزمان ولا المكان ولا تحويه الجهات، إذ كلها حادثة لزوالها أو حدوث وجودها فيما لا يزال قال تعالى:"وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" الرحمن:آية 25 أي ويبقى ذات ربك وقال تعالى:"كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"القصص:آية 88 ولذلك يقال كل مـن ثبت قدمه استحال عدمه فهو الأزلي القديم بلا بداية والأبدي الباقي بلا نهاية، قال تعالى:"هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"الحديد: آية 3، وقال الحليمى وهذا أيضاً يعنى الباقي من أسماء الله الحسنى – من لوازم قوله قديم لأنه إذا كان موجوداً لا عن أول ولا بسبب لم يجز عليه الانقضاء والعدم فإن كل مُنْقَضٍ بعد وجوده فإنما يكون انقضاؤه لإنقطاع سبب وجـوده فلما لم يكن لوجود القديم سبب فيتوهم ان ذلك السبب إن ارتفع عدم علمنا أنه لا انقضاء له أهـ ذكره البيهقى فى الأسماء والصفات.
ثم قال وفى معنى الباقي الدائم قال قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه الدائم الموجود لم يزل الموصوف بالبقاء الذي لا يستولى عليه الفناء قال وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما وذلك أن بقاءه أبدى أزلي وبقاء الجنة والنار أبدى غير أزلي وصفة الأزل ما لم يزل وصفة الأبد مالا يزال والجنة والنار مخلوقتان كائنتان بعد أن لم تكونا فهذا فرق ما بين الأمرين والله اعلم كتاب الأسماء والصفات (ص11-12 )
4- المخالفة: يجب اعتقاد وصف المخالفة لله تعالى ومعنى ذلك أن ذاته تعالى مخالفة لذوات المخلوقات وصفاته مخالفة لصفات المخلوقات وفعله مخالف لأفعال المخلوقات فهو كما قال فى كتابه العزيز:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" الشورى:آية 9 ومن هنا ندرك أن معنى مخالفته تعالى للحوادث أنه لا يماثله شيء مطلقاً لا فى الذات ولا فى الصفات ولا فى الأفعال، وذلك لأنه لو ماثل شيئاً منها لكان حادثاً مثلها والحدوث مستحيل في حق الخالق عز وجل قال تعالى:"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" الإخلاص وقال:"هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّ"مريم:آية 65. قال العلامة محمد بن أحمد بن محمد المالكى الشهير بميارة فى شرحه الكبير فأول هذه الآية تنزيه وآخرها إثبات فصدرها يرد على المجسمة وإضرابهم وعجزها يرد على المعطلة النافين لجميع الصفات انتهى (ج1 ص 23 )
قلت: واستعمال هذا الاصطلاح ليس فيه شئ مخالف لما عليه السلف وليس المراد إثبات وصف غير توقيفي له عزّ وجلّ وإنما مرادهم من ذلك هو عدم المماثلة المفهوم من قوله تعالى:"ليسَ كمثلهِ شئ" فافهم. وهذا الاصطلاح مما درج عليه المتأخرون من أهل السنة. ومنه قولهم كل ما خطر ببالك فالله تعالى بخلاف ذلك. وهو كلام صحيح لأن الذي يتصوره الإنسان هو منتزع من صور ذهنية كونية متخيلة وهى تعكس صور الكائنات والمحدثات. والسلف يعلمون أن الناس لا يدركون كنه صفات الحق وإنما يؤمنون بها. فافهم0
5- القيام بالنفس- يجب اعتقاد صفة قيامه تعالى بنفسه ومعنى ذلك أنه تعالى موجود بلا موجد وغنى عن كل ما سواه ،وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص ، لقوله تعالى:"اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"البقرة:آية 255 ولقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" فاطر:آية 15 وقوله تعالى:"وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ " محمد:آية 38 ولأنه تعالى لو احتـاج إلى شيء لكان حادثاً وحدوثه محال فاحتياجه محال ومن هنا قال العلامة الحليمى: في معنى الغنى إنه الكامل بما له وعنده فلا يحتاج معه إلى غيره وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة لأن الحاجة نقص والمحتاج عاجز عما يحتاج إليه إلى أن يبلغـه ويـدركه وللمحتاج إليه فضل بوجود ما ليس عند المحتاج فالنقص منفى عن القديم بكل حال والعجز غير جائز عليه ولا يمكن أن يكون لأحد عليه فضل إذ كل شيء سواه خلق له وبدع أبدعه لا يملك من أمره شيئا وإنما يكون كما يريد الله عز وجل ويدبره فلا يتوهم أن يكون له مع هذا اتساع لفضل عليه أهـ ( ص 36 )كتاب الأسماء والصفات. وذكر قبله حديث عائشة في الاستسقاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي قَال فيهَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، أهـ
قلت: فالقيام بالنفس هو غناه تعالى عن المحل والمخصص لذلك يستحيل أن يحتاج إلى مكان يؤويه أو زمان يحويه أو سماء تظله أو أرض تقله كان الله ولا شيء غيره أو قبله أو معه، فهو الواحد القهار كما صحت بذلك
6-الوحدانية – ويجب اعتقاد الوحدانية في حق الله تعالى وهى في الذات والصفات والأفعال، ومعناها أن ذاته تعالى ليست مركبة وليس لغيره ذات تشبه أو تماثل ذاته وأنه ليس له صفتان من جنس واحد كقدرتين وإرادتين وعلمين وليس لغيره صفة كصفته، وأن الأفعال كلها خيرها وشرها اختياريها واضطراريها مخلوقة له تعالى وحده بلا شريك ولا معين على وجه الاختراع والإبداع قال الله تعـالى:"وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"البقرة: آية 163 وقال:" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" الأنبياء:آية 22 وقال:"وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ"الصافات:آية 96 وقال:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" فاطر:آية 3 وقال تعالى:"يقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" الإخلاص:آية 1-4.
قلت: إن الوحدانية صفة تؤكد الوحدة الذاتية لله تبارك وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله وأنه لا يشاركه في معنى أسمائه شيء وتؤكد معنى قيوميته الدالة على غناه المطلق عن الاحتياج إلى شيء من مخلوقاته فهو غنى عن الجسم والتركيب وعن المكان والتحيز وعن الجهة والإشارة إليه بالحِسِّ وما يتعلق به فهو الواحد الأحد الفرد الصمد ولتأكيد هذا المعنى واضحا في ذهن القارئ يجب أن نصحب "الإمام فخر الدين الرازي فى كتابه أساس التقديس" عند كلامه في الرد على القائلين بأنه تعالى جسم.
قال: بعد كلام يؤكد فيه أن دين عبادة الأصنام كالفرع عن مذهب المشبهة مع أن كثيراً من هؤلاء المشبهة يمنع من جواز الحركة والسكون ويقول أما الكرامية فهم لا يقولون بالأعضاء والجوارح بل يقولون إنه مختص بما فوق العرش قال: ثم إن هذا المذهب يحتمل وجوهاً ثلاثة فإنه تعالى إما أن يقال إنه ملاق للعرش وإما أن يقال أنه مباين عنه ببعد متناه وإما أن يقال أنه مباين عنه ببعد غير متناه وذهب إلى كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة طائفة من الكرامية واختلفوا في أنه تعالى مختص بتلك الجهات لذاته أو لمعنى قديم بينهم اختلاف في ذلك.
قلت: وسيأتي الكلام في نفى الجهة ونفى التجسيم وسائر لوازم الجسمية في المكان المخصص لذلك ثم أخذ الشيخ في إبطال مزاعم من لا يوحد الله تبارك وتعالى التوحيد الحقيقي مثل الكرامية ومن سار على دربهم من المجسمة، فقال مستنبطا كل ذلك من سورة الإخلاص اعلم أنه قد اشتهر في التفسير: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سئل عن ماهية ربه، وعن نعته وصفته؟ فانتظر الجواب من الله تعالى فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه السورة إذا عرفت هذا فنقول: هذه السورة يجب أن تكون من المحكمات، لا من المتشابهات. لأنه تعالى جعلها جواباً عن سؤال السائل وأنزلها عند الحاجة، وذلك يقتضى كونها من المحكمات لا من المتشابهات. وإذا ثبت هذا، وجب الجزم بأن كل مذهب يخالف هذه السورة يكون باطلا فنقول: إن قوله تعالى :" أَحَدٌ" يدل على نفى الجسمية، ونفى الحيز والجهة أما دلالته على أنه تعالى ليس بجسم، فذلك لأن الجسم أقله أن يكون مركبا من جوهرين، وذلك ينافى الوحدة ( ولما كان ) قوله " أَحَدٌ" : مبالغة في الواحدية، كان قوله " أَحَدٌ" منافيا للجسمية.
وأمـا دلالته على أنه ليس بجوهر فنقول: أما الذين ينكرون الجوهر الفرد ( فإنهم ) يقولون: إن كل متحيز، فلابد وأن يتميز أحد جانبيه عن الثاني وذلك لأنه لابد من أن يتميز يمينه عن يساره، وقدامه عن خلفه، وفوقه عن تحته وكل ما يتميز فيه شيء عن شيء، فهو منقسم، لأن يمينه موصوف بأنه يمين لا يسار، ويساره موصوف بأنه يسار لا يمين، فلو كان يمينه عين يساره، لأجتمع في الشيء الواحد: أنه يمين، وليس بيمين ويسار، وليس بيسار فيلزم اجتماع النفي والإثبات في الشيء الواحد، وهو محال، قالوا : فثبت: أن كل متحيز فهو منقسم، وثبت: أن كل منقسم فهو ليس بأحد، ولما كان الله سبحانه وتعالى موصوفاً بأنه أحد، وجب أن لا يكون متحيزاً أصلا، وذلك ينفى كونه
وأما الذين يثبتون الجوهر الفرد، فإنه لا يمكنهم الاستدلال على نفى كونه تعالى جوهرا من هذا الاعتبار، ويمكنهم أن يحتجوا بهذه الآية على نفى كونه جوهرا، من وجه آخر وبيانه: وهو أن الأحد كما يراد به نفى التركيب والتأليف في الذات، فقد يراد به أيضاً: نفى الضد والند فلو كان تعالى جوهرا فردا، لكان كل جوهر فرد: مثلا له. وذلك ينفي كونه أحدا، ثم أكدوا هذا الوجه بقوله تعالى:"وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" ولو كان جوهرا، لكان كـل جوهر فرد: كفوا له فدلت هذه السورة من الوجه الذى قررناه: على أنه تعالى ليس بجسم ، ولا بجوهر وإذا ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر،وجب أن لا يكون فى شىء من الأحياز والجهات لأن كل ما كان مختصا بحيز وجهة ، فإن كان منقسما كان جسما – وقد بينا إبطال ذلك- وإن لم يكن منقسما ، كان جوهرا وفردا – وقد بينا أنه باطل – ولما بطل القسمان ، ثبت: أنه يمتنع أن يكون فى جهة أصلا، فثبت أن قوله تعالى " أحد " يدل دلالة قطعية على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر، ولا في حيز وجهة أصلا
واعلم: أنه تعالى، كما نص على أنه تعالى واحد فقد نص أيضا على البرهان الذي لأجله يجب الحكم بأنه أحد وذلك أنه قال :"هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" وكونه إلها يقتضى كونه غنياً عما سواه وكل مركب فإنه مفتقر إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكونه إلها يمنع من كونه مفتقرا إلى غيره وذلك يوجب القطع بكونه أحدا وكونه أحدا يوجب القطع بأنه ليس بجسم ولا جوهر ولا في حيز وجهة، فثبت أن قوله تعالى:"قلهُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" برهان قاطع على ثبوت هذه الصفة
وأما قوله سبحانه وتعالى:"اللَّهُ الصَّمَدُ" فالصمد هو السيد المصمود إليه فى الحوائج، وذلك يدل على أنه ليس بجسم وعلى أنه غير مختـص بالحيز
أما بيان دلالته على نفي الجسمية فمن وجوه :
الأول: أن كل جسم فهو مركب، وكل مركب فهو محتاج إلى كل واحد من أجزائه، وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو محتاج إلى غيره، والمحتاج إلى الغير لا يكون غنيا محتاجا إليه فلم يكن صمدا مطلقا.ً
الثاني: لو كان مركبا من الجوارح والأعضاء لاحتاج في الإبصار إلى العين وفى الفعل إلى اليد، وفى المشي إلى الرجل وذلك ينافى كونه صمدا مطلقاً.
الثالث: إنا نقيم الدلالة على أن الأجسام متماثلة والأشياء المتماثلة يجب اشتراكها في اللوازم فلو احتاج بعض الأجسام إلى بعض، لزم كون الكل محتاجا إلى ذلك الجسم، ولزم أيضا كونه محتاجا (ذلك الجسم ولزم أيضا كونه محتاجا) إلى نفسه وكل ذلك محال، ولما كان ذلك محالا، وجب أن لا يحتاج إلى شيء من الأجسام ولو كان كذلك لم يكن صمدا
وأما بيان دلالته على أنه تعالى منزه عن الحيز والجهة: فهو أنه سبحانه وتعالى لو كان مختصا بالحيز والجهة، لكان إما أن يكون حصوله في الحيز المعين واجبا أو جائزا، فإن كان واجبا فحينئذ يكون ذاته تعالى مفتقرا في الوجود والتحقق إلى ذلك الحيز المعين وذلك الحيز المعين، يكون غنيا عن ذاته المخصوص، لأنا لو فرضنا عدم حصول ذات الله تعالى في ذلك الحيز المعين، لم يبطل ذلك الحيز أصلا وعلى هذا التقدير يكون تعالى محتاجا إلى ذلك الحيز، فلا يكون صمدا على الإطلاق وأما إن كان حصوله في الحيز المعين جائزا لا واجبا، فحينئذ يفتقر إلى مخصص يخصصه بالحيز المعين وذلك يوجب كونه محتاجا، وينافى كونه
وأما قوله تعالى:"وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" فهذا أيضا يدل على أنه ليس بجسم ولا جوهر، لأنا سنقيم الدلالة على أن الجواهر متماثلة فلو كان تعالى جوهراً لكان مثلا لجميع الجواهر فكان كل واحد من الجواهر كفؤا له، ولو كان جسما لكان مؤلفا من الجواهر لأن الجسم يكون كذلك وحينئذ يعود الإلزام المذكور فثبت: أن هذه السورة من أظهر الدلائل على أنه تعالى ليس بجسم ولا بجوهر، ولا حاصل في مكان وحيز انتهى (ص30-34 )
قلت: فإذا انتفت كل هذه الأمور تحققت الوحدة وتحقق بطلان جميع الكموم في الذات والصفات والأفعال وهذا هو المطلوب، وسيأتي مزيد بيان هذا في محله إن شاء الله.
نفي الكموم المتصلة والمنفصلة في حق الله تعالى
إن معنى الوحدانية كما رأيت يرجع إلى أن البارئ جلّ وعلا لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فتكون أوجه الوحدانية عند أهل السنة ثلاثة: وحدانية الذات، ووحدانية الصفات، ووحدانية الأفعال.
فوحدانية الذات تنفى التركيب في ذاته تعالى وهو الكم المتصل في الذات وتنفى وجود ذات أخرى تماثل الذات العلية فتنفى التعدد في حقيقتها- وهو الكم المنفصل في الذات وبذلك نـدرك أن معـنى الكم المتصل هو التركيب في الذات ومعنى الكم المنفصل هو تعدد الذات.
ووحدانية الصفات تنفى التعدد في حقيقة كل واحدة منها متصلا كان - وهو الكم المتصل - أو منفصلا - وهو الكم المنفصل في الصفات فعلم مولانا جلّ وعز ليس له ثانٍ يماثله لا متصلا أي منسوباً إلى الحق تعالى قائما بالذات العلية ولا منفصلا أي منسوباً إلى الغير قائما بذات أخرى بل هو تعالى يعلم المعلومات التي لا نهاية لها بعلم واحد لا عدد له ولا ثانٍ له أصلا وقس على هذا سائر صفات مولانا عز وجل
ووحدانية الأفعال تنفى أن يكون، ثم اختراع لكل ما سوى مولانا جل وعز في فعل من الأفعال وهو الكم المنفصل في الأفعال، بل مولانا جل وعز هو المنفرد باختراع جميع الكائنات بلا واسطة، وحاصل وحدانية الأفعال نفى نظير له تعالى في إلوهيته ونفى شريك معه في جميع الممكنات فلا مؤثر في جميعها سواه، ولذلك جاء في الحديث عن زيد بن خالد الجهني قال :"صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:" هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:" قال: أصبح من عبادي مؤمن بى وكافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" رواه مسلم وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي فقوله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ظاهره أنه كفر حقيقي لأنه قابل به الإيمان الحقيقي كما قال الإمام القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم عند هذا الحديث ظاهره أنه الكفر الحقيقي لأنه قابل به المؤمن الحقيقي، فيحمل على من اعتقد أن المطر من فعل الكواكب وخلقها، لا من فعل الله تعالى، كما يعتقده بعض جهال المنجمين والطبائعيين فأما من اعتقد أن الله تعالى هو الذي خلق المطر واخترعه، ثم تكلم بذلك القول فليس بكافر، ولكنه مخطئ من وجهين:
أحدهما: أنه خالف الشرع فإنه قد حذر من ذلك على الاطلاق
وثانيهما: أنه قد تشبه بأهل الكفر في قولهم، وذلك لا يجوز، لأنا قد أمرنا بمخالفتهم، فقال:"خالفوا المشركين "و"خالفوا اليهود" ونهينا عن التشبه بهم، وذلك يقتضى الأمر بمخالفتهم في الأفعال والأقوال على ما يأتي إن شاء الله تعالى، ولأن الله تعـالى قـد منعنا من التشبه بهم فى النطق بقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَ"البقرة:آية 104 لما كان اليهود يقولون تلك الكلمة للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقصدون ترعينه، منعنا الله من إطلاقها وقولها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وإن قصدنا بها الخير، سداً للذريعة، ومنعاً من التشبه بهم، فلو قال غير هذا اللفظ الممنوع يريد به الإخبار عما أجرى الله به سنته جاز كما قال عليه الصلاة والسلام :" إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة "0
( وقوله):" فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب" أي: مصدق بأن المطر خلقه لا خلق الكوكب، أرحم به عبادي وأتفضل عليهم به، كما قال:"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ"الشورى:آية 28 والنوء لغةً النهوض بثقل، يقال: ناء بكذا، إذا نهض به متثاقلاً، ومنه:"لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَة"القصص:آية 76 أي: لتثقلهم عند النهوض بها، وكانت العرب إذا طلع نجم من المشرق، وسقط آخر من المغرب، فحدث عند ذلك مطر أو ريح، فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب الساقط، نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث فنهى الشرعُ عن إطلاق ذلك لئلا يعتقد أحد اعتقادهم، ولا يتشبه بهم في نطقهم، والله أعلم. انتهى (ج1 ص 259-260 ) المفهم 0
قلت: وحديث: إذا أنشأت بحرية…الخ هو واحد من أحاديث الموطأ الأربعة التي لم يسندها مالك ولم توجد مسندة. وادعى المحدث الشيخ صالح الفلانى أنه عثر لها على أصل مسند مرفوع ذكر ذلك عنه الشيخ العلامة محمد بن جعفر الكتانى فى الرسالة المستطرفة والحديث أخرجه من غير طريق مالك أبو الشيخ في العظمة قال: حدثنا أحمد بن عمير حدثنا عبد الله بن عبيد حدثنا محمد بن يحيى الأزدى حدثنا محمد بن عمر حدثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة سمعت عوف بن الحارث يقول سمعت عائشة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول:" إذا أنشأت السماء بحرية ثم تشاءمت فتلك عين أو عام غديقة يعنى مطراً كثيراً " الحديث بهذا الإسناد ضعيف فى سنده الواقدي محمد بن عمر بن واقد وهو متروك وعليك بمراجعة ترجمته فى الميزان ( ج3/662 – 666 /7993 ) وقال الذهبي هناك: استقر الإجماع على وهن الواقدي 0
وليست الوحدة الثابتة لذاته تعالى بمعنى تناهيه في الدقة والصغر إلى حد لا ينقسم وإلا لزم أن يكون جوهراً فرداً ولا بمعنى أنه معنى من المعاني لأن المعاني لا تقبل الانقسام وإلا لزم أن يكون صفة غير قائم بنفسه وذلك محال . أهـ ميارة (ج1 ص 23 ) بتصرف0
قال تعالى:"بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ "الأنعام: آية 102 - 105 0
7– القدرة: ويجب الإيمان بوجوب القدرة في حق الله عزّ وجلّ وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى يتأتى بها إيجاد كل ممكن وإعدامه، لقوله تعالى:"فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" الروم:آية50. وقوله تعالى:"وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرً" الكهف: آية 45. وقال تعالى:"إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " الذاريات:آية 58 ولأنه لو لم يكن قادراً لكان عاجزاً، وعجزه محال، كيف وهو خالق كل شيء ؟
ويعلم من مذهب أهل السنة كما نبه عليه العلامة السبكى: أن الإرادة والقدرة يتعلقان بكل ممكن من أفعالنا الاختيارية وما له سبب كالإحراق عند مماسة النار. وما لا سبب له كخلق السماء. وتعلق القدرة فرع تعلق الإرادة الذي هو فرع تعلق العلم إذ لا يوجد الله تعالى شيئاً ولا يعدمـه إلا إذا أراد وجـوده أو إعدامه وقد سبق في علمه أنه يكون أو لا يكون0
8– الإرادة: ويجب الإيمان بوجوب الإرادة لله عز وجل وهى صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه كوجود المخلوق في زمن دون غيره وفى مكان دون آخر وعلى صفة أو هيئة دون غيرها وهكذا، لقوله تعالى:"وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ" القصص:آية 68 وقوله تعالى:"لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ" الشورى:آية 49 وقوله تعالى:"فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ" البروج:آية 16 وقوله تعالى:"فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَم" الأنعام:آية 25 وقوله تعالى:"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " البقرة:آية 185 0
9- العلم: ويجب الإيمان بوجوب العلم في حق الله عزّ وجلّ وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تحيط بكل موجود واجباً كان أو جائزاً، وبكل معدوم: مستحيلا كان أو ممكناً، فهو تعالى يعلم وجود ذاته وصفاته وأنها قديمة لا تقبل العدم. ويعلم أنه لا شريك له، وأن وجود الشريك محال. ويعلم جواز حدوث الممكن وعدمه. ويعلم في الأزل عدد من يدخل الجنة ومن يدخل النار جملة واحدة فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه. ويعلم أفعالهم وكل ما يكون منهم. ويعلم أنه عالم بكل الأمور لا تخفى عليه خافية فهو يعلم الجزئيات والكليات وأنه يتصف بذلك العلم اتصافا ذاتيا غير مستفاد من المعلومات خلافا للمعتزلة وبعض الفلاسفة قال تعالى:"أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الملك:آية 14 وقال:"إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمً" طه:آية 98 وقال:"لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمً" الطلاق :آية 12وقال:"يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ"البقرة:آية 255 وقال:"هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ" الحشر:آية 22 وقال:"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"غافر:آية 19 وقال:"إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" الأنفال:آية 75 وقال تعالى:"عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" التغابن آية 18 0
وعن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:"خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسلم وفى يده كتابان، فقال" أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى"هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا، وقال للذي في شماله هـذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسمـاء آبـائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد منهم ولا ينقص منهم أبدا. فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان الأمر قد فرغ منه؟ قـال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، ثم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسلم{بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير" أخرجه أحمد والنسائى والترمذى وقال حديث حسن غريب صحيح0
ولأنـه تعالى لو لم يكن عالما لكان جاهلا، ولو كان جاهلا لكان حادثاً، ولو كان حادثا لما وجد شيء من هذه المخلوقات على هذه الدقة المتناهية، إذن حدوثـه محال فالجهل عليه تعالى محال قال تعالى:"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" الملك:آية 2-4 0
هذا، وعلم الله تعـالى ليس كسبيا كما قدمنا ولا يوصف بكونه ضرورياً أو نظريا أو بديهياً أو يقينيا أو تصورياً أو تصديقياً، لأنه صفة قديمة لا تعدد فيها ولا تكثر0
10- الحياة: ويجب الإيمان بوجوب الحياة في حق الله عزّ وجلّ وهى صفة قديمـة قائمـة بالـذات العلية تصحح لموصوفها الاتصاف بالعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر، وما إلى ذلك من الصفات اللائقة به تعالى (وحياته) ليست بروح ودليلها قوله:"الله لا إلَه إلا هُو الحَيُّ القَيّومُ"طه:آية 111 وقوله:"وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " الفرقان :آية 58 فهو حي قبل كل حي وحي بعد كل ميت وحي لم يرث الحياة من حي وهو القائم بكل موجود من فيض الكرم والجود0
11- السمع: ويجب الإيمان بوجوب السمع في حق الله عزّ وجلّ وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تتعلق أى تحيط بكل موجود واجباً أو ممكناً صوتاً أو لوناً أو ذاتاً أوغيرها، فهو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء بلا أذن ولا صماخ فهو يسمع بلا آلات كما أنه يتكلم بلا آلات خلافا للمشبهة المجسمة الجهوية قال تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" الشورى:آية 11 0
12- البصر: ويجب الإيمان بوجوب البصر في حق الله عزّ وجلّ وهو صفة وجودية قديمة قائمة بالذات العلية تتعلق أي تحيط بكل موجود – واجباً أو جائزاً جسما أو لوناً أو صوتاً أو غيرها بلا حدقة – إحاطة غير إحاطة العلم والسمع والدليل على أنه تعالى سميع بصير قوله تعالى:"فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"غافر:آية56 وقوله:"إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" الحج:آية 57 وآية 28 لقمان 0 لأنه تعالى لو لم يكن سميعاً بصيراً لكان أصم أعمى وهو نقص تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً0
13- الكلام: ويجب الإيمان بوجوب الكلام فى حق الله عزّ وجلّ وهو صفة وجودية قديمة قائمة بذاته تعالى تدل على كل موجود واجباً أو جائزاً،وعلى كل معدوم محالا أو جائزاً. وليس كلامه تعالى بحرف ولا صوت ولا يوصف بجهر ولا سر ولا تقديم ولا تأخير ولا وقف ولا سكوت ولا وصل ولا فصل، لأن هـذا كله من صفات الحوادث، وهى محالة عليه تعالى هكذا يقول بعض علماء الكلام ودليله قوله تعالى:"وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمً"النساء:آية 164، ولأنه تعالى لو كان غير متكلم لكان أبكم، والبكم نقص محال في حقه تعالى. والقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وباقي الكتب المنزلة، تدل على بعض ما يدل عليه الكلام القديم. وقال أهل السنة إن الكلام صفة قائمة بذات الله كما قلنا فهـو تعالى متكلم آمر ناهٍ واعد متوعد فقد أجمعوا على أن كلامه أمر ونهى وخبر وخطاب وهذا بحسب المتعلق فإن تعلق بتحصيل الفعل فأمر أو بالكف عنه فنهى وبوقوع النسبة أو لا وقوعها فخبر وأما النداء والوعد والوعيد فالكل راجع إما إلى الخبر أو إلى الطلب وعلى أنه تعالى لا يوصف بأنه ناطق وكلامه أزلي قديم قائم بذاته لا يشبه كلام الخلق لأن كلام الخلق كله عرض وكلام الله تعالى لا يوصف كما تقدم بجسم ولا عرض فليس هو بصوت يحدث من بين انسلال هواء أو اصطكاك اجرام ولا بحرف يتقطع بإطباق شفة أو تحرك لسان فكل ذلك من صفات كلام الخلق قال أبو الحسن الأشعري: الكلام كله ليس من جنس الحروف ولا من جنس الأصوات بل الحروف والأصوات على وجه مخصوص دلالات على الكلام القائم بنفس المتكلم، وقال عبد الله بن سعيد وأبو العباس القلانسى وأصحابهما وهم من قدماء الأشاعرة ان كلام المخلوق حروف وأصوات لأنه تكون لها مخارج الحروف والأصوات وكـلام الله ليس بحروف ولا أصوات لانه غير موصوف بمخارج الحروف والأصوات وإذا قرأ القارئ منا كلام الله تعالى فقراءته حرف وصوت ومقرؤه ليس بحروف ولا أصوات وهذا القول هو اختيار أكثر أصحاب الحديث قال أبو المنصور البغدادي: وبه نقول، وقال الامام أبو المعالى: مذهب أهل الحق جواز سماع ما ليس بحرف ولا صوت أى فهو منزه عن جميع ما تقدم لانه قديم والقديم لا يوصف بأوصاف الحوادث وكيفيته مجهولة لنا فكما لا نحيط بذاته وبجميع حقائق صفاته فليس لأحد أن يخوض فى الكنه بعد معرفته لذاته تعالى وصفاته.
وأن القرآن والتوارة والانجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله أى الحروف {المكتوبة فى هذه الكتب} إنما هى عبارة عنه والعبارة غير المعبر عنه فلذلك اختلفت باختلاف الألسنة وإذا عبرت عن تلك الصفة القائمة بذاته تعالى بالعربية فقرآن وبالعبرانية فتوارة وبالسريانية فانجيل وزبور والاختلاف فى العبارات دون المسمى فحروف القرآن حادثة والمعبر عنه بها هو المعنى القائم بذات الله تعالى قديم فالتلاوة والقراءة والكتابة حادثة والمتلو والمقروء والمكتوب قديم أى ما دلت عليه الكتابة والقراءة والتلاوة كما إذا ذكر الله بألسنة متعددة ولغات مختلفة فإن الذكر حادث والمذكور وهو رب العباد قديم0
وأن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وأنه مسموع بالآذان مقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف محفوظ في القلوب والصدور وأنه مع ذلك قديم لا يوصف بالحدوث والخلق قائما بذات الله تعالى لاتفاقهم على ذلك وهذا كله حق واجب الإيمان به بأن القرآن يقال عليه الكلام فيقال - ذلك - على المعنى القائم بذاته عز شأنه المعبر عنه باللسان العربي المبين ومعنى الإضافة في قولنا كلام الله تعالى إضافة الصفة إلى الموصوف كعلم الله والقرآن بهذا المعنى قديم قطعا لا يقبل الانفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب والأوراق، كما لا يقبل العدم ولا ما فى معناه من السكوت ولا التجديد ولا البعض ولا الكل ولا التقديم ولا التأخير ولا اللحن ولا الأعراب ولا سائر التغيرات وان موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما تقدم في كلام أبى المعالى ان مذهب أهل الحق جواز سماع ما ليس بحرف ولا صوت. انتهى الإتحاف (ج2 ص30 -31 ) بتصرف 0 قـال تعالى:"قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدً"الكهف : آية 109 وقال:"وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ"لقمان:آية 27.
وله تعالى صفات غير ذلك كالجلال والجمال والعزة والعظمة والكبرياء والقوة وهى غير القدرة، وكذلك له صفات داخلة في المتشابهات وذالك مثل الوجه والنفس والعين واليد والأصابع والقدم والمحبة والرضا والفرح والضحك والتبشبش والغضب والكراهة والعجب والمكر ونحو ذلك مما ورد في الكتاب والسنة، فيجب الإيمان به بلا كيف ونفوض معرفة ذلك وتفصيله إلى الله تعالى، وهذا مذهب السلف في المتشابهات وبه نقول هذا ما يلزم اعتقاده ومعرفته تفصيلا من واجبات الصفات 0
وأما ما يجب معرفته إجمالا فهو أن يعتقد المكلف أن الله تعالى متصف بكمالات موجودة تليق به تعالى لا نهاية لها يعلمها الله تعالى تفصيلا ويعلم أنها لا نهاية لها، لأنه لو انتفى عنه تعالى شيء من الكمال الذي يليق به لكان ناقصاً والنقص مستحيل في حقه لاستلزامه الحدوث المستحيل عليه تعالى0
واعلم أن الصفات تقسم إلى أربعة أقسام: واحدة نفسية وخمس سلبية وسبع معاني وسبع معنوية، واعلم أن الوجود صفة نفسية ثبوتية بمعنى أن مدلولها ليس سلباً لما يستحيل في حقه تعالى فهي تدل على نفس الذات لا على شئ زائد عليها ككون الجوهر جوهراً وذاتاً وشيئاً وموجوداً ومن هنا قال الإمام الأشعري وجود الشئ عينه.
والقسم الثانى من الصفات: هى الصفات السلبية وهى كل صفة مدلولها عدم أمر لا يليق به سبحانه وتعالى ولا تنحصر في عدد معين ولكن أمهاتها خمس وهى التي جاءت بعد الوجود مرتبة، أعنى القدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والوحدانية.
والقسم الثالث من الصفات: هي صفات المعاني وهى عبارة عن كل صفة قائمة بموصوف موجبة له حكماً. أو تقول مستلزمة له وهى السبع التالية: القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام. والقدرة والإرادة تتعلقان بجميع الممكنات الأولى شأنها إيجاد كل ممكن وإعدامه ولا تتعلق بالواجب ولا بالمستحيل، والثانية شأنها تخصيص كل ممكن ببعض ما يجوز عليه وهى مغـايرة للأمـر النفسي واللفظي وهى مغايرة للرضـا والعلم0
وأما العلم فمتعلقه جميع المعلومات فهي صفة تنكشف بها المعلومات عند تعلقها بها، فهو تعالى يعلم ذاته وصفاته وأفعاله كلها ويعلم الكليات والجزئيات وليس علم الله بمكتسب واعتقاد ذلك ردة أعاذنا الله منها.
وأما الحياة فهي صفة تتعلق بالذات ولا بشئ غيره وهى المصححة للاتصاف بالعلم والقدرة والإرادة وسائر الصفات0
وأما صفة السمع فتتعلق بجميع المسموعات أو بجميع الموجودات فتدرك إدراكاً تاماً لا على طريق التخيل والتوهم ولا على طريق تأثر حاسة ووصول هواء0
وأما البصر فيتعلق بجميع المبصرات أو بالموجودات فتدرك إدراكاً تاماً لا على طريق التخيل والتوهم ولا على طريق تأثر حاسة ووصول شعاع0
وأما الكلام فله تعلق دلالة تنجيزى قديم. وتقدم الكلام عليه بما أغنى، ولكل من القدرة والإرادة تعلقان صلوحى فى الأزل وتنجيزى فيما لا يزال0
وأما القسم الرابع فالصفات المعنوية وهى نتائج صفات المعاني التي تقدمت تفرعت عنها فحيث وجبت له القدرة فهو قادر وحيث وجبت له الإرادة فهو مريد وهكذا وجبت صفات المعاني وهي كونه تعالى قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً.
يستحيل في حقه تعالى بالأدلة التفصيلية السابقة ثلاث عشرة صفة مقابلة للصفات الواجبة له تعالى على ترتيبها المتقدم وهى العدم والحدوث "وهو الوجود بعد عدم" والفناء، ومماثلته تعالى للحوادث "في الذات" بأن يكون جسما مركباً أو حالاً في مكان أو مخصوصاً بزمان أو موصوفا بالكبر أو بالصغر أو يكون له شبيه "وفى الصفات" بأن تكون حياته كحياة الحوادث وعلمه كعلمهم وهكذا "وفى الأفعال" بألا يكون مؤثراً في شيء، وإنما له مجرد الكسب. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فهو لا يماثل موجوداً ولا يماثله موجود،ولا يحده مقدار ولا تحويه أقـطار،لقوله تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ".
(ومن المستحيل) في حقه تعالى احتياجه لموجد أو لذات يقوم بها مثل احتياج الجوهر والعرض. ومن المستحيل التعدد " في الذات " بأن يكون مركبا يقبل الانقسام أو يكون هناك ذات كذاته "وكذلك يستحيل في الصفات" أن يكون له صفتان من جنس واحد كقدرتين وعلمين، أو يكون لغيره صفة كصفته "وأما في الأفعال" فبأن يكون لغيره تأثير في شيء من الأشياء بطبعه أو بقوة مودعة فيه. فليست النار محرقة بطبعها ولا بقوة خلقت فيها. وإنما الخالق للإحراق هو الله تعالى عند خلقه النار وعند مماستها لقابل الاشتعال. ولو شاء خلق النار دون خاصية الإحراق لفعل. كما حصل لخليله سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين القاه الكفار فى النار فصارت برداً وسلاما عليه. وكذلك الماء ليس مرويا بطبعه ولا بقوة خلقت فيه وإنما الخالق للري الله تعالى عند شرب الماء. وليس الملبوس ساتراً وواقيا من البرد أو الحر بنفسه ولا بقوة خلقت فيه. بل الخالق لما ذكر هو الله تعالى عند لبس الثياب فالكل يحدث المعتاد عنده لا به وعلاقته به اقترانية محضة. فمن يعتقد تأثير سبب من الأسباب في مسببه بطبعه فهو كافر أو بقوة خلقها الله فيه فهو فاسق. ومن اعتقد عدم تأثيرها وأن الله هو المؤثر ولكن يستحيل خلق السبب بدون مسببه أو عكسه فهو مؤمن مبتدع يجهل تأثير القدرة الالهية فيخشى عليه إنكار معجزات الأنبياء فيكفر، أو إنكار كرامات الأولياء فيفسق وقد يكفر لثبوتها في القرآن. والاعتقاد الصحيح اعتقاد أن المؤثر في السبب والمسبب هو الله تعالى مع إمكان تخلف أحدهما عن الآخر خرقا للعادة وما يجرى على يد الفاسق من الخوارق إما اهانة أو استدارج باتفاق0
(ومن المستحيل) فى حقه تعالى الموت وما في معناه كالنوم والإغماء. قال الله تعالى:"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةولا نوم" البقرة:آية 225 0
(ومنه) الجهل وما في معناه كالظن والشك والوهم والغفلة والذهول والنسيان0
(ومنه) وجود شيء من الحوادث بلا إرادته تعالى بأن يكون بطريق الطبع أو العلة أو الصدفة أو الاتفاق . فلا يقع في الملك والملكوت قليل أو كثير صغير أو كبير خير أو شر إلا بقضائـه وقدره وبقدرته وإرادته وعلمه وقصده 0
(ومنه) العجز عن ممكن ما والصمم وما في معناه كسمعه الجهر دون السر، وكاختصاصه بالأصوات دون الذوات وسائر الموجودات0
(ومنه) العمى وما في معناه كالعشى – بفتحتين مقصوراً – وهو عدم الإبصار ليلا – والجهر – بفتحتين وهو عدم الإبصار نهاراً0
(ومنه) البكم وهو الخرس وما في معناه كالفهاهة والعى والسكوت، وكون كلامه تعالى بحروف وأصوات كما ذهب إلى ذلك المبتدعة المجسمة والجهوية ولقد دلت على استحالة هذه الأمور في حق الله تعالى الأدلة التفصيلية نقلية وعقلية، وهى أدلة الواجب التفصيلى ويجب على كل مكلف أن يعتقد بعد ذلك أن الله تعالى منزه عن كل نقص كما أنه متصف بكل كمال ومن النقائص حمل المتشابه على ظاهره أو المجازفة بتشبيه البارى بخلقه نصاً أو حتى لزوما0
أما الجائز حقه تعالى: ففعل كل ممكن أو تركه فهو متفضل بالخلق والاختراع والتكليف والإنعام والإمداد والإحسان لا عن وجوب ولا إيجاب فلا يجب عليه شيء مما ذكر، ولا يستحيل عليه تعالى فعل ما يضر عباده كما يلزمه ذلك بعض المعتزلة والمتفلسفين، بل يجوز أن يفعله بهم بطريق العدل، إذ للمالك أن يتصرف في ملكه بما يشاء كما يشاء، فهو الخالق للإيمان والطاعة والسعادة والعافية والغنى والمعرفة والطاقة أو الاستطاعة، وسائر النعم فضلا منه وإحسانا. وهو وحده لا شريك له الخالق للكفر والمعاصي والشقاء والأمـراض والفقر والجهل والعجز أوجد كل ذلك عدلا منه في ملكه، قال تعالى:"وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"البقرة:آية 105 .
وقال :"وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُِ"القصص:آية 68وقال:"فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ"البروج:آية 16 وقال:"وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"النحل:آية 93 وقال:"مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ"الأعراف:آية 186 وقال تعالى:"لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "الأنبياء:آية 23 فيجوز في حقه تعالى عقلا (تعذيب المطيع عدلا منه لأنه الخالق للطاعة مع تنزهه عـن الانتفـاع بهـا، وإنما ينتفع بها العبد الذي وفقه الله لكسبها (وإثابة) العاصي فضلا منه لأنه الخالق للمعصية مع تنزهه عن التضرر بها. وإنما يتضرر بها من خذله الله باكتسابها عدلا منه، قال تعالى:"وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدً" الكهف:آية 49 وقال:"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" فصلت:آية46 وقال:" وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌِ"البقرة:آية 284 وقال:"إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ"فاطر:آية 16-17 وقال تعالى:"وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" العنكبوت:آية 6 وهم الفقراء إليه وهو الغنى الحميد0
وفى الحديث القدسي عن أبى ذر الغفاري قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم" فيما يرويه عن ربه عز وجل أَنَّهُ قَالَ:(يَاعِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَاعِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَاعِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَاعِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَاعِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَاعِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَاعِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَاعِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَاعِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَاعِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) قَالَ سَعِيدٌ كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ " الحديث أخرجه مسلم فى الصحيح
(ومن الجائـز) رؤيته تعالى بالأبصار وغيرها خرقا للعادة بلا اتصال الأشعة به تعالى ولا كيفية ولا انحصار في جهة، قال الله تعالى:"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" القيامة:آية 22-23 0
(ومن الجائـز) إنزال الكتب وإرسال الرسل مبينين للناس ما نزل إليهم مبشرين لمن أطاع بالجنة والنعيم، ومنذرين لمن عصى بالنار والعذاب الأليم. قال تعالى:" نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ" آل عمران:آية 3-4 وقال:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنً"الكهف:آية 1-2. وقال:"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرً" الفرقان:آية 1 وقال:"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"النحل:آية 89 . وقال:"رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ" النساء:آية 165 0
هذا ومما تقدم تعلم أنه يجب على كل مكلف أن يعتقد أن الله متصف بصفات الجلال والكمال التي تليق بعظمته تعالى الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة وأنه تعالى منزه عن كل نقص وعن مشابهة الحوادث تعالى الله عن ذلك.
واعلم أن عقيدة السلف في التوحيد هي ما سقناه إليك وسيتضح ذلك بمراجعة مؤلفاتهم، وليس هناك تقسيم للتوحيد إلى توحيد ربوبية، وتوحيد إلوهية، وتوحيد أسماء وصفات، مع أن ذلك قد انتشر مؤخراً لمجرد مجاراة موضة تقليد ابن تيمية وأنصار السلفية المعاصرة، ولقد ابتدع ابن تيمية القول بالفرق في التوحيد بين توحيد الإلوهية والربوبية، والأسماء والصفات، ليتسنى له القول بأن خصومه وهم جمهور الأمـة الإسلامية في توسلهم وتبركهم بالأنبياء والأولياء مثل المشركين الذين وحدوا توحيد الربوبية ولكن ذلك لم ينجهم لأنهم يشركون في توحيد الإلوهية، وهذا كلام غير صحيح لأن المشرك لا يوصف بالتوحيد بأي حال من الأحوال، فلا يكون الشخص مسلماً موحداً حتى يؤمن بأن الله واحد في ذاته وصفاته وأسمائه وأنه وحده مستحق العبادة بحق، ولا يجوز صرف شيء من العبادة إلى غيره، والعبادة هي منتهى الخضوع والطاعة لمن يعتقد العابد إلوهيته، ومجرد المحبة أو الطاعة لا تسمى عبادة شرعاً، فكما أن اسم المشرك حقيقة لا ينطبق إلا على معتقد إلوهية شيء غير الله، أو استحقاقه لشيء من العبادة، كذلك لا يطلق اسم الموحد حقيقةً إلا على من لم يجزئ التوحيد فآمن بربوبية الله وإلوهيته من جميع الوجوه، وإلا فيكون مشركا كافراً باعتقاده إلوهية الغير أو استحقاقه لأي جزء من العبادة استقلالا أو مع الله تعالى، وما يصدر من عامة المسلمين من احترام شعائر الله كالتمسح بالكعبة أو الحجر الأسود أو مقام إبراهيم أو العتبات الشريفة بروضة الحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وما يصدر حتى من العلماء والأفاضل من توسلهم برسول الله، وتبركهم بآثاره كل ذلك ليس شيء منه يصدق عليه اسم العبادة وبالتالي فلا يصدق اسم الشرك على متعاطيه منهم لا لغةً ولا شرعاً 0
ولقد أثلج صدري ما رأيته في رسالة كتبها أحد العلماء وهو الأستاذ حسـن بن علي السقـاف الحسيني الشافعي بعد أن ساق بعض الآيات والأحاديث قال: فمن هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يتضح وضوحاً جلياً أن الله سبحانه بيّن لنا أن التوحيد هو {لا إله إلا الله محمد رسول الله} ولم يذكر الله تعالى في كتابه ولا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم في سنته أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد ربوبية وتوحيد إلوهية وتوحيد أسماء وصفات بل لم ينطق بهذا التقسيم أحد من الصحابة بل ولا أحد من التابعين بل ولا أحد من السلف الصالح رضي الله عن الجميع 0
ثم قـال: بـل أن هذا التقسيم بدعة خلفية مذمومة حدثت في القرن الثامن الهجري أي بعد زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحو ثمانمائة سنة ولم يقل بهذا التقسيم أحد من قبل والهدف من هذا التقسيم عند من قال به هو تشبيه المؤمنين الذين لا يسيرون على منهج المتمسلفين بالكفار بل تكفيرهم بدعوى أنهم وحدوا توحيد ربوبية كسائر الكفار بزعمهم ولم يوحدوا توحيد إلوهية وهو توحيد العبادة الذي يدعونه، وبذلك كفروا المتوسلين بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو بالأولياء وكفروا أيضا كثيراً ممن يخالفهم في أمور كثيرة يرون الصواب أو الحق على خلافها، قال وكل ذلك سببه ذلك الحرانى يعنى ابن تيمية انتهى باختصار0
قلت: إن عقيدة تقسيم التوحيد لو خلت من تلك الأغراض السيئة في نفوس أصحابها من تكفير سواد الأمة الأعظم بسبب التوسل بالأنبياء والرسل والصالحين أو التبرك بآثارهم لما كان فيها شيء، ولكن ما داموا يجعلونها وسيلة لتحقيق أغراض فاسدة نتيجتها تفريق الأمة وتشتيت كلمتها ومفارقة الجماعة فلا يجوز التسامح معهم في ذلك، وواضح أن الله تبارك وتعالى أمر المسلمين بان يعتصموا بحبله جميعا ويتجنبوا الفرقة والشقاق كما قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " آل عمران:آية 102-103
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق